الليالي المظلمة الجزء الثاني
بقلم امل محمد الكاشف
صارعت أميرة الفولاذ اقدارها المظلمة مجددًا، تحاول مقاومة مرضها مستنزفة كل طاقاتها كي لا تفقد وعيها. ثبتت عينيها بداخل عيني
ذلك الرجل الغريب بصمت و تمعن وحاله من اختلاط الوعي باللاوعي. بادلها النظر بعيون تعتليها الدهشة والحيرة.
لم تمر عدة دقائق معدودة على حالتهم وتمعن كلا منهم في الاخر حتي سقطت يد أميرة الفولاذ معلنة عن فقدان صاحبتها الوعي بشكل كامل وكأنها فارقت الحياة.
فزع الغريب من حالتها بين يديه نظر لها ثم نظر للسائق بالجوار ثم تركها بحركة سريعة ليهرب تاركها خلفه عائدا الى مأواه..
قامت القيامة ولم تهدأ حين انتشر خبر اختفاء اميرة الفولاذ في ظروف غامضة.
لا أحد يتمنى رؤية وجه اورهان في تلك اللحظات الصادمة، وخاصة عند عثور الشرطة على السيارة المكلفة بتوصيلها وبجانبها ارضًا هاتفها المكسور ..
استنفرت قوات الأمن للبحث عنها بكافة أرجاء البلاد، كما تم تشكيل فرق أمنية خاصة لمساعدة الشرطة بذلك.
خرج أورهان بمؤتمر صحفي معلنًا عن صرفهُ مكافأة كبيرة كجائزة مغرية لمن يجد اميرة الفولاذ او يدلي بمعلومات تساعدهم للوصول لها. كما حذر الخاطف والدولة من حدوث مكروة لابنته في النيجر.
انتفض سكان البلدة والمناطق المحيطة متزاحمين مع الشرطة للبحث عنها طامحين إيجادها للفوز بالجائزة التي ستخرجهم من فقرهم وبؤسهم
وقف بكل ما يؤتيه من قوة متحدثًا بغضبه محدذرًا السلطات الامنية من تعرض ابنته للخطر، ومع مرور ساعتين من أصعب الأوقات التي مر بها ملك الفولاذ طلب أورهان بيه من دولته الدعم والتدخل السريع للبحث عن ابنته في النيجر.
أجرى عدة مكالمات عالية الشأن والمقام مع كبار مسؤولين الأمن في دولة تركيا وهو يشعر بضيق يطرأ على صدرة بقوة وسرعة لم تجعله يستطيع اكمال حديثة بسبب تعرضه لأزمة قلبية لم يصاب بها منذ سنوات طويلة.
صُدمت فضيلة وانهارت بغرفتها وهي تختبئ من أحفادها خشية معرفتهم خبر اختطاف أمهم كتمت صوتها وهي تضع يدها على فمها
"كانت تشعر، لم نستمع لها سابقًا وها نحن مجدداً لم نستمع لها"
هدأتها أنيسة أبلة وهي تطمئنها على قرب عثورهم عليها وانها بخير.
لعب زهير دور البطل المقداد الذي سخر رجال أمن ومحققين مستأجرين للبحث عنها وإيجادها لينقذها قبل الجميع كي يلمع نجمه أمامها.
استنفر الجميع وانتشر بكل مكان للبحث عن ابنة ملك الفولاذ بدولة تركيا دون أي نتائج مجدية.
..........
تخلى نعمان عن مخبئه بعد ان رأى أخته و هي تركض لتستنجد بالعالم ان ينقذها، خرج بكل ما أوتي من قوة ومال ورجال مقتحمين مقر فواز دون تخوف أو اعتبارات أمنية.
انصدم فواز بقوة نعمان التي لم يرها من قبل حتى كاد أن يقتله قبل أن يجيبه على أسئلته.
حذره سنان وامسكه بقوة كي لا يقتل فواز وهو يقول له
"ان مات سينتهي أمرها و لن نستطيع الوصول لها، تذكر أنها بحاجة إلينا"
تراجع نعمان عن قتل فواز بعد أن عصر رقبته بيده عصرًا مميتًا حتى كاد الأخير ان يلفظ أنفاسه الأخيرة بين يديه .
اقسم فواز انه لا يعلم مكانها، أراد أن يقتلها ويأخذ بثأر ابنه ولكن لم ينجح بذلك.
فعندما فقدوا الاتصال بالرجل المكلف بقتلها أرسلوا خلفه أحد رجالهم للتقصي و معرفة ما وصل له، ليجده بجانب السيارة مكبلًا فاقد للوعي.
اقترب نعمان بغضبه مرة أخرى ووضع المسدس برأسه
"هل تلعب معي يا هذا، هل اشتاقت روحك لربها؟"
اغمض فواز عينيه وهو يجيبه بخوف
"هذا ما حدث هاجمه رجل وانقذها من بين يديه ثم اختفيا "
صرخ نعمان ليهز المكان من قوة غضبه رفع يده للأعلى وافرغ سلاحه في الهواء ليزداد الوضع أكثر ذعرا وفزعًا لفواز ورجاله.
…
تحت ضوء القمر وبين أشجار كثيفة شبه متشابكة ببعضها كانت اميرة الفولاذ نائمة أرضا على شيء مجمع من الخوص والاقمشة القديمة التي وضعت فوق بعضها لتشبه الفراش بظاهرها فقط.
من حولها وفوقها سياج افرع الاشجار والخوص يرتبطون ببعضهم مكونين كوخ غير مرئي للمارة، فمن ينظر له من الخارج يعتقد أنه شجرة من ضمن تلك الأشجار الكثيرة المحيطة بالمكان او انه كومة خوص قديمة على الأكثر.
احمر وجهها من شدة ارتفاع حرارتها المتوهجة. وبوسط هذا الظلام المخيف والسكون المميت حيث لا يسمع سوى صوت الخفافيش والبوم الذي يحوم أعلى الأشجار الشاهقة بارتفاعها، عاد الغريب ليدخل كوخهُ وبيده قدح قريب بالشكل من طبق غويط قديم الهيئة تخلى عن حالته المتعارف عليها ليصبح غريبًا كصاحبه.
جلس الغريب بجوار الأميرة أرضًا ممسك بقطعة ملابس قديمة ليضعها في الماء ومن ثم يضعها على رأسها، وبعد سكونها الطويل همهمت سيلين بعدة كلمات غير مسموعة.
تغيرت ملامح الغريب مع تكرار تلفظها بتلك الكلمات وبدأ سماعه لها "يوسف. يوسف"
ارتجف وانتفض جسدها معلنًا عن استياء حالتها أكثر وأكثر.
ليخاف عليها وتحرك بسرعة فائقة للخارج. ثم عاد مهرولًا من جديد وبيده شبه علبة بلاستيكية كبيرة وضعها بجانب الاميرة المريضة وبدأ ينزح ماء البحيرة بالقدر من فتحتها العالية مسقطه على رأسها وجسدها كي يُهدأ ويُخفض حرارتها، انتظر بترقب ليجد انه لم ينجح فلازالت تنتفض من ارتجافها وحرارتها المرتفعة.
اقترب منها بنفس قلقه وعينيه المذعورة منحنيًا عليها ليرفعها حاملها بين ذراعيه وإنطلق بأقصى سرعته لخارج الكوخ مهتدي بضوء القمر في سيره حتى وصل لبحيرة صغيرة تمتلئ من مصب صغير آتي من النهر الذي يقرب مئات الأمتار منهم.
وبحركة جنونية غير متوقعة ألقى الغريب الأميرة داخل البحيرة. خرج منها صوت شهيق عالٍ لم يُأثر به فكل ما يشغله كيفية اخفاض حرارتها و تهدئة جسدها المرتجف.
انتظر دقائق معدودة سحبها بعدها ليخرجها على ضفاف البحيرة ليكون نصف جسدها العلوي على الرمال و أرجلها مغمورة بالمياه.
سمع صوت "عااواااااا، عاااووو" ذعر و تحرك مسرعًا كي يشعل النيران بعدة أماكن حولهم لتكون حصنهم القوي أمام الحيوانات الضالة، فتحت اعينها بصعوبة من جديد محاولة استيعاب ما يحدث حولها.
نظرت للأعلى نحو ضوء القمر بالأعلى بأعين كادت أن تكون مغلقة. انتبهت لجسدها المبلل المغمور بالمياه لتقول بالتركية
" أين أنا، ماذا أفعل هنا، أين أنا "
نظر نحوها الغريب بترقب وهو يستمع لما تقول دون صوت أو حركة منه، ادارت رأسها لتجده خلفها جالسًا بجانب حفرة تخرج منها النيران العالية.
ارادت التحرك والجلوس ولكن مرضها وحرارتها المرتفعة منعوها عن ذلك. عاد ارتجاف جسدها واغلاقها لعينيها ليس من الالم بل لفقدها وعيها وانفصالها عن من حولها.
وقف مهرولًا بذعر ممسك باكتافها يهزها ليعيدها لوعيها دون أن ينجح بذلك، نظر حوله ليبحث عن شيءً يصلح للشرب منه، ليجد شبه نص زجاجة بلاستيكية فارغة قديمة ملقاة على الرمال
اخذها واملئها بمياه البحيرة مقتربًا بها من هبو النيران المتوهجة ليدفئها لها كي تشربها لربما تهدأ من ارتجافها.
حركها بيد و الأخرى ضغط بها على كتفها لينبهها بقربه كي تفتح أعينها لتشرب الماء ولكنه لم ينجح فهي بعالم اخر تجاهد به حرارتها وارتجافها وألمها
اقترب أكثر منها ليرفع رأسها كي تشرب منه يده، فشل مجددا وهذا ما جعله يجلس رافعًا قامتها العلوية وهو يسحبها عليه شيءً فشي حتى أصبح جسدها العلوي بحضنه.
مد يده بجانبه وأخذ تلك الزجاجة القديمة وبدأ يشربها الماء رغمًا عنها بيده التي تحاوط عنقها وتمتد على وجهها ليفتح بها فمها بقوة كي يشربها ايمانًا منه أنه بهذا الماء الدافئ سيحسن منها ومن ارتجافها.
بهذه اللحظة شرد الغريب ببريق شعرها العاكس لضوء القمر وهو منسدل بحالته المبللة على وجهها و اكتافها، اسره جمالها ونور وجهها الذي يشع ليضيء بقلبه كالبرق المنير بظلام دامس غريق.
فتح عينيه بقوة بعد أن أغلقهما استجابة لذلك البرق القوي الذي آلم قلبه فعليًا حتى أصبح يهز كيانه بقوة
جاء ليتركها سريعًا حين ضاق صدره من قربها و ازداد الألم الذي ينغز بقلبه كلما نظر لوجهها بهذا القرب، ولكنه وجدها ترتجف بين يديه من جديد بشكل يختلف عن سابقتها.
مع الاسف شاءت الأقدار أن تمر اميرة الليالي المؤلمة بأصعب نوبة واجهتها منذ ولادتها. صرخت متمسكة بحضنه لتفزعهُ وهي تنادي
"لا تتركني لا. يوسف. لا تتركني له"
وبرغم فزعه من صوتها وكلماتها وتمسكها بسترته واغمار رأسها بصدره وصراعه القوي مع نفسه لرغبته بالهروب. إلا أنه حرك يديه يحاوطها بهم ويحتضنها بقوة داخله وهو يستمع لصوت ينبع من داخله يقول
" لن اتركك. أنا بجانبك. سيلين أنا هنا لن اتركك. ذهب. مر وذهب"
تفاجئ بهذا الصوت النابع من داخله فلأول مرة منذ سنوات يعي و يفهم ما يتردد حوله بل لأول مرة يستمع لهذا الصوت.
دار رأسه من شدة تخبطه والإعصار الكبير الذي يداهمه. احتضنها بقوة وسرعة أنفاسه التي زادت من دوران رأسه الذي تملكه وكأنه بدوامة سريعة الدوران، او كأنه داخل إعصار قوي. يدوي بأذنه أصوات أناس تصرخ وتردد كلمات غريبة غير مترجمة لعقله، زاد انتفاضها بين يديه وهي تردد
"يوسف. يوسف"
ليزداد ضمها له وادخالها بحضنه وتوالي تردد الصوت النابع من داخله
" أنا هنا. لا تخافي أنا بجانبك. سيلين انا بجانبك"
ومع زيادة سوء حالته وتخبطه اصبح يردد اسمها بصوت مسموع
"سيلين سيلين سيلين " لم يكن يعي أو يسمع ما يخرج من فمه فهو أيضا أصبح بعالم اخر متغيبًا عن الوعي الكامل، فكلاهما يواجهان نفس الحالة وهما محتضنين متشبثين ببعضهما البعض يجاهدان نوباتهما وتخبطهما في لياليهما الأشد ظلمة
( لم يكن الوصف لما هم فيه من ظلام مجازيًا فقط. بل كان وصف حقيقي لما يعيشون. فمن رافقهم سنواتهم الماضية وما مروا به من صعوبات يعلم جيدًا أنهم بليلة قاحلة. عارية. جافة. شديدة الألم. والانكسار. والهزم.
كلاهما غائبان عن الوعي يهتزان و يرتجفان منادين على بعضهما وهما بأحضان بعضهما. يعتقد كل منهما أنه وحيد غريب مفقود ولكن الأرواح وحدها هي من ألقت وتعارفت و صرخت معلنة عن رفضها لتلك الالام والظلمات)
.........
بقسم الشرطة المركزي كان أورهان يجري العديد من الاتصالات مع أمن تركيا وجهاز الأمن بالنيجر .
فبرغم تدهور حالته بعد نوبته القلبية إلا أنه لم يهدأ و لم يستمع لأحد حيال ذهابه للمشفى، جاء رجل بسيط يدلي بمعلومات رافضًا أن يتحدث دون التقائه بأورهان بيه كي يضمن الجائزة.
وبعد أن ترجم فراس ما قاله الرجل البسيط الذي يتحدث بالفرنسية كبقية أهل النيجر، وعده اورهان بالجائزة إذا كان ما سيقوله طريق يؤدي لوصولهم لابنته.
تحدث هذا الرجل البسيط ليقول
" عندما سمعت بأمر الجائزة، وعلمت كم الاشخاص الذين يبحثون عنها ضاع املي بها، ولكني تذكرت امره وقلت لنفسي لما لا! بحثت عنه بعدة أماكن تواجد بها سابقًا دون أن أجده وهذا ما جعلني أشك أكثر"
ترجم فراس حديث الرجل البسيط، ليرد أورهان مستخدم اللغة الإنجليزية بحديثه
"من هذا عن من يتحدث هل هو سارق، أم مافيا، من يكون تحدث"
خاف الرجل البسيط من قوة اورهان وغضبه ليتحدث بصوته الضعيف بعد سماعه ترجمة ما قيل له
" لا أعرفه ولكنه يظهر عند حاجتك له، فإن كنت بمأزق او ضيق او حتى حريق ينزل عليك من السماء لينجيك كالملاك الحارس"
سخر اورهان من حديث الرجل البسيط وقال
"أتيت الآن لتحكي لنا عن رجل من الروايات الخيالية. سامحك الله"
رد الرجل البسيط
"لا ليس خيال. أنه حقيقي انا لا اكذب ولا اتخيل هذا الرجل خطفها"
نظر المحقق له وسأله بالفرنسية
"ولما هو بالذات ما الذي جعلك تفكر به بهذا الشكل، هل له سوابق من هذا النوع تعرفونها"
رد الرجل البسيط على المحقق وقال
"لا بل لانه مجنون. يدخل الحريق دون تفكير. أمين بإرجاع الحقوق لأصحابها. قوي أمام قطاع الطرق. وعفيف لا يقبل صدقة من أحد"
اثار انتباه أورهان حديث الرجل وثقته الكبيرة ليسأله بفضول قائلا
" أين يسكن هذا الرجل "
جاءه رده حين ترجم فراس ما قاله هذا البسيط متخوفًا من ضياع حقه
"لا اعرف. ولكنك وعدتني، فإن وجدتها بحوزة هذا الرجل سأربح أنا الجائزة "
نظر أورهان للمحقق وقال
" هل تعرفونه؟ هل لديه مكان محدد؟ "
رد احد افراد الامن بجوارهم ليقول
" نعم أنا اعرفه رأيته حين وصلنا لحريق البلدة بالمرة السابقة ولكنه على باب الله لا عقل لديه ولا لسان ينظر لك وكأنهُ لا يسمعك، تركناه بعد أن أكدوا لنا اهل البلدة حالته"
سأل المحقق افراد الأمن
"من أي منطقة هو؟ ، ماذا كانت كنيته؟ "
رد رجل الأمن ليقول
"لم يكن معه هوية، ولم اضغط عليه بهذا فحالته و عقله المفقود وحديث أهل البلدة عنه جعلني اتركه، وايضا هناك من قال أنه أتى من مكان اخر فهو ليس من أهل مدينتنا وهذا ما تؤكده ملامحه و هيئته المختلفة"
هز المحقق رأسه باستخفاف وقال وهو ينظر لأورهان
"بعد ما سمعناه لا أعتقد أنها معه"
ثم أشار لرجال الأمن كي يخرجوا ذلك البسيط للخارج.
ليكمل المحقق بعدها حديثه بعدم اقتناعه فهو يشك بأنها تم اختطافها لأجل فدية كبيرة وسيتم التواصل مع اورهان بالقريب العاجل للمقايضة.
غضب اورهان من هدوء و برود المحقق
" ابنتي مريضة بحالة خطرة والله وحده عليم بما تصارعه الان، وأنت هنا تقول لي اعتقد وأشك بأنه تم اختطافها"
طرق على المكتب بقبضة يده المشددة وهو يقول
" ليس لدينا وقت لنضيعه في هذه الفرضيات الفارغة، علينا تتبع أي خيط وان كان صغير"
رد المحقق بثقة
" لا تخف نحن لسا صامتين رجالنا يبحثون بكل مكان وسيأتينا الخبر اليقين بالساعات المقبلة ولكن حينها عليك أن تشكرني لصبري على غضبك هذا"
نظر له اورهان بغضب وقال بقوة
" ولأجل بقائك في منصبك حتى هذه اللحظة عليك أن تدعوا الله كثيرًا "
وخرج تاركًا الغرفة والقسم دون تحدث رغم سؤال المحقق له "أين سيذهب "
أسرع زهير و فراس خلف اورهان ليتحدث زهير قائلا
" اين سنذهب لماذا تركنا القسم علينا أن نبقى لمعرفة مستجدات الأمور "
فكر أورهان قليلا ثم قال بعدها
" سأبحث أنا عن ذلك الرجل الغريب لن أترك احتمالًا ولو صغير ، لعلي أتمكن من خلاله للوصول إليها. حتى من الممكن أن يكون شاهدًا على اختطافها أو لديه معلومة عن مكان تواجد هذه العصابات "
وتحرك مقتربًا من سيارته ليجد الرجل البسيط يقترب منه ليأخذ وعد جديد للحصول على الجائزة أو حتى بعض الأموال ان كان سببًا في ايجادها .
نظر أورهان له مطولًا متحدثًا لفراس
" قل لهُ. لك ما تريد ولكن عليه أولا ان يساعدنا بإيجاد ذلك الغريب، وسيأخذ ما يرضيه حتى وان لم نصل لشيء "
فرح الرجل البسيط وصعد السيارة بجانبهم و هو يجيب على اسئلة اورهان الكثيرة من خلال ترجمة فراس للطرفين
" أين رأيت هذا الرجل آخر مرة ؟
أين أكثر مكان يظهر به؟
كيف كانت هيئته؟"
......
نام الغريب على ضفاف البحيرة وهو محتضن تلك الأميرة ذات الشعر الأسود اللامع المضيء كضوء القمر المنعكس من وجهها الأبيض المتوهج. اقتربت الشمس من إشراقها و أنارت الكون لبدء يوم جديد.
انيرت السماء شيئًا فشيء وكادت النيران أن تخمد من حولهما، فتحت الأميرة عينيها المتعبتين لتجد نفسها بحضن هذا الغريب، تحركت قليلًا للخلف وهي تنظر نحوه بتمعن وعمق دون خوف. حركت رأسها ببطء لتنظر للمكان والنيران الخامدة والبحيرة من خلفها وحالة ملابسها وحجابها الذي اعتلى الرمال المبللة.
سحبت حجابها ونفضتهُ بهدوء لترفعه على رأسها وهي تنظر نحو هذا الغريب بأعين مجهدة. متذكرة احتضانها له وخوفه عليها، سترت شعرها بشرود كبير.
تحرك الغريب بنومه رافعًا يدهُ ليزيح شعره من على وجهه، ليظهر حينها جرح كبير من أعلى الحاجب لأسفل الأذن.
شخصت وقويت نظراتها ليس لهذا الجرح الذي لم تعطيه اهمية بل حدث ذلك حين تتبعت عينها حركة يدهُ وجسدهُ بنومته.
حدثها قلبها بهواجس غريبة اعادتها للسنوات الماضية.
لم تمر عدة دقائق على تمعن الاميرة للغريب حتى سمعت هي صوت من الخلف يعلو مناديًا
"سيلين .سيلين ابنتي"
انتفض الغريب من نومه وامسك بلوح خشبي نصف محترق من اعلى حفر النيران المجاورة ورفعها مدافعًا عن نفسه.
رفع أورهان يديه للأعلى وهو يحذر زهير وفراس والرجل البسيط من أي حركة.
صرخت سيلين بصوتها المتعب لتقول للغريب بالتركية
"لا تفعل انهم معي انهم عائلتي، ارجوك لا تأذيهم انهم عائلتي"
نظر اورهان مستغربًا من تحدثها بالتركية عاد لينظر مطولًا خلف ذلك الغريب الذي كان يركض هاربًا.
لم تنزل عيونها هي ايضًا عنه بقيت تتبع ركضه الذي اسلب قلبها حتى اختفى .
(حين التقيتكَ عاد قلبي نابضاً. وجرى هواك بداخلي مجرى دمي. وشعرت حضنكَ دافئًا ورأيتني. رغم الحياء أذوب فيه وأرتمي. )
