recent
جديدنا

أحكي يا شهرزاد الحلقة الثالثة والأربعون

 


بينما كانت السعادة تدق باب عائلة أمين الحلو من جديد ، كانت فاطمة خجله من نظرات زوجها وقوله لها:

" عن أي عيب تتحدثين امسكِ الهاتف وباركِ لأختك سلامة زوجها".

 

لم تصدق ما سمعته بأول الأمر سألته بفرح:

 " كيف! هل خرج شريف؟".


أسرعت بفتح هاتفها لتبارك لأختها خروج زوجها بفرحة كبيرة، وقف صامتا يراقب فرحتها بأختها واتصالاتها بأهلها بنظرات خالط الفرح بها خيبة الأمل في عيش حياة عائلية كما كان يحلم ويتحمس ليس فقط لتبادل الأحاديث بل ولعقابها وشجارهم والزخم الطبيعي بين الأزواج. 


تركها بعد أن فقد الأمل بنظرها نحوه والاهتمام بمشاركته هذه الفرحة، نزل الدرج وهو يحمد الله انه استطاع مساعدة إنسان بريء وادخل السعادة على أهله.


تفاجأ بصوتها وهي تناديه من أعلى الدرج: 

" بدري انتظر".


قالتها نازله بعدها بفرحتها لتقف بجواره تحدثه بوجهها المبتهج: " "لماذا لم تخبرني؟".


ابتسم ابتسامة منقوصة اجابها بها:

" اردت ان تكون مفاجأة جميلة لكم وايضا لم أكن متأكد من إتمام المسأله بهذه السرعة".

 

تحركت بمكانها مهتزة من فرحتها:

 " سأسجل تاريخ اليوم بدفتري كي نحتفل به من الآن و صاعدًا".


سألها بفضول:

 " هل لكِ دفتر خاص؟".


درت بتلقائية جميلة: 

" لا قلتها هكذا بالعموم كما كانت تقولها شهرزاد دومًا".


 ابتسم قلبه أخيرًا ليزهر وجهه وهو ينظر لتلقائيتها وفرحتها وقربها منه دون حذر او ترقب.


بارك لها فرحتهم قائلا: 

" حمدلله على سلامته فرحت لأجله وكأن أحد من عائلتي قد أفرج الله عليه".


أجابته بسعادتها الكبيرة: 

" كلمة شكر قليلة عليك لا أعرف ما يمكنني فعله كي اشكرك على هذا، اطلب مني ما تريد وانا انفذه دون تردد أو رفض".

 

طالت نظراته عليها وهو يحدثها داخل نفسه:

 " يكفي ان تكوني بقربي بهذه الراحة، تنظرين لعيني بهذه الجرأة، يكفي أن تحدثيني دوما بهذه الفرحة".


لأول مرة تشعر فاطمة برغبة في إلقاء نفسها داخل حضنه معبرة عن مدى سعادتها البالغة كونه سببًا في نجاة شريف.


قطعت نظراتهم الصامتة صوت جميلة الغاضبة وهي تصرخ على الصغيرة:

 " ألم أقل لكِ لا تلعبي بها لماذا لا تسمعين الكلام".


التفتا نحو سلمى التي كانت تخرج من جهة جناح جميلة وبيدها عروسة صغيرة.


 أسرعت توته بأخذ اللعبة من سلمى واعطتها لجميلة التي اقتربت منهم بغضب، راقب البدري إختباء ابنته بحضن توته بعد حملها لها وهي تعتذر لجميلة وتؤكد على سلمى عدم اللعب بأغراض الغير.


أخذت جميلة العروسة وعادت لجناحها مستأذنه منهم لتكمل ارتداءها وتجهزها للذهاب لمنزل والدها.


 رد البدري على زوجة أخيه:

 " اسرعي حتى اوصلك بطريقي للمزرعة الشرقية".


أرادت سلمى الذهاب مع والدها، رفضت توته بأول الأمر ليتدخل هو قائلا:

 " اتركيها هذه المرة فقط ، أنا لا أذهب إلى هناك كثيرا وهي تحب اللعب بتلك المزرعة فلتأتي معي لا مشكلة".



تحدثت توته بخجل طالبة منه أن تذهب لزيارة الحاجة فهيمة فلقد وعدتها ان تذهب لها بهذا الاسبوع، أومأ رأسه قائلا:

" إن ارتديتي سريعا سآخذك معنا".

 

_" تمام لن استغرق وقت كبير عشرة دقائق على الأكثر".


كانت عينه تتابعها وهي رافعة طرف فستانها الجميل ليسهل عليها ركضها على الدرج، حك بسبابته أرنبة أنفه ناظرا لارجاء السرايا من حوله.


خرجت جميلة معلنة انتهائها، أراد أن يخبرها بأمر انتظار زوجته ولكنه تفاجأ بها تخرج بردائها الأسود وحجابها الأبيض من خلف الساتر الكبير وهي تكمل لف حجابها و وضع حقيبتها على كتفها.


تذكرت جميلة نظارتها الشمسية حين رأت توته ترتديها، نادت سلمى لتجلبها لها من أعلى منصة مرآتها، حذرتها توته كي لا تسقط الطفلة شيء دون أن تنتبه له. لتقول جميلة:

" بالأصل الطقس غائم ولا حاجة لها انا لا احب ارتدائها للمظاهر".


نظر البدري لزوجته بحزن كبير فلقد إعادته بهذا الرداء لذكريات حدادها وما قبل زواجهم، تحرك وهو يتحدث قاطعا لأي حديث لا يحمد عقباه قائلا:

 " هيا اسرعوا قبل أن أترككم واذهب وحدي".


خرجا خلفه وكل منهما تحسن من حالتها، جلست سلمى بالأمام على أقدام توته التي كان من نصيبها النزول أولًا لقرب المسافة، تحدثت جميلة من بعد نزولها:

" والله يا ابن عمي زوجتك غريبة الأطوار أوقات تكون على طبيعتها تتحدث وتندمج كالبشر وأوقات أخرى تشعر أنها من كوكب آخر".


كانت ستكمل مادحة له اهتمام فاطمة بملابسها وطريقة تناولها طعامها وجمال خطواتها الهادئة وصوتها الناعم ولكنها صمتت خجلا منه واكتفت ان تفعل مثله وتنظر خلفها حتى وصلت لمنزل فهمية وطرقت الباب بعيون امتلأت غيرة منها.



نظر البدري نحو جميلة من المرآة الأمامية وبدأ قيادة السيارة وقلبه يدعو ان يحفظهم من عقول النساء الفارغة، فمن يعاشر جميلة يعلم أنها صاحبة قلب ابيض شفاف لا يمكنها تخبئة ما به إن حزنت أو فرحت او كذبت او غارت جميع ذلك يظهر على لسانها وملامح وجهها.


………


 خرج شريف من الحمام بعد ان تنعم بحمام دافئ يزيل به عبئ ما عايشه، استقبلته زوجته بوجهها الفرح ملقيه روحها بحضنه وهي تغلق يديها على ظهره مغمضة عينيها بقلب ولسان يحمدالله على خروجه و وجوده بجانبهم.


 رفع يداه وشاركها حضنها له مقبلا رأسها:

 " ما بكِ لا تخافي انا معكم من بعد الآن".


 تحركت وهي تمسح دمعة صغيرة داعبت جفن عينها قائلة:

" أتى خالي ناجي وزوجته ليسلموا عليك''.


ابتسم وجهه وهو يحسن من حالة قميصه النيلي قائلا: 

" ما أجمله من خبر اشتقت لهم".


رفع يده ليرجع خصلة من خصلات شعرها لإدراجها اسفل حجابها متسائلا بقلق عن وضعها هل هي بخير أم أنها بحاجة لذهابهم للطبيب.


 مانعت ذهابهم لأي مكان مكررة عليه ما قاله لها طبيبها لتطمئنه على نفسها قبل أن يهم بتحركه معها نحو الصالون.

 

استقبلته مديحة بفرح كبير كما احتضنه خاله وهو يقبله ، تحدث سيف قائلا لشريف: 

" كان عليك أن ترى زوجتك وهي تغضب

عليّ وترفض جلوسها بالمنزل منتظرة الاخبار مني، أصبحت أخاف أن أخرج قبل إخبارها، ما هذا يا صديق بأي باب سقطت؟". 


ضحك الجميع، لتتحدث زيزي قائلة:

" لا تذكرني الحمدلله على انقضاء تلك الأيام".

 

وبضحك ردت زوجة سيف موجهة حديثها لشهرزاد:

" هذا يعني أنني بحاجة لدروس خاصة منك".


علت ضحكة سيف وهو يرد قبل الجميع على زوجته: " حينها سأهرب منكما".

 

تحدثت نسرين زوجة سيف بنبرة ضحكهم: 

" أنتم لم تروا شيء كنت أحزن عليه عند اتصال شهرزاد به فجأة يستقيم بجلسته أو وقوفه ويظل ينظر للهاتف لا يريد الاجابة وبنفس الوقت لا يمكنه تمريره دون رد".

 

ضحك سيف ودافع عن نفسه قائلا :

" بصراحة يا شهرزاد أنتِ خسارة كبيرة بمجال التدريس كان عليكِ أن تختاري جامعة أقوى كالحربية، شرطة، قانون، حتى المحاماة، اقسم أنني اشفقت على المحامي بآخر لقاء لنا معه".


تحدثت لتدافع هي أيضا عن نفسها وتخبرهم ان تقصير المحامي وبطئه كان يغضبها كثيرا حتى سيف كلما اتفقا على شيء كان يماطل ويتأخر بتنفيذه حتى يفقدها أعصابها.


تحدثت زيزي هي أيضا قائلة:  

" الفتاة بمئة راجل وقفت صامدة تبحث عن ثغرات بالقضية تحاول إخراجه بها، بجانب وقوفها بجانبنا وعدم تركها لنا بأوقاتنا الصعبة، إن كانت فتاة غيرها لتركتنا وذهبت لمنزلها او منزل والدها تنتظر به وهي تبكي فرحتها التي لم تكتمل".


فرح شريف وهو يستمع لكلام والده أمين الذي قاطع زيزي قائلا:

 " معك حق او كانت تركت الحمل على الرجال دون اهتمام ومتابعة".


ضحك أمين وهو يكمل حديثه:

 " حتى نحن كنا نخاف أن نقصر بدوائنا كي لا تكتشف الأمر وهي تعد الأقراص لتتأكد من أخذنا له، بصراحة يا بني سيف محق بأمر كلية الشرطة".


رد شريف بفخر قائلا: 

" ألم اخبركم انها طراز خاص".


ضحك سيف وهو يرد على ابن عمته:

 " حفظنا الله من هذا الطراز، الحمدلله على الطراز خاصتي".



ثم ضحك اكثر وهو يكمل لشريف قائلا: 

" أصبحت أخاف عليك أقول لنفسي ماذا إن راودتك نفسك وغضبت عليها بيوم من الايام او علا صوتك أمامها".


تحدثت مديحة وهي تدافع عنها:

 " ما بكم اجتمعتم على الفتاة والله من يرى دموعها وحسرتها التي تجمعت بعينيها ما يقول ما تقولونه الآن ألم نصمت ونحذر بتعاملنا أمامها كي لا تنفجر ونخسر صمودها".

 

ونظرت لزيزي مكملة:

" ألم نتفق أن لا نتحدث عنه أمامها كي لا نزيد من حزنها، نعم صمدت بنت أصول الفتاة القوية هي من تصمد بأزمات زوجها، تتحول لوحش وأسد ومحارب لتنجوا بعائلتها وتأخذ بيدهم إلى شط الأمان حتى وان كانت تتقطع حزنا 

من داخلها ستصمد أمام الصعوبات كما فعلت ابنتنا، الحمدلله انها ليست من النوع الباكي الشاكي اللوام لكانت قضت علينا بهذه الأيام الصعبة".


تبقى القليل على طيران شريف الذي انتفخ فخرا بحبيبته، تحدث أمين وقال بجدية: 

" علينا أن نفكر بكيفية شكر البدري على هذه الفرحة الكبيرة التي نحن بها الآن، لقد وقف بجانبا في وقت تخلى الجميع عنا اهتم واتصال عدة مرات".


رد ناجي باهتمام:

 " نعم انت محق وعلينا ايضا ان نشتري هدية كبيرة ونذهب لنشكره في مكانه تقديرًا واحترامًا لما فعله معنا".

 

أومأ شريف رأسه قائلا:

" نعم علينا الذهاب له وشكره بامتنان على ما فعله معي".


رد سيف وهو ينظر لشهرزاد:

" لم أصدق حين اتصلوا بي ليخبروني ان كل شيء تم ولم يتبقى سوا ذهابنا لاستقباله، حتى الكفالة المالية لم ينتظر ان نسحبها من البنك وندفعها، لا اعرف كيف كان أسرع منا ولكن كما أخبرني المحامي تدخلت شخصية كبيرة لها وزن وثقل لإنهاء الوضع".


اغمضت شهرزاد عينيها وهي تحمدالله شاردة بصوت البدري الذي دوى بمسامعها من جديد:

 " ألم تصلك هديتي حتى الآن!".


فتحت عينيها وهي تبتسم بوجه عريسها بفرح وحب وقلب لا زال يشكر ربه على استجابته لدعائها.


………



جلست توته بجانب الحاجة فهمية تستمع لها عن مغامرات باهي ولعب هادي وفارس عندما يأتون لزيارتها التي تفرح قلبها.


ردت توته عليها قائلة:

" وهم ايضا يفرحون بل يطيرون للمجيء إليكِ ينتظرون الاجازة ليهربوا منا إليكِ".


ابتسم وجه فهمية برضا كبير قائلة:

 " ماشاءالله هادي كبر وأصبح أكثر شبها لأبيه، حتى أنه يفرح قلبي بمجيئه اليومي بعد المدرسة كي يسألني هل أريد أن يساعدني بشيء او ان يشتري لي حاجة من احتياجاتي".


ردت توته بحب ورضا:

 " نعم هو كذلك حتى أنه أصبح طويلا مثله سبحان الله حتى هدوءه مثل ابيه كما قال البدري عنه".

 

تحدثت فهمية على حذر قائلة:

" أخبرني هادي ان عمه هو من قال له هذا الكلام وحثه على حمل مسؤوليتنا يشكر ليس بغريب عن رجل مثله ولكني كنت اريد ان اسألك عن شيء، اصبحتي تعلمين قدرك لدي يعني هو سؤال لأجل الاطمئنان لا أكثر تعلمين نحن من تحدث وطلبنا منك الارتباط واريد ان اطمئن أننا لم نظلمك به".


دققت فهميه النظر بها وهي تكمل

 " أم أننا ظلمناكِ؟".


صُدمت توتة من السؤال وخاصة أنها كانت متحفظة في حديثها متعمده الابتعاد عن حياتها الجديدة كي لا تفتح جروحها وهذا ما جعلها تحرص على ارتدائها للاسود بكل زيارة لها.



ظلت صامتة دون ان تجيبها، لتتحدث فهمية من جديد قائلة:

 " سيمر يا بنتي، الأيام تمر والعمر يمر، ونحن سنمر وجميعنا سنبقى ذكرى، الحي ابقى من الميت اعطيتك لرجل لا يتكرر كثيرًا حولنا بهذا الزمن".


اومأت توته رأسها قائلة:

 " لا تحملي همنا نحن بخير اهتمي بصحتك و راحتك هذا ما يهمنا جميعا".


تحركت فهمية قائلة:

" لا فائدة بميادة سأقوم أنا لأصب لكِ الكركديه".

 

كانت تود ان تقول لها انتظري انا من سيضعه ولكنها لم تستطع لشعورها بأنها مقيدة تخشى ان تصطدم باي ذكرى تعصفها بقاع ماضيها وذكرياتها.


امسكت يد فهمية ولم تتركها متحججة بعدم استطاعتها الشرب ليأتيها سؤال فهمية الصادم

 " هل أنتِ حامل؟".


اجابتها نافية لما قالته بسرعة وكأنه ذنب إن ثبت عليها الحمل، هزت فهمية رأسها باستغراب قائلة: 

" غريبة رغم أن زوجته السابقة حملت بعد دخلتها الأولى وأنجبت فارس بعد زواجها بتسعة أشهر كما حملت مرتين بعد ولادتها ولم يشأ الله النصيب حتى اكتمل حملها الرابع وفارس بعمر التسعة اشهر، أم أنكم متفقون على هذا".

 

 فكرت توته بالرد الذي قاطعه صدمتها الجديدة من فهمية وهي تسألها:

" أم أنكِ لم تصبحي زوجته حتى الآن، رغم انه احتمال ضعيف فحتى يا بنتي إن شئتي هذا فكبيرنا رجل أحل الله له حلاله ولا يمكن لأحد أن يمنعه، في الاخير هذا حقه الذي أعطاه الله له".


كانت تحدثها وهي تراقب تعابير وجهها تحاول فهم ما بها وبأي شكل تعيش حياتها الجديدة، تمادت فهمية بالأحاديث والكلام عن البدري وزوجته المرحومة و امه فيروزة محاولة الوصول لمرادها وتعلم إلى أي سقف وصل التفاهم وتبادل الأحاديث بينهما، لتتأكد في نهاية المطاف ان الحديث منقطع او شبه معدوم حين انصتت توته باهتمام لما روته فهمية عن ماضي عائلة البدري.


………


تناول الجميع طعامه في منزل أمين الحلو بشكل مبكر، جلسوا بعدها بالصالون كي يشربون القهوة.

اقدمت شهرزاد وجلست بجانب زوجها، سألتها زيزي قائلة:

" هل لا زال ألم رأسك موجود؟".

 

ردت بوجهها الممتن لاهتمام زيزي بها: 

" انا بخير لا تقلقي".


رد شريف وهو يوجه حديثه للجميع:

 " لم يدور رأسها من قلة طعامها فهناك وضع خاص".


ردت مديحة 

" والله ان قلت ما اشعر به لن استغرب".


تحدثت شهرزاد مبررة صمتها وعدم إخبارها:

 " لم يعطيني أحد فرصة كي أفسر ما انا به، كلما نويت ان اتحدث يطرأ ما يصمتني".


ضحك شريف قائلا: 

" هذا من حظي لاكون انا اول من يعلم بهذا".


رفع يدها المشبكة بيده مقبلها وهو يستمع لحديثها:  

" كنت اود ان اخبركم أنني حامل ولهذا السبب يحدث معي دوران بالرأس و فقدان الشهية، ولكني لم أجد الوقت المناسب".


عاتبتها زيزي على صمتها واخفاء فرحة كهذه عليهم، تحدث سيف وهو ينظر لفرحة شريف قائلا:

" جميل كي يصبح أولادنا قريبون بالعمر يلعبون مع بعضهم ويعيدوا ذكريات والديهم".


نظرت شهرزاد لشريف قائلة بحزن:

 " لا اريد كسر فرحتكم، هذا ما كنت اخشاه، صمت كي لا اصدمكم و اسرق فرحتكم".

 

تغيرت ملامح زيزي:

 " ما بكِ هل الحمل به مشكلة".


رد شريف بالنيابة عنها قائلا: 

 " مع الاسف أخبرها الطبيب أنه ضعيف ومن المحتمل أن ينتهي بأي وقت، أوصاها بعدم الحركة أو الخروج وإن كان لنا نصيب سيبقى".

 

قاطعه سيف موجها حديثه لشهرزاد قائلا:

 " هل لهذا السبب رفضتي الذهاب للزيارة".


عقبت زيزي

 " نعم كنتي تريدين أن تتحدثي ونحن لم نفهمك سامحينا يا بنتي".


تحدثت شهرزاد بسرعة: 

" لا تقولي هذا كان الله بعونك، لقد مررنا بأوقاتنا العصيبة بصراحة انا ايضا كنت اتهرب من اخباركم خوفا من احزانكم على احتمالية انتهائه فيصبح الحزن مضاعف".


وضع شريف ذراعه على ظهرها وهو يطمئنها ويحثها على الراحة التامة وترك الباقي على الله ان اراد أكرمهم به وإن لم يرد فهو قدرهم.


اتصلت امها بها لتخبرها باقتراب وصولهم، لم تكن أمال تعلم أنها على صدد معرفتها بخبر حمل ابنتها، عاتبتها وحزنت منها قائلة:

 " إن غفر لكِ الجميع من المستحيل ان اغفر أنا لكِ، هل تخفي البنت على امها خبر كهذا".


ردت شهرزاد على أمها قائلة:

" كنت اخشى ان تجبريني على الذهاب والاستقرار لديكم وحينها لن يستمع احد لي والجميع سيقف بجانبك ويؤيد قرارك".


 بهذه الكلمات ازداد قدرها بقلب زيزي التي كانت تراقبها وتخاف عليها كأنها أصبحت ابنتها الحقيقية.

…....


عادت توته من زيارتها الثانية لمنزل أهل زوجها المرحوم بحالتها الصامتة الحزينة رغم تظاهرها عكس هذا، تتغرغر عينيها بالدموع وهي تبتسم بوجه أولادها.



تأخر البدري بهذا اليوم في عودته للمنزل حتى أوشك على النوم بالخارج، تحركت لتنام على فراشها وبيدها الهاتف تفتحه وتغلقه لترى الساعة متسائلة عن سبب تأخره دون محاولة الاتصال به ، كانت ترغب في تكرار شكرها له والتحدث معه كي تخرج من ضيقها وحزنها الذي اكتسبته أثر ذكريات الماضي الأليم.


ضاق صدرها بما حوى تحركت لتضع حجابها على بيجامتها الزهرية مقتربة من نافذة غرفتها أزاحت ستارها برفق ثم فتحتها كي تستنشق الهواء متفاجأة بجلوس زوجها بالاسفل.


انصدم فور رؤيته لها استقام بجلسته ناظرا لها بعيون واسعة، أغلقت توته النافذة بسرعة بكاءها الذي خرج منها فجأة دون استئذان هاربة بعدها للحمام مغلقة عليها باكية دون صوت.

 

صعد إلى جناحهم وهو يحضر اجاباته على استجوابها الطبيعي في هذه الحالة، 

لماذا كنت تجلس بالاسفل؟ ولماذا تأخرت؟.


 كان يتوقع اللقاء كالتحقيقات التي يسمع عنها بالحياة الزوجية الطبيعية ولكنه لم يجدها أمامه، نظر للحمام ليفهم أمر هروبها منه ابدل ملابسه واستلقى على فراشه رافعا الغطاء عليه وهو ينتظر خروجها الذي طال كثيرًا.


فكر أن يطرق الباب ليطمئن عليها ولكنه تراجع خوفًا من الضغط عليها وخاصة أنها عائدة اليوم من ذكرياتها القديمة.


  وبعد وقت من التفكير والمد والجزر بداخله أغلق عينيه خالدا في نومه الذي تملكه وسحبه جالسًا بجانب قبر مدحت وهو يشتكي له حاله وضيق صدره مما كان يتمناه من حياة طبيعية مستقرة لم يجدها.


 رد عليه مدحت من مرقده: 

" ماذا كنت تنتظر منها ألم تخبرني انك ستفعلها لأجل أولادي والحفاظ عليها".

 

رد البدري بصوته الحزين:

 " أنا لم أطلب شيء كبير اريد فقط أن أعيش حياة طبيعية، لا أنتظر منها حب وغزل ولكني اريد ان اشعر أننا… ".

 

رد مدحت عليه بصوت كان يصله بصعوبة في حلمه:

 " ماذا كنت تنتظر منها، ألم تخبرني أنك ستفعلها لأجل أولادي؟".


خرجت توته من الحمام بعد ان هدئت وغسلت وجهها لتجده نائما، تحركت لتنام بجواره على الجهة الأخرى وهي تسمعه يهمهم بكلمات لم تفهمها، أعطته ظهرها لتنام ولسانها يستغفر داعية ربها أن يريح قلبها مما تحمله.

 

……..


ندمت شهرزاد على اخباره رأفة بخوفه وقلقه عليها وكأن الحركة ستؤذيها.


دخل عليها الغرفة وبيده كأس من الحليب الدافئ، نظرت له قائلة:

 " لا تقل انه لي؟ مستحيل ان اشربه".

 

حدثها وهو ينظر للحليب بيده: 

" كيف ستكملي حملك دون شربه انا لم اقرأ رواية او أشاهد عمل سينمائي بدون أن تشرب الحامل الحليب".


ابتسمت له وهي لا زالت تحمد ربها قائلة: 

" الشكر لله انا لم أصدق حتى الآن أنك أمامي وتحدثني".


وضع الحليب جانبا ليحتضنها قائلا:

 " لا تفكري بتلك الأيام انا بجانبك بعد الآن، لا أريدك أن تحزني ان انتهى حملك هذه المرة فمن رزقنا به سيرزقنا بغيره لا زلنا بأول الطريق حتى كنتي تطلبين مني تأجيله، لنسلم أمرنا لله وما يريده الله نحن راضون به".


ردت عليه برضا:

 " سبحان الله وانا تفاجأت به، هل تعلم رغم حزني الكبير وعدم وجودك بجانبي الا ان داخلي كان راضي وحامد الله على أنه حمل وليس شيء آخر كعودة مرضي".


قبل رأسها:

 " لن يعود لا تقلقي نحن معا من بعد الآن".


 ونظر لكأس الحليب قائلا

" على الاقل اشربي القليل منه".


لم يصدق استسلامها وأخذها الحليب لتشربه على مضدد كي ترضيه، رغم فرحته بشربها إلا أنه حزن على ما جعلها تعيشه بوقت كان عليهم ان يكونوا محلقين بالسماء، وبعد أن أنهت كأسها نظرت له بوجهها المبتسم قائلة:

 " هل نعيد سفرنا لروما".

 

 _" هل لروما؟، أنسي الأمر من المؤكد ان هناك شخص وضع عينه وقلبه وجهده كله بها، فبعد ما تم دفعه من كفالة، احب ان ابشرك بقدوم روما إلينا رأفة بحالتنا". 


ردت عليه بثقة وتفاؤل:

  " سنعمل ونجتهد بفتح مشروع احلامنا الذي سيعوضنا كل هذا لا تحزن".


تحرك بها للفراش كي تنام وتريح ظهرها فقط دون اقترابه منها كما أتى في تعليمات الطبيب المشددة بعدم قيامهم بأي علاقة حميمة للحفاظ على الجنين.


 فكرت شهرزاد أن ترضيه بسرد ما كتبته عليه، ضحك شريف قائلا: 

" اشعر وكأني كبرت أربعين عاما أنام بجوارك وانا استمع لحكاياتك دون ان اقوم بواجباتي".


ردت لتجيبه بصوت مندهش:  

" وهل سأحكي لك القصص حتى هذا العمر".


اجابها بسؤال فوق سؤالها:

 " وهل تتذمر زوجتي وتريد مني ان اترك القصص واقوم بوجباتي فقط ".


خجلت منه لتصعد على الفراش وهي تقول له:

 " أنت تعلم ما اقصده لا تبدأ الآن".

  

صعد من خلفها ليقبلها بشوق وحب قائلا بعده وهو يأخذها بحضنهى 

" سامحهم الله على ما أنا به".


سألته من يقصد، ضحك بجوابه:

" ابني والطبيب".


فرحت بقوله ابنه لتسأله:

" هل تريده ولدا".


كان السؤال مفاجئ له فكر قليلا ليرد بعدها:

" لا أعلم لقد خرجت هكذا".


 وضع يده أوسط بطنها قائلا: " أهو هنا!".


نفت بحركة وجهها الخجول وانزلت يده قليلا:

 " لا بل هنا ولكنه صغير جدا جدا لا زال مضغة".

 

سيطر عليه شوقه وحبه لها رفع يده من على بطنها وهو يتنهد قائلا:

 " احكي يا شهرزاد احكي قبل أن افقد عقلي وحينها لن أفكر بطفل او طبيب".


خجلت أكثر قائلة:

" تمام تمام سأحكي لك ما كتبته".

 

رفع الغطاء عليها وهي بحضنه دون ان يستمع لشيء حين غفت عينيها بجانب من ابحر بنومه منذ وقت بعيد لتمر ليلة هادئة سعيدة على العروسين.

………..


 اقتربت توته من البدري بعد نومه بوقت قليل وهي تحاول ان تكسر الحاجز والرهبة التي تمتلكها كلما اقتربت منه.


 كانت تنظر لقربه وهي تتذكر مدح فهمية به وحديثها عن زوجته المطيعة المحببة للجميع.


تحرك البدري ليصبح وجهه بوجهها توترت واغلقت عينيها بجسد يرتعش من خجله مرت دقائق تأكدت من عدم استيقاظه لتفتح عينيها من جديد وهي لا تصدق انهما معا وجها لوجه بهذا القرب.


ازداد قلبها نبضا وارتجاجا وكأن أمرا جللا يحدث داخله وكأن أجراس الخطر تدق أبواقها ارتفع صدرها وانخفض بانفاسها استجابة لحربها الداخلية، لم تتحمل البقاء بهذا القرب كثيرا تحركت لتستدير بنومتها على الجانب المعاكس له أخذة أنفاسها بعدها محدثة ربها: 

" ماذا افعل ليس بيدي أعني يا الله".

 

اغمضت عينيها وهي تطلب من ربها أن يريح قلبها ويرشدها الصواب، نامت على هذه الهيئة ليشاء الله بقدره أن تحلم بزوجة البدري السابقة تجلس بجانبه بليلة زفافهم تطعمه بيدها من طعام العروس وهو سعيد وفرح يحتضنها ويقبلها من وجنتيها متغزلا بجمالها، وبوسط حلمها ودون ان تشعر كانت توته تقترب منه بنومها حتى انها استدارت بقربها اكثر واكثر وكأنها تدافع عنه بنومها.

………


 استيقظ البدري على صوت أذان الفجر ليجدها ملتصقة به دون احتضان ثبت نظره عليها لدقائق محاولا استيعاب حقيقة ما يشعر به، خفق قلبه العاشق المشتاق لقربها وشعوره بها ليقطع هذا الشعور تحركها بنومها وفتحها لعينيها منصدمة هي ايضا بحالة وجوههم المقتربة من بعضها.


وبعد أن تشابكت عيونهم لعدة ثواني طال عدها اخفضت هي عينيها ناظرة لمكانهم على الفراش، بأول الأمر توقعت انه من جاء إليها والتصق بها لتصطدم أنها من اقتحمت جانبه والتصقت به لدرجة لم تترك له سعة للنوم على فراشه.


تحركت مبتعدة عنه جالسة على فراشها تحسن من وضع سترة بيجامتها الصوفية الناعمة،

قام من فراشه متوجهًا للحمام كي يتوضأ ليصلي الفجر، وعلى استحياء قامت وتوضأت من بعده لتجده ينتظرها قائلا:

" أضعت صلاة الجماعة لنصلي معا ان اردتي". 


اومأت رأسها واقتربت منه باستحياء مكملة ارتداء لباس الصلاة، ليبدأ هو صلاته بالفاتحة ومن ثم آيات من بداية سورة مريم، أكمل الركعة الأولى ومن بعدها أقام الثانية لينهيها بالتسليم رافعا يديه داعيا الله في سره ثم قام متجها لفراشه من جديد لينام على جهته رافعا الغطاء عليه مغمضاً عينيه دون كلام.


اقتربت وهي تريد أن تسأله عن زوجته الاول هل كانا يتشاركان بالصلوات أم فعلها معها فقط، صعدت على الفراش بشرود ما تفكر به.


ودون أن تشعر بحالها عادت لتقارب منه وهي تنظر نحوه بعقل لا زال يفكر :

" هل كانت كافية لدرجة جعلته يزهد في الزواج لسنوات "


رفعت حاجبها وهي تهمهم :

" ما هذا الجنون الذي افكر به معشر الرجال لا يزهدوا في أمر هكذا وخاصة أن كان الكبير كما قالت الحاجة فهمي"


ابتلعت ريقها مكملة : " على كلا هذا افضل لأجلنا فليبقى الوضع كما هو عليه، نحن تزوجنا لأجل الأولاد لا يمكن لأحد منا الضغط على الاخر، انا لا طاقة لي بتحمل المسؤولية الزوجية الكاملة لا نفسيتي ولا شيء يجعلني جاهزة لذلك عليه أن يستوعب وضعي ويتحمله كما وعدني فما فعلناه. فعلناه لأجل الأولاد فقط"


أغمضت عينيها وهي تتذكر احتضانه لها بعد كتب الكتاب وكيف أبى أن يترك يديها طوال الحفل بوجه ابتسم بنومه.

……..


 في القاهرة و بعد ان أديا فريضة الفجر نام شريف برأسه على أرجل اميرته واضعًا يده أسفل بطنها قائلا:

 " أحكي لنا ياشهرزاد".


 ابتسم وجهها قائلة:

" لا دخل لك بأبني لا اريد ان انشغل بكلاكما يكفيني تدلل واحد عليّ".


رد عليها متسائلا:

"ألم تعديني ان تحكي لي طول العمر".


_" نعم أحكي لك وحدك لا تدخله بحكايتنا".


حرك يده على طفله وعاد ليسألها:

 " ألم تعديني أنكِ ستبدئين قصة جديدة مليئة بالمشاعر".


اومأت رأسها لتؤكد على كلامه: 

" نعم سننهي قصة الاغوات ونبدأ بعدها قصة راودتني كثيرا وقررت ان ابدأ بها لاخرجها للنور".

 

تحدث بسرعة:

 " ولكنك على وعدنا ستكون رومانسية جميلة مضحكة لا أمل منها ولا أشعر أنني استمع لشيء معتاد عليه".

 

 ردت بثقة عليه: 

" عيب عليك هل انا اكتب ما يمل منه، ورغم

حزني منك إلا أنني سأعدك أنك ستدور خلفي متمنيًا اكمالها بأقصى سرعة".


جلس من حماسه طالبا:

" اتركينا من قصة الاغوات واحكي لي بداية هذه القصة اشتاق قلبي لسماع القصص الرومانسية".


ضحكت قائلة له:

 " لا يمكن الآن عليّ أن اكتب بدايتها بهدوء، وايضا لا يمكن قبل إنهاء قصتنا".


عاد ليضع رأسه على أرجلها قائلا

 " لا اعرف ما حدث الواضح أنني تحمست للأحداث الرومانسية وجمال البدايات وألحان الغزل، اتساءل من الآن عن إسمها".

 

وبوجهها الذي كان يخفي ضحكته قائلة:

 " اعدك بأحداث خيالية ثق بي، وبالمناسبة لا داعي للتفكير باسمها كثيرا فقد اسميتها مشاعر لما تحتويه من مشاعر جياشة".

 

اهتز شريف من سعادته وتحمسه قائلا:

" يا فرج الله سأبكي من فرحتي الآن".


قاطعته بردها:

" لا انتظر لننتهي من قصتنا لقد تبقى القليل القليل لنسدل الستار عليها وتبكي من بعدها أعدك أنني لن اترك لك هذه الأمنية دون تنفيذ".

 

تسلل الشك لقلبه وخاصة بعدما رأى وشعر بشيء غريب يعلو ملامح وجهها ونبرة صوتها، سألها: " هل تكذبين علي؟".


_" لا عن أي كذب تتحدث؟ إنها مشاعر وستصبح ملكة المشاعر بعد كتابتي لها انتظر لترى والآن هيا لنبدأ قبل أن أنام منك".

 

رد عليها:

 " لا يمكنكِ النوم الآن أنتِ وعدتني بأن تحكي لي حتى يأتي موعد نزولي الجامعة".


………


استيقظ البدري من جديد ليجدها قريبة منه ومع ذلك ابتعد خوفا من كسرها أو اصطدامه بحقيقة عدم رغبتها وتحملها أي بداية خاصة بهم.

 

وهذا ما جعل الوضع يتأزم اكثر حين استمر وضعهم على هذا الحال أيام وليالي متتالية زادت من بعدهم وصمتهم، لم يقصر البدري معها بتلبية ما تطلبه وأكثر، كما لم يمانعها في شيء يخص صالح الأولاد لهذا لا تجد ما تراجعه به أو تسأله عن عدم قيامه به او اعتراضه عليه فليس من الطبيعي أن تذهب وتقول له لماذا لم تعد تضحك بوجهي كالسابق او لماذا لا تهتم بالتحدث معي عن العمل و الماضي كما كنت تفعل فترة تعارفنا وأول أيام زواجنا.


طلبت منه أن تحضر لهم الطعام بالاعلى وحدهم ولكنه كان يرفض متحججا باخواته ونظام الدراسة الذي جعلهم لا يتجمعون بشكل كامل سوى على مائدة الطعام ، وأنه لا يريد تغيير عادات العرابية في لم شمل العائلة والترابط الأسري بينهم وهذا لم يحدث حين يتناولون كلا منهم طعامهم وحده ويتصادفون بجلساتهم أن كان هناك وقت لذلك وسط كثرة الأعمال.


جاء يوم العطلة تجمعت فيه العائلة بالاسفل بعد تناولهم فطورهم، أتت فتاة حاملة صينية الشاي مقتربة من البدري وهي تميل عليه قائلة بوجه مبتسم:    

" الشاي يا كبير".


 نظر لها باستغراب فهي جديدة بالسرايا، تحدثت ناهدة قائلة:

 " ألم تتعرف عليها يا كبير، انها فدوة بنت أم عمار".


هز البدري رأسه قائلا:

 " نعم نعم تذكرتها ماشاء الله كبرتي يا فدوه وأصبحتي عروسة جميلة".


لم تستطع توتة إخفاء غيرتها تحركت بمكانها وهي تحسن من وضع حجابها وعينيها تنظر لمن ابدع الخالق بتجميل مفاتن جسدها الممشوق. 


تحدث البدري مع فدوة بوجهه الفرح، سألها عن ابيها الرجل الطيب وامها وعمها الأكبر، ردت فدوه عليه بجوارحها وعينيها الواسعتين اللامعتين:

 " جميعهم بخير ولا ينقصهم سوا رضاك عنهم".

 

اطرأ الكبير على عينيها قائلا:

 " ما شاء الله من أين أتيتي بعينيكِ لا امك ولا اباكِ بهذا الجمال".


لم تتحمل توته رؤيتهم بهذه الحالة أكثر من هذا وقفت لتصعد للأعلى دون الاستئذان من أحد ولا الاجابة عليه حين سألها إلى أين ذاهبة.


وهنا وجدت ناهدة ما تضغط به عليها وتخرج ضيقها وغيرتها العمياء ، قررت حينذاك أن لا تسمح لأحد بالظهور او خدمة البدري أثناء وجوده الا فدوه ، مما زاد الأمر سوءً وخاصة حين حضرت فدوه بمهارة عالية صينية جلاش بالمكسرات والزبدة البلدي ابهرت الكبير و جعلته يمدح بها.


……………


 اقترب شريف من الخلف وهو يميل على عروسته ناظرا لعقد رقبتها بشرود.


 تحركت من بين يديه وهي تنظر له قائلة:  

" هيا ابدل ملابسك سريعا، كي نتناول طعامنا فأنا وابني جائعين".

 

اثار انتباهها نظراته الثابتة على رقبتها القريبة منه لتكمل حديثها وهي ترفع يدها لتمسح مكان مرمى بصره أعلى و أسفل العقد الرقيق قائلة:

" ما بك تنظر هكذا، أدخلت الشك لقلبي".


 ابتسم وجهه بعينه الثابتة لتعود لتمسح مرة أخرى على رقبتها مكملة باستغراب: 

" خرجت من الحمام قبل قليل حتى أنني أكثرت من الشامبوهات والشورات".


رفعت يدها لتثبتها على جانب رقبتها مكملة:

 " هل تنظر لتلك البقع الحمراء لا تقلق أنا معتادة عليها فهي من كثرة دعكِ لها".


سألها باستغراب: 

" عفوا هل دعكِ؟".


 ابتسم وجهها لتكمل له بثقة:

 " نعم وكثيرا أيضا فهذه العادة شبه متلازمة لي، كانت جدتي تدخلنا للحمام ونحن نصرخ لا نريد ان نعذب تحت يدها وهي تدعك أجسادنا وخاصة رقبتنا بقوة ، حتى نخرج من الحمام كالديك المسلوق من شدة احمراره".


لم يستطع منع قهقهاته العالية من الخروج بقوة فهو غير معتاد على سماع هذه المصطلحات. 


سألته بضحك:

 " هل تضحك عليّ؟، أنت محق نعم كانت فقرة عذاب ولكنه جيد للاسترخاء، لا يمضي على خروجنا من الحمام بضع دقائق حتى تجدنا ممددين أرضا وأعلى الأرائك غارقين بنومنا، حتى اصبحت عادة لي حين يهرب نومي ادخل وافعل كما كانت تفعل بنا جدتي رحمة الله عليها".

 

 ابتسمت وهي تغمز مكملة: 

" و بالطبع بالاعياد و بداية الدراسة والمناسبات كي يضيء وجهنا وتشع روائحنا الطيبة منا".



استنشق نفس عميق سحب به أكبر قدر من عطرها داخل صدره قائلا بعده براحة وسعادة:

  " لستِ بحاجة لأخباري فأنا أشعر وأرى جيدا ما تقولينه من الواضح انكِ اعتنيتي كثيرا و تحضرتي لأجل عودتي" .


وبثقة كبيرة ونبرة لا زالت تحمل بقايا ضحكهم وسعادتهم:

 " طبعا، طبعا علي أن اكون زوجة مهتمة بزوجها ومتهيئة لعودته".


ابتسم من جديد وهو يقربها له اكثر:

 " لا تكترثي لهذا، يكفيني أن يكون قلبك هو من تحضر وتهافت للقائي".


ضحكت ضحكتها الساخرة المعتادة وهي تجيبه:

" قلت لتوتة هذا الكلام ولكنها مصرة على اعطائي المحاضرات المكثفة".


ثم تنهدت بفرح مكملة:

" ماذا افعل سأصمت لإرضائها، لكن عليً إخباركم بأن إنهائي لكل هذه العطور والكريمات و شامبوهات الاستحمام بالوقت الذي حددته توته صعب للغاية، لقد افرغت الكثير من شامبو الاستحمام و لازالت العلبة كما هي، اخاف ان تصعق عند رؤيتها لها".


ابتعد قليلا للخلف بأعين و وجه مندهش متسائلا:

" هل تكثرين من استخدام العطور والشامبوهات والكريمات خوفا من اختك!".


ضحكت شهرزاد لتكمل: 

" نعم وإلا ما حاجتي لكل هذا و كأنه ذنب علي ان أكفر عنه، لا اعرف بماذا قصرت الصابونة معهم وخاصة الأنواع ذات الرغوة الكثيرة، هل تعلم بالسابق لا يستغرق استحمامي النصف ساعة على الأكثر وأكون قد تأخرت، والآن استغرق اضعافه اربعة مرات حتى تخرج روحي مني، اضع حمام الزيت واتركه على شعري ومن ثم ادعك جسمي بالكريم المغربي ومن ثم ادعكه بالشامبو، ثم علي أن أتركه دقائق ليمتص الجسم رائحته وبعدها اغسل شعري واضع له الشامبو الخاص به ومن بعده البلسم، اووووو اختنقت وانا اشرح فما بالك بتنفيذه، اه نسيت عليّ ان اضع كريم الجسم بعد الحمام وقبل ارتدائي، أشعر وكأني سأطير بعد قليل".



ضحك شهريار على حالتها وضحكها وتحدثها بين يديه بكل جوارحها، تحدث من جديد:

" ما رأيك لنستبدل ادعك بـ افرك".


ردت لتجيب

" و ما به الدعك اعتقد انه المصطلح الأنسب لحالتي فأن استخدمت فرك فسأكون أهدرت تعبي و مجهودي".


همهم باصوات لم تخرج من فمه قائلا:

 "اعتقد ان لدي الحل".


و باستغراب سألته: 

 " و ما الحل بهذا، لا عليك لنستحم كي نبدل طبقات جلدنا أول بأول".


ضحك على ما يسمعه مكملا:

 " لا اسمح لكِ بتعذيبه أكثر من هذا انا سأساعدك كي توفري وقتك وتعبك ومجهودك، لا تقلقي سأنهي كل ما قلتيه بوقت قياسي حتى لا تشعرين بنفسك إلا وأنتِ خارج الحمام".


و بخجل مبطن بنبرة ضحك وسخرية ردت عليه بسرعه:

 " هل تعتقد أنني اشتكي لك، لااااا لقد فهمت بشكل خاطئ أنا فقط اردت ان اشرح لك مدى اهتمامي وتحضري لك، حتى اقول لك تبقى القليل لادمن ما أفعله".


و بعيون كادت أن تدمع و صوت منخفض مثل بكائه أكملت:

 " أين كان عقلي قبل أن اقع بفخ ابدي".


سمعها ليزداد تبسما و هو يسألها:

" ماذا، أعيدي ما قلتية هل ندمتي على موافقتك علي؟".


تحركت لتهرب من بين يده نحو المطبخ قائلة:

 " لا عيب مستحيل ان اندم فقط اقترب اخراجي لصدقة تكفيرا عن هذا الذنب".


نظر خلفها وهو يحك بيده طرف عينه المبتسمة الفرحة قائلا لنفسه:

 " من الواضح ان عملنا صعب، لنشبع بطنها وننهي حججها، كي نفوز بمرادنا".

 

جاءه صوتها العالي من المطبخ: 

 " هيا بدل ملابسك بسرعة قبل ان يبرد صوص البيكاتا ".


هز رأسه وتحرك لغرفته وهو يتذكر مكالمته مع امه: 

" ارسلت لكم بيكاتا بالشمبنيون لأجل خاطرها واوصيتها ان لا ترهق نفسها، وأنت أيضا لا ترهقها بطلباتك يكفي ان تكتب لي ما تريده ليقوم البنات بطبخه وإعداده لكم". 


تحدث شريف مع نفسه من جديد: 

" لقد ربحتي قلبها رغم الاختلاف الكبير بينكم، هل تسحر لنا يا ترى!".


هز رأسه بحب و فرح: 

 " ساحرتي العنيدة الجميلة".


وبسرعة ابدل ملابسه وخرج ليساعدها بنقل الاطباق و وضعها على طاولة الطعام وهو يسألها:

 " هل أتصلتِ بأختك اليوم؟".

 

ردت عليه بحزن:

" نعم اتصلت فور استيقاظي".

 

نظر لملامح الحزن الذي طغى على وجهها وصوتها قائلا:

 " أعتقد انكِ تتهيئين بشعورك هذا، المرأة تقول لكِ بخير والأولاد سعداء".


قاطعته بنبرة حديثها الحزينة:

 " انا اعرفها من صوتها تعتقد أننا نسينا حماسها ونبرة صوتها حين تكون سعيدة و مرتاحة حتى اهتمامتها تختلف باختلاف مشاعرها، تحسن من صوتها وتحاول ان تغيير الأحاديث بنصائحها لي وخوفها عليّ ولكني اكثر من يعلمها".

 

جلس على مقعد الطاولة بعد ان اجلسها قائلا:

 " انا ارى أنكم تكبرون الأمر من الطبيعي أن يكون زواجها الأول مختلف عن الثاني، وخاصة بعد وفاة زوجها وذهابها لتعيش بعقر ذكرياتها السابقة، عليكم ان تفكروا بكل هذا وايضا لا تنسوا انه لم يمضِ على زواجهم شهرين على الأكثر".


ردت شهرزاد:

 " شهرين و أثنى عشر يوما هل نسيت أنني أحسب هذا بشكل يومي".

 

ابتسم شريف

" أجمل شيء فعلتيه، أصبحت أدمن هذا الدفتر الصغير الذي نُدونُ بهِ كل يوم التاريخ بجانب رسالتنا له".


تحدثت شهرزاد:

 " نعم فكرة جيدة ولكن عليك أن تغير بنمطك يكفيك حبا واشتياقا واكتب له شيء جديد".


رد شريف 

" أنتِ اكتبي أحلامك وأمنياتك ونصائحك واتركِ لي الحب والغزل".

 

تناولا طعامهما بسعادة وفرح وأحاديث تنوعت بتنوع مشاعرهم الجياشة، و على عكس هذه الفرحة كان الوسط بالصعيد مضجع بضغط ناهدة على توته لايام متتالية حتى اقترب لأسبوع كامل ليحدث أول تصادم حقيقي بينهما حين اهتمت توته ببقائها بجانب زوجها طوال جلسته بالاسفل رغم ان المسافات لا زالت متباعدة بقربهم الا انها ابت ان تتركه لما تخطط له ناهدة وتكيدها به بعد كل إطراء منه على فدوة.


 فكرت توته ان تصنع حلوى التيراميسو بنفسها بغرض لفت نظر زوجها لها وسماعها منه ما يرضيها اهتمت كثيرا واجهدت كي تحضر منه كم يكفي عددهم وانتظرت تناولهم عشائهم حتى تقدمها لهم متمنية ان تعجبهم لتأتيها صدمتها حين ترك الجميع أطباقهم ولم يتحملوا إكمال اول معلقة بها.


أخذت طبقها لتتذوق مندهشة من ملوحتها غضبت وحزنت كما اقسمت انها لم تخلط بين الملح والسكر فهي ليست أول تجربة لها.


حاول الجميع ان يرضيها ويواسيها منتظرين منها الاجمل بالمرة القادمة.


 نظرت توته لناهدة لتجدها تنظر لها نظرات انتصار مبهمة راجعت نفسها وعاتبت عقلها كيف يفكر انها من وضع الملح بحلوتها، تكرر الأمر مرة أخرى في عصير المانجو ليتحدث البدري قائلا: 

" لا عليكِ يحدث هذا ولكن بالمرة المقبلة انتبهي اكثر او اتركي الأمر لفدوه يكفيكي عبء الأولاد طوال اليوم". 


ردت ناهدة بنفس النظرات قائلة:

" نعم اتركي المطبخ لفدوه والبنات لا داعي لاتعاب نفسك".

 

أكدت جميلة على ما قالته ناهدة فهي لا زالت تتذكر الجهد الذي قامت به توته لصنع الحلوى وبالاخير هدر كله دون فائدة.


عاندت توته أكثر وأكثر حكت لشهرزاد عن تمادي ناهدة وتحديها لها بكل فعل وكلمة حتى الاولاد اصبحت تتدخل بهم بشكل لا يطاق، سألتها شهرزاد قائلة:

 " وماذا عن زوجك لماذا لم تتحدثين معه وتخبريه بما تشعرين به لعله يجد حلا لهذا، وايضا لماذا توقفتي عن العمل في مطبخك، اصنعي ما تريدين بالاعلى ومن ثم انزلي به كي لا يزعجك أحد أو يفسد ما تقومين به".


وبشكل غريب دافعت فاطمة عن حقها في الطبخ بالاسفل والاستعانة بالبنات في مساعدتها واحترام الجميع لها، فهم لم يعدوا صغارا بجانب أنها زوجة الكبير وعليها أن تثبت نفسها في كل مكان وان يحترم الجميع ما تقوم به.


 

أغلقت الهاتف مع اختها وهي تفكر بما دار بينهم، كان الشيطان قد سيطر عليها بحقها في الطبخ بالاسفل واحترام الجميع لها، فهي ليست صغيرة لتختبى وتطبخ بالاعلى وحدها كي لا يفسد طعامها أحدا


ترددت بفعل ما نصحتها اختها به صمتت ليومين اخرين حتى وجدت الفرصة المناسبة، دخلت غرفتها وجلست على الأريكة المجاورة للتلفاز قائلة بصوت جاد ورسمي:

  " أريد أن أحدثك بشيء مهم".


اغلق صوت التلفاز وهو يستقيم قائلا: 

" طبعا تفضلي اسمعك بماذا ستحدثيني".


حكت له عن ضغط ناهدة عليها وكيف تسيء من معاملتها وأن ظاهرها عكس ما تكنه لها حتى شكت له جلوسها هي وجميلة يتحدثان عنها ويتغامزان عليها وكأنها عدوتهم، وعندما تذهب وتجلس معهم يتركون الأحاديث العامة وينشغلون باستجوابها عن خصوصيات لا دخل لهم بها.



شعر البدري أن ما تقوله زائد عن الحد صدقها ببعضه ولم يهتم بالبعض الآخر ليأتي جوابه لها: " أخبرتك سابقا انا لا احب التدخل بهذه الأمور، عليكِ ان تكوني حكيمة ولا تجعليهم ينتصرون عليكِ وحين يشعرون بفشلهم سيتركون ما يفعلوه، فمن الممكن أن يكون طرأ عليكِ لانكِ جديدة بالسريا وهم اولاد عمي بالاخير، وايضا تخلصي من كل ذلك وافعلي ما تريدين هنا بمطبخك".


وقفت توته بقوة قائلة:

" هل تم تحديد عملي ومكاني لأجلها ، حسنا كما تريد دعنا نقرر الافضل لأجلكم جميعا"


سألها بفضول عن قرارها لتجيبه :

" لن اتدخل بأمور المطبخ من الآن فصاعدا فليفعوا ما يريدون"


قالتها ثم قامت بعدها لتبدل ملابسها وتنام متحججة بدراسة الاطفال.


  رد عليها دون التعقيب على قرارها قائلا:

" وانا سأسهر قليلا إن اردتي يمكنني أن أكمل مشاهدة التلفاز بالصالون الخارجي".


رفضت أن يخرج من الغرفة واغلقت وجهها بالغطاء هربا من الإضاءة والصوت.


 باليوم التالي شعر البدري بضيق من وضع زوجته وزوجات إخوته أراد أن يصلح الحال قليلا متصلا بزوجته طالبا منها أن تحضر له طاجن بامية كالذي أكله في القاهرة قبل زواجهم.


ابتسمت توته متحدثه بصوت جميل:

" من اين خرج هذا الان، ام اشتقت لاني"


ضحك البدري قائلا :

" ومن يستطيع معرفتهم دون الاشتياق لهم، ولكن بصراحه اشتقت لان ااكل من يدك اكثر، لذلك قررت أن تمتعينا اليوم بمهاراتك وإبداعه"


طارت توته من فرحتها حتى كاد البدري أن يرى فرحتها عبر محادثتهم ، إجابته بسعادة وثقة : " حسنا لك ما طلبت ولكن عليك أن تحافظ على أطراف أناملك كي لا تاكلهم مع البامية دون أن تنتبه"


تحرك على مقعدة بوجه زارته سعادته بعد غياب طويل قائلا :

" انتِ محقة لذلك سانتبه عليهم جيدا ، فمن تذوق طعامك يعلم جيدا حقيقة ما تقوليه".


أسرعت بغلق الهاتف بعد سقوط سلمى وبكائها، كان يريد أن يخبرها بكيفية سلبها لعقله من جمال مذاق اطعمتها ولكن قاطع بينهما القدر ككل مرة.


تحدث لنفسه بوجهه الذي لا زال مبتسما: 

" وأي عقل بقي لي بعد أن سيطرتي على قلبي وحياتي، من يراكِ وانت تقولين قرارك بالأمس لا يصدق أبدا أنك من كان يتحدث معي قبل قليل"


عاد البدري قبل موعده بساعة كاملة حاملا بيده الحلويات والفاكهة والعصائر الطبيعية الطازجة.



مادحا في زوجته وكم تشوقه بتذوق طاجن البامية، صعدت توته خلف زوجها كي تهتم به أثناء تبديل ملابسه، كانت تفعلها من غيرتها ومحاولتها إثبات قوتها ونفسها أمام ناهدة.


وهذا ما تبين بوقوفها في منتصف الصالون دون مساعدته منتظرة خروجه من الغرفة كي تنزل معه، تمادت ناهدة في غيرتها اكثر لتتجرأ بتخريب طبخات توته التي كانت تسعى لكسب زوجها وغلق الفجوة الكبيرة والفتور الذي أصبح بينهما.



غضبت توته هذه المرة وخرجت عن صمتها متهمة ناهدة أمام جميع من جالس على مائدة الطعام انها من أفسدت طاجن البامية.


 نظر لها البدري بغضب قائلا بحزم:

" انتبهي إلى صوتك".


 لم تصغي له وقفت أمام الجميع لتتحدث بصوتها الغاضب المرتفع:

 " ألم ترى ما تفعله؟ هل من المنطقي ان اخرب كل ما أفعله؟ هل أصبحت أنام بعلبة الملح حتى التصق بيدي؟ بالاعلى كل شيء مظبوط وبالاسفل كثير الملح ألم تجد شيء غيره لتفسد به طعامي".


 احمر وجه البدري مكتظا بغضبه قائلا:

" سنرى حقيقة ما تقولين لاحقا، اغلقي الموضوع الان يا فاطمة واصعدي للأعلى".


امتلكها شيطانها قائلة:

 " لا لن اصعد واترك حقي هذه المرة، هي من اخطأت وعليها ان تعتذر وايضا لا دخل لها بالأطفال كلما أرادت الضغط عليّ تعصي الأولاد على ما أقوله لهم هي حقا تتعمد معارضة كل ما أقوله لهم".


تحدث سيد بضيق:

" هل لأنها سمحت للأولاد أن يشاهدوا الفيلم الذي منعتيهم عنه أصبحت تتدخل بالأولاد وتعصيهم عليك؟".

 

 ردت فاطمة لتجيب بقوة:

 " نعم ما كان عليهم أن يشاهدوه حتى وإن كان مضحك فلا زالوا صغار على رؤية وفهم ما به".

 

خرج الوضع عن السيطرة وقف البدري بقوة، يعيد كلماته التي خرجت منه بصوت أجش غاضب:

 " اكسري الشر يا فاطمة واصعدي للأعلى هيا، وانتم كلا منكم يذهب لغرفته لا اريد أن يطيل الحديث أكثر من ذلك".


بعناد وغضب هزت توته رأسها بالرفض قائلة بنبرة عالية:

 " لن اصعد قبل أن تعتذر ناهدة مني، هي من افسدت طبختي اقول لك رأيت بيدها الملح وهي بجانب طاجن البامية وعندما رأتني ارتبكت وتراجعت".


تحدث سيد ليرد على اتهامها لزوجته قائلا بأسف:

 " زوجة اخي ماذا تقولين والله ما اسمعه عيب بحقي هل زوجتي بهذا السوء؟".


همت لترد على سيد بقوة لولا اقتراب البدري منها ليقف أمامها بغضب شاهرا ذراعه مشيرا للاعلى بيد والاخرى تصطدم المقعد أرضا بقوة: " ألم أقل اصعدي للأعلى".


نظرت له بغضبها ثم تحركت مقتربة من مائدة الطعام لتحمل سلمى بيدها قائلة للاطفال:

 " اتركوا ما بيدكم والحقوا بي".


ترك الاولاد طعامهم وصعدوا بسرعة خلفها، تحدث محسن بحزن قائلا:

" على الاقل كانت تركت الأولاد ليكملوا طعامهم ما ذنبهم الآن، لا اله الا الله".



قالها وأكمل تناول طعامه الذي بيده، ليعود سيد ليجلس بمكانه مقرب طبق الملوخية أمامه قائلا:

 " الله يصلح الحال ويبعد عنا كيد النساء".


جلست ناهدة هي أيضا قائلة بنبرة المظلوم:

 " اكملوا طعامكم ولا تحزنوا مما قالته ستعود وتعتذر بالأخير نحن أهل".


التفت البدري لاخوته قائلا بضيق: 

" عافية لكم".


ثم تحرك ليخرج من السرايا كلها، همت جميلة لتنادي عليه ولكنها لم تلحق به، عادت وجلست مكانها دون ان تكمل طعامها ناظرة لناهدة وهي تتذكر ما رأتها عليه بصمت وحزن.


مرت ليلة سيئة لم تنم فاطمة طوال الليل بسبب عدم عودة زوجها للسرايا بهذا اليوم، ظلت على نافذة غرفتها تراقب وصوله دون فائدة، تحركت لأكثر من مرة لتذهب لغرفة اولادها كي تنظر من نوافذهم للخارج.


وقفت أمام مرآة غرفتها وهي تنظر لملابسها وشعرها بصمت كبير فرغم اهتمامها بنفسها الا انها اكثر من يشعر بتقصيرها فمن كان ينصح الجميع جاء اليوم ليقف أمام نفسه عاجزا عن مساعدتها.


تجمعت الدموع بعينها لتغمضهما وهي تقول بداخلها:

 " يارب انت تعلم اني مظلومة، يارب انا دعوتك واستخرتك كل يوم يارب لجئت لك وتوسلت أن ترشدني لصوابي".

 

تحركت على فراشها لتجلس عليه بقوة الحرب الكبيرة التي بداخلها:

 " بأي ذنب وقعت، ما الذي فعلته بنفسي، أنا المخطئة دوما أنا المخطئة".


دفنت رأسها بوسط فراشها وهي تبكي مناجية ربها ان يرحمها ويرفع عنها حمّلها حتى نامت على هذه الحالة.


 عاد لغرفته بعد ان صلى فريضة الفجر بالمسجد ليتفاجأ بالهواء الذي صدم وجهه بمجرد فتحه لبابها، رفع نظره نحو النافذة الكبيرة ليجدها مفتوحة على مصراعيها تحرك باهتمام وقلق ليحكم اغلاقها مندهشا بنومها في منتصف الفراش دون غطاء.


 اقترب بحذر محاولا رؤية وجهها المدفون دون استطاعة حين تخبئ وسط ذراعيها، أراد أن يوقظها ولكنه تراجع وهو يتنهد بضيق تحرك به مقتربا من خزانته ليخرج ملابسه كي يذهب لعمله دون نوم.


 استيقظت على صوت حركة باب الخزانة الذي صدم بحلقة ليوقظها من نومها الغير مريح.


أدار رأسه لينظر لوجهها الحزين وهي تسير جهة الحمام دون كلام، عاد لينظر داخل خزانته مخرجًا منها قميص كريمي اللون وبنطلون اسود وأغلق الباب بادئًا بتبديل ملابسه.


 اغلق أزرار قميصه وهو يتذكر أمر العزاء الواجب عليه أداؤه لأحد أفراد العائلة ليتجه ويخرج قميص آخر باللون الرصاصي.


 خرجت هي بهذا الوقت من الحمام ليعطيها ظهره مكملا ارتدائه، كادت أن تعود لبكائها ولكنها استمسكت بقوتها وهي تحمد الله وتستغفره بسرها.


 اخذت ملابس الصلاة و ارتدتها لتقف على سجادة الصلاة قارئه بسرها بداية سورة الفاتحة " الحمدلله رب العالمين".


وهنا نزلت دموعها وهي بين يدي الله تحمده وتشكو له ما هي به كانت تركع مرددة سبحان ربي العظيم وهي تستشعر عظمته التي لا تعجز بإراحة ما تشعر به استقامت لتقول:

 " سمع الله لمن حمده" وبدأت بحمدها لله حتى خرج منها القليل من قهقهة بكائها الذي كانت تكتمه داخلها.


سجدت لتطيل بسجدتها وبكائها وإلقاء ما بداخلها للواحد المنان فمن يعلم بحالتها وحربها ومصابرتها وتحملها بقدر الذي خلقها.


وبحزن كبير تحرك البدري عدة خطوات مقتربا منها بصلاتها ليزداد بكائها ومناجاتها لربها في ركعتها الثانية حتى سلمت منها.


مد يده لها كي يساعدها بوقوفها وقبل أن تفكر بتلبيتها طلبه الصامت أم لا مال هو عليها ممسك يدها ليوقفها بالقرب منه ناظرا لوجهها قائلا بصوت اشبه نظراته المعاتبة له:

  " ماكنت انتظر منكِ ما فعلته"؟


وجدها تضم كتفيها ويديها نحو صدرها وهي تدخل بحضنه في لحظه قدرية جاءت بعد أن لبت جوارحها لأمر الحنان المنان الذي أراد أن يبرد نارها ولو قليلا.


رجف قلبه بمجرد التصاقها به اغمض عينه ليجابه إحساسه الذي ملأ داخله المحب لها، هدأ بكائها قليلا لتبدأ أولى كلماتها على غير المنتظر من شخصية عنيدة أشبهت القطط بجمال مظهرها وحادة الطباع والمواقف قائلة:

 " أعتذر منك انا لم ارد حدوث هذا".


 وعادت لبكائها وهي تكمل:

 " هي من اجبرتني على فعل ما فعلته، أنت لم تصدقني".

 

رفع يديه بعد صراع كبير وحاوطها بهم ليضمها داخله محدثها بلهجة صعيدية اصيلة:

 " استهدي بالله يا فاطمة و كفي عن بكائك". 

وتحرك بها ليجلسها بجانبه على الفراش مستمرا باحتضانها وكأنهم التصقا ببعضهما دون حل.

يتبع .....

google-playkhamsatmostaqltradent