احكي يا شهرزاد
بقلم أمل محمد الكاشف
نظرت شهرزاد له بثبات واندهاش محاولةً منها لفهم اخر كلمات تفوه بها، وأمام هذه التعابير المختلطة بين الاندهاش والاستغراب وعدم الإدراك أعاد شهريار عليها سؤاله بصيغة مختلفة تكمن بها نبرة حديث جاد
" هل تسمح شهرزاد بأن تُدخل شهريار جنته، أو دعينا نقول هل تسمح حواء بمشاركة آدم فرحه وحزنه ، عافيته ومرضه، ضعفه وقوته، نجاحه وفشله"
أدارت رأسها لتنظر حولها وهي ترفع يدها لتحسن حجابها بتوتر في محاولة منها أن تكتسب بعض اللحظات الإضافية لتحضر له جوابا مناسبا على ما قاله .
هم بحديثه كي يقطع صمتها، لتبادره هي الحديث قائلة " لا أعرف هل ما فهمته صحيح أم لا ، كما فهمت وأرى إنه عرض خاص أليس كذلك؟"
اجابها بحماسه وعيون اصبحت تنشر الفرحة بكل مكان
" نعم هو كذلك ، فلا يمكن لشخص مثلك أن يفهم بشكل خاطئ"
استجمعت قوتها الخاوية وأعصابها المنهكة لتتحدث له بصوت خرج ضعيفا رغم إلقائه بقوة " نعم أعلم أنني شخص يستطيع قراءة المشاهد جيدًا، كما كنت أعلم أنك شخص لا يمكنه أن يخطأ بإختيار المكان والزمان المناسب لعرض كهذا ومع ذلك سأعطيك جوابك دون أي حسابات للمكان الذي نحن به، لأنه وببساطة بعد عرضك هذا تم اخراجنا من إطار الطالب والأستاذ فلا يمكنني الرد تحت هذه الاعتبارات "
قلق شريف من ردها القادم كما انه اشفق على حالتها وما وصلت إليه من حال منهك يظهر بوقوفها وتحدثها ليقاطعها قبل أن تكمل
" انتظري لا أريد إجابة الآن، لنؤجلها لوقت آخر، لكِ الحق بأخذ أكبر قدر ومساحة من التفكير، واعتذر على تحدثي بهذا الموضوع داخل الجامعة "
نظر حوله مكملا
" ليس لدي سواها، فكرت أن احصل على رقم هاتفك كي أحدثكِ من خلاله ولكني رأيته غير لائق، وما دمنا نلتقي بشكل شبه يومي فمن الأفضل أن يكون الحديث وجها لوجه فأنا لا أحب الطرق الملتوية، لهذا أردت أن اطرح الأمر عليكِ أولا وعند موافقتك يمكننا تصعيده للعائلتين "
سعلت بضعف قوتها لترد بعدها
" أعتذر منك أنا لم أقل هذا جميعنا يعلم أنك شخص لا يقوم بأفعال غير لائقة ولا طرق ملتوية أنا فقط أردت . . "
رن هاتفها بيدها نظرت نحوه، ليتحرك شريف خطوتين تحدث بعدها
" تستطيعين الاجابة عليه، كما أخبرتك لا أريد رد سريع حتى سأعتبر طلبي مرفوضا إن طالت الإجابة عليه وهذا تجنبا للاحراج بيننا ، والان اترككِ لتجيبي على إتصالك "
و بالفعل تركها وأسرع قليلا بسيره اتجاه المبنى الإداري من جديد ، أخذت نفسها بصعوبة كبيرة فتحت هاتفها بعده ليأتيها صوت توتة :
" مت رعبا عليكِ لماذا أطلتي بردك "
_" ما بكِ؟، كنت اتحدث مع أحد أساتذتي وتأخرت عليكي، لا داعي لنبرة الخوف والقلق ان عدنا بالزمن للوراء قليلا ستجدين أنني ببعض الأوقات أمتنع عن الرد بشكل كلي إما لأجل المحاضرات أو الدراسة وتذهبين كالطفل الصغير لتشتكي لامك"
حمدت توته ربها على سماع صوت اختها قائلة بحنان كبير
" اتركينا من هذا، هل أنتِ بخير؟، ما به صوتك ؟"
ضحكت شهرزاد رغم تعبها مجيبة
" قلبي لا يصدق كم الحنان المنهمر عليّ دون توبيخ ، أنا بخير أرهقت بين المحاضرات والدراسة تبقى القليل وأعود سأحدثك عند وصولي المنزل "
_ " تمام سأنتظرك لا تتأخري علينا "
وبابتسامة فرحه بدت على وجهها لتخيم على نبرة صوتها ردت شهرزاد
" من الجيد وجودك اشتقت لكِ ولقرودك الصغار "
دمعت أعين توتة التي سرعان ما تحولت لضحكة حزينة حين سمعت أختها تختم حديثها " سامحني على الكذب يا رب "
مسحت اعينها وهي ترد
" لا تتأخري علينا أنا غير مسؤولة عن نصيبك بالكبدة المشوية "
اقتربت أمال لتسأل توتة
" هل شهرزاد هي من معك "
أومأت توتة رأسها بالإيجاب
" نعم يا أمي إنها هي "
اقتربت أمال منها و أخذت الهاتف لتحدث شهرزاد قائلة
" لماذا تأخرتي كل هذا؟، يا إبنتي لا ترهقي نفسك كلما شعرتي بتحسن، اقسم بالله لو مرضتي سأمنعك عن الجامعة و الدراسة دون تفكير بالامتحانات، الصحة ليست لعبة نستهين بالحفاظ عليها "
ردت شهرزاد لتطمئن والدتها
" حسناً ساعة على الأكثر وأكون بينكم "
_" رضي الله عنك يا إبنتي ، سننتظرك لنأكل سويا مدحت زوج أختك ذهب بعد الفجر للمذبح واشترى كبدة طازجة لأجلك وأختك تبلتها وشوتها بطريقة جميلة وشهية"
ردت شهرزاد بفرح
" الله الله الله ، سأنهي ما علي وأتي على الفور ومع ذلك لا تنتظروني لأجل الأولاد وأنا سأسرع كي ألحق بهم قبل ذهابهم "
و باستغراب ردت أمال على ابنتها
" هل ارتفعت حرارتك يا ابنتي؟ ، ما دام قلتي تلحقين الأولاد اذاً انت ساخنة ومتعبة "
مسحت شهرزاد دمعة حزينة ذرفت من اعينها و هي ترد على أمها
" لا أنا بخير، و لكني أردت أن أرد الواجب مع الكبد عيب أباهم يرهق نفسه من أول الفجر و أنا أتأخر كي يذهبوا قبل قدومي"
ضحكت أمها وقالت
" اطمئن قلبي عليكِ الآن هيا ننتظرك لا تتأخري "
أغلقت أمال الهاتف وأعطته لتوتة ودموعها تتساقط منها قائلة
" قلبي ينغزني على أختك، تقول بخير ، تضحك وتسايرنا ولكني أشعر بضيق بصدري كلما رأيتها أو سمعت صوتها، حتى أنني أصبحت أراها بمنامي و هي . . "
صمتت أمال بحزن أكبر مكملة بعده
" استغفر الله العظيم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم "
اقتربت توتة بجلستها من أمها لتسألها
" وهي ماذا ؟ "
فاضت أعين الأم بما حملت
" الفتاة ذبلت واصفرت، قلبي غير مطمئن أشعر بالسوء كلما نظرت إليها، حتى أنني اجاريها بالكلام واضغط عليها أريد أن تعترض وتتذمر كالسابق ولكني لم أجد مرادي وكأنها . . "
بكت أمال أكثر
" لا استطيع تحمل ذبولها أمامي وأنا صامتة "
مسحت توتة هي أيضا دموعها الحارقة
" تبقى القليل على امتحاناتها وعودة اهتمامها بصحتها و نسبها الدموية لا تقلقي " ، ردت أمال بقلب أم قلق متخوف على فلذة كبدها
"لتحترق الدراسة على الأحلام على كل شيء أمام الصحة أنا لن أستطيع تحمل ضعف بنيانها وهزلان طاقتها واستمر بصمتي، يتقطع قلبي كلما رأيتها ممسكة برأسها وهي تستند بسيرها "
تحرك بغدادي على الفراش الجانبي ليجلس وهو يستند بظهره على الوسادة الخلفية بعد ان فشل بتمثيل نومه أمام كل هذا الكلام قائلا
" اهدئي يا أمال بهذه الحالة ستقضين عليها، الفتاة بخير مسألة وقت لا أكثر تنتهي الامتحانات ونأخذها لإجازة صيفية تهدئ أعصابها بها و تهتم بنفسها و طعامها تحت اعيننا "
ردت أمال
" استمروا بقول دراسة دراسة حتى تسقط من بين يدينا "
وبهذه اللحظة وضعت أمال كف يدها على صدرها متألمة بضيق وألم قد ضرب به بقوة، لامها زوجها معاتبا عليها و لكنها محقة بشعورها فما يلومونها عليه هو نتاج لشعور قلب الأم بابنتها التي كانت بهذه اللحظة ساقطة بالأرض بين يدي المارة وهم يحاولون إعادتها لوعيها من جديد ، ها هي غاليتها تحاول مقاومة مرضها واقناع الجميع أنها بخير لتكمل سيرها المتطوح وهي تُلحق بعينيها على لافتة كبيرة مكتوب عليها
" دكتور أمين صقر أخصائي أورام وأمراض الدم "
دخلت البناية صاعدة لغرفة العيادة بصعوبة من انخفاض ضغطها.
اقتربت من الممرضة لتسأل عن موعدها لتأتيها اجابتها
" لقد تأخرتي عن موعدك ستنتظرين كشف وإستشارتين ومن بعدها تدخلين للطبيب "
أمسكت رأسها و هي ترد بعيون شبه مغلقة
" ألا يوجد طريقة أخرى لأدخل على الفور" نظرت الممرضة لها باستغراب متسائلة
" هل أتيتي وحدك و أنتِ بهذه الحالة ؟" ، أومأت شهرزاد رأسها لتستأذن الممرضة من المرضى كي تدخلها قبلهم، سمحوا لها وهم غير راضون على تأخرها وليس فقط قدومها بمفردها و هي بهذه الحالة المنهكة.
انتظرت شهرزاد بجانب غرفة الطبيب حتى ينتهي كشف المريض بالداخل ومن ثم تدخل هي.
●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●
خرج شريف من عمله متجولا بسيارته محاولا تحسين حالته وضيق صدره، تنهد بضيق متذكر ردها السريع وكيف أوقفها كي لا يُصدم بجوابها الذي ظهر في بداية حديثها.
صف سيارته على الجانب الأيمن وفتح هاتفه ليتصل بابن خاله " هل أنت بالمكتب ؟"
_" نعم لا زلت بالمكتب، خير ما بك؟"
و بضيقه رد عليه شريف
" انا بحاجة لأن أجلس معك، ان كنت متفرغ؟"
_ " ما هذا الصوت خير يا شريف قلق داخلي"
رد شريف وهو يحاول أن يحسن صوته
" لا شيء مهم أردت التحدث معك فقط ، لنؤجلها لوقت آخر إن كنت غير متفرغ"
رد سيف باهتمام
" لا يوجد تأجيل، سأنتظرك حتى أنني سأطلب لنا الطعام حتى مجيئك "
أومأ رأسه بضيق رد به
" تمام و لكن لا تطلب لي شيء حتى أتي إليك"
أغلق هاتفه و أدار سيارته من جديد متوجها لمكتب سيف ابن خاله
●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●
انهى الطبيب فحص شهرزاد و رؤيته للبقع الحمراء أعلى يديها، تحرك ليجلس على مكتبه لتتحرك شهرزاد من خلفه وهي ترتدي سترتها وتحسن من ملابسها، اقتربت من المكتب لتجلس بجانبه ناظرة لملامح الطبيب الغير مبشرة بالخير .
سألته بخوف
" خير يا دكتور هل الوضع خطير لهذه الدرجة ؟"
نظر الطبيب لها ثم نظر لأوراق التحاليل بيده قائلا
" لا أصدق أن هناك طبيبة رأت هذه النسب من قبل دون أن تهتم وتطالبكم بالمزيد من التحاليل والفحوصات "
ردت موضحة له
" لا لم ترى الطبيبة هذه التحاليل، التحاليل التي رأتها كانت بدائية وغير شاملة أعطتنا بعض الفيتامينات و طلبت منا تحاليل اضافية إن استمر الأمر بهذا الشكل و لم ترتفع النسب "
أومأ الطبيب رأسه مستمع و هو ينظر لها منتظرا أن تكمل ما لديها حتى صمتت ناظرًا للأوراق من جديد
" هل هي من طلب هذه التحاليل بعد استمرار ضعف النسب "
صدمتهُ شهرزاد باجابتها المختلطة بدموعها
" لا. أنا من قمت بها وحدي بعد ان شككت بالأمر وبحثت وسألت بعض المختصين الذين أخبروني إنها أولى التحاليل التي يتم طلبها بهذه الحالة "
تأثر الطبيب بحالتها الحزينة ليبدأ حديثه قائلا
" قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون ، لا اكذب عليكِ امامك طريق طويل وثقيل لا يمكنكِ البدأ به بهذه الحالة، قدومك بمفردك و إخفاء الوضع عن العائلة وعدم البدء بالعلاج الفوري سيضعف من بنيتك ويتغلب عليكِ مرضك، نعم مع الأسف المعطيات جميعها توضح أن ما شككتِ به صحيح ولكننا لا نعرف لأي مرحلة وصل المرض من الممكن أن يكون ببدايته و يتم علاجه بشكل سريع، العلم تقدم وبكل يوم هناك اكتشافات وطرق للعلاج مختلفة ، كل ما عليكِ فعله الآن أن تستهدي بالله وتحمديه و تشكريه على أقداره فالحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه ، كلما حمدتِه وشكرتِه كلما وجهكِ لطرق الشفاء و النجاة"
صمت الطبيب أمام انهيارها بالبكاء ثم تحرك وبيده مناديل ورقية مقتربا منها يجلس بالمقعد المقابل لها وهو يعطيها إياهم ومعهم زجاجة ماء صغيرة قائلا
" استهدي بالله يا بنتي، من حكم خبرتي وما مر علي من حالات أكثر وأقل منكِ خطورة تعلمت و ايقنت أن الرضا بأقدار الله هو النجاة و العلاج الأول والأقوى، هل تعلمين لو عرضت اقدار الغيب على الإنسان سيختار قدره الذي اختاره الله له ، إن رضي الإنسان بقدرة لن يعرف الحزن مكان بيته، الخيرة فيما اختاره الله ، يفرض القدر على المؤمن مصيبة فيحزن، وهو لا يدري كم من المصالح والنعم العظيمة التي ستحصل له بسببها، و كم صُرف الله عنه من شرور بها ، أتعلمين يا بنيتي ما الخطأ الذي نقع فيه دائماً ؟، خطئنا اننا نعتقد دائما أنّ الحياة ثابتة وكلما اتخذنا بها طريقا علينا أن نسلكه بنجاح و دون مصاعب لأخره ، ولكنّ القدر خياله أوسع منا بكثير، ففي اللحظة التي تعتقدين فيها أنّكِ في وضع لا مخرج منه و انّكِ تصلين إلى القمة النهائية لليأس، حينها يتغيّر كل شيء في لمح البصر، وينقلب كل شيء ، و بين اللحظة والأخرى تجدين نفسك تعيشين حياةً جديدة جميلة بعد ان كشف الله عنك بلائه وكربه ، لهذا عليك أن ترضي بقدرك ولا تحزني وتعتقدين أنه آخر المطاف بل حاربي وجاهدي لتجعليه أول مطافك وطريقك للشفاء التام، عليكِ أن تخبري والديكِ، وعليكِ أيضا أن تقومي بأشعة وتحاليل على نطاق أوسع ولا أعتقد انكِ تستطيعين القيام بهم بمفردك "
وتحرك الطبيب ليجلس مرة أخرى على مقعده مترئسًا مكتبه وهو يكتب لها التحاليل و الاشعة المطلوب إجراؤها قائلا
" لا أريد أن نتأخر أكثر فالله وحده عليم بحال المرضى بالخارج "
وقفت شهرزاد وهي تعتذر عن تأخرها وأخذ وقت باقي المرضى، مد الطبيب يده ليعطيها ورقة مكتوب بها التحاليل والأشعة المطلوبة قائلا
" لا عليكِ بالشفاء التام ان شاء الله ، سانتظرك فور خروج النتائج "
وبصوتها المتعب سألته
" هل يمكنني أن أأخر إجرائها حتى انتهي من امتحاناتي بالشهر القادم "
_" تفاجأت بسؤالك، حتى لم انتظره بعد كل ما تحدثته معك ، ولكني سأجيبك بمختصر عليكِ ان تختاري بين حياتك و إمتحاناتك من منهم تستطيعين الاستغناء عنه بالوقت الحالي هل تستغنين عن حياتك لأجل النجاح بدراستك أم تستغنين عن امتحاناتك لتكتسبي حياتك و من ثم تكملي دراستك "
شكرته شهرزاد بصوتها المحتقن بالدموع وخرجت من غرفته وعيونها لا ترى ما يقابلها ، جلست على أقرب مقعد مجاور بصمت وعيون أصبحت مصب شلالات للدموع المنهمرة من قمم الجبال الخاوية .
تحدث المرضى معها ليواسوها وهم أكثر حاجة للمواساة فمنهم من حكى لها قساوة أقداره ليشعرها بنعمة ما هي به، و منهم من حكى لها عن تحسنه، ومنهم من بقي صامت يشاهدهم بعيون و قلب باكي .
تحركت شهرزاد لتخرج من العيادة بعد ان أصبحت لا حمل لها بسماع المزيد ، خرجت بلا حول و لا قوة ولا رؤية اسودت وأظلمت الحياة أمام أعينها حتى أصبحت تتحسس الحائط لتستدل على الطريق .
صُدم شريف من رؤيتها بهذه الحالة نظر خلفها نحو لافتة العيادة ثم نظر لها مرة أخرى ليتأكد إن كانت هي أم شبيهتها .
لا زالت يديها تجرف الدموع من عينيها ، ولا زالت يديها الاخرى تتمسك بالحائط بقوة خشية وقوعها، انفصلت عن العالم المحيط بها فأصبحت لا ترى ولا تسمع فقط تتنفس بصعوبة وهي تجاهد سقوطها المحتمل .
اقترب منها متحدثًا بصوت اعتلاه الخوف
" شهرزاد ؟، ماذا تفعلين هنا ؟، وما هذه الحالة ؟"
استمرت بسيرها دون رد أو انصات له فهي منفصلة عن عالمها المحيط بها ، انتبه لاقترابها من الدرج بل انتبه من عدم إدراكها لمحيطها فهي لم تعطي أي ردة فعل لاستعدادها للنزول ، انزلقت أولى قدميها دون أن تسقط بفضل إمساك شريف ليدها بسرعة مرددا إسمها
" شهرزاد ، شهرزاد ما بكِ "
شعرت بصوته و يده التي امسكتها ، اشفقت على نفسها وحالتها ليزداد بكاءها ساحبه يدها من يده محدقة بعينها بقوة كي ترى طريقها دون مساعدته .
تلجم لسانه امام حالتها المنتهية، كان يسير بجانبها ببطئ وأيدي تحيطها دون لمسها تحسبا لأي سقوط طارئ، تحدث بصوته الحزين ليوجهها
" انعطفي على الطرف الأيمن تمسكي بالمقابض الجانبية ، احذرى بداية درج صغير ، واحد ، اثنان ، ثلاث ، نعم لقد انتهينا ، انتظري لأُقرب سيارتي وأتي سريعا "
كانت قد كفت عن البكاء الهستيري واستجمعت نفسها لترد عليه رافضة الصعود معه بسيارته قائلة " لا داعي لكل ما تفعله، أصبحت بخير لا تقلق ، انخفض ضغطي و لكني أصبحت بخير الآن "
تحرك بمكانه غضبا يضع يد على خصرهُ والأخرى رفعها ليرجع بها شعره للخلف بضيق شديد، حاول أن يقنعها دون فائدة نظر بجانبه نحو مقهى لتقديم العصائر والحلوى وهو يومأ برأسه مشيرا لها نحوه
" هيا لنجلس قليلا حتى تتحسني ، لا تنتظري مني ان اترككِ و أنتِ بهذه الحالة ، إما أن تصعدي سيارتي كي اوصلكِ لمنزلك بنفسي وأما أن تجلسي حتى تتحسني "
مسحت أثار الدموع من على وجنتيها قائلة
" حقا انا بخير لا داعي للقلق "
ألقى نظرة لأعلى البناية ثم عاد لينظر لها متسائلا
" هل كنتِ بعيادة الطبيب ، هل هناك اخبار جديدة يعني هل اطمئنيتي على صحتك " .
أجابته بسرعة
" كله تمام الشكر لله حقا لا داعي لقلقك "
فكر قليلا وهو يحدق بعينيها محاولا أن يفهم حالتها متحدثا من جديد
" ما دمتي لا تريدين مني مساعدتك و لا حتى جلوسك قليلا ليتحسن وضعك، إذا ما علي سوى تركك على راحتك " وأخرج هاتفه ليفتحه مكملا " سأتصل بالمهندس مدحت ليأتي و يساعدك "
حدث ما توقعه حين أسرعت و سحبت هاتفه من يده قائلة " لا "
نظر لخوفها وهاتفه الذي بيدها باعين حملت أسئلة كثيرة ، تحدثت شهرزاد من جديد لتبرر ما فعلته
" سأعود بمفردي لا أريد ازعاجه أو اشغال باله علي و هو بعمله، يعني كي لا نضعه بموقف حرج مع مديره "
و بصمت أشار شريف بيده نحو المقهى وتحرك قبلها دون أن ينتظر موافقتها أو رفضها، لتسايره و تتحرك من خلفه جالسة معه على نفس الطاولة واضعة حقيبة ظهرها على المقعد الجانبي ومن ثم مدت يدها لتضع هاتفه أمامه .
جاء إليهم النادل نظر شريف له قائلا
" كأس عصير مانجو طازج و قهوة سادة "
قاطعته لتقول " لنجعله إثنين قهوة سادة "
تخطى ما قالته دون جواب سائلا النادل
"هل استطيع اخذ طبقين أرز بالحليب بالقشطة الخاص بكم أم ستقول انتهى كالمرة السابقة "
ابتسم النادل و أجابه
" بالفعل انتهى بالفترة الصباحية ومنذ قليل أتت لنا الطلبية الجديدة، سأحضره لك بجانب القهوة" _"تمام انتظر عصير المانجو والقهوة بجانب الأرز بالحليب وتوصى بالعسل الأبيض على الوجه "
رد النادل عليه
" تحت أمرك يا سيدي "
وذهب ليحضر الطلبات، تنهد شريف وهو يمسح وجهه بضيق قائلا بعده
" لا تريدين مني أي مساعدة ، وتطلبين القهوة لتزيدي من ضغطك عليّ، ماذا تريدين مني اخبريني لارتاح ، انتظري هل رهانتي على افقادي عقلي "
ابتسمت بوجهها المتعب مجيبة
" لا والله ولكن حضرتك من يطلب ما لا أستطيع فعله، صعودي لسيارتك وشربي للعصير الذي أحبه كثيرا وايضا طلبت بجانبها ارز بالحليب ليزيد الأمر صعوبة"
رد بدهشة
" هل يوجد أحد لا يحب المانجو و الأرز بالحليب و خاصة من هذا المكان "
عادت لتتبسم وهي تقول بصوت علا عليه القليل من النهج
" لا لم أقل هذا ، ولكني بهذا الشكل سأهدر حقي بالكبدة المشوية، يعني عدم مقاومتي لما طلب سادفع ضريبتها بشكل قاسي عند عودتي"
ضحك وجهه وهو ينظر لأطباق الأرز التي وضعها النادل أمامهم ومن ثم وضع المانجو أمامها و القهوة أمامه متسائلا
" هل تأمروني بشيء آخر "
●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●
نادت أمال على ابنتها
" يا توتة اتصلي بأختك و اسأليها أين هي حتى الآن ، تأخرت كثيرا "
رد الحاج بغدادي
" اتركوها مع صديقاتها براحتها فهي تتحسن كثيرا وسطهم و وسط الدراسة و المحاضرات "
أتت توته لغرفة التلفاز و هي تقول لأبيها
" أنت محق لتتأخر كما تريد بالأخير ستعود و نأكل سويا "
رد بغدادي
" حضري لي كوب نسكافيه وبجانبه قطعة كيك البرتقال الذي أرسلته أم زينب لنا "
رد ابنها " و أنا أيضا يا ماما " ، و رد الآخر " و أنا أيضا أريد كجدي و هادي "
●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●
نظر شريف لها قائلا
" اشربي العصير على الأقل "
ردت بصوت متعب
" أعفني معدتي غير متقبلة لأي شيء الآن " تحدث بصوت حنون
" و إن قلت لكِ لأجل خاطري ، اعني لأجل خاطر أستاذك "
صمت شريف بحزن ويقين منه أنها لن تستجيب ولن تشرب شيء ولكنها أبطلت توقعاته بإجابتها
" تمام لأجل أستاذي "
وأخذت كأس العصير وبدأت تشرب منه رغما عنها و هي تتألم*ط من روحها الحزينة* ومعدتها الغير متقبلة للشرب .
ساد الصمت مرة أخرى، أنهت شهرزاد عصيرها و هي تختلس بعض النظرات من الحين للاخر نحو من كان يتعمد أن لا يتخطى حدوده حتى و لو ببضعة نظرات قليلة ، أشار لها نحو طبق الأرز و قال
" أعدكِ أنكِ ستأتين خصيصاً لإعادة التجربة تذوقي أول معلقة فقط لتعلمي مدى صدق كلامي"
نظرت للطبق بين يديها و هي تنظر له
" حقا لا أريد احزانك رغم أنني لا أشتهي " أخذت منه اول معلقة تلتها الأخرى ثم الأخرى حتى وصلت لمنتصف الطبق .
حزن كثيرا على وضعها و طريقة ابتلاعها، علا صوت رنين هاتفها تذكرت أختها بمجرد رؤيتها للاسم نظرت له بتوتر ثم نظرت للهاتف و فتحت لتجيب عليه
" أعلم أنني تأخرت ولكني سأتي بغضون النصف ساعة أو أقل "
ردت أختها
" لا لم تتأخري أكلنا كيك منذ قليل كوني على راحتك "
وقفت شهرزاد وهي تكمل
" هل احزنتك، والله لم أقصد هذه المرة كنت أنوي العودة باكرا"
وبنبرة حاولت أن تمزجها بروح الفكاهة أكملت شهرزاد
" سآتي على الفور حتى سأتحمل عقابي واتناصف نصيبي مع الأطفال "
ردت توتة عليها بصوت حزين
" انتبهي على نفسك نحن بإنتظارك "
أغلقت توتة الهاتف وهي تضع يدها على قلبها بعد ان عاد ضيقها وانقباضه حين تذكرت حلمها المؤلم أخذت نفس عميق واخرجته مستعيذه بالله من الشيطان الرجيم .
تحرك شريف خلفها بعد ان اعطى النادل حساب الطلبات و أكثر قائلا
" اتيتِ لعيادة الطبيب بمفردك و دون علم أحد من عائلتك وخرجتي بهذه الحالة التي كنتِ عليها و لا زلتي تقولين لا شيء "
نظرت له لتجيبه
" لا لقد فهمت الأمر بشكل خاطئ "
فتح هاتفه و قال
" إذا لنجعل مدحت يُفهمني الأمر بالشكل الصحيح "
_" أرجوك لا تضغط عليّ، سأكون بخير د، اريد فقط المزيد من الوقت لترتيب أموري ، لا تقلق اهتم بنفسي جيدا ولكنهم لو علموا أنني لا زلت مريضة لن يتركوني وسيمنعوني من الدراسة و الجامعة بالإضافة لحزنهم"
تجمعت الدموع مرة أخرى بعينها وهي تقول
" انا لا اريد احزانهم"
رد شريف بتوتر وخوف
"هل هناك خطب كبير ، يعني هل المشكلة المرضية كبيرة لهذه الدرجة ، بصراحة وضعك المضطرب و مجيئك لهذه العيادة بهذا التخصص أصابني بالقلق الشديد ، ألم تري حالتك و انتِ تخرجين من عيادته "
ابتلعت ريقها مجيبة عليه
" على الإنسان أن يرضى باقداره ، أيا كانت ثقل الأقدار فهي من عند الله "
و قبل ان يبدأ حديثه لها ، رفعت يدها لتوقف سيارة أجرة قائلة
" كما رأيت علي أن أسرع بعودتي ، شكرا لك على كل شيء "
و ابتسمت مكملة
" ليكن دينا علي "
ابتسم وجهه بصعوبة ناظرا لصعودها بالسيارة التي تحركت فور إغلاقها لبابها تجنبا للازدحام المروري .
اغلق عينه حزنا عليها أدار رأسه لينظر نحو لافتة الطبيب مرة أخرى وهو يقرأ التخصص بتمعن متمنيا أن يجد خطأ بقراءته الأولى له .
كان شاردا باللافتة لدرجة إنه لم ينتبه لسيف و هو يحدثه " أين أنت لقد فقدت الامل بقدومك"
●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●
عادت شهرزاد لمنزلها وهي فرحة بأطفال أختها اللذان حاوطا ارجلها، اقتربت توتة وأمسكت أولادها لتبعدهم عنها قائلة لهم
" بهدوء انتظرا لترتاح "
خرج بغدادي من الغرفة بأعين اب قلق أراد أن يطمئن قلبه على ابنته وصوت خرج منه بنبرة ضاحكة ليخفي خوفه وقلقه
" تبقى القليل لأكلي الأولاد من جوعي ، أصبحنا كالقطط نشتم رائحة الشواء و لا نستطيع تناوله "
_" ها قد عدت هيا لنأكل على الفور "
خرجت أمها من المطبخ لتقول
" ادخلي اغسلي يدك بسرعة لنبدأ "
تحركت شهرزاد نحو الحمام و هي تتحدث و تضحك مع الأولاد و تخبرهم أنها اشترت لهم الحلوى و ستعطيها لهم بعد تناولهم الطعام .
كانت الأجواء عاطفية بشكل زائد الجميع يمثلون انهم بخير و أنهم غير قلقون ، جميعهم يمثلون ضحكهم و فرحتهم و بالواقع قلوبهم تعتصر *
حزنا عليها وقلق كمن بقلوبهم ، ينظرون لشهرزاد وهم على يقين بوجود خطب ما حتى وان كانوا لا يعلمونه و لكنه أصبح مرئيا .
اهتم الجميع بإطعامها رغما عنها حتى هربت منهم ، تحرك الأولاد خلف خالتهم لأخذ حلواهم ، تحدثت أمها آمال بصوت منخفض
" لا تنتظروا مني أن أفكر بدراسة ولا شيء الفتاة ستذبل وتنتهي من بين يدينا تبقى شهر كامل على بدأ الامتحانات لن أستطيع الانتظار سآخذها واذهب للطبيب في المنصورة الجميع أشاد بتميزه نذهب لنطمئن ونعود بعدها لتكمل دراستها و امتحاناتها "
رد بغدادي مستسلما
" لن اعترض ولكن عليك أن تكوني حذرة، رأيتي في آخر مرة ضغطتي عليها كيف ساءت حالتها "
تحركت أمال مبتعدة عن مائدة الطعام و هي ترفع الأطباق و تقول
" اتركها عليّ أنا ساقنعها بهذا "
●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●
تحدث سيف بتذمر
" لا أصدق أنك أكلت أرز الحليب بدوني ، أخبرتك أنني سأطلب لنا وجبات جاهزة لماذا تسرعت وأكلت بمفردك "
نظر شريف للأوراق التي بيد سيف قائلا
" هل طرأ لك عمل مفاجئ "
_" لا كنت قد نسيته بسيارتي وجئت لأخذه وآخر ما أفكر به أن اراك أمامي تأخذ باقي حسابك من النادل يعني ان لم أرى بعيني لن أصدق، حتى إنك لم تفكر أن تشتري لي طبقا معك منذ متى أصبحت بخيلا لهذه الدرجة "
نظر شريف من جديد على إسم الطبيب داخل اللافتة الكبيرة قائلا بحزن " هي ليست بخير "
نظر سيف صوب مد نظره قائلا
" من ؟، ما بك؟ ، عن من تتحدث ؟ "
●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●
استجابت شهرزاد لأمها دون اعتراض مما أثار شك عائلتها وجعلهم أكثر ترقب لحالتها وحركاتها البطيئة ، اتصلت أمال بعيادة الطبيب بمحافظة المنصورة لحجز موعد لهما حتى ولو اضطروا أن يسافروا على الفور .
و بعد أكثر من محاولة و انتظار على خط الهاتف تم الحجز بعد أسبوعين من هذه اللحظة ، اقترح بغدادي أن يبحثوا عن طبيب آخر و أعاد حديثه لزوجته
" انتهينا من كل الأطباء الممتازين بالقاهرة لنبحث عن غيرهم بباقي المحافظات "
دافعت آمال عن طبيبها قائلة
" أعلم لم تقتنع بما قلته و لن أعيد لك قصص الذين تداووا على يديه "
وافقت شهرزاد أمها على أن ينتظروا هذا الطبيب لتقول
" أعتقد أنه مناسب أكثر، بهذه الفترة أكون قد أنهيت جزء كبير من دراستي، وأيضا لدي مفاجأة صغيرة لكم"
كانت توتة أول من ضحك وجهه بمجرد رؤيتها فرحة اختها لتسبقها بالحديث متسائلة
" هل استجاب الله لدعاء أمه "
استغربت شهرزاد من رد اختها ، ضحكت أمال و هي ترد على توتة
" نعم من يرزق ببناتي عليه أن ينتظر استجابة الله لأمه كي يفتح عليه أبواب السعادة و الهناء "
تحدث بغدادي مقاطعا لزوجته
" هل عدتي لمتابعة أفلام الأبيض والأسود يا أمال ، دعاء ماذا وأي استجابة و أيضا هل عندما تقرر شهرزاد القيام بمفاجأة لنا ستكون عريس، لقد سبحتي بأحلامك "
و بنفس نبرة ضحكها أجابت شهرزاد أباها
" قل لهم ، و الله جعلوني اشك بنفسي حتى أني كررت ما قلته أكثر من مرة كي اخرج كلمة عريس بالجملة ولم أجد "
ضحك بغدادي مع ابنته و قال
" اتركينا منهم أخبريني ما هي مفاجأتك "
ردت بفرحة عارمة
" لقد تم اختياري لتمثيل الجامعة بالمنتدى الثقافي السنوي "
فرح بغدادي و تحدث بسرعة
" يا كرم الله ، سبحان الله السنة الماضية بقيتي تدورين كالنحلة تبحثين على أكبر كم من مقاطع فيديو لتشاهديها من هذا المنتدى "
تحركت بمكانها من فرحتها و سعادتها و هي ترد على ابيها
" نعم ، هل لا زالت تتذكر ، حتى إنك دعوت لي أن أكون من أحد مشتركيه في يوم من الأيام"
دمعت أعين آمال من فرحتها بسعادة ابنتها باركت لها و هي تدعو أن يكمل الله فرحتهم بشفائها التام و تحركت بعدها لتضع إبريق الشاي على الموقد و تقطع الكيك و البسبوسة بالقشطة .
تحركت توتة خلف أمها لتساعدها وتحثها على توقفها عن البكاء كي لا تراها اختها ، نظر بغدادي لابنته قائلا
" تحركي و اذهبي لغرفتك بدلي ملابسك كي تكوني أكثر راحة و عودي بسرعة كي نرى كيف ستشاركِين بالمنتدى "
كانت فرحة عائلتها قد اعطتها طاقة إيجابية تحركت بها و كأنها شفيت تماما من مرضها ، دخلت غرفتها و أغلقت الباب خلفها مسرعة بتبديل ملابسها كسابق عهدها وبحركة سريعة وضعت ملابسها على فراشها واقتربت من الباب لتخرج مسرعة كي تكمل لأبيها ما بقي ناقصا .
تفاجأت بدم ينفر من انفها بكثرة ، ارتعبت خوفا تسمرت ثواني معدودة بمكانها و هي تنظر للدم المتساقط بكفي يديها المرتجفة .
دخلت توتة الغرفة عليها لتنصدم بحالتها نادت بهلع " أمي ، أبي "
اقتربت من المكتب لتسحب كم كبير من المناديل الورقية لتضعها على أنف اختها التي ما زالت متسمرة بمكانها من أثر الصدمة.
كان بغدادي اول من تفهم الأمر اقترب من ابنته و ضغط بيده أعلى طرف انفها كي يوقف نزيف أنفها وهو يقول لهم
" لا شيء كبير، كانت تأتيني بالماضي، ما بكم تنظرون هكذا، هل نسيتم ما كان يحدث معي "
امسكتها أمها و ارجعتها بهدوء لتجلسها على فراشها واباها لا زال ضاغط على انفها حتى توقف الدم، جلسوا بغرفتها ليشربوا الشاي بجوارها وهم يضحكون ويسايروها بالحديث عن المنتدى و الدراسة .
●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●
تحدث سيف ليهدئ من حالة صديقه و ابن عمته " لا تكبر الأمر البنات بهذا العمر تتوتر نفسيتهم وتجدهم يبكون على أقل وأتفه الأسباب، بجانب مشكلتها الخاصة اعتقد إن هذا ما جعلها أكثر حزنا وتأثرا يقولون أن المرأة بالحمل والرضاعة والأيام الشهرية المعدودة يكونون باسوء حالتهم النفسية ويرجع السبب للتغيرات الهرمونية ، يعني عليك أن تتحملها تسع أشهر و بعدها أربعين يوما وبعدها سنتين رضاعة بخلاف عدة أيام من كل شهر ممنوع الاقتراب حذرا من الخطر المحتمل، و بعد الانتهاء تتفاجأ بحمل جديد خلاف المشاكل والبهارات الطبيعية بالحياة التي إن لم تكن بسببكم ستكون بسبب المحيطين بكم "
و بضيق كبير رد شريف
" يا ستار يا رب ما هذه النظرة السوداوية للحياة"
أجابه سيف
" أنا أحب أن أكون واقعي لهذا لا زلت أبحث بدقة و عقل عن من تستطيع خوض هذه المعركة القوية معي ، بالإضافة إنها تضحك أمام المخاطر "
هز شريف رأسه بعدم رضا قائلا
" و أين المودة و الرحمة و السعادة الزوجية "
رد سيف ضاحكا
" بهذا الزمان ذهبوا برحلة ذهاب بلا عودة بسلامة رأسنا "
رد شريف بنفس ضيقه
" و نعم الصديق، جئتك مهموما وسأخرج مشلولاً "
ضحك سيف أكثر " ماذا عليّ ان أفعل أحاول أخراجك من حالتك حتى أنني خفت مما قلته لك، هل سيحدث هذا حقا يعني هل ستكون الحياة مأساوية لهذه الدرجة "
تنهد شريف بضيق ليكمل سيف حديثه
" تمام سأصمت عن الضحك و لنتحدث بجدية قليلا ، قل لي ما الذي جعلك تعتقد أن الوضع خطر وهي تخفيه عن عائلتها وهذا الفيلم الكبير فمن الممكن أن تكون أخفت تراجع نسبها الدموية كي لا يمنعوها من الذهاب للجامعة أو الدراسة كما أخبرتك أو أن أحد والديها مريض وتخاف أن تزيد مرضه بقلقه عليها و اعتقد هذا الأرجح "
رد شريف عليه
" سأتحدث معها واسألها من جديد ، عليها ان تعطيني توضيح و جواب كافي ومقنع ، وأنا من ذهب وطلبت منها أن تدخلني حياتها وهي بهذه الحالة "
و بتعابير وجهه المتفاجئة رد سيف عليه بسرعة " ماذا فعلت ؟، لحظة لافهم آخر ما قلته، هل ذهبت و طلبت يد الفتاة!"
رد شريف بضيق أكبر و أكبر
" لا تذكرني بما فعلت ، لا اعرف كيف خرج مني ، عندما أقف أمامها أصبح شخصا آخر لا يعرف ما يصدر عنه من أقوال وأفعال وكأني مسير و ليس مخير و كأن بي سحرا لا يفسد إلا بعد ابتعادي عنها "
قفز سيف ليتربع على مقعده بحماس قائلا
" بهدوء يا شهريار أنا لست بقدرك قلبي الصغير لا يحتمل اعتراف كهذا بجانب عرض زواج، لنبدأ من عرض الزواج كيف عرضته عليها وما هي ردة فعلها ، هل أتيتم سويا للطبيب، لا لقد أخبرتني أنك أمسكت بها وهي تخرج من العيادة ، اتركنا من مرضها الآن و أخبرني، بماذا اجابتك؟"
●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●
مر الوقت ونام جميع من بمنزل بغدادي ما عدا شهرزاد التي كانت تحتضن أختها على الفراش و تمسح دموعها
" لا يمكنك فعل هذا أخبرتك أنني بخير ، انتفخ قلبي من بكائكِ وكأنني سأموت غدا "
فزعت توتة وابتعدت عن حضنها و هي تنظر لوجهها
" لا قدر الله ما هذا الكلام "
ابتسمت شهرزاد و هي ترد عليها بصوت منخفض " هل اعطيكِ سرًا"
اتسعت أعين توتة بالاثارة
" هل سر؟ " .
زادت ضحكة شهرزاد و هي تقول لأختها
" نعم سر، لا أريد لأحد معرفته بالوقت الحالي، سأخبرك أنتِ فقط كي تكفي عن حزنك وبكائكِ"
أومأت رأسها استجابة لأختها وهي صامتة تنتظر ما ستقوله لها ، أكملت شهرزاد حديثها بوجهها المبتسم بوجه اختها قائلة
" لقد عرض أستاذ شريف الزواج علي اليوم "
صُدمت توتة
" شهرزاد هل تضحكين علي كي أكف عن بكائي وأنام بعدها كما أفعل أنا مع أولادي "
ضحكت شهرزاد على حالة أختها قائلة
" و هل ضحكت بهذه الأمور من قبل "
خرجت زغرودة عالية من توتة أسرعت شهرزاد لتضع كف يدها على فمها لتصمتها وهي تقول
" هل تتعاملين مع الأسرار بهذا الشكل "
و بفرح و صوت عالي ردت توته
" الحمد لله و أخيرا جاء صاحب النصيب ، شريف ابن حلال و الله أحببته من أول نظرة"
نظرت شهرزاد نحو باب الغرفة و هي ترد عليها " اخفضي صوتك سيفضح أمرنا "
ردت توتة بحماس
" اعتذر منكِ يا شوشو لأنها كانت صحراء جرداء قاحلة ، حتى اقترب فقدان الأمل في التخلص منكِ، أنا لا أصدق حقا "
صدمتها بلطف على يدها و هي تضحك معها
" أنتم فقط لا تقدرون قدراتي "
سألتها توتة بسرعة و لهفة
" و بماذا أجبتي ، انتظري ستخبريني أولا كيف كان العرض و بعد ذلك ستحكين لي بالتفصيل أدائك بالرد عليه "
ردت شهرزاد بتساؤل
" هل أداء بالرد ؟، لا يوجد أداء و لا شيء رفضته طبعا أنا ليس لدي وقت لهذه المهاترات"
و بعيون خرج منها شرارات الغضب وبصوت أشبه بأصحاب الحواري ردت توتة عليها
" رفضتي من!؟ ، هل ما فهمته صحيح ؟، رفضتي العريس الوحيد الذي أكرمنا الله به"
ابتلعت شهرزاد ريقها وهي تحك شعرها قائلة
" لا ليس كما فهمتي ولكني أجلت ردي إلى ما بعد الامتحانات، و قد وافق على هذا يعني لا مانع لديه أن ينتظر حتى انتهي من امتحاناتي كما أنه سيساعدني بتحضير و تعديل ما سألقيه بالمنتدى الثقافي "
احتضنت توتة اختها بقوة فرحها و حماسها ، نجحت شهرزاد بإزالة الحزن والدموع من قلب وعين أختها الحنونة ليس هذا وحسب بل و نجحت بتحسن حالتها وكأنها اقتنعت بما قالته لها.
نامت توته بوجهها الضاحك وهي تحتضن أختها التي لم تكف عن أحلام تجهيزات الخطوبة ليسبحا بهذا الشكل بنومهم العميق المريح .
اعتقدت شهرزاد أنها باحتضانها لأختها ستشعرها بالراحة و الأمان و لكن بالأصل وبعد نومهم بهذه الراحة اتضح أنها هي من كانت بحاجة لهذا الحضن الدافئ ليشعرها بأنها لا زالت حية ترزق .
يتبع ..
إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا.
منها "رواية حياتي"
رواية جديدة قيد النشر من ضمن سلسلة روايات الكاتبة أمل محمد الكاشف ..