recent
جديدنا

الليالي المظلمة الفصل الخامس

Wisso

   

        رواية الليالي المظلمة  

                             بقلم أمل محمد الكاشف


أظلمت الوجوه وإرتجفت القلوب حزناً على صوت مناداتها

 لوالدها التي كانت كافية لزلزلة جدران المنزل من شدة القهر والألم. 

لا زال حسن بمكانه صامتاً لا يستطيع التدخل كي لا تسوء حالتها، استدار لينظر بخوف نحو أمه التي بدا على وجهها استياء حالتها  من كثرة البكاء على تلك المسكينة.

بدأ صوت سيلين يهدأ شيئا فشيئا حتى صمتت، وهنا استطاع حسن الإبتعاد عنها والاقتراب من أمه معتذراً

 لها بصوت منخفض لا يصل لسيلين

" اعتذر منكِ. لم ارِد حدوث ذلك أمامك" 

رفعت رأسها واستدارت بجلستها كي تنظر هي ايضا نحو أمينة بعيون مُنكسرة حزينة مليئة بالقهر.

وبصوت أشبه بالضحك اعلا حسن من نبرته  قائلا  

"ما هذه الحالة التي نحن عليها؟

 جميعنا نبكي وكأننا نشاهد مشهد موت موفاسا من جديد (مشهد عالمي في فيلم كارتون الملك الاسد)" 

تبسم وجه سيلين على غير المتوقع منها، وهذا ما جعل يوسف المتخفي بشخصية حسن ان يكمل حديثه الضاحك 

"كنت اظن ان خروج الاواني للنزهة هذا الصباح هو أسوأ شيء حدث معي. ولكني علمت الآن ما هو الأسوأ"

مسح آثار الدموع من على وجهه مكملا وهو يضحك 

"انظروا لحالتي لقد  زاد وزني من بكائكم".


هدأ قلبه حين نجح برسم الضحكة على وجه سيلين وأمينة من جديد.

اخر ما كان يتوقعه ان تبتسم سيلين بعد كل تلك الدموع

 بل وبعد الافصاح عن سرها وإخراجه للعلن أمام الجميع

انتظر لحظة هروبها لمنزلها واختبائها بفراشها

 ولكن بفضل ارتباطها النفسي به وشعورها بالأمان بجانبه لم يحدث ذلك.


تحرك حسن واعطى لأمه دواء الضغط 

وهو يقول لها "لنجعله قبل موعده تجنبا لأي سوء" 

واحضر كأس الماء وبدأ يساعد امه بتناول دوائها وهو يوجه حديثه لها

 "اعتقد انكِ بحاجة الى جرعة مُضاعفة هذه المرة" 

ضحكِت سيلين و وقفت مخفضة عينيها  بخجل قائلة 

"أعتذر منكما ولكنه خرج فجأة من داخلي" 

استدار حسن ليضع كأس الماء جانباً وهو ينظر لها قائلا بضحك

 "لا تعتذري. لقد حفظت درسي من بعد الآن

 فلا يمكنني أن أخرج ما بداخلي أمامكم مرة أخرى فليبقي كلاً منا ما بداخله كما هو

 الله عليم ماذا سيحدث إن خرج منا بالمرة المقبلة" 

أشار بيده نحو أمه مكملاً

 "انا لا استغني عنها، ها أنا أخبرك من الآن، نحمد الله انها تحملت ما رأته هذه المرة" 

ظل يضحك ويكثر من احاديثه حتى يغير من حالتهم.

وعلى استحياء سألته 

"كيف لك أن تضحك بعد كل ما حدث معك؟"

زاد حسن بالضحك أكثر قائلا 

"افعل هذا كي لا اتناول اقراصاً مهدئة كما فعلت امي" 

ازداد ضحك سيلين وأمينة التي امتلأت ملامح وجهها بالسعادة من جديد 

أكمل حسن حديثه وهو يقول

"انظروا ماذا حدث اردت ان ارتاح وأخرج جملتين اختنقت بهم. لتأتي أنتِ وتأكلين حقي بل وتاخذين كل الأضواء وحدك.

 تنازلت هذه المرة ولكن ليكن بحسابك في المرة المقبلة لن اسمح لكِ ستكون كل الأضواء لي وانتِ ستهتمين  بأمي" 

مسحت سيلين دموع الضحك وهي تقول 

"وكأنك لم تسمع شيئاً. يعني وكأني لم اقل شيئاً يعني انا لا احب معرفة أحد بوضعي أو أن أتحدث به مرة اخرى"

تحرك حسن ليجلس على الاريكة الجانبية مستنشقًا نفس عميق قائلا بعده 

 "حسنا لا تقلقي. وهل فقدت عقلي كي افتح الموضوع مرة اخرى. لقد ذهبت روح من روحي اليوم" 


تحركت بخجل لتستأذن منهم كي تذهب لمنزلها. تغيرت ملامح وجهه قلقاً فهو لا يٌريد ذهابها قبل أن يطمئن عليها تحدث ليجيبها

 "تريدين الهروب حسناً ولكن لن تحظي به قبل أن تحضري قهوتي"

ضحك وهو يستقيم على الاريكة مشيراً نحوها بالسبابة 

"لتكن ضريبة ما فعلتهِ بي. 

وأيضاً لا يمكنني دخول المطبخ مرة اخرى بعد ما 

إتضح كم تحبني الأواني. لن تصدقي كيف خرجت من كل مكان لاستقبالي" 

ابتسمت سيلين مجيبة بتلقائية 

"اشفق عليكم كلما تذكرت ما قلته لي و حالتك انتَ واخي  باريش بالمطبخ"

صمتت لتتحرك بهذه التلقائية لتحضر القهوة وهي مبتسمة ، لم يصدق حسن انه نجح حقًا بإخراجها من حالتها حتى أصبحت تتحدث وتبتسم. كان يتعمد عدم النظر لوجهها

 وهو يتحدث معها كي لا تهرب من خجلها وارتباكها

 لينجح بالأخير في تهدئتها.


نظر لأمه بعد ذهابها للمطبخ 

بوجه خالطه الحزن والرضا قائلا  

"هكذا هي الحياة يا أمي الجميع مبتلى بها. 

ولكن اتضح ان همنا لا يساوي شيئا بجانب همها. 

الله عليم ما بهذه الدنيا من هموم. الشكر لله

الشكر لله على ما نحن به" 

اهتمت ابيرو بزوجها بصمت كبير خوفًا من ردة فعله، اكتفت بإهتمامه بإبنته التي لم تترك حضنه حتى إنها نامت معه عند نومه.

تحرك باريش ببطء كي يذهب لعمله دون ان يوقظها ليتفاجأ بإستيقاظها بحالة الفزع التي أصابتها خوفا من ابتعادها عنه مرة أخرى.

(مع الاسف هذا ما يحدث حين يتخذ الآباء قرارات خاطئة ومتسرعة يدفعون أبناءهم ضربيتها بأغلب الاوقات)

جاءت ايبرو للغرفة مسرعة جلست بجانب ابنتها قائلة 

 "سينهي عمله ويعود إلينا"

ردت زهرة لتصدم باريش بقولها

 "كنت انتظره كثيراً كي يأتي بعد ان ينهي عمله كما كنتِ تقولين لي ولكنه لم يأتي بأي يوم" 

نظر باريش نحو زوجته بغضب وحزن ثم اقترب بوجهه نحو ابنته التي دخلت بحضنه متمسكة به قائلا

"اعدكِ بان تجديني بجانبك عندما تستيقظين صباحاً او حتى قبل استيقاظك ستجديني بجانبك" 

ردت طفلته بصوتها الصغير

"هل تعدني"

احتضنها والدها بقوة داخله 

" أعدكِ انني سأتي قبل شروق الشمس لأجل عيونك"

تحرك باريش لعمله مصطحباً يوسف معه ليبدأوا رحلتهم الليلة داخل قسم الشرطة، مرت ليلة كان من المتوقع ان تكون حزينة مليئة بالبكاء على سيلين ولكنها انتهت على العكس تماما حين نامت ليلتها دون بكاء او حزن فقط كانت تبتسم كلما تذكرت كلمات حسن الضاحكة.

لا زال بكائها وكلماتها تضغط على قلب يوسف "ابي ابي  لماذا تركتني".. 

تقطع قلبه المتشوق لإبنته الصغيرة ليختنق ببحور الذكريات الحزينة. 

ظل يحلم بأول ضحكة وأول قبلة وأول نظرة لصغيرته.

اغلق عينيه مبحرا بجمال وجهها وضحكتها وشعرها الذهبي الجميل حتى نام  منفصلاً عن دنياه.

دخل باريش غرفة المحبس ليجد يوسف نائما وهو جالس بوجه يبتسم بحزن، أراد ان يوقظه كي يعتدل بنومته ولكنهُ خاف أن لا يعود للنوم مرة أخرى فقرر تركه كما هو

فحالة وجهه تعبر عن مدى حزنه. 


عاد يوسف بيرقدار المتخفي  بشخص حسن لمنزل والدته أمينة دخل دون رن الجرس أو طرق الباب فهو يعلم بموعد خروجها المبكر هذا اليوم.

توجه الى أمه ظناً منه أنها لا زالت نائمة ولكنه وجدها مستيقظة على فراشها على غير العادة بهذا الوقت. ابتسم وجهه وقبل رأسها ويدها قائلاً 

"ما اجمل ان ابدأ يومي برؤية وجهكِ الجميل" 

سمع حسن صوتا يأتيه من المطبخ استغرب الأمر متسائلا 

"أما زالت هنا حتى الآن" 

ونظر للساعة وهو مكملا حديثه لأمه قائلا

 "أووو نسيت أنني جئت مبكرا اليوم عن كل يوم. فلقد اسرع باريش بالعودة من أجل زهرته الجميلة" قالها وصمت قليلاً ناظرا

لأمه بحزن كبير مكملاً

 "لو تري وجهه كم كان سعيدا وهو بطريق عودته لو تمكن بالعودة بطائرة لفعلها"

وتحرك بحزن ليجلس على الاريكة وكأن الهموم كلها اجتمعت وسقطت على كاهله.

وبعيونها الحزينة نظرت أمه نحوه وهي تعلم ما بداخله من حزن وهم واشتياق لإبنته حتى وإن لم يتحدث عن هذا.

جاءت سيلين للغرفة لتتفاجأ بوجود حسن لم تكن تلك المفاجأة الوحيدة بالنسبة لها فوجهه  الحزين وعيونه

  المنتفخة هم أكثر ما فاجأوها.

تحركت وجلست على المقعد المجاور وهي تقول

 "لم انتبه لوصولك" 

صمت شارداً ينظر أمامه دون رد.

 رفعت عينيها نحوه متسائلة

 "هل احضر الفطور الان ام إنك ستنام قليلا"

سمع صوتها ولكنه لم يستطيع الرد من شدة ما يحمله من هم وحزن كبير امتنع عن  التحدث خوفاً أن تفضح كلماته ما بقلبه.

تحرك حسن ببطء و اخذ الغطاء الخاص به من الخزانة الجانبية ثم عاد للأريكة  وهو يتحدث دون النظر لأحد 

"نعم سأنام قليلا فأنا متعب اليوم" 

نام على الأريكة ورفع الغطاء على رأسه وأغمض عينيه. لتتحرك هي بهدوء وخجل أمام حالته واخفضت الإضاءة وهي تقول لأمينة 

"سأذهب للمطبخ لأعد الطعام قبل خروجي" 

استغربت حالته وحزنه  

ذهبت للمطبخ وهي تفكر بحالته التي اسندتها لحدوث أمر سيء بعمله متعلق برئيسه في العمل. 

انشغلت  بتحضير الطعام و تنظيف الخضار والاواني. أغلقت الموقد تحت الأطعمة وهي تقول لقد انتهيت

ذهبت لتنظر إليهم لتطمئن على حالتهم

 لتجد أمينة وهو لا زال على حالته. اغلقت الاضاءة بشكل كامل واغلقت الباب خلفها بهدوء كي لا يستيقظا قبل اخذ كفايتهما من النوم. 

خرجت وصعدت منزلها بوجه غريب وكأنها

تعرضت لخيبة أمل بعد ان كانت تنتظر عودته كي يتناولوا طعام الفطور سوياً. 

اقتربت من فراشها وامسكت الدفتر المخبئ تحت وسادتها لتبدأ بالكتابة  

"لا اعلم ما بي. هل من الممكن ان اكون حزنت لأنه لم يتحدث معي كعادته. ام لأنه نام وتركني بمفردي. أشعر بضيق لا اعلم سببه" 

نظرت للأمام بوجه ابتسم فجأة وهي تقول لنفسها "ماذا اكتب انا ما هذه الحالة"


ثم نظرت للدفتر وبدأت تكتب من جديد 

"ولكنِي ألغيت خروجي اليوم من أجله. كنت اريد ان نتناول فطورنا سوياً"

اغلقت الدفتر واحتضنته وهي تضع طرف القلم بفمها المبتسم.

تحركت بمكانها لتنام بعرض الفراش ضامة ارجلها نحو صدرها محتضنة دفترها شاردة بأحلامها. ظلت بهذه الحالة حتى غلبها هي أيضا النوم. 

مرت الايام على هذه الوتيرة يوم مليء بالضحك والمرح ويوم تجتمع عليهم احزانهم وهمومهم لتنسف بأرواحهم البريئة.


لم تتخلص من لياليها المظلمة فمع الاسف ظل هذا الكابوس يراودها بكل ليلة محاولة التهرب منه بالدعاء والصلاة ومحاولة تذكر حسن وكلامه وضحكه بجانب بقائه في المطبخ أثناء إعدادها الطعام كي يتعلم منها كيفية تحضيره لوالدته.

تآلفت قلوبهم من كثرة حديثه وحركته المتكررة حولها وهو يقطع الخضار ويرتب المكان.

 كان دوماً يريد ان يتعلم منها سر جمال طبخها ولذلك اكثر من الأسئلة عن كيفية تحضيره  ارهقها كثيرا بالاجابة عليه حتى ادمنت هذا الإرهاق من سعادتها التي أصبحت لا توصف.

اشتد هذا الرابط الروحي مع مرور الأيام حتى أصبح حسن يتحرك ويتحدث بضحك براحة دون قلق.

بكثير من الأحيان كانت سيلين تتعجب من حالاته المختلفة و طريقة سيره التي تغيرت تماما عن الأيام الأولى من مجيئه حيث كان يسير بأكتافه ويتحدث بنبرة غليظة لا يمكن لمن يسمعه او يراه أن يعتقد أنه شخص غير عادي.

 أما الآن فهي ترى رجل مختلف تماماً

كلامه الكبير ومعلوماته التي لا حد ولا حصر لها بجانب ضحكه الصادق النابع من القلب فلولا هيئة ملابسه وشعره وشواربه الغريبة  لظنت أنه ابن ذوات  أو انهُ من الطبقة المخملية.

وهذا ما جعلها تتسائل كيف لرجل لم يكمل تعليمه بسبب ظروف الحياة ويعمل حارس أمن باحدى الشركات ليلاً.

 يكون على هذا القدر من الثقافة والعلم واللباقة

 والكثير من الرقي الذي لامسته به مع الأيام

 التي كانت تمر عليهم وهي تستمع لأحاديثه وضحكه

 أثناء تناولهم الطعام او القهوة.

ورغم تحفظها الكبير برفع نظرها به و وضع الحدود الاخلاقية بينهما إلا أنها أصبحت أكثر راحة في جلوسها معه تستمع لنصائحه وأحاديثه عن حب النفس وبنائها من جديد وكيفية التأقلم مع الأقدار والمحيطين، أراد أن يشفي ما بداخلها

 ويخرجها من حلقة الظلام إلى النور والمصالحة مع النفس والمعايشة مع واقعها.

لم يخلو حديثه من الضحك والسخرية من حاله حتى يجعلها تضحك قرب استياء حالتها وقرب بكائها.

 لتأتيه ضحكاتها

 بطعم دموع عيونها المتهاطلة على وجهها المشرق المنير ببياضه الناصع. 

تتشابك العيون وتلمع ببريق حزنهم وكأن كلا منها يشكو للآخر همه.

صادف حسن اكثر من اصطدام وتلامس بينه وبينها عن طريق الخطأ وخاصة حين يهموا بمساعدة أمينة. 

وهنا كان يفزع و يرتجف قلبه خوفا منتظرًا صراخها وابتعادها ولكنه وجدها تغلق عينيها منسحبة من أمامه 


تعامل يوسف معها بنضج كبير وغريب حين كان يمارس عليها الابوة والاخوة في آنٍ واحد

 فلقد تعدت سيلين داخله كل الروابط لتصبح عائلته وموطنه الذي أواه بأضعف أوقاته وازماته.

كانت قيمتها الكبيرة التي تزداد لديه يوم بعد يوم تجعله لا ينظر لها نظرة الحبيبة بعد أن ذاق ألم الحب والعلاقات المتغيرة والطائرة. لذلك رفض قلبه ان يضعها موضع هوليا ومن يشبهونها كي لا يفقدها.

عارض خروجها واجهادها الدائم بالبحث عن عمل ولكنها لم تستمع له، ليغضب ويتوعد لها قائلا

 "سيأتي يوم واجعلك تعملين معي بمنصب مرموق بإحدى أكبر الشركات. 

وحينها ستصدقين أنني كنت على حق وما كان لبحثك وتعبك فائدة"

ضحكت سيلين بردها

"وستكون انت مديري بهذا الوقت"

ازدادت ضحكاتهم حين رد عليها  وهو يضحك على ضحكها قائلا 

"سأذكركِ بهذا. انتظري انا اثق بالله. سيأتي هذا اليوم ولو بعد حين"

وهنا كفت سيلين عن الضحك وصمت لتتمعن حالته ونبرة صوته التي خرجت من داخله بشكل جاد لا تعبر عن اللهو والضحك.

ردت عليه مرة اخرى لتغير من حالته وتجمع الدموع بعينيه

 "هل اقول لك شيئا. للحظة ظننت انك تتحدث بصدق يعني وكأنك جدي. حتى اقول لك سأفعل التالي سأعطيك نسخة من ملفي الوظيفي كي احجز مقعدي من الان" 

وضحكت مرة اخرى. 

رغم ثقل الاقدار إلا إنها كانت لحظات جميلة تحرك حسن امامها رافع رأسه بكل ثقة في الله بعودة حقه له و وضع يده بجيبه متفاخراً 

 "نعم انا جاد. وسأكون مديرك حينها" 

ولأول مرة تخرج سيلين صوت اثناء ضحكها وضعت يدها على فمها وهي تعتذر منه

ليسألها حسن "هل كان تمثيلي سيئاً لهذه الدرجة"

ردت عليه بسرعة  

"لا

ولكني ظننت أنك بالفعل مدير شركة. 

ما هذه الحالة ومن أين تعلمت كل ذلك"

تفاجأ حسن بسحر عيونها الجميلة الضاحكة و وجهها المستنير الذي يدعمه احمرار الخدود والشفايف. تغيرت نظراته نحوها بهذه اللحظة التي خلت من مشاعر الابوة والاخوة.

شعرت بحالته وهذا ما جعلها تخجل وتطلب الأذن بالصعود لمنزلها،  ولكنه أوقفها قائلا 

"اعطني حاسوبك لأرى به موقع خاص بالتوظيف تذكرته ليلة أمس ما دُمتي مُصره على مزاولة بحثك عن وظيفة فلنساعدك بهذا"

تحركت وأعطته الحاسوب ليضعه هو  على الطاولة


 التي فتحها و وضعها جانباً ليجلس ناظرا لشاشة الحاسوب 

ادخل عنوان البحث الذي يريده بسرعة أشبهت البرق بإنارة السماء.

انتبه حسن هذه المرة لصورة جديدة بخلفية الحاسوب ليبتسم وهو ينظر لها قائلا 

"أهذا والدك" 

نظرت سيلين نحو أبيها وقالت 

"نعم هو" 

ابتسم بسعادة تحدث بها 

 "من الواضح  أنه كما وصفتيه. حتى إن وجههُ جميل يدل على صفاء قلبه" 

نظر لها ونظر مرة اخرى للصورة بالحاسوب قائلا 

 "هو يشبهكِ كثيراً" 

خجلت حتى احمر وجهها وكادت ان تسقط بمكانها.

تحدث وهو ينظر إليها بالصورة مكملا 

"هل كانوا يأكلون طعامك ما صغر الحجم هذا" صمت حين انتبه لشعرها قائلا بنبرة مخفضة يملأها الانبهار   "ماشاءالله".

حرك رأسه لينظر خلف حجابها وهو يقول باستغراب  

"أين ذهب هذا الشعر الجميل

كيف فرطتي بهِ" 

خجلت سيلين مما قاله إبتعدت خطوات تقربت بها من باب الغرفة

 "سأذهب لأشرب الماء"

وخرجت مُسرعة نحو المطبخ  بوجه احمر مُبتسم تضع يدها على خديها لتهدئة حرارتها من شدة خجلها

لا زال حسن على حالته ينظر نحو شعرها بالصورة  باستغراب، استدار لينظر لأمه قائلاً 

"كشعر الخيل كثيف ماشاءالله أسود  قوي طويل، ولامع" 

أخفض صوته وهو يكمل

"من المؤكد تخلصت منهُ بعد ما حدث. من الممكن

 أن  يكون أحد الأسباب فيما مرت به

فهو مختلف ومميز كثيراً أكاد  أُجزم بأنني أول مرة أشاهد شعر كهذا" .. 

ثم نظر مرة اخرى للصورة وقال بحنين

"هل ستحظى لي لي بشعر جميل كهذا" 

شرد بإبنته من جديد ليتألم قلبه بشوق لرؤيتها.

ومع مرور الايام ازداد اهتمام حسن بسيلين ورغبته الكبيرة بشفائها النفسي مما جعله يتجرأ ويطلب منها أن تذهب لطبيب نفسي كي تتخلص من حالة الذعر التي تصيبها بجانب كوابيسها التي اعتصر ألما كلما تذكر حديثها عنها.

حاول أن لا يقتصر الأمر على أزمتها كي يرفع عنها الحرج وتكون أكثر مرونة قائلا 

"اعتقد انكِ اصبت بهذه الحالة من عدم الاختلاط مع الناس ولأنك نشأتِ وكبرتِ بقرية صغيرة وفجأة انتقلتِ لمجتمع كبير"

ركز على اهمية ذهابها لطبيب نفسي وانه ليس عيباً

 او شيئا ينقص من قدر الإنسان بالعكس فهو يرفعه ويزيد قوته وثباته. 

الغريب هو سكون سيلين وإستجابتها لمطلبه

 كي تحسن من وضعها النفسي. 

ومع مرور تلك الأيام والترابط الروحي بينهما أصبحت  تترك له ملاحظات قبل خروجها كي تخبره أين تذهب  ومتى ستعود. 

إهتم بتلك الملاحظات مراقب عودتها.

وببعض الأوقات كان لا يسمح لها بالخروج خوفاً

 عليها من تغيرات الطقس البارد. 

وبإحدى تلك الايام أسرعت سيلين بالنزول لمنزل امينة كي تعطيها دوائها. 

فتحت الباب ودخلت لتجد حسن قد جاء تحدثت سريعاً قائلة "ظننت انها بمفردها ولكن من الجيد إنك اتيت.

 سأصعد انا لأتجهز فلقد تأخرت عن موعدي.

 استيقظت متأخرا أردت ان أخذ حماما دافئ قبل خروجي كي استعيد نشاطي ولكنِّ تأخرت كثيرا" 

نظر حسن لحجابها من الخلف وهو يبتسم قائلا "واضح إنكِ ارتديتِ حجابك على المنشفة" 

شكت سيلين بالأمر رفعت  يدها ووضعتها خلف حجابها ممسكة بشعرها كي تتأكد قائلة

 "لا انا لم اتحمم. لماذا تقول هذا" 

سألها حسن قائلا  "أهو بهذا الحجم؟" 

خجلت واخفضت نظرها وهي تومأ برأسها قائلة بصوت منخفض 

"نسيت ان اضعه داخل ملابسي كالعادة. كما اخبرتك استيقظت متأخرة"  

تحركت ببطء و خجلٍ مكملة

 "لا تنسى موعد الدواء عليها أن تتناوله الآن" 

وخرجت من المنزل دون أن تنتظر رده عليها. 

صمت حسن بإنبهار "ماشاءالله"

كان مُحق بإنبهاره فرغم صغر سنها وحجمها بالصورة 

التي رأها إلا أن شعرها مُلفت للنظر كونه ناعم وكثيف ولامع بجانب طوله الذي يصل لأسفل ظهرها ولهذا السبب كانت تضعه بداخل ملابسها لصعوبة جمعه والتحكم به أسفل حجابها 

مرة أخرى تغيرت حالة الطقس وسيلين بالخارج تساقطت الثلوج وهبت الرياح الشديدة والأكثر إزدياد  البرودة

وكالعادة انتظرها حسن بقلق وترقب ينظر من نافذة المطبخ نحو الخارج فهي النافذة الوحيدة التي يمكنه رؤية الطريق العام  من خلالها.

حدث نفسه 

"اتمنى ان تكون أخذت احتياطاتها قبل الخروج هذه المرة" 

تأخرت سيلين كثيرا بهذا اليوم حتى كاد حسن ان يفقد عقله. 

ظل يراقب الطريق ولسان حاله يقول

 "اين هي كل هذا الوقت" 

عادت اخيراً ليفتح لها حسن باب منزل امينة 

متحدث بسرعة قائلا 

"أين بقيتِ كل هذا؟ لما هذا التأخير؟" 

اخذت نفسها بصعوبة وهي تقترب من مقعد صغير بالصالون لتجلس عليه وهي تقول 

"توقفت المواصلات لفترة حتى يقل تساقط الثلوج. بخلاف سير الحافلات ببطء لامتلاء الطرق بالثلوج" 

غضب حسن من حالتها وارتجاف جسدها من شدة البرودة 

مٌصدراً فرمانه القوي

"لا يوجد خروج من بعد الآن حتى تتأكدي من وضع الطقس. 

كما لا يوجد بحث عن عمل. 

من بعد الآن انا سأبحث لكِ لا اسمح بتكرار هذا مرة اخرى" 

كانت تستمع له وهي ترتعش من البرودة بعد أن تبللت بالكامل. 

هز حسن رأسه بأسف وقال 

"إصعدي سريعاً وبدلي ملابسك. سأضع الطعام على الموقد حتى تأتين".

ردت عليه بصوت منخفض متعب قائلة

"لا أشتهي سأبدل ملابسي وانام على الفور". 

ووقفت لتخرج من المنزل وهي تستمع لرفضه قائلا 

"مستحيل ستعودي لتتناولي شوربة تدفئ داخلك 

وبعدها إفعلي ما تشائين"

وافقته سيلين الرأي وصعدت لمنزلها وابدلت ملابسها ولكنها لم تنجح بتجفيف شعرها جيداً لا بالصباح بعد تحممها السريع قبل خروجها ولا بعد عودتها.

تركته كما هو حتى انها لم تضعه داخل ملابسها كي لا تشعر بالبرودة. 

فقط إكتفت بلفه  كالكٌرة خلف رأسها وثبتت به مشبك قوي ووضعت حجابها وتحركت لتخرج من المنزل

وجدت حسن قد أعد طاولة الطعام وتبقى فقط أن يضع الشوربة بالأطباق عند وصولها. 

تناولوا الطعام وأعطت سيلين السيدة امينة طعامها ودوائها الخاص بها  وهي قلقة على حالتها الغير مستقرة بأخر فترة.

تحركت وهي تستأذن كي تذهب لمنزلها وبمجرد وقوفها رفعت يدها و أمسكت رأسها متألمة 

اقترب حسن منها سريعا 

 "ما بكِ؟" 

تراجعت خطوات للخلف مجيبة

"انا بخير أٌريد ان انام فقط كان اليوم مرهق وثقيل" 

كرر حسن حديثه من جديد 

"لا يوجد خروج للبحث عن عمل مرة أخرى. 

ومن بعد الآن أنا من سيهتم بذلك"  

هزت رأسها بإرهاق قائلة 

"سنتحدث بوقت لاحق. اريد ان ارتاح الان"

يتبع ..

 ‎إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا.


google-playkhamsatmostaqltradent