recent
جديدنا

رواية مقرينوس الفصل السادس

 رواية مقرينوس

ضي القمر وظلمات يونس. 

بقلم سميحة رجب





أهلا بكم في مقرينوس. 

اليوم تقلع أولى رحلاتنا إلى مملكتنا الأسطورية التى تقع في أقصى أركان العالم القديم. محاطةٌ بهالة من الغموض، قابعةٌ وسط طبيعة ساحرة تتخطى كل وصف. مملكة انطوت صفحاتها مع مرور الزمن بسبب سحرة وحكماء غابرين تركوا بصمتهم في الحجارة والأشجار والمياه

يقف يونس في منتصف الغرفة عيناه تتجولان في أرجاء المكان، كل شيء حوله بدا مألوفًا، التفاصيل الصغيرة. الأثاث العتيق. حتى النافذة الكبيرة المطلة على الحديقة،  يعرف هذه الغرفة أنها غرفة جدته في قصرها. ولكن من هذه الفتاة الشابة التي تقف أمامه في الطرف الآخر من الغرفة بجمالها الملكي وثوبها الفاخر من الحرير المطرز بالذهب وكأنها خرجت من لوحة تاريخية قديمة.


قاطعت الفتاة حيرته بصوتها الهادئ المفعم بالثقة

: "من أنت؟ وما هذا الذي ترتديه؟"

لفت انتباهه ما يحمله صوتها الناعم من سطوة الملكات. ارتبك يونس بوقفته المذهولة نظرًا إلى ملابسه المعتاد ارتدائه لها جينزًا وقميصًا عصريًا وهو شيء لا يمت بأي صلة لما ترتديه هي.

مد بصره نحوها من جديد متعجبًا من حالتها التي تبدو كما لو أنها تنتمي إلى زمن آخر حيث الملوك والملكات. تشتت عقله بين ما يراه وما يشعر به فلم يستطع الرد في الحال.


تقدم خطوة نحوها محاولًا استيعاب ما يحدث، إلا أنها قطعت عليه حركته بنبرة حادة مليئة بالتحذير:

"احذر أن تقترب! وإن فعلت..

 أنهيتك في الحال، أخبرني من أنت وإلا أمرت الحرس ليلقوا بك في السجن"


اخترقت كلماته صدره كالسهم، مما جعله يتوقف في مكانه يدقق النظر بقلب ينبض بسرعة جنونية تعكس اضطرابه على نبرة صوته وهو يرد عليها بتيه وارتباك

:"هذا منزلي. قصر جدتي، وهذه غرفتها! من أنتِ بحق السماء؟"


غمرهم الصمت للحظات مشحونة بالتوتر. وكأن الزمن توقف بينهما.


 بدا الهواء في الغرفة أثقل، تنعكس الشمس الباهتة عبر النوافذ العالية، تسقط على الأرضيات الرخامية وتضيء أطراف الثوب الملكي للفتاة التي لا تزال تنظر إليه بعينين مشتعلتين بالاستفهام والشك. رافعة ذقنها بتحدٍ وكبرياء كي تقيمه بنظراتها، باحثة عن الإجابة بين ثنايا شكله الغريب.


في تلك اللحظة فُتح الباب بعنف ودخل رئيس الحرس، رجل طويل القامة ذو وجه صارم وعيون لا تعرف الرحمة، يتبعه رجلان ضخمان يرتديان ثيابًا غريبة تثير الذهول أشبه بزيٍّ حربي قديم ولكنه بتفاصيل دقيقة لافتة للنظر.  أقمشة الثياب سميكة بلون أحمر داكن، مطرزة بخيوط ذهبية متشابكة على الأكتاف والذراعين، بينما الأجزاء السفلية من الرداء كانت تتألف من جلد بني، منسوج بإحكام ليتناسب مع حركة الأجساد القوية. حول خصر كل منهما حزام جلدي عريض، متدلٍ منه سيف طويل ذو مقبض مزخرف بزخارف فضية. أما الأحذية فكانت مصنوعة من الجلد الصلب تصل حتى الركبة لتكن جاهزة للمعارك.

أغمض يونس عينيه بقوة محاولًا الهروب من واقعه الصادم. أعاد فتحهما متمنيًا أن يكون كل ما هو به مجرد حلم مزعج، لكن الرجال الثلاثة لا يزالون واقفين أمامه وجودهم أكثر واقعية مما كان يتوقع. ضرب رأسه بيديه صارخًا:

"استفق يا يونس. إنه مجرد كابوس! استفق!"


أشار رئيس الحرس غير مبالٍ بحالة يونس المربكة إلى حراسه وأمرهم ببرود

:"خذوا هذا المجنون إلى السجن، حتى نرفع أمره للملك"


لم يتردد الرجلان ليمسكوه من ذراعيه بقوة رغم صراخه ومقاومته ، سحبوه خارج الغرفة كما لو كان قطعة أثاث لا روح لها. بينما كانت أقدامه تجر على الأرضية الرخامية وعينيه لا تزالان معلقتين على الأميرة في اللحظة الأخيرة و قبل أن يختفي خلف الباب صرخ بصوت مكسور

:"هذا قصر جدتي! من أنتم؟ ماذا يحدث هنا؟"


لم تستجب الأميرة حدقت فيه بعمق ظهر في عينيها بشكل مختلف، نظرة متفحصة تملؤها الريبة، وكأنها بدأت تفهم شيئًا ما. مدركة سر حضوره في هذا المكان الغريب وفي هذا الزمن الذي لا يتناسب مع حياته.


___ 


مضي الوقت وقمر معسكرة أمام باب الغرفة  تستند عليه بوجهها الشاحب وحالة من الضياع امتلكتها وهي تنتظر أى استجابة منه، وكأنها تنتظر إجابة من العدم. بقايا قوة تكاد تنهار، يأبى كبرياءها أن يعترف بذلك. الوقت يمر والليل يزداد ثقلًا وهي ما زالت تنتظر دون أن تدري ماذا تنتظر بالضبط. كل ما تعرفه أن الوحدة قد خيمت عليها والاسئلة تدور في ذهنها بلا توقف 

" أين ذهب وأين اختفت ميثال، لماذا تصفعنى الدنيا بهذه الطريقة كل حين، إلى أين سأذهب ولمن سألتجئ إذا لم تعد ميثال"


لأول مرة منذ ايام تستفرد بنفسها، اختفاء ميثال ترك فراغا. تجلس مشدوهة أمام أسئلة بلا إجابات مشاعر ثقيلة تتصارع في صدرها. 

لامست وجهها المرتجف بيدها المرتعشة تفكر في اللحظات التي كانت تظن فيها أن الأمور ستسوء أكثر، لكنها لم تتوقع أن تفقد من جعلتها تشعر أخيرًا بأنها مقبولة كما هي.

 ميثال تلك المرأة التي ظهرت بحياتها لتصبح  الأمان والملاذ لها وسط عاصفة الخيبات. تنهدت قمر بعمق غرقها في بحور من المشاعر المختلطة مردفة بصوت مكسور:

"هل خسارة كل من يتقبلني قدر مكتوب على جبيني؟"


 همست بصوت متهدج: 

" هذه المرة الأمر مختلف. كل من خسرتهم سابقًا أحببتهم ولم يحبوني. تقبلتهم ولم يتقبلوني. عكس ميثال التي تقبلتني دون أن تعرف ماهيتي"


رفعت رأسها ببطء تنظر إلى الباب المغلق أمامها وكأن وراءه كل الإجابات التي تبحث عنها. أصابعها ترتعش وهي تمسح دمعة سقطت دون إذن منها. لم تكن تتوقع أن تشعر بهذا  الفراغ العميق الذي لا يمكن ملؤه بمجرد اختفاءها.

سألت نفسها من جديد

"هل أنا مشؤومة بالفعل؟ يبدو أنني سأصدق ما يقولوه. كيف يتسرب الناس من بين يدي؟ إلا إذا كنت مشؤومة كما يقال"


كلماتها خرجت كآهات تحمل في طياتها كل الألم الذي حاولت كبته طويلًا. هذه المرة لم يكن لديها القوة لتجاهل هذا الشعور. كان الألم يتدفق بداخلها، يملأ كل جزء في روحها يضربها كالموج العاتم على صخور يأسها.


أغلقت قمر عينيها للحظة كي تستعيد أنفاسها المتهالكة. تكرار الخسارة يجعلها تتساءل عن معنى الصمود في وجه عالم يبدو مصممًا على انتزاع كل شيء منها.

 تعرف جيدًا كيف هو طعم الوجع وكيف يتسلل الخذلان إلى كل زاوية في حياتها.


بقيت هناك في صمت يعج بأصوات الحيرة والخوف.


_____


مضت ساعات النهار وما زال يونس حبيس تلك الزنزانة الباردة التي كانت في الحقيقة غرفة البدروم الخاصة بقصر جدته.

 جلس يونس مستندًا إلى الحائط الرطب يشعر كما لو أن العالم بأسره قد انقلب رأسًا على عقب أفكاره تتصارع في رأسه بلا توقف، يحاول عبثًا ربط الخيوط المبعثرة لهذا الموقف الغريب. فجأة انفجر ضاحكًا بضحكة هستيرية مدوية، قائلاً بصوت مرتعش:

"كاميرا خفية! أو مقلب سخيف! هذا ما يحدث بالتأكيد. ليان وعلا، أنتما من خططتما لهذا، أليس كذلك؟ مقلب سينفجر على السوشيال ميديا ويصبح ترند! هذه فكرة علا. أرادت أن تصلح ما كسرته بيننا"

لكن سرعان ما تحولت تلك الضحكة إلى صمت، وزالت الابتسامة عن وجهه ليحل محلها نظرة غاضبة، تمتم بنبرة حازمة:

"سأجعلها تندم على فعلتها هذه. لكن يجب أن تنتهي هذه التمثيلية أولاً"


اندفع نحو الباب الحديدي المتهالك الذي يحجزه عن العالم الخارجي، وبدأ يصرخ بغضب شديد يضرب به الباب بقبضتيه:

"علا! يا علا! ليان! أخرجاني من هنا وإلا دمرتكما! لم أعد أهتم للمشاهدات أو لهذا الهراء. أنهي هذه التمثيلية الآن يا علا، وإلا سيكون هذا آخر يوم لكِ في مصر!"

لم يكن هناك أي رد صوت صدى صراخه كان يرتد في الزنزانة الخاوية، بقي واقفًا يلهث محاولا السيطرة على غضبه. صرخ مرة أخرى مناديًا على علا، لكنه لم يجد سوى الصمت مجددًا.

 فتح الباب فجأة ودخل الحراس مرة أخرى. كان أحدهم ذو بنية قوية وصوت خشن ينظر إلى يونس بازدراء، قائلاً بسخرية:


"ما هذا الهراء الذي تتفوه به أيها المجنون؟"


رد يونس الذي كان لا يزال تحت تأثير الصدمة والتوتر مردفا بانفعال :

"هل أرسلتك علا؟"

حدق الحارس فيه بذهول وسأله بازدراء:

"علا! من علا هذه؟"


ضحك يونس ضحكة قصيرة وهو يحاول تهدئة نفسه، ثم قال بنبرة مملوءة باليأس:


"أعلم أن هذا مجرد مقلب. من أجل التريند!"


قهقه الحارس بصوت عالٍ مردفا:

"تريند؟ ما هذا المصطلح الذي اخترعته الآن؟ ما معناه؟"

اقترب يونس منه وقد بدأ التوسل يتسرب إلى صوته وهو يردف:

"أرجوك يا أخي، أخبرني من أنتم؟ وماذا تفعلون في قصر جدتي؟ هذا منزلي!"


هز الحارس رأسه بيأس محدقًا في يونس بنظرة محبطة:

"أنت تكرر نفس السخف. إذا سمع الملك ما تقوله عن هذا القصر، سيعدمك فورًا بتهمة الدعوة للانقلاب عليه! سأغض النظر هذه المرة،  فأنت مجرد شاب طائش، ولكن لا تدع حماقتك تدمر مستقبلك بقرار منه"


قبض الحارس على يديه وأقفل عليها الأصفاد الحديدية بحركة سريعة، بينما كان يونس ما يزال غارقًا في حالة من الذهول والارتباك بدأ الحارس يسحبه بقوة خارج الزنزانة، متجهًا نحو الممرات الطويلة التي تؤدي إلى قاعة العرش.


بينما كانوا يسيرون كان عقل يونس يحاول جاهدًا استيعاب ما يحدث. لا يمكن أن يكون هذا حقيقيًا. لابد أن هناك تفسيرًا، لكن كل شيء حوله بدا وكأنه مأخوذ من زمن آخر بعيد عن العالم الذي يعرفه.


نبض قلبه بسرعة وعينيه متعلقتان بالجدران الحجرية القديمة، مشاهدًا كيف أن المكان يبدو كأنه ينتمي لعصر آخر. إلى أين سيأخذونه؟ وما الذي سيحدث عندما يقابل هذا "الملك"؟

كلما اقتربوا من غرفة الملك كلما ازدادت دقات قلب يونس قوة متسائلا عما ينتظره خلف الأبواب الثقيلة.

دخلوا به غرفة الملك إيليادور. وبمجرد أن دخلا الحارسان ويونس إلى تلك الغرفة الشاسعة، تجمد في مكانه  فكانت الغرفة مشابهة تمامًا لغرفة جده الأكبر والد جدته ميثال، التي زارها مرات لا تُحصى في طفولته نفس التفاصيل الدقيقة.ونفس العظمة المتقنة في التصميم و نفس الفخامة المتوارثة عبر الأجيال.


الجدران مزينة بنقوش ذهبية قديمة، تحكي قصص ملوك سابقين وحروب عظيمة. السقف مرتفع مزين بثريات ضخمة متدلية، كأنها تضيء ليس فقط المكان بل هيبة المملكة بأسرها. في إحدى الزوايا كان هناك تمثال رخامي لأحد الأسلاف ممسكًا بسيفه تعلوه هالة من الهيبة والغموض. وعلى طول الجدران كانت اللوحات الكبيرة تروي قصصًا عن تاريخ المملكة وانتصاراتها العظيمة. في زاوية الغرفة جلس كرسي العرش والذي كان قطعة مبهرة من الذهب والأحجار الكريمة مشعًا بسلطة لا حدود لها.


 أكثر ما لفت نظر يونس هو النافذة الواسعة التي كانت تطل على مشهد لا يُنسى:

 امتداد واسع لمملكة عظيمة تحيط بها الجبال والسهول والأنهار تتلألأ تحت ضوء الشمس الخافت. كان المنظر مهيبًا وكأنه يروي قصة عظمة هذه المملكة التي لم يعرفها من قبل، لكنها كانت أقرب إليه مما يعتقد.


ورغم التشابه المذهل بين هذه الغرفة وغرفة جده الأكبر، إلا أن الاختلاف الوحيد هو الأشخاص الذين وجدهم يونس هنا. 

 الحراس يرتدون ثيابًا قديمة كما لو أن الزمن عاد إلى الوراء قرونًا. الملك إيليادور كان يقف  مرتديًا عباءة ملكية ثقيلة، مزينة بالخيوط الذهبية تاجه المهيب يتوج رأسه، بينما كان ينظر من النافذة وكأنه يغرق في تفكير عميق عن مملكته وحكمه.


وقف الحارس بيونس في منتصف الغرفة، متحدثا بصوت صارمًا مردفا:

"جلالة الملك، لقد أحضرته."

لم يتحرك الملك طويل القامة على الفور ظل واقفًا ظهره إلى الغرفة وعيناه معلقتان بالنافذة.  كان ذو حضور مهيب حتى من بعيد، وكأن كل ذرة في المكان تحترم وجوده. وكأنه لم يكن ملك بل كان رمزًا لقوة لا تقهر.


 لا يزال يونس مشوشًا نظر حوله وهو يحاول استيعاب الوضع، الغرفة، الأشخاص، الملك... كل شيء هنا كان حقيقيًا، لكنه في نفس الوقت غير منطقي بالنسبة له. وكأنه في حلم أو كأنه عاد بالزمن إلى حقبة لا تمت لواقعه بصلة.


صدح صوت الملك إيليادور في الغرفة الواسعة، بصوت عميق وقوي جعل جدران القاعة ترتجف:  "من أنت؟"

رد يونس بصوت متردد محاولًا جمع شتات نفسه: "أنا يونس"


رفع الملك حاجبه وصوته يفيض بالغضب:

"كيف دخلت القصر؟ وكيف تجرأت وتسللت إلى غرفة ابنتي الأميرة منيفة؟"


نظر يونس حوله ما زال في حالة من الصدمة، متحدثا بلهجة غاضبة ومشوشة:

"هذه غرفة جدتي، وهذا قصرها!"

عندها اشتعل الغضب في عيني الملك وأصبحت  ملامحه صارمة. استدار بسرعة نحو يونس كي يتفحصه جيدًا بنظرة مليئة بالاستياء والاحتقار. ثيابه الغريبة، بنطلونه الضيق وقميصه العصري كانا يظهرانه كأنه كائن غريب من زمن مختلف. زمجر الملك غير قادر على استيعاب كلام يونس: "من أين أتيت أيها الأبله؟"


رد يونس محاولًا الثبات:

"لم آتِ من مكان. هذا قصري! من أين أتيت أنت وهؤلاء الغرباء؟ وأين جدتي وقمر؟"


بدأ الملك ينظر إلى يونس باهتمام، لكن هذا الاهتمام سرعان ما تحول إلى قلق وريبة. تحدث يونس بأشياء غريبة لا معنى لها. 

أشار الملك للحارس بيده وأمره:

"أعده إلى الزنزانة لعله يعقل، وإن استمر في التفوه بهذه الهراءات، ستُحدد عقوبته، ولن يفلت منها"

 اقترب الملك من يونس بخطوات ثقيلة، قائلا بصوت منخفض ينضح بالتهديد:

"احمد ربك أنني لا أعاقب المرء إلا بعد إعطائه الفرصة الثانية. فاحذر أيها الشاب أن تفكر في الانقلاب على الملك إيليادور مرة أخرى"


رجع للخلف خطوتين يتطلع إليه بنظرة ازدراء، وفي عينيه بريق من السخرية قبل أن يضيف بصوت لاذع:

"أليس عيبًا على رجل مثلك أن يرتدي هذه الثياب الضيقة؟ ألا تخجل من نفسك؟"


وقف يونس مشدوهًا عاجزًا عن الرد. لقد تحولت المواقف من الغضب إلى السخرية، ولم يعد يعرف ما إذا كان يجب أن يغضب أو يشعر بالإهانة. مشاعر مختلطة تتصارع داخله وهو يُسحب مرة أخرى خارج الغرفة، إلى مصيره المجهول في هذا المكان الذي يبدو وكأنه ينتمي لعالم آخر تمامًا.


سار يونس بخطوات ثقيلة برفقة الحارس عائدًا

إلى الزنزانة، عقله مشوش وتملؤه الحيرة والغضب. أثناء سيرهم في أحد الممرات الفارغة من الحراس، تحول الصمت الذي يكتنفه إلى دفقة من الأدرينالين.

بدون أي تحذير باغت الحارس بدفعة قوية أوقعته أرضا ، اندفع يونس مسرعًا بين ممرات القصر متسللا عبر الزوايا والطرق الخفية التي يعرفها جيدًا، كان يركض بجنون مستغلاً معرفته الدقيقة بكل زاوية وكل ممر في القصر الذي حفظ تفاصيله منذ صغره. 

اتجه إلى الباب الخلفي المؤدي إلى

الحديقة و حين وصل إلى الباب الخلفي وفتحه صدم بالمشهد الذي أمامه حيث وجد مجرى مائي واسع يمتد بعيدًا. المياه تلمع تحت

ضوء القمر أمامه خيار واحد فقط وهو إلقاء نفسه في المياة. للحظة تردد وهو ينظر خلفه ليجد أحد الحراس يركض نحوه بسرعة. لم يكن هناك وقت للتفكير قفز في المياه بكل ما أوتي من قوة لكن شعر بألم حاد في ذراعه قبل أن يغوص التفت ليجد سيف الحارس

قد شق ذراعه بجرح غائر. 

غاص في الماء وقام بالعوم بسرعة فائقة رغم الألم. الماء البارد يضغط على جسده، لكنه يدفع نفسه بكل قوة نحو البر الثاني.

أصبح الألم يتصاعد من ذراعه لكنه تجاهله مدفوعا بغريزة النجاة حتى وصل إلى البر الآخر مستخدمًا قوته المتبقية ليتسلق سور القصر بسرعة ودقة فاجأت حتى نفسه.

كان جسده يعمل بحركة غريزية، وكأنه مبرمج على النجاة. وعندما أوشك على القفز من فوق السور، ظهر الحراس مرة اخرى حاولوا اللحاق به أدرك يونس أن الحراس لن يستسلموا بسهولة. 

أسرع بقفزة من فوق السور وهبط بثقل على الأرض رغم ألم الجرح في ذراعه الذى بدأ يثقل حركته.

قفز بخفة من فوق السور ليهوي بقوة على الأرض، وإذا به يجد أمامه رجلا ملثمًا يمتطي حصانًا قوي البنية، وبجانبه حصان آخر ينتظره. قبل أن يستوعب يونس الموقف سمع صوت الملثم يعلو بلهجة ملحة:

"هيا يا يونس، أسرع قبل أن يصل الحرس!"


تملكته الحيرة والخوف وهو يحدق للحظات حين أدرك ان الصوت عائدا لفتاة، أدار رأسه ليرى الحراس يقتربون بسرعة.

و بدون تفكير اندفع يونس نحو الحصان الثاني صعد عليه بسرعة وبينما كان يحاول التوازن على السرج صاح متوترًا:

"من أنت؟"

جاءه الرد بنبرة مطمئنة لكنها صارمة:

"أنا إشراق، جئت من طرف جدتك ميثال لا تقلق أنا بجانبك"

وبمجرد أن سمع يونس اسم جدته، تسلل شيء من الطمأنينة إلى نفسه لم يكن ما يحدث معه منطقيًا، لكنه تمسك بخيط الأمل مهما بدا ضعيفًا له، وبضربة خفيفة على جانب الحصان دفعه للاندفاع إلى الأمام، ليلاحق إشراق التي سبقته بخطواته تردد صدى حوافر الخيول في هواء الليل الهادئ بينما أصوات الحراس تتعالى من خلفهم وهم يطاردون بلا هوادة.

ورغم أن يونس لم يكن يفهم حقيقة ما يحدث حوله إلا أنه أدرك أن الأولوية الآن هي الهروب من قبضة الحراس. كانت الطرق أمامه مجهولة وكل شيء يوحي بأن سرًا أكبر مما كان يتصور ينتظره في الأفق. 

ظل يركض خلف أشرق مصممًا على اللحاق بها، 

حين يأس الحراس من القبض عليه  امسك احدهم برمح وضعه بقوس كبير. ارجعه للخلف وهو يدقق بيونس الذى بدا وكأنه يطير فوق حصانه وكأنه فارس متمرس. أطلق الحارس سراح الرمح ليندفع بسرعة تناطح قوة الهواء البارد ليصيب ظهر يونس ليسقط بعد دقائق جاهد فيها ليتحمل مقاومًا جرحه. سقط أرضًا عقابا له ولكل من تسول له نفسه أن يخترق حرمات قصر الملك والتفكير في الانقلاب على حضرته. 


يتبع… 

لحين نشر الفصل السابع من #رواية_مقرينوس. يوم الاثنين الثامنة مساءا، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة في المدونة منها المكتملة والحصرية قيد النشر





author-img
أمل محمد الكاشف

تعليقات

21 تعليقًا
إرسال تعليق
  • غير معرف17 أكتوبر 2024 في 9:33 م

    تسلم ايدك سموحتي

    حذف التعليق
    • غير معرف17 أكتوبر 2024 في 9:34 م

      في انتظار الفصل الجايه يا سمسم

      حذف التعليق
      • غير معرف17 أكتوبر 2024 في 9:34 م

        تسلم ايديك يا سموحه

        حذف التعليق
        • تمارا ياسين17 أكتوبر 2024 في 9:35 م

          الفصل كانت تحفه بس ليه صغير

          حذف التعليق
          • تمارا ياسين17 أكتوبر 2024 في 9:36 م

            مبدعتي الجميله تسلم ايدك

            حذف التعليق
            • تمارا ياسين17 أكتوبر 2024 في 9:38 م

              هو قالك انتقامي من يونس

              حذف التعليق
              • غير معرف17 أكتوبر 2024 في 9:48 م

                يالهوي ايه الجمال ده عملتي ايه فيه حرام عليكي ياسموحه

                حذف التعليق
                • غير معرف17 أكتوبر 2024 في 9:48 م

                  عملتي ايه في الواد

                  حذف التعليق
                  • غير معرف17 أكتوبر 2024 في 9:49 م

                    ضربتي الواد بالرماح يرضيكي كده

                    حذف التعليق
                    • غير معرف17 أكتوبر 2024 في 9:50 م

                      حرام حرام يابشر

                      حذف التعليق
                      • غير معرف17 أكتوبر 2024 في 9:50 م

                        قدك ده علشان تعملي فيه كده

                        حذف التعليق
                        • Mamet Yaso17 أكتوبر 2024 في 10:54 م

                          انتي عاوزه ايه من يونس يا سمسم

                          حذف التعليق
                          • غير معرف18 أكتوبر 2024 في 12:01 ص

                            احداث مشوقه جدا تسلم ايدك حبيبتي

                            حذف التعليق
                            • Rim kalfaoui photo
                              Rim kalfaoui18 أكتوبر 2024 في 12:27 ص

                              سميحة يا بنت رجب ايه ام الملك ده ما يعرف ولا حاجة يعني بس حبيت وصفك للمشاهد وما جري في يونس المعتر ههههههههه
                              بس حكاية قمر لسه مش فاهمها اظاهر البنت ليها أحزان كثيرة ومعاملة قاسية من عيلتها
                              كالعادة تغلق علينا الباب في اللقطة الحاسمة يا جبروتك يا دكتورة

                              حذف التعليق
                              • Alaa Mohamed18 أكتوبر 2024 في 3:47 ص

                                العنكبوت النونو اتبهدل خالث 🥺🥺

                                حذف التعليق
                                • Alaa Mohamed18 أكتوبر 2024 في 3:47 ص

                                  اوووووه اووووووه اوووووووه
                                  إشراق عرفت ازاى بوجود يونس
                                  شكلها كده هتكون المنقذ ليونس وجدته ولا ايه

                                  حذف التعليق
                                  • غير معرف18 أكتوبر 2024 في 3:50 ص

                                    رغم ان القصر في مقرينوس هو نفسه قصر ميثال بس حاسة اني غرقت في المملكة ومش عاوزة أمشي 😂
                                    مينفعش تجيبي قمر وميثال يعيشوا هنا مع يونس ونخلص من بنات ميثال الضالين 🙂

                                    حذف التعليق
                                    • Mariam18 أكتوبر 2024 في 3:52 ص

                                      تسلم ايدك الفصل جميل اوى ووصفك للأحداث
                                      والسرد خطييييير ❤️❤️

                                      حذف التعليق
                                      • غير معرف18 أكتوبر 2024 في 9:47 ص

                                        روعه تسلم ايدك حبيبتي

                                        حذف التعليق
                                        • salwanader20 أكتوبر 2024 في 12:38 ص

                                          دايما تبدعي وتتألق حبيبتي تسلم ايديكي

                                          حذف التعليق
                                          • salwanader20 أكتوبر 2024 في 12:39 ص

                                            فين راح يونس ياسميحه قدك كده

                                            حذف التعليق
                                            google-playkhamsatmostaqltradent