recent
جديدنا

احكي يا شهرزاد الفصل الثاني عشر

احكي يا شهرزاد 

بقلم أمل محمد الكاشف

 استغربت توتة من ردة فعل زوجها فور سماعه خبر وجود شريف في منزلهم، متسائلة:

 " ماذا تقول أنت،  ليحفظها الله، وأيضا ما ذنب الرجل إذا صادف تعب أختي وكان من نصيبه نقلها للمشفى هل سنخاف منه أم نشكره على هذا".

 

تراجع مدحت بردة فعله :

" لا أنا لم أقصد هذا، يعني قلقت على أختك لا اكثر تعلمين وضعها بآخر فترة، ولكن اتركينا من هذا و أخبريني لماذا سيأتي إليكم ؟".

 

_" لا أعرف التفاصيل ولكنه ليس بغريب عنا  الرجل أتى وطلب أختي منا يعني أصبح واحد مننا ".

 

ضحك مدحت بسخرية :   " واحد مننا، سترنا الله وحفظنا منه".

…….


استقبل بغدادي ضيفهم الذي تحدث فور وصوله:  " الحمد لله لقد حفظنا العنوان".

 

   رد بغدادي بتلقائية ضاحكة:

 " حفظك الله يا بني يكفي ما حدث بالمرة السابقة".

 

أتت أمال إليهم مرحبة هي أيضا بضيفهم مشيرة له بيدها كي يتفضل ليجلس بالصالون .


توترت شهرزاد وهي تسمع صوت أحاديثهم العالية التي وصلت إلى غرفتها، فركت كفي يديها ببعضهم و هي تقول لنفسها: 

 " لا شيء مما يعتقدون، لأجل دراستي، لأجل المنتدى".

 

رفعت يدها و وضعتها على رأسها التي بدأت تألمها من جديد بسبب توترها وانهاكها بدراستها آخر يومين ، رن هاتفها نظرت نحوه وهي تقول لنفسها:  

" ليس وقتك الآن".

 

 اخذته لتفتحه متفاجئة بصوت نسمة وهي تتحدث بصعوبة من سعالها المتتالي: 

 " هل غيابي آخر أيام جعلكِ تنسيني، ألم تشفقي علي هل مات ضميرك لهذه الدرجة ، أنا أحارب مرضي دون شفقة أو اهتمام منك ، هل تنتظرين موتي كي تتصلي بي وتبكين خلفي". 


ردت شهرزاد على صديقتها:

 " خير يا نسمة هل أصبحتِ بطلة في فيلم عربي محروق، ألم تعيدي عليّ هذه الأسطوانة المشروخة بالصباح وأمس وأول أمس ، أم أنكِ نمتي وتركتي الجهاز يردد ما حفظه ، كما أنني أخبرتك لا أحد يموت ناقص عمر من عمره ، كورونا لا تحصد أرواح من يتبقى من عمره عمر ". 


سعلت نسمة من جديد: 

" ان لم امت من كورونا حتما سأموت من برودك و جفائك".

 

_ " تركت لكم النحنحة و الطبطبة  أعلم أن توته أدت الواجب بهم وأكثر".

 

ردت نسمه وسط  سعالها المستمر وصوتها المغلق من ضيق صدرها قائلة:  

" و الله توته بلسم خسارة  كبيرة أن  تكون أختك، الفتاة لم تقصر كل ساعتين على الأكثر تتصل وتطمئن رغم سفرها واجهادها".


تنهدت شهرزاد بشوق:

" حبيبة أختها صاحبة القلب الملائكي والله اني اشتقت لها من الآن".

 

سعلت نسمه من جديد قائلة بعدها: 

" اتركينا منها الان ، هل وصل ضيفكم". 


فتحت شهرزاد فمها من المفاجأة قائلة:

 " استسلمت ، أقسم أنني استسلمت أمامكم، هيا اغلقي الان سنتحدث بوقت لاحق".

 

دخلت أمال الغرفة متحدثة بصوت منخفض:

  " أين أنتِ لماذا لم تخرجي حتى الآن ".

 

و بضحك أكملت أمها حديثها:

" هل تتصنعين الرزانة عليه".

 

ردت شهرزاد على أمها بنبرة تحذيرية قائلة:

 " ماما، أقسم أنكم ستجعلوني أعرض عن خروجي له".

 

ردت أمال بحزم: 

"كنت امزح فقط، وهل يحق لكِ هيا اخرجي أمامي تأخرتي على استاذك".

 

تحركت شهرزاد لتجمع دفاترها وهي ترد على أمها بعدم رضا: 

 " الحمد لله تذكرتي أنه أستاذي ".

 

ابتسمت أمال دون أن ترد عليها لتخرج ابنتها أمامها مغلقة نور الغرفة والباب من بعدهم .


ابتهج وجه شريف الفرح حين وقعت عيناه عليها تحرك بمكانه ليحسن من وضع جاكيته الجلدي ، وقف بغدادي قائلا: 

 " أعلم أنه ليس أمامكم وقت كبير لهذا سأترككم لتبدأوا على الفور، لن اذهب بعيدا سأشاهد الاخبار بالغرفة المجاورة لكم ، ان احتجتم لشيء يكفي أن تنادوا علي".

 

جلست شهرزاد على مقعد بعيدا عن أستاذها الذي انتظر ابتعاد أبيها ليبدأ شريف حديثه:

" كيف حال تلميذتي المجتهدة هل لا زالت متوترة و خائفة".

 

ردت شهرزاد بصوت خجل: 

" لا ليس خوف ولكنه قلق فقط ، اعتذر لتعبك وقدومك أنا لم أرد هذا".

 

نظر شريف للمقعد المجاور قائلا لها:

" اقتربي قليلا كي نبدأ  فحقا ليس أمامنا الكثير من الوقت".

 

تحركت بخجل أكبر لتجلس في المقعد المجاور ليتحرك هو و يسحب الطاولة المستديرة التي تنتصف الصالون مقربها لهم ليفتح عليها الدفاتر  مخرجا قلمه الخاص من جيب جاكيته الداخلي: 

 " هيا لنبدأ سألتيني عن رأيي أساتذتك بما ألقيتيه عليهم عصر اليوم ، سأجيبك الآن. أول شيء كان القاءك ضعيف على غير المعتاد جميعنا رجح أن قلقك و توترك أثر عليكِ بشكل كبير". 


قاطعته لترد بضيق: 

" نعم هذا ما حدث. أشعر أنني سأفشل أمامهم غدا". 


بدأ شريف يسطر أولى كلماته بدفترها: 

 " لا يوجد مكان لهذه الكلمة بمعجمنا". 


رفعت يدها لتمسك رأسها من جديد، ليكمل  كتابته  وهو يقول:

" ولا يوجد ضعف أو تراجع أما أن ننجح و إما أن ننجح  نقطة". 


أومأت رأسها لتبدأ شرحها وهي تشير للنص داخل الورقة التي في يدها: 

" غيرت هنا من السيناريو جعلت ليونه تخبر الأمير توران عن المؤامرة ويتفقان على خطة سرية قامت هي بها عندما أخذت المخطوطات المتفق عليها". 


و بتفكير عميق رد عليها بهمهمة ، سألته: 

 " هل أعيد السيناريو السابق  يعني هل أبقي عليه".

 

_ " كلاهما جميل افهم عليكِ من الواضح أنكِ أردتي أن تجعليه أكثر واقعية ولكن عليكِ أن تغيري باقي الاحداث كمواقف السلطانة الأم ونظرة من في المملكة لها ، وأيضا شعورها بالذنب وموقفها حين ذهب لإنقاذها". 


ردت شهرزاد بحماس: 

" نعم غيرت كل هذا".

 

فتحت الأوراق المتبقية لتكمل حديثها : 

" حتى أن ليونه فرحت بوصوله إليها وقبل أن يخرجا من الغرفة جاء لها الزوج المنتظر، أراد الأمير توران التصدي له ولكنها رفضت وخبأته بخزانة الغرفة". 


سألها شريف بفضول: 

" وهل نجح في اختبائه".

 

  _" لا لم ينجح وخاصة عندما اقترب ذلك ثقيل الظل ليلامس بيده عنقها الذي تزين بعقده الثمين، ليخرج توران من مخبئه معلنا عن مواجهته له و للعواقب التي ستأتي من خلفه".


رد شريف برضى:

" جميل أحببت ، و ما موقف مالك هذه البلدة".

 

اجابته شهرزاد:

" كان الوضع صادم أول الأمر حتى كاد ان يشعل حرب جديدة لولا تفهم الملك للموقف لينشأ عن هذا التفاهم علاقات مترابطة بين البلدين".


أعجب شريف بكلامها 

 " جميل.. رغم أن السيناريو السابق ليس سيئا فهي رواية خيالية من المفترض ان تخيم المشاهد والأحداث الغير منطقية عليها كما اخبرتينا بأخر الرواية  إلا أن التجديد أعجبني ، تمام لنثبته إذا".


 وأخذ الأوراق من يدها ووضعها جانبا، جاء ليكتب بالدفتر لولا مقاطعة أمال لهم حين دخلت عليهم وهي تحمل الضيافة لتكرم أستاذ ابنتها، أفسحت شهرزاد مكانا فارغا أعلى الطاولة لتضع أمها ما بيدها عليها. 


تحدث شريف شاكرا لها جهدها  واهتمامها لتسعد الأم داعيه لهم بالتوفيق ، تركتهم هي أيضا و دخلت بغرفة التلفاز القريبة من الصالون.


وضعت شهرزاد الضيافة أمام شريف وهي تحثه على التناول منها، نظر نحو باب الغرفة ثم نظر لها قائلا:

 " هل أنتِ بخير الآن ، أعني صحتك".


ردت شهرزاد بصوت منخفض تتخلله السرعة: 

 " أنا بخير الحمد لله".

 

 _" ما دمتي بخير ما الداعي لامساك رأسك من الحين للأخر حتى ظهر عليكِ هذا بملتقى الأساتذة ".

 

 ردت شهرزاد بضيق صدرها: 

" حقا أنا بخير أشعر أنني أتحسن مع الفيتامينات الجديدة، ولكني متوترة وعدت لسهري لهذا تجدني متعبة ". 


_ " تمام انتِ محقة أي شخص آخر بمكانك كان سيفعل وسيشعر بما تشعرين به ، وأنا هنا لأساعدك هيا لنبدأ من جديد أعجبني ما تم تغييره، و الآن دعينا نختار مقدمة مختلفة تلقيها عليهم و من ثم تبدئين بأكثر مشهد جاذب بالقصة". 


نظرت للبسبوسة والحلوى التي بجانبها داخل طبقه قائلة:

 " عليك أن تتفضل بتناول الحلوى أولا ، ومن ثم نكمل". 


نظر شريف للشاي وطبق الحلوى قائلا: 

" هل سأكل كل هذا وحدي".

 

أجابته بنبرة راجية:

  " تكون قد تفضلت علينا".

 

أجابها بعيون خشيت أن تغرق بها:  

  " العفو منكِ و لكنكِ ستتناولين معي بالأصل ما وضع بطبقي يكفي لعائلة كاملة". 


رفضت بأول الامر لكنها تنازلت امام إصراره وخوفها من سماع والديها حديثه لها، تحركت وأتت بشوكة صغيرة من المطبخ راجية وداعية ربها بداخلها أن لا يخجلها وخاصة أمام أهلها.


مر الوقت دون أن يشعرا به اندمج شريف بشرحه و اختيار المشاهد وإضافة مقدمات لها وملاحظات كما جعلها تلقي عليه ما اختاروه لعدة مرات بصوت عالي لإخراجها من حالتها القلقة.


أتت والدة شهرزاد وبيدها كؤوس عصير موز بحليب نظر شريف لها بوجه مبتسم: 

 " و لكنكِ ستجلسين بجانبي حتى تتأكدين من أنهائي له".

 

ثم نظر لمن استغربت حديثه قائلا:  

 " كي لا يهدر حقي بالعصير يكفي ما حدث بالحلوى انهتها دون أن تترك لي شيء لاتذوقه" .


نظرت أمال لابنتها بعيون متسعة، لتسرع شهرزاد مدافعة عن نفسها: 

 " لا تصدقي  أستاذي يحب المزاح".

 

_ " و الله للحظة ظننت أنكِ نسيتي نفسك واتبعتي عادتك".

 

ضحك شريف:  " كنت أظن أنكِ ستثقين بها أكثر من هذا".


 و بصوت علا قليلاً نادى ضيفهم على الحاج بغدادي وهو يقول لتلميذته :

 " لنرى هل هو أيضا يثق بكِ بقدر الوالدة أم أكثر منها " و ضحك. 


نظرت شهرزاد لأمها المندهشة من حالة ضيفهم و راحته الغير متوقعة، أتاهم رب البيت بحالته التي لا تقل اندهاشا عندما سمعه ينادي عليه، اقترب منه بوجه يبتسم بترقب: 

" تفضل يا ابني أأمر هل ينقصكم شيء".

 

رد شريف قائلا:

  " نعم كان ينقصنا وجودكم وصلنا لنهاية المطاف على الأغلب وحان وقت إلقائها ما تم اختياره أمامنا كي تتحرر من رهبتها وقلقها وأيضا كي نقاوم أي خلل قد يتضح خلال إلقائها،  أي تعبير غير مناسب، جملة اخرجتكم من انسجامكم ،  مشهد غير مركب بشكل جيد وهكذا".


جلس بغدادي وهو متحمس ينظر لابنته :

 " نعم هذا جيد اخطئي وحاربي قلقك أمامنا حتى تستطيعين غدا ان تلقيه بأريحية أكبر". 


جلست أمال هي أيضا مؤيده ما سمعت:  

" أعجبتني الفكرة هيا يا بنتي سمي الله ونحن معك". 


نظر أستاذها لها وقال :

 " هيا ابدئي نحن نسمعك، احكي يا شهرزاد ".


امسكت أوراقها لترتبها و هي تبتلع ريقها الملغم بالقلق والخوف، أخذت بعده نفسا عميقا أخرجته من جوفها بهدوء بادئة إلقاءها:  

" الحمد لله والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، السادة الحضور، اساتذتي الكرام السلام عليكم و رحمة الله و بركاته  ، أود أولا أن أشكر كل من له فضل بنجاحي وتطور أدائي حتى أصبحت بالقدر الذي هيئني للوقوف أمامكم الآن ،  أنا شهرزاد شرف الدين البغدادي إحدى ممثلي جامعة القاهرة للأدب العربي أتيت لأخذكم بجولة قصيرة نبحر من خلالها للماضي البعيد حيث العصور الملكية والسلاطين والجاه والمُلك والقصور والخيال سنسبح بين أمواجه الهادئة تارة والعالية تارة والعاصفة تارة أخرى لنودعكم بعدها آملة أن أكون قد أبليت بلاءً حسنا يليق بإصغائكم إلي ، ستروي علينا القصة فتاة يرفرف قلبنا بمجرد سماعنا لأسمها ، يكفي أن يذكر اسم شهرزاد لنغوص بالأحلام الملكية حيث  القصور والملوك والتيجان الذهبية  والجواري والجاه والسلطان وكل ما هو مرغوب ملموس وكأنها تسوقنا نحو حلمنا الروحي ومنزلنا الذي حُرمنا منه قديم الأزل ونسعى دوما للعودة له و الخلود به دون أن تخرجنا منه شجرة التفاح المصونة ، و بإحدى زوايا هذه الأحلام و بداخل حقبة  ملكية سلجوقيه  كانت تهرول باتجاه مدخل القصر الملكي فتاة صغيرة الحجم رقيقة الحس خجلة الملامح ناعمة الأنامل تدعى ضي القمر ….". 


كانت شهرزاد تسرد روايتها على المنصة الخاصة بالمنتدى أمام لفيف كبير من الأدباء والأساتذة والضيوف وسط خفض قليل بإضاءة مصابيح القاعة ليصبح الأمر أكثر حسا واندماجا. 


وبينما هي على المنصة كانت توته تصلي وتدعو لأختها بالثبات و النجاح وأن لا يغلبها مرضها أمام الجميع، اختنقت الحاجة فهمية من حالة زوجة ابنها التي انشغلت قلقه على أختها وتركتهم دون مساعدة، اقتربت ناهدة من أمها متحدثة بصوت لا يسمعه غيرهم: 

 " هل هذه من كنت تنتظرينها لتساعدنا". 


ردت أمها بضيق:

 " انتظري تبقى القليل لينتهي موعد المنتدى، كما سيخرج مدحت بعد قليل مع الحاج ليزور كبار العائلة بهذا الوقت سيكون خطيبك قد أنهى التعديلات الأخيرة بسباكة المرافق بالأصل نعلم أن تأخيرنا ليس بيدنا سنذهب فور اتصال سيد بنا". 


ردت ناهدة:

 " أقول لكِ شيء، أنا لا اريدها معنا اتركيها هنا بمفردها كالأغراب".


ردت فهمية بحدة نبرة صعيدية جافة:

  " إن لم أكسر أنف بنت آمال لن أكون فهميه جبريل". 


فرح قلب ناهدة مجيبة على أمها: 

 " اتركيها لله هو من سيخلص حقنا منها، أكلت عقل اخي و جاءت لتسرق الأضواء والفرحة منا". 


_ " ربنا لا يضيع حق المظلومين يا بنتي سنرى حقنا يُقتص منها انتظري أنتِ عدل الله هو عالم و شاهد نحن لا نظلم ولا نحقد على أحد، ربنا يبعد عنا شر النفوس المريضة".

 

خرج مدحت من الحمام ليجد أباه يحدثه وهو أمامه: 

 " تبقى القليل لتنام بالداخل تأخرنا على الرجال هيا لا تتسكع. استعجل بتجهزك". 


رفعت فهمية يدها لتشاور لابنها من بعيد ليدنو إليها، تحرك مدحت تاركًا أبيه الغاضب يدخل الحمام من خلفه واقترب لأمه قائلا: 

" وأنتم متى ستذهبون". 


 اصطنعت فهمية الطيبة و الحنان بجوابها على أبنها: 

" ننتظر زوجتك كيف سنتركها وهي بهذه الحالة خوفها ودموعها لم يجفا على أختها". 

 

نظر نحو باب غرفة زوجته ثم نظر لأولاده المجاورين له مقتربا من أمه ليتحدث بصوت لا يسمعه غيرهم: 

" شهرزاد أختها مريضة وهي روحها بأختها". 


وبدون اهتمام ردت فهمية بعد أن تنهدت بضيق:   

" نعم أعلم يا بني". 


قاطع حديثهم خروج  توته من الغرفة بوجه فرح معلنة انتهاء فقرة إلقاء أختها بالمنتدى، اقتربت بنفس فرحتها لتريهم الفيديو الذي تم ارسل بواسطة أمها للتو، نظر الجميع للهاتف ليروا شهرزاد أعلى المنصة وهي تشكر الجميع وسط تصفيق الحضور.


لا زالت يديه مستمرة بالتصفيق الحار وهو ينظر لأمه بجواره قائلا:

 " ما رأيك الآن هل رأيتي كم أبنك محظوظ ". 


ثم تحرك ليكون أول المستقبلين لتلميذته أسفل المنصة، نظرت زيزي الحلو لزوجها بضيق قائلة: " ما كان عليّ أن أتي و احضر تبقى القليل ليُقضى عليّ ، منذ متى تعلق بها! كيف لم ألاحظ أنا كل هذا؟". 


رد أمين الحلو بفرح:

 "أنا لم أراه بهذه الفرحة من قبل ". 


ومن جانبهم تحدثت زوجة أخيها عليها:

 " اهدئي يا زيزي أهلها ينظرون نحوك  عيب بحقنا، أخفي ضيقك وغضبك حتى نغادر القاعة". 


رد سيف عليهم من الخلف:

 " كيف ستغادرون قبل أن تهنئوها بنجاحها، وأيضا لقد وعدتم  شريف بالتعرف على عائلتها بعد المنتدى ". 


رد والد سيف موجه حديثه لأمين مؤكدا على حديث ابنه: 

 " نعم وعدناه لنتعرف عليهم لا ينقصنا هذا شيء". 


تحدثت أم سيف من جديد بنبرة يعلوها الخجل: 

 " و الله أمها لاحظت حالتكم، عيب بحقهم تمالكوا أنفسكم  قليلا ". 


ثم نظرت لزيزي مكملة :

" تعالي معي لنذهب للحمام نغسل أيدينا ووجوهنا ومن بعدها نرى ما سنفعله ". 


تحركت زيزي بنفس ضيقها لتذهب للحمامات من الجهة الخلفية للقاعة، تحرك سيف و والده وأمين الحلو كي يذهبوا بجانب الحاج بغدادي ليهنئوه ويتعرفوا عليه.


انفجرت زيزي الحلو بغضبها فور دخول الحمام رافضة زواج ابنها بهذه الطريقة:

" أنا ليست مجبرة على الموافقة وكأن العالم كله افرغ من الفتيات، فحين كنت أختار من يستيقظ على جمال طلتها ونصوع بياضها  ورقة حسها كان هو يركض عكس الاتجاه تماما".


حاولت والدة سيف تهدئتها دون فائدة غضبت زيزي عليها قائلة:

 " خير يا زيزي اشعرتيني أنه اختار ابنة بواب العمارة ، كما أن البنت ليست سيئة لهذه الدرجة، رأيت بها من الجمال والاحترام والتميز ما يجعلها فريدة ، اخرجي من رأسك المقاييس الغريبة التي رددتيها لنفسك حتى أصبحتي لا تؤمنين بغيرها والله أن أتى سيف بزوجة مثلها لن أعارض بل سأفرح كثيرا باختياره". 


جففت زيزي يديها و وجنتيها بمنديل ورقي ناظرة للمرآة لتحسن من هيئتها ومظهرها قائلة: 

" هيا لنخرج كي لا نتأخر بعودتنا  لقد أخذ الأمر أكبر من حجمه".


خرجت والدة سيف خلف زيزي بضيق وعدم مغلقة باب قسم الحمامات خلفهم.


كانوا معتقدين أنهم وحدهم بالدخل، وصلوا بجانب تجمع العائلة سلموا على الحاج بغدادي والسيدة أمال وهم يراقبون فرحة ابنهم التي كانت لا يضاهيها فرحة أخرى.


تعلقت عين شريف خلفهم مترقب شهرزاد من الحمامات ، دنى من أمه ليسألها: 

" هل رأيتي شهرزاد هناك ".


هزت أمه رأسها بالنفي متسائلة:

" هل ذهبت هي أيضا للحمامات". 


صدمها بحماسه في رده:

" نعم حتى أنني توقعت أن تهنئيها قبل الجميع، ولكن غريبة كيف لم تريها لقد ذهبت قبلكم ولم تعد للآن".


تغيرت ملامح وجهه ليكمل بخوف: 

" أم أنها …

لم يكمل حديثه حتى ظهرت شهرزاد وهي قادمة من بعيد ، نظرت زيزي لزوجة أخيها ثم نظرت نحو شهرزاد بصمت وترقب.


ألقت شهرزاد السلام على  أساتذتها شاكرة لهم جهودهم معهم وهي بطريق عودتها ، كما ذهبت لتلقي السلام على أدباء وكتاب حلمت بلقائهم دوما منحنية احترامًا قليلا للأمام مشبكة يديها أعلى صدرها معبرة عن فرحتها وسعادتها برؤيتهم وفوز شرف استماعهم لها.


استقبلوها ببهجة و روح مشجعة مهنئة لنجاحها مما جعلها تتجرأ وتتحرر من خجلها طالبة منهم التقاط عدة صور تذكارية تجمعهم معها، قبلوا بكل صدر رحب ليأتي أستاذ نديم الذي حالفته الصدفة والقرب من أن يكون جزء من هذا التذكار القيم.


و بعد وقت ليس بكبير تحركت شهرزاد بجانب عائلتها لتقبل يد ابيها واحتضنه ومن ثم قبلت يد أمها واحتضنتها، تحدث شريف لها:

 " أحب  أن أعرفكِ على عائلتي وأشار لأبيه قائلا  ' السلطان أمين الحلو والدي ، و هذه هي زيزي الحلو سلطانة عائلتنا الصغيرة'.. 



أشار سيف من الجوار على والديه قائلا:

 " وهؤلاء أمي وأبي  ليسوا بسلاطين او أمراء بل هم أناس طبيعيون مثلنا". 


ابتسمت شهرزاد موجهة التحية لهم جميعا مختصة بنظرها الجميع ما عدى زيزي الحلو مما جعلها تتأكد من تواجدها بالحمام لحظة حديثها الغاضب به.


تحدث سيف من جديد مثني عليها شاكرا لها لحظات استمتاعه ووعدها أن يكون أول من يقتني كتابها فور طباعته .


رن هاتف شهرزاد تزامنا مع إعلان مقدم ومنظم  برنامج المنتدى عن بدء إلقاء الأستاذ فاروق جويدة  شعره الجديد.


نظرت شهرزاد لأمها قائلة:

" توته تتصل من جديد ". 


سألتها أمها: 

" هل سنخرج أم ستبقين لإكمال المنتدى ". 


ردت شهرزاد:  

" سأكمل بالطبع ، ولكن إن أردتم اذهبوا انتم".


 رفض  بغدادي قائلا:

 " الى أين نذهب. استمتعت ولن اذهب لمكان قبل انتهاء هذه العظمة".


تحركت زيزي متحدثة لزوجها: 

" ولكني مرتبطة بمواعيد مهمة عليّ الذهاب على الفور".


تحركت خطوات مبتعدة بهم عن الجميع وهي تنظر لهاتفها كي تبدأ حديثها مع إحدى موظفيها بالمتجر.


نظر أمين لابنه معتذرًا منه على اضطرارهم مغادرة المكان ، تحدثت والدة سيف لتطلب من ابنها و زوجها البقاء لنهاية المنتدى، وبالفعل تحرك الجميع مع بدء خفض الإضاءة ليجلسوا بأماكنهم، طلب والد سيف من عائلة شهرزاد أن يأتوا ليجلسوا بجوارهم، اعتذرت شهرزاد وأشارت لهم نحو مقاعدهم قائلة: 

"  اريد الجلوس بجانب اساتذتي".


 أجابها والدها:

" اذهبي انتِ بجانبهم وانا سأجلس معهم فأنا لا أعرف أحد من اساتذتك".


نظر شريف لسيف قائلا بصوت منخفض:

 " وانا سأذهب بجانب هيئة أساتذة الجامعة ". 


رد سيف مومأ رأسه :

 " اذهب أنت ولا تحمل هم أنا هنا ".


 تحركت توتة وهي تأمن ميادة على أولادها متبعه الطريق الذي وصف لها  ، فتحت هاتفها لتتصل بأمها ولكنها لم تفعل حين وجدت رسالة  تحذرها من الاتصال بهم وهم بالمنتدى على وعد أن تتصل بها فور انتهائه.


فكرت ان تتصل على نسمة كي تطمئن على صحتها وبالفعل اتصلت بها لتجدها نائمة أغلقت بسرعة معتذرة منها.


وبدون سابق إنذار رفعت توتة نظرها من على شاشة هاتفها لتنصدم ببقرة كبيرة تركض نحوها اتسعت عينيها، لم يسعفها عقلها في التفكير أسرعت بركضها هاربة منها و هي تصرخ مستنجدة بأي أحد.


سقطت بقوة ركضها ليرتج جسدها كله أثر شدة اصطدامها بالأرض،  صرخت بشكل متتالي محاولة القيام لاستكمال الركض والابتعاد عن  البقرة التي أصبح لا مفر من قربها وهجومها عليها دون أن تسعفها قدمها في ذلك.


 وبهذه اللحظة الحاسمة  أتى لمسامعها صوت إطلاق رصاص ناري أفزعها وارعبها، زاد صراخها بقوة أكبر مغمضة عينيها وهي تخبئهم بين ذراعيها.


كادت أن تفقد وعيها من هول ما هي به، أقترب منها رجل قوي البنية مفتول العضلات صاحب نظرات قوية ثاقبة تحدث بصوت قوي أجش وهو يحرك ذراعها من على رأسها: 

" لا تخافي ابتعدت عنكِ، أصبحتي بمأمن الآن". 


رفعت توته رأسها لتنظر حولها بعينيها الغارقة بالدموع والخوف لا تصدق انها نجت من هجوم  البقرة الغاضبة، شرد الرجل القوي بجمالها الطفولي وصوتها الذي سلب عقله وجعله ينظر لها بعمق وصمت.


تحدثت توته بكلمات متقطعة يعتليها خوفها:

" أنا لم أفعل لها شيء، كنت. كنت فقط أسير من هذا الطريق، وفجأة  وفجأة".


 عادت لبكائها من جديد ، سألها الرجل: 

 " هل أنتِ من أهل البلد أم ضيفة لدينا، من المؤكد أنكِ لم تفعلي شيء لها، جميع من حولنا يعلم بوضع بقرتنا المجنونة ، القليل منهم يسير بهذا الطريق وبالطبع عليكِ أن تتحامي بسلاح أو عرق شجرة كي لا تقترب منك و إلا ستهجم عليكِ كما رأيتي ". 


زاد بكائها وهي تتحرك لتقف على ارجلها ممسكة بركبتها ، نظر نحو يدها متسائلا :

" هل تضررتي".

 

وبقلة حيله أكمل كلامه:

" يا بنت الحلال يكفيكِ بكاء  وتحدثي معي كالعالم والناس هل تؤلمكِ قدمك؟". 


أومأت توته رأسها وهي ترد بصوت جميل رغم انهاكه و حزنه:

  " شكرا لك أنا بخير".  


 تحركت بصعوبة لتكمل سيرها وبكائها، جاء ليتبعها عارضًا عليها أن تنتظره حتى يأتي بسيارته كي يوصلها لمنزلهم و لكنها لم تصغي له ولم تتوقف أكملت سيرها المؤلم نحو منزل أهل زوجها الذي ارتعب من صوتها الباكي حين اخبرته بما حدث معها عبر الهاتف ليصل لها قبل أن تصل هي لمنزلهم .


انتهى المنتدى على خير ما هيئ له ، نظر شريف لها بجواره  قائلا:

 " لا تذهبي لمكان سأذهب لأُقرب سيارتي كي اوصلكم بها ". 


شكرته شهرزاد قائلة :

" شكرا لك لا داعي لهذا سنعود وحدنا يكفي ما فعلته لأجلي بالأمس وأكملته اليوم ، أنا حقا مدينة لحضرتك لقد أعطيتني درس لا ينسى حتى أنني سأفعل مثل ما فعلت حين أحقق حلمي و التحق بالجامعة كأستاذة  ". 


رد مجيبًا عليها:

" اشكرك على اطراءك ولكنك لم  تستطيعي فعل  ما فعلته أنا مع شريكة حياتي". 


وقفت بقوة تحدثت بها :

 " أستاذ شريف اعتقد اننا تحدثنا بهذا الأمر أكثر من مرة رجاءً انا لا اريد كسرك وأحزانك  فلا يمكنك فرض نفسك عليّ بهذا الشكل ، هل يعقل ان نرتبط ببعضنا كونك ترى أنه الأنسب والأفضل ، من الممكن أن يكون ما تراه غير صحيح ولا أحد غيرك يعيش بأحلامه واحقية تحققه، اعتذر من جديد أعلم أن حديثي قد يكون ثقيلا حاولت أن اشرح لك اكثر من مرة دون أن أحزانك لكنك لم تستمع لي، أتمنى لك حياة سعيدة مع من تختارها بالمرة المقبلة ، شكرا لك من جديد". 


تركته شهرزاد بحالته الصامتة المصدومة لتقترب من والديها قائلة بنفس حدتها:

 " هيا بنا تأخر الوقت ". 


 أشار أباها نحو أستاذ شريف كي يذهب ليودعه و لكنها رفضت بصوت حالتها:

 " لا داعي لهذا. أوصلت له شكرنا و ودعته بالنيابة عنكم".


نظر الأب لشريف الذي لم يظهر منه سوى ظهره الثابت ثم نظر لحالة ابنته المختنقة قائلا:

" الخيرة فيما اختاره الله. هيا يا بنتي يكفيكي ما تحملتيه باليومين السابقين لنذهب لترتاحي وتلقي ما بقلبك وعقلك للواحد الأحد. فلا يمكن للشخص النجاح والفوز بكل شيء من المؤكد انه سيكون دوما ناقصا حتى وإن كان يراه الجميع عكس هذا ".


انتهت حلقتنا 🥺 أتمنى أن تنال اعجابكم .


يتبع ..

إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا. 

منها "رواية حياتي" 

رواية جديدة قيد النشر من ضمن سلسلة روايات الكاتبة أمل محمد الكاشف ..

author-img
أمل محمد الكاشف

تعليقات

4 تعليقات
إرسال تعليق
  • غير معرف24 أكتوبر 2024 في 2:34 م

    ايه يازيزي ايه ياشيخة كسرتي فرحة البونية حرام عليكي

    حذف التعليق
    • غير معرف24 أكتوبر 2024 في 3:25 م

      مسكين شريف ميدري بأمة سوت تسلم ايدك حبيبتي

      حذف التعليق
      • Rim kalfaoui photo
        Rim kalfaoui25 أكتوبر 2024 في 1:05 ص

        يالهوي شهريار مالو في الطيب حتي من أمه المتعجرفه كسرت قلب ابنها وهي لا تعلم كله من تكبرها وتعجرفها مقياسها للامور ليست سويه وحضرتها لشهرزاد بالرغم شهرزاد احلى واجمل وارق من اي انسانة كانت سوف تأخذها لابنها
        وكانت القفلة المفجعه على قلب شريف للأسف

        حذف التعليق
        • غير معرف25 أكتوبر 2024 في 10:58 م

          كلام زيزى الحلو أثر على شهرزاد قطر منتدى لازم كلام فى الحمامات يلا ابنك إللى اتصدم ياحلو

          حذف التعليق
          google-playkhamsatmostaqltradent