recent
جديدنا

أحكي يا شهرزاد الفصل الثاني والأربعين

 



            احكي يا شهرزاد 

                    بقلم أمل محمد الكاشف 

انتظرت ناهدة ان تستمع لصوت البدري العالي او سحبه لزوجته للاسفل كي تعتذر مما صدر منها دون أن يحدث.



مرت الساعات في السرايا بصمت رهيب واختفاء الزوجان بصومعتهم في الأعلى.




رأت ناهدة صفاء تخرج من المطبخ حاملة صينية كبيرة مملؤة بأطعمة مختلفة، أوقفتها بعيونها التي علقت على الفراخ المحمرة وطاجن الخضروات وما لذ وطاب من خيرات السرايا قائلة:

 " إلى أين؟".


_"اتصل بنا الكبير وطلب ان أحضر له الطعام بشكل خاص في الأعلى".


فار الدم بعروقها لعدم استطاعتها كسر كلمة الكبير في رفض صعود الطعام للأعلى، تركت الفتاة خلفها وتحركت لجهة جناح جميلة لتدخل دون استئذان قائلة:

 " أرأيتي ما حدث، كنت أنتظر أن يراجعها بخطئها لاتفاجئ بتدليلها و رفعها علينا أكثر".


ردت جميلة بانبهار:

 " كلمة الحق تقال كيف يرى جمالها ويسمع صوتها دون أن يدللها، تتعلق عيناي يوميًا على ملابسها و وجهها وصوتها اقسم ان قلبي يغير على زوجي منها اتحول لقرد بهلواني حتى أحول بينهما".

 

أجابت ناهدة بغيرتها العمياء: 

" الجمال جمال الروح وهي دون روح".

 

دافعت جميلة عنها:

" أنتِ تظلميها لا تستطيعين حتى الآن نسيان ما فعلته بكِ قديما، حتى اقول لكِ ما حدث اليوم كان عيب عليكِ تماديتي بضغطك عليها دون مراعاة لحالتها، ألم تري كم هي حزينة على اختها العروس، الفتاة بيوم وليلة أصبحت كالارملة التي مات زوجها بصباحية عرسهم".


تحدثت ناهدة مدافعة عن نفسها:

" وانا ايضا حزينة على شهرزاد أنتِ لا تعرفين محبتي لها ولهذا حزنت عليها ولومت على نسبها الذي سقطت به، حتى أني سألت إبنة العم عطية، تعرفين زوجها يعمل بالمحكمة الإدارية وحكيت لها ما علمناه لعلنا نجد شيء نساعد به".

 

ردت جميلة قائلة 

" اصيلة يا إبنة عمي، اعرف أنكِ لم تقصدي ما حدث ولكن للأمانة كان عليكِ ان تكوني حذره بحديثك معها وخاصة بوجود البدري حتى لا يكبر بعقله فكرة وجود عداوة بينكم بعيد الشر".

 

 

_" ابن عمي الكبير لا يمكنه التفكير بهذا الشكل، هو يفهم ويرى من المظلوم ومن الظالم هو فقط كما تقولين اعمته عينيه وفرحة البدايات عن الحقيقة ولكن انتظري ليشبع قلبه وتتفتح عيناه، تبقى القليل لينزل ويفرض عليها الاعتذار مني".

 

لم تهتم جميلة بما قالته من شدة فضولها لمعرفة إجابة المحامي على وضع قضية شريف حين قالت ناهدة: 

" القضية معقدة والبضاعة المغشوشة بيد الشرطة يعني شبه قضايا الإصرار والترصد والحكم لا يستهان به اقلها شيء سيقضي خمسة عشر عاما، ضاع شباب زوجته من الآن".

 

تحدثت جميلة واضعة يدها على صدرها: 

" لا إله إلا الله، ما هذا الابتلاء يا ربي، بأي ذنب سقط الرجل استغفر الله العظيم". 


ردت ناهدة قائلة:

 " الله عليم وكأنهم يعملون بهذا الطريق، قصة انه مظلوم لا تدخل عقلي".


خرجت ناهدة من جناح جميلة على صوت البدري وهو أسفل الدرج ينادي:

  " صفاء ، سعاد".


 

حدثته بسرعة 

 " اتفضل يا ولد عمي اؤمرني".

 

تحدث لها بسرعة:

 " سيصل ضيفي الآن شددِي عليهم أن يهتموا بالضيافة فأنا غير راضي عن مستوى اكرامهم للضيف هناك نقص كبير وملموس".


ردت ناهدة بجدية:

" أنت محق شباب لا عقل لهم غير أنهم ارهقونا ببطئهم وتأخرهم بإنهاء ما نطلبه، لا تقلق أصبح الامر عندي من بعد الآن سأبحث بنفسي عن المهارة والتميز والسرعة".


وبعد أن خطى خطوتين عاد ليتحدث معها 

" لا اريدك ان تحزني من فاطمة فهي في هم كبير أنتِ تعلمين مدى ارتباطها باختها بجانب انها شخص رقيق وحنون لا يتحمل هذا الابتلاء، كما أني ساطلب منكِ بعقلك الكبير ان تحتضني قلبها الحزين حتى تمر أزمتهم على خير وبعدها انا متأكد من مجيئها إليكِ والاعتذار دون ان يطلب منها أحد".


 لم تصدق ناهدة ما تسمعه قائلة في سرها: 

" تسحر لكم اقسم انها تسحر عيونكم وعقولكم".


جاءهم صوت عوض من الخارج قائلا:

 " بدري بيه جاء ضيفكم".


…….

 

بينما كانت ناهده تحترق من غيرتها وحزنها على أخيها ، كانت شهرزاد تتمنى ان تخلد للنوم سابحة باللاوعي كي ترتاح مما تشعر به، لكن قلبها أبى أن يُنعم بالنوم دون ان تلبي طلب شهريار، كان هناك شعور يراودها كأنه يحدثها ويطلب مؤانسته بفصول جديدة من روايتها وهو يجلس وحيدا بين أربع جدران ونافذة صغيرة مرتفعة.

 

قامت ضاغطة على نفسها وروحها وهي تفتح أدراج مكتبه لتخرج منه أوراق بيضاء ماسحة دموعها التي سقطت على المكتب لتضعهم أعلاها كاتبة أولها 

" الفصل الجديد من حكايات شهرزاد للشاه شهريار…


 مسحت دموعها وتحركت لتشرب الماء كي تهدئ ثم استجمعت نفسها بعدها مسترسله بالكتابة له.



نجح سيف باليوم التالى بادخال رسالة شهرزاد لابن عمته بجانب بعض الملابس والطعام.


وبشوق ولهفة أنتهى شريف من قراءة رسالتها للمرة الرابعة على التوالي ، أعاد وضعها على وجهه المبتسم ليشتم رائحتها العطرة قائلا داخل نفسه:

 " اشتقت إليكِ".


 ارتجف قلبه بكلماته مكمل حديثه الروحي معها:

 " أنتِ من سيُظلم معي بهذه القصة".


غص قلبه وتجمع الحزن بعينيه وهو يتذكر تدللها عليه وطلبها الوحيد بتأخير حملها حتى ينهوا رسالة الدكتوراه، تنهد قائلا لنفسه: 

" نويت على تلبية ما حلمتي به دون ان اعلم ما سننجبر عليه، فلقد جاء القدر بكلمته الأخيرة". 


ضم ورقتها لصدره مستنشقا عبيرها الذي فاح من رسالتها حين تعمدت ان تؤنسه في وحدته وتشعره بوجودها بجانبه من خلال عطرها الذي تنفس به وهو يقرأ ما أرادت أن يسكن فؤاده ويطمئنُ قلبه على قلبها وكأنها كتبت بحبرها السري رسالتها التي لم تقرأها عينه بل قرأتها روحه عندما شعر بمضمونها وغايتها بقولها له: 

" نحن جسدان بروح واحدة لا يفصلهم عن بعضهم لا بعد مسافات أو طول الساعات"



 ازدادت شهرزاد سوءً يوما بعد يوم كانت تحاول ان تظهر صامدة قوية عكس ما بداخلها، سبقت الجميع بخطواتها وبحثها عن حلول بطرق أبواب من على اسمهم بعالم المحاماة والقضايا الناجحة.


بهذا الوقت تصدت فاطمة لخطط ومشاجرات ناهدة المفتعلة متحدثة مع البدري محاولة دفعة بوجه زوجة أخيه كي ترحم من أذاها النفسي دون أن يفعل ذلك، كانت كلمة تخرج منه بقوة وصارمه قادرة على إلزام ناهدة حدودها ولكنه لم يفعلها، وكيف تطلب منه ذلك والطرف الآخر لم يكشف للجميع وجهه الحقيقي مصطنع الضعف والطيبة والانكسار يفعل ما يفعله ويعود يحزن ويبكي ظلمهم له.


وهذا ما جعل الوسط محتقن باردًا بين فاطمة والبدري، ابتعدا روحانيا عن بعضهما بشكل ملحوظ كما قلة شهية فاطمة فأصبحت لا تاكل إلا القليل حتى تستطيع مجابهة عودة الأولاد للدراسة وانشغالها معهم.



وبصباح أولى أيام الدراسة فتحت توته عينيها متفاجئة من تقاربهم في نومهم ظلت تتأمل قربه و وجهه المغرق بنومه العميق حتى رن منبه صلاة الفجر.


 تحركت بسرعة وهي تمد يدها أعلى منظم الادراج الصغير جوارها لتغلقه عائدة للنظر لزوجها الذي فتح عينيه ناظرًا لها.


 انتظرت تحدثه معها ولكنه أدار ظهره ليكمل نومه وكأن شيء لم يكن، نظرت لبيجامتها متفاجئة بفتح اول زرين مجددًا، أسرعت لتغلقهم بخجل.


 شردت قليلا لتتذكر تعمده الابتعاد عنها اثناء نومهم على الفراش والتحدث معها دون الاقتراب منها او لمسها وان حدث يعتذر ويبتعد، وهذا ما جعلها تتأكد من كسرها له بأول يوم بل ومن حزنه منها بسبب ناهدة، فهذه العيون التي تنظر لها ليست كسابقها.


 تحركت بشرودها لتدخل الحمام مغلقة الباب خلفها وهي تنظر للمرآة متذكرة فرحته بعد عقد قرانهم واستغلاله الفرص ليتغزل بها ويقترب منها، فتحت الماء لتغسل وجهها وهي تؤكد لنفسها انها ليست مذنبة وما يحدث طبيعي وصحي حتى يعتادا على بعضهما فهما لم يبقيا صغارا يقودهما الحماس والتسرع بالقرار والأفعال، أما بالنسبة لناهدة فهي من عليها تحزن فلولا صمته ما كانت تمادت بهذا الشكل.


أنهت وضوءها وخرجت لتصلي فرضها دون أن توقظه ذاهبة بعدها للمطبخ الصغير كي تعد للأولاد سندوتشات المدارس وتملأ لهم زجاجات الماء وتضعها بالحقائب المدرسية هي وعلب العصير الصغيرة.


كانت تتوقع نومه ولكنها وجدته ساجدًا على سجادة الصلاة، انتظرت انتهائه من تأدية فرضه لتتحدث متسائلة عن آلية ذهاب الاولاد بهذا اليوم رد عليها قائلا:

 " ان اردتي ان يذهبا مع اتوبيس المدرسة الخاص فليذهبوا وإن اردتي ان نذهب معهم لأجل أن تحضري هادي بالإذاعة المدرسية فلا مانع عندي بكل الأحوال كنت أفعلها بالسابق مع فارس حين يرفض الذهاب بدوني".


اومأت رأسها وهي تطلب منه أن يكونا بجانب هادي بهذا اليوم، وافقها الرأي قائلا:

 "هيا لنتجهز إذا".


تحدثت على استحياء طالبة منه أن يشتروا فطورهم من مطعم الإسراء، أومأ رأسه مبتسما " بكل سرور".

 

استغربت من موافقته على كل ما تقوله، متسائلة:

" هل أنت جاد اسأل لأجل تحضير الفطور ان أردت عكس ما قلته". 


قاطعها بجوابه:

" كما تريدين لا فرق لدي ان اردتي هنا أو بالخارج المهم أن تتخذي قرارًا سريعًا حتى لا يتأخر الأولاد".


وتحرك ليرتدي ملابسه.


تابع البدري اندماج ابنته مع فاطمة التي كانت تغدق عليها بحنان وحب كبير، كما كان شاهدًا على بذلها كل الجهد مع الأولاد منذ استيقاظهم بالصباح وتحضير الفطور والسندوتشات مرورا لاستقبالها لهم عند عودتهم والاهتمام بدراستهم وواجباتهم.


مر عشرون يومًا على بدء الدراسة، انتظم البدري بعمله يخرج بالصباح ويعود على تمام الساعة الخامسة مساءً.


 ازداد ضيقها من حالته التي أصبح عليها حتى تمنت ان يرفض لها طلبًا أو يمانعها بعمل او حتى يجادلها بقرار فكلما سألته عن شيء أجابها نعم، تمام، لا مانع لدي، كما تريدين.


على الجهة الأخرى كانت شهرزاد تخبئ عودة اضطراب الدورة الشهرية ونزيفها المتقطع عن الجميع، لم يكن نزفا مخيفًا كسابقه فهي لا ترى خطورة لتقطعه وقلته.


كرست جهدها للاهتمام بوالديّ شريف ومتابعة القضية متمنية ان ترى حبيبها ولو مرة واحدة فلم يشأ الله بلقائهم طوال ما يقرب من ثلاثون يوما.


ازداد الأمر اضطرابا لتقرر الذهاب للطبيب الخاص بها في السابق لتطمئن على وضعها وما جد عليها ..


انتظرت شهرزاد انتهاء الطبيب من الاطلاع على التحاليل الأولية دون أن تتوقع ما قاله لها وضعت يدها أسفل بطنها وهي لا تصدق ما سمعته، تمنعت عن استخدام المصعد ونزلت على الدرج حتى لا يرى احد بكاءها الذي كاد أن يكون سببا في سقوطها.


 جلست على احدى ادراجه بعيونها الممتلئة بالدموع ورأسها الذي يدور وقلبها المتألم.


ساءت حالتها دون أن تجد من يحنو عليها ويركض لسلامتها ويحطم الدنيا لأجل ابتسامة وجهها، جلست وهي تناجي ربها:

" أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين".


ضاقت دنياها بما رحُبْت، لتبكي بالوقت الذي كان يُفترض أن تكون على عكس ما هي به.


 قررت شهرزاد أن تهرب مما هي به وتذهب لمنزل والديها كي تحتمي وتخلد باحضانهم مستسلمة لروحها الضعيفة مما طرأ عليها.


فتحت هاتفها لتخبر أم زوجها بعدم عودتها للمنزل الليلة لتكتشف نفاذ شحن هاتفها، وضعته بحقيبة ظهرها ثم تحركت لتتجول بسيرها مستنشقة أكبر قدر من الهواء البارد رغبة باطفاء لهيب صدرها ودموعها التي كانت تتجمع بعينيها كلما تذكرت كلمات الطبيب وتحذيره لها من الحركة والمجهود.


 توقفت بجانب محل بقالة صغير، اشترت لنفسها زجاجة ماء شربت و وضعت منها على وجهها بضعة قطرات مكررة فعلتها كلما شعرت بحرارته التي علت من نار صدرها وفوائدها.


 تأخر الوقت وحان موعد العودة للمنزل والاحتراق بفراش زوجها الذي كان يزيد من حزنها ويدمي قلبها وهي بين احضانه كل ليلة.



استقبلتها زيزي بقلق:

" أين كنتي كل هذا الوقت؟".


تحدث أمين بالهاتف قائلا:

 " ها هي قد جاءت انتظر لأعطيك الهاتف".


 اقترب امين موجهًا حديثه لها وهو ينظر لثقلها الذي ظهر على وجهها قائلا: 

" والدك يريد الاطمئنان عليكِ".


أخذت شهرزاد الهاتف وهي تخبر أبيها بنفاذ شحن هاتفها وعدم انتباهها عليه.



بهذا الوقت دخل شريف غرفة الاستجواب ككل ليلة في محاولة من الشرطة للضغط عليه لأخذ أقواله من جديد بعملية أشبه باستنفاذ طاقة وقدرة المتهم العقلية والجسدية حتى يترك إنكاره وكذبه ويفصح بالحقيقة أو يزل لسانه ببوادرها.



اغلق بغدادي الهاتف وهو يقول لامال:

 " لا تبكي هي بخير وهذا يكفينا".

 

و بصوت بكائها ردت أمال عليه: 

 " كيف سأتحمل ما هي به".


اجابها بغدادي بحزنه:

" بالدعاء سنتحمل بالدعاء واللجوء إلى الله، ليس لها من دون الله كاشفة يا أمال، هيا تحركي واغسلي وجهك وتوضئي لتصلي ركعتين وتدعي الله أن يريح قلبها ويزيل همها".

 

…………


 جلس البدري بالصالون العلوي متحدثًا بالهاتف:

" شكرًا يا سيادة النائب لا أعرف كيف أرد لك جميلك لقد حملتك فوق طاقتك". 


تحدث نائب مجلس الشعب عن دائرة البلدة قائلا:

 " لستُ بحاجة للشكر كما تعلم".

 

تحدث البدري بوجه غير راضي:

 " أعلم ولكن علينا أيضا أن نكون منصفين، بالمقابل سأرضيك بما يخصنا".


تحدث النائب بوجه فرح قائلا:

 " أعتقد أنه جاء وقتها الان".

 

ابتسم البدري بضيق: 

" بالسابق كان يحق لنا الرفض أو القبول ولكن الآن بعد وضعها بين نارين".

 

قطع النائب حديثه قائلا: 

" لا تقل هذا وتحزني منك، انت تعلم الحياة أخذ وعطا ونحن أهل بلدة واحدة ما لديك أو لدي واحد".


حرك البدري فمه بغير رضا واستياء قائلا:

 " لنعود لحديثنا أرسلت لي المحامي الخاص بك ليخبرني بعكس ما قاله لي بلقائنا الأول فبعد أن كانت قضية صعبة ولا أمل بها أشرقت الشمس و ظهرت بوادر الفرج، ولأجل المعرفة فقط أنا لم أفكر للحظة ان أرفض طلبك فكما وصل لك القضية تهمني وإن لم أكن واثقا ببراءته و سقوطه بهذا الفخ اللعين دون معرفة منه، ما كنت تحدثت و وافقت على طلبك".


رد النائب عليه: 

" لا تقلق سأتدخل بنفسي لإثبات براءته وعدم تورطه بأعمال مشابهة وبعض التفاصيل التي أخبرك بها المحامي، ولكن عليك أن تعلم ضريبة خروجه مكلفة سيتم مصادرة الخامات دون تعويض ودفع كفالة كبيرة وأتعاب المحاماة".

 

قاطعة البدري بقوة وثقة:

 " لا تشغل تفكيرك بشيء فليخرج سالمًا دون لغط ولا أذى بوظيفته كما وعدتني".


تحدث النائب قائلا:

 " أخبرتك الوظيفة سأحاول بها ولكن… ".


قاطعة البدري من جديد بقوة:

 " لا تقل ولكن نحن نثق بقوة نائبنا و لا تنسى أن مهر أرض العرابية غالي".


ابتسم النائب بطمع قائلا: 

" لأجل خاطر كبير العرابية تُدفع امهار وليس مهر واحد، أعدك أنني سأسعى بهذا حتى أعدك أن لا أنام قبل انهائي عدة اتصالات هامة ستنهي القضية من جذورها".

 

اغلق البدري هاتفه وهو يحدث نفسه:

 " أحلم باليوم الذي تتطهر بلادنا من امثالكم، حسبي الله ونعم الوكيل".

 

…….


بينما هربت شهرزاد من والديّ شريف ودخولها غرفتها وهي تطمئنهم عليها، حزنت زيزي وأمين على وضعها وحالة عيونها التي تحكي ما لم يفصح عنه لسانها.


دخل البدري غرفته ليجد زوجته مستلقية على فراشها بعيون مفتوحة، ألقى عليها السلام وأغلق الباب خلفه ليبدأ بتبديل ملابسه دون ان ينظر نحوها.


 تحركت على فراشها كي تدير نفسها لتصدر له ظهرها خجلا منه ، ارتدى ملابس النوم مستلقي بجانبه لينام على فوره.


ظلت على حالتها الساكنة بعض الوقت، لتستدير بعدها ناظرة له مندهشة من سرعة نومه دون التحدث معها، ظلت تفكر بأمره وما طرأ عليه حتى نامت هي ايضا.


……..


استيقظت شهرزاد في صباح يوم إجازة الأعياد الوطنية على ألم رأسها تحركت باحثة عن مسكن في حقيبتها فلم تجد بحثت بأدراج غرفته ليثير انتباهها ظرف مزين بقلوب حمراء بزاوية الدرج الداخلية.


 مدت يدها وامسكته لتفتحه بفضول معرفة ما بداخله لتجد أمامها ذكريات البدايات وما كان يدونه لها من ملاحظات وامنياته بلقائهم بعد العطلة الاسبوعية، كانت عدة أوراق صغيرة ملونة على هيئة الأشكال الهندسية يدون بها ما في قلبه ويضعها لها بهذا الظرف الذي حمل فرحه وحبه واعترافه الأول لنفسه.


كانت كل ورقة تحكي لها يوما جديدا جميلا من ايام الجامعة، اعتقدت أن زيادة ألم رأسها من صغر حجم الخط واقترابه من بعضه دون أن تصغي لصوت قلبها الباكي.


  هربت من قراءة المزيد أغلقته بسرعة وهي تتحرك لتخرج من الغرفة ويديها تدور على وجهها و رأسها وكأنها تهون على نفسها وتحنو عليها.


…….


اتصلت ناهدة على امها فهمية للمرة الثانية كي تطلب منها إرسال الأولاد حتى يتحمموا ويبدلوا ملابسهم ليناموا باكرًا .


رفضت فهميه قائلة:

 " لا زالت الساعة الخامسة اتركيهم مستمتعين باللعب ومشاهدة الأفلام الكرتونية لا اعرف أين مشكلتك معنا كلما أتوا في الاجازة تبدئين باتصالاتك وطلبهم، هل استكثرتي عليّ الفرح بصوتهم وبقائهم بجانبي، من غير شيء يذهبون إلى مدارسهم و أحرم من رؤيتهم طوال الأسبوع". 


رد باهي على جدته وهو يأكل التفاح ناظرًا للتلفزيون:

" حضري لي العصافير المحشية وانا آتي لكِ كل يوم".


ضحك قلبها قبل وجهها وهي تجيب على حفيدها:

 " هل عصافير فقط أقسم إن طلبتم عيني لن اعزها عليكم".


حزنت ناهدة وتركت الأولاد لدى امها حتى انها سألتها إن كانت ترغب بنومهم لديها، رفضت فهمية لطبيعة نومها الذي أصبح مختلفا مع تقدمها بالسن واكتفت ببقائهم وهي مستيقظة كي تسعد برؤيتهم كما ختمت مكالمتها مع ابنتها وهي تدعو لفاطمة والكبير على تركهم لها وعدم حرمانها منهم.

تلقى البدري اتصالا جديدًا من نائب دائرته يطمئنه أن الوضع يسير كما يريدون واليوم سيبدؤون أولى الإجراءات لتنفيذ ما وعده به خلال أيام .


شكره البدري بعد أن استمع لحديثه قائلا: 

" عيب عليك هل تعرف عني هذا".


رد النائب

 " ان كنت اشك بكلمتك ما كنت اتصلت لابشرك".


اجابه البدري:

" ندعو الله أن تكون البشارة بمحلها ونفرح جميعا بالقريب العاجل".


وبعد أن أنهى مكالمته الهاتفية تحدث سيد متسائلا:

 " ما به ماذا يريد منك؟".


شرب البدري آخر رشفة بكأس شايه وتحرك وهو يرد على إخوته:

" تثرثرون منذ الصباح الباكر هيا تأخرنا على عملنا".


ونظر خلفه نحو نسائهم:

 " السلام عليكم نراكم بالمساء ان شاء الله".


خرجت سلمى من المطبخ منادية على أبيها الذي أسرع هاربا منها، استقبلتها توته لتأخذها بحضنها قائلة:

 " في ماذا تحدثنا نحن ألم نتفق بأن الأميرات لا تبكي".


ظلت تساير الصغيرة وهي تراقب سير البدري وسط اخوته وتحدثه عن العمل وما عليهم القيام به اليوم.


تحركت لتصعد جناحها العلوي مستأذنة من ناهدة وجميلة كي تتصل بأهلها والاطمئنان عليهم.


ردت ناهدة عليها:

 " اتركي سلمى معنا واصعدي وحدك كي تأخذي راحتك مع أهلك".

 

قبلت فاطمة وجه سلمى بحضنها قائلة:

" لتأتي معي كي نكمل مشاهدة فيلم الأميرة النائمة كما وعدتها".

 

تحدثت جميلة لسلمى :

" هل ستتركينا لاجل مشاهدة الفيلم".


ابتسمت سلمى بحضن توتة التي اخذتها لتصعد بها وهي تحنو على ظهرها وتقبل كتفها الصغير.


 

تحدثت ناهدة بعد ابتعادها لتسرر جميلة قائلة:

" هل وجوهنا تذكرها بأهلها؟، لا ترانا دون ان تقول سأتصل بأهلي، كان عليها ان تغير الحجة حتى نُصدقها".

 

تحدثت جميلة وهي تنظر نحو دخول توته من الساتر العلوي:

 " اتركيها بحالها ان لم ترغب بمجالستنا فلن يرغمها احد على هذا، يكفي والله انتفخ داخلي من كثرة مشاجراتكم".

 

ردت ناهدة عليها بعيون مصغرة: 

 " وكأني أشعر بشيء غريب بينهما، أقول لنفسي هل تشاجرا ام أنهما غير متفقين مع بعضهما".


ردت جميلة وهي تخفض صوتها أكثر:

" هل تشاجر؟، من أين خرج هذا الآن؟، انا لم اسمع صوتهم حتى حالتهم لا تدل على اثنان بينهم ضيق".


ارجعت ناهدة ظهرها للوراء قائلة:

" لم يتعدى الكثير على زواجهم لننتظر ونرى".


ردت جميلة بألم تأنيب ضميرها:

  " سامحك الله هل تتمني لهم السوء، اعوذ بالله فليمنحهم الله السعادة والراحة يكفيه إبن عمي ما أصابه والله لن يتحمل طلاق وعودة للصفر من جديد".


 ردت ناهدة بسرعة مدافعة عن نفسها:

" ومن قال طلاق، حتى بأحلامها لا تراه هل نسيتي ان العرابية لا يطلقون زوجاتهم".

 

تحدثت جميلة لتصدمها قائلة:

" ناهدة هل اقول لك على ما أشعر به لكن عديني ألا تحزني".


استقامت ناهدة بجلستها منصتة لسلفتها التي بدأت حديثها قائلة: 

 "الواضح أنها لا زالت حزينة على مدحت حتى هروبها من الجلوس معنا ومسايرتنا باحاديثنا يشير لذلك ، واليوم أنتِ ايضا شعرتي بما قلته فهي حتى الآن لا تستطع التعامل معه على أنه زوج جديد وحياة جديدة، نراها صامته تبتسم وتومأ رأسها فقط أن وجه لها الحديث، حتى وان اضطرت للرد يكون مختصر وقليل، لا تحدقي بالنظر لي حتى إبن عمي لديه بعض ما لديها لهذا لم يضغط عليها و تركها على راحتها، طبعا هذا بخلاف صوتكم الذي يعلو بالمطبخ والرد على بعضكم البعض".



ردت ناهدة بغير اقتناع قائلة:

" نعم لهذا رأيناها تهرول بموافقتها والمجيء معه للعيش بالسرايا التي كانت تحلم ان تتجول حولها".

 

وقفت ناهدة مصممة على نفيها لما سمعته هاربة للمطبخ بحجة متابعة الخدم بالمطبخ وهي تستمع لجميلة التي تحركت خلفها قائلة:

 " لا تكوني ظالمة ألم تقيمي القيامة لإتمام زواجهم".


……..


وصل سيف لمنزل أمين الحلو حاملًا البشارة إليهم قائلا: 

" استطاع المحامي أن يأخذ لنا موعد لزيارته، الحمدلله من الواضح أن التحقيق معه قد انتهى فكما نعلم كان منعنا لتحفظهم الشديد على عدم مقابلته لأي أحد أثناء استجوابهم له".


فرح امين كما دمعت عين زيزي قائلة:

 " نعم اذهبوا لتطمئنوا عليه وأعطوه حقيبة ملابسه التي حضرناها له من المؤكد أن ملابسه التي أخذها لم تكفيه".


رد سيف باستغراب: 

" ألن تأتي معنا".


رفضت ذهابها قائلة:

 " اتركوني هذه المرة سأذهب بالمرة المقبلة".


خفضت شهرزاد صوتها الذي خرج بصعوبة أثناء بدأ حديثها:

" يكفي أن يذهب عمي أمين ليطمئن عليه ويطمئنا".


صُدم سيف من حديثها، قائلا:

 " ماذا تقولان هل تمزحان معي، بصعوبة استطعنا الحصول على الزيارة وبشكل عائلي و انتم ترفضون الذهاب الآن، أن قلق وحزن لأجل هذا لا تندمان بعدها".


ردت زيزي بحزن:

" نعم انت محق لهذا ستذهب شهرزاد وأمين معك".


حدثها أمين قائلا:

 " جميعنا سنذهب لرؤيتة كي لا يحزن هيا اسرعوا لا اريد اي حجج واهية".


تحدث سيف بقلق: 

" إن كانا غير مهيئين لرؤيته فلا داعي للضغط عليهما".


تقدمت شهرزاد على طرف مقعدها وهي تقول بصوتها المختنق بنبرة دموعها الراكدة بجوف اعينها قائلة:

" ليس لأجل هذا نعم كنت اطلب زيارته وذهبت كثيرا لاحاول الدخول إليه دون فائدة ولكني الآن يعني الآن لا أستطيع الخروج معكم لأنني…


قاطعها أمين مشفقًا على حالتها التي لم يروها كثيرًا بها، فهي رغم كل الظروف تقف أمامهم قوية صلبة تساندهم وتهون عليهم بعده، قائلا:

"لا عليكِ لنذهب نحن هذه المرة ونخبره انكما ستأتيان إليه بالمرة المقبلة، لأننا لم نكن متأكدين من سماحهم بدخولنا".


تحدثت شهرزاد من جديد قائلة:

 " بالأصل هناك ما أريد قوله يعني أنا لم أرفض لأجل عدم استطاعتي رؤيته هناك".


لم تستطع زيزي التماسك أكثر، انهارت ببكاءها قائلة:

 " لا اريد ان أراه هناك، أريده بجانبي أريده بحضني، لم أعد أستطيع تحمل بقائه هناك وحده قلبي يحترق أقسم أنني سأموت ان تمت مقاضاته واستمر بعيدًا عني، لم يتهنى على فرحته وعروسته، لا زال عريسا".


اختنق أمين بانفاسه اسرعوا نحوه تخوفًا من لون وجهه الأحمر وكثرة سعاله المتتالي الذي كان يفصله قوله: 

" أنا السبب بكل هذا، انا السبب".


ازداد الأمر سوءً باتصال المحامي ليعلم سيف بإلغاء الزيارة لأسباب غير معلومة، لم يستطع سيف إبلاغهم بالأمر تحجج بعمل مهم سينهيه ويعود إليهم. 


خرج سيف من المنزل وهو يفتح هاتفه متحدثًا:

 " لقد تأزم الوضع هناك مستجدات في قضية شريف اتصل المحامي وابلغني بإلغاء الزيارة ومحاولته لمعرفة السبب دون أن يجيبه أحد".

 

رد ناجي على ابنه:

 " وماذا سنفعل الآن".


إجابة سيف بحزن كبير:

" قبل أي شيء عليك ان تأتي أنت وأمي لمنزل عمتي بسرعة الوضع بالأعلى سيء جدًا انا لم أرى عمتي بهذه الحالة من قبل، تركتهم مضطرًا كي اذهب للمحامي كي افهم الوضع بشكل أوضح".


رد ناجي بحزن وقلق قائلا:

 " حسنا، حسنا سنذهب على الفور وأنت أبلغني بكل جديد يطرأ عليك".


مرت ساعات الصباح بقلق كبير على أهل القاهرة أما الصعيد فكان اخوة البدري يمزحون معه محاولين إقناعه بالعودة المبكرة للمنزل لأجل زوجته.


تحدث سيد للبدري:

" انظروا لمن يتحدث نقول له اذهب لترتاح بالسرايا وهو يقول العمل ولا زال الوقت مبكرا".

 

ضحك محسن معقبًا على حديث سيد:

 " من يرى رفضه لن يراه وهو يغضب علينا كي نترك العمل الذي ينهي العمر دون أن ينتهي كي نذهب لنستمتع بجمال البدايات وأن نخلق لأنفسنا حياة سعيدة محفوفة بالترابط والمودة والرحمة والحب".


رد البدري عليهم بوجهه الذي يظهر ضحكه رغم ضيقه:

 " نعم كنت اقولها لكم لاني خائف من عقولكم الصغيرة ان تهتموا بالعمل على حساب حياتكم الشخصية، ولكني الكبير هل نسيتم هذا، لا تقلقا وتضيعا اوقاتكم بالتفكير بي فأنا أعلم كيف أسير اموري".

 

ضحك سيد غامزًا لاخيه:

" علمنا اذا يا كبير كيف تفعلها".

 

علا ضحكهما وهما يمازحان أخاهم محاولين إقناعه بترك العمل عليهم والعودة للسرايا بوقت أبكر ولكنه ظل على رأيه ورفض تركهم.



جلست توته تطوي ملابس الأولاد ثم تعطيها لسلمى كي تضع كل مجموعة بالغرفة التي تخصها.


امسكت سلمى قميص والدها الأبيض و وضعته عليها، ضحكت توته على صغر قامتها و تغطية القميص لطولها، أخذته منها لتطويه قائلة: 

" علينا أن نجهز المكوى كي لا نتأخر بإرسالها".

 

امسكت سلمى هاتف توته واتصلت بأبيها دون استئذان، فتح البدري الهاتف قائلا:

 " بنت حلال كنت سأتصل بكِ لاطمئن عليكم".


تحدثت سلمى لتسأله بصوتها الصغير عن موعد عودته هو واخوتها، التفتت توته خلفها ناظرة لها قائلة: " هل من جديد؟".


ضحك البدري متحدثًا لابنته:

" ألم أنبه عليكِ بضرورة الاستئذان قبل استخدام هاتف خالتك ".


تحدثت توتة وهي تقرب صوتها من الهاتف:

 " أنا من سمح لها بالاتصال في اي وقت حتى حددت انا وهي رقم الإتصال السريع كي يسهل عليها فعلها".

 

كررت سلمى سؤالها ليعدها اباها بان ينهي اعماله المهمة ويأتي إليها على الفور، تركت الهاتف لفاطمة واسرعت ملبية نداء زوجة عمها جميلة من الأسفل. 


تحدثت توته قائلة له:

" ذهبت لترد على جميلة".


ضحك البدري عليها: 

" تم بيعنا من جديد".


سألته توته بفضول:

" هل حقا ستأتي باكرًا ام انك قلتها لأجل التهرب منها". 

رد متسائلا بضيق: 

 " ما بكم الجميع يحدثني اليوم عن عودتي وكأني افتعل شيء جديد عليّ، هذا موعد رجوعي الثابت منذ سنوات انهي عملي وأعود ما بين الخامسة والسابعة مساءً".

 

أجابته مبررة سؤالها:

"لا تؤاخذني أعلم ما تقول ولكني سألت لأجل الأولاد هم ايضا يشتاقون إليك تعلم أنهم يجاهدون نومهم لأجل انتظارك".


حك لحيته وهو يجيبها:

 " لا تقلقي سأرضيهم بعطلة نهاية الأسبوع حتى افكر ان آخذهم واذهب لمزرعة الشيخ صفوان نقضي الجمعة هناك".

 

وبصوت ضيق صدرها: 

" حسنا كن على راحتك مدام هذا ما يناسبك".


أغلقا مكالمتهما الأشبه بلوح الثلج من برودتها، تحركت لتضع الملابس في.أماكنها، أما هو فظل ينظر لهاتفه بصمت وعقل يتذكر دموعها وصمتها وعدم اندماجها معه وكأن كلا منهما يعيش بكوكب خاص به.


تضع عدم إنصافه لها أمام ناهدة عاقبة بحياتهم، يحدثها دون مشاركة منها يحاول اضحاكها ليجد أمامه وجه يبتسم بصعوبة، ترك الهاتف جانبًا وفتح الأوراق أمامه وهو يتذكر تجنبها الجلوس بجانبه وان طلبها منها تجلس متصلبة متحفظة حتى تتحجج بأي شيء وتبتعد عنه.


 رفع يده ليرجع شعره للوراء وهو يتنهد بضيقه قائلا لنفسه:

" وماذا كنت تنتظر، هكذا تأتي الأحلام دوما عكس ما تشتهي الأنفس، رحمة الله عليكِ يا ام فارس ذهبتي لتأتي خليفتك الواضح أننا سنكمل حياتنا بهذا الوضع الصامت".

 

تنهد زافرا انفاسه محاولا طرد ضيقه و إراحة صدره بما حوى من ضيق وفتور، يعاتب نفسه تارة و يصمت مسالمًا تارة اخرى وهو مبرر إعطائها وعد بأن لا يضغط عليها ولا يطلب منها ما لا تستطيع فعله حتى وعده باحترام 

حزنها أصبح ثقيلا على قلبه، يقول بسبب حزنها ويعود ليقول لا بسبب ناهدة فهي بأوقات تكون قريبة متفاعلة معه وأوقات أخرى تصبح وكأنهم لأول مرة يجلسون مع بعضهم .


وبعد صراع داخلي لم يسمح له بأن يؤثر عليه تحرك ليخرج من العمل كي يعود مبكرا للمنزل.

 

راغبًا بإدخال الفرح على قلب أولاده ويعطيهم الحق بوجوده والجلوس معهم...



أنهت شهرزاد صلاة المغرب على عجل كي ترد على هاتفها الذي تكرر رنينه طوال أدائها لفريضتها، فتحت وهي تعتذر لتأخرها بالرد تحدث البدري ليطلب منها رقم المحامي الذي يتولى قضية شريف.


 سألته عن السبب، أجابها بجدية:

 " لا داعي أن نستبق الأحداث لنقل محاولة جديدة غير مضمونة النتيجة ولكن علينا ان لا نيأس من رحمة الله سنجرب حظنا و نسعى متمنين النجاح بأحد محطاتنا".

 

شكرته شهرزاد قائلة:

 " ونعم الأخ أخجلتنا وجعلت الشكر عاجزًا أمام اهتمامك وخوفك علينا". 



_" لا تكثري الكلام وارسلي لي الرقم برسالة سريعا".

 

ردت من جديد: " حسنا على الفور". 


سألته توته بعد ان اغلق الهاتف:

" مع من كنت تتحدث، لم أكن أعلم أنكم تتعاملون مع نساء بمجال عملكم".

 

ابتسم قائلا بتلقائية: 

" ماذا تقولين بأي نساء تبتلينا، هل انقرض رجال بلدنا حتى تعمل نسائهم بالمزارع والمحاصيل".


لم يتوقع فضولها وسؤالها الذي أتاه على استحياء:

 " من المؤكد انها من العائلة يعني لديها مشكلة وانت تحلها".


ضحك البدري بجوابه:

 " بهذه الحالة لم تصبح واحدة فهناك الكثير ممن يتصلن يوميًا بي واتصل انا لأطمئن على أولادنا الذين برقابهم".


ردت عليه قائلة:

" كما كنت تفعل معنا".


تفاجئ بردها وتحركها لتحضير الشاي، كانت شاردة تتذكر اتصالاته بها واطمئنانه عليها قبل زواجهم، كيف كان يهتم بها و يكثر بأحاديثه معها عن نفسه وحياته وأولاده. 


عادت بصينية الشاي لتعطيه كأسه وتضع البقية على الطاولة الصغيرة التي أمامه بصمت، وصلته رسالة جديدة فتحها بفرح قائلا:

" واخيرا أرسلته".


 نسخ الرقم وارسله للنائب كاتبًا:

" اتمنى ان يتم الاتفاق معه بشكل سري لا اريد ان اعطيهم امل ويعودوا بعده دون شيء، اتفق معه كي يطلب من النيابة ما تريدوه دون معرفة احد بهذا".


رد النائب عليه برسالة، فتح بسرعة واهتمام ليقرأ مضمونها: 

" ولكن عليك أن تعطيه الضوء الأخضر لفعل ما سنطلبه منه كي يصبح كل شيء قانوني".

 

أجاب البدري كاتبًا:

" سافعل على الفور لا تقلق".

 

وضع كأس الشاي على الطاولة وهو يتحرك باتجاه غرفته متحدثًا بهاتفه قائلا لشهرزاد: 

" اعتذر لكثرة اتصالاتي".

 

اغلق باب الغرفة عليه لينقطع صوته تاركًا فاطمة تنظر نحوه بعقل تآكل من تفكيره، متسائلة مع من يتحدث؟ من هذه المرأة التي يحدثها باستمرار؟.


 ظلت تفكر حتى وسوس لها شيطانها:

 " ام انها غير متزوجة؟".

 

شعرت بضيق واهانة مما فكرت به تحركت لغرفتها كي ترى ماذا يفعل وبماذا يتحدثا، والأكثر كان الشيطان يوسوس لها ويحضها على معرفة طريقة تحدثه معها وهل سعيد ومرتاح ام متحفظ كما هو حاله بهذه الفترة.



فتحت الباب دون إذن لتأتيها ضربتها القوية على أنفها، وضعت يدها على وجهها بسرعة قوة الاصطدام مهتزة من تألمها.



 اتسعت عينيه وهو يعتذر منها ويرفع يدها ليرى أنفها الذي سال القليل من الدم أثر قوة اصطدام هاتفه بأنفها دون قصد.



  احمر وجهها ودار رأسها ليحاوطها بذراعه مصطحبها للفراش ليجلسها عليه ويهدأ منها.



جلست وهو يحاوطها بذراعه كقطة صغيرة هادئه لا صوت أو حركة لها، لم يرد الابتعاد عنها وتركها فهي بكل حالاتها تسلب عقله وفؤاده، هي فقط من تزيد من سرعة دقات جانبه الأيسر وارتباكه خوفا من كسرها وكأنها قارورة من نوع خاص لا يمكنه تركها دون التأمل بجمالها وحنين قلبه لها ولا يمكنه الاهتمام بها ولمسها خوفًا من كسرها وخسارتها.


طال صمتها بقربه ليتحرك مبتعدًا رافعًا عنها الحرج والانجبار على تحمل ما لا تريده، لتزداد هي ضيقًا بما يجول في صدرها وعدم معرفتها لما تريده فلا يوجد شيء صريح يبرر لها هذا الضيق والانفعال.


………


مرت عدة ايام علم سيف من المحامي ما يحدث ليبلغ زوج خالته بالمبلغ الكبير الذي يستوجب دفعه في حالة قبول التظلم وطلب خروج المتهم حتى نهاية التحقيق و البث في القضية.


تحدث أمين مع سيف بشكل سري قائلا: 

" وإن طلب أضعاف المبلغ سأدفع المهم لدينا خروجه من هناك". 


رد سيف عليه قائلا:

" لا تقلق سمعت ان التدخل على مستوى عالي وإن هناك احتمال كبير بحفظ القضية وتسويتها بعد خروج شريف، هذا ما فهمته من المحامي وما سمعه هو من الرتبة العالية التي تحدث معها وكانت حريصة على سرعة إخراجه قبل أن يتأثر عمله".

 

وبحزن رد أمين قائلا:

" لا فائدة يا بني أن لم يتواجد ببداية الاسبوع سيتأثر عمله فعليًا ولا أحد يستطيع مساعدته".

 

تحدث سيف بنبرة أمل كبيرة قائلا:

" لا تفكر بوظيفته ان ذهبت واحدة سنأتي له بعشرة المهم انه سيخرج قريبًا، ان سمعت كلام المحامي ستشعر انه تبقى القليل على خروجه حقا".


فرح قلب أمين حتى رغرغت الفرحة عيناه قائلا: 

" كنت اريد ان اشكر الرجل على جهوده أيا كانت نتائجها".

 

رد سيف على أمين:

 " الرجل طلب السريه بالأمر لهذا علينا ان نصمت ونرى ما سيحدث، و بعدها سنشكره و نهاديه وندعوه لدينا ايضا لا تقلق اقترب اللقاء".

 

حدثت شهرزاد والدتها لتطمئنها عليها ثم نامت بعدها مباشرةً دون أن تنتظر أذان العشاء لتؤدي فرضها، وهذا ما حدث حين زاد دوار رأسها ونزفها.


 كانت قد ذهبت لغرفة زيزي عدة مرات طوال اليوم لتخبرها بما أسرته بقلبها ولكنها بكل مرة كانت تتراجع أمام سوء حالتها وحزنها الكبير الذي سلمت له روحها وأصبحت قعيدة الفراش مضربة عن الطعام الا قليل منه.


 صمتت و تراجعت خشية أن تدخل على قلبهم فرحة لم تكتمل كما صارحها طبيبها.


……….


وفي صباح يوم جديد خرج البدري من غرفته بعد ان ابدل ملابسه التي اتسخت من سقوط القهوة عليها قائلا لابنته وهو ينظر لفاطمة بوجه مبتهج:

 " الحمدلله لنتصل بها ونعطيها البشارة ".

 

تغيرت ملامح وجهها وهي تحدث نفسها بضيق: 

" ليست لهذه الدرجة يقولها وهو ينظر لعيناي".


علا صوت رنين هاتف شهرزاد في نفس الوقت لتتحرك لتأخذه وتفتحه قائلة:

 " السلام عليكم". 


رد البدري بصوته الفرح:

" وعليكم السعادة والهنا ما كل هذا الكسل ما عاهدت عليكِ هذا؟".

 

تحركت شهرزاد لتجلس على فراشها وهي تنظر للساعة قائلة:

 " استيقظت قبل الفجر وبقيت حتى غلبني نومي على الساعة السابعة".

 

تحرك البدري بمكانه وهو يقول لها بصوته القوي الفرح:

"غريبة ألم تصلك هديتي حتى الآن".

 

وقفت شهرزاد ممسكة برأسها تسأله باستغراب:

 " هديتك؟".


اقتربت توته منه وهي على وشك الاشتعال، رفع نظره عليها ليستغرب حالتها وقربها منه وهي تضع يدها على خصرها محركة وجهها الذي كان يشع بعلامات استفهامها.


 أكمل حديثه على الهاتف وهو يتساءل من جديد: 

" ألم تصل حتى الآن؟". 


ردت شهرزاد عليه بعقلها الذي لم يستيقظ كليا حتى الآن قائلة: 

" هل ارسلت لي الفطير البلدي بالعسل".


علت ضحكة البدري وهو يجيبها: 

" هل كنتي تحلمين بالفطير والعسل، كنت اعتقد انكِ تحلمين بقلبك وليس ببطنك". 


بهذه اللحظة فقدت توته السيطرة على نفسها لتتحدث له قائلة:

 " عيب عليك إلى هنا وحسب لا اسمح لك بفعل هذا وأمامي أيضا، حتى وإن كانت تريد ….. ".

 

ارتفعت نبرة صوته الضاحكة وهو يكمل حديثه على الهاتف: 

" سمعت صوت رنين الباب من الواضح ان هديتي وصلت لكِ، الحمدلله على سلامة زوجك يا عروستنا زال البأس عنكم ليكتب الله لكم السعادة ولا يفرقكم ابدا".

 

خرجت شهرزاد من غرفتها راكضة على الباب وهي لا تصدق ما سمعته.


كان من نصيب نعمة فتح الباب لتشهق باسم الطارق:

 " شريف بيه".

 

احتضنته زوجته بعقل لم يستوعب رؤيته أمامها،

 قفزت زيزي من على فراشها صارخة بنبرة أبكت جميع من في المنزل: " شريف، شريف".


 قبل يدها ونزل مقبلا قدميها لتميل عليه وتحتضنه أرضا وهي تهز به وتدخله بصدرها

 " يا حبيبي، يا عمري، ياروحي ياعمري".

google-playkhamsatmostaqltradent