recent
جديدنا

الليالي المظلمة الفصل السادس

Wisso

 

        رواية الليالي المظلمة  

                             بقلم أمل محمد الكاشف



صعدت سيلين لمنزلها وهي تترنح لا يعرف ما بها هل انخفض ضغطها يا ترى ام انه ارهاق فقط كما قالت. 

ومع مرور ساعات الليل تمّ معرفة السبب حين زاد ألمها واهتزازها بفراشها وهي تئن من شدة ارتفاع حرارتها. 

نادت على ابيها بكلمات غير مفسرة. 

رفعت غطائها عليها كي تتدفأ به فهي تشعر بالبرودة ولكن لا فائدة بكت سيلين او لين كما كان يناديها يوسف  ليتزامن بكائها مع بكاء لي لي بحضن امها هوليا وهي ترفض تركها والذهاب للمربية متمسكة بعنق أمها وهي تقول ماماماما. للحظات كانت هوليا ستحن وتجعلها تنام بحضنها هذه الليلة ولكن أسرعت بتحدثها مجابهة شعورها قائلة

 "لا يمكن أمر كهذا ستعتاد على النوم بحضني. 

من غير شيء تبكي كل ليلة"

تركت ابنتها بصعوبة لتأخذها المربية وتتحرك بها نحو غرفتها الصغيرة.

بكت لي لي وصرخت بحضن المربية قائلة 

"با با با"

صدمت هوليا مما سمعت إستدارت لتنظر نحو ابنتها بعيون متسعة فهي بعيدة عنها لا علم لها بنطق صغيرتها ومناداتها لأبيها كل ليلة حتى وإن كانت لا تعرفه.

اشرقت شمس يوم جديد 

تأخرت سيلين بنزولها لمنزل امينة 

بحث حسن بالأرجاء مجدداً كي يتأكد من وجود اي ملاحظة قد كتبتها قبل خروجها دون ان يجد شيء. قرر حسن الصعود كي يتأكد من وجودها بمنزلها ام لا .

فتح الباب ليتفاجأ بها تنزل الدرج أمامه. تعجب من حالة وجهها شديد الاحمرار وعيونها شبه مغلقة وسيرها وهي تضع يدها على رأسها تراجع ودخل المنزل وهو يسألها لها "ما بكِ.. 

ما هذه الحالة" 


ردت عليه "لا شيء متعبة قليلا فقط"

دخلت غرفة امينة كي تجهز أدوية الحقن لها بعد ان زاد الطبيب من مواعيد أخذها ليس الحقن فقط بل غير بعض الادوية 

و أضاف آخرين كما تم تزويد الغرفة بأجهزة تنفس بعد أن ساءت حالتها بشكل ملحوظ. 

وهذا ما جعل يوسف بحالة مضطربة أكثر من قبل.

راقب حالة  سيلين الغريبة فهي لم تحتمل تجهيز الدواء وهي واقفة لذلك جلست جانباً كي تكمل تحضيرها. وبعد الانتهاء وقفت من جديد مقتربة من أمينة وبدأت حقنها ببطء 

كما علمها الطبيب حتى  انتهت.

استدارت لكي تضع ما بيدها في صندوق القمامة وهنا وبدون مقدمات سقطت مغشيا عليها.

 اسرع نحوها ليرفعها قائلا 

"ماذا حدث. ما بكِ. افتحي عينيكِ لين. لين. افتحي عينيكِ" 

نظر للأرجاء لا يعرف ما عليه فعله رفعها ووضعها على الأريكة وتحرك مسرعا نحو قارورة الماء ليأخذها ويضع على وجهها منها وهو ينادي عليها بخوف.

لم تلبث سيلين ثواني قليلة حتى عادت لوعيها. 

فتحت عيونها بصعوبة منذعره من قرب حسن منها 

ووجودها بين يديه. 

من صدمتها وحركتها السريعة كي تبتعد عنه  سقطت مغشياً عليها مرة اخرى.

 فقد عقله وازداد خوفا عليها زاد من وضعه الماء على وجهها وهو ينادي 

"ليان. ليان" اكتشف حرارتها المرتفعة.

بهذا الوقت جاء صوت رنين جرس الباب. 

هم ليذهب ليرد القادم  ولكنه سمع صوت فتح ورأى بعدها دخول باريش الذي انصدم بحالة سيلين. تم استدعاء طبيب السيدة أمينة لفحصها واخبرهم بانه امر طبيعي لا شيء كبير التهاب قوي بالحلق بسبب تعرضها للبرد الشديد

 أعطاها بعض الأدوية والفيتامينات أوصاهم أن تتغذى جيدا 

حتى تستطيع التعافي سريعاً.

استغرب باريش من اهتمام حسن وخوفه الزائد  عليها بل اندهش من نعته لها لين امام الطبيب وقوله "لم تسمع الكلام منعتها من الخروج بهذا الطقس ولكنها عاندت معي حتى انها لم تحتاط أثناء خروجها وكأننا بموسم الربيع"


بالأصل كان باريش قد ابتعد قليلاً عن الوسط بسبب رجوع عائلته له وتحسن الوضع نسبياً بينه وبين زوجته.

ولكن هذا لا يمنع انه شعر بالغيرة

 إتجاه نظرات حسن لسيلين و إهتمامه وخوفه عليها.

 بهذا اليوم رفض يوسف أن يتركها ويعود للمحبس ومع مشادة قوية بينه وبين باريش اضطر الاخير 

بذهابه لعمله  بمفرده

 كان قلقاً وغاضبا على صديقه وإصراره على البقاء دون تفكير بالعواقب. 

ولكنها مرت بسلام الشكر لله نجح حسن ببقائه بجانب سيلين وأمه طوال الليل يداويها ويخفض حرارتها بالكمادات

 وهو يستمع بحزن لكلماتها التي رددتها وهي نائمة 

"أبي. أبي. لا تتركني. لا تتركني"

حزن على حالتها وتأثرها بوفاة ابيها بهذا الشكل كبير. 

اقترب منها وبدأ يحدثها  بصوت ضعيف قائلا 

"هدئ من نفسك انا بجانبك" كان يناديها بإسمها

 كي تنهي حلمها و تهدأ.

حضر لها شوربة جميلة بعد ان ارهقها من كثرة أسئلته بكيفية الاعداد ولكنه بالأخير اجتاز الاختبار بنجاح كبير.

ضغط عليها كي تكمل طعامها. لم يخلوا الاهتمام من الضحك والكلام الساخر على حالته  فهو كان يمثل عليهم دور الطبيب.

وهذا ما زاد من تقاربهم الروحي والكيمياء الغير طبيعية بينهما.

اصبحت تنام سريعاً كل ليلة كي تستيقظ لرؤيته. 

فاجأها بطلبه حين رفض الرد عليها قبل ان تناديه بأبي. ظنت انه يريد تهوين حزنها على أبيها ومناداتها عليه كلما مرضت او حزنت. ولكنها لا تعلم رغبته الكبيرة بسماع كلمة ابي حتى ولو كانت منها.

(من الممكن تحليل مشاعر يوسف اتجاه سيلين انها مشاعر أب فقد ابنته ويريد ان يداوي هذا الفقد بالاهتمام والحفاظ على من فقدت والدها.

 او اخ كبير وجد فتاة شابة صافية القلب حنونة تهتم به و بوالدته بكل حب وصدق فأراد ان يرد لها ولو جزء صغير من معروفها الكبير لهم. بكلتا الحالتين كانت مشاعره بالمسؤولية الكبيرة تجاهها  والمحافظة عليها والاهتمام بها سواء بعاطفة الابوة بأوقات أو عاطفة الاخوة بأوقات أخرى سببا في دواء تلك المسكينة بوحدتها.

 ولطف وراحة نفسية لذلك المظلوم المجبر على عيش حياة غير حياته

اما مشاعر سيلين كانت تكبر وتزداد مع مرور الوقت ليصبح والدها واخيها وعائلتها والنفس الذي تتنفسه بل و أول من دق قلبها لهُ. أول من وثقت به وارتاحت له. اول من هون عليها قسوة  لياليها المظلمة

 ليصبح ضيف دائما بنومها و أكلها و دفترها و استيقاظها. حتى انها كتبت بليلة من الليالي في دفترها

 "اشعر بجانبه وكأني اطير فوق السحاب".

كان يكفيها ان تتذكره او تسمع صوته بأذنيها حتى تبتسم و تضيء ليلتها. دون الاهتمام باحاديث اسيا عن الفروق الاجتماعية والفكرية ومستوى التعليم بينهما،لم تصارح احد بما يجول بقلبها ولكن اسيا كانت لها نظرتها الثاقبة كلما رأت حالتهما.

تألقت هوليا بأعمالها الفنية بعد النجاح الساحق الذي حققته. كانت تتنقل من عمل لآخر ومن معرض لمعرض اكبر، وكالعادة تختار ذوي المال والجاه والجمال لتتقرب منه وتتدلل عليه كي تشعر بقيمة نفسها أو بالأحرى لكي تعوض النقص الذي تشعر به  دائما ورغبتها بوصولها للأفضل والمميز. لا تستطيع إشباع رغباتها مهما ما كان بحوزتها من نجاح ومال. تنظر للأكثر وللأعلى

ولهذا السبب هي دائما بحالة ترقب واهتمام بالوسط. ومع الأسف في ظل هذه الاهتمامات والسعي وراء المميزات نسيت ابنتها وتركتها بشكل كامل للمربية الجديدة. 

مر شهر كامل حتى جاء موعد ذهابها لمقابلة بشركة شاهين بيه.  تولدت لديها ثقة كبيرة بعد كثرة كلام حسن معها وتأكيده بعدم قبولهم لها. الا انها كان لديها أمل بتحقيق حلمها. ذهبت وهي فرحة متأملة بقلب سعيد نسج احلام كثيرة. دون أن تعلم ما ينتظرها حين اسقطها قدرها بشخص دنيئ عديم الأخلاق لعب بأحلامها.

دخلت المكتب لتجد الرجل الذي أعطاها الموعد أمامها تذكرت صوته وهو يقول لها "مبروك العمل تمّ قبولك بالشركة ننتظرك بعد شهر من الان". 

كانت سعيدة لا تستطيع النظر له بشكل مستمر أصبحت تخفض نظرها وترفعه وهي تقول " لقد جئت كي استلم عملي" 

نظر لها باستغراب محاولًا تذكرها قائلا بضحك وسخرية 

"نعم تذكرتك. فأنت نسخة لم تتكرر"

وضحك بصوت عالي قليلا.

تغيرت ملامح وجه سيلين حين فهمت ما يقصده فهي ليست بساذجة. ردت عليه بكل قوة قائلة

"انت اخبرتني قبل شهر من الان ان ملفي ممتاز وتمّ قبولي هنا" 

وقف الرجل وتحرك قليلا نحوها وهو ما زال يسخر منها قائلا 

"وانتِ صدقتي كلامي؟" 


تراجعت سيلين للخلف متحدثة بصوت عالي "ما فعلته عيب كبير. كيف لك ان تلعب بأحلام الناس بهذا الشكل" 

رد عليها بنبرة دنيئة  

"انتِ محقة ولكنكِ تستحقين  ما حدث لكِ. فكيف تعتقدين بعقلك الصغير ان شركة كبيرة كشركة شاهين بيه تقبل عاملين لديها بهذا الشكل وهذا الملف. اعتذر انا لم اخطئ انتِ من لم يجهد نفسه ويبحث عن الشركة التي تم تعيينك  بها" 

وضحك ساخراً مرة اخرى وعاد ليجلس على مكتبه وهو يقول 

" كان عليكِ أن تبحثي عن مدير الشركة شاهين بيه. اعتقد لو فعلتِ هذا حتى وان جاء إليكِ العمل لن تأتي لاستلامه".

كسر قلبها وحطم فؤادها دون ان يرف له جفن.

(مع الاسف أوقات الناس تظلم بعض بشكل قاسي. يعتقد هذا الرجل انه سيلقنها درس حياتها. ولكنه لا يعلم أنه يتحدث ويتعامل مع قلب ضعيف مُظلم محطم تعلق ببصيص أمل صغير اعتقد انه المنقذ له من شبح الماضي المرير. رفقا بقلوب الناس فلا يعلم أسرار القلوب إلا خالقها) 

تأخرت سيرين بعودتها للمنزل. كانت تسير بقلب يملأُه اليأس والحزن والاحباط. لم تنتبه  للوقت وقرب حلول المساء.

راقب حسن الطريق كالعادة وهو يقول لنفسه "تأخرت مجدداً. الا يكفيها انها اصرت على الذهاب وايضا تتأخر لهذا الوقت" 

عاد حسن للغرفة كي يطمئن على وضع أمه التي ساء وضعها وأصبحت على جهاز التنفس الصناعي والمحاليل الطبية.

من يرى وجهه يعلم مدى ثقله وما يحمله من خوف وحزن على وضع امه 

تحدث بصوت غير مسموع

"تحملي يا أمي تبقى القليل.  سنسافر سويا ونذهب لأفضل الاطباء. لن اترككِ هكذا اعدكِ. لن اتركِ حتى تعودي لسابق عهدك" 

تحرك بالغرفة وهو يتنفس بصعوبة بعد أن ضاق صدره مما يراه امامه.

اجتمعت عليه همومه من جديد بالإضافة الى تأخر سيلين حتى هذا الوقت فهي غير معتادة على هذا.

كان متأكد من عدم قبولها بالعمل حتى انه شدد عليها ان لا تذهب للموعد ولكنها لم تستمع له. تردد أكثر من مرة بذهابه لمنزل باريش كي يسأله عنها ويحدثه عن وضع أمه ولكنه يعلم أن ابيرو ستتعرف عليه من النظرة الأولى.

تأخرالوقت أكثر حتى ساد الظلام وهنا قرر ان يذهب لمنزل باريش اياً كانت النتائج 

وبالفعل خرج واقترب من المنزل. وقبل ان يطرق الباب وجد باريش يفتح الباب ليخرج.

 

تراجع حسن خطوات للخلف وهو يقول له "كنت آتٍ إليك" 

نظر باريش خلفه واغلق الباب بسرعة قائلا له  "هل كنت آتٍ إليّ؟ هل فقدت عقلك؟" 

رد حسن بعيونه التي حملت ما بداخله

 "اعتذر منك ولكني…" 

قاطعه باريش وهو يمسكه من يده ويدخلهُ منزل أمينة ناظرا خلفه ليتأكد أن منزله ما زال مغلقا، اغلق الباب قائلا بغضب 

"ماذا تفعل انت؟ على ماذا اتفقنا نحن؟ هل فقدت عقلك؟ ماذا ان رأتك؟" 

رد حسن وهو يعتذر قائلا

"أصبحت الساعة التاسعة ولم تعد سيلين حتى الآن. قلقت بشأنها. من الممكن ان يكون حدث لها مكروه" 

تحدث باريش سريعا 

 "لا قدر الله لا تقل هذا" 

واخرج هاتفه ليتصل بسلين دون ان ترد عليه كرر الاتصال لأكثر من مرة بنفس النتيجة لا يوجد رد من جهتها.

نظر لحسن بعيون متسعة وهو يقول له 

"هل من الممكن وصل زوج امها لها"

استغرب حسن متسائلا بخوف

 "زوج امها؟ هل يبحثون عنها؟" 

تحرك باريش وجلس على مقعد جانبي بالصالون وهو يقول بصوت منخفض 

"مع الاسف تحريت قليلا عن عائلتها كما تحدثنا وعلمت ان والدها متوفي. و امها تزوجت من شخص يقال عنه جيد الخلق. تحريت اكثر و وجدت لهذا الرجل أكثر من حادثة سوابق اختلاس ونصب وما شابه  ولكن جميعهم خرج منهم دون توقيف" 

اقترب حسن له  وهو يقول 

"هل من الممكن أن يكون هو من فعل بها هذا يعني اقصد...." 

وصمت حسن ليكمل باريش قائلا 

 "مع الاسف هذا ما تأكدت منه اليوم بعد اتصال زوج خالتها بي واخباري بوصول امها وزوجها لاسطنبول للبحث عنها بعدما شاهدها احدى المعارف هنا. لم افهم عليه بأول الامر حتى شرح لي مأساتها وما تعرضت له. وعدم تصديق امها لها مما اضطرهم لتهربيها من المدينة" 

اسرع حسن بالكلام وهو مذعور قائلا

"ولماذا انت صامت حتى الان. ابدأ بالبحث عنها لا يمكننا الجلوس هنا وهي بخطر لن اسمح له بتعذيبها اكثر من هذا ألا يكفيه الحالة التي وصلت له ". 

بهذا الوقت سمعا صوتا يأتي من الأعلى نظرا هما الاثنين نحو مصدر الصوت ثم نظرا لبعضهما ليقول باريش " اعتقد انها بالأعلى" 


تحركا سريعاً ليصعدوا لمنزل سيلين بالأعلى طرق باريش الباب دون اجابة تحرك حسن بذعر وخوف و ضغط على جرس الباب أكثر من مرة و هو  ينادي عليها 

"لين هل انتِ بالداخل؟ لين. لين"

لم يسقط باريش نظره من على وجه يوسف اراد ان يسأله عن سر مناداته لها بهذا الاسم ولكنه تراجع امام رؤيته لخوفه عليها.

فتحت سيلين الباب بهدوء. لينظرا لها ليتأكدوا انها  بخير. تحدث باريش قائلا 

"اتصلت بكِ لماذا لم تجيبي؟" 

ظلت صامتة تنظر بيأس وعيون دامعة

اقترب حسن منها وهو ينظر لحالتها الحزينة و وضع حجابها التي ارتدته ولأول مرة دون اعتناء  متسائلا "ما بكِ..."

ردت سيلين بعد صمت طال قليلا وبدون ان تنظر لهم 

"انا بخير شكرا لكم. اريد ان ارتاح بالإذن منكم".  استدارت لتغلق الباب وهنا لاحظ حسن وجود دم بيدها اقترب نحوها وهو يقول "انتظري. يدك. الدم" 

مد يده ليمسك يدها ولكنها تراجعت بذعر للخلف. اوقفه باريش وهو يقول له بعيون متسعة "توقف ماذا تفعل؟" 

لم يستمع يوسف له فكان خوفه عليها اكبر من تفكيره اقترب منها اكثر وهو يقول

"هيا لننزل لا يمكنني تركك هنا. لنداوي جرحك ونرى ما بها حالتك"

بدأت بالبكاء ليس لأنه اقترب منها  ولا لأنه كان يتكلم معها بخوف وحنان ولكنها كانت محطمة حزينة. بعد ان تجمعت عليها كل الذكريات وكل أثقال الاقدار. 

اقترب حسن اكثر وهو ينظر لها متحدث بصوت هادئ 

"هيا هيا تعالي معي. لقد اشتاقت امي إليكِ. لننزل سويا حتى تطمئن عليكِ" 

تراجع للخلف بعيون باكية حزينة.

لاحظا وجود كسر زجاج على الأرض. اتضح الان سبب الصوت الذي سمعاه بالأسفل. كان صوت إبريق الماء وهو يسقط من يدها بالخطأ. ليكمل إتلاف اعصابها اكثر واكثر.

تحركت سيلين لتدخل مخبأها مغلقة عليها بابها بالمفتاح ليس مرة ولا اثنين ولكنها أغلقته تماماً. بالإضافة إلى قفل علوي حديدي وكأنها تحمي نفسها من البشر وقسوة الاقدار.

وقفوا بجانب باب غرفتها يستمعون لبكائها و اصوات ااااهاتها بحزن كبير.

همَ يوسف ليطرق باب غرفتها كي يتحدث لها مرة اخرى. وهنا اوقفه باريش وهو يحذره 

امسك يدها وتحرك به خارج المنزل وهو يحذره بعينه كي لا يتحدث. 

عادا لمنزل امينة ليغضب يوسف لعدم تحمله 

 تركها خلفه وعودتها للبكاء بهذا الشكل من جديد. 

تحدث بضيقه وغضبه

 "حدث شيء بمقابلة العمل. من المؤكد أنه حدث  شيء. كنت أعلم. انا اعلم جيداً شركة شاهين والعاملين بها"


رد باريش عليه وقال

"ماذا سيحدث بمقابلة عمل لا  أظن هذا. اعتقد انها تذكرت ما حدثتك عنه لهذا هي بهذه الحالة"


نظر باريش نحو امينة النائمة ومن ثم نظر لساعة يده وهو يقول هيا نحن لنذهب حتى لا نتأخر.

فاجأه حسن بقراره انه لن يذهب لأي مكان هذه الليلة وسيبقى هنا لأجل امه التي ساءت حالتها ومن اجل سيلين تجادلا سوياً ليسأله باريش بغضب

 "كيف ستبقى هنا؟ عليك أن تكون موجود بالمحبس ليلاً. نحن اتفقنا على هذا. لا يمكنك فعل شيء معاكس سيكون خطرا على حياتك" 

انفجر يوسف صارخاً غاضبا 

"ان كان هناك خطر فليأتي لارتاح. يكفيني ما أنا به. يكفيني هذا العبء الذي لم أعد أتحمله. لقد أعطيتموني وعداً. أليس انت من قال لي لم يتعدى الأمر اسابيع او شهر بالكثير حتى يتم القبض عليهم وإنهاء الأمر. أليس انت من وعد أن كل شيء سيكون كما أريد" .

تحرك يوسف وهو يرافع يديه بجانبه قائلا 

"انظر لحالتي" وأشار لامه "بل انظر لحالتها. حتى هي لم أستطع مساعدتها. انت تعلم حالتها جيدا من المفترض أن تكون بوسط افضل من هذا. انت تعلم ان بقائها بهذا الوضع سيجعلني أفقدها لا محال" 

هدئه باريش وهو يعلم المه قائلا

"اقتربنا اقسم لك اقتربنا. حتى انهم بدأوا بمناقصات جديدة كما اخبرتك. ومن المؤكد انهم سيكررون الأمر. انتظر لقد مر الكثير وتبقى القليل"

رد  يوسف عليه 

"اقتربنا على السنة وانت تقول تبقى القليل. كل يوم احدث نفسي قائلا تحلى بالصبر تبقى القليل. ولكنِّ لم أستطع طاقتي لا تحتمل اكثر لن اذهب معك هذه الليلة سأبقى هنا من بعد الان"

وتحرك ليجلس على الأريكة. ليتحرك خلفه باريش وجلس بجانبه دون النظر له متحدثا 

 "انت محق لا استطيع قول شيء ولكنك تعلم ليس خطر عليك فقط. ولكنها مسؤولية كبيرة علي ،يعني من الممكن أن أنقل بها وأخذ جزاء بسبب هذا. ليس هذا المهم انت تعلم قدرك عندي ولكن ان حدث أي أمر معاكس الآن لن أستطيع الاطلاع على مستجدات الأمور او ان اكون بدائرة البحث. سنفقد صلاحيات كثيرة إثر هذا. وايضا اقترب موعد زيارة فضيلة هانم لقد اخبرتني انها قادمة اواخر الاسبوع القادم "

نظر يوسف لامه وتسائل

"وماذا ان مرضت ليلا"

رد باريش عليه

"سانهي عملا صغيرا وأعود إليها لا تقلق اعلم انها لن تنام معها هذه الليلة بسبب وضعها لذلك سأرتب ظروفي والعودة بسرعة والاهتمام بها حتى تعود بالصباح"

اضطر يوسف ان يعود لمحبسه كي يثبت نفسه بالحضور ليلا وصباحا قبل تخريجه خفية

جلس بمحبسه وهو مختنق يتنفس بصعوبة وكأن جدران القسم والقضبان يضغطون على صدره  ليمنعوه من التنفس

لم يختلف الوضع لدى سيلين التي تقوقعت داخل نفسها مذعوره بعودة شبح الليالي المظلمة.

مر اليوم التالي دون نزول سيلين لمنزل أمينه جلس يوسف وباريش وهم يتحدثون. حاول يوسف ان يصلح الوضع بين باريش وزوجته ليعطيها فرصة اخرى من اجل ابنتهم. رفض باريش مجيبا عليه

 "يا ترى ماذا حضرت لنا سيلين اليوم من طعام" 

انصدم يوسف من إجابته قائلا

 "لا يوجد لدينا طعام لك. اذهب لزوجتك وتناول عندها الطعام. لقد تغيرت مناوبتك بالعمل ستبدأ اليوم بالنوم في منزلك وتعمل صباحاً اعتقد خمسة عشر يوماً كفيلة ان تصلح بينكم"


رد باريش "افكر ان انام بجانب أمي أمينة. لا اريد الذهاب للمنزل والنوم بهِ يكفي الساعة التي اقضيها مع ابنتي كل يوم هذا ما أريده فقط ".

رد عليه يوسف قائلا 

"انت حر كما تريد"

تحدث باريش

"ستذهب بمفردك الليلة وكما تعلم ستذهب لأحمد أولاً وهو سيفعل اللازم" 

إجابه يوسف وهو يقف

"سأفعل ما تريد لا تقلق"

استغرب باريش وقال

"هل ستذهب الان، ألست انت من يتشاجر معي كي ابقى وقتا إضافيا" 

ابتسم يوسف وقال

 "كنا نتدلل عليك بوقت عملك. ولكن الآن علينا أن نكون أكثر حذرا"

وبعد خروج يوسف من منزل أمه ظل باريش يفكر كثيراَ بحديثه معه طوال اليوم حتى تحرك وخرج من المنزل متجهاً نحو منزله 

لتصبح هذه ليلته الاولى مع ابنته وزوجته. اختار ان ينام مع ابنته فى فراشها إلا أن ابيرو لم تقف هادئة سحرته بجمالها من جديد.

اقتربت هي ايضا بحجة قراءة قصة لإبنتها قبل النوم جلست على الفراش بجانبهم تقرأ لها وهي تحرك يدها بأطراف شعرها 

حاول باريش تمثيل دور النائم الغير مهتم بشيء حوله. ولكنه لم ينجح بذلك فكان يختلس النظر لها بين الحين والآخر فهو العاشق لجمالها المميز.


تدهورت حالة أمينة اكثر واكثر كما اخبرهم الاطباء بحدوث ذلك بعد تأثر اعضائها الداخلية  آثار الحادث. ورغم معرفته بالوضع مسبقا إلا أنه كان حزينا عليها.

اصبحت غرفة أمه  عناية مركزية مشددة يتوافد الأطباء عليها بالدور 

تساءلت سيلين باستغراب "لماذا لم تنقل للمستشفى ليتم رعايتها بشكل افضل".. 

لم يجيبا بشكل واضح بل تهربا من حديثها. ازداد غضب يوسف كلما ساءت حالة أمنية حتى أن الأمر زاد سوءاً حين رأته ابيرو بمنزل امه عندما انتابها الفضول حيال ما يحدث داخله.

وبالفعل تعرفت ابيرو عليه كما كانوا يتوقعون  قائلة "يوسف ما هذه الحالة. كيف خرجت من السجن ام انك هربت"


تدخل باريش بغضب واخذهم لمنزله سريعاً قبل نزول سيلين وبدأ يتكلم بصوت عالي وعصبية. كان الوضع لا يتحمل خطأً واحداً  او اقل من هذا لذلك انقلب حاله اشتدت نبرته وهو يحدثهم

 "بينما نحن نقترب من النهاية يخرج الأمر عن السيطرة"

نظر ليوسف مكمل حديثه بصوته العالي "لا مخرج لك من بعد الان. ستعود للسجن حتى تنتهي التحقيقات وتترك سيلين لرعاية والدتك. فهي لا تقصر لم تعد تبحث عن عمل بجانب نومها ليلا بجانبها"

  ونظر لزوجته بنفس الشدة والحدة "ان كشف الامر ستكون حياة الجميع بخطر"


كان باريش جاداً وغاضبا لدرجة انه نسي ارتفاع صوته العالي وكأنه كان يتحدث للمنطقة كلها ليس فقط يوسف وابيرو 

انفجر يوسف صارخا بوجهه "لن اعود لأي مكان وسأظل بجانب أمي حتى خروج اخر نفس منها".


اختنق صوته وهو يقول 

"كان من المفترض  أن تكون بأكبر المستشفيات. كان عليَّ ان اهتم بها اكثر من هذا. كان عليّ ان اكون ابنا باراً  لها بآخر حياتها. انظر ماذا افعل انا من اجل خوفي على نفسي. انا اتخلى عن راحتها والعناية بها من أجلي. هل تعلم شعور العجز. اتعلم شعور انك تنام كل ليلة ليأتي اباك يعاتبك على أمانته لك. لقد أمنني على امي يا هذا. لقد قال لي مهما حدث لا تتركها. لا تتخلى عن رعايتها. كان يعلم أنني سأقصر بها هو كان يعلم كان يشعر بما نحن به".


جلس يوسف على المقعد بعيونه التي تتساقط منها الدموع الحارقة من الظلم والعجز. اقترب باريش منه بهدوء 

"ستفرج علينا ان نصبر"

خرج يوسف  عن صمته مرة اخرى صارخا به 

 "لا تقل لي عليّ ان اصبر. صبرت على ترك امي وحيدة ليرعاها ويعطف عليها الغرباء. تركت ابنتي التي لم أرها سوى بضعة أشهر لمن غدر بي"

نظر يوسف لهيئته مكملا 

"انظر اليّ انظر لتعرف كم صبرت وتحملت. ولكن الى هنا وحسب ستنقل امي اليوم الى مستشفى خاصة وانا سأكون بجانبها افعل اي شيء ولكنِّ لن اتراجع"

حاول باريش اقناعه بالتحلي  بالهدوء والرجوع عن قراره قائلا

 "توفيت أمك رسميا امام الدولة كيف لنا ان ندخلها أي مشفى دون أوراق رسمية، ظهورها الان يضعك ويضعها بخطورة عالية. ما زالوا يسألون عنك ويلاحقون اخبارك حتى اخشى عليك ان يؤذيك احدهم ليلا فهم لا يتركون شيئا ناقصا خلفهم"


كانت الأجواء صعبة والمشادات والغضب والصراخ اسياد المشهد..

من سوء حظها وحظهم تسمرت سيلين امام باب منزل باريش حبيسة الانفاس وهي تستمع لحقائقهم بصوتهم الذي كان يضج البناية بأكملها. لم تفهم الأمر بشكل صحيح حين وصل لها  أنهم أفراد عصابة احدهم هارب من الشرطة بواسطة ضابط شرطة خائن.


سمعت وعلمت بالأمر بهذا الشكل السيء للغاية. صعدت لمنزلها وهي بهذه الحالة. ولم يكن معلوم بما يدور بعقلها ولكن حالة وجهها وعيونها وأنفاسها التي تكاد ان تكون غير موجودة تشرح جيدا ما بداخلها.


انتهت الحلقة على خيبة أمل كبيرة. بل انتهت على غضب وصراخ و تمرد ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه فهل سيتمسك يوسف بما قاله ام انه سيخضع لمحبسه وقدره مجددا. بماذا سيفسرون لسيلين….. التي كسر قلبها و فؤادها قبل ان تكسر ثقتها الكبيرة التي وضعتها بهم.


يتبع ..

 ‎إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا.

الليالي المظلمة الفصل السادس
Wisso

تعليقات

6 تعليقات
إرسال تعليق
  • غير معرف11 يناير 2025 في 12:41 ص

    روعه تسلم ايدك حبيبتي

    حذف التعليق
    • Amany Ahmed photo
      Amany Ahmed11 يناير 2025 في 1:35 ص

      من أسوأ الصفات بالنسبة لى الكذب لأن الكذاب لا أخلاق و لا عهد له لا يؤتمن ابد
      صحيح ان الكذب كذب لا أبيض ولا اسود ولا كذبة كبيرة او صغيرة

      حذف التعليق
      • Amany Ahmed photo
        Amany Ahmed11 يناير 2025 في 1:38 ص

        ولكن هناك كذب للصلح بين الناس بحيث لا تكون خيانة لطرف ما

        حذف التعليق
        • Amany Ahmed photo
          Amany Ahmed11 يناير 2025 في 1:40 ص

          سيلين يمعت كلامهم من أصواتهم العالية ووصل لها المعنى منه انهم كذبوا علبها وخانوها تعلقت بهم واعطتهم مكانة بقلبها
          وللأسف ما رد فعلها ؟؟

          حذف التعليق
          • Amany Ahmed photo
            Amany Ahmed13 يناير 2025 في 12:38 م

            فى ناس فى الدنيا بيبقى نصيبها شىء ما ولا يخرج منه وللاسف بعض المحيطين به بيكونوا سبب فى هذا الوجع او هذا النصيب ومنهم يفرح فيه
            اللهم اجعل لنا ولكم من كل ضيق محرجا ومن كل هم فلرجا يا ارحم الراحمين يارب

            حذف التعليق
            • Amany Ahmed photo
              Amany Ahmed13 يناير 2025 في 12:45 م

              هى سيلين من خوفها من كل مايحيط بها بتخاف من كل حاجة ولن تفكر فى ان فى ضابط بيتكلم مع يوسف وانه ثقة بالنسبة لها وعارفاه من زمان لكن خوفها صور لها حكايات مرعبة فى عقلها ونعزرها على ذلك

              حذف التعليق
              google-playkhamsatmostaqltradent