احكي يا شهرزاد
بقلم أمل محمد الكاشف
#أقدارنا
اللهم لا تحملنا ما لا طاقة لنا به .
…………..
علا صوت الصفعة القوية التي سقطت على وجه جمال لتتجه الأنظار نحوهم بحالة من الدهشة، العيون متسعة مترقبة بصمت .
أكمل أستاذ شريف خطواته التي تباطأت باتجاه شهرزاد التي أصبحت بحالة مختلطة لا تعرف ما عليها فعله هل تنتظر اقترابه لمعرفة ما يريده منها، أم تذهب لصديقتها لترى ما يحدث معها ، لم يلبث تفكيرها سوى عدة ثواني سريعة تخطاها بعدها شريف وهو يمر من جانبها رافعا يده مرحبًا بسيف ابن خاله
" الباش مهندس سيف الحلو بجامعتنا المتواضعة يا أهلا و يا سهلا أنارت الجامعة بهلولك"
التفتت خلفها لتتأكد انه يسلم على من سقطت بين يديه منذ قليل، رد سيف على شريف وهو يضحك مع ابن عمته وعيونه مثبته عليها .
تحركت شهرزاد مقتربة من نسمة التي بدأ صوتها يعلو
" ان مددت يدك مرة أخرى سأقطعها لك "
نظر سيف نحو الجمع ثم نظر لشريف قائلا
"هل من جديد شهرزاد؟، لم أفكر أبدا أنني سأتعرف عليها بهذه الطريقة ، هل وصلت لصفع صديقها بوسط الجامعة "
لم يسمح له صوت نسمة الصارخ أن يسأل شريف عن قصده ، نظر الجميع نحوها مرة أخرى وهي تتحرك وتصرخ .
اسرعت شهرزاد خلفها ملقيه بحقيبتها أرضا لتقترب من صديقتها كي تزيل الحشرة من أعلى حجابها، فقد اتضح إن جمال أخذ تلك الصفعة بغير حق حين أراد أن يزيل الصرصار الطائر من أعلى حجابها بنية حسنة وقلب خاف على محبوبته
ضحك سيف ساخرا مما يراه
" من الواضح ان عملكم صعب "
ربت شريف على ظهره مصطحبه بسيره نحو مبنى الإدارة
" هيا لأضيفك حتى لا تفضحنا مستقبلا "
تحركا سويا وعيونهم على نسمة التي سقطت باكية في حضن صديقتها، تفرق بعدها الجمع كما حزنت نسمة كثيرا مما حدث وتحركت لتخرج من الجامعة بسرعة دون أن تستمع لأحد و لم تنتبه حتى لصديقتها التي انخفض ضغطها لدرجة أصبحت غير قادرة على الوقوف والخروج خلفها .
●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●
ضحك سيف بقوله
" علمنا أنها قوية ولكني خفت عليك من الآن ، احذرك من معارضتها فمن الواضح ان يدها أطول من لسانها "
ضحك شريف على ما يقوله ابن خاله و تحرك ليعطيه فنجان النسكافيه قائلا
" دعك من كل هذا و أخبرني بأي رياح أتيت إلينا "
رد سيف قائلا " جئت لأرى بأي فخ سقط شهريار عائلتنا"
علت قهقهة ضحكاتهم ليرد شهريار
" وكيف رأيت فخي"
ضحك سيف أكثر مجيبا
" كان الله بعونك وحفظنا من ابتلاء يشبه ابتلائك"
تحدث شريف بجدية وقال
" اتركنا من ابتلائي وقل لي هل أنت متأكد من قرارك. أرى أن خطوة كبيرة كهذه لا يمكنك الإقدام عليها بسهولة ماذا أن أتت النتائج بعكس المقرر لها "
و بعد تفكير عميق رد سيف عليه
" نعم أنت محق الإقدام على الأعمال المعتمدة على البورصة و البنوك مليئة بالمخاطر ولكن بالمقابل مكسبها كبير يكفي ان تلعب مرتين على الأكثر كي يحالفك الحظ العمر كله "
_ " أنت تعلم أنني معارض وبشدة لما تقوله ، حتى أقول لك ثقتك الكبيرة هذه تزيد من تخوفي ومعارضتي لك كن حذرا أخاف من انقلاب الحظ إلى كابوس مظلم"
_" تمام أعلم ما تقوله ، لا تقلق عليّ ، بالأصل جئت إليك وأنا أعلم ما ستقوله لي ولكني مُصر على خوضي التجربة "
رن هاتف سيف ليرد عليه سريعا قائلا
" هل بهذه السرعة ، حسنا بالأصل انا قريب منكم سآتي لاستلامها في غضون نصف ساعة على الأكثر "
و وقف وهو يغلق الهاتف، ليسأله شريف
" ما بك إلى أين أنت ذاهب "
أمسك سيف فنجان النسكافيه ليشرب ما تبقى به قائلا " كنت بحاجة إليه ، أعلم اننا لم ننهي حديثنا ليبقى هذا دينا عليّ ، و لكني مجبر على الإسراع لاستلام دفتر التقديم والشروط قبل موعد انتهاء الدوام "
تحدث شريف
" تقول أنني ماضي بسيري و لن استمع لأي رأي معارض"
دافع سيف عن نفسه
" استلام دفتر الشروط والتقديم لا يعني إتمامي الأمر. لا تقلق سنجلس ونتحدث باستفاضة أكثر و لكن الآن عليٌ أن أطير للحاق بهم "
ودعه وهو يشير له بيده متحركا للخارج كي يلحق بقدره الذهبي كما يحلم ، ومن جديد صادف شهرزاد بطريق خروجه تعرف عليها بخطواتها البطيئة المتعبة، اقترب منها ليبدأ حديثه " هل أستطيع المساعدة؟ يمكنني أن اطلب لكِ سيارة"
قاطعته رافضة لعرضه قائلة
" شكرا لك لقد طلبتها بنفسي وهي الان تنتظرني بالخارج "
نظر سيف ليدها المرفوعة على رأسها ثم نظر لوجهها المتعب قائلا
" هذا جيد أتمنى لكِ الشفاء "
وتحرك ليخرج من جديد و لكن هذه المرة بخطوات بطيئة تحسبا لسقوطها الذي أصبح شبه مؤكد لمن ينظر إلى وجهها .
اقترب من بوابة الجامعة الكبيرة وانتظر قليلا ليراقبها وهو ينظر لساعة يده ، خرجت شهرزاد بصعوبة حتى وصلت لسيارة الأجرة وصعدت بها قائلة للسائق بصوت منخفض
" منطقة المهندسين معمل ألفا للتحاليل الطبية "
●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●
وبعد ساعات كانت شهرزاد نائمة على فراشها يأتيها بحلمها صورة الأمير توران تارة و تارة أخرى ترى أميرها شهريار ، تقلبت على فراشها وهي تستمع لضجيج أصوات بجانبها لا زالت عيونها متعلقة بأعين شهريار وهي بين يديه في منتصف قاعة المحاضرات .
تقلبت من جديد لتفتح عينيها بغرفتها المظلمة وهي تستمع لصوت أختها و أولادها بالخارج ، ابتسم وجهها محدثة نفسها
" من الواضح أننا سندفع ثمن رحيل الحجة فهمية و بناتها "
تحركت لتجلس على فراشها أنزلت ارجلها كي تذهب إليهم و تحتضنهم فور خروجها من غرفتها، تحدثت آمال
" ستسقط بين يديكم انتظروا لتجلس "
رد الحاج بغدادي
" تعالي يا شهرزاد اجلسي بجانبي، فهم لن يهدؤوا إلا بهذه الطريقة "
ضحك الجميع لتتحدث توتة
" طمنيني يا شوشو هل تحسنتي؟"
ردت أمها
" نعم تحسنت إن رأيتي وجهها عند وصولها لانقبض قلبك من خوفه"
و بصوتها المضحك ردت شهرزاد لتطمئنهم
"لا تبالغوا كنت جائعة لا أكثر وأيضا لم يرحمنا أي أحد من استاذتنا، الجميع يريد أن يفضي ما بجعبته دون رحمة "
وبضيق وخوف رد بغدادي
" ما كان عليكِ أن تعودي للجامعة إلا بعد إتمام شفائك وارتفاع نسب الدم"
ردت توتة بسرعة لتقاطع أباها وهي تسأل أختها " كيف اضعتي ورق التحاليل بهذه السهولة ، حين أخبرتني أمي بهذا كان بودي أن أعود للمركز كي أبحث عنهم "
هزت آمال رأسها معقبة على ابنتها
" والله فكرت بما تقوليه، ولكننا نستطيع اخراج نسخة جديدة منها، من المؤكد أن جميعها على موقع المركز، أليس كذلك؟"
رد بغدادي مؤكدا على ما قالته زوجته
" نعم لنخرجها هل دفعنا كل هذه الأموال دون أن تسجل من المؤكد أنها مسجلة "
و بسرعة قلقها ردت شهرزاد
" لا داعي. اخبرتكم انه لا داعي لهذا، النتائج مرضية والنسب مرتفعة بشكل مناسب الشكر لله، وأيضا سأعيدها بعد أسبوعين أو أكثر فلا داعي لهذا "
سألتها أختها بقلق
" هل أنتِ متأكدة من هذا ، بصراحة لا أصدقك كيف رأيتي النسب ولم تحفظيها بعينك التي أشبهت ذاكرة الحاسوب "
ضحكت شهرزاد قائلة
" قل أعوذ برب الفلق ، علمت الآن سبب العطل وسأقوم بالعمل عليه لا تقلقي "
ضحك الجميع عليهما و خاصة عندما تحدث باهي و سألهم " خالتي ما هو المعطل"
●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●
شرد شريف بلحظة اقترابه منها وهمسه لها
" أنا لم أرى قمرا سيئا من قبل "
نظر لأبيه كي يشعره انه يستمع له متابعًا حديثه مع والدته ولكنه بالحقيقة كان سعيدا بضحكتها الخجلة وتفاصيلها الشاردة ، أنهي طعامه وتحرك من على المائدة تاركا الحوار الذي لم يستمع له ذاهبًا لغرفته كي يكمل شروده بها و هي تقص عليهم قصتها الجميلة محدثا نفسه
" تغضبين على الملوك والأمراء وبنفس الوقت تظهرين صدقهم وقلبهم الكبير يا للغرابة " .
لم يكن الوضع متشابه عند شهرزاد وهي تستأذن من عائلتها لتتركهم كي تذهب لصومعتها لتنهي تدوين ما تغيبت عنه ، وبرغم معارضة والديها إلا أنهم لم يريدوا احزانها ليتركوها تدرس بشرط أن لا تتأخر عن الساعتين على الأكثر .
كان عليها ان تبدأ بتدوين المحاضرات والمعطيات الهامة أولا ومن ثم تدون أحداث جديدة تجولت بأحلامها أثناء نومها وحان وقت تسطيرها ، وضعت دفاترها أمامها لتقع عينها على صورة القمر المرسوم على إحداهما مدت يدها لتمرر أطرافها على غلاف دفترها وهي تتذكر صوته الذي أتاها هامسا من الخلف.
شردت شهرزاد متذكرة وجهه القريب منها حين عادت لوعيها، ابتسم وجهها متذكرة حالته بجانب عائلتها بالمشفى ، تغيرت ملامح وجهها وتحركت مقتربة من حقيبتها لتخرج منها أوراق نتائج التحاليل وعينيها تترقب باب الغرفة ، فتحتهم من جديد متعجبة من نزول النسب بهذا الشكل الكبير رغم استمرارها ومواظبتها على الدواء، رفعت طرف فراشها لتضعها أسفلها، ولكنها تراجعت خوفا من سقوطها بيد أمها فكرت وهي تنظر حولها لتقرر بعدها أن تخرج صندوق ورقي مملوء بالكتب الدراسية للسنوات الماضية من أسفل الفراش ثم فتحت الورق لتنظر للنسب آخر نظرة قبل وضعها بداخل احدى الكتب محدثة نفسها
" سترتفع ، لا داعي لأحزانهم وخوفهم عليٌ"
أغلقت الصندوق على الكتب من جديد وأدخلته بمكانه و هي تكمل
" إن علموا بها سأحرم من الذهاب للجامعة و السهر لإنهاء دراستي "
تحركت لتجلس على مكتبها وهي تنهج من إجهادها لنفسها، اغمضت عينيها ماسحة وجهها بكفيها محاولةً منها أن تزيل اجهادها وتعبها.
( و هل سيزول بمسح الوجه يا ترى 😥 )
فتحت دفترها لتكتب أولى كلماتها
" لا لم أرى قمرا سيئا و لكني رأيته غريب الأطوار منيرًا بيوم، ومستترًا بيوم، وانتظر لأراه مظلما يوما ما، نعم سيأتي عليه يوم ليظلم وتظلم معه ما حلمنا به، مثله كمثل كل شهريار بهذه الحياة يعتقد أنه قد وجد ضالته التي ستضيئ حياته وسينير لها طريقها بقلبه وحبه والسعادة التي سيغمرها بها ، و بعد فترة يكتشف شهريار انها ليست ضالته التي كان يبحث عنها فيتركها باحثا عن غيرها دون أن يفكر بها ولا بحياتها التي أظلمت بتركه لها، يبحث عن بديل يضيء بشكل أكبر يرسم معه الاحلام ويستمتع بجانبه وهو يستمد ويستنفذ كل أضاءته وعند رؤيته شعاع أقوى واسطع يسرع نحوه دون تفكير، نعم هذا هو الحب بالنسبة لكل شهريار يبدأ بمتعة وينتهي ببداية متعة أخرى وتظل شهرزاد في صراعها لكسب رضا شهريار أحلامها حتى وإن كسرت وعصفت عدة مرات، تنهض وتبحث لها عن بديل يأتي ليكسر قلبها ويظلم حياتها مجددا"
نظرت شهرزاد لما كتبته و اعادت قراءته من جديد لتعود و تكتب
" فاظفر بذات الدين تربت يداك ، تربت يداك إن ظفرت بذات الأخلاق ، تربت يداك ان ظفرت بابن الأصول، نعم فمن بقلبه دين وأخلاق ومبادئ لا يمكنه أن يخون عهده، أو يهين ما ملكت يده ، أو يترك من أمنه على نفسه"
رفعت شهرزاد يدها لتحك بها ناصية وجهها و هي تعيد قراءة ما كتبته مكملة كتابتها
" كوني عزيزة أبويكِ، قوية ناجحة، صاحبة هدف وغاية فأنكِ لم تخلقي عبثا لم تخلقي لإشباع رغبات الغير، لا تتركي قرارك بيد غيرك، كوني ناضجة لدرجة تجعلك صاحبة قرارك دون أن يستطيع أحد مراجعتك عن قوة قرارك الصائب، كوني أنتِ ولا تكوني ما يحب أو ما يريد الغير، ان قمتي بتغيير أو مراجعة عليكِ أن تكوني على قناعة من داخلك ان ما تراجعتي به هو الأفضل لكِ ولدينكِ ومبادئك "
تنهدت شهرزاد وهي تنظر لما كتبته قائلة
" هذا هو، نحن لم نخلق عبثا لنستنفذ طاقتنا وقلوبنا مع من لا يستحق، نحن أقمار عائلتنا لم ولن نسمح لهم بإطفائنا "
أمسكت قلمها لتكتب بأعلى عنوان للصفحة
" كوني أنتِ لأجلك أنتِ "
و بهذه القوة حاربت شهرزاد هذا الشعاع الذي كاد أن يتسلل لقلبها لتبدأ بعدها فتح دفاترها وبدأ دراستها والكتابة بهم بقوة وثبات وتركيز وكأنها تحارب قلبها بهذه الطريقة .
●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●
توالت عدة أيام مرهقة ومتعبة على شهرزاد حاربت مرضها كي تنتظم بدراستها وتحقيق حلمها، وهي تخفي عن الجميع انخفاض نسب الدم حتى انها زادت من جرعات الفيتامينات وتناولها للفواكه وكل ما يفيد الدم ظنا منها إنها بهذا ستتخطى ما هي به.
نجحت بالثبات فمن يراها من الخارج لا يلاحظ إجهادها وإرهاقها الداخلي، على عكس حقيقتها فإن رأوها بغرفتها وهي تجاهد لفتح اعينها كي تكمل دروسها، وأن رأوا مجاهدتها وهي تقوم من فراشها بالصباح يعلمون جيدا أن الأمر لن يحل بهذه البساطة .
قررت أن تتغيب عدة أيام متتالية كي تريح جسدها و ذهنها خاصة أن هذه الأيام فارغة من الامتحانات والمحاضرات الهامة .
فعلتها دون التفكير بمن قلق وذعر من هذا التغيب حتى أنه صارع نفسه ومنعها بقوة من أن يسأل اصدقائها عنها و خاصة خلو تلك الأيام من محاضراته لقسمها فكيف سيبرر ملاحظة تغيبها لأكثر من يوم .
جاهد شريف وصارع ولكنه لم يتحمل فكرة مرضها ليجد الفرصة سانحة حين رأى صديقتها تسير بمفردها مقترب بسيره منها قائلا
"هل أرى متهرب من المحاضرات "
التفتت نسمة لتنظر له بوجه ابتسم فجأة بمجرد رؤيته قائلة: " أستاذ شريف أهلا بك".
أومأ رأسه
" إلى أين الجميع داخل المحاضرات إلا انتِ ".
ضحكت نسمة و قالت:
" لا والله يا أستاذ لا يوجد هرب ولا محاضرات حتى أنني بطريقي للخروج "
وبوجه رسم عليه الدهشة والاستغراب سألها
" ظننت أنك تسيرين وحدك بعد أن تركتك صديقتك و ذهبت للمحاضرة "
ردت نسمة بخبث
" جميعهم عادوا لمنازلهم قبلي أنا فقط كنت اتحدث مع احد الزملاء بفرقة أخرى لهذا تأخرت عنهم بخروجي "
صدم حين لم يجد فرصة للسؤال عنها و تغير مسرى حديثهم ، أومأ برأسه مرة أخرى وتحرك ليكمل سيره متمنيا لها يوما سعيدا .
توجهت نسمة لزيارة صديقتها على السريع كي تطمئن عليها وتحكي لها ما حرى ، ضحكت وهي تتحدث مع توته قائلة
" لو ترين وجهه كيف صدم، أعلم ما حاجته و لكني استمتعت بحالته "
تنهدت شهرزاد معقبة على حديثهم بضيق
" ألم تنتهي متعتكم بعد، ما هذا السخف الرجل سألك عن المحاضرة ما دخلي أنا بهذا "
ردت توتة بوجه فرح
" ما دخلك ؟ ، هل لا زالتِ تتساءلين ، الرجل واقع على رأسه غارق ببحورك سابح بين أمواجك الهائجة"
ضحكت نسمة بصوت عالي معلقة على ما قالته توتة " كيف غارق وسابح بجملة واحدة ههههههه من الواضح انكِ مستمرة بمتابعة مسلسلك "
ضحكت شهرزاد و هي تستمع لمدافعة نسمة عن مسلسلها قائلة
" نعم أعترف انه يضج بالأحداث المأساوية ولكنه يتحدث عن مشاكل يواجهها مجتمعنا"
قاطعتها توتة متسائلة
" عن أي قضايا تتحدثين هل الموت والغدر والخيانة والعنف والسوء كل المجتمع "
ردت نسمة على توتة بضيق
" لا ليس هم، بل الحب العاصف هو كل المجتمع، فهمنا أن الصدف تصنع الحب ولكن أصبحت كل المسلسلات مشاجرات واصطدام وإنقاذ بعده حب خيالي عظيم ، اعتذر لا استطيع الاستمرار بهذا النحو و كأني طفل يضحكون على عقله "
و باندهاش ردت توتة
" أنا لا أصدق ما اسمعه و كأن شوشو هي التي تتحدث، هل انتقلت العدوى لكِ منها "
رفعت شهرزاد مجيبة بنبرة ضاحكة
" بريء يا باشا. ما بكم بالأخير يعود الأمر لي لابد وان أكون المذنبة بكل مرة "
ردت نسمة مدافعة عن مسلسلها من جديد وهي تنظر لشهرزاد قائلة
" نعم كنت أتابع معها ولكني مللت وانتفخ داخلي من نفس السيناريو أصبحت كالصبارة بينهم حتى تمنيت أن اصطدم بأحدهم أو أسقط بين يديه لتضحك الدنيا لي و أصبح فوق الجميع، طبعا سخيف بل سخيف جدا، ولكن ان شاهدتم ازهاري الحزينة البائسة ستغيرون رأيكم وذوقكم باختيار ما تشاهدونه، فرغم الموت و الانهيار والدمار إلا أنه يعلقني به كل حلقة أكثر مما قبلها"
ردت توته بسخرية
" نعم يعلقنا من أعناقنا "
ثم نظرت لأختها مكملة
" أرسلت لي فيديو الأسبوع السابق آه لو تريه ، بكيت به ما لم ابكيه من قبل قطع فؤادي وذاب قلبي على ذلك الشاب، لو رايتيه كيف كان هادئ ومحب لحبيبته اشقر وجميل انسجمت معه وهو يغازل حبيبته و بعدها صُدمت بمرضه وقرب موته".
_"صدقتي يا توتة مت حزنا بهذه الحلقات، لم أفهم بأول الأمر ما علاقة البقع الحمراء التي بيده مع دوران رأسه وإجهاده ، لاصطدم بعدها بحديثه مع الطبيب، لقد مت من كثرة بكائي عليه"
تأثرت توتة ودمعت عينيها وهي تحكي لأختها قائلة:
" كان اسمه سركان على ما اتذكره يؤلمني قلبي، وخاصة حين قرر أن يبتعد عن أحبابه كي لا يتعذبوا بعد موته".
تأثرت شهرزاد وهي تراقب حديثهم عن البطل الذي أخفى مرضه عن أهله وأحبابه، سألتهم عن اسم المسلسل لتندهش نسمة وتقسم انها معجزة فهل ستتواضع شهرزاد وتفرغ نفسها لمتابعة مسلسل ، تحدثت توته بنفس دهشة نسمة
" إن حدث سأضغط على نفسي وأتابعه معها في أول صرح تاريخي لها "
ردت شهرزاد عليهم بصوتها الذي خالطه التعب والحزن ونبرة الضحك التي تواجه بها الصعاب قائلة
" لن تروا هذا اليوم حتى بأحلامكم، عليّ أن اهتم بتحقيق حلمي بأن أكون استاذه بالجامعة وبعدها سأفتح دار نشر كبيرة ومن ثم أعدكم إن كان لدي وقت سأفكر بالأمر "
ضحكت نسمة بردها
" وأنا سأشاهدك بهذا الوقت بأعين نادمة وقلب يقول يا ليتني فعلت مثلها "
_ " بعد الشر عليكِ اتركينا من احلامها التي ستفني زهرة شبابها بالسعي خلفها"
جاءهم صوت فتح باب المنزل بواسطة المفتاح ليليه بعدها صوت آمال وهي تقول للأولاد
" ادخلا للحمام أولا كي تنظفا أيديكما جيدا "
لم يستمع باهي الصغير لما قالته جدته وذهب راكضا لغرفة التلفاز وهو يقرب يده على خالته و امه قائلا
" كورونا فيروس ، كورونا فيروس "
ضحكوا وهم يتهربون من يده التي لم تنظف بعد، حملته أمه من الخلف لتأخذه للحمام كي تغسل يده وهي تحذره من خطورة المرض .
رحبت آمال بنسمة وسألتها عن أمها وعائلتها، ليمضي بعدها الوقت سريعا حتى جاء مدحت ليأخذ زوجته وأبنائه ، أصرت توته أن لا تترك صديقتهم تعود وحدها
" تأخر الوقت لا يمكنك وحدك بعد الآن "
ثم نظرت لزوجها و هي تكمل
" هل سنتركك بالمواصلات واخوكِ موجود "
و بحركة سريعة أومأ مدحت رأسه و قال
" لا غير ممكن أبدا مستحيل"
كاد أن يبكي ويضحك على حاله وهو يرى مدى تمسك وإصرار زوجته على إيصاله لصديقتها، فكيف سيوصلها ومن ثم يذهبا لمنزلهم وهو بالكاد وصل إليهم.
تدخل مدحت ليفصل بينهم قائلا بحزم
" سأصعد السيارة ومن يصعد خلفي هو الفائز، أمامي وقت قليل على نومي لتصعدوا بسرعة أو لتبقوا لأتي غدا لأخذكم وايصالكم جميعا"
اسرعوا بصعودهم السيارة خشية ذهابه فهو بجانب طيبته وضحكه إلا أنه حين يكشف عن وجهه الصعيدي لا يقف ولا يراجعه أحد .
●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●
دخلت شهرزاد غرفتها مغلقة على نفسها بابها بعد ذهاب الجميع و نوم والديها ، جلسه على فراشها ممسكة بهاتفها كي تبحث عن ذلك المشهد الذي اخبروها عنه، طال بحثها بمقاطع اليوتيوب الخاصة بالمسلسل حتى وصلت لعنوان " موت سركان وبكاء حبيبته عليه "
ترددت بفتحه ولكنها بالأخير فتحته لتبكي اعينها على بكاء حبيبته، اختارت عدة مقاطع جميعها لا تتعدى مدتها عن الثلاث دقائق لتنصدم بفيديو معرفة البطل بأمر مرضه الذي كان سببا بظهور تلك البقع الحمراء بيده ومصارحة الطبيب له بخطورة المرض وأهمية البدء بالعلاج الكيميائي، نزعت شهرزاد سترتها من عليها لتنظر للبقع الحمراء أعلى ذراعيها بأعين كالكؤوس الممتلئة بالدموع.
أخرجت آخر نتائج قامت بإجرائها وحدها دون علم والديها قبل ثلاث أيام ناظرة لنتائجها والدموع تذرف خوفًا وتألمًا.
لم تستطع أن تدرس بهذه الليلة بعد ان اجتمعت عليها مخاوفها وشعورها بنهاية المطاف، خبأت نفسها أسفل غطاءها لتبكي بحرية أكبر .
اعتزلت دراستها ليومين كاملين، بل اعتزلت الجميع في محاولة منها للابتعاد عنهم عيش حزنها وحدها وهي تبحث بالنت عن أعراض مرضها وكيفية علاجه .
أصبحت هزيلة أوقات نومها أكثر من استيقاظها، أهملت دروسها بشكل أصبح ملحوظًا، حتى تراجع اهتمامها بالمحاضرات الهامة ليشهد هذا الأسبوع غيابها التام عن الجامعة
استدعاها أستاذ نديم إلى مكتبه لكي يسألها عن سبب حالتها الغريبة ، تحججت بإرهاقها ونقص نسب الحديد في الدم.
رد نديم باستغراب
" هل أنتِ متأكدة أنه السبب وراء غيابك! اقترب اتمامك العام الرابع من الدراسة بجامعتنا. رأيت بهم كم أنتِ شخص عنيد وقوي يحارب نفسه والظروف والأمراض، حتى أتذكر بشدة أيام تعبك وارتفاع حرارتك كنتي تأتين وتنتظمين وتتفوقين، حتى أصبحنا نشفق عليكِ أكثر منكِ ، ولكن الآن انظري إلى حالتك "
استرسل بحديثه الذي غلبه نبرة حنان الاب وتخوفه على مستقبل أحد أبنائه قائلا
" ما بكِ ؟، ماذا حدث لكِ ؟، هل لديكِ مشكلة استطيع التدخل وحلها؟، هل الموضوع عائلي ضغوطات وأشياء من هذا القبيل أم أنه متعلق بكِ أنتِ؟"
لم تجب عليه ليكمل نديم
" أعتذر لتدخلي ولكنكِ تعلمين قدرك لدي ، لقد وعدتيني أن تصبحي معيدة بالجامعة، أين حلمك بفتح أكبر دار نشر بالوطن العربي! أين عزيمتك وإصرارك على النجاح والتفوق!، انظري إلي عليكِ أن تتجنبي أي مشاكل أو ظروف سيئة وتلتفتي لدراستك ومستقبلك تبقى القليل بل الأقل من القليل. لا تضيعي مجهود طويل لأجل أي ظروف كانت كبيرة أو صغيرة جميعها ستكون بالماضي وما يتبقى هو نجاحك و تفوقك واسمك الذي ستحفريه بجدران هذه الجامعة فأنا لا زلت أرى بكِ ما لا أراه بغيرك"
●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●
بحث شريف عنها بباحة الجامعة وبجانب أصدقائها دون أن يراها ، أراد وبشدة أن يحظى ولو بدقائق قليلة يطمئن بهم عليها ولكنه لم يجدها و كأنها ذابت واختفت وسط الزحام فور خروجها من مكتب أستاذ نديم.
كيف سيجدها بعد ان تخفت حقا كي تبكي وحدها في غرفة التنظيف وسط المنظفات متذكرة آخر كلمات أستاذها لها
" أنا اثق بكِ ، ستفعلينها وتتفوقين و ستأتين لتجلسي بجواري ، حتى أقول لكِ حين ينتهي دوري على هذا الكرسي سأتركه براحة ورضا كبير لأني أثق بمن سيخلفني ويتولى على عاتقه مهامه " .
بكت أكثر وهي تتذكر ردها عليه
" ان فعلت ما وعدتك به هل تعدني بأن تتذكرني دوما بالخير "
علا صوت بكائها القهري وهي تتذكر ضحكتها و آخر كلماتها لأستاذها
" عدني أنك ستتحدث عني أمام الدفعات الدراسية القادمة كلما أقدمت سنة جديدة ستقف امام الطلبة لتحدثهم عني ، تشجعهم و تبث الثقة بهم كما فعلت معنا ، ستحكي لهم عن تلك الفتاة العنيدة المحبة للدراسة، ستخبرهم كم مرة ادهشتك بإتمامها واجباتها وما طلب منها و ما لم يطلب "
وضعت يدها على فمها كي لا يفضح أمرها من ارتفاع صوتها و هي تتذكر رد استاذها
" هذا يعني انكِ وعدتني من جديد! ، أليس كذلك؟ ، ستتفوقين لدرجة تجعلني افتخر بك وأخذك قدوة ومثال للطلبة. وأنا أعدك أنني سأجعلك مثال للطالب المتميز إن حققتي حلمي بكِ "
مسحت دموعها وهي تحدث نفسها بقوة هزلية
" نعم سأكمل ما بدأت، سأرحل وأنا أسطر إسمي كما حلمت، سأجعل أبي يفتخر بي، سأحقق حلمهم بي ، سأرحل عنهم بعد أن أترك لهم علامة و ذكرى لا تنتسى "
وقفت لتكمل مسح وجهها وما تبقى من دموعها خارجة بعدها من الغرفة وهي تستنشق أكبر قدر من الهواء النقي ثم بدأت سيرها على الحشائش الخضراء دون الالتزام بالطريق المعتاد .
و أخيرا وجد شهرزاد ضالته بمكان خالي من الازدحام اقترب منها قائلا
" ماذا تفعلين هنا ؟ إن فكرت عمرا كاملا لن أتوقع وجودك بجانب غرف النظافة، ماذا كنتِ تفعلين ، أبحث بكل مكان و لم يخطر بعقلي أن أجدك هنا "
رفعت نظرها عليه مجيبه باستغراب
" و لماذا كنت تبحث عني لهذه الدرجة!"
تفاجأ بحالة عينيها الحمراء المنتفخة صمت ثواني قليلة وهو يراقب حالتها الحزينة قائلا
" بصراحة بحثت عنكِ لأني كنت أريد إجابة عن سؤال حيرني لعدة أيام و لم أجد له جواب "
سألته عينيها قبل لسانها الذي نطق
" و ما هو هذا السؤال ؟ "
_" تكتبين بهذا النهج الجميل، وهذا لا غبار عليه ولكني شعرت بآخر مرة أنكِ تخالفين آرائك ومعتقداتك الخاصة عندما اوضحتي، ألم توضحي سابقا غضبك ومعارضتك الشرسة لشهريار وكل شهريار؟ ، توقعت أن يصبح كل شهريار بقصتك كما تعتقدين وتؤمنين ولكني رأيت الشهم الذي أنقذ الفتاة التي لا يعرفها من اللصوص وهو ذاته المخلص لمولاه الذي يتمتع بالشهامة والمسؤولية وحبه لرعاياه ودفاعه عنهم بجانب لغة العيون والقلوب "
تعلقت الأعين بعد أن صمت شريف عن الكلام منتظرا اجابتها التي طالت وهو يتفقد حالتها وعينيها الملغمة بالدموع الثابتة .
تحدث من جديد بنبرة اعتلاها الخوف والقلق
" ما بكِ هل أنتِ بخير ؟ "
استمر صمتها لينظر خلفه ويعود لينظر لها متقدما عدة خطوات لم تتعدى حد الاقتراب منها مكملاً
" انتظري لا تقولي أنا بخير ولا يوجد شيء ، أنا أرى جيدا كل شيء تغيبك الذي أصبح عادة لديكِ بجانب ، بجانب "
و أشار لعينيها
" بجانب الحزن والدموع التي ملأت عيونك اليوم، استطيع مساعدتك بالدراسة إن كان الأمر متعلقا بها أو بالنصيحة إن كنتِ بحاجة لها ، لكل مشكلة حل وإن طال مجيئه فمن المؤكد أنه سيظهر بوقت لا تتوقعينه ، عليكِ أن تصبري وتفكري وتصري على الوصول له بأقرب وقت لا يمكنك الاستسلام بهذه السرعة، أين ذهبت روح الفتاة القوية المتميزة "
خفضت عينيها بعد أن ذرفت منها دمعة حارقة خرجت من قلب أحرقه حمله وصدر لم يعد يحتمل نيران حزنها.
راقب شريف مسحها لدمعتها وابتسامتها الحزينة التي اصطنعتها بصعوبة كي تتحدث بها قبل هروبها
" حقا لا شيء أنا بخير ، فقط القليل من القلق بسبب قرب الامتحانات لا أكثر. لا تخف هذه الفتاة لن تترك مكانها فارغا لأحد ، والآن استأذن منك للحاق بالمحاضرة "
صمت و لم يعقب ، حتى هي ذهبت بسرعة ولم تنتظر منه ما علق بفمه أمام حالتها وهروبها وشعوره بتساقط دموعها من جديد فور تركها له و أن لم يراهم فقلبه شعر بها .
كان شعوره بمحله فها هي تلجأ لمكان جديد لتكمل وصلة بكاءها، فتحت باب الحمام ودخلت به لتكون بمعزل عن الجميع توقعت أن تبكي حتى تشبع حزنها فلا عائق ولا شاهد عليها.
ولكنها لم تفعلها حين أتاها دوران رأسها وضرب جدرانها بقوة اخافت قلعتها وحصنها الهزيل لتصمت عن بكائها رغما عنها تجنبا للأسوء.
●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●
حل المساء وسكن الكون بجوف الليالي مترقبًا ما يحدث في منزل البغدادي حين اغشي على شهرزاد بشكل تام وعدم إعادتها لوعيها مرة أخرى رغم محاولة كل من حولها ، اتصل اباها بالإسعاف ليستنجد بهم وهو يبكي ابنته متوسلًا لهم أن يسرعوا ، و بكل ما أوتيت من قوة حاولت توتة إنعاش قلب أختها شهرزاد الذي توقف عن النبض و هي تصرخ بحرقه و مرار " شهرزاد، افتحي عيناكِ، شهرزاد "
لم يمر وقت كبير حتى سقطت الأم بمجرد قول المسعف
" مع الأسف لم نلحق بها البقاء لله وحده " صرخت توتة بقوة و هي تهز أختها و تترجاها أن لا تتركها
" شهرزاد ، شهرزاد ، شهرزاد "
استيقظ مدحت مذعورا على صوت زوجته الصارخ باسم أختها منصدم بدموعها وارتجاف جسدها، أخذها بحضنه وهو يهدئها ويحنوا على ظهرها مؤكدا لها انه مجرد كابوس وذهب، اختها بخير وهي الان بمنزلها ظل مدحت يهدئها حتى عادت توته لنومها مرة أخرى .
نامت توته بقلب قلق منقبض على اختها، في حين لا يزال شريف مستيقظا قلبه لا يستطيع النوم رغم انه مغمض العينين على فراشه و بظلمة غرفته، عقله لم ينم يفكر بها و بحالاتها المختلطة وما وصلت له من حزن، كان يضع لحالتها أكثر من سيناريو احدهم متعلق بالدراسة و آخر بعائلتها ليقضي ليلته بهذا الشكل الحزين، أصبح شهريار معترفا بحبها واهتمامه بها بصورة واضحة أمام نفسه مما جعله يظهر هذا الاهتمام لها بأريحية رغم عدم استجابتها معه وصدها له بشكل متتالي بل وتهربها منه وابتعادها عن أي طريق من المحتمل أن يلتقيا به..
توالت عدة أيام انتشر بهم خبر انضمام الجامعة للمنتدى الدولي السنوي للأدب العربي بالقاهرة وأصبح من المتوجب مشاركة الجامعة بأفضل أدباءها من الأساتذة ككل سنة بجانب أفضل طلاب وهذه المشاركة الطلابية تعد الأولى بهذا المنتدى الدولي .
اقترب حلمها منها فهذا ما حلمت بحضوره بعد أن تصبح أستاذة وأديبة كبيرة ، كانت عيونها مملؤة بالدموع وهي تسمع أستاذ نديم ينادي على اسمها قائلا
" وبعد التشاور مع هيئة التدريس واستنادا لتقييم درجات الطلاب واختيار من يمثل الجامعة بهذا الصرح الأول من نوعه تم اختيار الطالب سيف احمد عبد العزيز الفرقة الثالثة الذي أبهر الجامعة كافة بقصر كتاباته و جمالها، كما تم اختيار الطالبة شهرزاد شرف الدين البغدادي الفرقة الرابعة بناءً على قصتها الجميلة التي اسمتها ألف ليلة و ليلة، لا أخفيكم سرًا تحيرت وعجزت هيئة التدريس في اختيار أحدهما ليكون ممثلا لها وتم رفع أسماء الاسمين ليتم الحزم والاختيار من بينهما من قبل الهيئة المسؤولة عن المنتدى "
صفق اصدقاءها بالقسم لشهرزاد و تمنوا لها ان تكون هي من يقع عليها الاختيار الأخير لم تستطع رؤيتهم من كثرة دموع اعينها.
وبعد انتهاء المحاضرة وخروج أستاذ نديم التف الأصدقاء حول شهرزاد منهم من فرح ومنهم من كان يتمنى أن يصل لما وصلت له والبعض الاخر ليس مهتم بالأمر يشاهد وسط الجمع .
لم يمر وقت كبير نصف ساعة على الأكثر تحركت شهرزاد لتستأذن من أصدقائها ذاهبة لمبنى الإدارة وهي ترتب حجابها وتنقل دفترها بين ذراعيها فلقد أصبحت منهكة لدرجة جعلتها تستثقل حمل دفتر ليس بكبير .
توجهت لغرفة أستاذ نديم طرقت الباب ودخلت بعد السماح لها ، فرح أستاذ نديم بوجودها رحب بها و أشار لها أن تجلس أمامه، تحركت وجلست مقابله بجانب مكتبه دون أن تعترض كسابق عهدها لتظل واقفة احتراما له تقول ما تريد و تذهب بعدها على الفور.
لاحظ استاذها حالتها الهزيلة وجلوسها على المقعد وهي تضع دفترها وحقيبتها أمامها على الطاولة الصغيرة .
سألها نديم بنبرة الأبوية
" ما بكِ يا شهرزاد ؟، هل لا زال ضعف نسب الدم تراودك "
ابتسمت شهرزاد لتجيبه على غير العادة
" نعم لا زال موجود أتناول علاجي وأحاول أن استعيد توازني ولكنه يحتاج لمزيد من الوقت، وبجانب اقتراب الامتحانات وثقل وكثرة الالتزامات الدراسية فأنا بالكاد أستطيع أن أوفق بين الجامعة والدراسة وإعطاء نفسي الراحة الكافية من أجل أن يقوم العلاج بعمله ويعطي نتائجه المطلوبة ، و لكني عند وعدي وعهدي لا تقلق "
رد نديم
" لا حول و لا قوة إلا بالله ، تحملي يا ابنتي اقترب الحلم أن يصبح حقيقة. انظري حتى انكِ بهذا العمر ستنضمين لمنتدى يحلم الجميع بالانضمام له ، أعلم إنكِ تأثرتي بوضعك الصحي وخاصة أنه أتى بغير موعده ولكنك ستجتازين هذا أيضا أنا أثق بك "
تجمعت دموعها بأعينها حتى تحجر حلقها بمرارة ألمها وهي ترد على أستاذ نديم قائلة
" اشكرك من جديد على ثقتك التي لا أتمنى من الله غير ان أكون بقدرها وأحقق لك ولأبي ما وعدتكم به ، و لكي أستطيع أن أفي بوعدي اريد ان اتنازل عن حقي بالاشتراك بالمنتدى وأترك الفرصة لأحمد عبد العزيز فهو يستحقها حتى أني رأيت به حماس وآمال ذكرتني بنفسي"
اذرفت الدموع منها رغم انها جاهدت كثيرا كي لا تضعف امامه، اختنق استاذها حزنا عليها قائلا
" أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، أقسم بإن عين اصابتك، وحدي الله يا ابنتي، ما هذا الحزن ونبرة الوداع التي خيمت على احاديثك"
طرق باب الغرفة ليدخل أستاذ شريف قائلا
" انهيت الأوراق أخيرًا"
لاحظ وجود شهرزاد جالسة بجانب المكتب لم يرى وجهها ولكنه استطاع معرفتها و إن كان من الخلف ، رد أستاذ نديم عليه
" اتركنا من الأوراق يا أستاذ شريف وانضم لنا لتتفاجأ مثلي "
اقترب شريف حتى أصبح بجانبها و هو يستمع لما يكمله أستاذ نديم
" جاءت لتتنازل عن مشاركتها للمنتدى ، انظر كم تحدثنا وتمنينا فوزها وبالأخير تريد هي أن تتخلى عن كل هذا "
نظر شريف لها من جانبها الأيسر قائلا
" ليس لديكِ خيار القبول والرفض"
ثم نظر لأستاذ نديم مكمل " أليس كذلك ؟"
وافقه نديم الرأي
" نعم ليس بيدها لنترك الأمر للمسؤولين عن المنتدى وان تم اختيارها لن اسمح لها ان تهدر حقنا بهذه الفرحة "
و بصوت خرج من حلقها المتحجر بالدموع
" رجاءً اريد التفرغ للدراسة، اريد ان احقق حلم ابي بي ، لا أريد أن أنشغل بأي شيء آخر "
تحرك شريف و جلس على المقعد المقابل لها
" لا أعتقد انكِ لا تعلمين قيمة هذا المنتدى وأنه سيضيف لكِ ما لا تستطيع الامتحانات ونتائجها أن تضيفها "
نظرت له بعيونها الدامعة لترج وتهز قلبه وهي تتحدث بصوت أكثر اختناقا
"لا أستطيع. لن استطيع التوفيق بينه وبين دراستي رجاءً تفهموا وضعي "
صمت شريف أمام حالتها ليقف نديم من على مكتبه قائلا بحزم
" لا أقبل بما تقولين. وأيضا ستنضمين لنا بعد نصف ساعة من الان تحضري ، لا تنتظري مني أن اتركك لنفسك سأضغط عليكِ وأرغمكِ على المشاركة والنجاح لا اريد اعتراض "
ردت باستغراب
" إلى ماذا سأنضم بعد نصف ساعة "
_" لاجتماع هيئة التدريس لتروي علينا قسم من روايتك ، استمعوا لفيديو مسجل من قبل ولكني سأجعلك تلقيها عليهم من جديد ليعود إليك شغفك وحماسك "
مسحت وجهها بيدها وهي تهم بالوقوف معتذرة منه ولكنه بادر بالخروج ولم ينتظرها، جلست من جديد واضعة ذراعيها على طرف المكتب المجاور لها لتدفن رأسها به باكية بحرقة ونار متحررة من إخفاء دموعها و حزنها عن من حولها ، اهتز شريف أمام حالتها فرك يديه ببعضهم من شدة توتره وحزنه حافظ على صمته وهو يفكر بما يجب عليه فعله، لم يرد اصماتها تركها لتخرج ما بداخلها متمنيا أن تتحسن بهذا الوضع .
تحرك و خرج من الغرفة مغلق الباب عليها متغيباً لدقائق قليلة عاد بعدها و بيده ماء وعصير وكيك مغطى بالشيكولاتة ، كانت قد هدأت وتوقفت عن بكائها معتقدة انه تركها وذهب لتتفاجأ برجوعه وفتحه للماء كي تشرب أولا ومن ثم أعطاها زجاجة العصير مُصرا على انتهائها وليس فقط شربها، لم تطل باعتراضها فهي بحالة لا تسمح لها بهذا.
ارغمها على أكل الكيك رافضا تركها ولو قطعة صغيرة منها، كان المشهد صامتا العيون فقط من تتحدث كلما تركت زجاجة العصير يأخذها ويعطيها لها حتى انهتها، اما الكيك فلقد انهته من خجلها وعدم رغبتها بإطالة الأمر فهي جادة وقوية بشخصيتها لا تحب التدلل و الإماطة بالحدث .
عاد ليجلس أمامها بعد ان أنهت طعامها وشرابها سامعا صوتها
" شكرا لك "
ابتسم بوجهها محاولا إخراجها من حالتها قائلا لها بصوت ساخر
" لا عليكِ سأخذ عوضا عنه. فهذه هي الحياة يوم لك ويوم عليك "
ابتسمت بوجه متعب قائلة " ان شاء الله "
تحدث بجدية مكملا
" لا أعلم ما حدث معك وهل حالتك المتعبة هي السبب أم المشكلة متعلقة بالعائلة ، أي كان ما حدث فأنا أثق بكِ. ستتغلبين على الصعوبات وتتفوقين بشكل يدهشنا جميعا كالمعتاد، أنا حقا أرى بك مستقبل مزدهر بالنجاحات والإنجازات، لقد رأيت النور الذي يخرج من عينك بأول لقاء بيننا، لا تفقدي حدسك ولا تتخلي عن حلمك حاربي وجاهدي ولا تتركي نفسك بمهب الريح"
أومأت رأسها بابتسامة حزينة مملوءة بالطاقة والعزم على النجاح ، انضمت بعدها شهرزاد بجانب الطالب أحمد عبد العزيز ليفضوا ما بجعبتهم أمام هيئة التدريس التي اجتمعت بمكتب أستاذ نديم ، و عند البدأ تحدث أستاذ شريف للطالب أحمد قائلا
" أنا سعيد جدا بموهبتك الفيديو الخاص بك كان مميزا حقا احييك وأتمنى لك المزيد من التطور والارتقاء بموهبتك "
رد أستاذ خليل المسؤول عن الفرقة الثالثة لمادة الادب العربي
" ستسعد أكثر بعد سماعك له وجها لوجه "
و باحترام كبير ظهر على هيئته المرتبة تحدث احمد عبد العزيز
" عندما علمت بأمر الفيديوهات المسجلة بدون معرفتنا تساءلت كثيرا عن جودة القائي بها ليتنا علمنا بأمرها كي نكون مستعدين لها بشكل أكبر و أيضا كي تتاح فرص أكبر للجميع بالفوز "
رد أستاذ نديم
" هذا ما توجب فعله، علينا أن نلمس أي منكم أكثر تلقائية و تمكن وجودة بانتقاء التعابير دعونا أن لا نقول منمقة فنحن كنا نبحث عن التعابير القوية السلسلة القريبة للقلب، لا أريد أن تعتمدوا على اختياركم فعليكم أن تتفوقوا على أنفسكم وجميع ما سبق من اجتهادات لكي تثبتوا لنا اننا كنا محقين باختياراتنا "
رد أستاذ حكيم و هو ينظر لساعة يده
" ما رأيكم أن نبدأ كي لا نضيع الوقت و لا نضطر لإكماله بالغد "
وافقت هيئة التدريس بالبدأ السريع ، نظر أستاذ نديم و سألهم
" من منكم مستعد للبدأ "
أشار أحمد نحو شهرزاد قائلا
" تفضلي أنتِ أولا "
ابتسمت و هي تومأ برأسها تعبيرا على امتنانها من احترامه البالغ قائلة
" شكرا لك ، ولكني أريد أن استمد طاقتي من القاءك أولا "
وقف احمد وهو يشكر هيئة التدريس أولا متمنيا أن ينال القاءه إعجابهم ، و بدأ بعده القاءه بعنون 'قضي الأمر'
الليلة الأخيرة..
تلك الليلة القمراء المضيئة بأشعة الشمس المنعكسة على وجه القمر المتلألأ بسمائه وسط حاشيته من النجوم و الكواكب ، نهضت خيال من فراشها لتفتح نافذة غرفتها بحذر وحزن رسمت به ملامح وجهها.
جلست على حافة نافذتها وهي تستدير لتلقي بروحها بأحضان المجهول المرغوب، أسرعت بأقدامها الحافية وفستانها الأبيض المتطاير الواسع الراقص معها من شدة فرحتها بحريتها في الهواء الطلق بعيدا عن حربها وسجانها على فراش مرضها.
تراقصت بيديها المفتوحة وخطواتها الواسعة وسط السهول المملوءة بالحشائش والأشجار والزهور الملونة، مستمتعة بضوء وجه القمر المكتمل بهذه الليلة الخاصة جدا.
قاصدة بحيرتها الصغيرة لتلعب وتتراقص مع مياهها اللامعة حتى اجهدت و جلست بجوارها لتمدها أنهارا من الدموع الحزينة وهي تفضي لها بألمها وقسوة سجانها وعدم نجاح المحاربين بإنقاذها.
سألتها بحيرتها
" ماذا عن اكسير الحياة ؟، ماذا عن الأمير المنتظر ؟ "
نظرت خيال حولها بعيون حزينة باكية
" لقد قضي الامر، لا أكسير، ولا أمير سينقذني من بعد الآن "
تغير لون البحيرة حتى أطفأت نورها وأظلمت من قسوة تلك المشاعر التي افضت بها، مدت خيال يدها لتواسيها و تهون حزنها وهي تمسح دموعها المؤلمة وتجتهد برسم بسمة على وجهها المكلوم قائلة بصوت حنون
" لا تحزني سأكون بخير، سأتخلص من رضوض قلبي و كسور خواطري ، لا تبكي سأكون بخير حتى أنني سأتخلص من ألام روحي، أرأيتِ كم هو خير"
"لا تتركي نفسك لسجانك لا تتركيهم لحسرتهم وحزنهم وندمهم"
وبصوتها الذي اعتلى عليه الحزن والبكاء أجابت خيال بحيرتها
" لا تقلقي لن يحزنوا و لن يتحسروا ، سأستسلم لسجاني حتى ينال مراده مني ، سأرحل بصمت و سلام دون أن يشعروا بي "
ردت بحيرتها
" رجاءً لا تفعليها ثابري وجاهدي لأجلنا، اشفقي علينا لا تتركينا لا تستسلمي له كوني معنا، كوني بجانبنا رجاءً تمسكي بنا "
وقفت خيال لتعطيها ظهرها وهي تقول آخر كلماتها لبحيرتها
" قضي الأمر "
وتحركت رافضة أن تسمع وتستجيب لدوي أنين صوت بحيرتها و هي تقول لها
" رجاءً لا تتركينا ، رجاءً لا تتركيني بهذا الظلام الدامس وحدي ، فبدونك لا قمر ولا شمس يضيئني ويحييني"
انتفض جسد خيال بقوة الصدمات الكهربائية وهي لا زالت تستمع لصوت بحيرتها الذي اختلفت نبرته وتحول لصوت أمها
" لا تتركينا ، خيااال ، لا تتركينا ، ابنتي ، خياااااال "
لا زال جسدها ينتفض بقوة الصدمات الكهربائية تحت أيدي المحاربين الذين حاولوا بكل جهودهم أن ينقذوها من سجانها بساحة حرب سميت بمشفى مركزي دون جدوى ودون انتصار، تغيرت ملامح وجه أمها من هول الفاجعة، ليصرخ قلب أب أحنى الحزن كاهله جاثيا بقوة سقوطه المدوي أرضا
" خياااااااال ، خياااااااااال "
استسلمت المحاربة أمام انتصار سجانها بأخذه لمراده، رفع الغطاء الأبيض ليخبئ جمالها الروحي قائلا
" هذه هي الحياة، قد ننتصر بإحدى محطاتها، وتأتي هي لتنتصر علينا بمحطات أخرى، نعيش معها بحالة حرب مستمرة تشبه المد والجزر بطبيعته، حتى يحين وقت العودة وتنتصر علينا انتصارها الأكبر الذي دوما ما خشيناه "
…….
انتهى أحمد من ألقاءه لقصته القصيرة وهو يكرر شكره لأساتذته ، تحدث أستاذ نديم
" جميل ولكنه ليس بجديد، أعتقد السابقة كانت أفضل للمشاركة ، بها روح و تميز و حس أعمق "
و بوسط تحدث الأساتذة مع احمد واعطاءه رأيهم كان شريف يهمس لشهرزاد وهو يمد يده للمرة الثانية بمنديل ورقي كي تمسح دموعها
" إن لم تستطيعي لنؤجلها بيوم آخر "
اخذته منه مجيبة بصوت منخفض
" لا تقلق أنا حقًا انا بخير"
تظاهرت بالصمود والقوة رافضة الانهيار والظهور بموضع الضعيف من جديد وخاصة وسط هذا اللفيف من الأساتذة .
نظر لها و لحالة اعينها ولأخر كلماتها التي ذكرته بخيال وهي تحدث بحيرتها و تطمئنها انها بخير .
لم ينتبه لأحاديث زملائه بشكل جيد كان ينظر لهم ويشعرهم انه معهم و يوافقهم الرأي و لكنه بالحقيقة شارد بحالتها التي وصلت بها وخاصة بعد سماعها للقصة.
التفتت الأنظار لمن عليه الدور وقفت شهرزاد وهي تحاول ان تكون قوية شامخة، بدأت بالشكر والإطراء على زميلها و من ثم نظرت للحاضرين قائلا
" سأبدأ بأول فصل بالقصة"
رفضوا ليفاجؤوها بمعرفتهم سير الأحداث من أستاذ شريف الذي رواها لهم بيوم مشاهدتهم للفيديوهات العملية وطلبوا منها أن تبدأ من القسم الجديد أن كان جاهزا ، نظرت شهرزاد نحو شريف بعيون شاكرة صامتة ومن ثم فتحت دفترها لتبدأ قسمها الجديد الذي لم يطل هذه المرة من شدة ارهاقها.
ظل يستمع لها مترقب توقفها او سقوطها فهذا ما يظهر بلون وجهها وشفتيها الشاحبة عكس قوة صوتها ليتحدث هو فرحًا بانتهاء القاءها دون حدث عرض قائلا
" نسيت ان أخبركم بأهم قسم ، و لكنكم رأيتموه بأنفسكم ، فهي دوما بهذا الحال تبحر بنا بعالم الخيال وحين ننسجم ونبحر معها تتركنا بالمنتصف لا نستطيع الخروج للبر من جديد و لا الإبحار وحدنا فقط نجدف كي لا نغرق" .
ضحك الأساتذة على حديثه، تحدث أستاذ خليل ليقول
" حسنا ما أبديتم يا أولاد و لكن عليكم اختيار أفضل ما لديكم ، يجب أن يكون مختصر وقوي وجاذب بنفس الوقت "
أكد أستاذ إبراهيم على ما قاله خليل مكملا
" لقد تم اختياركم لتمثلوا الجامعة بأكملها فكونوا بقدر المسؤولية، ونحن هنا ننتظركم بأي وقت لمساعدتكم واختيار الأفضل كي تلقوا صدى كبير ونجاح عالي "
توالت الأحاديث والنصائح التي استفاد منها شهرزاد واحمد كثيرا ، ومع مرور المزيد من الوقت كان أستاذ شريف يسرع بخطواته مقتربًا منها وهو يقول
" نستطيع المساعدة نحن أيضا "
استدارت ملتفته لمصدر الصوت وهي تبتسم بإرهاقها
" أعلم هذا، شكرا لمساعدتك ودعمكم، أتمنى أن أكون بقدر ثقتك وتأملك بنجاحي "
_ " اتركينا من هذا الكلام المنمق أنا جاد بعرضي يمكنني مساعدتك بانتقاء القسم المناسب وإعادة تأهيله وحتى يمكننا إضافة نقاط قوى له و لكني لن أفعلها دون مقابل، اعتذر منكِ كما أخبرتك أنا جاد بهذا الأمر إن اردتي مساعدتي لك أخبريني لنبدأ على الفور "
اوقفته قبل أن يهم بسيره متسائلة
" وما هو المقابل هذه المرة ، هل فصل جديد قبل الجميع، أم تريد مني اخبارك نهاية القصة "
ضحك وجهه مجيبًا
" أقول لكِ أنا جاد وانظري ماذا تقولين أنتِ "
نظرت له باستغراب فصوته حقا يدل على جديته فهل يريد مقابل مادي يا ترى، أكمل أستاذ شريف حديثه ليصدمها و يفاجئها بسؤاله
"هل تعلمين طريقة تحضير البكاتا بالشمبنيون" و بفم مفتوح ردت عليه " أفندم "
زادت ضحكته و هو يكمل
" اللازانيا "
تحدثت بدهشتها " هل أنت متأكد من جديتك؟ " .
_ " تمام ، تمام لنخفض سقف الأحلام قليلا، ماذا عن الريزوتو وبرياني والمنسف"
صمت ليستطيع التنفس من شدة ضحكه على حالة وجهها و فمها المفتوح باندهاش ليسألها بعدها :
" ما بكِ! لا أستطيع السيطرة على نفسي ؟"
ردت بنفس تعابير وجهها لتقول:
" سلاما قولا من رب الرحيم ، لا يا أستاذ شريف حضرتك فهمت الأمر خطأ أنا لست انسانة تبيع مبادئها و دينها لأجل مستقبلها "
_ " مبادئها ؟ "
اجابته بصوت مفعم بالتعجب لتشعره أنها لم تفهم أسماء الأكلات التي قالها
" نعم مبادئ. لا مستحيل. السحر والأعمال المشعوذة ليست طريقي، اعتذر منك عليك أن تبحث عن عنوان اخر أعتقد إنك أخطأت في اختيار الشخص "
زاد ضحكه على ما قالته مجيبا:
" بالعكس تماما ، الاختيار ممتاز وبمحله وإن كانت الأسئلة غريبة يمكننا دراسة المنهج جيدا ، انا اثق بتميزك حتى انكِ ستبهرين الجميع بهذا "
اخجلها بحديثه وفرحته حاولت تغيير مجرى الحديث مجددا امله ان تجد مهربا منه قائلة:
" استأذن منك علي أن أذهب لمكان مهم قبل عودتي للمنزل "
أجابها شريف بسرعة فرحته:
" سأسمح لكِ بشرط أن تعديني ان تقبلي مساعدتي لكِ، وبالنسبة للمقابل الخاص بي سأتغاضى عنه الآن على أن يتم النظر به الواحد تلو الآخر بعد الامتحانات، لا تقلقي سأكون مسالما لا اتذمر ولا أنتظر التميز من أول تجربة سأصبر و أتحمل حتى تتميزي على الجميع "
ردت عليه بجديه:
" أعتذر مرة أخرى عليّ ان الحق بموعدي المهم لا يمكنني التأخر أكثر من هذا "
و بدون أن يرد على ما قالته أو يفكر بما سيتلفظ به لسانه تحدث شهريار عصره و زمانه ليقول "هل تسمح شهرزاد لشهريار أن يدخل جنتها ويعيش معها ما قسمه الله لهم من سعادة ومودة ورحمة "
( لا استنوا ، استنوا ، استنوا ، هو قال إيه ، سمعتوا يا بنات ، بيقول جنته و ما قسمه الله لهم ، على بركة الله و العاقبه للاخرين و سمعني أحلى زغروطه من توته و أمها ، و أعلى صرخة من زيزي و حلمها 🤣🤣🤣 )
انتظرونا بفصل قريب لنرى ما حدث بعقل شهريار .
يتبع ..
إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا.
منها "رواية حياتي"
رواية جديدة قيد النشر من ضمن سلسلة روايات الكاتبة أمل محمد الكاشف ..