"إنها غيوم الحياة"
بقلم أمل محمد الكاشف
مرت عدة ساعات على الحادثه الكبيرة، لم يستوعب سراج ما تفاجأ به عند عودته من المشفى، وفضح الشرطة الحقائق باتهام نازلي بالمتاجرة في المواد المخدرة، تخبط وتدمر وانتهى أسفل الأحداث التي كانت تضربه واحدة تلو الأخرى دون رحمة، تحركت حياة بخطواتها البطيئة المتأثرة من أزمتها المرضية حتى وصلت لغرفة المعيشة لتجلس على المقعد المجاور للأريكة وهي تحدثه بحزن كبير
"كيف أصبحت الان"
رد عليها دون النظر لها
"كيف أصبحت؟، أم كيف أصبحتي؟"
صمت بحزنه وما يجول بصدره عاجزا عن التعبير عما يشعر به، رغم ما هي به إلا انها كانت أقوى منه بعد ان وضعت عودة ابنتها هدفا رئيسي رافضه الانهيار والضعف دون السعي لإعادتها، حدثته من جديد لتواسيه
"انت اكبر من كل ذلك، لا تحزن نفسك مثلك لا يعجز أمام العقبات"
تحدث بصوته الغليظ من الحزن
"وهل ترين ان ما نمر به عقبات؟، انظري لحالنا، أمي ليست بأمي، أخي الذي لم اتخطى فقدانه فاجأني بجرمه في حقك واقترافه هذا الإثم بحق نفسه وزوجته وابنته، نعم تذكرت ابنته التي خطفت من بين ايدينا ونحن لا نعلم باي يد سقطت وما حالها الان، كل ذلك بكفة وقناع تلك المرأة التي تصارع الموت بكفة أخرى من هي هل تعمل بالممنوعات كما يقولون، هل كانت شاهدة على ظلمك وسقوط أركان بظلمك وحرمانك من ابنتك وهي راضيه عن ذلك، من أنا هل ابن العائلة ام انا وأركان لا ننتسب لا لها ولا للعائلة بصلة"
ردت حياة بدموعها
" كيف سنعيدها إلينا؟"
رفع كفه ومسح وجهه
"لا أعلم أخشى أن أعود لفتح الخزانة حتى لا اصعق بمفاجأت جديدة"
حدثته بصوتها الحزين المتعب
" ولكننا مجبرين على ذلك ما ذنب روحها الصغيرة بكل ذلك الا يكفي ما عايشته بالسنوات الماضية"
شهقت حياة ببكائها قائلة له
"يتقطع فؤادي كلما تخيلت سقوطها من الشرفة، اتذكر خوفها وانقطاع أنفاسها حين أدخلتها بها، كل ذلك وهي معنا فما بالك وهي بعيدة عنا"
لم يمنع سراج دموعه بالتهاطل من جديد بعد أن سيطر عليه ضعفه
" اتذكر ركضها نحوك وهي تناديكِ بأمي، كنت افرح بحالتها وأعطي اخي الحق باختياره وزواجه منكِ وانا لا أعلم بأن قلبها هو من تعرف عليكِ وتعلق بكِ"
مسحت دموعها واستندت على يد المقعد وهي تتحرك لتجلس بالقرب منه متحدثة بصوت منخفض
"علينا أن نجرب من جديد لأجلها ولكن علينا أن نكون حذرين، أخشى أن يكون من حولنا أعين وآذان تنقل ما يحدث بمنزلنا"
أومأ برأسه وهو ينظر نحو باب الغرفة المفتوح
" وانا ايضا افكر بما تقولين فإنه شيء ليس ببعيد عن ما نحن به"
نظرت خلفها ثم عادت لتنظر نحوه
"وماذا سنفعل"
ابتلع ريقه بضيق قائلا
" لن نفعل شيء أخشى تركه والذهاب لأي مكان آخر يقطع صلتنا بالفاعل، وايضا أنتِ اين ستبقين ان انتقلنا"
وبحزن حدثته
"أعلم أنني أحملك عبئ فوق ما أنت به، ولكني اعدك ان اترك المنزل وكل شيء فور عودة ابنتي، سآخذها وابتعد عن الجميع ولن أظهر بحياتكم من جديد"
رفع نظره لها متسائلا
" هل ستحرميني منها، أم أنك تتوقين للابتعاد عن همومي والكوارث التي حلت على رأسي، معك حق نعم اعطيك الحق بذلك فما أنا به لا يحتمله او يستوعبه عاقل"
تراجعت عن ما قالته موضحة عدم نيتها حرمانه من وردته ولكنها تشعر بثقل حملها عليه، اخذ نفسه المتعب قائلا "دعكِ من كل ذلك الان، لتعود وردتي أولا ومن ثم نرى ما سيحدث"
نظرت خلفها من جديد لترد عليه
"هل اقتنعت بفتح الخزانة مجدداً"
اوما رأسه بالإيماء قائلا
"علينا أن نفتحها دون أن ينتبه احد لنا، افكر بشيء..."
قاطعته بسؤالها
"ما هو.."
أكمل سراج حديثه
"لنتعارك أمامهم بالكلام، انتِ تتهميني بالخذلان وعدم الاهتمام بالصغيرة وانا اتهمك بالأنانية وعدم ادراك ما انا به، بهذا الوقت ستذهبين للمطبخ وتلفتين الأنظار حولك اغضبي واصرخي واطلبي أشياء كثيرة لا يستطيعون انهائها بشكل سريع وبهذا الوقت سأدخل أنا غرفة أمي وافرغ جميع ما في الخزانة بحقيبة سفر وأخرج من المنزل وكأني سأنفصل عنكِ بالمكان"
أسرعت حياة بالرفض قائلة
"لا يمكن فعل ما تقول وكأننا نخبرهم باكتشافنا لأمرهم، الأفضل أن أقوم باشغالهم وانت بهذا الوقت تجمع ما في الخزانة ونخرج بعدها بحجة إنهاء أوراق مهمة ونذهب لمكان ونفرغ ما لدينا لعلنا نجد ما نريده"
تحدث سراج
"وأين سنذهب ونفرغهم، من المؤكد أننا مراقبون"
اغمضت عينيها دقائق فتحتها بعدها وهي تجيبه
"لنذهب لأداء واجب العزاء في والدة نجلاء تحدث مع صديقك معلنا ذهابنا إليهم"
رد سراج عليها
" وهل ترين أننا بوضع أداء واجبات كهذه"
تحدثت بضيق
"أنت محق لا داعي لكل ذلك، لنكلفهم بمهام خارج المنزل ونفعل ما نريد"
مد فمه بدون رضا
"لم اقتنع ولكن ليس أمامنا غير هذا الخيار"
ردت عليه بصوتها الذي ضعف من كثرة ارهاقها وتعبها
"نعم ليس أمامنا غيره وايضا نحن لم نتأكد من خيانتهم كلها مجرد ظنون"
أدار رأسه لينظر لها متأملاً غيومها التي ملأت وجهها وعصفت بعينيها قائلا
"يا ليتني لم أصمت ولم اتراجع عن مواجهتك والتحدث معك لتعيدي النظر بهذا الزواج، ان فعلتها حينها ما كان علينا الان..."
قاطعته بقوتها المغلفة باجهادها وانهاكها
"الموت قدر لا يتغير موعده ولا مكانه أو حتى سببه، وبماذا كنت ستعيدني عن الموافقة بعد أن تأملت بمساعدته لي، اشكر الله على زواجي منه لاقترب و أصل لابنتي"
ذرفت عيناها الدموع من جديد مكملة
"أكثر ما يحرق قلبي أنها كانت بحضني ولم أشعر بها"
اغمض عينيه بقلبه الذي يعتصر دما قائلا بهمهمات تنهده
"كان من الممكن أن تقتربي منها بشكل اخر…" ابتسم ليسخر من أحلامه الماضية
"وكأنهم كانوا سيسمحون أن تقتربي بشكل آخر ، عقلي لم يستوعب ما كنت اعيش داخله لسنوات دون إدراك لسوئهم"
قاطع حديثهم وصول الضابط سيد ومن خلفه ضابطين آخرين لغرفة المعيشة، تحدثت المسؤولة عن إدارة المنزل
" لم يسمحوا لي... "
رفع سراج يده ليمنعها من إكمال حديثها ثم سعل عدة مرات ليضبط نبرة صوته متحدثا
"سيد بيه اهلا بك"
رد الضابط عليه ليبلغه بخبر موت هاشم و راجح مسمومين، وضعت حياة يدها على فمها من المفاجأة، تحرك سراج خطوات نحو الضابط متحدثا بعينيه المنصدمة مما يسمعه قائلا
"كيف مسمومين وما دخل راجح بعدونا هاشم"
أكمل الضابط سيد حديثه
"هذا ما حدث تم العثور عليهما بعد مرور ما يقرب من خمسة عشر ساعة على الوفاة اثر السم القاتل كما اخبرتك، لا زالت التحريات قائمة وخاصة ان السم المستخدم لقتل الاثنين مختلف تماما عن بعضه، أتيت لأجل أخذ أقوالكم بالحادث وايضا لاخبرك بوفاته من أجل خصوصية السيد راجح وقربه من العائلة"
حزن سراج وقال
"نعم انه من افضل الرجال امانة واخلاص بالعمل رحمه الله رحمة واسعة"
و باستغراب رد الضابط ليسأله
"هل كان أمينا ومخلصا فقط، يعني هل صلته بالعائلة متوقفة عند هذا الحد؟"
اغمض سراج عينه وهو يقول
"وكأني أشعر بصدمة جديدة آتية لي، لا تقلق تحدث وكن على راحتك فليس هناك أسوأ مما نحن به"
نظر الضابط لعيون حياة المرتقبة للخبر قائلا
" التحريات الأولية أثبتت زواج السيد راجح من السيدة نازلي اوزدمير منذ عدة سنوات قاربت على العشرون عاماً"
شعر سراج بدوار شديد يضرب رأسه رفع يده على جبهته وتحرك ليجلس بقربها دون أن يشعر بذلك، لم تبتعد عنه من شدة خوفها عليه وخاصة بعد سماعها صوت أنين تألمه قائلة له
"ما بك هل تتألم؟"
اقترب الضابط ليسأل نفس السؤال متعجبا من سرعة سوء حالته ورفعه يديه الاثنين ليغطي بهم عينيه وجبهته
"آآه، رأسي"
اشتد دوران رأسه مع ازدياد الطرق المؤلم بها ليصبح غير قادر على تحمل ما هو به.
أسرعت حياة بخطواتها البطيئة المفروضة عليها كي تأتي بمسكن للألم، تحدثت المسؤولة عن المنزل
"انتظري أنا سأتيكِ به"
اخبرتها مكانه على وجه السرعة عائدة لتنظر بحزن نحو تلويه ببعضه من شدة تألمه، أخذ سراج الدواء وشرب بعده الماء وهو يحاول تحمل ما به.
تحدث الضابط لحياة معتذرا عن ما حدث
"يؤسفني ما يحدث معكم هذه الفترة ،ولكني كنت مجبر على إتمام عملي الذي لم يكتمل مع هذه الحالة، سأترككم الآن وأعود بعد ساعات حتى نتحدث بهدوء"
نظر لسراج وتمنى له العافية ثم همَ ليخرج لولا تحدث حياة معه
"ماذا عن صغيرتي هل توصلتم للفاعل أو أي شيء يقربكم منها"
اختنق صوتها ببكائها وهي تكمل
"انها صغيرة ومن المؤكد بكائها وخوفها وذعرها بجانب حالتها المرضية"
حدثها سيد بحزن كبير
"جميع الجهات الأمنية مستنفرة لأجل إعادتها لحضنكم، كنا نظن بأن هاشم لديه يد بذلك ولكن بعد ما حدث أصبح خارج الصراع، لا تقلقي تبقى القليل"
ردت عليه
"هي لا ذنب لها بهذه الصراعات"
ازداد تألم سراج تحرك نحو الحمام مسرعاً كي يتقيأ، استأذن الضابط ليذهب، وجدت حياة وجود سراج بالحمام القريب من غرفة أمه حجة لإدخاله بها ليرتاح وينام بعيد عن الأصوات خلاف غرفته التي تقع على ناصية الطريق العام من الجهة اليسرى لها، استجاب سراج ودخل ليستلقي على فراش امه مغلقا عينيه سابحا بنومه على الفور، نظرت للفتاة بجانبها وامرتها ان تحضر غطاء خلاف الذي نام أعلاه وتضعه عليه، وبعد أن نفذت ما طلبته تحركت لتخرج من الغرفة مغلقة النور والباب خلفها ذاهبة للمطبخ كي تأمرهم بإحضار قائمة من الطلبات الغريبة عليهم، حدثوها انهم يتبعون حمية ونظام غذائي بالاطعمة ولا يمكنهم إحضار ما تقول لأنه مخالف لما تم التخطيط له بهذا الشهر، رفضت ما قالوه وامرت ان يشتروا ما طلبته بالتفصيل وان يحضروا كل منهم من البائع الذي اوصت به.
نجحت بتفريقهم عائدة بعدها لغرفة أمه وهي بحيرة من أمرها هل توقظه ام تتركه نائم ، لم تستطع تركه بعد أن سنحت لهما الفرصة، ايقظته بندائها عليه وإمساكها لمجسم فني نغزته به في كتفه عدة مرات حتى آفاق عليها متسائلا عن حاجتها والتوقيت، نظر حوله متذكرا نومه وما كان عليه من ألم.
وبداخل مجمع سكني كبير تحدث أركان وهو ينظر من النافذة أمامه
"هل شعر أحد بعدم وجودها؟"
رد الرجل عليه
"لا لم يشعر أحد باختفائها، ولكن هناك شيء غريب حدث بعد دقائق من دخولها غرفتها"
حرك أركان كرسيه المتحرك لينظر للرجل متسائلا
"هل تلعب باعصابي ماذا حدث هناك؟"
ابتسم الرجل بحديثه
"فتحت نازلي هانم عينيها والأطباء بشرونا ببدأ استعادتها لوعيها شيئا فشيئا، هذا ما يحدث مع من سبقوها من نفس حالتها"
حزن أركان عكس المنتظر منه قائلا لنفسه
"ليس وقته الآن"
ثم تحدث مع الرجل من جديد
"هل علمت الشرطة بذلك"
اوما الرجل رأسه وقال
"نعم بعد الحراسه التي على باب غرفتها من الأكيد معرفتهم، وايضا بالكاد ابدلنا الحالتين بغرفة التصوير الطبقي"
حك أركان جانبي عنقه قائلا
"لا يوجد اخبار عن قضية راجح وهاشم"
تحدث الرجل بحزن
"مع الأسف لا يوجد سوى وفاتهم بنوع سم مختلف عن بعضه"
رد أركان بغضب
"خائن خسيس كان يمكر به"
أجاب الرجل
"مع الأسف خسرنا السيد راجح بلعبة دنيئة وخيانة غير منتظرة"
طرق الباب وجاء رجل آخر يستأذن بدخول كريم، سمح أركان
"ادخله لنرى ما بجعبته"
ألقى كريم عليهم السلام طالبا التحدث مع أركان وحده، توتر وطلب من الجميع الخروج ليستمع للخبر الذي صعقه وصدمه كما صدم أخيه، فكيف لأمه وراجح أن يكونا متزوجين كل هذه المدة دون علمهم.
وبغضبه سأل عن التحريات حول ما وجدته الشرطة بالمخازن والشركة، ليطمئنه كريم أنه حتى هذه اللحظة لم يتم ادراج لا اسمه ولا اسم سراج بأي أوراق تدينهم، نظر أركان لتقلب ابنته بنومها على الفراش ومناداتها له فور فتح اعينها قائلا
"اذهب انت الان وترقب الوضع جيدا، اريد وضع أجهزة تنصت داخل المنزل بأقرب وقت"
رد كريم وهو ينظر لاقتراب أركان من الفراش بكرسيه المتحرك واخذه لابنته بحضنه قائلا
"امرك أركان بيه سنسعى جاهدين لفعل ذلك"
استاءت حالة حمدية بمكان احتجازها هي ومصطفى ارتفعت حرارتها دون أن تنخفض بأي شكل من الأشكال، تساءل أحد أفراد الأمن عن ما سيفعلونه معها فلا يمكنهم إحضار طبيب يراها بهذا الوضع الخطر ولا يمكنهم تركها بهذا السوء، تحدث احد الرجال من الخلف
"ماذا إن كان فيروس متنقل العدوى"
خاف الرجال وتساءلوا ماذا يفعلون معها، نادى عليهم مصطفى لينقذوا أمه فهي حقا بحالة مزرية تذهب وتعود بوعيها من شدة ارتفاع الحرارة ولكنهم لم يجيبوه وكأنهم غير موجودين من شدة خوفهم من انتقال الفيروس لهم.
عاد مصطفى ليأخذ الماء ويضعه على رأس امه قائلا
"تمسكي بالحياة ستتحسنين وتصبحين بخير"
ردت حمدية على ابنها
"واي خير سيأتينا ونحن بهذه الحالة، يا ليتك تركت والدك ليتصرف معهم ويفضحهم ما كنا الآن بهذه الحالة، انا اعلم قلب ابنتي كانت ستسامحنا بالاخير"
تذكر مصطفى إبلاغه بوصول سالم للمنزل ومعرفته الحقيقة كاملة، ندم على بيعه قبل الاستفادة منه، كان ينظر لأمه وهو يقول لنفسه
"سنخرج من هنا وسادفع الجميع ثمن ما نحن به، لنضحك عليها ونعيد ثقتها بنا حتى تجعلني مديرا على شركتها وحينها سيندمون جميعا على كل دقيقة وثانية احتجزوني هنا، سأريهم وجه لم يروه من قبل"
تحدثت حمدية لتبرر لنفسها
"لا أعلم على أي ذنب نحاسب فعلناها لأجلها وها هي تنعم الآن بجانب ابنتها، تبقى القليل ليقع الظرف بيدها وتعلم الحقيقية"
حدق مصطفى بعينيه متسائلا عن أي ظرف تتحدث
ردت حمدية وهي تجاهد حرارتها
" وهل تعتقد انني ساذجة دون عقل لاعطيهم الطفلة دون أن اثبت ملكيتها لنا، التقط لها عدة صور بكامل تفاصيل ملامحها وشامة عنقها وهي بحضن امها لتتمكن باسترجاعها بالمستقبل"
ضعف صوتها وهي تلهث أنفاسها وتكمل "حتى أنني كتبت رسالة بداخل الظرف يخبرها بمكان ابنتها ومع من تعيش"
سألها مصطفى بخوف
" أين وضعتي هذا الظرف؟"
غابت عن وعيها وغرقت بمرضها وحرارتها المرتفعة.
لم يجد سراج بالخزنة ما كان ينتظره ويتمناه وضع المجوهرات والعقود والأموال في حقيبة بلون القهوة وخرج من الغرفة ليجد حياة تقترب منه وتسأله
"هل وجدت شيء!"
رد بنفس ما أجابها به في كل مرة تترك مراقبتها لمدخل المنزل من الشرفة الكبيرة وتذهب لسؤاله ليجيبها
"لا يوجد أي شيء غريب"
نظرت للحقيبة قائلة
"هل متأكد من تجميع كل شيء؟"
أومأ برأسه مجيبا
"نعم متأكد ولكني قلق بشأن اخراجهم من الأفضل وجودهم داخل الخزنة"
ردت بحنكتها وصوتها الضعيف
"لا أحد منا يعلم ما ينتظرنا بالساعات القادمة علينا أن نكون حذرين ومستعدين لأي فدية يطلبها الخاطفون لإعادتها سالمة"
نظر سراج للحقيبة قائلا
" سأضعها بغرفتي في الفندق الخاص بي"
عادت لتحذره طالبة منه أن يضعوا محتوياتها في ملابسهم واغراضهم المعلقة بالخزائن، رفض عقله فعل ما تقوله رفع الحقيبة ووضعها على كتفه قائلا
"ليس لهذه الدرجة سأضعها بغرفتي نحن لسنا بغابة، و غدا سأذهب للبنك واضعهم وديعة هناك"، وضع يده على جبهته قائلا
"وكيف لم افكر بهذا الحل من البداية، ساعيدهم بمكانهم حتى أذهب صباح الغد للبنك"
ردت حياة عليه
"وهل تركوا لنا عقول لنفكر بشيء، ولكن لا يمكنك وضعها بالخزنة فلتبقى بغرفتك أغلق عليها بمكان آمن حتى تاخذها وتخرج من باب الشرفة صباحا دون أن يعلم أحد بك"
اختنق سراج بحالهم تحدث لها
"لا اريد البقاء بهذا المنزل، كل مكان به يضغط على صدري ويعيق تفكيري واستعادتي لنفسي، أشعر بحاجة كبيرة لتغييره، لم أعد استطع البقاء به"
اجابته بسرعة وخوف
"وماذا عني هل تتركني لاواجههم وحدي"
رد سراج بحزنه
"لن يحدث لكِ شيء لا تقلقي ولكني ان بقيت بهذا المكان أكثر من ذلك سأموت واندثر، سانتقل للفندق الخاص بنا كي استطيع ان اتحرر من جميع ما مررت به"
سألته بخوفها من تخليه عنها
"ماذا عن وردتك هل ستذهب للراحة وتتركها بين يديهم، كيف ستتخلى عنا بعد أن وعدتنا؟"
عاد ليرد عليها
"تعالي أنتِ أيضا لاحجز لكِ غرفة مجاورة لغرفتي ابقي بها"
هزت رأسها بالرفض
"لن اترك المنزل حتى تعود ابنتي واخذها بحضني، رجاءا لا تتركني، من فضلك لا تتركنا، انت وعدتني بالمساعدة، اعلم ان حملي ثقيل وانك تحملتني أكثر من المفترض ولكني.. "
قاطعها بحديثه
"لا زلت عند وعدي لكِ ولأجل هذا الوعد انا أقف هنا حتى الآن، ولكني متعب داخلي مهزوم ومشتت، حتى أفكاري تبعثرت وأصبحت كالطفل الصغير بحجم وعيه وقراراته، كما أننا بوضع غير لائق، بقائي أنا وانتِ بمنزل واحد أكثر من ذلك سيجعل.. "
قاطعته بقوتها المتعبة
"فلنتزوج، ألم تعرض عليّ الزواج، تمام فلنتزوج، قبلت طلبك لنتزوج وأذهب معك أينما أردت، لنعيد ابنتي رجاءً لا تتركني حتى أعيدها لحضني"
اهتز سراج وبرق قلبه راعدا بكلماتها التي أقسمت ما تبقى من فؤاده، فبرغم تحفظه الشديد بالتعامل معها وغرقه بما هو به الا ان قلبه تألم وتمزق لسماع ما كان يتمنى سماعه بالسابق، مسح وجهه وهو يستمع لقولها
"لن اضغط عليك اترك أمر الزواج اعلم انك قلتها لأجل وردتك والآن لا يوجد ما يجبرك على الزواج من امرأة مثلي، ولكنني سأطلب منك أن تبقى لعدة أيام أخرى حتى يظهر شعاع نور يصل بنا إليها وبعدها اعدك انني لن أطلب منك شيء و لن أحملك مسؤوليتي حتى انني سأذهب بعيدا إن كان هذا يريحك"
تألم أكثر عاجزا عن إجابتها فماذا سيقول وهو لا يفهم سبب تألمه وخفقان قلبه، بماذا سيجيبها وهي لا تعلم ولا تشعر بما كان يشعر به بالسابق، ماذا سيجيبها بعد أن اختلطت المشاعر بين الاخوة وزوجة أخيه المتوفي وحبه الصادق ، بماذا يجيبها وهو منتهي الطاقة والقوة بكل ما تحمله وتعبر عنه هذه الكلمات من معنى.
أومأ برأسه دون إجابة ذاهبا لغرفته بالطابق الأسفل، لتجلس هي في مكانها تبكي بعد ذهابه ناظرة للأعلى وهي تقول "يارب، يارب"
سجدت بمكانها مناجية ربها متوسلة له صارخة بألمها وهي تشتكي ضعفها وهوانها، ظلت تبكي وتدعو وتناجي ربها وتتوسل له أن يزيل غيومها من فوق رأسها فلقد هرمت من احزانها وقهرها الذي لم تذق منذ ولادتها غيره، دخل سراج غرفته ليخرج مباشرة من باب شرفتها حتى وصل لسيارته صعد بها واضعا الحقيبة بجانبه منطلقا للغير معلوم.
انفطر قلبها وزاد بكائها وقهرها فور سماعها صوت خروج سيارته، أسرعت بهرولتها البطيئة نحو الشرفة لتتأكد من ذهابه وهذا ما جعلها أكثر انهيارا وحزنا.
ذهب سراج لقسم الشرطة ليسلم أمانته وأموال عائلته لهم ليضعهم وديعة لديهم، وبعد أن وقع على استلام الشرطة محتويات الحقيبة عاد وطلب منهم سرعة البحث عن ابنة أخيه فهم لا يستطيعون التنفس وهي بعيدة عنهم.
وبينما كان يستمع لأفراد الشرطة الذين أخبروه عن بذلهم قصار جهدهم لإعادة الطفلة لهم، كانت حياة تحتضن طفلتها على مدخل المنزل وهي تستمع لصوت زوجها وهو يقول لها
"سامحيني بحقك، أعدك بحياة مختلفة تماما عن ما عايشتيها معي بالسابق، لقد تغيرت وتعلمت درسي جيدا ولم أعد أريد سوى مسامحتك ورضاكِ"
يتبع ..
إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا.