رواية قرة عيني
بقلم أمل محمد الكاشف
مزجت بين السرد الفصحى والحوار بالعامية
قصة رومانسية اجتماعية دينية كوميدية
قرة عيني رواية رومانسية تحاكي المشاعر الصادقة الطاهرة الجميلة التي تنبت بقلوب الأحبة لتضيئها بالفرح والسعادة
تدور احداثها بين حلمية الزيتون والصعيد اسوان بالتحديد
لا زالت أميرة تتحدث مع الزهرات قائلة
"إياكم يا بنات والخيانة إياكم أن تخونوا الله بأنفسكم و تقللوا من قيمة وقدر أمانتكم فتخونوها تحت مسمى هفوات والله لو علمنا قدر ومعنى الأمانة عند الله لانخلعت قلوبنا خوفًا من خيانتها والتقصير بأدائها "
تنهدت اماني وقالت " انا خفت قوي يا اميرة "
ردت شيماء على أماني بقولها
" بالعكس انا فهمت حاجات كتير وطول ما احنا بنتقي الله ونخاف من معصيته ونحب أهلنا ونخاف على كسرهم ومعارضتهم وبنحب الناس ونساعدهم ونحفظ الله في كلامنا ومعاملتنا هنكون امناء على الأمانات"
تدخلت اميرة معقبة على ما قالته
" برافو عليكي يا شوشو طول ما احنا بنحافظ على ربنا في كل خطوه نخطيها وكل عمل و كل كلمة حتى وكل نظره ربنا هيكرمنا ويعلي شأننا"
تحدثت سارة " ربنا يبعد عنا الخيانه ويجعلنا من الامناء "
أمٌن الجميع على دعاء سارة ومن بعده دعاء دينا والبنات لتنتهي بعدها جلستهم الرائعة بروعة مفهومها العميق للأمانة تم قراءة 'سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا اله الا انت استغفرك واتوب اليك' ، " وَالْعَصْرِ ،إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ"
حزنت أميرة بعد انهائها المكالمة الهاتفية مع اصدقائها واستغفرت ربها على ذنبها السابق مع احمد، عاتبت نفسها على الضعف والقلق وتمني الانسياق للطريق المحرم، تحركت بعدها لتخرج من غرفتها لتنظيف المطبخ .
و قبل أنتهاء اليوم كان حسام عائد من عمله مجهدا و منهك بشكل كبير من كثرة الوقوف طوال اليوم ليتابع العمل و البناء و يتأكد بنفسه من تنفيذ التصميمات المطلوبة وخاصة انه مهندس معماري متخصص بالبناء والخرسانة .
قرر يومها أن يعود لمنزل عمته مباشرة دون الذهاب لخاله جمال ولكنه لم يستطع ليجد نفسه يغير طريقه ويكمل باتجاه منزل خاله دون أن يشعر بنفسه فقلبه من ساقه لقبلته ليرى من ملكته و لو لدقائق قليلة رغم جسده المنهك ورأسه المتعبة.
صف سيارته أسفل المنزل و وضع رأسه على المقود ليهدأ ألمها و أصوات الطرق على الحديد والأخشاب التي ٱعتاد على سماع صوتها من الصباح حتى أصبحت متلازمة له ..
نام حسام لدقائق بالسيارة انتبه بعدها على نفسه قائلا "لا حول ولا قوة إلا بالله، حاسس اني هنام على السلم ياريتني روحت على بيت عمتي " تناول الكيس المملوء بالحلويات من على المقعد الجانبي ونزل مغلق الأمان خلفه صاعدا الدرج بأعين مغلقة تحاول اغتنام قليل من الراحة قبل الوصول .
فرح الحاج جمال بمجرد سماعه صوت أمان اغلاق السيارة بالاسفل ، تحدث بصوت مرتفع
" وصل حسام يا مرمر حضري العشا بسرعة احسن هنام منكم "
أتت مسرعة لغرفة والدها وهي تحذره
" اششش ندى هتصحى يا بابا "
رد جمال بصوت منخفض
" طيب يا بنتي بس ٱجري افتحي له قبل ما تصحى من جرس الباب وحضري العشا بسرعة"
اسرعت أميرة اتجاه الباب لتفتح بسرعة فاجأت بها حسام الذي فتح عينه على وجهها وصوتها وهي تتبرر له " فتحت قبل ما ترن الجرس أصل ندى نامت بصعوبة ، بابا سمع صوت العربية عشان كده…"
قاطع تبريرها بصوته الحزين على وضع الطفلة قائلا
" هو مفيش حل نخليها تشوف مامتها البنت متأثرة قوي وانا خايف عليها "
اغلقت الباب بعد دخوله مجيبه عليه بنبرة تشبه نبرة حزنه وأكثر
" وانا كمان خايفه عليها قوي ، البنت بتدبل قدامي وانا مش عارفة اعملها حاجة ، مفيش حاجة على لسانها غير عايزة ماما ، وانا بقيت مش عارفة ارد عليها اقولها ايه "
فكر حسام لثواني تحدث بعدها
"لا كده مينفعش انا هكلمه مرة تانية لازم يجنبوا مشاكلهم ويخرجوا البنت منها ، هي ملهاش ذنب بكل ده مهما كبرت المشكلة اللي بينهم من حق ندى تشوف أمها البنت لسه صغيرة بالشكل دا عمرو هيخسر بنته ومش بعيد تتغير وتبقى عصبية وعنيفة بسبب انها عايزة حاجة مهمة عندها و مش قادرة تحصل عليها "
نادى الحاج جمال عليهم من الداخل " هو حسام مطلعش يا اميرة و له ايه "
تحرك بسرعة ليقترب من باب غرفة التلفاز رافعا يده
" انا جيت يا خالي السلام عليكم"
ابتسم الحاج جمال وقال
" وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته حمدلله على السلامة يا بني فينك اتاخرت ليه على السلم"
رد حسام بوجه مبتسم
" الله يسلمك يا خالي ، اصل كنت بعد السلالم كام سلمه " ضحك مكمل حديثه " بصراحه انا بجر رجلي جر من كتر التعب ، استاذنك اغسل ايدي و وجهي وارجع اقعد معاك "
رد خاله عليه " ربنا يكون في عونك يا بني ، روح للحمام وانا منتظرك ، يا اميرة شوفي طريق الحمام لابن خالتك "
تخدثت اميرة من مكانها "حاضر يا بابا ، اتفضل يا حسام المكان فاضي مفيش حد غيرنا بالبيت"
تحرك من جديد مقترب منها وهو يمد يده بكيس الحلويات مكملا حديثهم " جبتهم لندى ، بصراحة اختارتهم عشان ألعابهم اكتر من الطعم فممكن تديها الالعاب ومش مشكلة الحلويات اللي جواها انا مش بحب الالوان الكتير بالاكل "
اخذت اميرة الكيس من حسام بحزن وعيون مخفضة
"بس يارب تفرح بيهم ، بعد أذنك انا لازم احضر العشا بسرعة عشان بابا جعان"
تحركت جهة المطبخ مستمعه لسؤاله عن عمرو لتخبره بأنه اختنق من تكرار ابنته طلبها لامها وخرج ليستنشق الهواء وسيعود من جديد.
دخلت المطبخ ليدخل هو الحمام القريب من باب المطبخ ، بدأت بإشعال الموقد تحت الشاي ، و من بعدها اهتمت بتسخين الفول بعد ان برد وهم ينتظرون حسام ، تحركت جانبًا لتقطع الخيار و الطماطم .
خرج حسام من الحمام ودخل المطبخ كي يساعدها بعد طرق على بابه مستاذنا منها ، لم يجد شيء يساعدها به اخذ الاطباق وخرج ليضعها على الطاولة بغرفة التلفاز دون كلام .
ساعده بنقل الاطباق كلها حتى تبقى اخر طبق أخذه وهو ينظر لها قائلا بحزن " متزعليش نفسك انا هنتظره لحد ما يرجع و هنقعد سوى نكلمه وان شاء الله نقدر نقنعه"
نزلت دمعة من عينيها وهي ترد عليه
" ياريت يقتنع ، أنا قلبي بقى يتقطع عليها كل ما طلب تشوف مامتها ، حتى اللعب مع الأولاد بالشارع قطعته النهارده كانت طول اليوم قاعدة في حضني تزن وتعيط عايزة ماما اروح لماما وكأني انا اللي حرمها من دا"
حزن حسام اكثر على دموعها و وعدها انه سيحل الموضوع ولن يغادر منزلهم الليلة دون إنهائه.
تجمعوا وتناول حسام العشاء مع خاله وزوجة خاله أما اميرة فرفضت أن تأكل وتحججت أنها ليست جائعة .
ردت والدتها عليها وقالت
" خير يابنتي قاطعتي الأكل معنا وله ايه ، ده انتي خسيتي النص الشهر ده "
ردت أميرة على أمها
" بجد شبعانه يا ماما ممكن شوية و اكل ، بالهنا والشفا ليكم "
حزنت الأم سمية و أكملت اكلها في صمت ، طلب حسام من اميرة مسكن لألم الصداع تحدث الحاج جمال وقال " هتلاقيه بالدرج اللي جنب سريري ناحية الشمال لسه مرتب الدرج الصبح "
رجع عمرو بعد انتهائهم من تناول العشاء وشرب الشاي و القهوة التي طلبها حسام ليقاوم تعبه ونعاسه.
وهنا وجد جمال الفرصة ليستأذن هو وزوجته كي يذهبا للنوم .
لم يتبقى بالغرفة سواه هو وعمرو واميرة التي اغلقت التلفاز وبدأت برفع الاكواب وفنجان القهوة لترتيب المكان.
سهر حسام رغم تعبه مع عمرو طول الليل وهو يحاول اقناعه بحق الصغيرة في رؤية أمها ، رفض عمرو بقوة ليعود حسام مدافعًا عن زهرة برغم صدمته مما فعلته قائلا " خراب البيوت مش سهل يا اخويا ، تمام هي غلطت و غلطة كبيرة كمان بس يمكن زي ما قالتلك مكنش قصدها ، أو انها اتكلمت معاه من باب انهم قاعدين بالشغل وكله بيقول مشاكله والشيطان شاطر ، وهنا استغل اللعين قليل الاصل والتربية ضيقها وتقرب منها وخلاها تحكيله كل حاجة "
عصب عمرو وغضب على حسام قائلا " مدافعش عنها قدامي ، يعني ايه مضغوطة ويعني ايه تتكلم مع راجل غريب وتشكيله ، لا ده اللي اتربينا عليه ولا اللي اتعلمناه من دينا الحنيف ، وكمان الله اعلم بالمكالمات اللي كانت بينهم وقد ايه كان فيها ضحك وهزار ومش بعيد يكون هو اللي كان بيختار لها تلبس ايه وتطبخ ايه و تنام ازاي "
وقفته اميره بخوف قائلة
" لا يا عمرو متقولش كده اوعى تظلمها ، انا عارفه انها عملت حاجه غلط وغلط كبير كمان بس زهرة متربية كويس و مستحيل يكون اللي بينهم وصل لكده ، و زي ما حسام قال هي مكنش قصدها "
غضب عمرو مره ثانية وقال لهم
" انا مبقتش اثق فيها كل ما افتكر صوته و هو خايف عليها وبيغلط فيا عقلي بيتجنن مش قادر استوعب ازاي كانت تقبل راجل تاني يشتمني و يقول كده عليا ازاي تسمح تعمل كده فينا ، وبعدين انتوا ازاي مستمرين بالدفاع عنها بعد كل اللي حكيته ليكم ، وله انتوا مش مصدقين "
هدأه حسام قائلا
" معاك حق مفيش حاجه تغفر لها اللي عملته بس لو مش عشان خاطركم فكر بالطفلة الغلبانة ديه ، هي ايه ذنبها "
رفض عمرو و قال
" مستحيل اخليها تتكلم او تشوف ندى انا مش هسمح ليها تلوثها "
تعب حسام و أميرة وهما يحاولان اقناعه بوضع المشاكل جانبا والاهتمام بابنتهم وخاصة انها تأثرت كثيرا بابتعاد أمها عنها.
ردت اميرة وقالت
" ومامتها كمان متأثرة قوي، انا سمعت انها مش بتاكل ولا بتشرب ده حتى بقالها شهر مش بتروح الشغل ، وركبوا لها محاليل اكتر من مرة "
صدمها عمرو
" اسامه قالي على كل ده ، بس انا مليش دعوة كانت فكرت ببنتها قبل ما تعمل اللي عملته "
رجع حسام يترجاه و يستعطف قلبه على إبنته التي امتنعت عن الاكل واصبحت حزينة ، نبهه بقرب خسارته لها لو استمر بهذا الشكل .
واخيرا اقتنع عمرو بعد طول مناهده و اقناع لأجل حالة إبنته ، استطاعو اقناعه بالسماح لزهرة ان ترى ابنتها لوقت قصير بمنزل والده ، تأتي لتجلس معها وتخبرها بأنها مشغولة أو بأن والدتها مريضة و يجب عليها ان تبقى بجانبها حتى تشفى ثم تتركها وتذهب .
فرحت اميرة و وضحك وجهها اخيرا وهي تقول
" ايوه كده ربنا يبارك فيك ويهديك، انت متعرفش ندى هتفرح قد ايه الصبح "
فرح حسام هو الآخر لأنهم استطاعوا أن يقنعوه ولكن فرحته الأكبر كانت عندما رآى الضحك والسعادة على وجه اميرة ،
تكلم بصوت ساخر من وضعه وقال " والله انا المظلوم بالليلة دي ، الساعة خمسة الفجر و انا المفروض اصحى سته عشان العمال و الخرسانة الأخيرة "
ابتسم عمرو بحزن وقال له
" بعتذر منك ، مع اني عارف بمشاغلك إلا اني مخدتش بالي من الوقت سامحني "
رد حسام بضحك وقال
" اسامح مين الموضوع مفيهوش سماح العمال لازم حد يقف فوق راسهم ويكون فايق لهم وانا شحن بطاريتي خلص حتى القهوة بقى عقلي يترجمها منوم "
ضحكت أميرة عليه وقالت
" من غير ما تقول انا طول الليل كنت منتظره تقع مننا ، اصلك مشفتش عينك كانت بتقفل ازاي وانت بتتكلم "
نظر لها مزبهل لا يصدق ما يسمعه وما يراه من جمال وجهها الضاحك بعد أيام بهت فيها الحزن عليها .
تحدث عمرو قائلا له
" انا معنديش شغل النهاردة أيمن هيستلم مكاني ، ممكن اجي اساعدك لو حبيت "
رد حسام بسرعة كبيرة
" لا يا عمرو متقولش كده مش لاني سهرت عشان خاطرك تقولي اساعدك ولو حبيت ، لا احنا مفيش بينا كده ابدا وبعدين ده اصبح إجباري عليك يا حبيبي ، انا هدخل انام واسيبلك مفاتيح العربية والموبيل واتصرف انت معاهم "
نظر عمرو لاميرة وطلب منها أن تحضر له الطعام ان لم تكن متعبة ، فرحت اخته ونسيت تعبها وهي تقول
" هحضر لك اجمل فطار المهم تاكل وتكون مبسوط "
شكرها عمرو بصوته الحزين وتحرك ليبدل ملابسه و يستعد لصلاة الفجر ، ليتحرك حسام بعده وهو يقول لاميرة
" انا مش هضيع حقي بالفطار ولا الشاي بلبن مع كيكة من حلويات ندى ، بس قبل كل ده لازم ادخل اريحلي نص ساعة على الاقل قبل ما نخرج "
ردت اميرة عليه
" اتفضل نام في مكان بابا لحد ما احضر لك الشاي بلبن والشيكولاتة ، وكمان عملت كنافة عشان خاطر ندى ، لو حبيت احط لك منها مع الشاي بدل الحلويات "
قاطعها حسام بفرح
" انا امي داعيتلي النهاردة
ولا ايه ، انا بعد الخبر ده راح النوم من عيني دلوقتي، حتى بأمكاني اطبق يوم تاني "
ابتسمت وهي خجلة من كلامه وعينه التي استقرت عليها ، اخفضت وجهها قائلة بنبرة ملأها خجلها " شكرا ليك بجد الشكر قليل على اللي انت عملته معانا ، انا كنت زعلانة جدا على ندى فأيًا كان قرارهم من الظلم انهم يمنعوا الطفلة عن حد فيهم "
اخفض حسام صوته وقال
" معلش وحدة وحدة هنحاول نصلح ما بينهم ونهديهم ، هو عشان زعلان والموضوع لسة سخن بينهم ، رغم لو مقدرناش مش هزعل هو معاه حق فمجرد التفكير من بعيد …" صمت دون ان يكمل خوفا من ان يصدمها بقوة ما يفكر به
فاجأته أميرة بردها
" لا الموضوع مش موضوع غضب ، زهرة غلطت اما سمحت لحد يدخل بحياتها هي وجوزها لا وكمان راجل غريب ، طبعا مفيش حد عاقل بيعمل اللي هي عملته لا وضعها ولا سنها يغفر لها دا ، انا أدخلت بس عشان خاطر ندى غير كده انا ضد الي عملته ، صدق ربنا اما قال 'ولا متخذات أخدان' فعلا الست مينفعش تتكلم مع راجل و توصل علاقتها معاه للحد ده عيب بجد عيب وحرام لا شرع ولا اخلاق يقبلوا بدا"
نسيت أميرة نفسها وتحدثت معه بقوة دون رفع عينها بعينه ، كانت قوتها وغضبها يظهران على ملامح وجهها وقلبها الذي كان يؤنبها ويعاتب عليها تهاونها مع أحمد ولو كان التهاون بسيط .
قابل حسام غضبها وقوتها وحدتها بفرح وبهجة وقلب تعلق أكثر بها حتى أنه تبقى القليل على قوله لها
" عشان كده قلبي اختارك "
…….
نامت أميرة بعد خروج حسام وعمرو لموقع العمل و هي محتضنة ندى براحة وسكون ، استيقظ الحاج جمال لكي يحضر الفطار له ولزوجته بعد رؤيته لابنته غارقة في نومها برغم ندائهم عليها أكثر من مرة.
تفاجئ والدها انها حضرت الفطار لهم بغرفة التلفاز ، ابتسم وجهه ودعا لها ربه يراضيها ويسعدها ويكرمها هي واخوها.
…….
فرحت زهرة كتيرا عندما اخبرتها اميرة بسماح عمرو بمجيئها لمنزلهم كي ترى ندى لمدة ساعة فقط ومن بعدها تتركها وتعود من حيث أتت، و بعد وقت قصير جدا وصلت زهرة لتحضن إبنتها وتبكي بنار شوقها لها.
طلبت اميرة من زهرة عدم إدخال الصغيرة بينهم ، حكت لها الصعوبات التي واجهتها هي وحسام وهم يحاولون إقناع عمرو بمجيئها لأجل تأثر ندى وحزنها عليها.
بكت زهرة " والله مظلومة يا اميرة انتي عارفه قد ايه انا بحب عمرو وعمري ما اقدر اخونه لا اخلاقي ولا ديني…"
كررت اميرة حديثها التي قالته امام حسام والزهروات من قبله بقوة .
بكت زهرة اكثر وهي تحاول ان تقنع اميرة بالوقوف بجانبها كي تصالحها على زوجها قائلة
" تمام انا غلطانه و استحق كل اللي يجرى لي بس مش هقدر اعيش بعيد عن ندى وعمرو ارجوكي يا اميرة ساعديني "
بهذا الوقت دخلت ندى الغرفة فرحة وهي تقول لأمها
" أسماء جت اسماء جت "
مسحت زهرة دموعها و هي تنظر لابنتها وتسألها
" مين أسماء يا ماما "
ردت اميرة
" دي صحبتي جت تقعد معايا "
واستأذنت منها مكملة
" خدي راحتك واقعدي زي ما انتي عايزه مع ندى ، عمرو هيتاخر بالرجعة النهاردة لكن المرة الجاية هتكون بوقت محدود اخاف يرجع من شغله بدري و يغير رأيه لو شافك هنا "
وقبل ما تخرج من الغرفة نبهت اميرة على زهرة مرة أخرى و قالت
" زي ما قولتلك ماما وبابا مايعرفوش حاجة اكتر من خلاف كبير ومحدش عايز يحكي عنه "
هذا ما كانوا يعتقدونه لتتفاجأ زهرة بمعرفتهم كل شيء حين ذهبت لتحدثهم مصدومة بتحدث امها معهم ومحاولتها إصلاح ما بينهما ولكنهم اخبروها بصمتهم أمام عمرو كي لا يُكسر أمامهم .
حزنت زهرة اكثر بعد ان رأت اسماء جالسة بجانب الأم سمية تقطع لها الفاكهة وكأنها فرد من أفراد المنزل ، حتى وصل الأمر لتحرك اسماء كي تُحضر الشاي للجميع وكأن زهرة من أصبحت ضيفة وليس الاخرى .
ودعت زهرة ٱبنتها بمجيئها غدا بنفس الموعد دون أخذها معها لاجل مرض جدتها .
انصدمت قبل خروجها من المنزل بفرحة ابنتها وهي تريها ما بداخل دفترها الصغير الذي تلون به بجانب اسماء وعمرو الحروف الابجدية وما يوافقها من رسومات الحيوانات والفواكه التي تبدأ أسماؤها بها .
انهارت زهرة فور إغلاق أميرة الباب خلفها لدرجة إعاقتها عن رؤية الدرج و الطريق من كثرتها دموعها.
ألقت بنفسها على الفراش فور وصولها منزل والدها مستمرة ببكائها طول اليوم ، كان شعور خسرتها زوجها وظهور فتاة شابة تأخذ مكانها بهذه السرعة قاتل بالنسبة لها، فهي من كانت تفقد عقلها حين يتركها وينام بجانب إبنته فما بالكم عندما ترى بعينيها من تتقرب منه.
تدمرت نفسيا على عكس سليم الذي كان بأول الأمر حزين عليها محاولا شرح وضع صداقتهم لاخيها ، رأى اسامة الكذب بعينيه ليعطي عمرو الحق بغضبه ورفضه تقبل ما حدث .
اتخذ سليم من نرمين وصلة همز بينه وبين زهرة يطمئن عليها ويعلم أخبارها منها حتى اختلف الامر وأصبحت أول المكالمة اطمئنان على زهرة يتلوها أحاديث طويلة عن وضعه مع زوجته ومحاولة نرمين بإيجاد حل لمشاكله العائلية.
لم يدم الحال بهذا الشكل طويلا حين طال و زاد ما بينهم ، عندما كانت نرمين تغضب على زوجته امامه وتخرجها غلطانه وتمدح فيه وفي طيبته و أدبه، تحولت علاقتهم لتصبح ودية بوقت قصير انقلب بعدها حال المكالمات الهاتفية من اخوية إلى رومانسية وهيام مبتعدين عن الحياة الواقعية التي تحيطهم .
............
لم يتحمل احمد مقتطعة أميرة له بشكل كامل وهذا ما جعله يضغط على أمه كي تذهب و تخطبها له ، لم يكن الأمر بهذه السهولة لرغبة والدته في ان تخطب له ابنة خالته او ابنة صديقتها المقربة ، ولكنه لم يتراجع امام إقناع أمه له وهي تشرح مميزات البنات وأنهم أنهوا تعليمهم و لديهم عملهم الخاص الذي سيساعدهم ببداية حياتهم و تربيته السليمة لأولاده ، بخلاف اميرة التي لم تكمل تعليمها واعتذرت عن أخر سنة بالجامعة .
دافع أحمد عن اميرة مبررا تأجيلها لدراستها لأجل وفاة اختها و مرض والديها تأثرا بالحادث ، و وعدها انه سيساعدها لتكمل تعليمها بعد زواجهما مباشرةً ، و بعد مشاجرة بينهما استطاع أحمد اخيرًا ان يقنعها بالذهاب معه لخطبتها .
وعلى مضض اتصلت ام احمد بالام سميه لكي تأخذ منها موعد لتأتي لزيارتها هي وابنها، استغربت سمية من الاتصال وسألت أم أحمد عن كيفية وصولها لرقم هاتفها لترد ام احمد عليها
" كلنا بمنطقة واحدة والجيران والحبايب مش بيقصروا بعمل الخير"
استغربت سمية من قولها خير و تلميحاتها الكثيرة أثناء المكالمة مما جعلها تفهم الأمر وسبب الزيارة
فرحت أميرة بل و طارت من فرحتها عندما سمعت بزيارتهم وكل شيء سيصبح بالحلال
اتصل الحاج جمال بإبنه قائلا
" بقولك ايه يا ابني في ضيوف جايين بليل تعالى بدري وهات معاك حلويات وجاتوه "
رد عمرو على والده باستغراب من طلباته
" اشمعنا جاتو ، خلي اميرة تجيب من تحت حاجة ساقعة وكيكة من المخبز "
ضحك الحاج جمال وقال
" لا يا ابني ما هو شكل الموضوع مش عادي ولازم نظهر من اول مقابلة بضيافة حلوه ، هو انت عارف استاذ احمد اللي كان يقابلك بالشارع ويدي ندى الحلويات "
رد عمرو وهو بيسأل
" مش فاكر ماله ده "
أكمل جمال وقال
" ازاي مش فاكر ، احمد ابن المرحوم سعد الدين إمام المسجد الأحمدي "
رد عمرو وقال
" اه اه افتكرته بس برضوا مافهمتش ماله استاذ احمد "
كان صوت العمال قوي بجانب عمرو الذي أصبح يخرج من عمله الحكومي ليذهب لمكان عمل حسام كي يساعده و يضيع وقته معه افضل من الجلوس بمفرده والتفكير الكثير.
رد عمرو وهو يضحك قائلا
" تمام حاضر فهمت عليك مدام عشان عروستنا يبقى هاجي بدري واجيب اللي انت قولت عليه معايا"
اغلق عمرو هاتفه و ذهب بجانب حسام و هو يقول له
" انا قدامي ساعه بالكتير واروح "
رد حسام عليه
" خير تعبت وله ايه، ده انت لسه جاي"
ضحك عمرو وهو يقول
" منا عارف يا سيدي بس النهاردة الواضح كده انه مش هيكون يوم مش عادي ، اصل جاي عريس لمرمر وبابا اتصل وعايزني اجبلهم حلويات وجاتوه "
سقط الخبر على صدر حسام ليعيق تنفسه وهو يستمع لعمرو ومدحه بالعريس و ان والده كان على صلة طيبة بهم ، و كل المنطقة تعلم جيدا قدره وأخلاقه هو وأهل منزله.
لم يصدق حسام ما سمعه لم يتقبل فكرة ان يأتي شخص ليجلس معها وينظر لها .
…….
نزلت مريم لكي تساعد صديقتها بالضيافة توترت اميرة عندما سمعت رنين جرس الباب سبقتها مريم قائلة
" ادخلي انتي جوه وانا هفتح الباب واستقبلهم وبعدها هناديكي "
دخلت اميرة غرفتها وهي تضبط شعرها ولبسها الجميل البسيط ، وبعد دقايق رجعت لها مريم وهي تقول
" لا بالحالة ديه مش هينفع ، استاذ احمد جاي مع اهله يعاين البضاعة بنفسه بعد ما طلعتي عينه ".
توترت اميرة أكثر وأصبحت لا تعلم ما عليها فعله فتحت مريم خزانتها وهي تقول
" البسي الطقم الزهري بحبه قوي عليكي وانا هطلع عشان لو طنط سميه احتاجت حاجة"
وفعلا خرجت مريم وتركتها لترتدي بسرعة لتخرج بعدها على خجل واستحياء وجلست بجانب والدتها بعد ان ردت السلام على الكل و سلمت بايدها فقط على ام العريس وخالته التي أكلت اميرة بعينها واسئلتها الكثيرة وخاصة عن الجامعة قائلة
" طبعا انتي ناوية تكملي جامعتك ، اوعي تكسلي وتقولي لا خلاص هتجوز واقعد بالبيت " وضحكت بسخريه
كان كلامها ثقيل وهذا ما جعل الحاج جمال ينظر لابنه عمرو بعدم رضا .
تحدث جمال
" طبعا لازم تكمل ، انا اصلا كنت رافض انها تأجل السنة دي وخصوصا انها سنة التخرج ، ولكن معلش ملحوقة بصراحه بعد ما اجلت لاقينا أن رأيها هو الصح زي ما انتوا عارفين اميرة بنتنا الوحيدة بعد إيمان الله يرحمها "
ردت أم أحمد
" الله يرحمها، طبعا الاعتناء بالأهل واجب وده اللي قالهولي احمد وعشان كده اتنازلت عن الموضوع ده وخاصة اني كنت عايزة له بنت مخلصة ومعاها وظيفة كمان "
اختنقت سميه من طريقة الضيوف و كلامهم وكأنهم مجبورين على القدوم إليهم ، رد احمد على امه وقال " كله هيجي وحدة وحدة تكمل تعليمها وبعدها تتوظف وبكده هتنول الرضا منك " وضحك.
تدخل عمرو هذه المرة بالكلام وقال موجها حديثه لأحمد
" احنا سعداء بستضافتكم و التعرف عليكم من على قرب اكتر، بس اعتذر منكم اني مش فاهم كلامكم احنا افتكرنا ان ديه زيارة وديه بين امي و والدتك ولكني اتفاجأت بوجودك وكمان كلامكم "
توترت اميرة ونظرت لمريم بخوف ، رد استاذ احمد وقال
" عندك حق يا باش مهندس ، احنا الي مفروض نعتذر منكم دردشنا شوية بدون ما نقول سبب الزيارة "
تدخلت امه بكلامه وقالت
" انا كنت قصده افتح الموضوع ده قبل ما نتكلم عن سبب زيارتنا لنكون على بياض من الاول "
حذر أحمد امه بعينه ورجع نظر للحاج جمال وقال
" احنا جايين النهاردة نطلب ايد بنتكم اميرة ليا على سنة الله ورسوله "
نظر عمرو لوالده باستغراب و رجع نظر لاحمد وهو بيسمع تبريره لعدم مجيء عمه معه قائلا
" انا عارف ان مفروض بالحالة ديه يجي عمي او خالي ليطلبوها منكم بدل بابا الله يرحمه، ولكني قولت اجي بالاول بنفسي نتكلم ونتناقش ونتفق و بعدها يجي عمي باذن الله "
ردت خالة احمد عليه وقالت " عداك العيب يا ابني كل حاجة لازم تتبني على نور ، نتفق و بعدها يجوا كبار العيلة يتمموا الموضوع"
رد الحاج جمال بضيق من شدة ثقتهم بنفسهم وقال
" بس انا شايف في خطوات نسيتوها وانتوا جايين تتفقوا "
رد احمد وهو ينظر لأمه وخالته متسائلا " بسيطه لو ليكم عادات أو تفاصيل بالمرحلة ديه ممكن تقولوا لنتفق عليها "
تحركت ام احمد لتجلس على طرف مقعد الصالون وهي تستمع بتركيز وترقب لوالد العروسة ، الأمر الذي جعل سميه أكثر ضيقا وقلقا على ابنتها منها.
أكمل الحاج جمال كلامه وقال
" احنا اتعودنا يا ابني ان في خطوة صغيرة مهمة قبل خطوة زيارتكم ديه وهي ان والدتك الفاضلة او انت تيجي تكلمنا الأول وتفتح الموضوع عن طريق وسيط واحنا نسأل و نستفسر و بعدها لو في قبول نرد ونقولكم اتفضلوا احنا منتظرينكم ، ده حتى وقتها بيجي العريس عشان يشوف العروسة ويقعد معاها ولو في نصيب وراحة بعد ما بنتنا تستخير ربنا و نتصل بيك ونقولك هات الوالدة الكريمة تتفضل ويقعدوا العيلتين و يتعرفوا على بعض ويتفقوا بالتفاصيل "
ونظر الحاج جمال لام احمد متسائلا
" وله انا غلطان بالموضوع ده "
ارتبك احمد ونظر لاميرة التي لم تستطع رفع نظرها عليه نهائي ، لترد ام احمد قائلة
" انت عندك حق بس ابننا تتمناه بنات كتير وكمان بنتكم زي ما سمعت مفيش حاجة تنقصها غير تعليمها عشان كده قصرنا المسافة و قلنا خير البر عاجله "
ضحكت خالته وقالت
" اصل عريسنا مستعجل وقالب البيت علينا بقاله اسبوع ، لدرجة اننا فعلا نسينا التفاصيل ديه متأخذوناش "
رد عمرو ليراجع ام احمد وهو يقول " اعتذر منك في ملاحظة صغيرة بكلام حضرتك ، انتي قولتي ان بنتنا ناقصة وده مش صحيح فرق سنة تأجلت بالجامعة لظروف خاصة لا تسمى بنقص بل تتحسب ليها لانها بسنها ده فضلت اهلها على تعليمها و اتحركت حسب فقه الأولويات ، واحب اقول لحضرتك ان القرار ده مكنش سهل عليها وعلينا وعرضناها كتير فيه وخاصة انها كانت مهيئة تكون معيدة بالجامعة بعد التخرج "
وقفت اميرة وذهبت للمطبخ بضيق لتتحرك من وراءها مريم لتدخل إليها ، اعتذر أحمد بالنيابة عن امه وهو يبرر
" اكيد ماما مش قصدها هي بس خانها التعبير" وشرح لهم قدر وأهمية التعليم لدى امه وانه من أساسيات اولوياتها .
بالمطبخ كانت أميرة تشعر بضيق واختناق لدرجة انها رفضت ان تعود للصالون مرة اخرى قائلة
" اطلعي انتي قدمي الضيافة انا مش هطلع لامه دي تاني"
ردت مريم عليها
" لا مستحيل رجلي على رجلك انا اخاف الست خالته ام عيون متغرقة بالكحل تاكل ايدي بدل الحلويات ، ياستار عليها انا خفت عليكي من عينها "
ردت أميرة
" وايه موضوع الاسود الي هما لابسينه ده وربنا اتخنقت منهم كلهم حتى هو لابس بلوڤر اسود "
ضحكت مريم وقالت
" بس برفوا عمو جمال والباش مهندس جابوا حقنا وزيادة، عشان يعرفوا هما جايين لمين "
ردت اميرة بحزن وقالت
" بس انا مخنوقة قوي مش عارفة ليه "
دخل عمرو المطبخ كي يستعجلهمد " يالا الناس قربت تمشي ولسة مشربوش حاجة "
خرجت مريم بصينية الحلويات ، نظر عمرو نحو اخته التي تسمرت بمكانها وقال
" يلا يا اميرة اتحركي "
اخذت الصينيه وخرجت وداخلها لا يريد الخروج قدمت لهم الضيافة وهي مختنقة عكس حالتها وحماسها قبل قدومهم ،وبعد وقت صغير استأذنت ام احمد وهي تقول
" احنا جينا عشان نقولكم نيتنا الخير واننا طلبنا وجينا البيت من بابه ، خدوا راحتكم بالتفكير ومنتظرين منكم الرد"
و وقفت وهي تكمل كلامها
" بالأذن احنا بقى عشان منطولش عليكم والي فيه الخير يقدمه ربنا"
تحدث أحمد موجه كلامه للحاج جمال قائلا
" ممكن اوصل ماما وارجع اقعد مع اميرة عشان نتعرف على بعض"
نظر جمال لابنه وبعدها رجع رد على أحمد وقال
" اتفضل يا ابني احنا بانتظارك من حقكم تقعدوا طبعا مع بعض "
تضايقت ام احمد من خفة ابنها وتعلقه بالعروسة ردت عليه وقالت " مستعجل على ايه يا ابني بكرا هتقعدوا لحد ما تزهقوا"
سحبها احمد من إيدها وهو يقول
" بتخوفينا ليه ياماما من اولها ، احنا طبعا عارفين كل ده بس خلينا نستمتع ونطلع السلم وحدة وحدة "
ذهبت مريم لمنزلها بعد ذهاب الضيوف قائلة لاميرة
" هكلمك انا بالتليفون عشان ماما متقلقش عليا "
ودعتها أميرة و اغلقت الباب خلفها مستمعة لحديث أخيها عمرو مع والده
" انت ليه سمحت له يرجع يقعد معاها "
ردت الام سمية وقالت
" والله ابني عنده حق انت ليه قولتله يتفضل دنا كنت بعد الثواني عشان يمشوا"
دخلت اميرة غرفتها وهي أكثر ضيقًا و اختناقًا مما سمعته اذا كان من اهل احمد او اهلها
اتصل الحاج جمال بحسام وهو يأكد عليه ان يمر عليهم قبل ذهابه لأم سعاد لكي يأكل معهم من الحلويات ويأخذ نصيب خالته معه.
حاول حسام التهرب والتحجج بتعبه وانشغاله ولكن الحاج جمال أصر عليه وقال
" حتى تشوف عريس اميرة وتقول رايك فيه ، ما هو مينفعش نحكم عليه لوحدنا كده "
حزن حسام وحاول من جديد ان يتهرب ولكنه بالاخير لم يستطع احزان خاله منه فقرر الذهاب بشكل سريع.
اتصل الحاج جمال بجاره العم يونس وسأله عن احمد و حكى له ماحدث بالزيارة والطريقة التي دخلوا بها عليهم وايضا طريقة امه وخالته بالكلام .
كان الحاج جمال غير سعيد مما حدث بالزيارة ولكنه لا يريد ظلم العريس ورغب بالسؤال عنه من اقرب اشخاص إليه بالحي ، ارتاح وفرح كثيرا عندما شكر العم يونس بأستاذ أحمد وأوصاه بتحمل امه لأنها صعبة قليلا ولكنها ليست سيئة ولا تظلم أحد وانها تتصرف هكذا لأن الحياة قست عليها بعد زوجها المرحوم واصبحت تخاف كثيرا على اولادها.
حكى جمال لزوجته وابنه كلام يونس قائلا لهم
" مش عايزين نظلم الولد عشان دخل بطريقة مش كويسة ، خلونا نديه فرصته مش يمكن يكون كويس زي ما بيقولوا"
جلست أميرة غرفتها وهي بنفس ضيقها واختناق صدرها تشعر بشيء غريب لم تستطع شرحه حين دخل عمرو عليها الغرفة وسألها عن سبب جلوسها وحدها ، بررت له تخوفها من أمه وخالته ولهذا اختنقت ، لم يكن هذا هو السبب الحقيقي والوحيد بعد شعورها بتغير كبير في مشاعرها خلال الشهر الذي ابتعدت به عن خروجها للشرفة و حظر رقمه ، وكأن المشاعر التي كانت بينهم عبارة عن اعتياد لرؤيته اليومية لا اكثر ولا اقل ، شخص ظهر بحياتها في وقت ضعفها و تركها لجامعتها و انعزالها عن العالم الخارجي بسبب انشغالها بمساعدة والديها و رعايتهم ، والأكثر من هذا كله انه ظهر امامها بعد وفاة أختها التي تكبرها بسنتين فقط ، وجدته يهتم بها في وقت احتياجها لاختها التي كانت أكثر شخص تحبه وتجلس معه طول الوقت تحكي له عن جامعتها و اصحابها هذا الفقد الذي جعلها تائهه تريد التعلق بأي شيء يشعرها انها لا زالت على قيد الحياة .
اختنقت دون تفسير واضح و حقيقي ، عاتبت نفسها على عدم فرحتها بهذا اليوم الذي تمنته من شهور كثيرة ، وضعت الحجج لأمه وخالته وهي غير مقتنعة نفس الأمر كان عند الام سمية فهي لم تكن متقبلة الموضوع كله قائلة لزوجها وابنها
" بخيره وشره ، بحلوه ومره، مش عايزينه ياخد امه وخالته ويروحوا يرموا بلاهم على حد غيرنا، انا بنتي مش لاقيها في الشارع "
حذرها جمال
" اوعي تقولي كده قدام البنت ، خليها تفرح مش كفايه كنا السبب في الي هي فيه ، اتخلت عن تكميل جامعتها بسببنا، و إلا كانت دلوقتي قدامها شهرين وتتخرج و تتوظف "
وتنهد بضيق ليكمل كلامه وهو يقول " اكيد انتي حاسه كده عشان خايفه تتجوز وتبعد عنك ، بس ديه سنة الحياة يا سمية البنت اخرها لبيت جوزها واحنا هنبقى ندبر حالنا "
ورسم على وجهه ضحكة حزينة وهو يقول
" وله انتي عايزة تفضلي تعبانه كده على طول ، لا بقولك ايه كفاياكي دلع عايزين نفرح بالبنت "
طرق الباب وتلاه رن جرسه ليخرج عمرو من الغرفة وهو يقول بصوت منخفض
" اكيد ده العريس انا هفتح له "
ردت امه بنفي صوته المنخفض
" انا هنام محدش يطلب مني اطلع له"
تحدث جمال وقال لابنه
" اقفل علينا الباب و روح افتح يا ابني واقعد معاه و شويه كده و بخرج انا كمان اقعد معاه "
فرح احمد باستقبال عمرو و جلوسه معه ليدور بينهم حوار صغير عن السن و أحوال العمل والأهل وتفاصيل بسيطة صغيرة .
راقب احمد الأبواب منتظر خروج عروسته الذي طال ، ليراها بعدها تخرج من غرفتها جالسة بجانب اخيها على استحياء مخفضة الأعين متوترة بوجه احمر.
فرح احمد أكثر وبدأ يتحدث بحماس أكبر مع عمرو موجه إلى أميرة الكلام قائلا
" وله ايه راي عروستنا"
حدثهم أحمد عن دروسه التي تبدأ بعد انتهاء دوامه بالمدرسة وان جميعها بالمنطقة لهذا لم يضطر للذهاب لأماكن مختلفة ، تحمس اكثر ليتحدث عن الزواج ورغبته ان يكون بآخر الصيف و قبل العام الدراسي الجديد بسبب وضع عمله.
استغرب عمرو من حالته و جرأته بكلامه وضحكه مع أميرة وكأنهم يعرفان بعضهما من قبل يسألها و يشرح لها ويقول
" طبعا زي ما انتي عارفه و ده الأنسب لينا و لازم نتعرف كويس وتعرفي اللي يرضيني ويرحني عشان ميبقاش في مشاكل بعدها "
ارتبكت اميره وخجلت من ضحكه معها وسؤاله لها عن رأيها بكل شيء يقوله ، بهذا الوقت وصل حسام ليكون منقذ و منجد لاميرة من كثرة كلام أحمد ، دخل حسام بعد أن فتح له عمرو الباب لينصدم بوجودهم امامه ، نظر لأستاذ أحمد ثم نظر لأميرة يجدها جالسة بخجل، سلم بايده على العريس مرحب به .
تحدث عمرو
" حمدلله على السلامه ، يارب تكون انهيت الشغل على خير"
رد حسام عليه بصعوبة وقال
" اه الحمدلله مفيش مشاكل"
تحرك حسام ليدخل غرفة التلفاز ليسلم على خاله ولكن كلام أحمد الموجه له جعله يقف ليسمعه وهو يقول " هو حضرتك شغال ايه "
مد عمرو ايده وأشار للمقعد الذي أمامه وهو يقول لحسام
"اقعد شويه معانا "
جلس حسام و هو يرد على العريس وقال " انا شغلي خاص بتجارة المحاصيل الزراعية "
ابتسم احمد وقال بسخرية
" تجارة ايه بقى ، قول خضري او صاحب محل خضار، وله دي كمان بقى ليها مصطلحات جديدة "
تدخل عمرو بسرعه ليرد على العريس وهو يشرح له طبيعة عمل حسام وان الامر غير متوقف على محل بيع صغير.
بهذا الوقت كان حسام غير مهتم بما قاله احمد ، فلا احد يعلم الصراع القوي الذي بداخله وما يحاول السيطرة عليه كي يتمالك نفسه ويستجمع قوته حتى لا يفضح.
رفض ان يرفع عينه عليها ولو لثواني قليلة خوفا من ان تفضح عينيه حزنه و حبه.
تحدث احمد مع حسام مرة ثانيه وهو يقول
" حصلنا الشرف ، كل العمل خير و بركه المهم الانسان يسعى للرزق عشان ربنا يفتحها عليه ، انا بس حبيت اهزر معاك "
تحركت اميره قائلة
" انا هحضر لكم القهوه "
قالتها بصوت منخفض وضعيف ، اسرع احمد برده عليها
" لا قهوة ايه بالوقت ده ، انتي كده مش هتخليني انام طول الليل ، مع اني واثق من ده وخصوصا النهاردة ولكن بلاش نضغط على نفسنا أكتر "
خجلت اميره من كلامه وضحكه حتى كادت أن تقع من خجلها ، رد عمرو على احمد وقال
" يبقى نخليها شاي احسن " ثم نظر لأخته وقال
" اعملي لينا شاي بعد اذنك يا اميرة "
تحركت بسرعة دون رد هاربة للداخل مغلقة الستارة التي تفصل بين الصالون والمطبخ والحمام الذي دخلته مباشرةً لتغسل وجهها ويداها كي تهدئ من ضيقها وخجلها وتوترها .
جاءت لتخرج من الحمام لتجد حسام امامها يرفع يده قليلا لأعلى وهو يقول بصوت منخفض
" كنت عايز اغسل ايدي"
تحركت لتفتح له الطريق دون كلام معتقده انه سيكمل كلامه ولكنه دخل الحمام وقفل الباب بصمت .
لتكمل هي طريقها الصغير إلى المطبخ بحزن لتضع إبريق الشاي على البوتاجاز و تضع بعدها البسبوسة بالأطباق .
سمعت صوت فتح باب الحمام تحركت بسرعه لتخرج من المطبخ وهي تشير لحسام بيدها دون صوت كي يدخل معها المطبخ ، استغرب من حالتها رفض قلبه ان يذهب وراءها كي لا يفضحه حزنه ولكنه لم يستطع رفض طلبها ظل يصارع نفسه حتى رآها أمامه تناديه من جديد ليدخل المطبخ خلفها .
تحرك حسام بخطواته الضعيفة التي كادت ان تكون للخلف اكثر من انها للإمام تخوفًا من رؤيتها أو سماع صوتها ليجد أنه محق بخوفه فبجرد دخوله المطبخ سمعها تحدثه
" انا بسخن لك الغدى يا حسام اكيد جعان "
نظر لها بذهول لثواني تحدث بعدها وهو يحرك رأسه بالرفض
"شكرا انا مش جعان ، وكمان متعمليش حسابي بالشاي همشي بسرعة راسي وجعاني و هروح انام "
ردت اميرة بعفوية وقالت
" اكيد زي ما ماما قالت ، راسك وجعتك من جديد عشان بتنسى نفسك بالشغل ومش بتاكل اي حاجه بعد الفطار "
بدأت أنفاسه تتسارع ضيقاً وحزنا على ضياع حلمه وحقيقة تواجد خطيبها بالصالون. مجيبا عليها
" لا مش عشان كده، بجد انا تعبان وعايز أروح "
ردت عليه لتصدمه بحديثها الجاد
" مفيش روحة لأي مكان قبل ما اتأكد انك اكلت كويس ، وكمان اللوبيا ماما عملتها بنفسها و شالت لك منابك على جنب قبل ما نغرف الاكل عشان انت بتحبها"
تحدث حسام بعيون كادت أن تبكي من شعوره باهتمامها به قائلا
" بجد يا اميرة مش قادر معدتي وجعاني شوية حتى مش هقدر اشرب الشاي معاكم ، لو تسمحي ليا اروح هيكون احسن كتير ليا"
ردت عليه بحزن " زي ما انت عايز مش هضغط عليك "
هز حسام راسه وابتلع ريقه وقال بصوت مختنق
" اتمنى ليكي السعادة بحياتك ، انتي تستاهلي كل خير"
تحرك ليخرج من المطبخ هاربًا بعده من المنزل كله دون ان يتحدث مع احد أو يستأذن من العريس.
لولا سماعه لصوتها الذي اوقفه و اوجعه وهو يسمعها تقول
" طب والكنافة يا حسام ؟ معقول هترفض الكنافة هي كمان! هعملك شاي بلبن جنبها او اقولك هحطها لك باللبن زي زمان عشان تبقى سخنه "
استدار حسام وهو يستمع لها بدون رد فإن كان تحدث بهذه اللحظة لكان لسانه قال وفضح ما بقلبه دون إذن منه فلقد تبقى القليل فقط لتثور عليه جوارحه و تفضح ما بداخله.
.....
أصعب شيء أنك ترى حب حياتك جوهرة قلبك تذهب من بين يديك دون ان تستطيع فعل شيء ، تلك التي كنت تخاف عليها من عينك ستصبح عمن قريب زوجه لرجل اخر .
كيف سيتحمل حسام ألم الفرق قبل ان يبدأ حلمه
رواية قرة عيني
بقلمي أمل محمد الكاشف
يتبع ..
إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا.
منها "رواية حياتي"
رواية جديدة قيد النشر من ضمن سلسلة روايات الكاتبة أمل محمد الكاشف ..