recent
جديدنا

رواية مقرينوس الفصل السابع

 رواية مقرينوس. 

ضي القمر وظلمات يونس. 

بقلم سميحة رجب


"لن أغادر قبل أن أستعيد قصر أجدادى. كل ما تحاولين إقناعي به ليس إلا سخافات. لا أؤمن بأي حقيقة سوى أن هذا القصر إرثي. منزلي. موطني الذي سأبذل كل جهدي لاسترجاعه،  سأقف بوجههم ولن أستسلم حتى اللحظة التي سأرميهم فيها بعصا السـ نوار وهم يغادرونه خاضعين"


           ●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●


فتح يونس عينيه ببطء. يشعر بإرهاق شديد يثقل جسده وألمٍ لاذع يكاد يمزق ذراعه. حاول تجاهل الألم وهو يتفحص المكان الذي عبارة عن كوخ قديمًا مرتبًا بعناية وبساطة تجذب الأنظار.

لا زال يدور بعينه حوله يتفحص الأغراض المعدودة. بعض الأواني النحاسية والصناديق المزخرفة كل شيء منظم بإتقان. مقعدان مثبتان في الأرض مغطّيان بأقمشة غريبة تحمل ألوان جميلة، و فراش ينام عليه بدوره مثبتًا في الأرض.


تأمل تفاصيل الكوخ بانبهار ، سرعان ما عاد ألم ذراعه ليعيده للواقع. تذكر ما حدث في القصر مما جعله ينتفض محاولا النهوض، عجز يونس حتى عن تحريك قدميه صارخًا بقوة تعبر عن الألم الهائل الذي يشعر به.


هرعت إشراق مهرولة إليه من الخارج، تحمل بيدها كوبًا نحاسيًا به مشروب غريب ذو رائحتها المألوفة له . وضعت الكوب جانبًا واقتربت منه قائلة بنبرة هادئة:

"أهدأ. ولا تحاول التحرك حتى لا تجهد نفسك، فليس بيدي علاج لك"


رفع رأسه بارتباك متسائلا وهو يضرب كفه بخفة على جبينه:  "من أنت؟"


تحدثت إشراق بهدوء محاولةً  تخفيف حيرته:

"حاول أن تنهض ببطء، واشرب هذا المشروب. سيمنحك بعض القوة لفترة قصيرة لتتمكن من التحمل بعض الوقت لتسمعنى. سأخبرك بما يجب أن تعرفه، وليس بما تريد أن تعرف"


نظر إلى الكوب النحاسي الذي يحتوي على المشروب، ليردف وعيناه تلمعان بالدهشة:

"هذا مشروب جدتي. تسميه المشروب السحري. كانت تسقيني إياه كلما مرضت وكنت اتعجب من رفضها سقايته لأي شخص آخر"


تنهدت إشراق وهي تقترب أكثر تناوله الكوب بعدما حاول يونس أن يعتدل قليلًا، لكن قوته لم تسعفه ليجلس جلسة معتدلة. حدثته مفسرة له :

"إذا شربه أحد غيرك أنت أو من سيورث مكان ميثال فلن يكون فعالًا"


نظر إليها بتعجب واضح معالمه على وجهه قبل أن تضع الكوب بين يديه وتكمل:

"أعلم أنك تثق في المشروب أكثر مني، وهذا طبيعي في البداية. ميثال مرت بنفس هذه المواقف. لا تقلق سنتجاوز هذا وستثق بي، في النهاية وجودى ليس إلا لمساعدتكم، لكن عليك أولاً أن تجلب من يخلف ميثال إلى هنا"


شعر يونس بغموض يتزايد بكل شيء يمر عليه، ورغم الألم لم يستطع منع نفسه من التفكير في كلمات أشرق الأخيرة، غرق في التساؤلات والحيرة مجددًا. كاد لا يصدق ما يسمعه، كيف يمكن أن يكون كل هذا حقيقيًا؟


ابتسمت إشراق ابتسامة هادئة فور رؤيتها لدهشته التي كانت تتوقعها، استدارت بخفة نحو أحد المقاعد لتجلس براحة زادت من ارتباكه. ترقب بدأ حديثها الذي سبقه اشارتها بعينيها نحو الكوب النحاسي الذي في يده. 

بتردد رفعه يونس ليرتشف منه القليل، لتبدأ هي بالكلام: 

"من هو الوريث؟ إن أجبتك عن هذا السؤال، سأكون قد أدّيت مهمة ليست من شأني.  و ستغضب وتتخلى مقرينوس عني حينئذ"


ازداد فضوله ليستوقفها : "مقرينوس؟"


أجابت أشرق بنبرة رغم هدوئها إلا أنها مفعمة بالثقة:

 "أنت الآن في مملكة مقرينوس، وهذه المعلومة تكفيك حاليًا"


قاطعها بنبرة شبه ساخرة غير مصدق ما يقال أمامه : "نحن في مصر"


تابعت أشرق بنبرة جادة متجاهلة عدم تصديقه:

 " أخبرتك أنني سأخبرك بما يجب أن تعلمه فقط. لا تتعجب حتى لا تتورط في أسئلة غير ضرورية. خذ ما أقوله بجدية لتسهل الأمر على نفسك"


لم يكن مقتنعًا لكن الغموض كان يشده أكثر مما كان يريد الاعتراف به. حاول الاستماع بصمت رفض عقله للقصة التي بدأت تتشكل أمامه.


تابعت إشراق بنبرة أكثر جدية: 

"الوريث سيرث مهمة ميثال ويصبح خليفتها هنا، في مملكة مقرينوس. أما أنت فستكون مساعد هذا الوريث، وستكون مسؤولًا عن إحضاره إلى هنا. وإن لم تفعل وصممت على البقاء هنا. فلن تستطيع التحرك أو فعل أي شيء هنا، لأن حراس الملك سيصلون إليك عاجلًا أم آجلًا. لذا عليك أن تذهب وتحضره"


شعر يونس بأن الأمر يزداد تعقيدًا، فسأل بتحدٍ: 

"فلنفترض أن كلامك صحيح، كيف سأعرف من هو الوريث؟"


أجابته بثقة غامضة: 

"الغرفة الموجودة في القصر، التي نادتك وجلبتك إلى هنا، ستخبرك"


وضع الكوب من يده بعد أن شرب آخر رشفة، وتنهد بارتياح نسبي فداخله لم يكن مطمئنًا. مردفًا بصوت حازم:

"لا يهمني سوى جدتي وقصرها. أخبريني أين هي حتى أجدها ونعود لحياتنا الطبيعية، لا أريد أن أستمع للمزيد من هذه السخافات"


نظرت إليه إشراق بعينين تعكسان مزيجًا من الأسف والإصرار مردفة:

"مع لأسف يا يونس الأمر ليس بيدي ولا بيدك. العثور على ميثال أصبح مرهونًا بإكمال ما لم تقدر هي على إنهائه. مهمتها بقيت ناقصة، ولا يقدر أحد غيركم على إتمامها"


انفجر غاضبًا وبدأ صوته يرتفع:

"عن أي مهمة تتحدثين يا مجنونة؟ ماذا فعلتِ بجدتي؟"


صمت للحظات وكأن فكرة خطرت في ذهنه فجأة. اتسعتا عينيه بلهجة متهكمة:

"هل خالتي هي من استأجرتكم لتخطفوا جدتي؟ هل تحاولون إصابتي بالجنون لتستولي هي وابنتها على القصر؟. لن يحدث هذا الأمر إلا بأحلامكم، أهدم الدنيا على رؤوسكم ولا أسمح بالمساس بجدتى ولا بقصرها"


لم ترد إشراق عليه مباشرة فقط اكتفت بالنظر إليه، تعلم أن غضبه وسوء فهمه لن يغيرا الحقيقة التي يتجاهلها.

فكرت في طريقة ربما تجعل يونس يصدقها. نهضت من مكانها، واتجهت نحو أحد الصناديق المزخرفة فتحت الصندوق بعناية مخرجة بردية قديمة من داخله عائدة إليه وهي تحملها بين يديها قائلة:

"لا تقرأها الآن. انتظر حتى تعود إلى القصر. هناك حيث ستقف في منتصف الغرفة ليحدث شيء غريب بالنسبة لك سيرشدك إلى ماهية الوريث"


جذب البردية من يدها بحركة سريعة وهمّ بفتحها. استوقفته متوسلة إليه:

"لا تفعل ذلك الآن، ستؤذيني وتؤذي نفسك. إذا تخلت المملكة عني، فلن تتخلى عن وارثيها. ولا عن هدفها وغايتها في إعادتك إلى هنا ، لكن هذه المرة ستكون عبر لعنة ستحكم عليك بالبقاء حبيسًا في هذا الزمن للأبد."


علامات من الحيرة والارتباك بدأت ترتسم على وجه يونس، مما جعلها تشعر بالشفقة تجاهه. أردفت بنبرة خافتة محاولة استمالته :

"ستفهم كل شيء لاحقًا، ولكن ليس الآن. عليك أولًا إحضار الوريث. وقبل ذلك يجب أن تعود إلى عصرك لتعالج جرحك، أثر مقرينوس بذراعك لن يزول إلا عندما تعود إلى زمنك الحقيقي"


تنهد يونس بضيق ناظرًا للبردية بين يديه متسائلا بحيرة: 

"من هؤلاء الذين في القصر؟"


أجابت بهدوء:

"أصحاب القصر الحقيقيون، مالكيه الأصليون"


زفر بحنق محاولًا شرح وتوضيح ما لا تفهمه مردفًا: "هذا قصر جدتي. ملكي"


ردت إشراق نافية بجدية:

"هذا قصر الملك إيليادور. ليس لك حق فيه طوال وجودك هنا. عليك أن ترحل قبل أن يجدوا مكانك. وإن قبضوا عليك، فلن يرحموك، ولن يغفروا لك اقتحامك لقصرهم"


انتفض صرخًا بغضبه ورفضه التسليم بما تقول:

"لن يغفروا دخولي إلى قصري؟! لن أغادر قبل أن أستعيد قصر أجدادى!. كل ما تحاولين إقناعي به ليس إلا سخافات. لا أؤمن بأي حقيقة سوى أن هذا القصر ملكي.  منزلي وموطنى الذي سأبذل كل جهدي لاسترجاعه، سأقف بوجوههم ولن أستسلم حتى اللحظة التي أرميهم فيها بعصا السـ نوار وهم يغادرونه خاضعين"


نظرت إليه مردفة بجدية وحزم:

"لن يغادروا. هذا قصرهم. وهذا زمنهم"


صمت للحظة يحاول استيعاب ما سمعه، ثم قال بتردد: "هل سافرت عبر الزمن؟"


أومأت برأسها متنهدة بإرتياح فأخيرًا بدأ يونس استيعاب ما تريد توضيحه. أردفت إشراق:

"شئ كهذا"


بدأ تأثير المشروب يتلاشى تدريجيًا من جسده

ليعود الألم إلى ذراعه بقوة، مما أجبره على الصراخ بصوت عال تزامن صراخه مع سماعها صوت أقدام الأحصنة التي كانت تقترب بسرعة من الكوخ ، مما جعل إشراق تتحرك بسرعة وهي تقول بقلق:

"ليس لدينا وقت يجب أن نتحرك قبل أن يصلوا

ويقبضوا عليك"


حاول أن يعترض ولكن الألم كان قد سيطر

عليه تمامًا، لم تترك له إشراق مجالًا للحديث.

قاطعته بنبرة حازمة:

"عليك البقاء حيًا لإنقاذ ميثال لا وقت للرفض، يجب أن تغادر الآن لتداوي جرحك، وتفكر على مهل. سأنتظرك هنا، ولكن يجب أن تعود مع وريثة ميثال تلك التي ستخلفها هنا"


كانت كلماتها تتسارع مع خطواتها وهي تقوده خارج الكوخ، بينما كان يتبعها بخطوات بطيئة، منهكا من الألم الذي يكاد يسقطه أرضًا. كل خطوة كانت أشبه بمعركة مع جسده المتعب. كانت أصوات الأحصنة تقترب.


قادته إلى شجرة ضخمة بجوار الكوخ، توقفت عند نقطة معينة أمام الشجرة ثم أشارت إلى الأرض مردفة:

"هذه النقطة ستعيدك إلى قصرك. المخرج والمدخل من نافذة الغرفة.  حاليا القصر لن يسمح لك بالدخول وحدك. كما أخبرتك ، مقرينوس تحتاج لخليفة ميثال كي تفتح أبوابها لك"


وقف مذهولاً وجهه ممتلئ بالشك والتردد، لم يكن مقتنعًا بما تقوله ملامحه عكست عدم الثقة وكأن كل ما سمعه كان ضربًا من الجنون.

 رأت إشراق حراس القصر يقتربون بسرعة منهم، لذلك لم تمنحه فرصة للتفكير اقتربت منه بقفزة واحدة لتدفعة بكل قوتها نحو تلك النقطة دون أن تتردد ، وفي هذه اللحظة التي سقط فيها يونس على النقطة المحددة، شعر بأن الأرض تدور من تحته، وأن السماء فوقه تغيرت بشكل مرعب تلبدت بالغيوم السوداء، وكأن عاصفة غامضة على وشك أن تبتلع كل شيء. حاول الوقوف والفرار، لكن الدوار والألم سيطرا عليه بسرعة. 


فقد وعيه في لحظة خاطفة ليفتح عينيه في اللحظة التالية ليجد نفسه ملقى على أرضية غرفة القصر، كما لو أن كل شيء كان حلمًا ولكنه بدا حقيقيًا بشكل لا يمكن إنكاره حين إزداد ثقل ذراعه الذي يؤلمه بقوة.

نظر لثيابه شبه المبللة ليتذكر سقوطه بالماء، حاول رفع رأسه ولكن قوته لم تكن تكفي حتى ليحرك إصبعًا، ظل على الأرض غارقًا في ألمه. يشعر بوجود قمر خلف الباب ولكنه لا يقوى على أن مناداتها ولا أن الإقتراب من الباب ليلمسه عله يتصادف مع لمسها إياه. 


ما زالت قمر أمام باب الغرفة المغلق، عيناها متشبعتان بالرجاء، تنتظر بفارغ الصبر أن تنفتح الغرفة لتكشف لها عما بداخلها. 

كان أملها معقودًا على أن يخرج يونس ليكملا البحث عن ميثال. لكن كل شيء ظل جامدًا لم يأتِ أي نداء من يونس ولم تنفتح الغرفة كما كانت تأمل.


 تراقب الباب بنظرة تتأرجح بين الخوف والقلق. سر الغرفة المغلقة يشدّها إلى عالم من التساؤلات التي تزدحم في ذهنها دون إجابة. فهذه الغرفة بتفاصيلها الغامضة، تثير فيها رهبةً لا تستطيع تفسيرها، لكن فضولها كان أقوى من خوفها وسط تيار أفكارها المضطربة، انشق الصمت على صوت طرقات متسارعة على باب القصر.

صوت أيقظ في قلبها مزيجًا من الأمل والرهبة. تسارعت نبضاتها مع خطواتها نحو الباب، تتوق لأن تكون ميثال هي القادمة لتنهي هذا الغموض.


ولكن عندما فتحت الباب، وجدت نفسها أمام من لم يكن في حسبانها قدومهم، فلقد أتت كلا من يسرية وعلا.

 وقفن أمامها في صمت ثقيل، أعينهن كانت تتحدث بصوت أعلى من أي كلمات. نظراتهن تتأرجح بين الغموض والتوتر، خاصة يسرية التي بدت نظراتها مشبعة بحقد دفين، شعور مبهم ومربك بالنسبة لقمر، جعل الخوف يلتف حول قلبها كحبل مشدود. كانت تعلم أن هناك ما هو أكبر من هذا الصمت، بل و أخطر مما تراه أمامها، لكنها لم تستطع أن تدرك سببه بعد. 


تراجعت قمر خطوة للوراء تراقبهما بتوجس لم تستطع أن تبدي أي رد فعل فالهيئة التي دخلتا بها توحي أنهما لم يأتيا لشيء فيه خير. 

اندفعت يسرية وخلفها علا إلى الداخل ودفعتا قمر بنفس اللحظة بكل قوتهما حتى تأرجحت إلى الخلف وترنحت إلى أن أقترب سقوطها،  تمالكت نفسها واستعادت توازنها ثم اعتدلت صارخة بهما دهشة: 

"ما بكما؟ "

اندفعت علا نحوها وعلى حين غرة شدت شعرها وأحكمت عليه قبضتها مردفة بحثيث افعى: 

"لقد جاء وقتك أيتها المشؤومة،  هل ظننت أننا سنتركك تسرحين وتمرحين في قصرنا وكأنك مالكته؟ "


أضافت يسرية وهي تندفع نحو قمر تهم بضربها مردفة: 

" لن تجدى أحد ليدافع عنك لا ميثال ولا يونس، ستعودين إلى الشارع الذي أتيت منه يا بشعة و... 


لم تكد يسرية تكمل تهديدها حتى شدت قمر يد علا وضغطت عليها بكل قوة اجبرتها على إرخاء قبضتها من شعرها لتنقض عليها دون خوف ولا تردد دفعتها بكلتا يديها نحو الخلف ثم أحكمت قبضتها على ذراعها واقتربت منها واكزة على اسنانها مردفة: 

"لو تجرأتِ مرة أخرى على لمس شعري سأقـطع يدكِ دون أن أتردد واريكِ من تكون البشعة و المشؤومة". 


ناظرتها علا بتوجس خائفة فلم تصدر أي صوت لتعود قمر إلى يسرية لتردف بنبرة تهديد: 

"هيا خذي ابنتك واخرجا من هنا وإلا أقسم انني سأطلب لكما الشرطة وابلغ عن اقتحامكم القصر وأنكما سبب اختفاء ميثال". 


ردت يسرية غاضبة: 

"من تظنين نفسك حتى تطردينا؟" 


شدت قمر يد يسرية وسحبتها ناحية الباب ودفعتها للخارج ثم عاد لتلك التي لا تزال واقفة مكانها مندهشة من جرأتها التي لم تتخيلها. 


لتمسكها قمر من يدها وتدفعها إلى الخارج مهددة: 

"اذا تكرر مجيئكم فلا تلوما إلا أنفسكما. وليكن بحسبانكم ان اختفاء ميثال ستدفعان ثمنه غاليًا. تذكرا ذلك جيدًا"

  ثم أقفلت الباب بوجههما بقوة تمكنت من تمثيلها أمامهم على أكمل وجه. 


اما ذاك الذي لا يزال يصارع بالغرفة فقد سمع كل شيء لكنه بالكاد يستطيع ان يقاوم ألمه. 


وقفتا علا ويسرية واخذتا تحدقان ببعضهما تحاولان ابتلاع الصدمة واستيعاب الذي حدث قبل هنيهة، ركضت علا نحو الباب وطرقته بعنف صارخة: 

"إذا أصبح لديك لسان تهددين بيه، لا بأس استمتعي بما تبقى لكِ من وقت هنا لكن مصيرك الشارع". 


انصرفتا تجران خيبتهما بغضب بينما تحركت  قمر نحو باب الغرفة ورتبت شعرها المشعث وثيابها مرددة بهلع: 

"ماذا لو اتصلتا بالشرطة؟  يا الله حينها سيفضح أمري،  اهدئي قمر اهدئي لن تتجرآ تعلمان يقينا أنهما الخاسرتان،  اهدئي حتى يخرج يونس من تلك الغرفة وتعود ميثال ثم فكري بعدها في حل ينجيك". 



عادت إلى الغرفة وطرقت الباب بيد مرتعشة من التعب، منادية على يونس بصوت خافت دون أن يأتِها رد. شعرت بالخوف يتسلل إليها، ولكنها لم تستسلم. جمعت شجاعتها رغم ضعفها وقلة حيلتها، ووضعت يدها المرتجفة على الباب مرة أخرى. ما إن لمسته هذه المرة حتى انفتح، دفعته ببطء ولكن شئ ما خلف الباب يعيق فتحه. حاولت أن تدفعه بقوة أكثر لينفرج قليلا. نظرت من الجزء الذى انفتح لتُصدم برؤية يونس ملقى خلف الباب، والواضح انه كان يجاهد كى يصل للباب ويلمسه لعله يتزامن مع لمسها إياه. وقد كان". 


_"يونس!" 


دفعت الباب بقوة لتتمكن من الدخول هرعت نحوه  بعد ان حركته بهذه القوة رغما عنها أثناء فتحها للباب، اخذت تهزّه برفق في محاولة يائسة لإيقاظه. 

كانت هيئته مرعبة وجهه شاحب، ملابسه ملطخة بالدماء، وجسده بدا وكأنه تعرض لضربات قوية، الجرح البارز في ذراعه جعل قلبها يخفق بشدة، وتملكها الخوف من هذه الغرفة الغريبة، لم تدرى ما تفعل وبمن تستنجد، كيف حدث هذا؟ ومتى؟  لقد دخل سليما معافا لغرفة بها أربع جدران فكيف خرج بتلك الحال؟ هل كان بغير عالم؟ تربطت يداها المرتجفة واقفة لبرهة تفكر، قلبها يكاد يخترق صدرها من شدة الذعر. 


ابتلعت الصدمة أخيرًا حين لامس اذنيها صوت انينه مستنجدا بها رافعًا يده مناديا بصوت خفيض: 

" قمر.... 

بدا وكأنه قد استعاد وعيه للحظة قصيرة سرعان ما غاب عن الوعي مجددًا. لتخر قواه لتسقط يده ويستريح بعدها استراحة محارب.

 

حاولت بكل ما أوتيت من قوة أن تحركه لم يكن أمامها خيار، لكنها وجدت الأمر صعبًا. شعرت بالإرهاق يجتاحها ومع ذلك استمرت بمحاولاتها وهي  تسانده تحاول جره بعيدًا عن الباب المظلم لتلك الغرفة المخيفة.

وبعد محاولات شاقة استنزفت طاقتها، تمكنت أخيرًا من وضعه على أول مقعد خارج الغرفة.


التقطت قمر أنفاسها بصعوبة ولكنها لم تتوقف. أسرعت تبحث حولها، عيناها تجوب المكان بيأس باحثة عن أي شيء يمكنه مساعدتها في تطهير جروحه أو إيقاف النزيف.


ظلت تدخل وتخرج من غرفة الى الاخرى حتى عثرت على أدوات الإسعافات الأولية في غرفة ميثال، سارعت بها نحو يونس وهي تحاول الحفاظ على هدوئها رغم الخوف الذي يعتصر قلبها.


جلست بجانبه وبدأت بحذر شق ذراع قميصه

الملطخ بالدماء كانت أصابعها تعمل بسرعة ودقة، مهارتها الطبية تجلت في حركاتها الواثقة رغم توترها .

 كشفت الجرح العميق الذي يمتد بعرض ذراعه، وحينما لمست الدماء التي كانت لا تزال تسيل ببطء، علمت أن الوقت ليس في صالحهما.


أخرجت المطهر وبللت قطعة من القطن وبدأت

بتطهير الجرح برفق محاولة تجاهل الألم الذي قد يشعر به يونس لكنه لم يتحرك كان جسده مخدرًا من فرط الألم. 

 تضافرت مهارتها مع حالته لتخفف من حدة الألم عليه ، وبعد تطهيرها الجرح بشكل جيد أخرجت قمر الإبرة والخيط. وبدأت بخياطة الجرح بخفة ودقة. كل غرزة توضع بعناية. أصابعها تتحرك وكأنها تعرف الطريق جيدًا،  تحاول الحفاظ على هدوءها. رغم أن ما تفعله صعب ومؤلم إلا أن يونس لم يشعر بقسوة الخياطة، لربما بسبب حالته الضعيفة أو لمهارتها في العمل.


 أنهت قمر خياطة الجرح وضمدت ذراعه بإحكام لوقف النزيف تمامًا أعطته مسكنا لتخفيف الألم الذي ربما سيتزايد بعد زوال تأثير الصدمة. ثم أسرعت باحثة عن شيئًا لتغطيه به سحبت غطاءًا وعادت لتفه حوله كي تمنحه قليلًا من الدفء ، انسلت من شفتيها تنهيدة تعب بعيون تتأمل ذراعه الذي عالجته. وهي تمر بلحظات صمت تعج بالذكريات.


ذكريات السنوات التي كرستها لدراسة الطب والتفوق به، ذلك الحلم الذي لطالما رسمته أمامها وتعلقت به. همست لنفسها بصوت خافت كأنما تشتكي لنفسها :

" تخلى عني حلمي بعد ان كرست حياتي لأجله!"


وبينما كانت غارقة في أفكارها فتح یونس جفنيه

ببطء عينيه المرهقتين التي بالكاد تفتحان. مال برأسه قليلًا نحوها كي ينظر إليها بوهن وكأنه يحاول فهم ما قالته، و في لحظة غير محسوبة  التقت عينيهما ببعض مردفة قمر بكلماتها الثقيلة على قلبها  

"حتى أحلامي خذلتني!"

خرجَ اعترافها من أعماقها دون تحكم وكأنها تعلن بتيه خيبتها للعالم. 



يتبع لحين نشر الفصل الثامن يوم الخميس الساعة الثامنة مساءًا، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها قيد النشر حصريا لمدونتنا .







author-img
أمل محمد الكاشف

تعليقات

18 تعليقًا
إرسال تعليق
  • غير معرف21 أكتوبر 2024 في 8:33 م

    .💞💞

    حذف التعليق
    • غير معرف21 أكتوبر 2024 في 8:42 م

      تسلم ايدك مبدعتي

      حذف التعليق
      • غير معرف21 أكتوبر 2024 في 9:11 م

        روعه تسلم ايدك حبيبتي

        حذف التعليق
        • غير معرف21 أكتوبر 2024 في 9:18 م

          روعه تسلم ايدك حبيبتي

          حذف التعليق
          • تمارا ياسين21 أكتوبر 2024 في 9:32 م

            اين اختفت ميثال

            حذف التعليق
            • Yasmin21 أكتوبر 2024 في 9:33 م

              حبيت قوه قمر أمام علا

              حذف التعليق
              • Yasmin21 أكتوبر 2024 في 9:35 م

                اشراق عارفه بي اختفاء ميثال

                حذف التعليق
                • تمارا ياسين21 أكتوبر 2024 في 9:35 م

                  هي قمر خايفه من الشرطه ليه

                  حذف التعليق
                  • Basma Fakhri photo
                    Basma Fakhri21 أكتوبر 2024 في 10:45 م

                    روعه ❤️

                    حذف التعليق
                    • غير معرف22 أكتوبر 2024 في 1:03 ص

                      تحفه تحفه بجد

                      حذف التعليق
                      • salwanader22 أكتوبر 2024 في 1:04 ص

                        بجد ياسميحه كل حلقه بتتفوقي علي نفسك وتثبتي تمكنك من اجتياز الصعاب تسلم ايديكي

                        حذف التعليق
                        • غير معرف22 أكتوبر 2024 في 1:05 ص

                          اخيرا قمر تخلت عن الخوف ولو لمره واحده وصمدت قدام يسريه وبنتها

                          حذف التعليق
                          • غير معرف22 أكتوبر 2024 في 1:06 ص

                            تسلم ايديكي تحفه

                            حذف التعليق
                            • غير معرف22 أكتوبر 2024 في 1:06 ص

                              حبيت قمر جدا وخصوصا انها فضلت قدام الاوضه مش بس الفضول ولكن الخوف من المجهول وعلي يونس وميثال

                              حذف التعليق
                              • Alaa Mohamed22 أكتوبر 2024 في 1:07 ص

                                فصل رااااااائع يا سمسمة بداية من المقدمة اللى أسرتني وخطفت قلبى وعقلي
                                فضلت اعيد فيها أكثر من مرة فرحانة وفخورة بيكي والله 🥰🥰 ولا تسلسل الأحداث الواحد بقي عايش جوا مقرينوس ولسه في البداية اومال لما نتعمق في الأحداث أكثر هيجرا لنا ايه 🥰 ولا القفلة بقي وجمال القفلة وحلاوة القفلة وعمق القفلة تخيلت اول ما مال براسه وبص ناحيتها وعينهم تلاقت قبل ما تتكلم سمعت صوت تنهيدتها من كتر اندماجي 😂😂 ما اتجننتش لا لسه بعقلي متخافيش بس العنكبوت النونو وقمر شكلهم كده هيكونوا كوبلي المفضل وهنعتذر لجنة وسليم 😂❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️

                                حذف التعليق
                                • Alaa Mohamed22 أكتوبر 2024 في 1:08 ص

                                  وربي قمر فخر 😂❤️
                                  هي دى اللى هتربي عسرية وتعلمها الأدب
                                  حبيت قوتها وشجاعتها
                                  غسلتني من جوا 😂😂❤️

                                  حذف التعليق
                                  • Rim kalfaoui photo
                                    Rim kalfaoui22 أكتوبر 2024 في 1:13 ص

                                    لم ننتهي من الالغاز العميقة وميثال أين اختفت وتركت الدنيا في حوسه ههههههه
                                    بس ايه أحببت مشهد علا وهي ببتهزأ وطردهم ههههه ناس ما عندهاش ولا ذوق
                                    نرجع لولد يونس اتبهدل يا حرام هههههه

                                    حذف التعليق
                                    • غير معرف22 أكتوبر 2024 في 11:10 ص

                                      كده تبقي قمر هي وريثه ميثال

                                      حذف التعليق
                                      google-playkhamsatmostaqltradent