recent
جديدنا

مقرينوس الفصل السادس والعشرون

Wisso

  

           رواية مقرينوس 

           ضي القمر وظلمات يونس


" لا يمكن للزمن أن يُسجن، فهو كالنهر يشق طريقه مهما حاولت السدود إيقافه. وفي انسيابه يترك خلفه أسرارًا لا يفهمها سوى أولئك الذين يدركون أن اللحظة قد تكون مفتاحًا لعصور بأكملها."


وقف يونس يتأمل النقوش المتوهجة التي بدت وكأنها ترقص على إيقاع غير مرئي، في حين كانت قمر تحاول أن تقترب من الجدار. عيناها تجولان بسرعة على الرموز التي تتبدل أشكالها كل لحظة.


_"هذا ليس نصًا عاديًا..." تمتم يونس، وكأن الكلمات تخونه: "إنها تتحرك... كأنها تختبرنا."


_"أجل، تختبرنا..." ردت قمر بصوت بالكاد يُسمع، قبل أن تضع يدها على أحد الرموز، الذي انبعث منه ضوء خافت كأنه يتجاوب معها.


تابعت ميثال من مكانها على الكرسي حركاتهما بعينين مليئتين بالرجاء، لكنها لم تتكلم. تعلم أن الإجابة ليست بيدها  بل بيديهما هما.


 صاحت قمر وهي تشير إلى النقوش التي بدأت تتغير بشكل أكثر وضوحًا:

 "يونس، انظر. إنها تتفاعل مع لمسنا... ربما هذه هي الطريقة!"


اقترب يونس بسرعة ووضع يده على جدار آخر، فبدأت النقوش تتوهج بلون مختلف. الضوء ينساب من النقش الذي لمسته قمر إلى الذي لمسه هو، وكأنهما يربطان بينهما خيطًا غير مرئي.


أردف يونس وهو ينقل نظره بين الجدران:

"إنها أشبه بلغز…لكن ما الذي تحاول أن تخبرنا به؟"


صوت ميثال قطع تأملاتهما:

"ليس كل شيء يحتاج إلى فهم كامل. أحيانًا... الثقة هي الحل."


تمتم يونس بنبرة شك: 

"الثقة؟"


لكن قمر دون تردد، همست بصوت قوي: 

"أنا أثق بيونس وأثق بمقرينوس."


في تلك اللحظة اشتعلت الجدران كلها بنور قوي أعمى أعينهما للحظة. ارتد كل منهما خطوة للخلف، والضوء يتكاثف ليشكل كلمات عملاقة في الهواء أمامهما:

"الطريق إلى الحرية يمر عبر التضحية. لكن التضحية... ليست دائمًا فقدان النفس."


نظر يونس إلى قمر وعيناه مليئتان بالأسئلة:

 "ما معنى هذا؟"


قبل أن تجيب تحركت القيود التي كانت تلف ميثال ببطء وكأنها بدأت تستجيب.


 صرخت ميثال بصوت حاسم:

"أسرعا! النقوش تقول كل شيء، لكن القرار قراركما. الكلمة الأخيرة يجب أن تكون منكما."


نظر يونس وقمر إلى بعضهما، الوقت يضغط عليهما كيدٍ ثقيلة. كان الخيار أمامهما الآن واضحًا. إما أن يخاطرا بكل شيء ليحررا ميثال، أو أن يستعدا لتركها خلفهما لإنقاذ عالمهما والقصر. 


سأل يونس بصوت يحمل مزيجًا من التحدي والخوف: "معًا؟"


أجابت قمر بحزم: "معًا؟"


مد كل منهما يده إلى النقوش المضيئة، أغمضا أعينهما في نفس اللحظة ناطقين معًا الكلمة التي كانت تدور في ذهنهما دون تفكير:

"نثق ببعضنا البعض. ونثق بقضية مقرينوس، رغم السحر. رغم الحيل والكذب والخداع. رغم تزوير الحقائق وتحريف التاريخ، نثق أن مقرينوس وطن وقضية تستحق أن تظهر للعلن ليؤمن بها العالم أجمع"


في تلك اللحظة اهتزت الأرض بعنف. انفجر ضوء كالشمس في الغرفة، لتُطوى الستائر على نهاية المشهد، تاركة كل شيء غارقًا في بياض مطلق.



بدأ البياض ينقشع تدريجيًا، وجد يونس وقمر نفسيهما مطروحين على أرض باردة من الحجر، أنفاسهما متقطعة وكأنهما خرجا للتو من معركة حقيقية. كان المكان مظلمًا لكن شيئًا ما مختلفًا. لم يكن الصمت الخانق الذي اعتاداه في الفراغ المظلم. بل كان هناك صوت خافت أشبه بنبضات قلب ضخمة تصدح في الأرجاء.


رفع يونس رأسه بصعوبة ليلمح ميثال واقفة في منتصف الغرفة. وقد انفكت عنها القيود. 


نطق يونس وكأن صوته لم يخرج من حلقه:

"جدتى!"


ابتسمت ميثال بحنان يشوبه حزن خافت:

"لقد فعلتماها. أنتما أقوى مما كنت أتصور."


اقتربت قمر ما زالت تشعر بثقل ما حدث:

 "هل... هل انتهى كل شيء؟ هل نحن في الطريق الصحيح؟"


أومأت ميثال برأسها. لكن نظرتها كانت تحمل ترددًا غريبًا حين قالت:

"أنتم الآن أقرب إلى الحقيقة، لكن ما زالت الرحلة لم تنتهي. الطريق لم يُمهد بالكامل بعد."


حاول يونس الوقوف بثبات:

" أخبرينا، ما الذي يجب أن نفعله الآن لنغادر هذا المكان بأسرع وقت؟"


أغلقت عينيها للحظة، كأنها تستجمع قوتها:

 "الكتاب... ومنيفة. هما مفتاح النهاية. لكن اختياراتكم ستحدد كل شيء. إما أن تُنقذوا مقرينوس... أو تعودوا إلى عالمكم الحقيقي لانقاذ القصر قبل أن يتم بيعه."


تقدمت قمر خطوة، وشدّت على يد ميثال:

 "سننقذ الاثنين. لن نعود بدونك، ولن نترك الكتاب بيد منيفة."


أومأ يونس بثقة رغم التوتر الذي كان يسيطر على ملامحه:

 "لن يخرج أحد من هنا بمفرده. سنواجه منيفة، ونأخذ الكتاب، وسنعود إلى عالمنا سويًا."


نظرت ميثال إليهما بامتنان لكن القلق كان واضحًا في عينيها:

"إن الوقت ينفد. مقرينوس تُصارع، وعالمكما يوشك أن يفقد توازنه اذا تم بيع القصر. اختياراتكم ستحسم المصيرين."


قبل أن تتمكن قمر من الرد بدأ المكان يهتز من جديد، وصوت النبضات أصبح أعلى وأسرع، كأن الغرفة نفسها تحذرهم.


نظرت قمر حولها، وكأنها تتفحص كل زاوية للعثور على مخرج. وميض خافت ظهر فجأة عند الجدار البعيد، مكونًا بوابة تلمع بألوان غريبة. نظرت ميثال إليها وقالت بصوت جاد: 

"هذا هو طريق العودة إلى القصر. لكن القرار الأخير سيكون بين أيديكم. فكروا جيدًا."


تبادل يونس وقمر نظرات مليئة بالحيرة والتصميم. لم يكن هناك وقت للتردد، ومع ذلك، كان السؤال الأكبر يثقل كاهلهما: هل يمكن أن يوفقا بين العالمين؟



مع كل خطوة نحو البوابة، ازدادت اهتزازات الأرض، وكأن المكان كله يحتضر. الألوان التي أضاءت البوابة بدأت تتلاشى ببطء، مما زاد شعورهم بالإلحاح. استدار يونس نحو قمر عيناه مليئتان بالإصرار والخوف في آن واحد.



بدأ الضوء في البوابة يخفت بشكل أسرع. نظر يونس إلى قمر، ثم إلى ميثال:

"يجب أن نسرع."


أمسكت قمر بيد ميثال وشدت عليها ليتحركا بشكل أسرع:

"هيا البوابة لن تنتظر أكثر."


وميض البوابة أصبح خافتًا جدًا، حتى كاد يختفي تمامًا. وبقلب مليء بالخوف والتصميم، قفزوا جميعًا نحو الضوء المتلاشي.


ومع اختفائهم من الغرفة، عم الظلام مرة أخرى. كان الصمت ثقيلًا، لكن في قلبه إحساس بأن الرحلة لم تنتهِ بعد. بل ربما كانت لتوها قد بدأت.



عندما فتح يونس عينيه شعر بدوار كأنه سقط من مكان مرتفع جدًا. وجد نفسه على أرضية باردة مغطاة بالغبار، محاطًا بجدران حجرية مزينة بنقوش غريبة. كان القصر القديم نفسه، لكن شيئًا ما فيه كان مختلفًا.


جاء صوت قمر وهي تقف بجانبه، وقد بدت عليها علامات القلق، لكنها تحاول أن تبقى قوية: 

"يونس، هل أنت بخير؟"


جلس يونس بصعوبة، ثم أشار برأسه:

 "أنا بخير... لكن أين نحن؟ أهذا القصر؟"


أومأت قمر وهي تمسح الغبار عن ملابسها:

 "نعم... لكنه يبدو مختلفًا. كأننا عدنا، لكن ليس تمامًا."


التفت كلاهما بسرعة يبحثان عن ميثال لينادي يونس بنبرة كلها خوف وقلق:

"جدتى! اين انت؟". 


سمعا صوت خطوات بطيئة من الظلال، خرجت ميثال بيدها عصا خشبية قديمة.عيناها تراقب كل زاوية في القصر بحذر. أردفت بصوت خافت:

"نحن في مكان ما بين الماضي والحاضر..." 


سأل يونس وهو يتقدم نحوها يتنهد بعمق بعد أن اطمئن عليها: 

"ماذا تعنين؟"


_"القصر يدور في دائرة. لقد حاول إنقاذ نفسه من السقوط في الفراغ، لكنه لم يتمكن من إرجاعنا إلى الوقت الصحيح تمامًا. نحن الآن عالقون في نقطة التماس بين العالمين. وهذا أخطر مما تتخيلان."


التفتت قمر بعد أن كانت تتفحص النقوش على الجدران:

"إذا كنا في نقطة تماس، فهذا يعني أن القصر يملك مفتاح العودة. يجب أن نستغل كل ثانية لنجد الكتاب ونتحرك نحو السرداب، ان هربنا بالكتاب الذى دون تاريخ مقرينوس فسنفشل خطة منيفة وسحرها، أليس كذلك؟"


أومأت ميثال ببطء:

"نعم، لكن الكتاب الآن اكيد ضمن مخبؤات منيفة. ولنصل اليه نحتاج المفتاح. لكنه ليس شيئًا يمكننا العثور عليه بسهولة. إنه مخفي داخل ذاكرة القصر. والذاكرة هنا لا تُكشف إلا عندما تواجهون الحقيقة."


مسح يونس أحد الجدران بيده ثم توقف فجأة:

 "ذاكرة القصر؟ تقصدين أننا بحاجة إلى إعادة استرجاع شيء ما؟"


_"بالضبط." أجابت ميثال، ثم أضافت بنبرة أكثر جدية: 

"كل ما حدث هنا، كل الأسرار التي دفنها الزمن... عليكم أن تواجهوها. لكن احذروا. القصر لن يسهّل الأمر. قد يخلق أوهامًا، وقد يعيد لكم أشخاصًا من الماضي... أو حتى من المستقبل."


صمت للحظة ثم نظرت قمر إلى يونس وقالت: 

"إذن علينا أن نبدأ من مكان ما. لكن أين؟"


رفعت ميثال عصاها وأشارت إلى قوس حجري كبير في نهاية القاعة. كان هناك ضوء باهت ينبعث منه، وكأنه يدعوهم للدخول:

"هناك. الطريق يبدأ من هنا. لكن..." توقفت للحظة، وكأنها تحاول اختيار كلماتها: "لا تتفرقا، مهما حدث. القصر سيحاول أن يفرق بينكم. ولا تصدقوا كل ما ترونه."


نظر يونس إلى قمر، ثم إلى ميثال:

 "نحن مستعدون. سنواجه كل شيء."


تقدم الثلاثة نحو القوس الحجري. ومع دخولهم تغيرت الأجواء فجأة. أصبح الهواء أكثر ثقلاً، والجدران بدأت تتحرك ببطء، وكأنها تتنفس.


كانوا في ممر طويل مظلم إلا من أضواء صغيرة تلمع على الجدران مثل النجوم. كل خطوة خطوها كانت تضاعف شعورهم بأنهم يدخلون أعماق شيء حي.

وفجأة، توقف الضوء.


جاء صوت ميثال لكنه كان بعيدًا وكأنها اختفت في الظلام:

"يونس، قمر!"


_"ميثال؟!" صرخت قمر، لكن لم يكن هناك أي رد.


نظر يونس حوله ولكنه على عكس قمر لم يقلق بل أردف بثقة:

 "لقد بدأت الأوهام. جدتي معنا اختفائها مجرد وهم، لا تبتعدي مهما حدث، حتى لو خيل إليك أنني اختفيت مثل جدتي."


أردفت رغم أن الخوف كان واضحًا في صوتها:

"لن أفعل."


وفي اللحظة التالية بدأ الظلام ينحسر ببطء ليكشف عن مشهد لم يتوقعاه: كانت هذه نفس غرفة السرداب لكنها كانت مدمرة تمامًا، وكأن معركة قد جرت فيها قبل لحظات.


وعلى الطاولة كان هناك كتاب، لكنه لم يكن الكتاب الذي فقدوه. كان كتابًا آخر غلافه أسود مشقوق وعبارات منقوشة عليه بلغة لا يعرفانها.


تساءل يونس وهو يتقدم بحذر نحو الطاولة:

"ما هذا؟"


لكن قمر التي كانت تراقب الجدران، أشارت فجأة إلى أحد النقوش:

 "يونس، انظر! إنها نفس اللغة التي كانت على الجدران في غرفة ميثال."


أخذ نفسًا عميقًا:

"إذن، ربما هذا هو مفتاح ذاكرة القصر."


مد يده نحو الكتاب، لكن قبل أن يلمسه، انطلقت صرخة حادة من الظلال:

"لا تلمسه!"



توقفت الصرخة الحادة عن صدى أرجاء الغرفة، وظهرت منيفة من الظلال، بوجه متغطرس ونظرة مفعمة بالانتصار. كانت تحمل عصا غريبة، تشع من طرفها أضواء داكنة وكأنها تلتهم كل ما حولها.


_"منيفة!" 

صاح يونس بإسمها وهو يندفع نحوها، لكن قمر أوقفت تقدمه:

 "يونس، انتظر! قد تكون هذه إحدى ألاعيبها."


ضحكت منيفة ببرود، مستمتعة برؤية ارتباكهم. "ألاعيبي؟ يا له من وصف جميل. لكن هذه ليست ألاعيب، يا بطلينا الغافلين. إنها نهاية لعبتكما."


تقدمت منيفة بخطوات واثقة نحو الطاولة، وأشارت إلى الكتاب الأسود:

 "ظننتم أنكم فهمتم كل شيء، أليس كذلك؟ لكنكم لم تدركوا بعد أن مقرينوس ليست مجرد مكان. إنها الزمن المفقود ذاته. لقد أضعتما وقتكما في محاولة العثور على إجابات، بينما كنت أنا أعمل على شيء أكبر بكثير."


نظرت إليها قمر بشك، لكنها أخفت خوفها:

 "ماذا فعلتِ بمقرينوس؟"


رفعت منيفة عصاها وبدأت التعاويذ تنساب من شفتيها كهمسات سامة. ظهرت دوامة زمنية فوق الطاولة تدور ببطء وكأنها بوابة إلى عالم آخر:

"لقد أخفيت مقرينوس في دوامة زمنية لا نهاية لها. الآن، لن تجدوا أي طريق للعودة. لقد أصبحت مقرينوس هي نفسها الزمن المفقود، والآن هي سجينة تعاويذي إلى الأبد."


شعر يونس  بالغضب يتصاعد داخله فصرخ: 

"لن ندعك تنجحين! سنجد طريقة لإيقافك!"


ابتسمت منيفة بسخرية:

"وكيف ستوقفني؟ أنتما الآن عالقان في نفس اللعبة. كل ما تملكانه هو كتاب واحد لم يعد بحوذتكما... لكن حتى هذا الكتاب لا يملك الحقيقة كاملة. بينما أنا أتحكم بالزمن نفسه."


أشارت منيفة إلى الجدران وبدأت النقوش تتحرك بشكل غريب، كأنها تنبض بالحياة. كل حرف وكل نقش كان يسحب الغرفة إلى ظلام أعمق.


لكن قمر رغم خوفها خطت خطوة نحو منيفة، وصوتها يحمل تصميمًا واضحًا: 

"لن نستسلم. قد تكونين أخفيتِ مقرينوس، لكن الزمن لا يمكن أن يظل سجينًا. لقد وجدنا ميثال وسنعيد كل شيء إلى مكانه."


أطلقت منيفة ضحكة قصيرة:

 "أوه، يا عزيزتي لديك شجاعة مثيرة للإعجاب. لكن دعينا نرى إلى أي مدى ستصل شجاعتك عندما ينهار العالم من حولك."


رفعت عصاها مرة أخرى، وقبل أن تتمكن من إلقاء تعويذة أخرى، ارتجفت الأرض فجأة. الضوء الذي كان ينبعث من الدوامة أصبح أكثر إشعاعًا، وكأن شيئًا ما يحاول كسر الحاجز الزمني.


ظهرت ميثال خلفهم. تحدثت أخيرًا بنبرة قوية: 

"كفى يا منيفة! قد تكونين أوقعتِ مقرينوس في دوامة، لكنكِ لم تدمريها. أنتِ تخشين الحقيقة لأنكِ تعرفين أن مقرينوس ستعود مهما فعلتِ."


التفتت منيفة نحوها بعيون مليئة بالكراهية:

 "أنتِ لا تعرفين شيئًا يا ميثال. لقد انتهى زمنكِ. انتهى منذ أن وقعتِ في قبضتي."


لم تفقد الجدة شجاعتها، نظرت إلى يونس وقمر وقالت: "لا تدعوها تربح. ابحثوا عن النقوش الحقيقية. المفتاح في الجدران. القصر نفسه يحمل ذكريات الماضي. فقط اكشفوا الحقيقة وستتمكنون من تحرير الزمن."


رغم الخوف والتوتر، تبادلا نظرة سريعة، ثم اندفعا نحو النقوش التي بدأت تتوهج على الجدران.


نادت قمر وهي تشير إلى سلسلة من الرموز التي كانت تتحول ببطء إلى كلمات مفهومة:

"يونس، هنا!" 


قال يونس بسرعة وهو يقرأ:

" إنها تعويذة عكسية يمكننا استخدامها لكسر دوامة الزمن!"


أدركت منيفة ما يحدث صرخت بغضب: 

"لا! لن أدعكم!" 


واندفعت نحوهم، لكن قبل أن تتمكن من الوصول، أطلقت ميثال دفقة من الطاقة من عصاها، ما أعاق تقدم منيفة للحظات.


صرخت ميثال: 

"افعلوا ذلك الآن!"


بدأ يونس وقمر يرددون الكلمات المكتوبة على الجدار، وكلما نطقوا جملة كان الضوء يتوهج أكثر والدوامة تتباطأ.


وأخيرًا مع الكلمة الأخيرة انفجرت الدوامة بضوء قوي، وأصبحت الغرفة مليئة بهواء نقي وشعور غريب بالسلام.


سقطت منيفة على ركبتيها تصرخ بجنون:

"لا... لا يمكن أن يحدث هذا!"


لكن ميثال تقدمت نظرت إليها بعيون مليئة بالقوة والهدوء، وقالت:

 " لا يمكن للزمن أن يُسجن. انتهت لعبتكِ يا منيفة."


كان ضجيج الدوامة الزمنية يلف المكان لكنهم جميعًا شعروا بأن شيئًا كبيرًا قد تغير. الزمن الذي حاولت منيفة تدميره بدأ يستعيد توازنه ومعه عاد الأمل إلى مقرينوس.


ولكن ذاك الأمل لم يدم إلا قليلا. اهتزت الغرفة بعنف تحت تأثير الدوامة الزمنية حين نهضت منيفة ووقفت في وسط الفوضى كأنها تجسد العاصفة ذاتها. ارتفعت عصاها عاليًا، تتوهج بطاقة داكنة مهيبة، شق صوتها صخب الدوامة كأنه صرخة قدر:

"إن كنتِ تظنين أنك البطلة في هذه القصة يا قمر فسأريك الآن وجه الظلمات الحقيقي!"


اندفعت الطاقة من طرف العصا كسيل عارم، كتلة من الظلام الحي تلتف حول نفسها وقبل أن تصطدم بقمر تقدم يونس ليفديها ويتلقي الضربة بدلاً منها. اصطدمت به بقوة تكاد تكسر الزمن ذاته. تردد صدى الضربة في الجدران وارتج جسده كدمية مهشمة ليسقط على ركبتيه بصوت ارتطام مكتوم.


شهقت قمر وكأن الهواء نفسه خانها، اندفعت نحوه وسط العاصفة. عيناها اللتان تعكسان شجاعتها الهادئة امتلأتا بالخوف الحقيقي لأول مرة. صاحت بصوت تملكه الخوف:

"يونس! تحدث إلي! هل تسمعني؟"


رفع رأسه بصعوبة. أنفاسه متقطعة كمن يقاوم الغرق. امتدت يداه بشكل غريزي تتحسس الفراغ من حوله، وعيناه اللتان لطالما أضاءتا بالتحدي، كانتا غارقتين في الظلام خاويتين من الحياة.


بصوت خافت بالكاد استطاعت قمر سماعه، همس:

"لا أستطيع... لا أستطيع أن أرى."


الكلمات رغم همسها بدت كصدى لكارثة لا رجعة فيها، كأن الزمن نفسه توقف لينصت. جمّدت قمر في مكانها، وكأن كلمات يونس سحبتها إلى هاوية من العجز والذنب. في تلك اللحظة أدركت أن الظلام الذي أطلقته منيفة لم يصب عينيه فقط، بل أصاب قلب الرحلة نفسها! 


اتسعت عينا ميثال وهي تنظر نحو يونس وكأنهما تبحثان عن تفسير لما رأته للتو. ارتعش جسدها النحيل، واهتزت يدها التي تمسك بعصاها القديمة بقوة، وكأنها تخشى أن يسقط العالم من تحتها.


_"يونس؟"

 نطقت باسمه بصوت مبحوح، كأنها لا تصدق أن حفيدها أصبح فجأة أسير هذا الظلام الجديد. تقدمت خطوة بطيئة نحو جسده المنحني، وكأنها تخشى أن تنهار الأرض بينهما. لمعت دمعة في زاوية عينها، لكنها رفضت أن تنزل وكأنها تحاول أن تبقي قوية من أجله.


وضعت يدها المرتجفة على كتفه، وهمست بصوت يملؤه الخوف: " ماذا فعلت بك يا بنى؟"



إلى هنا انتهي فصل اليوم آمل أن ينل إعجابكم، انتظروا الفصل القادم يوم الاثنين ان شاء الله. 

منتظرة تفاعلكم ورأيكم في التعليقات.

مقرينوس الفصل السادس والعشرون
Wisso

تعليقات

5 تعليقات
إرسال تعليق
  • غير معرف10 يناير 2025 في 12:27 ص

    روعه تسلم ايدك حبيبتي ابدعتي

    حذف التعليق
    • salwanader10 يناير 2025 في 5:51 ص

      الحلقه تحفه الاتحاد الابين قمر ويونس وكشف الالاعيب منيفه ونصرت الخير علي الشر ودفاع يونس عن قمرر والوقوف قدام شر منيفه تحفه بجد

      حذف التعليق
      • salwa nader10 يناير 2025 في 5:52 ص

        الحلقه رائعه

        حذف التعليق
        • غير معرف10 يناير 2025 في 5:53 ص

          ابدعتي يادكتورة

          حذف التعليق
          • غير معرف10 يناير 2025 في 5:53 ص

            تسلم ايديكي بجد

            حذف التعليق
            google-playkhamsatmostaqltradent