recent
جديدنا

الليالي المظلمة ٢ الفصل الأول

Wisso



 
                      الليالي المظلمة الجزء الثاني 

                        بقلم امل محمد الكاشف   



احببتك اكثر من روحي، احببتك بكل كلمة تسطر معاني الحب، احببتك باللحظة التي انطفئت بها أحلامي و آمالي، أحببتك بأضعف حالاتي ، أحببتك رغمًا حين تسلل حبك بداخلي دون ان اسعى إليه،  احببتك حين هربت و قاطعت الحب، احببتك حين وجدتك ملجأ و مأوى لي حين تخلى الجميع وتمسكت أنت، حين أظلمت حياتي وانارت بك حتى اصبحت انت كل شيء بها،  احببتك واصبحت تمتلك روحي، فحبك فقط وغيره دون... حبك فقط و غيره زوال.. حبك فقط لأجل الحياة... 


بعد مرور قرابة الثماني سنوات.


تعالت أصوات التصفيق و قهقهات الضحك في شركة السيد أورهان لصناعة الفولاذ لنجاحهم بالحصول على موافقة غينيا وتركيا على الطلب المقدم من أورهان  لاستصلاح مجموعة أراضي كبيرة متجاورة بجانب بعضهم البعض تبلغ حجمها مئات الفدادين لاستصلاحها بدولة النيجر الأفريقية. 


 طرحت أميرة الفولاذ الفكرة قبل عدة سنوات بعد مشاهدتها تقرير مصور بإحدى القنوات الاخبارية يسلط الضوء على وضع البلد وتدني مستوى المعيشة لقلة الموارد بها بجانب كثرة معدل وفيات الأطفال لعدم وجود الغذاء السليم، تأثرت برؤية حالة الأطفال هناك ونسب الأمية الكبيرة العائدة لتدني وانحدار مستوى التعليم الذي يكاد ان يكون منعدم هناك لتحتل دولة النيجر المركز الثالث عالميًا بمعدل مستوى الفقر بين الدول .


سيطر عليها التقرير وصور الناس به لعدة أيام وشهور مما جعلها تقترح على مجلس الإدارة أن يذهبوا لهذه المناطق لتقييم الوضع على أرض الواقع لبدء مشروع استثماري  لتعمير الأراضي الزراعية لأجل مساعدة الكثير من العائلات هناك بتوفير المحاصيل الزراعية للأفراد. و توفير فرص عمل  لعدد كبير منهم وبهذه الحالة سيتم تحسين دخلهم و توفير المواد الغذائية الأولية لاستمرار الحياة الكريمة هناك. 

تم استقبال فكرتها دون اهتمام فمنهم من اقترح عدم تغيير مجال عملهم و الدخول بمجالات ليس لهم خبرة بها، والبعض الآخر اقترح ان يكتفوا بإرسال مبالغ مالية سنوية أو شهرية لمساعدة العائلات هناك. 


داهمتها الفكرة وحلمها الجميل بمساعدة الأهالي لشهور وشهور حتى استسلم زوجها و والدها الروحي و قررا تنفيذ حلمها. 


 كان عليهم أن يحصلوا على إذن وتصاريح مهمة لشراء مساحات كبيرة بهذا القدر فكون أنهم من جنسية اخرى وغرباء عن البلد لا يمكنهم الامتلاك دون إذن الدولة المعنية الشراء بها، وها هو اليوم قد جاءهم ما انتظروه منذ ثلاثة شهور. 

ابتهج وجه يوسف وهو ينظر لقرمزيته قائلا 

"ها قد تحققت أول خطوة بحلمكِ، اتمنى ان تكملي الطريق وان لا تتراجعي عنه مهما حدث، بعد أن أصبح الحلم غير خاص بكِ"

رد أورهان 

"نعم تأمل الكثير من أهل المدينة التي سنعمل بها متشوقين لتحقيق هذا الحلم" 

عاد إليها ضيق صدرها وتسارع نبض قلبها وهي ترد على زوجها

 "سنكمل معًا الحلم حتى نحصد ثماره بعيون أهالي البلد هناك" 

طالت نظراته لزوجته بصمت وشرود كبير.

 تحرك زهير المحامي والمسؤول عن المشروع الجديد وهو يقول لهم

"مبارك عليكم مرة اخرى اتمنى تحقيق ما حلمتم به وأكثر بكثير" 

ادار وجهه ليوجه الحديث لسيلين 

"اتمنى ان لا تنسيكِ فرحتك وعدكِ لي" 


ضحك يوسف مجيبًا عليه

 "نعم نتمنى جميعًا هذا فانا ايضا انتظر تنفيذ وعدها الكبير لك بلهفه وشوق" 

ردت سيلين بوجهها المبتسم

"لكم ما تشاؤون بالنهاية اعطيتكم وعد لا مهرب منه، ليكن بعطلة نهاية الأسبوع ان كان مناسب لكم" 

تدخل أورهان بحديثهم

"يا لسعادتنا اميرة الفولاذ ستتنازل و تعد لنا الطعام بيدها " 

رسمت على وجهها ملامح الحزن تدللا على والدها الروحي قائلة بصوت معاتب

"سامحك الله يا أبي ألم أعد لكم الطعام قبل يومين"

 أتاها الرد السريع من زوجها 

" لم نقل هذا ولكنك تتدللين علينا بتحضير الملفوف و الفطائر حتى أصبحنا نراها بالمناسبات فقط" 

ضحك زهير متحدثًا للجميع

"لم اكن اعلم ان الجميع ينتظر وعدك لي. ولكن عليكِ ألا تنسي حلوى اليقطين فلقد اشتهيتها من يدك لكثرة حديث يوسف عنها". 


"لقد احببتك اكثر الان ولكن عليك أن تطلب من فضيلة هانم ان تعد لنا كعكة التفاح بالقرفة لتأخذ علامتك الكاملة مني. حتى يمكنني بعدها ان اعينك مديرًا عامًا عليهم جميعًا" قالها اورهان وهو يضحك بفرحة كبيرة فحين يصل الحديث لفضيلة تلمع عيناه و يطير قلبه من سعادته. 

رد زهير وهو لازال ينظر نحوها  قائلا

"اووووه ه ه ه ه. من الواضح أن عملهم صعب معكم وكأن الجميع كان ينتظر فوزي"


تحرك من  مقعده مكملًا حديثه

"لا اريد ترك الاستمتاع بالفوز معكم ولكنِي مضطر ان استئذن منكم لأجل إنهاء بعض الأوراق المهمة قبل انتهاء الدوام" 

شكره يوسف على جهوده الكبيرة التي جعلتهم يحصلون على الموافقة ببدأ مشروعهم الخيري. 

خرج زهير من المكتب لينظر اورهان لهما قائلا 

 "لا تجعلوا فرحتنا وسعادتنا بهذا الخبر تنسينا اهمية الجدية ببدأ التخطيط له مع القائمين على المشروع وتحديد موعد السفر لمعاينة الأماكن المختارة على أرض الواقع كما تعلمون اريدها قريبة من النهر بقدر المستطاع، ولا تنسوا امر توقيع الاوراق وما شابه من إجراءات هناك" 

تحدث يوسف بحزن 

 "لا تنسي كما اخبرتكِ من قبل، عليكم ان تنشأوا عدة مدارس لاستقبال الاطفال وتنوير عقولهم"

قاطعته بكلماتها

 "لننجح اولا باستصلاح الأراضي ومن ثم نرى أمر المدارس"

تغيرت نظراته لها وهو يجيبها

"انا اثق كثيرا بنجاحكِ. حتى أراه في لمعة عيونكِ من الان"

ابتسمت  وهي تنظر له بعيونها المتلألأة من فرحتها. 

اتصلت السيدة فضيله لينظر اورهان لهاتفه قائلا " وأخيرا تذكرتني أميرتي " 

فتح الهاتف وهو يتحرك مبتعدا عن طاولة الاجتماع قائلا

"من جديد نسيتي أمرنا بجانب الأحفاد " 

ردت فضيلة بضيق 

"اين انتم اتصل ولا احد يجيب!!؟"

 استغرب اورهان نبرة صوتها المذعورة ليرد عليها سريعا وبخوف

 "ما بكِ؟ ماذا جرى؟" 

اقترب الزوجين منه بترقب ليصل لمسامعهم ما قالته فضيلة لأورهان 

"سقط تولاي بمدرسته واتصلوا بي وأنا في الطريق إليه الآن تبقى القليل لأصل" 


تساءل أورهان باستغراب

"كيف سقط؟" 

استأذنه يوسف وهو يأخذ منه الهاتف ليكمل حديثه مع خالته، تحركت سيلين بقلق أخذة حقيبتها وهاتفها هي وزوجها من اعلى الطاولة لتكون أول المغادرين من المكتب للحاق بابنها 

✿✿✿ 

بقصر مخيف يعلو منه صوت نعمان افاي بكلماته المكرره

" سأطلقكِ، وسأتخلص منكِ، سأجعلك تندمين أولا على اليوم الذي رأيتني به، انتظري تبقى القليل"

 خرج من غرفته بغضب وهو يأمر دينيز أن تغلق باب الغرفة دون السماح لأحد بالدخول أو الخروج. 

تتبعت نظرات دينيز الفرحة نعمان حتى خروجه من قصره المخيف و اغلاق السجان بابه الكبير خلفه.

أسرع شبح من إحدى الأشباح العاملين بهذا القصر كي يفتح باب السيارة الخلفي لنعمان بيه الملقب بوحش الظلام.

وقبل صعوده للسيارة توقف لينظر للإرجاء بعيونه الحادة المخيفة ومن ثم تحرك وصعد سيارته التي انطلقت لخارج القصر الكبير تاركا زوجته خلفه تبكي دمًا وقهرًا وظلمًا ليس من ألمها النفسي فقط بل ومن آثار الكدمات التي كانت تُرسم كل ليلة على جدار جسدها الضعيف المنهك.

 

حاولت الصمود والوقوف على أرجلها وهي تمسح دموعها محدثة نفسها بقوة معاكسة لحقيقة ما هي به

 "لن أتركك له، لن أجعله يظلم حياتك كما أظلم حياتي لن أسمح له أن يفرقني عنك" 


فتحت باب غرفتها لتذهب لتجد دينيز تقف أمامها لتمنع خروجها وهي تقول 

"امرك فيروزة هانم اطلبي ما تشائين وسيأتي إليكِ بغرفتكِ على الفور"  

تحركت فيروزة لتبتعد عنها دون رد لتجد دينيز تقف أمامها مرة أخرى تعيق سيرها قائلة 

"أنتِ تعلمين الأوامر لا يمكنكِ الخروج مهما فعلتي"

تحركت  من جديد رافضة لهذا الوضع لتجد أربعة من الحارسات يقتربن ليقفن خلف  دينيز وهم يحذروها ألا تجبرهم على التدخل القوي .

نظرت فيروزة نحو قوة بنيانهم لتقول 

"سأذهب لغرفة ابني يمكنكم التأكد بأنفسكم حتى ابقوا أمام بابها لمنعي الخروج منها حتى الصباح" 

رفضوا ما قالته لتتحدث دينيز مرة اخرى قائلة

 "كما قلت لكِ لا يمكنكِ الخروج من الغرفة الليلة " 

تساقطت دموعها من جديد و هي تتألم بشدة ولكن هذه المرة ألمها اقوى من ألم كدمات جسدها فمن يراها وهي تترجاهم أن يتركوها لتذهب بجانبه يعلم جيدا حجم مأساتها الشبه يومية بالالتقاء بابنها المريض.

 

اقتربت من دينيز متحدثه لها 

"ان لم ترحمي ضعفي أنا، فعلى الأقل ارحمي مرضه واحتياجه لي " 

هزت دينيز رأسها رافضة دون كلام لتيأس فيروزة من محاولاتها معهم و هي تصرخ بوجههم رافضة هذه الحياة.


اجبروها على الدخول لغرفتها وهي تبكي قهرا من همها وحزنها، إرتجف جسدها واهتز كليًا وهي تلقي بنفسها على فراشها لتعيش من جديد ظلمها ووحدتها وقهرها اليومي . 

✿✿✿ 


عادت العائلة الجميلة  لقصر الفولاذ بعد  تأكدهم من سلامة تولاي فلم تكن حادثة كبيرة تم سقوطه من اعلى الأرجوحة بالخطأ مما ادى لالتواء يده اليسرى وتركيب حامل لها لمدة اسبوعين 

اسرع أورهان نحوهم فور دخولهم القصر وهو يقول

 " لماذا تأخرتم اخبرتموني انه بخير و إنكم ستأتون على الفور و لكن انظروا للساعة" 

وضعت سيلين حقيبتها على الاريكة الجانبية مجيبة عليه

"نعم هذا ما حدث، ولكن عادوا ليخبرونا انه هناك مشكلة بالتحليل "

تدخل يوسف بالحديث وهو يُجلس ابنه على الاريكة قائلا 

" لا تذكريني بما حدث لقد ذهبت روح من روحي وهم يخبروني بسوء الوضع وأن لديه مشكلة كبيرة بالمناعة" 

اجابته بصوت مشابه لصوته الرحيم

"نعم امتلأت قلوبنا خوفًا عليه، ولكن نشكر الله انهم عادوا ليخبرونا بحدوث خطأ منهم وتم تبديل الملفات وان التحاليل ليست عائدة لتولاي بيرقدار، و إلا كان وضعنا مختلف الآن " 


جلست فضيلة وهي تطلب من السيدة أنيسة ان تحضر لها كأس عصير ليمون ودواء الضغط الخاص بها.

ردت أنيسة قائلة

"امرك فضيلة هانم سأجعل نصرة تعد العصير وانا سأجلب لكِ الدواء".

تحركت نصرة من الخلف وهي تقول

"على الفور ولكن هل احضر عصير الليمون للجميع ام لفضيلة هانم فقط" 

ردت سيلين وهي تنظر لنصرة قائلة 

"نعم حضري للجميع الليمون وللأطفال عصير فواكه"

رد تولاي على امه متذمرا 

 "هل من جديد.." وتحرك كي يقف معلنًا عصيانه وهو يكمل حديثه

 "لن اشربه دعي الأطفال هم من يشربون" 


اسرعت لتمسكه من يده اليمنى قائلة 

" انا لم اقصد احزانك رأيت كم خفت وقلقت عليك، اعلم انك شاب كبير و قوي ايضا" 

ضمته داخلها وهي جالسة بجانبه مقبلة رأسه وهي تقول

" ذهبت روح من روحي اليوم، الشكر لله على سلامتك " 

غارت لي لي لتحرك حقيبة ظهرها على كتفها قائلة بوجه مقطب

"اعتقد انكم لستم بحاجة لي الان، سأنسحب لأترك له الساحة ومن ثم اعود حتى اجد من ينتبه علي " 

ابتسم أورهان وهو ياخذها بحضنه قائلا 

" انظروا من يتحدث. هل غار قلب مدللتنا. ام انكِ حرمتي الدلال على غيرك" 

ابتسم يوسف وهو يشير لزوجته 

 "انظري إليها هذه نهاية دلالكِ لها. اصبح قلبها لا يتحمل ان تدللي أحدا غيرها" 

فتحت سيلين ذراعها الاخرى وهي تقول لهم "لا دخل لأحد بها فلتتدلل كما تشاء، فكم لي لي لدينا بالقصر" 

اسرعت وألقت بنفسها بحضن امها وهي تقول

" نعم واحدة فقط ولا يوجد بديل عنها " وحركت يدها لتبعد يد تولاي من حضن والدتها.

ولكنه رفض كالعادة ليتشاجرا  وهما بحضنها على من سيستحوذ على أكبر قدر من حضنها 

وبينما كانا يحركان ايديهم داخل حضنها ضحكت هي من دغدغت يديهم على بطنها وخصرها ليتمادوا بدغدغتها عمدا حتى انقلبت مشاجرتهم لحفل دغدغة لها كما يحدث بكل مرة. 

ازدادت ضحكات سيلين وهي تبتعد عنهم لينظر يوسف لخالته قائلا

 " اعتقد انهما  يفعلان ذلك  عنداً بي، فإن حرمت حضنها عليهم من بعد الان لا يعارضني أحد" 


ضحك اورهان وهو يأخذ العصير من نصرة قائلا " لقد غار كبيرهم" 

 

شكرت فضيلة السيدة أنيسه على الدواء ومن ثم تحدثت لابن أختها 

 "لا يمكنك الضغط على احفادي اقطعك دون رحمة او تفكير" 

لم تنهي حديثها حتى وجدت أحفادها يدغدغونها هي ايضا بحب وضحك، خافت على يد تولاي فأصبحت تحذره ان يهدئ وان يكف عن دغدغتها ولكن دون استجابة منهم 

✿✿✿ 

في شركة غريبة الملامح لا يوجد بها شيء واضح سوى لافتة كبيرة مكتوب عليها

₪شركة نعمان افاي للاستيراد والتصدير₪ 

ترأس  مكتبه بوجهه الغاضب في غرفة مكتبه المخيفة كوجوه العاملين التي تشعر من يراها بعدم الارتياح. 


وبدون استئذان دخل رجل مسرعًا متحدثًا بعيونه المتسعة المذعورة قائلا 

"سيتم الهجوم علينا، رجال فواز تحاوط المكان"

 اسرع الجميع بإخراج اسلحتهم والتأهب للهجوم الذي بدأ على الفور.


علت اصوات الرصاص لتصبح تتهاطل  عليهم كالأمطار من كل مكان، حاولوا التصدي لها ولكنهم لم يستطيعوا لعدم استعدادهم للهجوم.


صرخ نعمان كالأسد الغاضب برجاله وهو يأمرهم بالانسحاب والهروب من النفق السري الخاص بهم.

 

ليدخل فواز ورجاله الشركة المظلمة باحثين عنهم بكل مكان دون ان يجدوا بها احدا حينها تأكد فواز من وجود مخبأ او مخرج لا علم لهم به. 

ورغم بحثهم بكل مكان الا انهم لم يصلوا لشيء فكر قليلًا بأعينه الحادة ليأمر رجاله بالخروج السريع ومغادرة المكان.

 

ركض الجميع للخارج ليتفاجؤوا بما شعر به فواز، فلقد عاد الاسد نعمان ورجاله ليحاوطوا الشركة بعد ان تزودوا بالأسلحة من النفق 

دار بينهما ما أشبه بحرب حقيقية طلقات الرصاص تنهال وتتطاير من الجهتين بشكل مخيف، الدم والقتلى تتساقط من الطرفين كأوراق الشجر بالخريف.

انتصر نعمان بهذه المعركة حتى استسلم فواز بعد ان بقي معه رجال قليلون لم يكن الاستسلام وموافقة نعمان على تركهم بهذه السهولة بعد ان جاءته الفرصة أسفل اقدامه،  ليغتنم نعمان هذا الانتصار ويجبر فواز بالتوقيع على أوراق تنازله عن صفقة العمر كما كانوا يسمونها بدنيا الأعمال السوداء.

 

لم يجد فواز حل اخر ليحفظ روحه سوى التوقيع والتنازل عنها لنعمان ليخرج بعدها من الشركة وهو مختنق بوجه احمر ينظر بحرقة إلى دماء رجاله المنثورة بكل مكان بالداخل.

صعد سيارته الكبيرة بصعوبة هو ورجاله مبتعدين عن المكان . 

وقف نعمان وسط ساحة المعركة كالأسد الفائز على قطيع الضباع يزأر ضاحكًا بعيونه وهيئته المخيفة، فبرغم وسامة وجمال ملامحه وشعره الاسود و وجهه المضيء الا ان حدته و صلابته وقوة قلبه جعلته مخيفًا للناظرين .

✿✿✿ 

هدأت الاجواء في قصر الفولاذ وصعد الجميع لغرفهم كما ذهبت فضيلة واورهان الى جناحهم الخاص بالطابق الاول بجهة اليمين من القصر فعندما رغب الزوجان ان يعودا لمنزلهم لإكمال حياتهم بمفردهم فكر اورهان و فضيلة بطريقة مناسبة تدفعهم للاستقرار معهم بالقصر دون الضغط عليهم 

ليقترح أورهان ان يخصصوا جناحًا خاصًا بهم فيه صالون و طاولة كبيرة للطعام اضافة إلى حمام و مطبخ صغير، و ان يكون الجناح له باب خاص خارجي بجهة باحة القصر كي يتركوا باقي القصر ليوسف وزوجته.

 

خجلت سيلين من حديثهم حين ذاك واخبرتهم ان وجودهم ليس عائقًا لهم و لكنهم يريدون العودة لمنزلهم الذي اعتادوا عليه وأحبوه.


تركهم اورهان براحتهم و هو يوصيهم بعدم حرمانهم من الصغار و ان يأتوا لزيارتهم دوما دون تثاقل او ملل، حزن يوسف من حديث اورهان ومن صمت خالته فضيلة ليقرر البقاء معهم كي يرضيهم و لا يحرمهم من الوسط العائلي و الاحفاد دون فصل الطوابق كما خططوا.

اصرت فضيله و اورهان على الفصل الذي اصبح شكلي فقط مع مرور الايام والسنوات وازدياد الترابط وتعلق الاحفاد بأجدادهم لدرجة انهم كانوا يستيقظون بالصباح ليجدوا الاولاد لم يناموا بغرفتهم وعند بحثهم عنهم يجدونهم بأحضان اجدادهم. 


ناهيك عن السهر لكون أورهان كان من محبي افلام الاكشن و الحروب التي يحبها كل من لي لي و تولاي بشكل غريب.


بالأعلى في غرفتهم الجميلة المحفوفة بالحب والسعادة والهدوء استيقظت سيلين وسط الليل لتنظر لوجه زوجها بنومته وهي حزينة تتذكر احاديثه المخيفة لها، بعد أن اكثر يوسف من أحاديثه التي أشبهت الوصية المستقبلية في حال رحيله عنهم، افعلي هذا و لا تنسيني و تذكري ما دار بيننا، اتعبها هذا الشعور الذي اصبح يرافقها وكأنها ستفقده وتعيش ما تبقى من حياتها بدونه 

✿✿✿ 

عاد نعمان للقصر المخيف وهو أشد قوة وصلابة وحدة علم من دينيز بكاء فيروزة لأجل عدم سماحه برؤية ابنها المريض. 


 ازداد وجهه الحاد غضبًا على دينيز قائلا 

"ولماذا لم تتصلوا بي"

لم ينتظر اجابتها دخل غرفة ابنه وهو يقترب من فراشه كي يحمله بين يديه، اقتربت الممرضة الخاصة بالطفل وهي تقول

 "انه بحالة جيدة تم إعطائه الادوية واطعامه" خرج من الغرفة دون رد مثبت نظره نحو ابنه بحضنه بعيون قويه وكأنه ليس بطفله.

 

دخل غرفته بعد ان فتح حراسها بابها امامه مغلقين  فور دخوله دون تجرأ أحد مد بصره للداخل فمن تعلو عيناه وتتسلل داخل غرفته يقطع دابره من الحياة كلها وليس فقط من القصر .

نظر نعمان لمحبوبته ليجدها نائمة ارضا وهي متكئه على جانب الفراش جاء ليقترب منها تراجع حين تذكر كيف عنفها وتحدث معها قبل خروجه، تراجع خطوات واضعا بعدها الطفل على الفراش بهدوء حرصا على عدم استيقاظها. وبدأ بتبديل ملابسه ودخوله الحمام ليزيل آثار الدماء والاجهاد العصبي جراء ما حدث معه بالمستودع.

 

خرج من الحمام وهو يجفف شعره بالمنشفة الصغيرة تحركت هي بنومها بعد ان شعرت به فتحت عينيها لتجده أمامها يرتدي ملابسه السوداء.

نظرت نحوه بخوف تركها مقترب من طاولة المشروب كي يضع له كأس من النبيذ الاحمر قائلا 

"لا تخافي انه فقط من اجل اراحة العقل ونسيان الاجهاد" 

تحركت لتقف بجانب فراشها وهي تنظر له غير منتبهة على من نام واستلقى خلفها أعلى فراشها. 

نظر نعمان نحو فراشه وهو يقول 

" انظري إليه أليس هذا حبيبكِ الذي ذرفتي الدموع لأجله طوال اليوم" 

فرحت فيروزة عند رؤيتها لابنها الصغير تحركت لتصعد بجانبه ولكنه امسكها من ذراعها وهو يقترب منها ليشتم رائحتها العطرة قائلا 

"عليك اولا ان تشكريني على هذا "

 نظرت نحوه بخوف ألم قلبه وتحدث به 

"اعتذر منكِ انا لم اقصد ما قلته ولكنكِ تجبريني عليه بكل مرة تمتنعي عني وترفضي قربي منك"

استسلمت لقربه منها وهي تتحمل آلامها من كدمات جسدها المنهك. 

تحرك بها ليناما سويًا على فراشهم مكتفيًا بادخالها في حضنه كي يشبع رغبته بامتلاك فيروزته في كل يوم وساعة ولحظة فهو العاشق لزوجته لحد الجنون هي الوحيدة التي يصبح بجانبها مكسورًا ضعيفًا مهزومًا. 


نام نعمان صاحب اسطورة الظلام كالطفل المكسور بجانب زوجته 


(تعجبتُ كثيراً لأمره فاين ذهبت هذه القوة و الجبروت و العنف والصراخ والتوعد لها) 


اقتربت فيروزة بنومها لتحتضن ابنها من الخلف ليقترب هو ايضا ليحتضنها من ظهرها كي ينام غارقا بالسعادة والأمن الذي لا يشعر به سوى بجانبها. 


لم يطل الوقت كثيرا حتى أشرقت شمس يوم جديد تضيئ ظلمة غرفتها لتوقظ طفلها الذي بحضنها وهو يردد 

" أمممم. أممم" 

فتحت فيروزة اعينها بوجهها المبتسم فما أجمل هذا الصباح الذي تسعد برؤية وجهه المبشر بالخير، اخرجت صدرها من ثوبها الجميل و بدأت بإرضاع طفلها وهي تحن عليه مبتسمة بوجهه تلعب بخصلات شعره الكثيف الاسود الشبيه بشعر ابيه. 


وبعد اشباعه همت لتتحرك به ولكنها شعرت بيد زوجها التي كانت تحاوط خصرها بنومه امسكتها بحذر وبطء وحركتها لترفعها عن خصرها كي تتحرك من جانبه وهي تحمل طفلها الذي لم يكمل عامه الأول.


انزلت ارجلها من على الفراش وهي تنظر خلفها لتتأكد من نومه ثم تحركت بعدها متوجهة لحمام الغرفة الذي كاد ان يصل حجمه لحجم منزل متكامل من كبره.

 

وضعت ابنها بمقعده المخصص له بجانب الحوض وبدأت بغسل وجهه و يداه وهي تلاعبه بصوتها المخفض. 


اخذته و وضعته بمقعد اخر داخل بانيو صغير مخصص له بجانبه الكثير من الالعاب واغلقت الستار عليه لتبدأ هي بالتحمم السريع.

 

ألتفت بمنشفتها البيضاء المزينة بالخيوط الفضية اللامعة وخرجت من البانيوا الكبير لتنظر لطفلها الذي كان يلعب بألعابه المطاطية وسط المياه.

 

اقتربت منه و بصوت منخفض قالت له 

"لن نغسل شعرك هذه المرة كي لا توقظ اباك من نومته" 

رد طفلها الضاحك عليها مردد 

" با باببببا"

 ضحكت بوجهه 

"هل تريد اللعب مع والدك" 

اخرجته من وسط المياه واخذته لتضعه مرة اخرى على مقعده الجاف بجانب حوض غسيل الايدي وبدأت تلبسه ملابسه التي على هيئة ارنب ابيض كثيف الفرو.

 

اغلقت الخزانة الصغيرة التي تعلوا الحوض واخذته لتخرج من الحمام متجهة لركن الألعاب الخاص بطفلها.

 

جلست على فراش أرضي لم يبلغ ارتفاعه العشر سنتيمترات وبدأت بإخراج صدرها مرة اخرى لتلبي رغبة طفلها بأكمال رضاعته حتى شبع ونام ذو العيون السوداء الواسعة الجميلة، حركت يدها على شعره وهي تقول له 

" كم تشبه اباك وعمتك و كأنك نسخة مصغرة منهم" 

شردت قليلا لتكمل وهي تدخل صدرها داخل المنشفة تاركه ابنها على الفراش الأرضي.


اخذت من جانبها علب حقن مجهزة لأجل الطفل فهو مريض بنوع غريب من امراض المناعة، حقنته بهدوء دون ان يستيقظ أو يبكي فمن الواضح انه اعتاد على هذا الألم 

حتى أصبح روتين يومي له

✿✿✿


و في يوم جديد تجهز الجميع لأجل زيارة عمة سيلين الحقيقة السيدة إيفان افاي التي وعدتهم ان تأتي لقضاء اجازة نهاية الاسبوع معهم. 

 فرحت سيلين بوصول عمتها للقصر كما رحب الجميع بهذه المرأة الهادئة المحبة 


جلسوا بالصالون يتحدثوا مع بعضهم وخاصة الاولاد الذين كانوا ينتظرون ما وعدتهم به من العاب خشبية تصنع في بلدتها يدويا.


اخذ تولاي المركب الخشبي وهو سعيد بتصميمه اما لي لي فكانت تنظر للمجسم الخشبي الذي على شكل عروسة خشبية وهي تقول

"يا ليتني اخترت الجيتار الخشبي ندمت كثيرا لأني لم اختره بوقتها و لكن امي رفضت ان اغيير رأيي" 

نظرت سيلين لابنتها بأعين حادة تحذرها مما تقول، ليضحك اورهان وهو يقول للسيدة إيفان 

"نعتذر منكِ فمدللتنا تغيير رأيها باللحظة اكثر من عشرات المرات لأجل هذا ساعدتها جدتها فضيلة لتختار لها ما تريد " 


ضحكت العمة إيفان وهي ترد قائلة

" لكِ ما تريدين بالمرة المقبلة سأحضر لكِ الجيتار" 

تدخلت سيلين قائلة

" لا تدللوها اكثر من ذلك اخاف ان يأتي وقت لا يستطيع احد ارضاءها" .


رد يوسف على زوجته وهو ينظر لخالته قائلا

" انظري لمن يتحدث؟" 

ثم نظر لزوجته ليكمل

" ام انك غرتي لأن أحد غيركِ يدللها" 

ضحك الجميع على قاله يوسف 


شردت سيلين بضحكهم وأحاديثهم متذكرة 

لقائها الاول بالسيدة إيفان  حين اخبرتها انيسة بوجود امرأة بالأسفل تريد مقابلتها لتتفاجأ سيلين يومها بالعمة وهي تحتضنها بدموعها  تخبرها انها عمتها الاخت الوحيدة لوالدها.


تذكرت سيلين اعادة عمتها لها ميراثها من والدها و تحدثها عن اخيها الوحيد من أبيها فقط دون امها. 

اقترب تولاي من امه وهو يقول لها 

"أمي هل تسمحين لي أن أذهب مع انجري و الاصدقاء للنادي" 

رفضت سيلين سريعا ما يقول ابنها بل رفض الجميع ذلك و اخبروه انه لم يمر الكثير على فك رابط يده وان عليه الحرص كما اخبره الطبيب كي لا تتضرر يده المتعافية حديثا 

حزن تولاي وظل صامتا لا يشاركهم الأحاديث.

 

وصل زهير ليشاركهم التجمع الجميل، تحركت سيلين إلى المطبخ لتتابع طعام العشاء بنفسها ليذهب يوسف خلفها وهو يراجعها في قرارها بحق تولاي

"أصبحت يده بخير ا يستدعي الأمر احزانه" 


ردت عليه وهي تحذره قائلة

 "اياك ان تتدخل بهذا الامر ان حدث و سقط او صدمها بشيء سيسوء وضعها أكثر، علينا أن ننتبه" 

رد يوسف متذمرًا 

"ولكنكِ تظلميه ألم تري كم حزن، ان كانت لي لي من طلبت منكِ.." 

اقتربت منه وهي تقاطعه بحدة

" اياك ان تكمل انا لا افرق بينهما، اخبرتك سابقا هو رجل لا يمكنك تدليله و إرضاءه كلما طلب شيئًا" 

رد عليها ليراوضها ويعيدها عن قرارها

"حسنًا لتكن الاخيرة لأذهب انا معه كي احافظ عليه لا تقلقي" 

رفضت من جديد وهي تقول

"برافوا ستترك ضيوفنا و تذهب لترضيه" 


احتار يوسف امام اصرارها ليختار الصمت محاولا إرضاء ابنه طوال اليوم كي لا  يستمر بحزنه وصمته.

 

توالت الايام الجميلة الهادئة بالعمل و الدراسة و تفوق الابناء كما كانت تحرص أمهم دائما 


و برغم التوسع بالأعمال و الضغوط و مرور السنوات إلا أن يوسف لا يزال حريصًا على رقصته الهادئة قبل النوم 

فها هو يحتضنها من جديد ليرقص معها على أنغام قلوبهم دون موسيقى ولا حديث وكأنه يستمد طاقته و راحته و هدوئه و سعادته بهذه الرقصة و هذا الحضن الطويل الهادئ.


اختلفت رقصتهم هذه المرة قليلا عن سابقاتها بعد ان طلب منها يوسف ان لا تنساه ابداً، بل لا تنسى تلك الرقصة وتلك الايدي التي تحتضن مصدر سعادته وحياته.

اختنقت ودمعت عينيها وهي تقول بنبرة عتاب 

"هل من جديد الا تشفق علي وعلى قلبي، هل ترغب بان تجعلني مريضة نفسية بسبب هذه الأحاديث" 

نزلت يده لتتركه وهي حزينة متوجهة لفراشهم كي تنام.

 

تحرك خلفها معتذرا منها قائلا

"لن اكررها" ثم احتضنها حضن قوي صامت جعلها تتقطع أكثر حزنًا و خوفًا عليه. 


فما هذه الحالة و ما هذا الشعور الذي تملكهُ منذ اشهر و كأنه فعليًا يودعهم؟! 


استيقظوا في اليوم التالي مبكرا للذهاب بشكل عائلي الى حفل لي لي المدرسي حيث كانت تشارك بإحدى المسرحيات التاريخية، سخر والدها منها وهو ينعتها (تركان) كنية عن دورها بالمسرحية، لتحذره فضيلة عن فعل ذلك والا سيحرم من الذهاب معهم.

 قبل يوسف ابنته وحملها على كتفه مثلما يحمل الخباز كيس الدقيق  ليمازحها ويضحها ومن ثم ادخلها بحضنه وهو يقول لها

"أمزح معها فأنا فخور بك بكل انشطتك الجميلة، من النادر وجود شخص به كل المواهب التي تمتلكينها كالغناء والتمثيل و السباحة حتى الرسم لم تتركي شيئاً إلا و تميزتي به" 

ردت لي لي عليه

"اخبرتني امي هوليا أنني اشبهها بهذا الامر كثيرًا" 

تغيرت ملامح يوسف و جاء ليرد بقوة لولا ضغط خالته فضيلة على يده و هي تحذره بأعينها كي لا يفعلها.

احتضنتها سيلين بحب مؤكده على ما قالته

"هي محقة فأنتِ ورثتي منها العديد من المواهب إلا التمثيل فانا اعرف ممن ورثتيه جيدًا" 

قالته لتنظر نحو زوجها بعيون ضاحكة محركة باكتافها مقلدة هيئة حسن بالماضي.

 

ضحكت عيون يوسف لتذكرها حسن اكملت سيلين حديثها لتقول

"وان كنتي تشبهينهم يجب ان يكون لك طابعكِ الخاص و بصمتكِ التي تميزكِ، فأنتِ تحبين هذه المجالات مثل والدتكِ و لكن عليكِ ان تصنعي لكِ بصمتكِ الخاصة بكِ، وهذا ارى بوادره جيداً من الأن فأن لم تكوني مميزة لما كنتي استطعتي الاستمرار" 


جاء اورهان للصالون لتنظر له فضيلة قائلة بصوت حنون

 " أين كنت هل كل هذا الوقت استغرقته في ارتداء الجاكيت" 


ضحك اورهان و قال

" نعم هذا ما يحدث عندما أحرم من جمال مساعدتكِ " 

خجلت فضيلة من نظراته و تغير صوته وكأنه شاب صغير 

تحدث اورهان مرة اخرى وهو يقول

" اعتذر منكم جائني اتصال مهم اضطررت للرد عليه" 

ثم نظر نحو يوسف مكملًا 

"اتصل زهير بي ليؤكد اهمية الذهاب لافتتاح البدأ بالعمل في المشروع" 

ردت سيلين بشعور غريب ضرب قلبها

"هل بهذه السرعة ؟" 

ليرد عليهم أورهان قائلا 

" نعم فكما تعلمون البلد بدائية جدا و التجهيزات لم تأخذ وقتًا كبيرًا فبمجرد وصول المعدات الجديدة و بناء المخازن و مقر العمل بدأ العمل" 

رد يوسف ليسأله عن الثلاجات الكبيرة هل وصلت ام أنها لا زالت في الجمارك تنتظر اذن الخروج 

اجابه والده الروحي وهو يخرج بجانبهم من القصر 

"جميع المعدات و الاجهزة وصلت و تمت التجهيزات الاولية وتبقى فقط ذهاب احدنا لافتتاح المشروع كي يبدأوا العمل به"

 

تحدثت سيلين قبل صعودها السيارة لتخبرهم أنها ستذهب معهم لأول افتتاح فهي تريد ان ترى البلد و أهلها عن قرب.

 

لم يعارضها احد بل واعطوها الحق برؤية حلمها وهو يتحقق على أرض الواقع.

بدأ العرض المسرحي وتبين تميز صاحبة الشعر الذهبي شبيهة امها بالتمثيل، فرح الجميع بالأولاد الذين أجازوا ادورهم وتقمصوا الشخصيات بقوة.

انتهى العرض ليقفوا جميع الآباء والأجداد ليصفقوا لابنائهم واحفادهم، بهذه اللحظة تفاجأوا بسقوط سيلين مغشيًا عليها باخر العرض المسرحي لم يستغرق غيابها عن وعيها ثواني معدودة ومع ذلك اصر زوجها ان يأخذها للمشفى كي يطمئن على نسب الضغط والدم. ليتبين 

انها حامل فرح الجميع بهذا الخبر الذي طال انتظاره بعد تولاي دون اي سبب او تفسير من الأطباء. 

حزنت لرغبتها الكبيرة للذهاب لافتتاح مشروعها الخيري. 

تمنت لي لي ان يأتيها اخت اما تولاي لا فرق لديه اذا انجبت امه ولدا او بنتا 

فكان كل اهتمامه بدراسته و تدريبه بكرة السلة و ان يصبح لاعبا مشهورا بها.

 

تم تحديد موعد السفر ليزيد معه ضيق و توتر يوسف و محاربته لشعور غريب بداخله وهو انه سيفقد عائلته و سعادته و هدوءه، فهذا ما كان  يراه بأحلامه المظلمة وحاول التهرب منه لشهور.


و هذا ما جعل وداعه لعائلته مختلفًا عن اي وداع يحتضنهم بحزن وقوة يوصيهم على بعضهم البعض، تركهم امانة لدى فضيلة و اورهان الذي فضل البقاء في تركيا لأجل ادارة الاعمال لكون سيلين بحاجة للراحة بسبب تعبها من الحمل.  

ما جعل الامر يسوء أكثر هو توصيته لزوجته على ابناءه و الحرص على تحقيق احلامهم و ما تمنوه لاجلهم و ان لا تضعف و لا تتراجع عن جعلهم مميزين ناجحين ذووا منفعة لمجتمعهم مؤثرين به. 

حينها رفضت سيلين سفره و ذهبت لأورهان بعيونها الباكية لتخبره قرارها و طلبت منه ان يرسل مندوبا عن الشركة كي يحضر الافتتاح بدلا عنه.

رفض يوسف و اخبرهم انه بخير و لكنه اراد الاطمئنان عليهم قبل ذهابه و احتضن زوجته وهو يقبل رأسها قائلا 

" لن تتخلصي مني بسهولة سنشيخ سويًا" 

و همس بإذنها ليقول

" لن اهدر حقي بالرقص معك  لا تقلقي سأعود لأخذه باثر رجعي" 

ابتسمت و هي تترجاه ان يبقى ويتراجع عن سفره إذا كان يشعر بسوء 

قاطعها قائلا 

" لا يوجد سوء ما بكم تحدثت بكلمتين فانقلب الجميع علي" 

ودعهم وداعا حميما طلبت بعده ان تذهب معه الى المطار فلقد ضاق صدرها مما يفعله و لكنه رفض متحججا بعدم رغبته بإرهاقها وهي ببداية حملها خاصة و انها تعاني من الدوار الزائد.


ذهب بمفرده تاركا قلبه خلفه وكأنه وداعه الاخير حقا

لم تكف عن الاتصال به و التحدث معه طوال الطريق حتى اخبرها بوجوب اغلاق الهاتف استعدادا للإقلاع كما طلب منهم مضيفي الطائرة. 

تحدث ليختم حديثهم وهو يدعها بأمان الله هي و عائلته. ثم اغلق الهاتف لتبدأ هي بالبكاء المنهمر من عيونها كالشلال.

نهتها فضيلة قائلة

"ماذا تفعلين هل ستجعلين هرمونات الحمل تؤثر عليكِ لهذه الدرجة، وكأنه يسافر لأول مرة و يترككم خلفه؟، اهدئي و لا تبكي" 


حركتها لتغسل وجهها وهي تطمئنها و تهدئها بعكس ما كانت هي نفسها تشعر به، فقد شعرت فضيلة بضيق في صدرها حتى كادت ان تمنعه و تعيده من المطار مرة أخرى.


فاتصاله الأخير وهو يوصيها من جديد على أبنائه وزوجته قبل صعوده الطائرة لم يكن مريحا لقلبها 

توضأت سيلين لتصلي فرضها ورفعت يدها لتدعوا ربها ان يحفظ لهم زوجها. 

✿✿✿

ذهب نعمان افاي إلى قرية جوليازي بالقرب من بورصة استجابة لنداء عمته.

جلس بجانبها على عكس قوته وحدته و جبروته الذي يخاف منه الجميع  وكأنه طفل صغير ضعيف يتحدث بانكسار وهو يسأل عن أخته

 " هل هي بخير؟"

ردت إيفان ويدها تحنو على ظهره بجلسته المنحنيه ورأسه المطأطأه من شدة انحنائها 

 "بخير يا بني، هي وزوجها وابنائها بخير والحمدلله" 

أومأ برأسه متسائلا

 " وماذا عن ذلك المتعجرف هل لا زال كما هو ام تغير وضعه" 

ردت إيفان بقوة عليه قائلة 

" إياك ان تقترب منه إياك احذرك" 

صمت نعمان ليظهر على وجهه تعابير الغضب المخيفة لتتحدث عمتهُ له 

 " يكفيها ما عايشته بالماضي. تذكر دائمًا انه هو من أنقذها و حافظ عليها وجعلها أميرة بقصرها. ان رأيت كم هي سعيدة وفرحة لكنت شكرته بدلا من انتظار سقوطه بالخطأ" 


رد نعمان بضيق

 " ذهبنا لفعل هذا وانتِ تعلمين جيدا كيف استقبلنا وحدثنا"

 اخفضت إيفان صوتها وهي تقول

"انت تعلم كم هو رجل محافظ و نظيف، ماذا كنت تنتظر منه و انت تخبر اختك بما فعلته بسرحات و زوجته " 

فار الدم بعروق نعمان ليتحدث بأعينه المخيفة قائلا

" هل كنت سأتركهم على قيد الحياة بعد ما فعلوه بأختي " 

نظرت إيفان حولها وهي تجيبه بصوتها المنخفض 

" ولكن كان عليك أن تصمت دون اخبار احد بهذا. على الاقل امام زوجها" 

رد وهو يبرر ما فعل قائلا

" اخبرتها لتفرح بعودة حقها وكي ترفع رأسها. لم تكن لدي نية اخرى" 

تنهدت إيفان بحزن 

"متى ستعود يا بني من هذا الطريق المظلم. اخاف عليك كثيرا. ارتعب وادعوا كل ليلة ان يحفظك الله لزوجتك وطفلك " 

رد نعمان بعد ان ابتلع ريقه قائلا 

" هل من جديد ، اخبرتكِ أكثر من مرة لا عودة لنا من طريقنا. حتى وان كانت نهايته الموت ان عدت الان سأكون بمثابة اسقاط نهايتي بيدي " 

تحدثت إيفان والدموع بأعينها لتقول

" طمني على صغيري كيف اصبح بعد آخر جلسة" 

رد نعمان عليها وهو يبتسم ابتسامة بالكاد ظهرت على وجهه قائلا

" نعم بخير اراه يلعب مع امه بشكل جميل حتى أصبح يقول با با " 

فرحت إيفان وطلبت منه ان يأتي بزوجته وابنه لزيارتهم وان يسمح لهذه المسكينة الضعيفة ان ترى النور 

رفض نعمان وقال لها 

"ان اردتي سأخذكِ إليهم كالمرة السابقة ولكن لا تجبريني على فعل شيء ليس بيدي"

 

حزنت إيفان اكثر متحدثة إليه بحنان

" ليس جميعهم سواء يابني . لا تجعلها تدفع ثمن اثم لم ترتكبه. ما فعلته والدتك في الماضي ليس بقاعدة يسير عليها الجميع. فلقد رأيت زوجتك كم هي صادقه وصاحبة قلب رحيم. حتى لسانها يتساقط منه الشهد بحديثها. جمال وادب واخلاق وان لم اراها سوى مرة واحده إلا انني لامست هذا بها، نعمان اتوسل إليك يا بني لا تجعل جمالها نقمة تعذبها به طوال حياتها. لم تستطع تذوق السعادة وانت تسجنها بقضبان قصرك المخيف " 

وقف نعمان مجيبًا عليها

" سأذهب الان الحمدلله أنكِ بخير ان اردتي شيئاً اخبريني على الفور دون تردد " 

وقفت عمته لتودعه بحزن و حسرة لم تستطع منعه و اعادته عن طريقه المظلم و لم تستطع مقاطعته وتركه يغرق أكثر مما هو فيه، دعت وهي تودعه أن يحفظه الله ويهديه ويصلح حاله.

✿✿✿

فوق السحاب بداخل الطائرة المتوجهة للنيجر حدث ما كان يخافهُ منذ شهور، فبعد انطلاق الطائرة و اقلاعها بوقت ليس بقصير تبين وجود خلل فني بمحرك الطائرة 

حاول الطاقم المسؤول عن ادارتها تدبير الامر و السيطرة عليه كي يهبطوا بأقرب مكان امن، من سوء حظهم تم انقطاع الاتصال بينهم و بين مركز السيطرة في اسطنبول. ليفقدوا امل الهبوط الآمن، شعر الركاب بسوء وضع الطيران و كثرة الاهتزاز الذي بررته المضيفة  بسبب كثرة المطبات الهوائية و لكن الأمر ليس كذلك.

 

خرج احد افراد طاقم الطيران بعدها ليخبرهم حقيقة الوضع و ان عليهم الاستعداد للاسوأ و اوصاهم ان يدعوا الله كي ينجيهم فهذا ما يحتاجوه الآن

بدل طاقم الطيران قصار جهده لإنقاذ الجميع، ازداد الامر سوءًا عند رؤية الركاب للنيران من نوافذ الطائرة،بعد ان اندلعت واشتعلت بسبب احتراق محرك الجناح الأيمن للطائرة 

بدأت اصوات البكاء تتعالى كما بدأ البعض بالصراخ وغيرهم بمناجات لله كي ينقذهم، رفع يوسف يديه وهو يدعو بعيون دامعة من هول المشهد استودع عائلته و زوجته و حياته لله وحده. 

عارض طاقم الطائرة القبطان بالاستمرار بالطيران و اخبروه ان عليهم محاولة الهبوط الاضطراري بأي مكان 

و لكن مع الاسف كانت كل الاختيارات واحدة سواء وصلوا لمقصدهم او هبطوا اضطراريا فإن الهبوط بكل الاحوال لن يكون آمنا. 

✿✿✿ 

ازداد الوسط توترا وقلقا بقصر الفولاذ وكأنهم يشعرون بوضع غاليهم ، لم تكف سيلين عن الاتصال بزوجها رغم معرفتها موعد الوصول بعد نصف ساعة من الان.

 مرت الدقائق بصعوبة كبيرة كلا منهم يحاول تكذيب حدسه وما يشعر به، يتذكرون حالته وكلماته الاخيرة بقلب يغص ألما وخوفا عليه.

مر الوقت ولا زالوا على وضعهم تتصل زوجته به دون الوصول له، اتصل نعمان بنصرة يسألها عن وضع أخته وهل اطمئن قلبها على زوجها ام لا زالت متوترة.

أخبرته بالتفاصيل وهي تتخبئ عن العيون، حزن على حزنها وأغلق هاتفه دون رد عليه، نظر لمساعده قائلا 

"اريد معلومات سريعة ودقيقة عن الرحلة وموعد وصولها وأي شيء يطمئنا على ابن بيرقدار"

لم يتحمل اورهان رؤية ابنته بهذا الوضع ابتعد عنهم وهو يفتح هاتفه ليتصل بأحد أصدقائه العاملين في المطار لكي يطمئن على وضع الرحلة و سبب تأخر هبوطها.


لم يرد عليه بأول اتصال وعند تكرار أورهان اتصاله رده معتذرا 

"سأعاود الاتصال بك مرة أخرى لدينا أمر طارئ وعلي ان أغلق بسرعة"


نظر خلفه ليجد ابنته بالقرب منه متسائلة

"هل توصلت لشيء"

اجابها بقلق  

"اهدئي يا ابنتي لا يوجد شيء سيفتح هاتفه بعد قليل وتطمئنين عليه بنفسك، انت تعلمين حالة البلد من الممكن أن تكون شبكة الاتصال ضعيفة" 

استمرت سيلين بتكرار الاتصال حتى اتى الاتصال القاسم العاصف لأورهان ليبلغه زهير

 "لا اعرف كيف سأخبرك بذلك ولكن علمت للتو بسقوط طائرة يوسف قبل وصولها للنيجر بدقائق" 

سقط الهاتف من يده وعقد لسانه عن النطق، اقتربت فضيلة واخذت الهاتف من الأرض وهي تصرخ بالمتصل قائلة

" ماذا حدث " 

لتتسع اعينها مما سمعته، سقطت سيلين  بمنتصف الصالون وهي تصرخ بإسمه منادية عليه" يوسف لاااااا.. يوسف لااااا.. لااااااا.. لاااااااااا.. يوووووسف" 


ان ارادت الحياة أن تعصف بك و تقصفك وتنهيك لن تجد ما تفعله أكثر من حرمانك من روحك و حياتك و النفس الذي تحيا به .


يتبع ..

 ‎إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها قيد  النشر حصرية لمدونتنا.

الليالي المظلمة ٢ الفصل الأول
Wisso

تعليقات

تعليقان (2)
إرسال تعليق
  • Amany Ahmed photo
    Amany Ahmed18 نوفمبر 2025 في 9:28 م

    القلق خوف مرعب ممكن يحرم اى انسان من الحياة الطبيعية ويحولها لعذاب عافانا الله وأياكم ياااا أرحم الراحمين يارب يارب يارب 🤲

    حذف التعليق
    • Amany Ahmed photo
      Amany Ahmed18 نوفمبر 2025 في 9:28 م

      وقفلة التليفون دى وجعتني قوى قوى ده رعب

      حذف التعليق
      google-playkhamsatmostaqltradent