recent
جديدنا

الليالي المظلمة ٢ الفصل الخامس

Wisso

 

                    الليالي المظلمة الجزء الثاني 

                            بقلم امل محمد الكاشف 




رفض أورهان سفرها ليشتد الحوار بينهما، قلقت فضيلة من تصاعد غضبهم و اصرارهم الغريب كلا منهما يريد السفر ومنع الآخر بأي شكل كان..

تحدثت سيلين بخوف

" ان ذهبت أنت خلفه انا لمن سأعيش وكيف سأعيش بعدكم"

وهو يرد عليها

 " لن تستطيعي تحمل بقاءكِ هناك ، كل شبر  سيذكركِ و يعذبكِ به، ستتألمين وتنتهين وحدكِ انا لن اقبل بهذا " 

اقترحت فضيلة عليهما أن يذهبا سويًا وحينها لن تخاف سيلين على أبيها الروحي.

كان حل مرضي للطرفين وافقا عليه ليقول لهم أورهان 

"ولكن لا يمكننا قبل يوم الجمعة المقبل علي ان احضر اجتماع هام لتهيئة مجموعة رجال الأعمال للاجتماع الدولي مع سيادة الرئيس"


ومن جديد حاول زهير اقناع اورهان للبقاء هو بتركيا ليدير الأعمال ويتركهم للسفر و تولي مهام المشروع هناك. 


رفض اورهان بشكل قطعي لتعارضه فضيلة وتخبره بأن زهير محق و عليه ان يبقى لتولي أعمال الشركة و الاجتماعات من قبل رجال الرئاسة بجانب القصر والاولاد، حاولت أن تضغط عليه للبقاء فهو ليس بخير صحيًا و نفسيًا بخلاف الضغوط والالتزامات الكثيرة التي عليه توليها بهذه الفترة.


رد اورهان على فضيلة  

 " كم مرة سأكرر ما قلته لكِ! أنا لا أثق بهذا الرجل، يكفي أنني سأتحمل مرافقته طوال ذهابنا وعودتنا" 

تضايقت فضيلة من كلامه تحركت وجلست بجانبه على فراشهم قائلة

"من جديد تقول ما لا يفهم، هرمت وأنا أسألك ما به زهير ماذا فعل لك كي لا تثق به؟ وأنت لا تعطي لي أي إجابة مقنعة" 

رد اورهان بنفس رده عليها وعلى يوسف في السابق قائلا

"لا اعلم، لا اثق به هذا ما اشعر به، ولولا أنه النائب عن أعمال شاهين بالشركة ما كنت سأبقيه، ولكن توجب بقاء شاهين بسويسرا على رأس شركتنا يجعلني أتحمل وجوده رغم عني وإلا كنت انهيت الامر منذ سنوات "


استلقت فضيلة على فراشها وهي ترد عليه

 " سيأتي اليوم وتعلم ان كلها هواجس لا صحة لها وانك تظلمه"

تحرك اورهان بجلسته على فراشه لينزل هو ايضا ويستلقي تحت غطاءه قائلا

" وان حدث هذا لا يغير ما اشعر به، الله الله لا اتحمله ماذا افعل "


اعطته فضيلة ظهرها وهي تقول 

" عنيد، ان تحدثت من اليوم لعشرة سنوات قادمة لن تقتنع ولن تغير ما بداخلك "

اقترب منها بنومه واحتضنها من الخلف بوجهه المبتسم ليقول

 " نعم انا كذلك ان أغلقت قلبي اتجاه احد لا يمكنني فتحه مرة أخرى، ولكن ان فتح وسرق من قبل أحدهم لا يمكنني استرداده" 

 مال عليها ليقبلها ضحكت فضيلة وهي تبتعد عنه قائلة

" كاذب، تفعل هذا كي تغير الحديث" 


دغدغها من خصرها وهو يقول

 " هل كاذب، هل انااااا" كان صوت ضحكاتها تغلب على صوته حتى قُطعت بفتح الباب عليهم من قبل تولاي الذي وقف ينظر نحوهم بصمت.. 

جلسا لينظرا نحوه تحدث أورهان وهو يقول "ما بك يا أسدي! ما الذي يوقظك حتى الآن؟"


تحركت فضيلة نحو حفيدها

"بني ما بك، لما انت صامت" 

امسكته لتقربه من حضنها وتمسح على رأسه لتنزل دمعة من عيون تولاي وهو يرد على أورهان الذي كرر اسئلة مشابه لأسئلة فضيلة قائلا

 " لا أعلم، لا استطيع النوم نزلت للأسفل و وجدت نفسي آتي الى هنا "

ردت عليه فضيلة وهي تمسح دمعته  

" لا تحزن حدث هذا لأنك نمت قليلا في منتصف اليوم، ولكن عليك أن تعود لنومك تأخر الوقت كثيرا، هيا انا سأتي معك واجلس بجانبك حتى تخلد بنومك "


رفض اورهان واخذه منها ليضمه له وهو يسير به نحو فراشهم قائلا

" نعم عليه أن ينام، ولكنه سينام بجانبنا الليلة" 

صمتت فضيلة وهي حزينة على وضع صغيرهم رفعه اورهان على فراشهم الكبير المرتفع انتصف تولاي الفراش ليحتضناه بنومهم وهم يسمعون صوته الصغير وهو يقول لهم " اشتقت لأبي" 

دمعت أعين فضيلة ليقول اورهان

 " وهل لك ألا تشتاق.. ستشتاق بالطبع.. وستظل تشتاق ما دمتُ تتنفس بهذه الحياة.. ولكننا سنشتاق بقلوب مؤمنة راضية بقدر الله.." 

ردت فضيلة لتقول لصغيرها وهي تحتضنه  نحوها أكثر

  " ألم أقل لك انه بالجنة سعيد وفرح ينظر إلينا كل يوم بقلب مطمئن"

جاء تولاي ليرد ولكن قطعه صوت فتح الباب من جديد، رفع أورهان رأسه من على وسادته ليجدها لي لي جلس على فراشه وهو يمد يده نحوها قائلا 

" تعالي يا ابنتي، ما بكِ؟ هل انتِ ايضا لم تستطيعي النوم" 


هزت لي لي رأسها بالنفي قائلة

 " لا، كنت نائمة و لكني قمت لأدخل الحمام وحينها سمعت صوت باب غرفة تولاي يفتح، ذهبت لأطمئن عليه ولكني لم اجده فجئت ابحث عنه" 

ضحكت فضيلة وقالت 

"لتجديه أخيرًا في مكانه المفضل، فمنذ صغره يتحجج بأي شيء لينام معنا "

اقتربت لي لي منهم بعد ان اغلقت الباب خلفها وهي تقول لهم بوجهها المبتسم

" هل يوجد مكان لي "

فتحت فضيلة ذراعها وهي ممسكة بالغطاء قائلة

"نعم إن اسرعتي "

فرحت واسرعت لتركض قافزة بحضن فضيله التي احتضنتها بيد واليد الاخر تحتضن تولاي ليقول اورهان

" هل أهدر حقي الان" وغمز لتولاي الذي فهم الأمر لتجد فضيلة نفسها ساقطة كالفريسة بين يديهم تضحك و هي تحذرهم أن يكفوا عن دغدغتها.

فجميعهم يعلم نقطة ضعفها ويضغط عليها بها، ولكن هذه المرة فعلها كي يخرج الاولاد من حالتهم و اضحاكهم قبل نومهم.


نجح الامر ونام الاولاد بسلام وامان، بخلاف ما كان يحدث بالقصر المخيف حين  حوصر بالكثير من الرجال المسلحين.


دخلت دينيز بخوف وذعر لغرفة فيروزة وهي تقول

 " سيتم اقتحام القصر.. لا يمكننا الوصول لنعمان بيه.. هاتفه خارج التغطية" 

ذعرت فيروزة ورفعت ابنها النائم من على فراشها وهي تحتضنه بقوة، غضبت دينيز عليها وأمرتها بصوت مرتفع قائلة 

" اتركي الطفل الآن و غيري ملابسك، سيقتحمون المنزل لا يمكنهم رؤيتك بهذه الثياب، وإلا سيسوء الأمر عند عودة نعمان بيه "

 من صدمتها بالخبر نسيت امر ملابسها وحجابها و ضعت طفلها على الفراش وهي تركض لغرفة الملابس مرددة

" اللهم احفظنا، اللهم احفظ ابني نجه من المخاطر"

اقتربت دينيز لنافذة الغرفة بحذر وهي ترفع طرف الستارة كي تنظر بوجهها الاحمر المذعور للوضع بالخارج، لتجد انهم اخترقوا اجهزة الامن و بدأوا باقتحام اسوار القصر وهم يفرغون ذخيرة أسلحتهم بصدور رجال الأمن،  لتخرج من الغرفة وهي تقول بصوت يصل لأذان فيروزة 

" لقد تم الاقتحام، أصبحوا داخل القصر"


خرجت دينيز من الغرفة واغلقت بابها  وهي تصرخ بالنساء أن يدخلوا غرفهم ويغلقوا عليهم.. 

و تحركت منطلقة بعدها لغرفتها وهي تغلق عليها بقوة واضعة منظم ادراج كبير على بابها. 

اقتحم فواز ورجاله القصر منتشرين بأرجائه باحثين عن زوجة نعمان وابنه، أخرجوا جميع النساء و سألوهم عن زوجته دون أن يجيبه أحدهم من 

انهارت امرأة كبيرة منهم وهي تشير على باب غرفة فيروزه قائلة 

"هناك، هناك، لا اريد ان اموت، اتركونا" 

عاد الرجال للغرفة مرة اخرى للبحث دون جدوى فهي الغرفة الوحيدة التي لم يجدوا بها احد، امر فواز رجاله أن يفتشوا جميع غرف القصر والزوايا وكل شبر به مرة اخرى.. 


استغربت دينيز كيف استطاعت فيروزة الاختباء  بهذا الشكل الجيد، كانت اعينها تراقب الغرفة تحسبًا لخروجها مع الرجال بأي لحظة، غضب فواز وافرغ سلاحه بسقف القصر لعدم وصوله لهدفه.

تم الضغط على دينيز و وضعها بغرفة لوحدها بعد تأكدهم من وضعها القوي بالقصر ولكن حتى هي لا تعلم أين اختبأت فكانت حقًا 

بغرفتها..


أمر فواز رجاله بترك المكان ، وخرج من القصر وهو غاضب لعدم استطاعته أسر زوجة نعمان و ابنه، صعد سيارته وهو يتصل بأبنه الذي انتصر على نعمان و رجاله و حاوطهم بمبنى شركته، دون ان يرد عليه كرر الاتصال اكثر من مره ليتفاجأ بنعمان افاي هو من يرد عليه بصوته القوي الغاضب قائلا

 " لم تحصل على ما تريد ولن تحصل عليه ما دمت حيًا، لقد اخطأت خطأ عمرك. أعدك أنك ستدفع ثمن هذا اليوم غاليًا، ستدفع ثمن اللحظة التي راودتك نفسك بها ان تذهب لقصري، ستدفع هذا الثمن غاليًا" 

ارتبك فواز وسأله 

 " اين سافاش ، ماذا فعلت به" 

نظر نعمان نحو ابن فواز وهو يقول

 " سيبقى لدي حتى اجعلك تندم على ما فعلته" 

حذره فواز وهو يقول

" لا يمكنك فعل شيء به، اهدم عليك دنياك "

ضحك نعمان وقال

" نعم واليوم كانت اولى خطوات الهدم ولكن ليست دنياي بل دنياك" 

وبحركة غير محسوبة من ابن فواز رفع سلاح وكاد أن يطلق على نعمان ولكن سرعة انتباه نعمان له وإطلاق النار قبله مما جعل سافاش يسقط طريحًا ارضًا، تحرك رجال سافاش ليدافعوا عنه لتنتهي حياتهم هم ايضا.


صرخ فواز بالهاتف وهو يهدد، دون صوت من نعمان و رجاله الذين كانوا مصدومين مما حدث، اغلق الهاتف و ألقاه ارضًا ليقترب سنان قائلا

 " كان عليك ان تصيبه بأكثر من مكان غير قاتل، لما فعلت هذا"


لازالت أعين نعمان القوية على جثمان سافاش، تحرك سنان وأمر الرجال أن يغادروا المكان بسرعه.. 

تحدث نعمان بنفس قوته ليقول

 " لم اكن اريد حدوث هذا، ولكن من الجيد حدوثه حتى يعلم خطورة ما فعله و يكون عبرة لغيره "

رد سنان وهو يلتفت حوله 

" انت تعلم حساسية الأمر سافاش ليس رجلا عاديا ليقتل بهذا الشكل، ولكن علينا ان نسرع بترك المكان ومن ثم نجلس ونفكر ماذا سنفعل" 

أمر نعمان مجموعة رجال بالذهاب للقصر و افراغه من النساء ، و نقلهم لمنزل اخر اكثر حراسة، تحدث سنان وهو يقول

 " ماذا عن فيروزه هانم و الطفل" 

رد نعمان وقال

" و هل تعتقد انني سأتركهم فرائس لهذه الوحوش "

وتحرك ليصعد سيارته بقوة و شموخ، صعد بجانبه سنان وهو مصدوم من غموض نعمان وصموده وثباته.. 

(نعم أعطي سنان الحق بصدمته و تفاجئه  بهدوء وثبات  نعمان على زوجته وطفله ولكن كيف سيخاف وهو يأمن عليهم بشكل لا يخطر على عقل احد).


فلاش باك⏳


خرجت دينيز من الغرفة وهي خائفة أغلقت على فيروزة التي أخذت طفلها بحضنها بعد ان ارتدت ملابسها و اقتربت من رف كبير بغرفة الملابس دخلت به وهي تضغط ببصمة يدها على أكثر من موضع غير مرئي لها.

 

حركت بصمتها على عدة اتجاهات حتى فُتح باب سرداب مظلم امامها، دخلت به و ببصمة يدها مرة اخرى ضغطت على عين الأرنب المرسوم على الحائط ، ليغلق السرداب عليها توقعت فيروزة انها ستبقى بهذا المكان الصغير المظلم حتى يأتي نعمان و يخرجها، ولكنها ذعرت عندما شعرت بنفسها تهبط ببطء يكاد ان لا يشعر به.. 


لتصل لغرفة أضاءت بمجرد نزولها بها، لم تتحرك من مكانها لعدة دقائق فهي بحالة ذعر وخوف محتضنه ابنها المريض و أعينها تترقب المكان حولها، قررت بعد دقائق ان تتحرك بخطوات بطيئة مهزوزة  لتستكشف الغرفة التي زودت بأدوية الطفل و ملابس له من عمر يوم لستة سنوات و ملابس لها و مأكولات مجففة و طعام معبئ للطفل وكأن هذه الغرفة يتم تجهيزها وتزويدها بالاحتياجات كل شهر بعناية شديدة وترقب لهذا اليوم.


اقتربت فيروزة من الفراش الجانبي وهي تضع يدها لتلامس الغطاء قبل أن تجلس عليه معتقده انها ستغرق بتراب غير مرئي، ولكنها لم تجده كذلك وكأنه يعلم موعد التجائها لها.

 صعدت على الفراش و هي تخبئ طفلها بحضنها خوفًا عليه و على نفسها.

......... 

 بالخارج ومع صباح جديد كانت الأمور قد تفاقمت و كبرت حتى خرجت عن السيطرة حين تأكدت الشرطة من تورط نعمان بقتل سافاش 

حدث هذا من شهادة بعض الناجين بإصابات خطيرة إثر هذا الحادث و تصوير احد الرجال لما حدث كتوثيق يرتفع به لدى فواز ولكنه لا يعلم أنه سينتهي عمره وسيسقط الفيديو بيد الشرطة لتصبح هذه الحادثة أول سابقة قتل مؤكدة ضد نعمان

............ 

بقصر الفولاذ كانت سيلين تحضر حقيبة سفرها بعد أن قدم أورهان موعد حجز الطائرة وجعلها في اليوم التالي لسفر زهير للنيجر. 

سافر قبلهم بحجة تهيئة الامور هناك قبل مجيئهم وهذا ما زاد الشك بقلب اورهان، تجمع أبنائها بجانبها رافضين سفرها بدونهم، ليزيد هذا من ضيقها وخوفها من السفر و عدم رؤيتهم مرة اخرى، بعد ان أصبح السفر بالنسبة لها فراق و نهاية الطرق.


وعدتهم بان تعود إليهم في أقرب وقت وبررت عدم أخذهم معها لاقتراب موعد الامتحانات.

  يأسوا من اقناعها ذهبوا لغرفة جدهم اورهان بعد ان اتفقا ان يقنعوه بسفرهم معه.


ولكنهم فشلوا بهذا أيضاً حين وجدوا فضيله تعارض سفره وتحاول اقناعه بترك والدتهم تسافر وحدها ويهتم هو بوضع الشركة والاولاد ومدى احتياجهم له خاصة أنهم سيخوضون مسابقات مهمة بالفنون و الملاكمة بأخر الشهر الجاري . 

غضب اورهان لتكرارها نفس الحديث

" لماذا تتحدثين معي انا، اذهبي واقنعيها هي بالبقاء" 

ردت فضيلة غاضبه على غضبه وصوته العالي قائلة 

" تعتقد انني لم احاول و هي أيضا لا تفهم بالكلام ، فلتفعلوا ما تريدون سأصمت انا و احفادي، اذهبوا حيث تريدون سندير أمرنا بدونكم"


اغمض اورهان اعينه وتحرك نحوها وهو يحاول مصالحتها ولكنها ابتعدت عنه وهي تحذره من ازدياد غضبها وضيقها منهم.. 


هذا الغضب الذي لم يستطع منعهم و تراجعهم عن السفر. كل منهما يرى حقه بالسفر اكثر من الاخر بجانب  ان الاثنان خائفان  على بعضهما البعض.


صعدا الطائرة  وهم  حزينين  وكأنهم يصعدان  نفس طائرته ، بل وكأن روحه تحوم حولهم تخنقهم و تضيق صدورهم أكثر وأكثر وهذا ما جعلهم طوال الرحلة صامتين شاردين بالذكريات بأعينهم الشبه باكية... 

كان معهم على متن الطائرة السيدة سيفدا هانم و السيد فراس.

اطمأنت فضيلة حين سمعت صوت أورهان وهو يطمئنها فور نزوله من الطائرة،  أصبح لديهم ذعر وخوف من  المسافات البعيدة وخاصة بالطائرة

حزن اورهان على حالة ابنته و صمتها و وجهها الاحمر و عيونها الغارقة ببحور حزنها و ألمها.


تم استقبالهم من قبل زهير و السيد عيسى ايسفوا المدير المسؤول عن المشروع من جهة النيجر.

سُعد السيد عيسى برؤية أورهان على أرض النيجر، تبادلا السلام ليقول السيد عيسى بالإنجليزية  

" اهلا بكم بيننا، فرحنا كثيرًا برؤيتكم، كم طال هذا اللقاء. نتمنى ان تكون خطوات جيدة بالنسبة لكم ولنا" 

تحدث اورهان بيه باللغة الانجليزية ليرد عليه " شكرا لك، ونحن ايضا نتمنى هذا" 

اقترب زهير من سيلين وهو يسألها 

 " هل انتِ بخير، اعلم ان الامر غريب عليكِ حتى ما ستريه بالخارج اغرب واصعب و لكني بجانبكِ لا تقلقي "


لم ترد عليه كانت تنظر حولها فقط وهي تتفقد المكان بصمت، نظر زهير للسيدة سيفدا والسيد فراس مُرحبا بهم 

أشار السيد عيسى لأورهان والبقية  كي يخرجوا  من المطار، لينظر هو نحو ابنته قائلا 

" هيا يا ابنتي علينا ان نخرج" 

تحركا سويا خارج صالة كبار رجال الأعمال اقترب السائق ليفتح لهم أبواب السيارة  التي تنتظرهم  ليصعدا بها .

جلست سيلين بجانب أورهان بيه وبالمقابل  جلس السيد عيسى بجانب زهير كما صعد الآخرون بسيارة.

تحدث السيد عيسى وهو ينظر لأورهان قائلا

" سنذهب للفندق اولا تضعون حقائبكم و وترتاحون ومن ثم تتناولون طعامكم و تسترخون و غدا نلتقي و نذهب سويا لمبنى ادارة المشروع و من ثم الأراضي المزروعة لتروا بأنفسكم المشروع على ارض الواقع".


تحدث أورهان ليرد عليه 

 "لا وقت لدينا اريد استغلال كل دقيقة لي هنا لأجل المشروع "

ثم نظر لابنته وهو يقول

" أليس كذلك "

ابتلعت ريقها ورفعت عينها بجهد كبير لتنظر لاورهان قائلة

" نعم دعنا لا نخسر الوقت "


شرد بها وبحالها قليلا ليقول لها بصوت منخفض

 " ان اردتي اذهبي انتِ للفندق ارتاحي ومن ثم الحقي بنا "

رفضت سيلين ان تتركه و تذهب لأي مكان ليذهبا جميعا لمركز إدارة المشروع وهو مبنى من طابقين امامه مساحة واسعة محاطة بسور ليس بكبير وداخله مرفأ لسيارات المشروع والعاملين به و الآلات الكبيرة.


لفت انتباه اورهان هذا المنظر حتى أنه توقف ونظر نحو السيارات والآلات الحديثة والاخرى التي يظهر عليها الإنهاك و الاعطال.


اقترب منه زهير وهو يستغرب وقفته و اعينه التي تتجول على السيارات ليقول له 

 " هيا لندخل"

 نظر أورهان له مطولاً ثم نظر لابنته التي كلما طال الوقت كلما ساءت حالتها اكثر، وتحرك ليدخل المبنى وسط تجمهر العاملين وترحيبهم به.


لاحظ بالأرض شريطاً أحمر يسير عليه من الواضح أنه لم يخطو احدا قبلهم عليه، ثم نظر للإرجاء ليلاحظ طلاء الجدران الذي جف قريبا و الورود و الاطارات الكبيرة على الحوائط، وبداخل الغرفة الكبيرة وبقوته التي تطغوا على مظهره ترأس أورهان مكتب السيد عيسى ليجبر البقية على الجلوس أمامه ليبدأ بالتحدث بنفس قوته التي لم يتوقع  العاملين رؤيتها عليه من اول لقاء ليقول

 "تشرفت بمعرفتكم جميعًا، شكرا لترحيبكم و اهتمامكم بطلاء الجدران وتجديد مبنى ادارة المشروع ، ولكني كنت اتمنى ان تكون مقابلتنا الاولى مختلفة عن المظاهر و ظواهر الامور" 

رد السيد عيسى قائلا 

" لكل مقام مقال، هذا أقل ما يمكن فعله تعبيرا عن سعادتنا بوجودكم لدينا، كم حلمنا بهذا اليوم مطولًا"

شكره اورهان واكمل بقوة ليقول

" شكرا لك ولكن كنت سأسعد اكثر ان اهتممت بالآلات والمعدات التي خربت قبل استخدامها بعناية و جد لأجل النهوض بالمشروع "

رد زهير بالتركية ليقول

"هذا الامر لدي. لقد تابعت ملفها سابقا بإحدى الزيارات. واتضح عدم قدرتها على استمرار العمل وهي بهذه الحالة و اعطيت تصريح لشراء الجديد منها "

قاطعه اورهان بغضب قائلا بالإنجليزية ليفهم الجميع

" عذر اقبح من ذنب، سيحاسب كل من أهمل واخطأ و تهاون بهذا المشروع حتى وان كنت انا، الجميع سيحاسب واعتقد انني وضعت يدي على المشكلة التي جعلت الوضع يتراجع بهذا الشكل الملحوظ"


انصدم زهير من قوة اورهان ورده عليه بل واحراجه امام الجميع حين حدثه بهذه الطريقة وبالإنجليزية ليكون الحديث عام. 

تحرك أورهان طالبا من السيد عيسى

" اريد ان اذهب لموقع المشروع "

وقف عيسى وهو ينظر نحو العاملين قائلا

" هل الان؟ "

نظر له متسائلا

" من المسؤول عن قسم الحسابات؟ "

تقدم السيد أحمد وقال 

" انا سيدي المسؤول" 

اومأ برأسه قائلا

 " اريد جميع الحسابات من لحظة البدء بالمشروع حتى تاريخ اليوم" 

ارتبك السيد أحمد وقال

"اعتذر منك الملفات ليست جاهزة اليوم اتركني للغد كي احضرها لك وهم" 

لم يكمل حديثه حتى أمره اورهان ان يذهب لمكتبه ويحضر له جميع الملفات المتوفرة.


رد زهير وقال جميعها مرفوعة على الداتا الخاصة بالمشروع سأرسله لك فور وصولنا للفندق، رفض اورهان وطلب الملفات بحالتها الاولية وعلى الفور.


تحرك السيد احمد وهو بحالة غير مرضية، نظر أورهان لبقية العاملين وهو يسأل عن مسؤول شراء و توظيف الآلات والمعدات ليقول السيد عيسى وهو يشير لأحد العاملين بجانبه

 " السيد صادق المسؤول عن هذا الملف، بالطبع تحت متابعة و استشارة السيد زهير كما اخبركم" 

نظر أورهان للسيد صادق وقال 

" اريد ملف شراء المعدات منذ لحظة البدء بالمشروع حتى اليوم"


نظر السيد صادق لزهير وهمَ ليتحدث  قبل أن يقاطعه صوت أورهان عندما أكمل حديثه بقوة 

 " اريد الملفات الخاصة بك، كل شخص سيحاسب على عمله وما قام به فلا تلقوا اخطائكم على غيركم، الجميع امامي مدان حتى يثبت العكس "

و بدأ يشير للعاملين ليتعرف بنفسه على تخصص كل منهم ويطلب ملفاتهم الخاصة  منذ لحظة البدء وهذا ما لم يكونوا جاهزين له.. 

الجدير انه لم يخرج من مبنى الإدارة حتى استلم جميع الملفات و أمر السيدة سيفدا والسيد فراس بالتدقيق الأولي بها وعدم السماح لأحد غيرهم الإطلاع عليهم.

 

تحرك ليخرج من مكتب الادارة ليذهب لموقع المشروع الذي لم يبتعد كثيرا عن المكان وفقًا للخرائط التي تم إرسالها لهم..

اقتربت سيفدا هانم من سيلين متسائلة

 " هل انتِ بخير؟" 

تفاجأت بردها وهي تجيبها

" لا لستُ بخير، لا اعلم ما بي ولكني أشعر بألم شديد برأسي و حرارة عالية برأسي" 

اقتربت سيفدا اكثر و رفعت يدها لتضعها على جبهة سيلين قائلة بعدها بصوت مسموع " أأ، حرارتك مرتفعة" 

ذعر اورهان واقترب هو ايضا منها قائلا

" هل مرضتي، هيا نذهب لطبيب" 

ونظر لزهير الذي بجواره ليقول

 " لنذهب لطبيب بسرعة أو احضروه لنا بالفندق "

رفضت ان يستدعوا الطبيب

 " لا انا بخير، اعتقد من الإجهاد لا اكثر سأذهب انا للفندق و اكملوا انتم عملكم "

نظر اورهان لوضع العاملين قائلا 

" مع الاسف هذا ما علينا فعله، ان شعرتي بسوء عليكِ الاتصال بي وايضا سترافقكِ السيدة سيفدا لأكون مطمئن عليكِ"


من جديد رفضت سيلين وقالت

 " لا احد سيأتي معي سأذهب بمفردي وارتاح، وانتم أكملوا عملكم ونلتقي حين تنتهون "

نظر أورهان لسيفدا و للملفات قائلا

 " حسنًا ابقي انتِ والسيد فراس بمبنى الادارة لمراجعة الملفات حتى أعود إليكم "

ونظر لابنته قائلا

" اذهبي انتِ للفندق تحممي بماء بارد و اطلبي خافض للحرارة فور وصولك، لن اتأخر ساعة أو ساعتين على الأكثر "

واقترب منها اكثر وهو يميل عليها 

" لا اريد تفويت عنصر المفاجأة لأرى الامور على طبيعتها أكثر وأكثر، كما تعلمين تقديم موعد سفرنا كان لهذا الغرض" 


هزت رأسها المتألمه

" انت محق لهذا رفضت أن تنشغلوا بي، بالأصل أنا بخير لا تقلق "

تحرك اورهان وهو ينظر لعيسى طالبًا منه سيارة خاصة تعود بابنته للفندق.

أشار عيسى للسيارة الكبيرة وهو يقول

" جاهزة تفضلوا " 

وامر السائق ان يستعد لإيصالها، أراد زهير ان يتولى امر سيلين وان يعود معها للفندق ليصله رفض أورهان القوي حين قال

" هل ترى اننا بوضع يمكنك تركنا به، ان توجب ان يذهب أحد فمن الاولى ان اذهب انا، ولكننا مجبرون على ما نفعله" 

صمت زهير الذي اصبح مذنبًا منذ اللحظة الاولى لوصولهم.. 

صعدت سيلين السيارة التي انطلقت بها صوب الفندق، ليتحرك أورهان مكمل طريقه سيرًا على الأقدام كما طلب هو رغبة منه بالتعرف على المكان و قربه من المشروع..


زاد ارتفاع  درجة حرارة سيلين مما أثر ذلك على جهدها و تشوش الرؤية امامها، حاولت ان تتماسك تحركت على مقعدها و هي تطلب بفتح النوافذ امسكت زجاجة الماء و وضعت منها على جبهتها و رقبتها محاولة خفض حرارتها حتى وصولها الفندق واخذها للعلاج.

طال الطريق لتسأل السائق "هل تبقى الكثير" اجابها بالإنجليزية قائلا 

" لم يتبقى الكثير، لقد سلكت طريق مختلف كي نذهب بأسرع وقت "


نظرت من النوافذ وهي تستغرب المكان فلم تكن تتوقع أن الحياة بهذه الصعوبة فلا يوجد منازل ولا طرق، أظلمت السماء ليخيم الظلام سريعًا لعدم وجود أعمدة إنارة بالطريق.


تحدثت بقليل من الخوف وهي تقول

" ولكننا أتينا لمركز الادارة بوقت اقل من هذا بكثير، وايضا كان هناك طرق واعمدة انارة و تعمير خلاف هذا الذي نحن به" 


رد السائق مرة اخرى وهو يتلفت حوله قائلا " نعم انتِ محقه، ولكنني كما اخبرتكِ اتخذت طريق آخر لسهولة الوصول سريعًا" 


صمتت من جديد وهي مجبرة على التحمل رغم عدم اقتناعها بما قاله هذا الرجل الذي  اصبح يتلفت حوله اكثر من تركيزه بسير الطريق.


رن هاتف سيلين لتتفاجأ بتوقف السيارة بشكل مفاجئ مما جعلها تصطدم بالمقعد الأمامي لم يصدر منها سوى صوت الاهااات، حتى لم تستطع فتح اعينها أو التركيز بما يحدث حولها، تفاجأت بالسائق يفتح الباب وينزلها من السيارة وهو يحذرها بالسلاح من قيامها بأي حركة غير مدروسة.. 

جاءت لتأخذ حقيبتها ليسرع هو بأخذها قبلها مخرج منها الهاتف ملقي به أرضا.

تحدثت وهي تحاول ان تلتقط أنفاسها بصعوبة من شدة ارتفاع حرارتها و دوران رأسها 

" ما بك ماذا يحدث لك؟ ، لا يمكنك فعل هذا. احذرك بالعواقب الجسيمة التي ستلحق بك. اذهب بي للفندق و أنا أعفو عنك واعطيك ما تريد" 


كسر الرجل ما تبقى من هاتفها بكعب حذائه و فتح هاتفه ليقول بالإنجليزية 

" لقد تم الامر هي الان بحوزتي، ما هي الأوامر المطلوبة"


تحركت سيلين والخوف يتملكها تبحث عن مكان او اي معلم بهذا المكان الذي وكأنه لم يزره بشر من قبل.

نظرت خلفها لتجد اشجار كبيرة متشابكه مخيفه عادت لتنظر امامها بأعينها المتعبة و وجهها المذعورة لتجد فضاء كبير.

هرولت وهي تصرخ مستنجدة بأي أحد حولها، أمسكت رأسها بقوة خشية السقوط.. 


بهذه اللحظة وفي مخبئ نعمان الذي كان يمكث به لعدة أيام وصل لهاتفه رسالة من فواز فتحها على الفور ليجد فيديو لأخته وهي تركض صارخه تستنجد بأي بشر  ممسكة برأسها مترنحة بسيرها.


اتسعت اعينه وهو يستمع لصوت فواز

" بسلامة رأسك، العين بالعين والسن بالسن والدم بالدم، لقد اخذت مني فلذة كبدي وها انا ااخذ منك اعز ما تملك ولكنها ليست الاخيرة فلن اشفي غليل قلبي  بها فقط، سأعثر على زوجتك وطفلك لأنهي أمرهم هم أيضا وحينها أعود لحياتي وانا رافع رأسي منتصرًا لابني"


اتصل نعمان به أكثر من مرة دون ان يتلقى رد،   غضب  مرسل له اكثر من رسالة صوتية يحذره بقوة وشدة ولكن دون فائدة فلقد اعطى فواز الامر وانتهى.


اراد الرجل سيلين لنفسه قبل أن يقطع رأسها ويقدمها قربانًا لفواز، تحرك خلفها و هو يطلق عدة رصاصات بالهواء ليخيفها و يوقفها بسيرها الأشبه بالركض المترنح وهي تصرخ بصوتها المتعب الذي اقترب على النفاذ هو ايضا.

اقترب منها وسحبها نحوه ليشتد تعبها ودوران رأسها حاولت أن تصرخ ولكن دون صوت فلقد اختفى صوتها من مرضها وذعرها و قلة جهدها المنتهي.


كادت ان يغشى عليها بين يدي هذا الرجل لولا قدوم رجل غريب الهيئة امتلك رقبة السائق من الخلف وأصبح يضغط عليها بقوة محاولًا أخذ السلاح من يده.


تحدثت سيلين بصوتها الضعيف وهي تستنجد بهذا الرجل الغريب الذي أصبحت تحدثه باللغة التركية.

استهان السائق ببنية الرجل الغريب فهو كالعصى الضعيفة يكاد أن يكسر من اول لكمه له.. ألقى بسلاحه بعيدًا معتقدًا انه سينهي امره بالضرب اولا ومن ثم ينظر لمهمته مع أميرة الفولاذ. 

ولكن حدث عكس ما توقعه حين أخرج الغريب حبلا بدائي الصنع من ملابسه وبدأ يحركه و يلوح به يمينًا ويسارًا مقتربًا من السائق وهو يلاكمه بقوة. قفز بجميع الاتجاهات حوله حتى اصبح السائق مكبلًا بهذا الحبل ملقيا به على الارض بعد ان اخذ نصيبه من الضرب المبرح بمناطق قاتله بالجسد فقد وعيه بعدها.

 

اقترب الغريب من سيلين بحذر وترقب ليجدها تتنفس بصعوبة وهي تتراجع خوفًا مما حدث أمامها، جاء ليتركها  عائدًا من حيث أتى ولكنه تفاجأ بها وهي على وشك سقوطها فاقدة الوعي، ليكون من نصيبها ان تسقط بين يديه حين اسرع و تلقاها بين يديه.


جلس بها ارضًا وهي امامه ينظر لها بذعر لم يخرج منه صوت وكأنه ابكم، فتحت عينها بصعوبة محاوله استعادة وعيها، لتتفاجأ بتلك العيون القريبة منها تحدق بها بقوة، ورغم تعبها وإرهاقها الا أن أعينها لم تستطع التحرك عن على تلك العيون. ظلت تنظر مطولًا داخلها وكأنها تبحث عن شيء فقدته منذ زمن طويل.. رغم محاولتها بالصمود إلا أنها غابت عن الوعي بالاخير لتصبح دون جهد او نفس او أي شيء. 


أكتر حاجة توجع في لحظة الفراق حبيبك تلمحه. ودموعه رافضة تطلع وكأنه حالا فاق على ايد بتدبحه.


ما مصير سيلين وهي بين يدي رجل غريب أرسله الله من بين الأشجار المظلمة في اللحظات الأخيرة.


google-playkhamsatmostaqltradent