recent
جديدنا

أحكي يا شهرزاد الفصل السابعة والأربعون والأخيرة

  الفصل الأخير من رواية أحكي يا شهرزاد 


حقق شهرزاد وشريف أولى خطوات النجاح بدار النشر خاصتهم لم يكن نجاحًا كبيرًا ولكنه مهم ببداية الطريق، كبر أمير حتى أصبح يخطو خطواته الأولى نحو جده ملقي بنفسه في حضنه.


اهتمت شهرزاد بدراستها وتفوقها بدراسة الدكتوراه الخاصة بها، أما شريف لم يبدي بلاء حسن برسالته لما تحمله من عبء كبير حين تولى مسؤولية مصنع ابيه وإدارته معه فلقد تحققت أمنية أمين برؤية ابنه بجانبه.


لم يكن الأمر سهلا عليه فالعمل بأكثر من جهة مرهق ومتعب للغاية ومع ذلك وجدوه صابر مجاهد يحاول ان يرضي ابيه في مصنعه و زوجته وحلمه في جامعته ومشروع عمرهم كما كانوا يسموه.


كما لم تترك شهرزاد حمل دار النشر عليه، تحاول ان تتكلف به بنسبة ثمانين بالمئة بجانب مساعدتها له بالأمور الإدارية بالجامعة.


لم تكن الحياة وردية فالعمل والمثابرة ليست سهلة ولكنها ممتعة بالنسبة لهم حتى انها قربتهما أكثر من بعضهما وجعلتهما متفاهمان مترابطان كل منهما يفهم الآخر قبل تحدثه.



 انعكس هذا التفاهم والتفكير بعقول راقية على ابنهم أمير الذي كان هادئا محب للقصص كأبيه وكيف لا يحبها وهو من ينام على سماعها منذ ولادته كما أنه كان من أوائل صفه الدراسي الأول كأمه و جدته التي اهتمت كثيرا بجانب دراسته .


……


في الصعيد كانت تنتظر توته مفاجأة كبيرة حضرها لها زوجها الذي ذهب لأخذها من السرايا بحجة ذهابهم لزيارة مهمة لأحد أفراد العائلة واوصاها أن تهتم بملابسها.


 رفضت ذهابها شارحة له تعبها وعدم استطاعتها الارتداء والخروج ولكنه لم يتركها حتى اقنعها و وعدها ان لا يتعبها.


 ردت توته:

 " وماذا عن الأولاد؟".


سألها البدري:

 " ألم يذهبوا مع ناهدة؟".

 

اجابته بنعم ليكمل حديثه:

 " اتركيهم ليخرجوا بها ما تخرجه هي بنا، تبقى القليل لاترك لها السرايا بالأولاد وأخذك واهرب من البلد كلها".

 

تحدثت بصوتها الجميل:

" انت تعرف ناهدة تفور كزوبعة الفنجان وتهدئ بعدها وتعود أفضل من قبل".


رد البدري:

 " نعم تعود افضل ولكن قبل أن تعود تخرجنا نحن عن…. أستغفر الله العظيم".


ردت توته بحزن:

" اتمنى ان يكرمها الله بطفل يسليها ويشغلها عن تصغير عقلها معنا".

 

اجابها البدري:

 " جميع أولادنا أولادها واكثر حتى أصبحوا الأولاد متعلقين بها لدرجة أخشى أن يستغنوا عنا".


ردت عليه لتؤكد كلامها:

" أرأيت كم هي محبة وصاحبة قلب كبير ألم أقل لك أنها كزوبعة الفنجان تثور وتهدأ بعدها ".


ضحك البدري:

 " تمام تمام ولكن عليكِ أن تتذكري كلماتك هذه حين تضغط عليكِ ولن تجدي سواي أمامك لتفرغي في غضبك وضيقك منها".

 

ابتسمت قائلة بدلال:

 " هل لديك اعتراض".

  

_ " لا ابدا وخاصة اني أقسمت لكِ على ما سأفعله، فكلما اتيتي لتشتكي منها كلما راضيتك بطريقتي الخاصة".

 

صمتت من خجلها ليكمل:

 " ما رأيك أن تشتكي لي الليلة بفستانك الابيض وانا اراضيكِ طوال الليل أقسم أنه سيأتي علي يوم احرم عليكِ ارتداء هذا اللون لأحد غيري".

 

ابتسمت محاولة تغيير مجرى الحديث كي لا تتورط فيما أراده قائلة:

 " متى ستأتي لأخذي".


تذكر سبب اتصاله نظر لساعته وهو يقود قائلا:

 " امامي دقائق واصل للسرايا تجهزي بسرعة و انزلي للاسفل".


 وضعت يدها على بطنها المنتفخة:

 " كيف بسرعة وأنا بهذه الحالة بطني تؤلمني وأشعر أنني اتحرك بخطواتي داخلها".

 

حزن على حالتها وخاصة انها فعليا تتألم من ثقل ما تحمله، اعتذر منها واخبرها أن ترتدي بهدوء دون جهد وهو سيقوم بإجراء مكالمات مهمة حتى تنزل.


وبالفعل وصل البدري اسفل السرايا و أوقف سيارته وهو يفتح هاتفه:

 " هل نقول حمدلله على السلامة".


رد شريف عليه: " نعم الحمدلله كانت الرحلة ميسرة و وجدنا فؤاد بمجرد خروجنا من المطار كما قلت لنا".


تحدث البدري:

 " الحمدلله تبقى القليل ونأتي نحن أيضا لا تؤاخذوني كان من المفترض قدومكم للسرايا مباشرة ولكني اردت".

 

تحدث شريف قائلا:

 " لا يمكن أن تفتتحوه بدوننا ولماذا نحن قادمون إذا".


 فرح البدري و وعدهم أن لا يتأخر عليهم،

اغلق شريف الهاتف وهو يستمع لأم زوجته:

" ليفرح الله قلبك يا توته ويعينك على حملك يا بنتي، لا اعرف هل افرح لها أم أحزن، أشعر وكأنها ستذوب وتنتهي تحت هذا الثقل والمسؤوليات الكثيرة التي وضعت على رأسها، لا اعرف ما دخلها في حل مشاكل نساء العائلة". 


حذرتها شهرزاد لأجل أن تصمت ولا تتحدث أمام السائق.



 أوقف البدري سيارته على جانب الطريق لينظر لها قائلا:

 " وصلنا هيا انزلي".


نظرت توته حولها باستغراب متسائلة:

 " هل بهذه السرعة".

 

_ " لا تكثري من اسئلتك الآن يكفي ما ارتديتيه، أقول لكِ اقترب تحريمي لارتدائك اللون الأبيض لاجدك ترتدين على هذا النحو".


نظرت لملابسها البيضاء المزخرفة بالاسود قائلة:

" وما بها ملابسي أخبرتني أن ارتدي شيء قيم ولم أجد أفضل من هذا الطقم الرسمي ليليق بزيارتنا". 


ابتسم وجهه وهو يشير لها على الستار الوردي الكبير قائلا:

 " ما رأيك بهذا اللون".

 

ابتسمت وهي تنظر جوارها:

" جميل من الواضح أنه افتتح لأحد المتاجر الجديدة ولكن أين أصحابه حضروا البالونات ومكبرات الصوت والورود حتى شريط الافتتاح لم ينسوه وتركوا كل هذا للمارة". 


تحرك لينزل من سيارته مسرعًا للجهة الاخرى كي يساعدها بالنزول:

 " على مهلك انزلي قدمك الأولى والثانيه". 


تألمت من سحبه قدمها الأخرى للخارج.


تحدثت توته فور وقوفها بجانبه:

" ألم أقل لك أنني متعبة كيف سأجلس مع الناس بحالتي أقسم أنني أشعر وكأنني سألد اليوم من شدة ما أنا به".


تحدث بوجهه الفرح قائلا:

" كان وعد قطعته على نفسي، تأخرت بتنفيذه ولكني حين رأيت الموقع واعلان بيعه لم أتردد للحظة كي اشتريه واهديه لكِ كوفاء بوعدي".


رفع هاتفه وضغط ليتصل بأحدهم دون أن يحدثه لتتفاجأ فاطمة بهذه اللحظة برفع الستار الزهري للأعلى ورؤيتها لعائلتها وأولادها وكل محبيهم بالداخل يصفقون فرحين بهم.


نظرت للمكان حولهم بفرحة كبيرة فقد صممه كما كانت تحلم تماما، نظرت له بعيون دمعت من الفرحة:

 " لماذا فعلت هذا؟".


 _ " ألم أقل لكِ دين علي الوفاء به".



تقدم وهو يساعدها بسيرها البطيء أخذ المقص ليعطيه لها قائلا:

" سمي الله هيا على بركة الله". 


اغمضت عينيها وسمت الله ودعت الله ان يكرمهم خيره ويبعد عنهم شره، اقتربت امها لتحتضنها بقوة ومن بعدها اختها وابوها.

  

اقترب الأحبة ليباركوا لفاطمة افتتاح مصنع ومنفذ بيع الحلويات الشرقية والغربية، شكر بغدادي زوج ابنته على دعوته لهم لمشاركتهم هذه الفرحة الكبيرة وأشاد بالتجهيزات والاهتمام بالطابق العلوي الخاص بقسم الآلات والافران ومعدات التزيين والتقطيع والتفريغ والتعبئة بجانب أفران كبيرة حديثة.


تحدثت ناهدة بعد ان باركت لفاطمة قائلة:

 " أنا المديرة هنا تحدثت مع البدري كي أدير المكان واراقب الحسابات والعاملين بالأعلى، سلم لم يرفض طلبي ولكن ان كان لصاحبة المكان رأي آخر".

 


ابتسمت توته ناظرة لبطنها المرتفعه قائلة:

  " وهل سنجد أفضل منكِ بادارة ونجاح المكان، وايضا انظري الي كيف سأديره وحدي وانا بهذه الحالة". 



فرحت ناهدة وتحركت بفرحتها لترحب بالنساء وتؤكد عليهم أهمية إتقان العمل والاهتمام بالنظافة.


مالت شهرزاد على أختها قائلة:

" كان تبقى القليل لاسحبها من شعرها اعتقدت انها ستخرب الاحتفال بكلماتها".


 

ابتسمت توته وهي تتألم:

 " لا تقلقي يومين وتمل وتعود لتشتكي وتترك الأمر علينا وحدنا اعتدت عليها".

 

ردت أمال وهي مخفضة صوتها:

 " سبحان من جعلك تعتادين لا اعرف كيف سأقضي اليومين بجانبها دون خنقها، هي مرارة واحدة أكرمنا الله بها واستئصلتها من تحت راسها الله عليم ما ستفعله".


ردت شهرزاد طالبة من توته ما رفضه البدري لترد توته بلهجة الصعيد قائلة:

" هل تريدين ان نفضح أمام العالم والناس يقولون عليهم اهملوا ضيوفهم وتركوهم للفنادق".


ضحكا مع بعضهم على الإصدار الجديد لفاطمة.


اقترب ضيوف آخرين أتوا للتو ليباركوا ويهنئوها بالمكان، لم تصدق شهرزاد وامها ما أصبحت عليه فاطمة من حكمة و قوة وثبات.



ضحكت أمال وقالت بصوت منخفض:

 " والله ان اقسموا أمامي على تغييرها ما كنت سأتوقع هذا التغيير ما بها وكأنها اصبحت شخص أخر! ".



غيرت شهرزاد نبرة صوتها للتتحدث بالصعيدي وهي ترد على أمها:

 " أصبحت الكبيرة" 


سعدت توته من مفاجأة زوجها وفكرة تعيينه لأكبر عدد من نساء البلد ليساعدهم بتحسين وضعهم المادي.


عادوا للسرايا وهي أكثر تألمًا، اصرت سلمى بهذا اليوم ان تنام بين والديها كما رأت أمير واهتمام الجميع به، أخذها أباها بحضنه وظل يدللها ويدغدغها حتى نامت بحضنه لينظر لتوته قائلا:

" تم الامر مهما كبرت ستظل بعقلها الصغير المدلل ولكني سأنقلها لغرفتها الخاصة".

 

رفضت توته مبررة رفضها:

 " عند استيقاظها ستحزن وتشعر انك خدعتها من الأفضل تركها لتكمل ليلتها معنا انت تعلم غيرتها الكبيرة وتعلقها بك".

 

تحدث بحزن:

 " ولكني لا احب هذا الطبع لقد اخذت حقها بالدلال اكثر من اي طفل آخر عليها ان تعلم انه صغير وهي كبيرة وما يصلح له لا يصلح لها".


 

_ " ستتعلم. خطوة خطوة ستتعلم وتعتاد، لا تنسى انها ترى بطني تكبر يوما وراء يوم ونقول لها ان اختها الصغيرة آتيه إليها، كل هذا سيأثر بها ويشعرها انها اصبحت غير مرغوب بها او غير محبوبة، وايضا لا تنسى حرمانها من أمها وهي بهذا العمر".


تحدث سريعا ليراجعها:

" لا تعيديها مرة اخرى، لقد عوضها الله بكِ من يراكم مستحيل ان يتوقع انك زوجة أبيها".



مدت يدها لتحنو على رأس مدللتهم:

 " احاول تعويضها هذا النقص وافعلها مع فارس ايضا انت تعلم قدرهم ومحبتهم بقلبي".

 

 رد عليها بسعادته الكبيرة:

  " لم أتوقع من فارس مناداتك بأمي خرجت منه وسط الأولاد واستمر بقولها والدفاع عن حقه باستجابتك له قبل الآخرين، ظللت انظر نحوه لاجده منسجم يخرجها من قلبه والمدللة تصرخ بوجوههم رافضة اقترابهم منكِ".


اغمضت عينيها قائلة:

" يألمني رأسي من شجارهم ومناداتهم جميعًا لي بنفس اللحظة، لا اعرف كيف سأعتني بهم بعد الولادة و وجود طفل صغير".

 

_ " ألم نتفق على تعيين فتاة لمساعدتك بالطفل لا تقلقي".


صمت البدري قليلا مكملا حديثه بعدها:

" حتى باهي و هادي أصبحوا متعلقين بي أليس كذلك؟، المرة الماضية اقترب باهي من مناداتي بأبي لولا تحلق عينه على عمته ليبدلها بعمي".


اومأت توته رأسها قائلة:

 " نعم هي تنبه عليهم كثيرا وخاصة عندما ترى سلمى وفارس ينادوني بأمي تسرع بتجميعهم وتذكيرهم بأبيهم وتؤكد عليهم عدم نعت أحد باسمه".


 رد عليها بضيق:

" ماذا أفعل بها هل اخنقها لنرتاح منها أم اخطفها والقي بها في الصحراء".

 

_ " ألم تقول لي علينا أن نصبر لأجل لم شمل العائلة وانها جيدة وداخلها صافي".


تحدث البدري:

 " تراجعت حتى اقول لكِ افتعلي المشاكل حتى تذهب من السرايا كما فعلت جميلة بعد ولادتها المرأة لم تتحمل تدخلها بطفلتها واخذتها وهربت من السرايا كلها".


ردت عليه:

 " ومن سيعتني بالاولاد ويساعدني بهم، شهادة لله لولا اهتمامها بهم و بدروسهم لكانوا بمستوى اقل دراسيا". 

اومأ البدري رأسه قائلا:

" كان حملك صعبا اعلم هذا ولكن ما ذنبي ما كان عليكِ ان تنيري بسمائي المظلمة كل ليلة كالقمر ليلة التمام يضيء ربيع العمر ويزهر حياتي بكل المواسم".

 

ضحكت ساخرة منه:

" اتسائل هل جلست مع شريف بشكل زائد اليوم؟".


بادلها الضحك:

 " نعم الواضح انه تم الأمر عليّ ان احترس بالمرة المقبلة حتى السلام بالأيد سأقلل منه كي لا تنتقل العدوى وتذهب الهيبة". 


تحركت لتنام على جانبها الأيسر ناظرة إليه بشكل أوضح وهو يتحدث قائلا:

 " ولكني محق أنتِ من انار حياتي وجعل لها معنى وطعم، اصبحت اهرب من عملي إليكِ رغم معرفتي بوضع الأولاد وكثرة طلباتهم وانشغالك معهم اعود كي اجلس واشاهدك وأنتِ تجاهدين بيننا لإرضائنا، استمتع برؤية الأولاد يتحدثون ويحكون عن يومهم، اصبح كل شيء حولي منظما مرتبا بمواعيد ثابتة، كنت أحلم بأن ارتبط بشخص يشعرني بالترابط الأسري والوسط العائلي ولكني لم احلم و لو للحظة أنني سأعيشه بهذا الشكل" 


قاطعته بقولها:

 " ببعض الأوقات أخشى من تذمرك و اعتراضك على الزخم القوي الذي تذهب وتعود لتجدنا به، حتى افكر كثيرا بحالنا بعد المولود الجديد". 


ابتسم برده:

 " لا تقلقي انا اعيش أجمل أيام عمري هل نسيتي حبي للأولاد والعزوة، تمام اغضب عليهم واستحلف لهم ولكني اعود بالأخير دون فعل شيء مما تواعدت به، فليأتي طفل واثنين ورباع ماشاء الله فلنكبر ونكبر".


بالأسفل وأمام غرفة الضيافة المطلة على الحديقة جلست شهرزاد بجانب شريف بعد أن نام أميرهم بالداخل وسط أمال وبغدادي، تحدثت شهرزاد قائلة:

" المكان والخضار يسلب العقل ويلهمك بمشاعر كثيرة مختلطة ".


اسرع شريف برده:

 " مشاعر نعم نسينا مشاعر متى تنوين على كتابتها تأخرتي كثيرا بها".

 

ردت عليه قائلة:

 " تجمعت مشاهدها تبقى أن اكتبها فقط ولكني نويت تغير إسمها إلى واجعل لي من قلبك موطنًا".

 

وبشغف كبير رد عليها شريف:

 " هايل كهذا أحلى بكثير، هيا اخبريني بعناوين الاحداث تشوقت كثيرا لها".

 

ابتسمت شهرزاد قائلة:

" عائلة محبة و زوج حنون محب لزوجته وأولاده".

 

_" الواضح أن هناك اختلاف هذه المرة الابطال متزوجين".


أكدت له المعلومة قائلة:

 " نعم كانا يدرسان سويا ثم ارتبطا ببعضهما وتزوجها بعد قصة حب كبيرة".

 

استقام بجلسته قائلا بفرح:

 " يا كرم الله، هل ستكتبين قصتنا؟".

 

 أجابته بسرعة:

" أعوذ بالله بعد الشر علينا".

 

استغرب من ردها صغر عينيه متسائلا:

 " ما بها القصة ألم تخبريني أنها قصة رومانسية؟".


أومأت رأسها:

" نعم رومانسية بشكل كبير".

 

تساءل شريف:

 " ولماذا استعذتي الله منها إذن؟".

 

استقامت بجلستها قائلة:

 " سأخبرك ولكن عدني ان تكون صبورا".

 

_ " أقسم أن الخوف بدأ يدق أبواب قلبي".

 

ضحكت بخفة وهي تصف له حكايتها:

" عائلة جميلة سعيدة، انفجار كبير يزلزل المدينة بشكل كبير، ام تمزق فؤادها تحمل بيدها أشلاء الأحبة، خيانة، خذلان، هرب، مرض، ذل وهوان".

 

_ " انتظري انتظري ما كل هذا هل ستنهي العالم بقصتك؟، ما بكِ هل برأيك هذه المواصفات تصلح لقصة مليئة بالأجواء الرومانسية".

 

اومأت رأسها:

 " أعدك بهذا ستسرق النوم من عينيك".


وبتسمر وضيق نظر أمامه وهو يركل الأرض بقدمه:

" لا اريد منكِ أي شيء سأقاطع الروايات واكرهها من تحت رأسك''.


اقتربت لتدغدغ خصره، تحرك جانبا محذرا إياها ان لا تفعلها كي لا يراهم أحد 

ضحكت قائلة: 

 " سأصالحك".

 

رد عليها بضيق وتذمر:

 " لا اريد منكِ شيء، أصبحت اهلوس بالكوابيس من وراء قصصك وكأنك اقسمتي على توبتي من حب الروايات".


وبلحظة غير منتظرة أسرع الجميع للأعلى وهم خائفون على فاطمة التي بدأت أعراض الولادة عليها.


شاء الله باقدار أن يجمع عائلتها بجانبها في الوقت المناسب ليكونوا لها خير سند، فرح الجميع بمولودتها التي شابهت أمها، فرح البدري مطلق اسم والدته فيروزه على صغيرته.


أعلن شريف خطبته فيروزه الصغيرة لابنه متغزلًا بجمالها، غارت شهرزاد من كلامه قائلة: " لا اعرف انك تحب العيون الملونة والشعر الذهبي".


رد عليها بصوت ناكر لما سمعه:

 " لا يمكن حدوث هذا اخترتها كي تكون عقابا له إن فكر بروايات وخيال".


صدمته بكتفه قائلة بصوت أشبه بالأطفال:

 " ألهذا الحد يتعذب والده؟".


_ " اتركيني لارد على سؤالك".


 تقرب البدري من زوجته ليضع هديته الغالية حول رقبتها طابعًا على رأسها قبلة حب وتقدير وامتنان قائلا:

 " حمدلله على السلامة".


اغرقت العائلة فرحة كبيرة كفيلة أن تطمئن قلوبهم وتريحها لسنوات وسنوات امتلأت بالاقدار والاختبارات والمد والجزر كحياتنا الطبيعية اليومية لتمر ثمان سنوات تغيرت ملامح الجميع بها.


 

غضبت توته من زوجها الذي مرد الاولاد عليها فكلها أمرتهم بشيء يقول هو عكسه كي يرضيهم، نادت على أولادها رافضة خروجهم ولكنهم اسرعوا للخروج من السرايا هاربين منها وهم يخبروها بسماح والدهم لهم.


وبخطواتها السريعة دخلت عليه الغرفة صارخة بصوت مرتفع: " بدر".


انتفض ناظرا لها:

" ماذا حدث".


ابتسمت توته من حالته ووضعه ليده على قلبه مبتسمًا هو ايضا قائلا:

 " ما بكِ قطعتي نسلي لماذا تصرخين هكذا؟".


تحدثت لتعاتبه:

 " ألم نتفق أننا سنمنع ذهابهم عقابًا لما فعلوه بالمدرسة".


و هرب من الغرفة بنفس ابتسامته قائلا لها:

  " نعم قلت هذا ولكن هل كل ما يقال يقام".


أسرعت منادية عليه:

 " بدر انتظر لم ننهي حديثنا".


حدثها من خارج الغرفة:

 " ان كتب الله لنا العمر سنكمله أين سنهرب".


وقفت بقرب باب الغرفة مبتسمة بحركاته وهروبه دون أن تتوقع دخوله المفاجئ المسرع و هو يصرخ بصوته القوي الاجش:

  " فاطمة".


  فزعت ونفضت من مكانها بعيونها المتسعه ليضحك قائلا:

 " الآن تعادلنا كي لا يقطع نسلي وحدي وتخرجي العيب عليّ".


اسرع هاربا لتسرع هي خلفه:

 " انتظر علينا ان نتحدث".


ولكنها لم تلحق به من سرعة هروبه منها وخروجه للاولاد، رأته ناهدة وهو يهرول على الدرج بوجهه الفرح.


 تحدثت إليه بصوت قوي:

 " إلى أين يا كبير بهذه الحالة ما بك تركض مسرعا؟".

 

نظر لها و قد ازداد الوجه تبسما:

 " اهرب منكم قبل ان افقد عقلي".

 

تحدثت بدون رضا:

 " الناس تتقدم بالعمر ويكبرون وأنتم تصغرون".


دعت زيزي ابنها وعائلته ليجتمعوا معهم بسهرة المساء وخاصة ان سيف و زوجته واولاده الاثنان سيأتون مع مديحة وناجي، رغب شريف بالاعتذار لأجل زوجته وأعمال عليه أن ينهيها بأقرب وقت.


رفضت شهرزاد واصر على الذهاب والخروج من إطار مرضها، أقنعته بصعوبة حتى انها وعدته بمساعدته في أعماله عند عودتهم التي اتفقا ان تكون بوقت مبكر.


استقبلتهم زيزي والجميع بفرح وأعين تراقب خوف شريف على زوجته واهتمامه الغريب بها، وعند سؤاله عن حالتها الصحية من قبل مديحة أجاب شريف:

 " ليست بخير، لا زالت تعاند وترفض ذهابها للطبيب بحجج غير مقبولة مرة تدريب أمير ومرة أخرى المحاضرة واخرهم كان أمس بحجة لقاء كاتب جديد".


تحدثت شهرزاد مدافعة عن نفسها:

 " ماذا سأقول له ولأي تخصص سأذهب لقد تحالف ألمي عليّ يأتي التعب ويذهب بمواعيد غير ثابتة واماكن مختلفة".

 

رد شريف بضيق وخوف عليها قائلا لزوجة خاله:

 " كانت ستسقط أرضًا قبل مجيئنا لولا وجودي بجانبها".


دافعت شهرزاد عن نفسها:

 " ليس كذلك دار رأسي فقط وها أنا بخير".


قلقت زيزي حين تذكرت مرضها القديم، تحدثت مع مديحة بصوت منخفض:

 " من المؤكد انه ليس ببرد كما تقول، حتى وجهها شاحب ومختلف عن الطبيعي، علينا أن نأخذها للطبيب رغما عنها".


اومأت مديحة رأسهاى

 " نعم فلتذهب للطبيب لتطمئن على نفسها، وايضا كيف تعجز زيزي الحلو عن إقناع زوجة ابنها للذهاب للطبيب أين ذهب دلالك عليها".

 

ردت زيزي:

 " رغم أنني لا احب التدخل بحياتهم ولكن من الواضح انهم يريدون هذا وبشدة، لن أصمت على وضعها عليها ان تذهب لنطمئن عليها، لم يعجبني حالة وجهها ارتعب قلبي عليها".


وقبل أن ترد مديحة على زيزي اتاهم صوت شريف وهو ينادي بذعر:

 " شهرزاد، هل تسمعيني، هل أنتِ بخير".

 

تحركا من مكانهم ليسرعا ومن خلفهم آمين وناجي وسيف ليصلا لهم متفاجئين بجلوس شهرزاد على المقعد شبه فاقدة للوعي ترد عليهم بأصابع يدها وإماءة رأسها فقط.


بكى أمير الصغير وهو ينادي على أمه خوفا عليها، حضنته جدته قائلة له:

 " لا تخف يا عمري انها بخير".

 

فتحت شهرزاد ذراعها ليسرع ابنها بالدخول في حضنها والتمسك بها وهو يبكي.


وضعت زوجة سيف العطر على يدها لتقربه من أنف شهرزاد كي لا تفقد الوعي بشكل كامل.


اصر الجميع على ذهابهم للطبيب الليلة فلا عودة لهم للمنزل قبل الاطمئنان عليها، لم تفلح هذه المرة بمعارضتهم وخاصة أن شريف كان غاضب يلوم عليها اهمالها وعدم تناولها الطعام بأخر فترة.


ذهبت زيزي معهم ، طلب الطبيب تحاليل متعددة كي يستطيع التشخيص الصحيح وبعد انتظار دام لما يقرب من ساعة ونصف دعتهم الممرضة ليدخلوا للطبيب مجددا.


فلقد ظهرت النتائج وهي الآن بين يدي الطبيب الذي تحدث لهم بوجهه الحزين قائلا:

  " اعتذر منكم لا يوجد علاج الحالة صعبة وعليها أن تتحمل ما تشعر به لثلاث شهور متتالية".


سألته زيزي *خوف وغضب:

 " كيف لا يوجد علاج، مما تشكي ابنتنا، ولماذا ثلاث شهور أنا لا أفهم، وايضا كيف لطبيب أن يصدم مريضه بهذا الكلام؟".


ابتسم الطبيب ثم أكمل:

" كان عليها ان تفكر اكثر من مرة قبل ان تصبح حامل، فإن قرررا ان يصبحا أم وأب لمرة ثانية فعليهما تحمل أول وأصعب ثلاث شهور من الحمل، أعتقد أنه شيء ليس بجديد عليها".

ابتسمت الوجوه فرحًا بخبر حمل شهرزاد، تحركت زيزي لتحتضن ابنها وتقبله ومن ثم باركت لشهرزاد وحضنتها.


خرجوا من العيادة بسعادتهم الكبيرة التي اضفت على عائلاتهم الفرح، ومن خلال مكالمة هاتفية طلبت أمال من ابنتها ان تأتي إليهم كي ترتاح يومين بجانبها.

رفضت شهرزاد متحججة بأعمالهم الكثيرة، حاوط شريف ظهرها بجناحيه تخوفا من سقوطها، تحدثت زيزي قائلة:

 " سيفرح أمير كثيرا واخيرا تحقق حلمه وحلمنا".


 ابتسم شريف قائلا:

 " رغم أنه أتى بغير موعده مرة اخرى الا انني فرحت بهذا".

 

تحدثت زيزي لهم:

 " ضاق صدري من سماع كلمة ليس بأوانه او بغير موعده اقسم ان تركتم انفسكم لاعمالكم ودراستكم ما كنتم ستنجبون، ما هذا هل فقدتم عقولكم وراء الاحلام".

 

عادا لمنزلهما وهما فرحين، ساعدت شهرزاد زوجها بعمله حتى تركها وذهب لينام بجانب ابنه الذي رغم كبر سنه إلا أنه طلب من أبيه أن يحكي له حكاية جديدة و يشاركه فراشه بهذا اليوم.


 كانت العلاقة بين شريف وابنه أقرب للأصدقاء والأحبة كلاهما مقتربين من بعضهم بشكل كبير ومتفاهم.


أغلقت شهرزاد مستند الأوراق التي امامها ثم فتحت الدرج بجانبها لتضعهم به، طالت نظراتها على دفترها القديم سحبته لتفتحه متصفحة أولى أوراقه مسترجعة بهم ذكراياتها وما كانت تكتبه عن قوة المرأة وحقوقها وعدم تنازلها عن أحلامها لأجل الاخرين.


ابتسم وجهها وهي تقرأ عبارة كتبتها بأول سنوات الجامعة:

 " يا معشر الرجال لا يوجد بكم من يستحقني".

 

ظلت تسترجع ذكرياتها حتى وصلت لنهايتها، نظرت لآخر صفحة بيضاء فارغة بدفترها لتمسك القلم كاتبة بها:

 " لا زلت عند رأيي أن الرجال لا يكملون بدوننا، ولكني تعلمت وعلمت أن من غير المنطقي المساواة بيننا لأننا مختلفين، لا اعني بالاختلاف النقص لاني لمست بهذا الاختلاف ميزة وكمال كل منا يضيف ويكمل للاخر ما ينقصه، لقد وهب الله للرجل القوة والقدرة الكبيرة على تحمل الأعباء و وهب للمرأة الحنان والطيبة واللسان الذي يهون على الرجل آثار وجهد وكفاح الليالي، اعترف كنت مخطئة ببعض أفكاري و نظرتي للمجتمع والجنس الآخر ولكنه ليس بيدي او ذنبي فبعد أن انار الوعي عقلي علمت أن هناك مفاهيم بُثت وانتقلت لنا من الغرب لتسممنا وتضعف مجتمعاتنا العربية، فلقد استمروا باخبارنا أن المرأة من حقها التفوق والنجاح والسفر واخذ حقوقها بالقوة، كل هذا جميل ولكنهم نسوا أن يخبرونا أن التفوق والنجاح ليس فقط بالدراسة والعمل لأجل النفس بل لأجل بناء شخصية قوية تساهم ببناء عائلة وأولاد يضيفون للمجتمع لا ينقصون منه، زوجة ناجحة، ابنة بارة بوالديها ورحمها، أخت قوية سند وظهر قوي لاخواتها تساندهم وتقويهم بنجاحها، ظلوا يخبرونا أن المرأة العصرية هي من تسافر وتتنزه وتقيم بالمطاعم و المنتجعات دون ان يعلمونا اهمية العائلة وانها المرتبة الأولى في حياتنا، لا جرم في تنزه المرأة وعيشها حياتها كما تحلم بها ولكن عليها ان تراعي مسئووليتها كأم وإبنة و اخت و مديرة ناجحة وسط كل هذا، مع الأسف اخبرونا أن القوة انتصار دون ان يعلمونا أن الرحمة والمغفرة والعفو عند المقدرة أسمى المعاني الحقيقية بالحياة السعيدة الناجحة المريحة للنفس قبل الغير، اخبرونا وبثوا فينا ان الذات والأنا أهم من أي شيء آخر دون أن يعلمونا المعنى الحقيقي للتضحية لأجل من نحب ويستحق وإن التنازل أمام الاب او الزوج او الأخ ليس بعيب او ضعف بل هو قمة الذكاء والنضج، أخبروا شبابنا بأن الجمال الحقيقي يكمن بالعيون الملونة الواسعة والبشرة الناعمة والشعر المنسدل والجسد الممشوق والطول المميز وكأننا من خلقنا أنفسنا لا اله الا الله، بهذه المفاهيم الخاطئة خرجت اجيال تسعى وتتسارع بين بعضهم في إظهار هذه الصفات وابرازها بهم مع إخفاء النواقص فنجد من يرسم العيون ويحدد الشفاه ويصفف الشعر ويتبع حمية للتعذيب كل هذا ليصلوا لحلم ومقاييس الجمال الزائفة، بل ليصلوا لحلمهم بالزواج من رجل أعمال مشهور او غني ذات سيط نفوذ وسلطة او زين شباب العائلة الذي هو ايضا يسارع لبناء عضلات مفتولة وزع شعر اللحية، والكثير من المفاهيم الخاطئة التي بثت لنا كي ننسى أن الله سبحانه وتعالى خلق الجمال الحقيقي داخلنا بروحنا وقلوبنا، سترنا الله وحافظ علينا ليزيد من قدرنا لدى من يحلم بالاقتراب منا والسعي للفوز بنا لأننا غاليين بديننا واخلاقنا وقيمنا و ومبادئنا وقلوبنا الصافية، وهنا يصبحون هم من عليهم التسارع والجهاد لأجل الفوز بمعدننا النفيس الغالي الذي يكمن بباطننا كالؤلؤ لا تقدر قيمته الحقيقية بمال او جاه او منصب، وهنا أيضا علينا أن نتذكر وصية رسولنا الكريم بالظفر بذات الدين، إياكم أن تنساقوا خلف المظاهر الجذابة والضحكة الساحرة، ابحثوا عن الجوهر لا الظاهر الزائل، بالطبع حين ذكرنا الدين بالأعلى كان علينا أن نذكر معه الأخلاق فلا يكتمل دين من ليس لديه أخلاق، الله سبحانه وتعالى حين وصف رسوله الكريم وصفه 'وأنه على خلق عظيم' لم يقل حافظ آيات أو قارئ جيد للقرآن بل وصفه واعلى شأنه بالأخلاق 'الصادق الأمين' وهذا هو الكمال الحقيقي لأجل حياة سعيدة، اتمنى واحلم أن يعود اليوم الذي نستعيد به قيمنا العربية الأصيلة التي اندثرت أمام الضوء المزيف الفارغ الذي يبثه الغرب بعقولنا وعقول ابنائنا واخواتنا فالشجاعة والكرامة والرحمة والإيثار والصدق والأمانة والرجولة والحنان وعزة النفس والعدالة والمساواة لن تجدونها بشكل كبير الا في مجتمعاتنا العربية الأصيلة، لاننا وببساطة شديدة تربينا وترعرعنا على رؤية المودة والرحمة في منازلنا بين والدينا وعزة النفس والكرامة بالأزمات والمروءة والشرف مبدأ لا فصال به، وقول الحق وإن كلفنا هذا العديد من الخسائر، تربينا على الحب الحقيقي الذي لا يتغير أو يندثر او يتلاشى، اتمنى ان ارى بلادنا ومجتمعاتنا وشبابنا يقودون العالم بقوة حقيقية نابعة من ثوابتهم ومبادئهم ونجاحهم وتفوقهم، اتمنى ان تكتب كل شهرزاد بحياتها اليومية سطور جديدة من الانتصارات بمحطاتها العلمية والعملية والعائلية فجميعنا أبطال قصصنا الخاصة نسطرها كما نشاء، منا من يختار النجاح والحب ويسعى لهم ومنا من يختار الطريق الأسهل بأوله ومتعرج وأكثر صعوبة بآخره فكونوا عقلاء على قدر كبير من الوعي والنضج"


وبنهاية فصلنا اترككم يا أميرات في أمان الله وحفظه متمنية أن تتذكروا شهرزاد دوما بخير وتعودوا إليها كلما اشتقتم لها.

 

الى هنا انتهت حكاية من حكايات الف ليلة وليلة تاركين اميرتنا تحكي لأميرها كل ليلة لتسعده وتغرقه بالأحلام.



الحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات بفضل الله وكرمه.


اترككم في حفظ الله ورعايته.

google-playkhamsatmostaqltradent