recent
جديدنا

احكي يا شهرزاد الفصل الثامن

احكي يا شهرزاد 

بقلم أمل محمد الكاشف 


لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، وحتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، ورغم إيماننا بالقدر إلا أننا نهتز وقت سقوطه علينا، تأبى جفوننا أن تنسدل على أعيننا وكأننا  بلا جفون، دموع هستيرية لا تكف عن التساقط على وجوهنا تحرق كل ما يقف أمامها  وكأنها تتدفق من قدر يغلي،  نعلم إن لكل إنسان قدره و إن التسليم بهذا القدر هو الفكرة العليا للإسلام،  ندعو الله أن لا يحملنا ما لا طاقة لنا به ويرضينا بأقدارنا ويعطينا القدرة للانتصار عليها وتحويل كل محنة لمنحة تدفعنا للأمام.

 

‏●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●


نامت شهرزاد وبحضنها أختها غارقة بالأحلام طوال الليل، رأت شهرزاد نفسها تقص على استاذها شريف الجزء الجديد بمكتبة الجامعة التي كانت فارغة من الطلاب والأساتذة ولا يوجد بها سواهما، كانت تحدثه مبتسمة بوجهها المشرق:

 " أصبحت تستحق جزء جديد من قصتك المحببة ".

  

رد شريف عليها ليبادلها فرحتها التي بدت على وجهها:

 " هذا يعني أن شهرزاد قلبي وافقت على إدخالي جنتها ".


 اجابته شهرزاد بدلال:

 " لا تتحدث كثيرا كي لا أتراجع وتحرم من الأحداث الجديدة ".

 

رد شهريار عصره بحماس: 

" صمت حتى يمكنني أن أصمت العمر كله أمام ضحكتك وحكاياتك ".

 

 ردت شهرزاد بصوت ضعيف لا يسمعه:  

 " ما كل هذه الرومانسية أقسم إنه تبقى القليل على تقيئي ".

 

 سألها شريف:

" ماذا قلتي؟ ، انا لم استمع جيدا " .


ابتسمت بجوابها:

 " لا شيء تذكرت توتة أختي فقط  أوصتني أن لا أتأخر لهذا علينا البدأ سريعا كي لا تحزن إن لم أكمل لك ".

 

و بحماس كبير رد عليها:

 " تفضلي استمع لكِ و كلي أذانً صاغية احكي يا شهرزاد ".

 

همت لتبدأ إلقاءها بفرح قائلة :

" بلغني أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد والعقل الحكيم ".

 

أشار شهريار لنفسه بتفاخر ضحكت على حالته مستمتعة بانسجامه.


دخلت توتة الغرفة في الصباح متحدثة بصوت  عالي:

" وجدتها، ها هي بغرفة شوشو ".


أخذت حقيبة أمها وخرجت من الغرفة بسرعة، فتحت شهرزاد عينيها وقامت لتنزل قدميها جالسة على الفراش وهي تنظر للساعة على مكتبها، اتسعت اعينها: 

 " العاشرة والنصف، لا من المؤكد أن بطاريتها تحتاج لتغيير". 


عادت توتة لغرفة شهرزاد من جديد قائلة:

  " أصبحنا بمفردنا الآن، ذهبت أمي عند خالتي سمية و بفضل الله استطعت أن أقنعها بأخذ الأولاد معها".

 

ابتسمت شهرزاد وردت:

 " ينتابني شعور غريب وكأنك ربحتي أولادك بمسابقة واضطررتي بعدها أن ترضي بهم ". 


ضحكت توتة بجوابها:

  " لنراكِ كيف ستتفننين بالهروب منهم".

 

_ " ولماذا أهرب في حين انه يمكنني تعليقهم أباليك منيرة بضواحي رواياتي".


ضحكت أختها  بسخرية قائلة:

 " حضرت لكِ فطورك يا مولاتي  هيا لنفطر سويا وبعده سأقوم بإعادة تأهيلك".

 

ردت شهرزاد بدهشة قائلة:

 " تأهيلي؟،  ابتعدي عني انا لستً بقدرك لدي الكثير من الالتزامات اليوم ،  يا ترى كم الساعة الآن؟". 


استغربت توتة و هي تنظر للساعة على المكتب قائلة :

" أي التزامات ، اتصلت نسمة لتطمئن عليكِ وأخبرتني بأن المحاضرات الأولى  تم إلغاؤها من قبل الأستاذ سيد ، و لا يوجد شيء مهم بعدهم  لهذا تركناكِ لترتاحي".


نظرت شهرزاد للساعة ثم نظرت لأختها قائلة بخوف من الإجابة:

  "  لا تقولي انها مضبوطة ".

 

ردت توتة متأففة بضيق: 

"وكأنكِ صاحبة شركة و أعمال كثيرة ، بل وكأنك الوحيدة التي دخلت الجامعة ، يا اختي انا أيضا كنت بجامعة  وليست أي جامعة  إنها الهندسة معمارية ورأيتي لم أفعل ما تفعليه  أنتِ الآن ". 


وقفت شهرزاد بسرعة تحركت بها : 

 " نعم رأينا حملك و ولادتك بمنتصف الامتحانات". 


و بوجه مبتسم ردت توته:

" كانت أيام جميلة ، أتذكر يومها حبيبي ميتو كان خائف عليّ وحملني ركضًا بي خارج قاعة الامتحان  وجميع الطلبة يشاهدون حبه لي بأعين واسعة ".

 

وكعادتها ارتدت شهرزاد ملابس الخروج بسرعة كبيرة  لتتفاجأ توتة بها :

" أين ستذهبين؟، ألم اقل لكِ تم إلغاء المحاضرات، وأيضا لم تغسلي وجهك ولم تتناولي فطورك". 


فتحت شهرزاد حقيبة ظهرها بسرعة لتخرج منها كتب وتدخل بديلها أوراق ودفاتر  ومن ثم أخرجت فرشاة الأسنان والمعجون قائلة :

" عليّ أن أخرج بسرعة لا وقت لدي  ، كيف تأخرت؟".

 

خرجت أختها من الغرفة خلفها مجيبة عليها:

" لن اتركك دون إفطار لقد انتظرتك لنفطر سويا و نتحدث بسر أمس ".

 

اجابتها وهي تفرش اسنانها: 

" لاحقا سنتحدث ".

 

اغمضت توته عينيها ضيقاً ، لتكمل شهرزاد وهي تمسح فمها بمنشفة الحمام: 

"وعدت أستاذ نديم أن اختار افضل جزء من الرواية و القيه أمامه اليوم ".

 

وقفت توتة أمامها لتعيق خروجها، قبلتها من رأسها:

" أعدك سنتحدث بوقت لاحق".


 وبدون رد أشارت توتة لها نحو غسول الوجه.


نظرت هي أيضا نحوه قائلة:  

 " مرة أخرى لا يمكنني الان سأتأخر".

 

قاطعتها اختها بغضب: 

 " على جثتي لن تخرجي بعماص اعينك ". 


رفعت شهرزاد بسرعة يدها لتمسح اعينها. 

 " أي عماص لقد غسلته للتو".

 

اقتربت توتة وهي تفتح الغسول و تضع منه على وجه أختها:  

" عليكِ ان تهتمي بنفسك أكثر، هل تريدين أن يطير عريسك منك، ألم تري اصدقائك بالجامعة".

 

وبسرعة حركت يدها لتدلك الغسول على وجهها وتغسله بعدها مجيبة:

 " لن افعل ما يفعله أصدقائي أراد بهذا القدر اهلا و سهلا، ان لم يرد فليذهب ويختار له لألئ منيرة ".


 _"  لا أدري أي دعاء أصابه كي يقع بكِ ".

 

خرجت من الحمام مقتربة لمائدة الفطور لتأكل بيدها البيض المسلوق و الجبن الرومي  ، سحبت توتة الشوكة و أعطتها لها  بوجه مستاء:

" لو رأتك والدته وأنتِ تأكلين بهذه الطريقة ستعلن الحرب عليكِ ".

 

وضعت شهرزاد نصف البيضة بفمها لتأكلها على دفعة واحدة شاربة خلفها اللبن قائلة :

 " لا تقلقي سأتدبر أمري أمامها ".

 

تحركت بنفس سرعتها لغرفتها كي تضع حجابها على رأسها و تأخذ حقيبتها وتخرج من المنزل ، و بدون تفكير سحبتها توتة من كتفها للخلف: 

 " ساجن من طريقتك و سرعتك ".

 

دار رأس شهرزاد حتى كادت أن تسقط ، أمسكتها توتة بسرعة لتجلسها مسرعة بإعطائها كأس ماء ممزوج بالسكر متحدثة بحزن:

 " لا أعرف كيف نسيت تعبك ، سحبتك بقوة بدون تفكير اعتذر منكِ ".

 

ابتسمت شهرزاد و هي ترد بنبرة صوتها الضاحك: 

" أعجبني التحديث الجديد الخاص بك، استمري بذلك ".


شربت ماء السكر بصعوبة معدتها الرافضة كل ما يفعل بها وما تتحمله لأجل إرضاء الجميع.


دمعت عيني توتة خروج أختها متحركة  لتخرج للشرفة كي تراقبها من الأعلى  وهي تمسح دموعها: 

 " هل انا من تغير ، ألم تري حالتك وكيانك الذي تغير كليًا ، تمثلين أكلك وسلامتك

خوفا منا او علينا  أياً كان فأنتِ لستِ بخير ". 


‏●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●


وصلت شهرزاد للجامعة  أسرعت متوجهة لمكتب أستاذ نديم لتعتذر منه على تأخيرها ، وجدت أستاذ جمال يخرج من المكتب وهو يغلق بابه خلفه.


سألته: " هل أستاذ نديم متاح؟".


 أبلغها بتغيبه اليوم عن الجامعة و تأجيل محاضراته للأسبوع القادم .


_" خير ان شاء الله  شكرا لك".

 

 حدثها أستاذ جمال:  

" ان كنتِ بحاجة لمساعدة من أجل المنتدى يمكنني مساعدتك ". 


وصل إليهم أستاذ شريف وهو ينظر نحوها قائلا بداخله:

  " وأخيرا أتت  الحمدلله".


  اقترب منهم أكثر ليسمع جوابها على استاذها: 

" شكرا لك من المؤكد أنني سأحتاج لمساعدتك وخبراتك القيمة التي لا غنى عنها". 


تحرك أستاذ جمال خطوتين متحدثًا برضا :

" انتظرك بأي وقت المهم أن نرى بالمنتدى ما يشرفنا و يرفع من قدر الجامعة ".

 


تدخل أستاذ شريف بالحديث: 

 " حتى أني أرى نجاح الجامعة وتشرفها بمواهب أبنائها من الان ". 



استدارت شهرزاد لتنظر لمصدر الصوت وهي خجلة منه، أكمل أستاذ جمال تحدثه مع شريف :

" نعم هذا ما نتمناه ، أتيت بوقتك  أستاذ نديم متغيب اليوم،  هناك أوراق عليّ ختمها وإنهاء تسليمها للإدارة اليوم  بجانب كم عمل صغير أن سأل عني أستاذ حكيم أخبره بالوضع  ولا تختفي فجأة كعادتك ". 


ضحك أستاذ شريف قائلا:

" ولكنك تظلمني ".


اكمل جمال سيره ناظرًا  للأوراق قائلا:

" لا لم أظلمك كن حذرًا اليوم لا خروج لك قبل موعد انتهاء الدوام ".


ومن خلف أستاذ جمال رد شريف: 

" هل يقال هذا الكلام للأستاذ أمام طالبته كيف اطلبها من بعد الان بالالتزام ".

 


ابطئ أستاذ جمال خطواته ناظرًا شهرزاد وهو يجيب شريف: 

" كلها ثلاث أربع أشهر وتأتي لتجلس بجانبنا ".

 

وأكمل سيره وسط  قهقهة ضحكات شريف وفرحة شهرزاد من هذا الإطراء والثقة  الكبيرة من أساتذتها لها .


تعلقت الأعين الفرحة ببعضها اقترب شريف قليلا و هو يقول: 

" لن أستطيع التحدث معك من بعد الآن " .


ردت هي بخجل: 

 " العفو منك ، إن كنت حقا كما يقال عني فمن المؤكد أنه بسبب تشجعيكم وتوجيهاتكم المستمرة".


أومأ رأسه  مجيبًا عليها بوجه فرح: 

 " إجابة دبلوماسية، رغم أني لا زلت جديدا بالجامعة إلا أنني سأعتبر نفسي ممن كانوا سببًا بنجاحك ". 


ابتسمت دون رد ليكمل هو قائلا: 

 " لأنني سأكون علامة بارزة بأكبر نجاح لكِ ".

 

ردت بتساؤل: 

" و ما هو أكبر نجاح لي ".

  

نظر لمكتب أستاذ نديم ثم نظر لها مجيبا عليها: 

 " هل نسيتي؟".


 صمتت بعيون متسائلة و فكر يحاول أن يجد الإجابة ، ليتحرك خطوات للأمام و هو يقول: 

 " هيا تعالي معي لأجيبك بشكل عملي". 


رفضت السير خلفه متسائلة بوجه مندهش: 

 " إلى أين ؟".

 

_" للمكتبة  سنجلس لنرى ما اخترتي  لإلقائه بالمنتدى".

 

 صدمته بردها :

" ولكني لم اختار أي شيء حتى الآن ".

  

زفر باندهاشه:

" ماذا ؟ ، كيف لم تختاري ".


عادت لتجيبه وهي تراقب ملامح وجهه:

" هناك بضعة مشاهد تجول بخاطري جميعها تتنافس لتحظى بهذا الشرف و لكني لا زلت بحيرة من أمري ، كنت سألقي مشهد على أستاذ نديم و بالطريق غيرت رأي".


_" تجول بخاطرك اذا، تمام هيا لنجلس ونرى أي منهم سيحظى بشرف اختيار الأميرة له ". 


قلقت وتخوفت من طريقة تحدثه و وجهه الفرح بزيادة، جاءت لتعتذر دون أن يسمح لها تحرك وهو يقول: 

" سأنتظرك بالمكتبة لا تتأخري".


●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●


علا صوت توته بحديثها مع زوجها ، تحدث مدحت ليهدئ منها قائلا:  

" لا دخل لي بهذا،  هل تعتقدين أنني صاحب القرار، أقول لكِ خال الرجل مريض وحياته على المحك بيوم وليلة قد يقع أمر الله ويتم تأجيل العرس سنة كاملة هل سنرفض طلب الرجل وهو محق به، كيف سيبقون بهذه الحالة سنة كاملة". 



ردت عليه بغضب:

 " إذا لا تطلب مني حضور الزفاف، خذ أبناءك واذهب بدوني ".

 

غضب مجيبًا بنبرة عالية :  

 " كيف لا اطلب منك الحضور واخذ ابنائي  وأذهب وحدي، هل تريدين فضحي بالبلد ". 


ردت توتة عليه بنفس نبرة الغضب:

" و أين الفضيحة أخبرهم بمرض اختي واعتذر بالنيابة عني".

 

تحدث مدحت بضيق كبير: 

 " اللهم طولك يا روح، عن أي مرض تتحدثين وكأنها ستموت غدا ، أقول لكِ خالهم سيموت ومع هذا سيحضرون و يقيمون العرس وأنتِ تريدين مني أخبارهم أنكِ لم تأتي لان اختك تشعر بدوران برأسها و لم تنتبه لصحتها ". 


وبصوت علاه البكاء ردت توتة: 

 " لا لن تموت غدا ولن أتركها لتموت، و لن ارد عليكِ ما دمت لا تشعر بي ".

 


_ " لا إله الا الله  ، استمعي لي جيدا حضري نفسك اخر الأسبوع كي نذهب للبلد طلبت اجازة من مديري ومنتظر استجابته لها ستكون بديلة لإجازة الصيف". 


وارتفع صوت توته بغضب وضيق أكبر قائلة:

 " ما دمت اتخذت قرارك وقدمت الطلب مستغنيًا عن اجازتنا فلماذا تخبرني الآن". 


_" كي تحضري نفسك وفقا لهذا، نعم  قبل أن أغلق أريد أن اذكرك بانني شخص لا يتقبل الصوت العالي ان نسيتي عليكِ أن تتذكري كي لا تعودي و تحزني بعدها".  


وأغلق الهاتف دون سلام .


أغلقت هي أيضا هاتفها وألقت به بقوة على فراشها بغضب وعناد ورفض .


‏●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●


 لاحظ شريف قدومها أخفض نظره ليكمل قراءته بالكتاب الذي أمامه ، تقدمت شهرزاد وجلست مقابلة له واضعة دفترها على الطاولة قائلة:

  " أعتذر إن تأخرت ". 


رفع نظره لها متحدثا بجدية لم تنتظرها منه :

 " لا عليكِ دعينا نبدأ لنستطيع انجاز الأمر، أخبريني أي مشاهد اخترتي للمنتدى، علما بأن عليك الفصل بينهم واختيار واحد فقط شامل وجامع ومشوق ". 


تحدثت بقلق وحزن: 

" لأجل هذا لم أستطع الاختيار، عجزت حقا  ، فكيف سأختار مشهد جامع لكل هذا ، فكرت بمشهد بداية تعارف الأمير العاشق توران وأميرة قلبه ليونه الجميلة  ولكني  رأيت أننا بحاجة  لمزيد من التشويق، عدت لأفكر بمشهد عودة سالار وفرحة من تحمل قلب صغير ولكني أيضا تراجعت، و اخترت أخيرا خيانة ليونة وسقوط العرش الملكي ولكني عدت عنه فهو قوي بشكل زائد ". 


رفع كف يده ليصمتها وهو يقاطعها : 

" انتظري، عن أي خيانة تتحدثين! هل كتبتي فصل جديد من قصتك! انتظري لا أريد إجابة على هذا ولكن هل خانت ليونة الأمير توران! ، لا أعتقد ان مرضك أثر على قلمك وجعلك تكتبين بهذا الشكل " .


ابتسمت بردها:

 " هذا ما حدث،  سرقت ليونة المخطوطات وسط  النيران المندلعة والموت وتساقط الأقنعة، هربت من القصر حتى أنها أعطتها لعمها". 


و بحزن اجابها 

" خسارة حزنت لأجل قصتهم الجميلة من الجيد عدم تعلق الأمير بها بشكل أكبر أو حتى مصارحتها  " 


_" مع الأسف تعلق و صارحها حتى أنه كان على وشك أن يتخلى عن كل جواريه كي ترضى عنه وتصبح سلطانة قلبه و لياليه الوحيدة ". 


شهق و زفر أنفاسه مجيب بضيق:

" أنا لا أحب النهايات الحزينة، ماذا تريدين مني اخبريني، هل اقسمتي على أن تجعليني اتوب عن حبي للروايات، بالأول كنتِ تعاندين معنا وتنهين القصة بلحظات تتقطع لها الانفاس وبعدها اتيتي لتخبريني بخيانة ضي القمر لا اعتذر أعني خيانة ليونة  لو قلتي لي الان خيانة ضي القمر لن اتفاجأ ". 


تنهدت بحزن أجابت به:

" ضي القمر تحمل قلب صغير ورقيق و جميل لدرجة انها لا تستطيع خيانة أحد".


_" اخرجي ما بجعبتك، هذه النبرة الحزينة لم تعجبني ، ماذا فعلتي بضي القمر، احكي يا شهرزاد ".

 

_" دعني لا ابدأ الآن أخشى أن يأخذنا الوقت ولن نصل لمرادنا باختيار المشهد المناسب ". 


رد عليها شريف:

 " و كيف لي أن أختار دون معرفة ما تبقى من الحكاية ". 


أومأت رأسها لتوافقه الرأي: 

_ " تمام بالأصل لم يتبقى الكثير بها اوشكنا على النهاية وإسدال الستار عليها لهذا سأقص عليك القسم الأخير أو ما قبل الأخير ان لم يكفينا الوقت ".


ردت بوجه فرح بوجودها أمامه: 

" ألم أقل لكِ أحكي يا شهرزاد ". 


ابتسمت بحيوية و فرحة ظهرت على وجهها وحركة  جوارحها التي اعتقد انها سكنت مع مرضها قائلة: 

 " ولكن عليك أن تسمح لي هذه المرة أن ألقي بشكل عشوائي  فلم يتاح لي وقتي بالصباح أن أدون ما حلمت به " .


و باندهاش سألها :

" هل كان حلم ؟".

 

أومأت رأسها لتجيبه دون صوت ، ليكمل هو: 

 " تمام ولكني سأسجل النقاط الرئيسية وملاحظاتي أول بأول كي لا تنسي شيء عند تدوينك لها ".

 

ثم أشار لها أن تعطيه دفترها كي يسجل به ، مدت يدها وحركت دفترها من أمامها لتعطيه له. 


أخذه منها دون النظر لعيونها فكان اشد حرصا أن يجعل الجلسة في إطار الاستاذ والطالبة كي لا يضغط عليها وأيضا كي يستطيع مساعدتها على أتم وجه .


بدأت تقص عليه روايتها وهو يستمع لها و يدون بدفترها النقاط الأساسية و بعض ملاحظاته حتى وصلت بإلقائها: 

 " دخل غرفته الملكية و هو يهرول بوجه غاضب متجها نحو اللوح الخشبي كي يزيحه ويخرج منه المخططات ليكتشف وينصدم توران بحالة المخطوطات وتخالطها و وجود نقص كبير بها ، صرخ بصوت عالي

 " خيااااانة ، خيااااانة " . 


‏●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●


جاء اتصال على هاتف أستاذ شريف قطعت شهرزاد القاءها قائلة: 

" تستطيع أن ترد ". 

 أومأ رأسه وفتح هاتفه ليرد على المتصل،  وجدتها فرصة لتخرج زجاجة الماء من حقيبتها لتشرب منها وقعت عينها على علبة الدواء أخرجته بتخفي أخذه قرص شاربة بعده الماء مغلقة الزجاجة من جديد.


أنهى شريف مكالمته القصيرة متحدثا لها :

 "  وتنسين العلاج أيضا ".

 

ردت  مدافعة عن نفسها: 

 "لا ليس كذلك  أنا منضبطة كثيرا بهذا الأمر".

 

_" منضبطة؟ ولما الظاهر لا يوحي بهذا! ومع ذلك ليس بيدي سوى تصديق ما تقولين " .


تحدثت مرة أخرى لتدافع عن نفسها :

 " حقا انا منضبطة بأخذ فيتاميناتي بوقتها وخاصة بهذه الظروف ولكني استيقظت متأخرا على غير العادة وأسرعت بتجهزي للخروج لأجل موعد أستاذ نديم حتى أنني تناولت فطوري دون أن أجلس ".

 

صمتت وهي تبتسم لتذكرها حالة أختها المتفاجئة من تناولها نصف البيضة دفعة واحدة .


تحدث شريف بجدية :

 " وما هي هذه الظروف ، انتظري لا تقولي أنا بخير واي كلام من هذا القبيل لأني لن أصدقك ولا أريد اجبارك على الكذب، لا تعتبريه فضول أنا فقط أريد أن أطمئن عليكِ لن أقول أي شيء يجعلك تتهربين مني، حتى يمكنك أن تعتبريه سؤالا من أستاذ لطالبته المميزة أراد به الاطمئنان عليها ".


نظرت نحوه بتردد لا تريد أن تفصح عن حالتها و لا تريد كسره ، التزمت الصمت و هي تخفض رأسها هروبا منه  ليتحدث هو من جديد بصوت حنون لامس قلبها و سبب تجمع الدموع بعينها :

"  هل صعب لهذه الدرجة".


تفقد حالتها ووجهها المتهرب منه بانخفاضه ليكمل:

" نعم صعب ليس له تفسير آخر ، حالتك، بكاءك، ذهابك للطبيب وحدك، تخوفك من اتصالي بعائلتك، كل هذا يدل على حمل ثقيل لا تريدين لأحد معرفته ". 


ردت بنفس حالتها و وجهها المنخفض خشية رؤية دموعها المتجمعة بعينيها:  

" ليس لهذا الحد انا فقط لا أريد احزانهم، سأقوم ببعض التحاليل والأشعة و من بعدها سأخبرهم بكل شيء، الوضع حساس أمي و أختي لن يتحملوا توقعات كهذه لا أريد أن احزنهم". 


نظر حوله بضيق وحزن فهذا ما كان يخشاه بل هذا ما قرأ لأجله لافتة الطبيب أكثر من مرة  متمنيا أن يكون عكس ما فهم ، ساد الصمت قليلا مسحت شهرزاد اعينها خشية أن تسقط الدموع منهما ، تحدث شريف من جديد بنبرة بدت  مضحكة: 

  "  تذكرت هل قررتي ان تقتلي الابطال وتقهري توران، انظري لا يحق لي أن أتدخل بسير الأحداث لأن بالأخير القصة ملكية فكرية خاصة بكِ ولكني احذرك لا يمكنك كتابة أحداث كهذه دون دراسة قوية".

 

رفعت وجهها لتجيبه بصوتها الذي لا زال يحمل اثقال عبئها: 

" عليك أن تستمع لما تبقى من أحداث كي تحكم على المجمل كاملا".

 

ازدادت نبرة الضيق والثقل على صوتها بل و تخالطت بنبرة البكاء وهي تكمل: 

 " بالأصل نحن بنهاية المطاف لم يتبقى الكثير من الأحداث لن ترهق كثيرا كالسابق".

 

و بصوت منخفض أكثر سألته:

" هل أكمل ما تبقى؟" .


أختنق هو أيضا بحالتها حتى أنه أراد أن يوقفها عن ألقاءها لولا تخوفه من استئذانها و ابتعادها عن نظره. 


أعادت شهرزاد سؤالها :

 " هل أكمل أم نجعلها بوقت لاحق".


حك أذنه وهو يومأ رأسه قائلا :

" أنا  أؤمن بأن لكل نهاية بداية جديدة مشرقة ،  فالليل و إن طال بظلمته لابد أن ينجلي لتشرق الشمس معلنة عن بداية جديدة لهذا سأقول لكِ بثقة و دون خوف. أحكي يا شهرزاد ". 


أرادت أن تقول له:

  " نعم بداية جديدة بقصص جديدة وابطال جدد أنا لستُ منهم ".

 

ولكنها صمتت لتكمل له روايتها لمدة خمسة وأربعين دقيقة متواصلة مندهشة فور انتهائها بتصفيق شهريار عصره و زمانه لها فرحا بهذه النهاية.


 صمتت شهرزاد فرحا بتأثر استاذها و تفاعله مع قصتها، متحدثًا ليحييها:  

 " جميل و مشوق برافوووو أحييكِ " .

 

أومأت رأسها شاكرة استاذها على هذا الإطراء، وبحماس طالبها أن تكمل له ، ابتسمت شهرزاد و هي تخبره:

" لقد انتهينا بهذا القدر " .


_ " كيف انتهينا ، لا زال لدينا وقت أكملي ".

  

ردت عليه بخجل: 

 " حقا انتهت بعقلي  لا تستحضرني  أحداث جديدة الان ".

 

 _" تمام لن اضغط عليكِ بالأصل يكفي بهذا القدر كي لا ترهقي ، بالمناسبة دونت لكِ النقاط الرئيسية بجانب ملاحظات بسيطة أهمُها اسم القصة طبعا الخيار لكِ بالأخير ولكني أرى التغيير مطلوب لتصبح أكثر خصوصية".


ردت شهرزاد بعد تفكير عميق: 

 " أعلم أن الاسم متداول بشكل كبير وهناك أكثر من رواية مشابهة بنفس اسم ألف ليلة وليلة ، تمام سأفكر بالأمر" .


تحدث برضى كبير:

 " بالتوفيق اذًا ، عليكِ أن تنتبهي على الوقت ليس أمامك الكثير بضعة أيام لا أكثر ، أكتبي الجزء الجديد وفكري بالنهاية جيدا  مع الأسف كنت أود أن أكون معكِ بالتجهيزات النهائية وخاصة كان لدي ملاحظات بأول أجزاء و لكن يؤسفني ان أخبرك أنني لن أتواجد بالجامعة بالأيام القادمة لاضطراري للسفر مع أبي لإنهاء بعض الأعمال ، سأحاول جاهدا ان احضر المنتدى حتى سمعت بأنه سيفتح أبوابه للمشاركة العامة، إن حدث هذا سأتواجد به بشكل عائلي".

 

ردت بحزن خيم على صوتها:

  " لا عليك عمل موفق بإذن الله، إن لم أثقل على حضرتك هل بإمكاني معرفة بشكل سريع الملاحظات التي لفتت انتباهك بأول أجزاء ". 


نظر للساعة ثم نظر لها ليفتح دفترها من جديد وهو يقول: 

" من الصعب تذكرها بشكل كامل و لكني سأسجل لك ما أتذكره ، لو كان لدي علم بأمر السفر كنت أتيت لكِ بدفتر الملاحظات الخاص بي، فاجأني أبي قبل عدة ساعات انه يتوجب علي سفري معه وانه بحاجة إلي وقصة كبيرة مختصرها أن أبي ينظر لي كما كان ينظر نور الشريف لابنه بمسلسل لن أعيش بجلباب أبي، سأروي لكِ كل شيء بوقته ولكني حقا لا استطيع رفض السفر معه،  سيحزن ولن يمررها لي بسهولة هذه المرة، طلبت اجازة لأخر الأسبوع وتم الموافقة عليها حتى أننا سنبدأ طريقنا فور انتهاء دوامي بالجامعة ".

 

_ " أعتذر أن كنت سأأخرك عن سفرك". 


 راجعها بأسفها: 

 " لا فهمتي الأمر بشكل خاطئ وكأني ارغب بالسفر، وأيضا ابي لا زال بالمصنع هو أيضا لا يستطيع ترك عمله ناقصا يعيب عليّ وهو أكثر من يحب عمله ويتفانى به ".


ردت مبتسمة: 

 " أستطيع أن أخمن نوع العمل بالمصنع ".

 

ابتسم لها وهو ممسك بياقة جاكيته الجلدي ليحسن منه و من حالة ارتدائه له قائلا: 

" هل واضح لهذه الدرجة ". 


ابتسمت بخجل  أكبر تحدثت به:

 " بصراحة القطع كانت مميزة عمل عالي وجودة بالأقمشة وتنوع بالأذواق، بالنجاح دوما يا رب " .


ضحك بصوت عالي قائلا : 

"هل تعتقدين انه مصنع ملابس، أنت محقة بربطك بين عمل أبي و متجر أمي  رغم أنه شتان بين الاثنان  فأبي يعمل بدبغ و صباغة الجلود، حتى اعطيكِ سرا زيزي الحلو تمنع دخول أي قطعة من قطع المصنع  للمتجر بحجة أن متجرها له طابع و طراز خاص ".

 

ردت قائلة :

 " نعم هو كذلك، انبهرت أختي بالملابس المعروضة به ".

 

استغل الفرصة و سألها: " وأنتِ ؟".

 

اضطرت لإجابته :

 " الحق يقال جميع القطع مميزة من أول نظرة  أعجبني جميع ما به  و لكني لم انبهر كأختي  فأنا أميل أكثر للملابس  العملية ".

 

رد عليها دون أي تحفظات: 

 " وهذا أكثر ما يميزك ".  


تحرك على مقعده واضعا يده على فمه ليسعل عدة مرات بصوت منخفض مكملا بعدهم :

" أعني أنني أيضا اميل لهذا الطراز من الملابس العملية البسيطة ".

 


نظرت شهرزاد حولها و هي تتحرك لتقف من على مقعدها منحنية بقامتها قليلا للأمام كي تأخذ دفترها من أمامه قائلة: 

 " لا أريد أن أضيع وقتك، طريق السلامة، وشكرا لك على مساعدتك لي".

 

وقف هو أيضا ليشكرها على الوقت الجميل الذي لم يشعر به من شدة استمتاعه بالإلقاء  والحديث معها. 


كانت ترغب أن تطلب منه رقم هاتفه للتواصل معه عبر أي منصة من منصات التواصل الاجتماعي لتأخذ الملاحظات  ولكنها خجلت أن تطلبه وخاصة بعد كلماته الأخيرة ونظراته.


تحركت عدة خطوات بطيئة وهي تفكر كيف تطلبه منه دون أن تضع نفسها بموضع محرج ، توقفت و استدارت ليتفاجأ هو بنظراتها نحوه  بل تفاجأت هي بوقوفه والنظر لها بسيرها لتزداد خجلا على خجلها .


تحرك شريف مقتربا منها متسائلا: 

" هل نسيتي قول شيء ".


هزت رأسها بالنفي، تحرك خطوتين ليصبح بجانبها : 

 " لا تقلقي لن أتأخر أعدك بهذا ، حتى سأحاول جاهدا أن أعود قبل المنتدى بيومين كي أراجع معكِ النقاط الرئيسية رغم أن أستاذ نديم تولى هذا الأمر بنفسه و لولا غيابه ما كنت سأستمتع أنا بسماعي للجزء الجديد ".


تلجم لسانها من جديد لتشكره مكملو سيرها وهي تفكر ما مضمون تلك الملاحظات و ما هي نقاط ضعفها التي سجلها بها .


خرجت من المكتبة ومن بعدها خرج أستاذ شريف وهو يتخطاها ليكمل سيره نحو الدرج المؤدي لمبنى الإدارة  .


رن هاتف شهرزاد فتحته لترد عليه بوجه مبتسم:

" سأقيم الافراح الليلة ".

 

رد مدحت عليها بصوت حزين: 

 " أعتذر إن اتصلت بوقت محاضرات".

 

  ردت بسرعة:

" أي محاضرات إن كنت بمحاضرة ما كنت أجبت عليك ".

  

 ضحك بسخرية:

  " اصيلة يا أختي" .


_" خير يا مدحت أي رياح ألقت بك علينا  وخاصة بهذا الوقت المزدحم بعملك".

 

رد بضيق خيم على صوته:

 " أختك تنوي أن تقلب الليلة على رأسي وتضيع فرحتنا بناهدة ".

 

ردت بدهشة :

" بعد الشر ، ما بها أختي؟ ماذا فعلت هذه المرة؟".

 

تنهد مدحت ليحكي لها و يحكمها بينهم، حزنت شهرزاد عند سماعها قوله: 

 " كلما تحدثت معها تغضب وتبكي  وكأنكِ ستموتين غدا، تدخلي يا شهرزاد أنا لا اتحمل ما أصبحت عليه كل يوم مشاجرات وغضب وبكاء، ليس على لسانها سوى إنك لا تشعر بي ، نعم لا أشعر بها فكان عليها ان تشعر بي أولا وأنا أخرج من الفجر حتى قرب أذان العشاء لأعود للمنزل لا طاقة ولا جهد و لا عقل ارغب فقط بتناول طعامي و النوم بعده ، حتى هذا بأخر فترة قد أهملت به بحجة ضيق صدرها واختناقها  ، لم أتكلم و لم اشكي صبرت و تحملت وقلت لنفسي أنها فترة و ستمر لا تضغط عليها  ، ولكني لن اقبل عدم ذهابها معي لزفاف أختي ستأكل البلد وجهي و لن تتركني أمي حتى تنهيني ، إن كان هناك سبب جاد ما كنت تحدثت ولكن عن أي مرض تتحدث ها انتِ تتحدثين وتذهبين لجامعتك وتدرسين  وكما قال أبي بغدادي مسألة وقت لتنتهي امتحاناتك  ويذهب دوران رأسك وتصبحين بخير أليس كذلك".

 


أنهت نزولها الدرج و هي تبحث عن مكان تجلس به قبل سقوطها ،  اختارت درج الأساتذة كي تكون أقرب لبوابة الخروج من الجامعة ، تحدثت لزوج أختها قائلة :

" سأغلق الان و اتصل بك بعد دقائق ".

 

وأغلقت قبل أن يجيبها ليزداد هو غضبا وتزداد هي تعبا.


من سوء حظها أن الممر لا يوجد به أي مقاعد كي لا يتجمع الطلبة بجانب مكاتب الأساتذة  ، تسارعت ضربات قلبها واسودت الرؤية أمامها  نظرت لغرفة الحسابات المالية متحركة لتدخل بها طالبة المساعدة .


لم تخطو سوى خطوتين اختارت بعدهم الجلوس أرضا بإرادتها بدلا عن سقوطها اللاإرادي .


أسندت ظهرها على  الحائط وهي تضع يدها على صدرها الذي يعلو وينخفض بتنفسها الغير منتظم ، مع الأسف من سوء حظها أيضا فراغ الممر من الأشخاص لتزداد سوءً فاقده وعيها بجلستها الأرضية .


رن هاتفها من جديد لعدة مرات متتالية دون أن ترد عليه ،  صادف سير عاملة النظافة بالممر لتصرخ قائلة:

" الله أكبر  ، ألطف يا رب ، ابنتي، ما بك هل تسمعيني". 


خرج الأساتذة والعاملين الإداريين من مكاتبهم على صوت خيرية العاملة و هي تقول: 

" اسعاف  ليطلب أحدكم الإسعاف، البنت  لا تصد و لا ترد ".

 

( بمعنى انها فاقدة الوعي و لا تشعر بمن حولها).


انصدم أستاذ شريف بوضعها بين يدي العاملة خيرية  وموظف الحسابات المالية ، اقترب بسرعة متسائلا:

" ماذا حدث ، كانت بخير".


 وأخذها من يديهم وهو يصدم كف يده على وجهها بشكل متتالي: 

" شهرزاد ،  شهرزاد ".

  

تذكر المعقم وضع يده بجيب جاكيته  وأخرجه ليبخ منه على يده ومن ثم يمررها على أنفها عدة مرات حتى عادت لوعيها بصعوبة كبيرة .


وبمجرد إخراجها أنفاسها وعودتها للحياة فتحت شهرزاد عيونها وهي تستمع لصوته المتقطع لتنصدم بقربها منه لهذا الحد  حركت رأسها بسرعة مبتعدة عنه  .


تحدث معتذرا منها تاركها من بين يديه لتجلس وحدها، أسندت رأسها على الحائط الجانبي وهي تقول لهم بصوت ضعيف و عين تساقطت منه عدة دمعات ضعيفة حارقة:  " أنا بخير  ، أصبحت بخير ". 


ساعدتها العاملة بالوقوف والجلوس على المقعد الذي أتوا لها به ، اقترب منها من جديد ليسألها :

" ماذا حدث تركتك بحالة جيدة" .


ابتسمت بصعوبة و هي تأخذ نفس قصير ردت بعده: 

 " لا شيء لا زلت بحالة جيدة " .


غضب منها ليأتيها الرد: 

" هيا لنذهب للمشفى " .


استغرب الأساتذة وكل من كان يستمع له من حالته وغضبه وخوفه، اقترب وابتعد بخطوات متتالية فهو لا يستطيع الاقتراب وإمساكها و لا يستطيع الابتعاد و الوقوف صامتا.


 رفضت شهرزاد تحركها معه وأصرت على قول إنها بخير ،  ليحدثها بعصبية وغضب أكثر :

" بخير اذا، تمام لنخبر عائلتك عن وضعك و نخلي مسؤولية الجامعة عنك و نتركك بعدها ". 


 امسك حقيبتها باحثا داخلها عن هاتفها ليزيد من دهشة الجمع ، تحدث  أستاذ جمال:  

" نعم يا بنتي علينا إعلام أهلك بوضعك كي نخلي مسؤوليتنا مادمتي رافضة المساعدة ". 


اهتز شريف لبكائها:  

" رجاءً لا تفعلها ، رجاءً لا تخبرهم ".

 

 توقف عن بحثه مغلقا حقيبتها من جديد مخفضًا رأسه وهو ينظر نحو هاتفها الذي بيدها قائلا:

 " هيا لأوصلك لمنزلك و لا أريد اعتراض بهذا ". 


ثم نظر للعاملة خيرية مكملا: 

" هل تساعديها بسيرها سأذهب لإحضار السيارة واعود فورا".


وأسرع ما بين الهرولة و الركض للخارج كي يقود سيارته و يقربها لها بأقرب نقطة بجانب مبنى الإدارة.


وبالفعل وصلت شهرزاد بصعوبة كبيرة و رؤية غير واضحة للسيارة ، نزل بسرعة ليفتح الباب الأمامي لها ليجلسوها ، تحدثت خيرية: 

" سأجلب حقيبتي واتي معكم " .


و بدون أن يستمع لها أغلق شريف باب سيارته و تحرك بخوف وقلق صاعدًا سيارته بجانبها  ليبدأ قيادتها خارج الجامعة.


نظر لها أثناء قيادته ليجدها ممسكة برأسها حزن على حالها قائلا:

 " ما هذا الضعف، ما كنت انتظر منك هذا الموقف كيف تخبئين مرضك عن عائلتك وأيضا كيف تتهربين منه، أن كنتِ مريضة فعليك البدأ بالعلاج تأخرك ليس بصالحك " .


أوقف السيارة تحت شجرة كبيرة بشارع جانبي .


نظرت حولها و هي تسأله بصوت ضعيف متعب: 

" لماذا توقفنا بهذا المكان، لا أريد الذهاب لأي مكان سأتابع مع طبيبي الخاص".

 


نظر شريف حوله ثم نظر لها قائلا بحزن وحنان: 

 " ألم ترأفي بحالك ، انظري لما وصلتي له من حال ، حتى أنكِ لم تستطيعي تمييز أين نحن وهل بجوارنا مشفى أو دكتور أم لا، هل هانت عليكِ روحك لهذه الدرجة" .


ردت بصوت مختلط بالبكاء: 

 " أستاذ شريف من فضلك أنا بخير انخفض ضغطي بشكل زائد هذه المرة ، أحتاج بعض الوقت فقط". 


_ " سيكون زائد بكل مرة عن ما سبقها، كلما تأخرتي بالعلاج تزدادين سوءً ألم تري لأي حال وصلتي". 


أخذت نفسها الضعيف المتقطع لترد عليه بعد إخراجه بصعوبة منها قائلة: 

" أنا أعلم جيدا ما أفعله الموضوع بسيط سأنهي دراستي و من ثم سأتفرغ لراحتي و علاجي ". 


رد مستنكرًا: 

" دراسة وامتحانات؟، هل أنتِ مستوعبة لما أقوله أنا وما تردي به عليّ ، انا لا أصدق أنكِ نفس  الفتاة التي ابهرتني بقوتها ومثابرتها وحكمتها ، لا أصدق أنكِ أصبحتِ بهذا الضعف أمام مرضك، لا تكذبي على نفسك ولا عليّ أعلم أن الأمر ليس ببسيط  ولكني حقا اتعجب من حالتك  بماذا تفكرين اخبريني. ولا تقولي دراسة و امتحانات كي لا أتعمد برسوبك بهم".

 

 ازداد بكائها ليزداد هو ضيقا و توترا حتى فقد السيطرة على قدمه المهتزة.


فكر بهدوء محاولا تمالك اعصابه قائلا :

 " على الاقل اخبريني أنا بطبيعة مرضك ، ثقي بي صارحيني بحقيقة الوضع كي أساعدك على الأقل لكي نجد حلا تستطيعن به أن تقفي بيوم المنتدى دون سقوط أو إرهاق". 


مسحت دموعها بصمت  ليعيد سؤاله من جديد: 

" شهرزاد ما هو مرضك؟، أخبريني هيا تشجعي تبقى القليل ليخرج منك ، ثقي بي  أم أنك لا تثقين بي". 


أمال رأسه محاولا النظر لعيونها المخفضة مكملا: 

" اعترف يختل توازن إعداداتي ببعض الأحيان ولكني جيد. ثقي بي ولن اخذلك". 


توقع أن تبتسم لما قاله دون أن يتوقع بدأ حديثها القوي والضعيف في نفس الوقت: 

 " لا يوجد علاج لمرضي ، كل ما نستطيع فعله هو البدأ بجرعات الكيماوي لنحارب به تفشي المرض وانتشاره، شيئاً فشيئاً سأفقد القدرة على الحركة والحديث، سيأتي وقت انتهي وسط هذه الحرب الطاحنة التي دوما وعلى الإطلاق يفوز مرضي بها بنسبة تسعة وتسعين بالمئة، لهذا لم أرد البدأ بالعلاج الان سأتحمل حتى أنجح بتحقيق حلم أبي بي، سأرحل بسرعة دون أن أرهقهم بالمستشفيات والمصاريف الباهظة  ، سأرحل دون أن احزنهم برؤيتهم لي وأنا أذوب بين يديهم". 


لم يستطع ابتلاع ريقه ولا إخراج نفسه الذي اختنق به  حتى احمر وجهه و أصبح يحركه  يمين وشمال محاولا التنفس دون استطاعة.


فتح باب سيارته وأخرج نصف جسده للخارج وهو يسعل بقوة أخرجت أخيرا ما تلعثم به ، لتزداد بكاءا و هي تكمل :

" أنت من أردت معرفته، أرأيت،  كيف تريد مني أن أخبر عائلتي بهذا ؟ كيف سأحرق قلبهم بيدي ؟". 


اخذ نفسا عميقا ثم أخرجه بحزن وجسد مرتجف محركا قدمه ليدخلها السيارة من جديد مغلقا بابه  متحدثًا بصوت اعتلاه أنفاسه الغير منضبطة دون النظر لها: 

 "  هل تأكدتي أم مجرد شكوك " .


 لم تجبه  انتظر لثواني مكملا: 

" اخبرتيني بأن هناك تحليل و اشعة ستقومين بها  اعتقد لأجل التأكد أليس كذلك ؟".

 

رفع شريف نظره نحوها لتتسع اعينه و ينتفض من مكانه بل و يقفز لتصبح قدميه أعلى مقعده وهو لا يصدق رؤيته للدم يتناثر بكل مكان حولها.


 تساقطت الدموع من عينيه وهو يقول بأنفاسه المتقطعة : 

" شهرزاد ، لا شهرزاد ، شهرزاد".


يتبع ..

إلى حين نشر فصل جديد لا تنسى قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا .

منها رواية حياتي 

رواية جديدة قيد النشر من ضمن سلسلة روايات الكاتبة أمل محمد الكاشف ..


author-img
أمل محمد الكاشف

تعليقات

4 تعليقات
إرسال تعليق
  • غير معرف20 أكتوبر 2024 في 5:26 م

    مؤلمة جدا تسلم ايدك حبيبتي ابدعتي

    حذف التعليق
  • Rim kalfaoui photo
    Rim kalfaoui21 أكتوبر 2024 في 3:33 ص

    اه اه اه ثم اه هذا المرض خبيث ولازم عزم وكفاح وان يكون قلبك قوي وروحك ممتلئة بالإيمان والوثوق بالله بأن يشفيك ويعافيك
    علاقة شريف وشهرزاد فيها شوية بطيء ولكن بالاخير هو عاشق ولهان سوف لن ولن يتركها للمرضها

    حذف التعليق
    • Basma Fakhri photo
      Basma Fakhri22 أكتوبر 2024 في 10:37 م

      روعه ❤️

      حذف التعليق
      google-playkhamsatmostaqltradent