recent
جديدنا

الليالي المظلمة الفصل الثامن

Wisso

   

       رواية الليالي المظلمة  

                             بقلم أمل محمد الكاشف


تفاجأ يوسف بتصريحات خالته التي ما لبثت كثيرا حتى اصبحت حديث نوافذ التواصل الاجتماعي. اتصل بها وهو غاضب كثيرا يعارضها ويراجعها عن تصريحاتها.

قائلا "كيف تصرحين بشيء كهذا دون الرجوع إليّ. ماذا وإن رفضت أنا قرار الطلاق. اقول لكي من الان لن أطلقها بسهولة ولن اخسر ابنتي " 


ردت فضيلة لتحدثه بحنكتها وقوتها.. 

"بكل الاحوال سيتم الطلاق. ما دامت أرادت هوليا هذا فسيتم. وان طال الأمر بالنهاية النتيجة واحدة. علينا حفظ ماء الوجه و إيقافها عن ما تفعله من اتهامات رخيصة. وايضا عليها ان تعرف قدرها ومع من تلعب. لتأخذ ما تريد يكفي ان تبتعد عنا. اقسم لك يا بني ان هذه التصريحات ستحرقهم وتعذبهم  حتى وستشعرهم أنهم لا قيمة لهم لدينا. كانوا ينتظرون ان ندافع عن انفسنا و نتوسل لهم ولكنهم سيتفاجأوا باننا بعناهم بأقل ثمن وهذا اكثر شيء  سيحرق نفوسهم".


رد يوسف عليها بضيق 

"لا يهمني كل هذا انا افكر بابنتي فقط. ان تمّ الطلاق بهذه السهولة لن اتمكن من احتضان صغيرتي مرة اخرى. لن اتمكن من العيش معها كما حلمت دائماً"

هدئته وهي تعده بعدم تركها له حتى تعود ابنته لحضنه مرة اخرى.

تمّ الطلاق بعد المؤتمر الصحفي بفترة قصيرة وبجلسة واحدة. تنازلت هوليا عن أي أموال ومستحقات من قبل يوسف بعد أن تم احتراقهم بتصريحات فضيلة. فعلوه عنوه حتى اخرج والدها تصريح بعد  الطلاق مضمونه أنهم ليسوا بحاجة لأموالهم و أنهم تنازلوا عن كل شيء لأجل راحة ابنتهم.


ازداد يوسف ضيقا وضياعا حاول بوسط ما

هو به أن يبحث عن سيلين بأكثر من مكان لم يجدها.  حتى أصبح يتجول بسيارته في المناطق الهادئة البعيدة عن الازدحام على أمل رؤيتها. 

ضغط على باريش كي يبحث هو ايضا عنها والاطمئنان على وضع زوج امها هل ما زال ببلدتهم ام عاد ليبحث عنها مجددا.

كان باريش وعدة اشخاص آخرين قد تم ترقيتهم بعد نجاحهم في كشف هذا التنظيم الكبير. وعند الترقية تم نقلهم بأماكن مختلفة ليأتي نصيب باريش بالانتقال هو وعائلته لمدينة  إزمير.

وعد صديقه يوسف أن لا يرفع عين المراقبة من على زوج ام سيلين ليطمئنوا أنها بمأمن. 

اشترى يوسف منزل من طابقين يطل من الجهة الخلفية على حديقة صغيرة  بها ألعاب أطفال وحمام سباحة بحجم يليق بها. 

اختار الغرفة الكبيرة بالطابق العلوي لتصبح له. نظر للغرفة المقابلة لها قائلا 

"احضرها لاستقبالها" ابتسم وجهه بمجرد شعوره بإعادة ابنته لحضنه.

 نظر للغرفة المتبقية وسط غرفته وغرفة ابنته قائلا "أتمنى ان يحالفني القدر وتعودي إلينا يا أمي لتنيري حياتنا"

رتبت السيدة أنيسة الاثاث الجديد مع العاملين وهي تقول لهم "لنضع الأريكة هنا. ولنجعل التلفاز أمامها" 

ثم نظرت لأخر قادم من جهة الباب بيده صندوق كبير قائلة 

"سنضع جميع هذه الصناديق بالمطبخ" 

كان الطابق السفلي عبارة عن صالة استقبال  بها مجلس كبير فخم وبجانبه مائدة طعام كبيرة من أثنى عشر مقعد. يحيط الطابق نوافذ زجاجية بعرض الحائط تطل على الحديقة بجانبها باب كبير زجاجي ايضا.


 كما يوجد غرفة بالأسفل خصصها يوسف للسيدة انيسة المربية الخاصة به والمساعدة الخاصة لأمينه هانم بل و رفيقة دربها منذ القدم لذا فهي ذات قيمة كبيرة لديه. كما كان هناك غرفة كبيرة خصصت لاستقبال الضيوف. 


انشغل يوسف مع العاملين وهو يهتم بوضع كل قطعة كما اختارها وخاصة بغرفة ابنته التي اختارها بعناية. بجانب انيسة التي كعادتها لم تكف عن الكلام الكثير.


من الصدف انها انتقلت لمنزل صغير بمكان فقير وهادئ بنفس يوم انتقال يوسف لمنزله. 


 كان عباره عن غرفة وصالة شبيهة بالتي كانت تمكث به. عادت لتبحث عن عمل بشكل يومي كي تستطيع الوقوف على قدميها وتجابه الحياة والأقدار. وبرغم تميز ملفها الوظيفي والمعلومات المثمرة التي اعطاها اياها يوسف إلا أنها لم تجد أي عمل.


وكعادتها الجديدة و قبل ذهابها لمنزلها كانت تجلس على الساحل القريب من منزلها بعد أن أصبح منفذها الوحيد وصديقها الصدوق بهذه الحياة. كثيرا ما كانت تبكي وهي تتحدث معه تشكوا له همها وقلة حيلتها.

ورغم حزنها الكبير الا ان جمالها ووجهها الاحمر جعلها مطمع لكل من في قلبهُ زيغ.

وهذا ما جعلها تتعرض لتحرش لفظي يخدش حيائها ويكدر صفائها ويعيدها للياليها المظلمة.

وبيوم من تلك الأيام تربص لها شخص دنيء لا فرق بينه وبين الوحوش المظلمة. ظل يراقبها لعدة أيام حتى تأكد انها وحيده تأتي للساحل بمفردها وتعود بمفردها.

رغب بها بعد ان ملأ قلبه جمال وجهها المشرق ببياضه وبريق عينيها المتسعة واحمرار وجنتيها. اما عن الشفاه فسبحان من ابدع بخلقه وكأنها مزينة بلون الكرز.

وبنفس موعد قدومها للساحل بعد انتهائها من رحلة بحثها الطويل. كان هذا الوحش ينتظر قدومها. تأخرت بهذا اليوم حتى كاد أن يقتنع انها لن تأتي 


ولكن مع الأسف وصلت تلك البريئة لأرض معركتها الجديدة دون أن تعلم ما ينتظرها.


نزلت من الميكروباص وتوجهت نحو الساحل  لتجلس بنفس مكانها المعتاد بعيداً عن الأنظار. اقتربت من المقعد وهي مجهدة من البحث طوال اليوم. نظرت للملف بيدها وهي غاضبة ملقية بهِ جانبها بعصبية وغضب. 

لم تلبث كثيرا حتى اقترب منها هذا الرجل وجلس بجانبها وهو يتكلم معها ويسايرها قائلا  "انا ايضا وحيد وابحث عن صديق يؤانسني وحدتي بهذه الحياة" 

قامت من مكانها مذعورة مبتعدة عنه ليعود واقترب منها عارضا عليها مقابل مالي لاجل ذهابها معه.

ازدادت سوءً عند سماعها على سوءها. 

اخترقها بنظراته التي قطعت فؤادها وصدعت بقلبها.

اظلمت الرؤية امام عينيها وربطت قدميها حتى أصبحت أسيرة موقعها. حاولت إخراج صراخ قلبها دون ان تنجح بذلك بعد ان سيطر عليها الماضي وأصبح صوتها لا يخرج منها وكأنها بكماء صماء عمياء.

احتضنت نفسها بجسدها المرتجف وعيونها المذعورة وانفاسها المتقطعة.

اقترب الدنيء منها وامسكها ليتحرك بها نحو سيارته معتقدا انها سلمت له.

وفور لمسه لها خرجت عن صمتها لتصرخ به وهي تتراجع للوراء لا ترى امامها الا الغمامة السوداء المظلمة.

اتي صديق الدنيء كي يساعده بادخالها السيارة قبل تجمع الناس عليهم. 

اتسعت اعينها وبرزت و كأنها ستخرج من مكانها. صرخت حتى كادت ان تتلف احبالها الصوتية. لا زالت تجاهد مشكلتها بذهاب صوتها حين تختنق او تخاف.

دارت الدنيا أمام عينيها واقترب فقدانها لوعي هربا مما هي به كما كان يحدث بالليالي المظلمة المستوحشة.


ولكن من لطف الله عليها ان هناك رجل كبير بالسن رأى ما يحدث معها نزل من سيارته وبدأ يهرول نحوها يصرخ بوجههم. 

ادخلوا نصف قامتها العلوية بالسيارة التي قادها الصديق هاربا بصيده الثمين.

أسرع سائق سيارة أخرى بالوقوف أمام سيارتهم لتعيق هروبهم.

 اقترب الرجل الكبير وهو يصرخ بهم بصوت عالي. تجمع الناس حولهم ونجح الرجل بإخراج سيلين من الداخل. كما تم التحفظ على الرجلين من قبل الاخرين حتى أتت الشرطة. اقترب الرجل المسن ليخرج هويته الشخصية طالبا من الشرطة ان يتركوا سيلين دون استجواب مكتفين باقوال من شهدوا الواقعة. وكاميرات المراقبة على الساحل.

استجاب الشرطي وفعل  ذلك رأفة وشفقة على حالة الفتاة.

اقترب الرجل المسن من سيلين دون لمسها رافض ان يقترب احد اقترب هو منها وهو يحدثها بصوت منخفض

"اهدئي. لقد مر لا أحد يستطيع ايذائك. أصبحتِ بمأمن. أنا بجانبك. اهدئي"

دمعت عينيه حين رأها تحتضن نفسها بجسدها المرتجف وعيونها المذعورة.

أشار الرجل  للسائق الخاص به كي يقترب منهم ليلبي الأمر وهو يقول 

"امرك أورهان بيه" 

نظر أورهان بيه  لسيلين  قائلا 

"ابنتي هيا بنا دعينا نوصلك لمكان منزلك" 


راقب ردة فعلها بحزن شديد والدموع تملئ عينيه متسائل

"هل هو بعيد؟ هل انتِ من هذه المنطقة؟" 


و كالعادة  انقطعت سيلين عن عالمها بسبب ذعرها. تحركت بسرعة لتعبر الطريق دون الانتباه للسيارات.

اسرع اورهان مهرولا مشيرا للسيارات ان تتوقف بشكل مفاجئ وسط دهشة من بعض السائقين والصراخ من البعض الآخر. تدخل أفراد الشرطة لتهدئة الجميع. عبرت الطريق بسلام. أشار اورهان لسائقه ان يتبع سيلين حتى تصل لمنزلها سالمة. شكر رجل الشرطة اورهان وهو أعلم بقدره واستاذنه بالذهاب ليكملوا عملهم بالقسم. تحدث لهم وهو غاضب ليطالبهم ان ينالوا الجناة اشد العقاب. لم يكتفي بهذا فقط فلقد بدأ بأجراء اتصالات هاتفية برجال الأمن ذات رتب عالية كي يهتموا بالأمر كي لا يمر بسهولة.

وبعد انصراف سيارات الشرطة تحرك أورهان مقتربا من مقعد ليجلس عليه بعيون باكية ليتذكر وجه سيلين واحتضانها لنفسها وخوفها وذعرها وهو يقول بنبرة خالطها الحزن والبكاء 

"ابنتي. ابنتي"  وبدأ يجش بالبكاء الذي خرج من قلبه المظلوم.

دخلت سيلين منزلها وأغلقت بابها واسرعت نحو غرفتها لتدخلها و تغلقها هي ايضا بالمفتاح اكثر من مرة.


هربت  لفراشها مختبئة أسفل غطائها وهي تتنفس بصعوبة. بدأ صوت بكائها وصراخها يعلو شيئا فشيئا حتى خرج منها منفجرا .


عاد السيد فواز للساحل مرة اخرى مقتربا من أورهان بيه وهو يقول 

"دخلت منزلها وأغلقت الباب جيدا عليها.. حتى اني سمعت صوت اغلاق باب غرفتها ولكن مع الأسف كان يأتي إلى أذني صوت بكاءها وصراخها" 

وقف اورهان وهو يمسح دموعه بحزن ناظرا لصورتها بالأوراق المتواجدة داخل ملفها ثم تحرك بصمت نحو سيارته. اسرع فواز سائقه الخاص لفتح الباب الخلفي له. وقف أورهان متسائلا بعيون مكسورة 

"أأنت متأكد انها دخلت منزلها واغلقت على نفسها" 


وبعد مرور ثلاثة أيام..

جلست سيلين تتناول فطورها على طاولة صغيرة بمطبخ منزلها الصغير بوجه حزين وشارد. رن هاتفها وقفت تتحرك خارج المطبخ باحثة عنه لتجده بجانب فراشها أمسكت لتفتح دون ان تنجح بذلك بعد تأخرها وإنهاء المتصل اتصاله.

نظرت لهاتفها وهي تقول لنفسها

"هل من الممكن أن يكون من أجل العمل". ثم صمتت بحزن قائلة "ولكنِّي فقدته" وجلست على فراشها حزينة لفقدانها ملفها الوظيفي.

عاد هاتفها للرنين اسرعت بالرد ليتحدث لها شخص غريب قائلا

 "هل يمكنني التحدث مع سيلين هانم"

ردت بسرعة "نعم تفضل انا معك"

بدأ حديثه الجاد

"يخبرك السيد أورهان بيه أنه وجد ملفك الوظيفي. تستطيعين القدوم غداً لشركة أورهان لصناعة الفولاذ لأخذه " 

فرحت سيلين لعودة الامل بعد ان فقدته فهناك مستندات داخل الملف لا يمكنها استخراجها بسهولة.


ردت عليه متسائلة

"أين سأجد ملفي عندما أتي"


احسسها بجديه كلامه وقال :

 "عند وصولك للشركة. اسألي عن مكتب أورهان بيه. سيكون هو بانتظارك غدا الساعة العاشرة صباحاً. سأرسل لكِ العنوان برسالة نصية على هاتفك فور انهاء المكالمة شكرا لكِ" 


اغلقت سيلين الهاتف وهي تضحك وأخيراً رأى وجهها الأمل والنور بعد ثلاث ليالي أشبهوا الجحيم

بهذا الوقت كان يوسف بيرقدار يحاول أن يعيد ما فقده ولكن مع الاسف كل الطرق مغلقة لإعادة شركته. لأن السبب الرئيسي في ضياعها ليست فقط المافيا ولكن مساعدة زوجته وتسريب معلومات وأوراق مهمة  جعلته يفقد حق ملكيتها وصعوبة اعادتها هي السبب القوي.

 حفزته فضيلة كي يبدأ من جديد ولكنه شعر بالاحباط واليأس رافضا لأي جديد.


اتصل باريش به كي يطمئن على حالته وايضاً ليرى هل استطاع أن يجد سيلين كما كان يقول دوماً ام لا.


 استغرب يوسف من نبرة باريش وضحكه بسؤاله الساخر "هل وجدتها أم لا زلت تبحث عنها"

الواضح تحسن وضعه مع زوجته وابنته من ضحكات ابيرو التي تعلو مع ابنتها بجانبه

لم يرضى يوسف عن المكالمة حتى انه لم يستطع هضم تخلي باريش عن البحث بهذه السهولة وكأنها صُحبة عابرة. بعد أن نجحت سيلين أن تكون فرد مهم لديه بعد ان مكثت معهم قرابة العام باحترام وحب ومساعدة دون تؤذي او تُحزن أحدا، كانت كالملاك بكل شيء فكيف يتخلوا عنها وهم يعلمون صعوبة عيشها وحدها دون رقيب.


لم يستطع تحمل تغيره المفاجئ لذلك انهى يوسف المكالمة وهو يتحجج بانشغاله قائلا "اعتذر منك ولكنِ سأعاود الاتصال بوقت لاحق"


اغلق يوسف الهاتف وهو يتذكرها بوجهها الضحوك واكلاتها الجميلة ومساعدته لها وهي تحضر الطعام لهم. دمعت عينه واختنق عندما تذكرها وهي تفيض لهُ بما خبأته عن الجميع. تذكر مناداتها على أبيها كي ينقذها


 استلقي على فراشه وهو يقول لنفسه 

"سأجدها. سأفعل كل شيء لأجدها واعتذر منها. سأخبرها أنني لم اخدعها قط ولكن. ولكن الظروف أرغمتنا على هذا الوضع" 


ندم يوسف على عدم  مصارحته لها بحقيقته. 


نامت سيلين ليلتها وهي سعيدة لم تصدق انها ستستعيد ملفها الوظيفي وسيكون لها امل بالبحث عن وظيفة مجددا.


كانت فرحة لدرجة انها استيقظت مبكرا وارتدت ملابسها وخرجت مسرعة دون النظر للساعة. فقط تنظر للهاتف لأكثر من مرة كي تتأكد من عنوان الشركة.

لم تلاحظ قدومها المبكر الا وهي امام الشركة الخالية من الموظفين الذين توافدوا بالقدوم بعد وصولها بنصف ساعة نظرت للساعة لتجدها لم تتعدى الثامنة صباحاً.

ضحكت على حالتها قائلة

 " كيف لم انتبه؟ ما دامت لم تتعدى الثامنة حتى الآن فمتى خرجت انا" وابتسمت وهي خجلة من نفسها.

تحركت لتجلس على مقعد مجاور بجانب مدخل الشركة وهي تقول لنفسها 

" لقد نسيت ان افطر"


وحركت رأسها لتبحث بعيونها عن مكان لبيع وجبات خفيفة او ماركت و لم تجد المكان راقي و ممتلئ بالبنايات الجميلة المميزة بألوانها المختلفة والأشجار الكبيرة التي تزين الطرق. كما هناك عدة شركات اخرى ومستشفى ضخمة ومصلحة حكومية كبيرة فمن الواضح انه مكان اكثر من مميز.

 قررت سيلين أن تتناول فطورها بعد حصولها على ملفها حتى انها قالت لنفسه 

"لن اتأخر أخذه بسرعة ومن ثم اذهب للمنزل لأتناول فطوري"

وبالفعل جلست ساعة كاملة وهي تتأمل الموظفين وهم يدخلون الشركة بكامل اناقتهم حاملة ان يأتي يوما وتصبح هي ايضا عاملة بإحدى الشركات الصغيرة. لفت انتباهها 

 وصول سيارة سوداء فخمة اسرع الجميع بالتحرك والالتزام بسيرهم. 

تقدم فرد الأمن ليفتح الباب الخلفي قبل نزول السائق وفعله لذلك. تفاجأت إذ به ذلك الرجل ينزل من سيارته بكل قوة وشموخ وحب ينظر للجميع حوله بوجه مبتسماً.

تغيرت ملامح وجهها فور تعرفها عليه هو نعم هو ذلك الرجل. ارتبكت سيلين و وقفت دون ان تحرك عينيها عنه. تحرك أورهان متوجهاً نحو مدخل الشركة لتتلاقى عينه بعينيها بعد ان وجدها أمامه.

توقف بمكانه عندما لم يتوقع وصولها بهذا الوقت المبكر فلا زال هناك ساعة على الموعد. تحرك ببطء ليكمل سيره دون الاقتراب منها خوفا من ردة فعلها ان اقترب و حدثها أمام الجميع.

اسرعت نحوه وهي تقول 

 "لحظة من فضلك. لحظة"

توقف واستدار لينظر لها بعيون أشبه بالباكية متحدث بصوته الحنون قائلا 

"تفضلي يا ابنتي لنتحدث بالداخل".

رفضت سيلين قائلة 

"اريد ملفي فقط"

هز اورهان رأسه مجيبا 

"ولكنه بالداخل. سأعطيه لكِ وتذهبين بعدها"


وتحرك وهو يحدثها بصوت منخفض وحنون "دعينا لا نقف هكذا امام الجميع هيا الحقي بي"

بدأ بسيره دون ان تلحق به لا زالت متوقفة تنظر له فقط. استدار ونظر نحوها مرة اخرى قائلا 

"ما بكِ هل غيرتِ رأيك باستلام ملفك"

تحركت بهدوء وخوف وصمت تحاول أن تكون مبتعدة عنه بسيرها تنظر نحوه بترقب وكأنها تنتظر ضربة جديدة تأتيها لتعصفها مرة اخرى. دخل أورهان المكتب ووقف بجانب الباب ينتظر قدومها.

وقفت امام الباب وهي تنظر له بصمت.

ليقول لها "هيا يا ابنتي. هيا ادخلي"

فتح الباب على مصرعيه وقال لنتركه مفتوحا ودخل ليجلس على مكتبه.


 دخلت سيلين المكتب وعيونها تنظر لكل مكان به. أشار لها بيده كي تجلس امامه بجانب المكتب ثم اخرج ملفها الوظيفي من درج بجواره وبدأ يقلب به وهو ينظر له قائلا "ممتاز ممتاز هذا ما كنت أبحث عنه"


ثم اغلقه ونظر لها مكملا 

"حمدلله على السلامة يا ابنتي لقد أنقذك الله من ذئاب الشوارع. لعله قدرنا لنرى بعضنا البعض. لن اطيل عليكِ كثيراً كنت ابحث عن سكرتيرة خاصة وكنت أود أن تكون بها بعض المواصفات والمميزات الدراسية والشهادات العلمية وهذا ما وجدته بملفك. ان قبلت الوظيفة سأعينك ابتداءً من الغد سكرتيرتي الخاصة. ستهتمين بأعمالي ومواعيدي واجتماعاتي وكل ما يخصني داخل الشركة وخارجها من معاملات اجتماعية وما شابه"


استمعت  له دون  ان تبدي اي ردة فعل اعتقادا منها انه يستخف بها ويسخر منها فما رأته أثناء انتظارها خارج الشركة وما فُعل بها في شركة شاهين بيه جعلها لا تصدق ما سمعته أذناها. اكتفت بالصمت وهي تفكر بماذا ترد عليه

 ليسألها باستغراب " ظننت انكِ ستفرحين "


ردت عليه بقوة وحدة وضيق 

"انت تسخر مني كما فعلوا من قبلك. ولكن لا تقلق هذه المرة لا احتاج لدروس فلقد اخذت دروسي من السخرية بالقدر الكافي. يكفيني ان اخذ ملفي وابحث عن عمل صغير يليق بي"


ابتسم اورهان بحزن وقال 

"من الواضح أن الحياة قست على السيدة الصغيرة بما يكفي"


ثم امسك هاتف الشركة ليتكلم مع أحدهم قائلا "هل تأتي الى مكتبي"

وبالفعل لم يتعدى الثواني حتى اتى هذا الشخص مسرعاً


طرق الباب ودخل وهو يقول

"امرك أورهان بيه"


نظر اورهان بملف سيلين الذي بيده ثم نظر للرجل و مد يده الممسكة بالملف وهو يقول 

"تم تعيين سيلين اونور ابتداء من يوم غد سكرتيرة خاصة لي. اسرع بالإجراءات اللازمة كي تنهيها السيدة قبل ذهابها"


اندهش هذا الشخص ونظر بعيون متسعة قائلا 

"كيف؟ وقائمة الاشخاص المرشحين لهذا المنصب" وصمت وهو يُقلِب بملف سيلين لتزداد دهشته

رد اورهان عليه بقوة قائلا

"نفذ ما امرتك به "


 تحرك الرجل وهو لا يعرف بماذا يجيبه ظل صامتا يهز رأسه بالموافقة حتى خروجه.


لينظر اورهان نحو سيلين قائلا 

"هل ما زِلتِ لا تصدقيني "


ذرفت عينيها الدموع بصمت. ما زالت تخاف من الفرحة.  لا تعرف ماذا تفعل.

تحدثت بهذه الحالة 

"اصدقني القول انا اتحمل الصدمات واتحمل اكثر مما تتوقع ولكن لا تفعل بي هذا رجاءً"


وبالرغم أنه كان يتهرب من النظر لها مطولا إلا أنه لم يستطع منع نفسه من رؤية فرحتها المخبأة بالخوف.

رفع اورهان هاتف الشركة مرة اخرى وطلب سيدة تدعى سيلا هانم قائلا 

"هل اتيتِ إلى مكتبي قليلا"


 واغلق الهاتف لتأتي سيلا هانم للمكتب وهي تنظر نحو سيلين بصمت فلقد وصلت لها الاخبار التي فاجأت الجميع.

تحدث اورهان قائلا "لاعرفك على سيلا هي من اوائل العاملين بالشركة وأكثرهم مكانة لدينا"

ثم نظر لسيلاوقال 

 "اعرفك على سيلين هانم سكرتيرتي الخاصة من بعد الان. أريدك اليوم ان تدربيها قليلا على أعمالها وما يتطلب منها. انا اعلم انها ستكون بالقدر الذي انتظره منها. كما اعلم انها ستعمل جاهدة على التعلم السريع"


ثم عاد لينظر لسيلين قائلا " اليس كذلك "

ظلت سيلين مصدومة بعد ان تحقق حلمها بلحظة لم تكن تتوقعها وايضا بمكان ومنصب لم تحلم به من قبل.


كانت تنظر لأورهان بعيونها الممتلئة بالدموع تهز رأسها بابتسامة خفيفة على شفتيها قائلة

"اعدك بهذا. حتى اقسم لك انني سأفعل كل ما بوسعي حتى اكون بالقدر الذي تريده"

يتبع ..

 ‎إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا.

الليالي المظلمة الفصل الثامن
Wisso

تعليقات

3 تعليقات
إرسال تعليق
  • غير معرف13 يناير 2025 في 2:23 ص

    روعه تسلم ايدك حبيبتي

    حذف التعليق
    • Amany Ahmed photo
      Amany Ahmed13 يناير 2025 في 5:59 م

      هى سيلين مش مصدقة انها وجدت فرصة عمل وكمان ممتازة
      والصح والاصح إن العمل هو من وجدها

      حذف التعليق
      • Amany Ahmed photo
        Amany Ahmed13 يناير 2025 في 6:01 م

        مسؤولية يوسف عن سيلين حملها لنفسك من يوم ما عرف مشكلتها واتأكد منها وهى أصبحت مسؤوليتة بالفعل وهى لاتعلم

        حذف التعليق
        google-playkhamsatmostaqltradent