recent
جديدنا

أحكي يا شهرزاد الفصل الواحد والأربعين



تتثقال الأنفاس وتتباطئ الخطوات حين تهب رياح المحن دون أن يتوقف شيء من حولك، كل شيء يمضي بالحياة دون توقف أو بطء، تستأنف الدنيا مسيرتها حولك كأن ما حدث شيئًا لم يكن.


بدأ اليوم في منزل البغدادي عند قدوم شهرزاد إليهم بوقت مبكر مستيقظين على حقيقة عودتها من السفر والكارثة التي سقطت على رأسها.


تحدثت أمال قائلة بذهن لا زال نائمًا:

" استهدي بالله يا شهرزاد، كيف شريف بالسجن وما الذي أتى بكم من روما، ولماذا لم نسمع عن القبض على عمك أمين". 


أخذت شهرزاد نفسًا عميقًا بدأت بعده شرح تفاصيل ما حدث معهم قائلة: 

" ونحن في روما اتصل شخص بشريف يواسيه بحال والده ويسأله إن كان يريد مساعدته ام هناك من يساعدهم، وهنا علمنا بأمر القضية وتحفظ الشرطة على عمي أمين حتى إنتهاء التحقيقات، لأجل هذا حجز شريف بأقرب طائرة عائدة للقاهرة".


تحدثت أمال لابنتها بصوت هادئ: 

" حبيبة امها سمي الله واشربي ما تبقى من كأسك الذي بيدك ثم احكي لي ما حدث لشريف، انا لم استوعب كيف دخل هو الحجز بدلا عن والده انا لم اسمع عن شيء كهذا من قبل!". 


أكد بغدادي على ما تقوله زوجته لتنهي شهرزاد كأس عصير الليمون، مدت امها يدها لتأخذه منها وهي تحنو على ظهرها مستمعة لكلماتها:

 " لا اعرف. انا ايضا مثلكم لا اعرف كيف حدث كل هذا بغضون وقت قصير، كل ما فهمته انها صفقة ألوان وصبغات تم التعاقد عليها بأول شهر رمضان تلك السفرية التي ذهب شريف مع والده بها، الشرطة تقول ان الخامات غير مرخصة و مخالفة للمقاييس الدولية وتم التحفظ على الشحنة كلها بمخازن المصنع، لا اعرف هل هو حسن أو سوء حظ أن شريف كان معهم وهو من وقع على الأوراق نيابة عن والده كالعادة وهنا وجد المحامين ثغرات تدين شريف وتبرئ والده مع اعتراف شريف أنه المسؤول عن التوقيع والاتفاق الذي جرى مع الشركة المزيفة".


خرج صوت بغدادي بحزن شديد:

" لا اله الا الله، اللهم إنا نسألك اللطف بأقدارك، استغفر الله العظيم". 



تحدثت امال بخوف وذعر:

" افهم من هذا أن زوجك تحمل القضية عوضًا عن والده مستسلمًا للسجن". 


تحدث بغدادي وقد اختلطت الأفكار حسنها بسيئها في عقله قائلا: 

" هل كان خطأ حقا أم أنهم يعملون بالتجارة الغير مشروعة!".


دافعت شهرزاد عن زوجها وعائلته:

 " بالتأكيد خطأ انا اثق في شريف من المستحيل أن يقبل بعمل غير مشروع، وعمي أمين ايضا لا يمكن أن يقبل على نفسه وعائلته ما يقال". 


نظرت أمال لزوجها بعيون محذرة، تحدث أمين من جديد وهو يحاول سحب ما قاله:

" سامحيني يا بنتي لم اقصد ما خرج مني ولكن عقلي لم يستوعب حتى الآن ما حدث، عودتك المفاجئة وما تقوليه.. والله وكأنني استمع لفيلم رعب".


ردت على أبيها:

 " وأنا كذلك أشعر أنني في كابوس عقلي لم يستوعب او بمعنى اخر يرفض استيعابه".

 

تحدثت أمال بحزنها داعية ربها:

" لا حول ولاقوة الا بالله ليفرج الله كربك يا بني". 


أكملت أمها حديثها بنبرة جادة قائلة:

 " وماذا ستفعلين الآن، ما رأي المحامين كم سنة يتوقعون أن تكون العقوبة، وعمله بالجامعة هل يمكنكم اخذ اجازة طويلة له أم أنه…".

  

وقفت شهرزاد بصدرها الذي اختنق وضاق بما حمل قائلة:

 " لا تقلقوا سيمر كل هذا بإذن الله فهو أعلم بحالنا و نوايانا، سأفعل كل ما يتوجب لإخراجه من الحجز بكفالة، بضمان، بأي شيء كان، والده سيفعل كل ما بوسعه وأكثر من وسعه لإخراجه، أنا أثق به فهو على صلة كبيرة بشريحة لا يستهان بها في المجتمع". 


تنهدت شهرزاد بانفاسها المختنقة ثم أكملت: 

" لو رأيتما حالة والده عند وصوله المنزل كم كان حزينًا مكسورًا، وكأنه ترك روحه خلفه وأتى دونها، دموعه التي تنسال من عينيه وكلماته التي يتقطع لها الفؤاد، ليس هو فقط بل وخالتي زيزي يحترق قلبها بنار غيابه، الله يرفع عنا ما نحن به، جئت إليكم مبكرًا كي اخبركم بنفسي قبل أن تسمعا من أحد آخر".

 

وقفت امها بجانبها قائلة: 

" ادخلي اغسلي وجهك وانا سأحضر الفطور، كي نكمل حديثنا لنرى ما نستطيع فعله".

 

وقف والدها هو ايضا قائلا:

 " نعم تناولي فطورك ونامي قليلا بعده من الواضح انكِ لم تنامي، لا زالت الساعة الثامنة صباحا لا أعرف بأي ساعة استيقظتي وخرجتي".


أخذت شهرزاد نفسا عميقا كاد أن يُدمع عينيها من حرارته محركة رأسها بالنفي، قائلة:

 " عليّ أن أعود سريعا قبل استيقاظهم و خروج عمي أمين، كما اريد ان اذهب لزيارة شريف والاطمئنان عليه".

 

ردت أمال على ابنتها:

 " لن اتركك قبل أن تأكلي على الأقل وبعدها يذهب والدك معك أينما ذهبتي حتى تعودا سويا".



فاجئتهم شهرزاد بردها:

" لا أعتقد أن وقتي سيسمح بالعودة إلى هنا اليوم".


 بإندهاش ردت أمها عليها:

" وأين ستنامين اذا، انا لن اسمح لكِ بالنوم بمفردك في منزلك".


ونظرت لزوجها:

" قل شيئًا يا بغدادي".


وقبل أن يرد والدها أجابت شهرزاد:

 " والديّ شريف بحاجة لبقائي بجانبهم، سيرتاح قلبه وتهون عليه وحدته عند معرفته بوجودي بجانبهم، كما أنه لا يمكنني متابعة الوضع عن بعد لهذا كله عليّ أن أبقى بجانبهم حتى خروج شريف". 


همت أمال لتعارض ابنتها لولا منع زوجها حين بادر بالرد قبلها:

" كوني على راحتك وافعلي ما تريدين أنا أثق برأيك واثق أيضا أنكِ بقدر المسؤولية ولكن عليكِ ان تعديني بالاهتمام بطعامك ونومك".


 

اومأت رأسها بسرعة وهي تتحرك لتخرج قبل اقتراب والديها واحتضانهم لها فهي تعلم عدم تحملها شعور كهذا.


هربت منهم متحججة بسرعتها والنظر لهاتفها كي تخرج رقم سيف طالبة منه رقم المحامي الخاص بشريف، نزلت على درج العمارة بنفس سرعتها تخوفا من لقاء الجيران واسألتهم التي ستبدأ فور تفاجئهم بها أمامهم بهذه الساعة والحالة بعد عدة أيام من زواجها.


 لمحتها الحاجة فاطمة وهي تضع الزيت بالقدر الكبير لبدأ عملها نادتها: 

" شهرزاد، شهرزاد".

 

وحين لم تتلقى اجابتها حدثت نفسها: 

" وكيف تكون هي، ما عمل العروس بمنزل أهلها في هذه الساعة من المؤكد أنه خُيل لي، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أيكون عفريتها!".

 

……….


خرجت فاطمة من حمام غرفتها وهي تجفف وجهها بمنشفة بيضاء.


وجدت زوجها يبتسم بوجهها مستمتعًا بصوتها وهي تحدثه: 

" هل جعلتك تنتظرني كثيرًا؟".


أجابها برضا قلبه السعيد:

" لا لم انتظر كثيرًا استيقظ الأولاد وتحدثت معهم، ماشاء الله هادي يفيق من نومه ليرتب فراشه بشكل جميل أعجبني بشدة حتى أنني قلت لفارس أن يفعل مثله".


تحدثت توته بفرح:

 " نعم تعلم ذلك من جدته فهمية".

 

_" ياليت الأخير من تعلمها، أعوذ بالله اصنع لنفسي ألف حجة كي لا ادخل غرفتهم واتعرقل بألعابهم ماشاءالله لم يتركا شيء في مكانه ما جمع إلا ليوفق".


ردت على حديثه الضاحك بوجهها الباسم:

 " سأحاول تعليمهم ولكني لن أعدك بالنتائج".


تحرك بضحكه ليدخل الحمام قائلا: 

" في هذه الحالة سيكفيكِ شرف المحاولة".

 

وبابتسامتها استدارت لتنظر جهة باب الحمام الذي أغلقه خلفه بشرود لم يدم حين أعاد البدري فتحه متفاجئ بحالتها امامه.


استقامت مخفضة نظرها بخجل، جعله يتحرك سريعًا جهة منظم الادراج باحثًا فوقه بين العطور والكريمات عن حاجته، ومن ثم فتح الأدراج واحدا خلف الآخر:

"كان هنا…


ردت توتة متسائلة: 

" ما لونه كي اساعدك بالبحث".


_" ازرق وعليه صورة رجل يحلق لحيته''.


ردت باستغراب:

 " نعم اعرف هذا النوع ولكني لم اراه هنا، تفقدت الغرفة ومحتوياتها لأتعرف على ما تحوي ولم ألمح شيء كهذا، جميع الكريمات والعطور على منصة المرآة ومنظم الادراج والبقية بالداخل في الحمام". 


أومأ رأسه باستغراب: 

" غريبة رغم أنني أشتريت الكثير منهم كي لا أقع في هذا الموقف، لعله خير سأذهب اليوم واشتري مجددًا".


اقترب من المرآة ناظرًا من جديد نحو لحيته محسن من حالتها بيديه:

"هل زائدة عن الحد…


خجلت من حالته قائلة قبل خروجها:

"لا ليس كذلك ".

تحركت لتخرج مكملة حديثها متسائلة بعينيها الخجلة: 

" اين سنتناول فطورنا هل أحضره لنا بشكل خاص أعني نحن والأولاد فقط؟".


نظر لها بعينيه الفرحة قائلا:

 " كما تحبين من المؤكد ان البنات يحضرونه بالاسفل، ان اردتي الانضمام للجمع فلكِ هذا وإن لم تريدي ذلك يمكنني أخبارهم بأن يحضروه لنا بالأعلى".


فكرت دقائق قليلة لتجيب بعدها: 

 " لا فرق لدي تمام لنستمر بتناوله معهم بالأسفل".


-" حسنًا وانا سأسرع بحمامي كي نتناول فطورنا ونفكر اين سنذهب بعده، عليّ أن أفي بوعدي للأولاد بأسبوع اجازتي حتى لا أنشغل بأعمالي التي لا تنتهي ويشعرون حينها أنني خدعتهم".


ردت عليه بعينيها الهاربة من عينيه:

" لا تتعب نفسك يمكنني أن أشرح لهم مسؤولياتك وهم بالتأكيد سيراعون قدر انشغالك". 


ضحك البدري بجوابه: 

" هل تريدين اضاعة حقنا في الخروج والتمتع بالوقت قبل العودة للعمل، دعينا نروح عن أنفسنا والأولاد اقتربت الدراسة التي ستجبرهم وتجبرنا على روتين يومي لا مفر منه". 


خرجت مغلقة الباب خلفها بعد دخوله الحمام وهو ينهي آخر كلماته التي أصر بها على الوفاء بوعوده للأولاد، جاءها صوت الأولاد من الأسفل تحركت بخطواتها لتخرج من الساتر الكبير وتنزل الدرج ناظرة نحوهم.


ردت ناهدة السلام على فاطمة مكملة سيرها نحو المائدة محدثة الأولاد بنبرة غاضبة:

" ما بكم تصرخون منذ بداية الصباح أخفضوا صوتكم اوجعتم رؤوسنا ونحن لا زلنا بأول اليوم".


اقترب هادي من عمته، يسألها: 

" متى سنذهب لجدتي كما قلتي لنا؟".

 

بكت سلمى بعد أن اخرق باهي البالون الأحمر خاصتها، صرخت ناهدة بوجه الصغير قائلة:

" لماذا اخرقتها لن نستطيع ايقافها عن البكاء الآن".


ضحك باهي وهو يركض بعيد عن سلمى، لتقسم عمته ناهدة على ضربه، تحدث باهي بضحك: 

" لا يمكنكِ ضربي سأخبر جدتي إن فعلتيها".

 

اقتربت توته وهي ترفع سلمى لتسكتها قائلة لابنها:

 " اخبرها لتقوم هي بضربك نيابة عنا".


ربتت على ظهر سلمى قائلة لها: 

" لا تحزني سأقطع أذانه لأجل ما فعله ببالونك، حتى سأشتري لكِ من البالون الكبير الذي بداخله انوار تلمع وهو لا".


فرحت سلمى بينما حزن باهي واقترب من امه طالبا منها ان تشتري له أيضا و وعدها ان لا يكررها، رفضت توته مُصرة على تنفيذ عقابها، لم تتحمل ناهدة رؤيتها وهي تحنو على الطفلة تاركة ابن أخيها يعذب بإلحاحه عليها.


وجهت حديثها لتوته بضيق:

 " لا تصغري عقلك يا فاطمه بالأخير أطفال وهي ايضا تفعل به الكثير، ألم تتذكري الساعة التي طبعتها أسنانها على كتفه بالأمس وغيره وغيره".


ردت توته عليها:

" لا لم انسى يحدث بين الإخوة مثل هذا وأكثر، ولكن هو أكبر منها وعليه أن يعقل بالتعامل، فكيف سيذهب للمدرسة بهذا العقل هل سيعود كل يوم بمشكلة جديدة".

 

وبلهجة صعيدية تحفيزية ردت ناهدة:

 " باهي جميل ومؤدب سيكون من الأوائل على الصف وسيشهد المدرسين جميعا بأدبه وحبه لأصدقائه، أليس كذلك يا قلب و روح و عمر عمتك".


ابتسم باهي وأومأ برأسه فرحًا بمدح عمته به، فتحت ناهدة ذراعيها ليسرع بالدخول في حضنها مقبلة رأسه وهي تقول بحنان:

 " ستصبحون من أوائل الناس مميزون بالمدرسة والبلد اجمع".

 

راقبت توتة حالة ناهدة وحبها الكبير لأولاد أخيها بصمت، لم تكن هذه المرة الأولى التي تشهد توته على تغيرات عمة أولادها فهي على حالتها هذه من قبل زواجها فهي بصراع بين قلبها الطيب المحب والغيرة وحب التملك والتميز.


اقترب هادي من عمته متسائلا عن موعد ذهابهم لجدته، ابتسمت ناهدة بحزن ظهر بنبرة صوتها: " ما بك هل اشتقت لها".


 اوما رأسه قائلا:

 " نعم اريد ان افرح قلبها برؤيتنا كما تقول هي حتى فارس سيأتي معنا حتى نلعب على اللاب توب الجديد".

 

ضحكت ناهدة قائلة:

 " الآن بطل العجب حين علمنا السبب، حسنا يا روح قلب عمتك نفطر ونتجهز لنذهب بعدها".


تحدث فارس من الخلف قائلا لزوجة عمه:

 " سنذهب وحدنا دون ان نأخذ سلمى وباهي معنا".


نزل البدري الدرج مقتربًا من مائدة الطعام قائلا لابنه: " أين ستذهب بدون اخوتك".

 

جلس على رأس المائدة ناظرا للفطور متسائلا عن جميلة ومحسن و سيد، ردت ناهدة:

" بقيت جميلة أمس في منزل أبيها كما تعلم اقترب موعد زفاف سمر وعليها أن تساعدهم بالترتيبات، أما عن الرجال فالساعة قاربت على العاشرة صباحا أي سيد وأي محسن الذين سيبقون لك حتى هذا الوقت".

 

ابتسم لها وأعطاها الحق فيما قالته بغلاظة ثم نظر لابنه بالخلف مكررًا سؤاله له:

 " لم تقل لي أين ستذهب دون اخوتك؟".


_" ستأخذنا زوجة عمي لزيارة جدتي فهمية انا وهادي".


جاء ليمانع ويخبرهم بخروجهم لولا مبادرة فاطمة بالحديث قائلة بصوتها الجميل:

 "هل اسكب لك الشاي الآن أم بعد تناول الفطور".

 

استغرب من سؤالها فهو شخص يشربه بالحالتين لتأتيها مزحته:

" ألا يوجد خيار ثالث، ام ان الشاي شح بالأسواق واصبحنا نوفر به".

 

ابتسمت وهي تسكب له بكأسه قائلة: 

" يمكنك شرب بقدر ما تريد".

 

لم ترفع نظرها خجلًا منه واحترامًا لوجود ناهدة التي تحركت بضيق قائلة:

" سأتجهز كي اذهب باكرًا لا اريد ان افطر الآن، أخبرتني أمي أنها عجنت فطير مشلتت لأجل قدومنا".


ودون أن ينتبه لغضبها رد البدري عليها ليمازحها بسعادته التي لمسها كل من يرى وجهه في هذه الأيام قائلا:

" لا تنسي أن تحضري نصيبي منه".

 

ابتسمت ناهدة بصعوبة وهي تنظر لتوته التي كانت تنظر لها قائلة:

 " أنت اؤمر يا كبير".


ثم تحركت عائدة للجناح الأيمن الخاص بها.


تحدث البدري لزوجته قائلا بصوت منخفض:

" وماذا عن خروجنا مع الاولاد".


ردت عليه معتذرة:

" فليبقى بيوم آخر، لقد رأيت بنفسك اهتمام الحاجة فهميه بقدومهم".



وافقها الرأي قائلا:

 " معكِ حق لنؤجلها لوقت لاحق".

 

استغلت فرصة بقائهم بمفردهم وتحدثت لتقول:

"يمكننا فعل شيء اخر، تعلم علينا ان نسجل قيد الأولاد في مدارسهم تأخرنا كثيرا للقيام بهذا".


_" نعم أنتِ محقة من الجيد ان العم بغدادي أرسل الأوراق بالأمس كي نسرع بالتثبيت لم يتبقى سوى عشرة أيام على بدأ العام الدراسي الجديد".


اقترب فارس وتدخل بحديثهم قائلا: 

" أريد هادي معي بنفس الفصل لنجلس بجانب بعضنا". 


ابتسمت توتة للصغير متسائلة بلطف يدها التي مررت على غرة شعره بجانبها:

" يا روحي أنا، هل تحبه لهذه الدرجة".


أومأ فارس رأسه مجيبًا:

" نعم احبه لانه أخي و صاحبي".


ابتسم وجه هادي الخجول ليرد البدري على ابنه قائلا: " ولك ما تريد لنسجله بمدرستك".


تغيرت ملامح توته، متسائلة:

" بأي مدرسة يدرس فارس، بصراحة أنا أرغب بعودتهم لنفس المدرسة الخاصة التي أخذ بها صفه الثاني".


وبغير رضا حك البدري أذنه قائلا:

 " نعم اتذكرها تحدثنا سويًا عنها".


وضع بفمه لقمة مغمسة بالبيض وبدأ بمضغها وهو يستمع لحديث توته:

" لننقل فارس ونثبت قيده مع الاولاد ليصبحوا ثلاثتهم بنفس المدرسة".

 

جاءها صوت ناهدة من الخلف: 

" أي مدرسة؟، هل الخاصة بأولادك؟".


أدارت فاطمة رأسها وهي تنظر بجانبها نحو ناهدة قائلة: " نعم هي".


أكملت ناهدة التي كانت قد التقطت نصف حديثهم وهي بطريق عودتها لهم قائلة:

 " اخي البدري لا يحب تلك المدارس الخاصة".


نظرت توتة لزوجها بضيق متسائلة: 

" هل صحيح لا تحبها؟، وان كان صحيحًا لماذا لا تحبها؟".


رد وهو مستمر بفطوره:

"لأنها تعلم الأولاد المياعة والطراوة كما أن تعليم الرقص والعزف على الآلات الموسيقية إجباري هناك، وانا لا احب هذا أريد لأولادي ان يكونوا اقوياء اشداء بالحق يأخذون ما يريدون بصعوبة حتى لا يفرطوا به بسهولة، لا احب الدلال الماسخ الذي نسمع عنه وخاصة بهذه المدرسة أنا لا أقبلها بصراحة، خلاف موقعها البعيد هل يعقل أن يخرجوا صغار كهؤلاء من بعد الفجر إلى ما بعد العصر حرام هذا ظلم كبير لهم".


أجابته توته بضيق وغير رضا:

" ولماذا لم تخبرني بهذا من قبل". 


_" لأني لا أريد أن أتدخل بشؤون أولادك ومستقبلهم ان اردتي لهم هذا فلتفعلي ولكن لا تجبريني على تطبيقه مع أولادي".


 

 أعادت آخر كلماته باندهاشها ومعاتبتها له:

" تجبريني؟ أولادي و أولادك؟".

 


صمت البدري ناظرا لحالة وجهها الذي تغيرت ملامحه، وهنا وجدت ناهدة الفرصة لتزيد من احتقان الوضع مؤكدة على ما قاله البدري وهي تشكر بمدرسة فارس وخروجه الأول عليها، فهي تشبه المدارس الخاصة باهتمامهم بمستوى التلاميذ التعليمي.


استرسلت ناهدة بحديثها لتحكي لها عن وضع البلد وحب الناس بأن يخرجوا أولادهم أشداء مثل آباءهم ليتحملوا المسؤولية الكبيرة من بعدهم.


وقفت توته من على مقعدها رافضة سماع المزيد، سألها البدري:

" إلى أين ذاهبة؟".


أجابته بضيق: 

 " شبعت الحمدلله".


ردت ناهدة وهي تنظر لطبقها الممتلئ متسائلة بلؤم:

 " هل شبعتي من كلامنا ام طعامنا؟".

 

لم ترد على سؤالها الثقيل على قلبها ط، تحركت وهي توجه حديثها لزوجها :

" لم أتصل بأمي اليوم سأصعد كي اطمئن عليها بالاذن منك".

 

_" تمام تحدثي معها وتجهزي لنذهب لتثبيت قيد الأولاد".


تحدث هادي بحزن:

 " انا اريد ان اكون مع فارس في مدرسته".


 كما قال باهي: 

" وانا ايضا اريد ان اذهب معهم في نفس المدرسة". 


ردت توته على أبنائها وهي تنظر بضيق نحو عمتهم:

 " سنتحدث بوقت لاحق".

 

ردت ناهدة بقوة:

 " أي وقت لاحق؟، لا وقت أمامك اسمعي كلام أولادك واكسري شيطانك برأسك العنيد هذا حتى أخي رحمة الله عليه لم يقبل بهذا لولا خوفه على أحزانك ويا ليته جاء بفائدة، اسمعي ما أقوله لكِ وثبتي الأولاد بمدرسة فارس نحن نريد لكِ الأفضل".


نظرت فاطمة من جديد نحو البدري الذي تهرب بنظره منها قائلة لناهدة:

 " تأخرت على اتصالي بالاذن منكم".


ثم تحركت متوجهه للدرج صاعدة عليه وهي تستمع لحديث ناهدة مع ابن عمها عن صحة قراره ومميزات مدرسة فارس و وجوب إقناعها فلا يمكنه التهاون بأمر مستقبلي وهام كهذا. 


لم تعد شهرزاد لمنزل اهل زوجها حين علمت من سيف وجوده أمام قسم الشرطة منتظر رؤية شريف أثناء عرضه على النيابة.


عارضها سيف وطلب منها عدم المجيء خوفًا من انهيارها وتأثر شريف بحالتها ولكنها أصرت وذهبت سريعًا بعد أن استقلت سيارة أجرة 

وعند وصولها نزلت مسرعة باحثة عن سيف الذي نادها من الخلف وهو يقترب منها قائلا:

 " أخبرتك ان لا تأتي لماذا اجهدتي نفسك؟".


 

حدثته بأنفاس متسارعة:

 " أين هو متى سيخرج؟". 


أجابها سيف بحزن قائلا:

" التقطي انفاسك اولا، اعتذر منكِ خرج فور اغلاقي معك وبقيت لأجل انتظارك، هو بخير لا تقلقي".

 

استدارت لتعطيه ظهرها محاولة التقاط أنفاسها الحارة ماسحة دمعتها مُحرمة على نفسها البكاء، أخفض سيف رأسه احتراما لحالتها وما تمر به من ظروف صعبة.


 ظل على صمته حتى هدأت وعادت لتنظر له متسائلة بوجه مصطنع قوته وحدته وصوت خالطه حزنه وبكائه قائلة: 

" لعله خير طمئني عليه كيف حاله هل كان ثابتا أم حزينا، عينيه حمراء من سهره وحزنه ام انه كان يمثل عليك غير ما هو به".

 

_ " هو بخير حتى فرح وجهه برؤيتي وسألني هل حلمت به".

 

تجمعت دموعها في عينيها رغما عنها ليحدثها مهونًا عليها ما هي به قائلا:

 " لا تخافي جميعنا نسعى لاخراجه لن نتركه بالداخل طويلا حتى وإن خرج بكفالة كما قال ابي وعمي أمين، نعم أعلم أنه سيخسر عمله ولكن خروجه من قضية كهذه أهم بكثير من بقائه بعمله و فناء سنوات أو شهور بغير ذنب".

 

اومأت شهرزاد رأسها قائلة: 

" لا تفكر بعمله في كل الأحوال سيتأثر وضعه بالجامعة اقترب العام الدراسي والوضع سيسوء، علينا أن نهتم بخروجه فقط لا غير".


تحدث سيف بنبرة اخ كبير:

 " أعدك بل نعدك جميعنا أن لا نهدأ حتى يخرج بسلام وتعودا لروما من جديد وهذه المرة ستكون هدية مني".


_" لا اعرف كيف سقطا بأمر كهذا دون التأكد من الخامات وسجل الشركة الموردة". 


 رد سيف بضيق:

" نعم وانا مثلك استغرب من وقوع عمي أمين بخطأ كهذا، كيف لم يسأل بشكل كافي عنها كيف يستلم بضاعة دون التأكد من صحتها وموافقتها للشروط ". 


سألته شهرزاد بحزن:

 " هل كان على شريف القيام بهذا لولا انشغاله بتجهيزات الزفاف".


_" لا شريف بعيد كل البعد عن تلك الحوارات، هو فقط يرضي والده بالذهاب بآخر المطاف للتوقيع بعد أن كتب والده كل شيء باسمه منذ سنوات تأملا بسحبه إلى جانبه دون فائدة، فجميعنا يعلم حب شريف للمجال التعليمي والأدب العربي وقاعات المحاضرات". 


………


 خرجت ناهدة من السرايا مصطحبة معها كل الأولاد بناء على طلب فهميه ان لا تبقي باهي خلفهم لما حضرته لهم من حلويات و أطعمة لذيذة.


صعد البدري للأعلى وهو يفكر بأمر المدارس ضاغطًا على شفته السفلى، دخل غرفته ليتفاجئ ببكائها صُدم من حالتها لتكون أول كلماته التي خرجت منه بطعم الضيق:

 " ليس لهذه الدرجة هل يستدعي حديثنا لبكائك، وايضا انا لم افرض عليكِ شيء، كما تريدين فلنذهب ونضعهم لكِ بالمكان الذي اخترتيه".

 

جلس على فراشه مكملا بضيقه:

 " استغفر الله العظيم، حزنت الآن منكِ فأنا لم انتظر بكائك".

 

مسحت فاطمة دموعها مدافعة عن نفسها: 

" لم أبكي لأجل مدارس الأولاد". 


قلق متسائلا باهتمام:

 " مما بكيتي إذا؟ هل من ناهدة وكلامها معك؟".

 

نزلت دموعها من جديد الصدمة بجوابها:

" شريف دخل السجن".


تفاجأ. ردًا عليها بنبرة دهشته: 

" هل تم احتجازه في روما، ماذا فعل ليحتجزوه؟ من المؤكد أنه اخترق القوانين دون أن يعلمها لا تقلقي أكثر شيء يستطيعون فعله هو ترحيله". 


_" لا ليس بروما تم التحفظ عليه هنا في مصر بدلا عن والده، اليوم عُرض على النيابة بقضية حيازة مواد او خامات غير مطابقة للمواصفات في مصنعهم هذا ما قالته أمي لي".

 

وبنبرة تأثره تحدث البدري:

 " لا إله إلا الله، وكيف حدث هذا من أين أتت لمصنعهم أم أنهم يعملون بها وتم الإبلاغ عنهم من قبل شركائهم".


دافعت توته عن زوج اختها:

 " من المستحيل قبول شريف بشيء كهذا، لعل والده يعلم بوجودها ولكن شريف مستحيل" 


تنهد البدري بحزنه قائلا:

 " والآن ماذا سيفعلون هل بيدي شيء استطيع مساعدته به".


 ردت توته بحزنها:

" تقول شهرزاد أن عائلته تسعى جاهدة لإخراجه".


حدثها ليطمئنها قائلا:

" لا تقلقي هذه القضايا من السهل الخروج منها إن كان هناك واسطة قوية خلفهم ستنتهي بكفالة كبيرة وخسارة مادية دون عقوبة قضائية".


تحركت توته بجلستها موجه قبلتها تجاه زوجها دون أن تعي اقتراب تلاصقها منه قائلة: 

" يؤلمني قلبي على قولها انها بخير، حتى حين سألتها عن الجامعة اخبرتني انها لا تهتم بأمرها فليحدث ما يحدث المهم لديها خروجه وعدم معاقبته بذنب لم يقترفه".


رد عليها بعينيه العالقة على قربها منه قائلا:

  " نعم لأنها بنت أصول، إن فعلت عكس هذا كنت تعجبت منها". 


نزلت دمعة جديدة منها وهي تنظر له قائلة:

" انت لم تستمع لصوتها. تكذب عليّ تقول انها بخير وداخلها يتألم انا اعلم هذا الصوت جيدًا". 


 حدثها بحزنه على ما جرى:

" بماذا يفيد بكائها الآن هل تنتظرين منها أن تضعف وتغلق على نفسها منتظرة عودته، من خبرتي وبقدر معرفتي المحدودة بها هي شخص لا ينكسر ولا يهزم بسهولة كالمحارب في ساحة المعركة تنهال عليه السيوف وتخترق جسده بعضها وهو صامد يتصدى لها رافضًا الهزيمة والانسحاب".


مسحت توته دموعها من جديد قائلة:

 " دموعي لا تتوقف قلبي ينغزني كلما تذكرت زفافهم وضحكهم".


_" وحدي الله يا فاطمه لا تتركي نفسك للشيطان انهضي وتجهزي لنذهب لتسجيل الأولاد في مدارسهم أولا ومن ثم نفكر كيف نساعدهم، الهواء بالخارج سيريح قلبك ويهدئ منك، هي بحاجة لمساندتك لا بكائك".


رفع يده من الخلف كي يضعها على ظهرها ليهدأ منها او يدخلها بحضنه ولكن تراجع خوفًا من ردة فعلها، وقف نظرًا لها بحسرة رغبته الشديدة باحتضانها ليهون عليها قائلا:

" سأتركك لتبدلي ملابسك كي نخرج بعدها". 


وقفت بسرعة قبل تحركه متسائلة:

 " بأي مدرسة سنسجلهم؟".


اخذ نفسًا غميقًا محاولا إيقاظ عقله وتثبيت قلبه الذي خفق من شدة قربهما لها قائلا دون رضا عن ما سيقوله:

" لا تقلقي سيحدث ما تريدين، سنسجلهم بمدرستهم السابقة".

 

أجابته بفضول وتفاهم قائلة:

" إن كانت سيئة لهذه الدرجة فلنغيرها لأخرى ولتكن الجديدة الخاصة باللغة الإنجليزية فقط، قريبة منا والاهتمام سيكون عالي بها لأنها جديدة وصاحبها من العائلات الكبيرة بالصعيد". 


فكر البدري بما قالته لتكمل هي:

 " لا اريد تفريقهم سيؤثر ذلك على علاقتهم، علينا أن نختار حل وسط لأجلهم التعليم الخاص أصبح مهم جدا للأولاد، حسنا الحكومي جميل وهناك مدارس رغم قلتها إلا أنها مميزة وتخرج أجيال لا بأس بها، ولكن ما دمنا نستطيع تقديم الأفضل لهم فلماذا لا نفعلها".


تحرك البدري قائلا:

 " هيا تجهزي. لنكمل حديثنا على الطريق كي لا نتأخر وينتهي وقت العمل، المدرسة بعيدة جدا وكأننا على طريق سفر".

خرج من غرفته لينزل للاسفل وهو يفتح هاتفه قائلا:

 " استاذنا الغالي كيف أصبحت، نشكر الله جميعنا بخير تسلم، تسلم، اريد ان اسألك عن مدرسة فهيم أحمد الجديدة سمعت عنها وافكر ان احجز للأولاد بها"


…………..


غضب أمين الحلو من ذكري سالم الذي لم يرد على اتصالاته متخليًا عن مساعدته، تحدثت زيزي قائلة:

 " مع الاسف هذا ما يحدث حين يسقط أحد بهذا الوسط و يحتاج لمساعدة".


هز أمين رأسه بضيق تحدث به: 

" تتساقط الوجوه وكلا منهم يبحث عن مصلحته خائفون من ربط أسمائهم بنا".

 

تحدثت شهرزاد معقبة على حديثهما:

" وما العمل الآن ألا يوجد سواه ليساعدنا".


تحدثت زيزي بخيبة أمل:

 " مع الأسف كان ورقتنا الرابحة فهو الاقوى من بين معارفنا".


……


ابتسم وجه فاطمة حين رأت سيارتهم تصف أمام المدرسة الخاصة الجديدة، نظرت له بفرحه كبيرة قائلة:

" هل اقتنعت بها"


نظر تجاه المدرسة مجيبًا عليها:

" اتصلت بإحدى الاصدقاء الموثوق بها كي أسأله عنها، للأمانة أكد على كلامك كأنكم متفقين على نفس الكلام، ولما الكذب اقتنعت وقررت أن لا افرقهم عن بعضهم كي يصبحوا يد واحده داخل وخارج المنزل".


ردت بسعادتها:

" أعدك أن لا تندم على قرارك".


ضحك بقلبه المحب لها مجيبًا عليها:

" اثق بكِ ولكن علينا أن لا نثق بهم زيادة عن اللازم"


حرك رأسه مكملا :

" هيا كي لا نتأخر، لا تنسي أمر تركنا الصغيرة مع سيد بالمزرعة، أشعر وكأني اسمع صراحه من هنا".


تحركت ونزلت من السيارة مقتربة منه مشبكة يدها بذراعه فور اقترابها منه دون أن تنتبه لنفسها، ورغم أنها فعلتها بعفوية كبيرة عائدة لطول العبائة وخوفها من تعثرها بالسير إلا أنه فرح وطار يرفرف من سعادته، من يرى وجهه وشموخه وثبات خطواته يستطيع قراءة فرحته الكبيرة.



مر الوقت وكأنه لا يمر على عائلة الحلو، كانت القلوب تغلي على صفيح ساخن يفكرون كيف سيخرجون من أزمتهم دون الوصول لحل، حتى فرغ شحن هواتفهم من كثرة محاولتهم وتحدثهم مع أقاربهم الذين كانوا يواسونهم بحزن.


خرجت شهرزاد من المطبخ وبيدها صينية كؤوس عصير الليمون بالنعناع، نظرت زيزي لها لتسألها وهي تضع يدها على رأسها من شدة الألم: 

 " أين نعمة عنكِ".


ردت شهرزاد وهي تعطيها العصير:

 " ذهبت لتصلي انا من أجبرها على ترك الصينية لي بعد ان حضرته وطلبت منها ان تدعو بصلاتها أن يفرجها علينا قريبا".

 

ردت زيزي بنبرة غريبة وجديدة على شهرزاد

 " ليسمع منها الله، يارب يتقبل منا جميعًا".  


اقتربت شهرزاد من أمين واعطته كأس عصيره بعد أن ضغطت عليه وأخبرته أنه مفيد لحالتهم كي يهدأوا و يستطيعوا التفكير بشكل جيد، جلست أمامهم تنظر لهم بحزن كبير فهم حقا لا يستطيعون ابتلاعه مثله مثل حالتهم بتناول الطعام.


طلبوا منها أن تدخل غرفة شريف لتنام ، رفضت ما يقولون مصرة على انتظار اتصال المحامي، تحدثت زيزي قائلة: 

" لا اعتقد انه سيتصل بعد الآن ادخلي لتنامي ونحن ايضا سندخل لننام، كان اليوم ثقيلا علينا جميعا لنرح أجسادنا ورؤوسنا كي نستطيع المواصلة بالغد".

 

وأمام حديثهم واصرارهم تحركت لتدخل غرفته التي كانت تهرب منها كي تنام بها، تذكرت حلمها وصوته وهو يطلب منها أن تكمل له روايتها نزلت دمعة بحرارة النيران المشتعلة بصدرها وهي تشعر باحتضانه لها ارتجف قلبها شوقا وحزنا عليه.


………….


فار الدم بعروق ناهدة عند رؤيتها للبدري وهو عائد مع زوجته يمازحها بحديثه الذي لا يسمعه غيرهم.


ركض الأولاد نحوهم كلا بطلبه وسؤاله، بينما انحنت توته كي تحمل الصغيره فور رؤيتها لها مقبله وجهها وهي تخبرها عن ما اشترته لها من ملابس جديدة.


رد البدري على الأولاد وهو يمد يده نحوهم كي يأخذوا منه حقائب الملابس المدرسية قائلا: 

" لا تخافوا اشترينا لكم جميعا، لنصعد للأعلى كي نتأكد من المقاسات عليكم، أكد علينا مدير المدرسة بسرعة التبديل لوجود عجز بالكمية الموجودة حتى يستلمون المزيد من المصنع الأسبوع المقبل".


تحدثت ناهدة وهي تنظر إلى الألوان المتشابهة بزي المدرسة قائلة:

" بأي مدرسة سجلت الأولاد"


صمتت توته بينما أجاب البدري بفرح شارحًا لها تميز وجودة واهتمام الجميع بالمدرسة الخاصة الجديدة.


مما زاد ذلك من غضب واحتقان ناهدة قائلة:

" ليكن خير، سنجلس ونرى الخير الذي يعم علينا من وراء …


لم تكمل حديثها مبتعدة عنهم كي تجيب على هاتفها صارخة بوجه المتصل قائلة:

" ما بك هل سنهرب، تعيد الاتصال تعيد الاتصال لا عقل يخبركم أننا لن نهرب لمكان بعيد".


استغرب الجميع من ردة فعلها فهاتفها لم يرن سوى مرة واحدة أجابت بعدها على أختها دون تأخير.


صعدت توته وهي حاملة الصغيرة متحدثة مع الأولاد عن جمال مدرستهم والفصول والملاعب المغلقة منها والمفتوحة.


بينما أعطى البدري باقي الحقائب لصفاء كي تضعها بالاعلى وذهب ليستقبل المحامي الكبير بغرفة الضيافة متأملا ان يجد حلا لمشكلة شريف.



 اتصل بشهرزاد ليستفسر منها عن بعض التفاصيل ليجيب على أسئلة المحامي الذي تواصل مباشرةً مع شهرزاد عبر الهاتف محاولا إيجاد أي ثغرة تخرجهم من مأزقهم.


ومع طول الحديث وإخراج المحامي لأكثر من حل تحدث به من سبقوه استأذن هو متمنيًا أن يجدوا مخرج لازمتهم.


وفور دخوله السرايا تحدثت ناهدة معه وهي جالسه بالصالون متسائلة عن موعد عودته للعمل، ضحك بجوابه عليها: 

" هل سئمتي من وجودي يا زوجة أخي؟، اتركينا لنرتاح مرة كل أربعين عام، والله إن كان عليّ أبقى على هذه الراحة لباقي عمري".


ضحكت جميلة بخجل قائلة:

" من حقك يا كبير ارتاح وتمتع باجازتك مع عروستك".


سعد البدري وابتهج وجهه وهو يستمع لجميلة ناظرًا لزوجته التي كانت تنزل الدرج بملابسها التي رغم بساطتها الا انه خطف عيونهم، اشتعلت الغيرة بقلب ناهدة لم تكن غيرة فقط بل نار تأكل قلبها كلما رأتها في السرايا أمامها بل وكلما لمست تعلق وحب البدري لها.


 اقتربت فاطمة من مجلسهم، تحدث البدري وهو يحرك كف يده على الاريكة بجانبه قائلا بفرح:

 " تعالي يا فاطمة اجلسي بجانبي".


أكملت سيرها ملبية طلبة بجلوسها جواره دون كلام، نظرت جميلة لها متسائلة:

 " طمنينا هل تحدثتي مع اختك؟".

 

ردت توته بحزن:

" نعم حدثتها قبل قليل لا جديد تقول بخير والمحامين يسعون".

 

واساها زوجها بنظرته لها قائلا: 

" أزمة وستمر لا تحزني، طمأنا المحامي قبل قليل الموضوع مسألة وقت لا أكثر".


قاطعت ناهدة نظراتهم وتأثر البدري بحزن زوجته على أختها، قائلة:

" سبحان الله قدر الله وماشاء فعل، اقول لنفسي يا ليت الزفاف تأخر قليلا حتى لا تسقطوا بما أنتم به الآن، الله عليم كم سنة ستنتظر وتحزن المسكينة".

 

تفاجأت توته بما سمعته ردت بخوف علا نبرتها المسرعة:

 " معاذ الله سيخرج قريبًا هو لم يفعل شيء ليعاقب عليه".


رد البدري بثقة رجل حكيم:

 " لن يخزيه الله. أنا أثق بعدل الله الذي ملأ السموات والأرض، الرجل قطع متعته وعاد مسرعًا ليفعل ما فعله وحمل ما لا يتحمله الكثيرون لأجل بر والده". 


قاطعته ناهدة قائلة:

 " ولكنه مدان ألم يكن مع والده بوقت توقيع الصفقة؟! كيف لم ينتبه كما تقولون؟!".


تحدثت فاطمة بصوت خرج حدته من داخلها دون حسبان:

 " لا داعي لتزيين الكلام اخبريني مباشرةً ماذا تقصدين، تحدثي ليرتاح قلبك".


نظر البدري متفاجئ بقوة صوتها، لم يتوقع رد ناهدة السريع عليها:

" ما بكِ؟، لماذا تحدثيني بهذه الطريقة؟، هل كلمة الحق تحرق لهذه الدرجة؟".

 

وقفت توته مندهشة مما تسمعه، قائلة:

 " هل كلمة حق؟، اعتذر منكِ ولكنكِ بهذا تعديتي الحق واقتربتي للوقاحة".

 

انصدمت البدري لما وصل له الحديث، وقف سريعا متحدثًا بعينه المتسعة: 

" ماذا تقولان؟".


تحدثت ناهدة بقوة :

" ماذا نقول إن ماذا تقول زوجتك؟"


تركتهم فاطمة صاعدة للأعلى، ناداها زوجها ولكنها لم تستجب له استمرت بصعودها، وقرب دخولها الساتر العلوي تملكه شيطانه ليعود لمناداتها بصوت أعلى:

 " فاطمة اقول لكِ تعالي إلى هنا".


 لم يكن شيطانه فقط من تملكه فهي ايضا عاندت ورفضت أن تطيعه وتعود لتستمع لما يريد قوله.


تحرك بغضبه ليصعد خلفها بسرعة وقوة جعلته ينصدم باصطدامه بها حين تفاجئ بها تقف خلف الساتر، وبدون مقدمات تحدث بغضبه منها:

 " ناديتك ولم تردي عليّ".

 

ارتجف وجهها من شدة محاولتها البقاء صامدة ثابتة أمامه وهي ترد عليه:

 " لأنك ستدافع عنها أمامي وتبرر صفاء نيتها".

 

اشفق على حالة وجهها المرتجف المتوهج بحمرته وعيونها الثابتة أمامها قائلا: 

" بكل الأحوال كان عليكِ أن تلبي ندائي وتقفي لتدافعي عن حقك".


كاد الدمع أن يفر من عينيها قائلة:

 " لا داعي للدفاع او التحدث بكل الأحوال لن يشعر بي أحد".


اخذ نفسا عميقا آخر متحدثا بضيقه: 

" كيف لا يشعر بك احدًا، انا ايضا حزين على وضع اختك واعلم ما انتم به من حزن ولكن ما فعلتيه عيب بحق سلفتك وبحقي كونك لم تضعي اعتبار لوجودي وفعلتي ما فعلتيه".


نزلت دمعتها أثناء جوابها عليه:

" حسنا أنا المخطئه اعتذر منك".


 وتحركت مقتربة من الساتر قائلة:

 " سأذهب لأعتذر منها هي أيضا".


فتح ذراعه ليمنع خروجها:

" استهدي بالله إلى أين ستذهبين وأنتِ بهذه الحالة".


وضعت يديها على ذراعه كي تسقطه من أمامها لتكمل سيرها، لم يتحمل بكائها وقولها

 " انا المخطئة، انا السيئة".


حرك ذراعيه ليحاوطها بهما وهو يسحبها لحضنه، ازداد بكائها وآآهات حزنها التي خرجت لتهز أركان قلعته.


لم يطرأ على خاطره أن يكون هذا حال حضنهم الثاني من بعد صباح عقده الروحي عليها.


كان كفه الأيمن يحتضن رأسها المدفونة بصدره وكفه الأيسر يحنو على ظهرها متمنيًا ان يبرد هذا من نارها، أخفض رأسه متحدثًا بجانب اذنها: 

" استهدي بالله يا بنت الحلال كفاكِ بكاء، سيخرج وتسعد اختك وتعود المياه لمجاريها".


تأمل أن تصمت وتهدئ بكلامه إلا ان دموعها لا زالت تتساقط داخله مسلمة روحها له دون خوف او ابتعاد او حتى خجل، من يراها يعتقد انها كانت تنتظر تلك اللحظة التي ستلقي بروحها وحزنها على أعتاب شاطئه الأخضر.

يتبع

author-img
أمل محمد الكاشف

تعليقات

تعليقان (2)
إرسال تعليق
  • غير معرف21 أكتوبر 2025 في 9:08 م

    إبداع لايجب ان يتوقف بالتوفيف

    حذف التعليق
    • غير معرف22 أكتوبر 2025 في 12:02 ص

      روعه تسلم ايدك حبيبتي اشتقنا لهذه الرواية

      حذف التعليق
      google-playkhamsatmostaqltradent