الليالي المظلمة الجزء الثاني
بقلم امل محمد الكاشف
تأثر نعمان بلقائه مع اخته خرج من الفندق طالبًا من فهدان ايصاله لرئيسه كي يجتمع به على عكس ما قاله بأنه هو من عليه المجيء له
اهتم ورحب ايسفون بيه كثيرا بزيارة نعمان لمقره واعتبرها شرف كبير يتفاخر به في وسطهم المظلم.
جلس نعمان على المقعد الجانبي لآيسفون قائلا بالتركية
"شكرا لك على هذا الترحيب ولكن ان اردت إكرامي ببلدك فعليك تلبية طلبي"
ترجم فهدان ما قيل، ليتحرك ايسفون على مقعده بثقة وقوة قائلًا لفهدان بالفرنسية
"قل له أنت ضيفي. عليك ان تأمر وليس تطلب فقط، فنحن متعطشين لإرضاء مالك بيه بإكرامك"
وبعد الترجمة رد نعمان بقوة اكبر واعين حادة قائلا
"ليس طلب عادي بل هو امر شخصي يهمني كثيراً مسألة حياة او موت بالنسبة لي"
ترقب ايسفون حالة نعمان وهو يتحدث ليرد عليه بعد الترجمة قائلا بثقة و قوة بالفرنسية
" رقابنا فداك، أخبرنا بطلبك "
رد نعمان وهو ينظر بنفس الحدة والقوة ليقول "يوجد ببلدكم رجل يخصني. أريده حيًا دون أذى"
وبعد الترجمة ضحك ايسفون ساخرًا من طلبه
"اهذهِ فقط حاجتك، شعرت للحظة انك ستطلب شيء يعجز الإنسان على فعله، حسنًا لك ما تريد اخبرني من هو وسيكون بحوزتك في أقصر وقت"
تحدث هذه المرة فهدان ليرد على رئيسه قبل أن يترجم لنعمان وهو يقول
" ولكن هناك مشكلة صغيرة ما يريده نعمان بيه بحوزة رجال جندور سافان "
تفاجأ ايسفون لينظر لنعمان بقوة قائلًا
" هل هو مهم لهذه الدرجة "
وبعد الترجمة للطرفين كانت نظرات نعمان واجابته الصامتة وهو يكتفي بإيماءة رأسه فقط خيرًا من ألف جواب..
اجابه ايسفون راداً عليه
"انه بحوزة عدونا، ليس عدوًا طبيعيًا بل عدو قوي شرس يسمى بوسطنا أسد النيجر، لهذا سألتك هل يهمك كثيرًا هذا الرجل "
صمت نعمان ليتذكر بكاء اخته وخوفها و وعده لها، تحدث من جديد وهو أكثر صلابة وقوة قائلا
" انها مسألة حياة أو موت بالنسبة لي"
ابتلع ايسفون ريقه، ليكمل نعمان قائلا
"لا تقحم نفسك بأمر أكبر منك. ادعمني بالرجال و الأسلحة و حدد المكان وأترك الأمر علي"
اسرع ايسفون بالرد بعد أن تُرجم حديث نعمان
" سيكون عيبًا علينا بل وصمة عار بجبين تاريخنا و سمعتنا "
ثم صمت ليفكر لعدة ثواني تحدث بعدها
" سأتولى الأمر بنفسي ثق بي "
وقف نعمان بعد سماعه لترجمة فهدان ليقول بقوة
" لن اترك الامر دون مشاركة سنخرج الليلة، اريد أن يحسم هذا الأمر قبل طلوع فجر الغد، لهذا علينا ان نعد انفسنا لالتهام الفريسة من فم الاسد قبل ابتلاعه له "
وقف ايسفون متفاجئ من قوة نعمان وحديثه وصلابته فقد سمع الكثير عنه ولكن ما رآه اكثر بكثير مما سمعه، كرر رفضه من تدخل نعمان واخبره ان هذه المسألة اصبحت لديه سينهي الامر ويأتي بهذا الرجل في أقرب وقت ..
وبينما هم جالسون يخططون لكيفية مداهمة عرين الاسد، كان زهير بزيارة اخيره لرؤية ذلك الغريب قبل طلب تصفيته من قبل من أسروه
تفاجأ زهير بإعداد الرجال المسلحين بالمكان و وجوهم المخيفة. قرر تصفيته كي لا يقحم نفسه بتلك الأعمال المظلمة ولكن حقده وطمعه كانوا أكبر منه، دخل عليه حجرة الحجز المتحفظين عليه بها. ليقف الغريب بمجرد فتح الباب ورؤيته زهير أمامه..
اختنق زهير وضاق صدره بمجرد تلاقي العيون ببعضها كان يدير رأسه ويعود لينظر له من جديد و هو مصدوم بالحقيقة التي أصبحت واضحة أمامه. فحقيقة هويتهُ تظهر بقوة بأعينه و وجهه فكاد الأعمى أن يتعرف على الغريب ويقسم انه هو. فمن تعامل ولو لمرة واحدة مع يوسف بيرقدار من قبل يستطيع بكل سهولة الربط بينه وبين الغريب وخاصة بتلك النظرات وحركات جوارحه..
خرج زهير بعد دقائق من دخوله تلك الحجرة مغيرًا رأيه طالبًا ان يلقوا به في مكان بعيد يختفي و يتوه به حتى يصعب عليه العودة مرة اخرى..
اقترح عليه أحد المأجورين ان يرسله لبلد اخرى عبر الحدود القريبة من جهة النيل مؤكد ارتفاع التكاليف المالية لتنفيذ ذلك.
سُعدَ زهير لهذا الاقتراح و وعدهم بمضاعفة المبلغ المتفق عليه ان أتموا الخطة على أكمل وجه، وطلب منهم ان يبدأوا بالتنفيذ من هذه الليلة..
همَ رجل ليتحدث معارضًا للمعاد، ليغمز له الآخر ويقول هو لزهير
"سأرسله الليلة دون رجعة، ولكن عليك أن تدفع اولًا. كي نضمن حقنا"
رد زهير وقال
" ادفع لكم نصف المبلغ الآن، والنصف الاخر بعد إتمام العملية وتأكدي من نجاحكم"
تم الاتفاق ودفع المال عن طريق شيك بنكي مستحق الدفع. تركهم بعدها وصعد سيارته الخاصة مبتعد عن المكان وهو لا يعلم ان مجيئه الذي يعتقد انه متخفي، سهل على رجال ايسفون معرفة مكان احتجاز الغريب..
وبعد تركه المكان نظر الرجل لصاحبه وهو يقول
"كيف سنفعلها الليلة، علينا ان نرتب جيدًا للرحلة. كما علينا أن نفكر بكيفية انتقاله دون لفت الانتباه"
ابتسم صاحبه قائلا
" اجننت! كيف تفكر ان تنقل رجل لا عقل له ليعبر الحدود، سيمسك بنا من أول لحظة"
استغرب الرجل ليرد
"و كيف سنحل هذا الأمر إذًا"
وضع صاحبه المشروب بالكأس ليشرب منه القليل مجيبًا بعدها عليه قائلا
"بسيطة. هم لا يريدون رؤيته مرة أخرى ونحن سنريحهم منه للأبد دون أن نتعب أنفسنا، مجرد طلقة بالرأس لتنتهي قصة من لا دية له "
فرح الرجل ليأخذ زجاجة المشروب ليرتشف منها رشفات متتالية وهو ببالغ سعادته لهذا الصيد الثمين..
.....
تقرب دكتور هازار من فيروزة كي يتبادل معها الحديث محاولًا فهم لغزها و غموض وضعها. رفضت التحدث متحلية بالصمت وكأنها ابتلعت لسانها إلا بما يخص طفلها.
فحينها ينطلق لسانها لتتسائل عن الوضع والحالة والعلاج ..
..........
تم إعلام ايسفون بمكان الغريب، تدخل نعمان وطلب ان يذهب معهم بنفسه فهذا الغريب مهم جدًا لديه واي مخاطرة بحياته ستساوي الكثير، سمح له ايسفون ان يخرج معهم ليصبح خروجه درسًا للجميع وهم يتعلمون منه كيفية التخطيط والتدبير واقتحام المكان واختيار زمن الهجوم..
من يرى دقة و قوة و حنكته يعلم جيداً انه لم يصل لهذا القدر المهيب بسهولة. فكان وكأنه يدربهم على احترافية الاقتحام النظيف دون خسائر من الطرفين..
شاء القدر أن ينقذ نعمان ذلك الغريب من قدره على آخر لحظات. بهذه اللحظة كان الرجل شاهرًا سلاحه بوجهه كي ينهي أمره
أطلق نعمان عليه الرصاص قبل أن يطلقه الرجل على الغريب، جاء رجل آخر من الخلف ليقتص من نعمان ولكنه تصدى له بقوة، لم يتوقف الهجوم على هؤلاء الرجلين فقط بل كان المكان مكتظ برجال جندور سافان الذين اجتمعوا على نعمان الذي اقترب من الغريب وبدأ يحدثه بالتركية
"انتبه، كن خلفي، لا تخف، انتبه انتبه"
سحبه خلفه وأصبح يطلق الرصاص على كل من يخرج أمامه.
كان العراك قوي بينهم حتى إن الغريب شارك نعمان في التصدي للرجال دفاعًا عن نفسه وعن نعمان الذي شعر انه جاء لينقذه..
نجحوا بالتخلص منهم نظر له نعمان وقال
"ليس لدينا وقت لإضاعته. اتبعني بحذر"
استجاب الغريب لحديث نعمان واقترب منه وهو يتلفت حوله يراقب المكان بخوف وذعر، تسمر نعمان بمكانه لحظة وقوع نظره على الغريب بهذا القرب ثم تحرك بسرعة و هو يحاوطه بيده ليتأكد من وضعه خلف ظهره واتباعه له..
لم يخططوا لوصول مدد من رجال جندور لإنقاذ الوضع. تم تبادل إطلاق الرصاص الناري بينهم ليزداد الوضع سوء ..
وبعد عراك قوي بالأسلحة اصيب نعمان بطلق ناري في كتفه نتيجة تحرك الغريب باتجاه خطأ من كثرة سماعه لأصوات طلقات الأسلحة والأجواء المخيفة التي لم يعتاد عليها. فكانت طلقات الرصاص الناري تتطاير فوق رؤوسهم بمشهد مهيب، وهنا تحرك نعمان للخلف كي يسحبه خلفه من جديد ليكن من حظه تلقيه رصاصة بكتفه عوضًا عن الغريب وهو يحاوطه ليحافظ عليه.
القى بنفسه امام الرصاصة ليس فقط للمحافظة عليه بل لمحافظته على وعده لأخته بإعادة زوجها لها، بل زاد في دفاعه عنه وإصراره على عودته لأخته كي تعود لها الحياة. فإن لم يرى نعمان حقيقة ما قالته اخته بوجه هذا الرجل الغريب ما كان دافع عنه بروحه واخرجه من عرين الأسد كما كانوا يقولون عنه...
لم يعلم احد هوية من تجرأ على المداهمة زئر وتواعد جندور بمحاسبة من فعلها، فرح ايسفون بهذا الانتصار وتعليمه على أسد النيجر وهو يمدح بنعمان و يعظم بخططه ومهارته العالية..
تم اخراج الرصاصة من كتف نعمان وتطهير جرحه و مداواته دون مواد مخدرة تعينه على تحمل الألم، ليتعجب الجميع من صموده وقوته حتى بأشد و اصعب حالته..
سأل عن الغريب ليخبروه أنه مغمم و مكبل بغرفة لا ملامح لها، انتفض نعمان بمكانه ليقف وهو ممسك بكتفه قائلا
" هل تكرمون ضيوفكم بهذا الشكل"
وقف ايسفون مصدومًا
" هل ضيف!"
نظر له نعمان بقوة
" بل اكثر من هذا، اتوني به اخذه واذهب من دياركم لأكرم انا ضيافته"
تحدث ايسفون بسرعة بعد ان ترجم له
" ماذا تقول!، ومن أين لنا ان نعلم قدره!، ظننت انه لأجل تصفية حسابات و ما شابه يعني هيئته لا تدل انه ضيف لنعمان بيه افاي"
رفع نعمان يده ليشير على كتفه قائلا
"وهل سأتصدى لطلقات النيران لحمايته لأجل تصفية حسابات، هل أنا بهذا القدر بنظرك"
رد ايسفون بعد الترجمة ليقول بالفرنسية
" استغفر الله انا لم اقل شيء كهذا"
ثم نظر لإحد رجاله و امرهم ان يحضروا الغريب لمجلسهم، رفض نعمان قائلا
"لا. هذه المجالس لا تليق بقدره حتى وان كان بهذه الحالة يكفي ان يضيفوه بغرفة تليق بقدر ضيافتكم"
استغرب ايسفون ليسأله
" كيف لا يليق به!، من يكون هذا الرجل! "
لم يرد عليه حين وصلته رسالة لهاتفه من أخته قرأ بها
"كتبت لأطمئن عليه، هل اصبح بخير الان "
فرح وجهه وهو يجيب برسالة سريعة "طمئنوني عليه قبل قليل. تعدى مرحلة الخطر لا تقلقي"
اغلق هاتفه ليقف قائلا
" اريد ان اراه"
تحرك ايسفون أمامه كي يذهب معه ولكنه رفض قائلا " سأذهب وحدي"
تم نقل الغريب لغرفة عالية المستوى بها مجلس أنيق و فراش منعم وحمام خاص، دخل نعمان عليه الغرفة ليجده جالسًا بترقب اغلق الباب خلفه وهو يقترب منه ليجلس بجانبه ناظرًا للأمام.
نظر الغريب نحوه بجانبه مستمع لبداية حديثه
"سمعنا كثيرًا بقول الدنيا زوال وغير دائمة لأحد، كبرنا ونحن نعلم انه كما يدين العبد يدان، علمني ابي هذه الكلمات وغيرها التي مرت علي كحكم وعبر دون استفادة منها، ولكنك بالأمس أعطيتني درس عملي كبير بهذه الحياة، وكأني رأيت اعمالك الخيرية و حبك للفقراء والمحتاجين اجتمعت كي تخلصك و تنجيك من مصير لا رجعة منه، كان من الممكن أن تستمر بدنياك المظلمة دون معرفة ولا شعور أحد بك، حتى كان من الممكن أن تنتهي قصتك بالأمس دون معرفة أحد. ولكن سعيك لإنقاذ الضعفاء والدفاع عنهم حتى وانت بهذه الحالة هو من نجاك وسينجيك من باقي ظلماتك"
تفقد الغريب وجه نعمان محاولًا التعرف عليه يفهم اللغة التي يتحدث بها يشعر بصدق حديثه من ملامحه ومساعدته له ولكنه لا يفهم بمن يقصد بمساعدة الفقراء والأعمال الخيرية ...
صمت نعمان لينظر لوجهه الذي اصبح ثابت عليه و لعيونه التي تحاول تذكره، ليتحدث من جديد وهو ينظر له
"قبل أكثر من ثلاث سنوات مضت، سقطت طائرتك بهذه البلد و تم اعلامنا بوفاة جميع من كان عليها. ومن ضمنهم أنت يوسف بيرقدار رجل اعمال كبير بدولة تركيا، طبعا و زوج اختي سيلين بيرقدار. كما إنك أب لطفلين جميلين بجانب خالة تحبك و رجل كبير بالسن يعتبر أب روحي لك و لزوجتك"
راقب نظراته وسماعه له وهو متأكد من فهمه له، وبحركة فجائية جاءت بعد تفكير عميق نظر نعمان لنافذة الغرفة قائلا
"اخرجت الشمس بغير ميعاد ؟"
ألتفت الغريب نحو النافذة، ليتحدث نعمان من جديد دون اعطاءه فرصة للتفكير قائلا
" انظر لهذه الطاولة وكأنها ستسقط! "
نظر الغريب لثبات الطاولة باستغراب، ليكمل نعمان عباراته الغريبة المتتالية وهو يراقب الغريب قائلا
" لماذا لم يضعوا شبيهتها امام الحمام ".. "هل وضعوا لك الماء "..
كانت نظرات الغريب تتنقل على نعمان تارة وعلى ما يحدثهُ عنه تارة اخرى..
ليصمت نعمان وهو ينظر له بعمق أكثر قائلا بعده
" انت تفهم علي بشكل جيد، نعم انت يوسف بيرقدار، انت زوج أميرة الفولاذ. وإن خرجت النتائج عكس ما اقوله سأصدق عيني و لن اصدقها. فكيف لشخص بسيط مثلك ان يجيد لغتنا إلا إن كان منا "
تحدث مرة اخرى ليخبره عن تفاصيل حياته السابقة منتظرًا منه أي استجابة او تفاعل، ولكن مع الاسف يتضح جدا وجود مشكلة بالذاكرة والنطق لدى الغريب.
طلب نعمان ملابس جيدة له ومصفف شعر يأتي ليهذب شعره ولحيته كسابقتها، شارحًا للغريب اهمية قيامه بهذه الامور لأجل ان لا يتعرف عليه الرجال المسلحون، مرة اخرى استجاب الغريب لما يقال له من جهة نعمان ليفعل ما طلب منه و يسمح للمصفف ان يهذب شعره و لحيته بالشكل الذي اراهُ نعمان له ليصبح على حالته الاولى.
وبرغم أنه هو صاحب الصورة التي يحاول مصفف الشعر ان يصفف له مثلها، الا أن النتيجة الأخيرة ليست كالصورة، بالكاد شبيهة منها فما حدث وما مر به من تشرد و ضياع ليس بسهل، اصبحا حقًا شخصان مختلفان نعم جسد واحد و روح واحدة ولكن شتان بين هذا وذاك فاحدهما عاش منعم مكرم والآخر صارع بالحياة ليبقى حيًا
نظر الغريب لوجهه بالمرآه ثم نظر لصورة من يدعى بيوسف بيرقدار على هاتف نعمان ليتعجب من الشبه بينهم..
مر يومًا آخر ليصبح اليوم هو السادس على ارسال العينات للمختبر الكبير بالنيجر، توترت سيلين حيال النتيجة وكأنها تنتظر نتيجة عودة روحها أو فقدانها للأبد، هدأها اورهان وهو أشد توترًا وقلقًا منها فهو ايضا ينتظره مهام ثقيلة ومحزنة بكلتا الحالتين، فحقيقة وفاته بمثابة انتهاء و انهيار ابنته وحقيقة وجوده بمثابة تألمهم على ما أصابه و وصل إليه ومسؤولية كبيرة لإقناعه و استدراجه لتقبل وضعه الجديد.
فما وصل به يوسف من حال أقرب بالموت فكلاهما صعب و ثقيل على شخص كهذا.
جلس زهير على فراشه بغرفة الفندق وهو فرح يتنفس براحة كبيرة تحدث بها
"هذا هو، اعتذر يا صديقي لا يمكنك العودة بهذه الحالة، ان كنت ذهبت برغبتك فلا يمكنك العودة بعد كل هذه السنوات دون مقدمات وايضا بهذه الحالة المنتهية"
خرجت ضحكته عالية وهو يكمل كلماته الفرحة
" أعدك أنني سأحافظ لك عليها، سأضعها بعيني وبقلبي ما دمت حيًا"
وبهذا الوقت بكت سيلين منهارة بظلمات ظلامها الذي كتب عليها مجددًا، تهز رأسها رافضة لتلك النتيجة المخزية
تحدث أورهان وهو يبكي أيضا
"ما كان علي أن اسايركِ ، ما كان علينا أن نأتي لهذه البلد، ولكننا سنرحل دون رجعة اعدك انني لن اسمح لهذه الدولة أن تنهينا اكثر من هذا"
انهار حلمها وآمالها امامها ولكن هذه المرة وهذا الانهيار لم يشبهه ولا يماثله انهيارًا من قبل. كيف ستتقبل موته بعد ان شعرت بوجوده.
وبكل قوة و ثقة و دون طرق الباب دخل نعمان غرفة سيلين بالفندق و هو ينظر لحالتها بحزن.
تفاجأ اورهان بوجوده وجرأته،وقف بغضب وهو يمسح دموعه صارخًا بوجهه
" ماذا تفعل هنا!، كيف تخطيت أمن الغرفة؟، أم انك خلصت عليهم ".
لم يكترث له نظر لأخته قائلا
" لما هذه الحالة، جئت لأبارك لك لتفاجئيني بإقامتك عزاء من جديد"
زاد بكاءها لتزيد ثورة اورهان عليه، لم يهتم بأمره جاء ليقترب من اخته ليجده يقف أمامه متصديًا له، مال نعمان عليه وبصوت منخفض قال له بجانب أذنه
" كنت انتظر منك كفاءة أعلى مما ابديتها مؤسف عليك، أبهذه السهولة يخدع ملك الفولاذ!"
صرخ بوجهه غاضبًا يأمره ان يخرج من الغرفة وإلا سيبلغ عنه.
تركه نعمان دون رد واقترب من اخته وهو يخرج ظرف من جيب جاكيته موجهه لها قائلا
"تهانينا لكِ زال البأس والحمدلله، لقد وعدتكِ وها انا اوفي بعهدي و وعدي لكِ، لا اريد ان أرى دموعكِ من بعد الان "
وقفت سيلين وهي تنظر للظرف بأعين تكاد ان لا تراه من امتلائها بالدموع
أكمل نعمان حديثه وهو يقول لها
"حمدلله على سلامة زوجكِ"
لم تصدق سيلين ما سمعته فتحت الظرف سريعًا لتتفاجأ بالنتيجة الحقيقية كانت تمسح عيونها كي تستطيع التأكد مما تراه..
وبصوت عالي تحدث نعمان قائلا
" يمكنك الدخول"
نظرا لباب الغرفة ليجدوا الغريب بهيئته الجديدة، فرح وجههما وهما ينظران نحوه، اقترب نعمان من اورهان مرة اخرى وهو يقول بصوت منخفض
"هناك من زور النتيجة وأراد السوء بأمانتكم. كن حذرا ممن حولك، فالخونة يخدعونك بمظاهرهم وإبداء وفاءهم لك لدرجة لا يمكنك الشك بهم، فليكن درسًا لك المظاهر والشهادات لا تصنع الرجال "
احتضنت سيلين ورقة النتيجة وهي تنظر لعيون زوجها التي علقت عليها قائلة
"يوسف"
تحركت راكضة نحوه وهي تمسح دموعها من أعلى وجهها الذي كتب له الفرح من جديد..
