"إنها غيوم الحياة"
بقلم أمل محمد الكاشف
أبت آيلا أن تذهب مع أمها دون سحب عمها بيدها الأخرى، اقترب سراج من وردته منحنياً عليها
"اذهبي أنتِ مع والدتك بجانب العروس وانا سأذهب لأرى أصدقائي وأعود إليكم"
حركت رأسها رافضة ابتعاده عنهم، ليحدثها مرة أخرى مشيرا لفستانها الجميل
"كم هو جميل ومتألق يشبه فستان العروس بفارق اللون" ثم نظر لطقمه مكملاً
"ما رأيك بطقمي هل يشبه فستان العروس هو أيضا"
حركت الصغيرة رأسها بالنفي ليكمل
"إذا لا يمكنني الذهاب بجانب العروس والرقص معها"
رفع رأسه نحو حياة مكملا
"ام انه يمكنني فعل ذلك؟"
خجلت من سؤاله ليبتسم وهو ينظر لوردته الصامتة التي بالكاد تجيبه بحركة رأسها، اقتربت حياة بصعوبة قائلة لابنتها
"حسنا ابقي بجانب عمك وانا سأذهب لارقص مع العروس"
تفاجأ سراج بما قالته رفع نظره عليها متسائلا
"هل صدقا سترقصين وسط هذا الجمع"
اجابته بثقه
"وهل هناك مانع لذلك"
حرك رأسه بالنفي الصامت مثله مثل وردته، تحركت حياة لتبتعد وهي تعلم جيدا ان ابنتها ستلحق بها.
ابتسم وجهه حين تركت وردته يده مسرعة خلف أمها ليستقيم ناظرا لها متحدثا داخله
"وإن لم نخبرك بحقيقة نسبك لها فقلبك أخبرك بها منذ لقائكم الأول"
وتحرك هو أيضا نحو أصدقائه بعيون لم تسقط عن احبابها، كان يترقب لحظات رقصهم كما قالت له بقلق وغيرة كبيرة، كذب فعلها داخل نفسه وهو يراهن على خجلها.
دار الزفاف بأجواء جميلة مبهجة قربتهما من بعضهما حتى وجدت حياة نفسها بجواره من جديد، اخفضت عينيها خجلا من عيونه السعيدة باقترابه منها.
حدثها بفرحته الكبيرة
"من الجيد أن فرحتك لم تقُدكِ لمشاركتهم الرقص"
أدارت رأسها نحوه دون ثبات عيونها عليه قائلة
"نعم هذا ما حدث حتى الآن ولكن لا أحد يعلم ما سيحدث بالدقائق المقبلة، فما يدريك لعلي افقد سيطرتي على نفسي بعد قليل"
تطايرت الفراشات بقلبه حتى أصبح غير قادر على النطق من شدة فرحته، نظر لوردته التي كانت تتمايل على الجهتين لتشارك البنات رقصهم ثم نظر لمن خطفت قلبه وعقله من أول لقاء صادفها به قائلا
"تقولين أنك لا تعرفني وانتظر لترى ماذا سأفعل"
ابتسمت بخجلها
" لم أقل ذلك"
اقترب بحب تاركا مسافة بينهم
"هل تحبين الرقص لهذه الدرجة....."
ابتعدت بخجلها هاربة من جانبه لتسرع ابنتها خلفها منادية عليها لتمسك يدها، نظر سراج لآيلا قائلا لنفسه
"لا يمكننا معاتبتك على ذلك فما مررتِ به ليس بسهل علينا نحن الكبار فماذا عن عقلك وقلبك الصغير، طبيعي ستخافين و تقلقين وتذعرين كلما ابتعدت عنكِ"
تنهد بحزنه الذي امتلكه سريعا رغم ما كان يشعر به.
سعد الجميع بحالة العروسين و ضحكهما وروحهما الفكاهية التي كانت تطغي على أجواء الحفل.
صعدت العروس سيارة عريسها بعد أن ودعت والدها وأخواتها بدموع الشوق والحب وانطلقا بعدها ليبدأا حياتهم الزوجية برحلة صغيرة لمدينة البحر الأسود الساحلية، كما صعدت حياة سيارتها الخاصة الصغيرة بعد أن أمنت على وردتها بالمقعد الخلفي وانطلقت نحو منزلها هاربة من سراج، بعد أن تبقى القليل على ذهابه معهم.
عادت لمنزلها والفرحة لا تغادر وجهها المنشرح باشراقته المنيرة أبدلت لابنتها فستانها و وضعتها بفراشها رافضة ان تنام معها بغرفتها بناء على تعليمات الطبيب النفسي، فمن الأفضل اعتمادها على نفسها ومحاربتها خوفها من الوحدة والفقد بهذه الطريقة.
اقنعتها بصعوبة قائلة لها
"ان نمتي وحدك الليلة سأخذك صباح الغد لحديقة الأسماك"
فرحت ايلا وقالت "هل سيأتي عمي معنا"
تهربت حياة من سؤالها
"هيا لننام الان وغدا نتفق على كل شيء"
تركتها وذهبت للغرفة المجاورة لتبدل ملابسها، رن هاتفها تحركت لتجلس على الفراش وهي تخلع حذائها متألمة من قدميها، تراجعت للوراء مستندة بظهرها على الوسادات الخلفية لتريح ظهرها من تعب وارهاق اليوم، فتحت هاتفها لترى عدة رسائل من مجموعة العمل ولوهلة أغمضت عينيها متذكرة ان غدا يوم عمل وليس عطلة كما تمنت وخيل لها، وفجأة ودون سابق إنذار وجدته أمامها اتسعت عينيها مما رأته، لم تصدق ما رأته حتى سمعت نبرة صوته المعروفة لديها، فرحت آيلا برؤية من أمتلك قلبها بحبه، أسرعت من الخلف واحتضنته "أبي" قامت حياة مسرعة لتسحب ابنتها لتدخلها بحضنها وهي تتحدث بقربه
"كيف؟ ، أنت كيف؟"، لم تستطع اكمال جملتها بعد ان تلجمت ، تراجعت للوراء بخوف على ابنتها مستمعة لصوته
"هل تظنين أنني سأترك حقي دون انتقام، هل سأتركك تأخذين ابنتي و تتزوجين أخي وتنعمين بثروتي دون ان اقتص منكِ"
ابتلعت ريقها خوفا من كلماته ولكن سرعان ما تغيرت نبرة صوت أركان وهو يقول بعتاب
"أليس الله غفور رحيم، أليس هو التواب الرحيم، ألم أطلب منكِ السماح، ألم اطلب منكِ ان نعيش حياة هادئة جميلة، لماذا حرمتيني من حلمي، لماذا حرمتي ابنتي مني"
اقترب اكثر ليأخذ ابنته من قضبان حضنها المغلق عليها قائلا
"لن اتركها لكِ سأخذها منك، أنتِ لا تستحقينها، أنتِ لم تسامحيني"
بكت حياة وهي تقول له
" اتركها لي، أركان اتركها لي، سأسامحك وأعفو عنك، اتركها لي"
تغيرت ملامح وجهه ليصبح كالوحش المهاجم رافضا ترك ابنته لها، صرخت مستنجدة "سراج، سراج، سراج"
وفجأة ظهر هو من بين الغيوم الكثيفة الملبدة لينقذها من يد أخيه وبينما كان سراج يجاهد أخاه لأخذ وردته من بين يده كانت حياة تستقيم من نومها شاهقة انفاسها محاولة السيطرة على سرعة الشهيق والزفير لديها وكأنها كانت تجاهد بركضها في مباراة قوية.
فكرت ان تتصل بوالدها مستنجدة به ولكنها لم تستطع اللجوء له فقلبها لا زال منقبضا منهم رغم مسامحتها لهم.
حركت يدها لتأخذ هاتفها لتتصل بمن كانت تنادي عليه، دمعت عينيها فور سماعها صوته، حدثها بصوته الهادئ المحب
"كنت سأتصل بكِ كي اطمئن على وصولكم هل كل شيء على ما يرام"
لم ترد عليه، أعاد سؤاله بقلق لتجيبه بدموعها
"كاد أن يأخذها مني لولا تدخلك ككل مرة"
حزن سراج عند فهمه ما هي به حدثها بصوت حنون مشفق عليها
"هل رأيته بحلمك من جديد، كيف نمتي بهذه السرعة؟"
حدثته بصوتها المهزوز
"لم أنم غفلت للحظات رأيته بها أمامي"
شهقت بخوفها
" كان يريد أن يأخذها مني"
هدأها مؤكدا لها حقيقة موته قائلا بحزنه الكبير
"اقسم لكِ أنني رأيته بأم عيني، ألم تصدقيني!"
زفرت أنفاسها محاولة تهدئة خوفها قائلة
"هل من الممكن ان تبقى معي حتى أذهب لغرفة آيلا كي انام بجانبها"
هز رأسه مجيبا عليها بحزن
" لن أغلق حتى اتأكد من نومك"
تحركت بهاتفها لتخرج من الغرفة مقتربة من الباب لتتأكد من إغلاقه بالمفتاح و الأقفال الإضافية ثم تحركت لتتأكد من إغلاق جميع النوافذ ذاهبة لغرفة ابنتها لتصعد بجانبها على الفراش وتحتضنها مغمضة عينيها دون كلام، كان صامتا يعلم حالها وما تفعله فلم تكن هذه المرة الأولى التي تمر بهذا الكابوس المخيف.
انتظر سراج على الهاتف حتى تأكد من نومها والصمت الذي ساد المكالمة ليغلق الهاتف بحزن كبير أغلق به عينيه متذكرًا رفض أخيه لرؤيته بآخر زيارة ليكتب له رسالة مضمونها
"أعلم أنك لا زلت غاضب علي، انا لم ارد ذلك لقد قدمت المستندات قبل معرفتي انك على قيد الحياة، أخي ما فعلته انت وامك لا يمكن تمريره، المستندات بها كوارث يدفع ثمنها أناس أبرياء قضوا سنوات بالسجون وغيرهم خسر أمواله وسمعته وعائلته بسببها، كيف تريد مني أن أرى كل ذلك واعلم من الشرطة ما أخبرتني به واظل ثابت صامت، لا يمكنني فعل ذلك حتى وان كنت أعلم أنك ستعود، أخي نعم اخي لا زلت اقولها و سأقولها مهما حدث ومهما حزنت مني واعتزلتني فأنت من فتحت عيني و وعيت عليه بقربي، أنت من رأيت الفرح بوجهه وشعرت بحمايته وحبه طوال تلك السنوات، أنت اخي شئنا ام أبينا، نحن جزء لا يتجزأ من بعضنا حتى امك، نعم حتى هي ستبقى ذات مكانة وقدر كبير لدي فهي من رعاني وعلمني وكبرني وسعى لتحقيق أحلامي بكل حب واهتمام، لا أعرف كيف سنبدأ وكيف ومن أين سنكمل ولكني اعلم جيدا أهمية السير وإكمال الحياة لاجلنا جميعا، ولأجل ابنتك خاصة، اخي رجاءً ان لم يكن لأجلي فليكن لأجلها، اسمح لها أن تراك ولو لمرة، اشتاقت طفلتك إليك واصبحت تحلم بك وتتحدث عنك وتطلب رؤياك لا تكن اناني، ضع المشاكل جانبا ودعها تراك، اخبرتها انك تعمل مع الشرطة وانها ستراك بمكتب المأمور اتركها لتراك بهذا الشكل حتى تكبر، لا تظلم قلبها الصغير المشتاق لك"
وضع سراج يده على وجهه ليمسحه وهو يتنهد بحزنه متذكرا اتصال الضابط صباح تلك الليلة ليخبره بوفاة اخيه منتحرا، دمعت عينيه وهو يتذكر ذعره ورفضه لتصديق الخبر، أغمض عينيه مرة أخرى متذكرا ركضه وإصراره على رؤية أخيه ليجده بثلاجات الموتى جثة هامدة باردة، سقطت دموعه بعد أن ارتعد قلبه لتذكره هذه الحقيقة المؤلمة.
نام على حالته متقلبا بذكرياته وما حدث معهم قبل حادثة إطلاق النار على امه، تذكر الحفلات ونجاح الشركة الدائم، ظل يتقلب بين ذكريات الطفولة وألم الحقائق وأعمالهم وثرواته حتى استيقظ مع اشراقة شمس يوم جديد بدأه بفنجان قهوة وعقل شارد بعيون ثاقبة وكأنه اخذ قرار حاسما لا رجعة به.
خرج من غرفته الخاصة في الفندق وصعد سيارته متحدثا على الهاتف وهو يقول
"جميل من الجيد وصولك قبلي، امامي ساعة على الأكثر واكون بجانبك، لا تتحدث مع أحد حتى أتي أنا"
أغلق الهاتف مسرعاً بقيادته التي انتهت به على بوابة مدرسة آيلا، صفها جانبا ثم نزل منها ناظرا حوله باحثا عن سيارتها فلم يجدها لم يستغرق الأمر ثواني معدودة حتى رآها تأتي من بعيد، انتظر اقترابها وصفها لسيارتها مقتربا منها ملقيا عليهم سلامه.
فرحت آيلا واسرعت بإلقاء نفسها بحضن عمها دون كلام، اقتربت حياة منهم وهي تقول
"صباح الخير، لماذا أرهقت نفسك بالمجيء نحن بخير"
رفع نظره عليها متحدثا بعيون اخجلتها
"نعم أرى ذلك جيدا"
نظرت حياة لابنتها قائلة لها
"هيا اذهبي لصفك كي لا تتأخري"
رفضت آيلا بصمت لتتحدث الأم
"ماذا قلنا نحن، ستذهبين بمفردك كالكبار"
مدت فمها بغير رضا وتحركت متذمرة نحو الداخل، ضحك سراج وقال
" هل ازدادت جمالا بتذمرها"
ابتسمت وهي تنظر لابنتها ثم التفتت إليه بنفس الابتسامة لتسحر عيونه التي سرعان ما نظرت للسماء
"هل أشرق الصّبح الان. سبحان عظمة الخالق. آمنت بقدرتك يا من تولج النّهار بالليل وتولج الليل بالنهار، ننهض بتفاؤل وبهجة صباحًا جميًلا مبتسمًا يطل علينا ويشرق بوجهه ليوقظ بنا الأمل. فما أجمل من أن يبدأ الإنسان منا صباحه بابتسامة مشرقة تنعش روح الفرح والتفاؤل وتمدنا بألوانها الزاهية بكل ما نحتاج إليه لنكمل يومنا وكل يوم"
تحركت لتدخل مدرستها على خجل
" تأخرت على عملي بالإذن منك"
منعها من الابتعاد عندما لاحقها واقفا بوجهها
"لا عمل لديك اليوم، انتظري بل لا عمل لكِ من بعد الان"
وبنظراتها القوية المندهشة
"ماذا؟ كيف لا عمل لي؟ ومن سيمنعني عن أداء عملي"
رفع اكتافه قائلا
"لا أعلم من لديه القوة بفعل ذلك"،
نظر لتعابير وجهها مكملاً
" ما بكِ؟ اخفتني يا صديق ما هذه النظرات والملامح التي اكتسى وجهك بها؟ وكأني سأتلقى ضربة بوجهي بعد قليل"
أومأت برأسها
"تستحقها"
ابتسم بفرحة ابتسامتها
"هل هذا جزائي حسنا حسنا شكرا لكِ، لنتحدث بشكل رسمي اذا. كي لا تحزني ولا نتلقى نحن هذه الضربة"
غير من هيئة وجهه
" أتيت لاخذك كي نذهب للشركة سويا، هناك بعض القرارات المهمة التي تحتاج لموافقتك اولا ومن ثم توقيعك، ولا تقولين كما تريد وكما ترى فهذه الأمور خاصة بصاحب الشأن وانتِ من عليه ان يقرر"
تحدثت على حذر
"العفو منك انا لم ارد احزانك قلتها من باب المزاح، اعتذر منك، وايضا انت تعلم موقفي من الشركة اعطيتك توكيل وحق بالتصرف والتوقيع بدلا عني"
تحرك خطوات مقتربا بها من سيارته
"ومع ذلك من المهم مجيئك معي اليوم، الخيار لكِ لن افرض عليكِ المجيئ بسيارتي او سيارتك لا فرق لدي المهم أن نلتقي أمام بوابة الشركة"
نظرت لسيارتها وقالت
" حسنا ساتحرك خلفك"
صعدت سيارتها بعد أن تأكدت من صعوده قائلة لنفسها
"ما به تغير فجأة من مجرد كلمة، وكأنه ينتظرها كي يبدل حالته"
وبدون أن تنتبه ادارت سيارتها لتتفاجئ بها تقفز للأمام مصطدمة بصندوق القمامة الفولاذي الكبير.
رجت بقوة داخله، اسرع بنزوله ليطمئن عليها ويخرجها منها وهو يضحك بعد أن فشل بالسيطرة على نفسه، غضبت منه وحاولت تبرير ما حدث وإخراج نفسها من الخطأ الذي ارتكبته عن اصطفافها للسيارة وعدم تأمينها على المكابح عند إدارتها.
اضطرت ان تصعد سيارته وهي تستمع لحديثه مع عامل التصليح ليخبره عن ما حدث، ردت عليه معقبة على حديثه الذي انهاه "لماذا قلت له أنني مخطئة، ألم تصدقني"
ضحك من جديد
"لا كيف اصدقك طبعا، ولكني احرجت ان اقول له ان الخطأ من صندوق القمامة كي لا يذهب ويعاتبه فأردت ان نتحمل نحن الذنب بدلا عن هذا المسكين"
غضبت عليه من جديد ملتزمة الصمت حتى وصلا لبوابة الشركة، وهنا نظر لها وقال
" لنضع مشاجرتنا جانبا وندخل كالشركاء المتفاهمين المتحابين المتصالحين وبعد أن نخرج أعدك اننا سنعود لهذا الوضع"
رفضت أن تنزل، استغرب وضعها طالبا منها النزول لينهوا الأمر المهم ومن ثم يرى سيارتها قبل انتهاء اليوم الدراسي، رفضت أيضا وهي تشبك ذراعيها على صدرها ناظرة للأمام بصمت.
ابتسم بخفية قائلا
" هل تقلدين وردتي بتذمرها"
نظرت لوجهه الذي أظهر ضحكة رغما عنه قائلة
" أما زلت تسخر وتضحك عليّ"
هز رأسه بالنفي
"ومن يجرأ على ذلك انظري لعينيكِ و وجهك وانتِ تعلمين صعوبة ما تقولين، هل فقدت عقلي وتهاونت بفقد روحي"
اقترب محامي الشركة حين رآهما منحنيًا قليلا نحو باب السيارة قائلا
"سراج بيه حياة هانم اهلا وسهلا بكما"
سعل "أحم.." ثم تحدث مخفض صوته بجدية "هيا لننزل ولا تنسي كالشركاء المتفاهمين المتحابين المتصالحين"
اخذت نفس طويل واخرجته مهدئة من غضبها وملامح وجهها التي حاولت أن تجعلها على هيئة ابتسامة بسيطة كإشارة ترحيب بوجوه الجميع.
دخلوا غرفة الاجتماعات مباشرةً ليجدوا مدراء الأقسام بانتظارهم، ترأس سراج الاجتماع ومن جانبه حياة ليتحدث للجميع بشكل لم يروه من قبل.
كانت نبرته حادة، قوية، حازمة بشكل كبير وهو يسن القوانين الجديدة معلنا انه سيكون على رأسهم من الان وصاعدا، نظرت حياة له متفاجئة من قراره ليكمل هو اجتماعه بحالته الجديدة مرتديا ثوب القوة الذي رأى عائلته به طوال السنين الماضية، أراد سراج ان ينهض بسلسلة أعمالهم المختلفة من خلال الشركة الأم دون السقوط بأعمال غير قانونية.
فرغم التغيرات الجذرية التي قام بها في الشركة وتخلصه من رؤوس الفساد إلا أنه كان يتحدث مع الجدد بحزم وجد وقوة كأنهم من اذنبوا من قبل وعليهم ان يعودوا عن اخطائهم كي لا يحاسبوا ويخسرون العمل.
انتهى الاجتماع الذي تم خلاله إعادة توزيع الأدوار و المهام ضمن خطة قوية عمل عليها عدد من الموظفين الموثوق بهم.
انتظرت حياة دخولهم مكتبه وبقائهم وحدهم لتتحدث
"اهنئك على هذا الاجتماع المهم انت محق على الجميع أن يعلم ما عليه من واجبات ومحظورات ايضا"
جلس سراج مترأسا مكتبه ليرد عليها بنفس نبرته الجادة
"نعم ليعلموا ذلك، لن اسمح بالعمل في السوق السوداء ولن اسمح بالخسارة، سأحافظ عليها واعيدها لامجادها بل وأكثر كي يرى الجميع كيف تدار الشركات دون خرق القوانين والمحرمات،سأرفع من شأنها حتى ينسى الجميع ما مررنا به من انتكاسات كي لا تلحق بنا ولا بابنائنا، ان توقفنا او خسرنا سنكون بصدد تفسير ذلك لايلا و ابنائنا من بعدها ولكن ان نجحنا سنمحي بهذا النجاح الخسارة وما قيل عنها فالنجاح دوما هو الذي يبقى ويستمر"
اومأت رأسها
"انت محق انا وابنتي معك بكل ما تقوله، إن أردت توكيلات اضافية تمنحك.. "
قاطعها قائلا
" لستُ بحاجة لتوكيلات من أحد"
اخرج التوكيل الخاص بها ورفعه بوجهها لترى انه هو ومن ثم قطعه أمام عينيها قائلا
" من الان وصاعد سيعمل كلا منا عمله، لن اعمل عمل أحد ستأتين معي لتباشري أعمالك بنفسك"
نظرت لقصاصات الأوراق
"ولكني لا أعلم شيء بهذه الأعمال انا معلمة وايضا انت وعدتني.. "
قاطعها من جديد
"سحبت وعدي، وجدت أنني لست بقدرة فسحبته"
ردت بقوة "وعملي؟ "
اجابها
"لستِ بحاجة إليه، اعتقد ان مستقبل ابنتك وإدارة شركتها ونجاحها أهم بكثير من إهدار عملك بالتعليم"
وبضيق اجابته مجددا
"ماذا تقول انت كيف سابتعد عن ايلا وايضا كيف سأعمل هنا وانا لا أعلم شيء"
ضحك بسخرية وضعه
" مثلي تماما وانا ماذا سأعمل هنا هل سأخرج بث مباشر ام سأعود لمهنتي التي لم اعمل بها"
صمتت امام اجابته ورفضه ان يقوم بعملها، حاولت معه أكثر من مرة مكثرة من اتصالاتها خلال اليوم حتى أصبح ينظر للهاتف بوجه مبتسم
"لا لن ارد عليكِ لتتعلمي كيف تغضبين علي وتنهي الاتصال بهذا الشكل"
لم يتحمل عند إعادتها الاتصال أكثر من مرة رفع هاتفه وفتحه قائلا
"لماذا تتصلين ألم تغضبي واغلقتي من غير سلام"
ردت عليه بغضبها الذي لم ينتهي
"لذلك اتصلت لأقول سلام" واغلقت الهاتف من جديد ليضحك قلبه و ووجهه فهو يعلم صعوبة ما فرضه عليها، لم يمر وقت كثير دقائق معدودة لتعاود الاتصال متحدثة فور فتحه هاتفه
"تمام قبلت العمل، ان اردتها حربا فانا لها، ولكن لا تندم على ما سيأتي من هذه الحرب، سأقدم استقالتي وآتي للعمل وتحمل مهامي من يوم غد كي لا أحملك عبئي اخبرتك سابقا أنني سأحارب وحدي لاجل ابنتي دون الحاجة لاحد، كما تراني لا زلت واقفة صامدة على قدمي بعد ما حدث، نعم لا زلت واقفة رغم تخلي الجميع عني حتى وصل بي اليوم..... "
ابتلعت ريقها لتكمل قبل تحدثه
"إلى اللقاء غدا بالشركة، سلام"
سارع بقول
" انتظري انتظري"
ولكنها أغلقت ليس فقط المكالمة بل و الهاتف ايضا
فقد عقله وكاد ان يذهب إليها بهذا الوقت فلم ينتظر للحظة ان تحزن منه لهذه الدرجة، ظل يحوم بغرفته وهو يعيد اخر كلماته يحاول ان يفهم منهم عكس ما وصل له قائلا
" هل بهذا الشكل أخذت جوابي على طلبي"
تحرك وهو يقول
" ما دخل هذا بذاك هل نحن اولاد"
توقف مجيبا على نفسه
"إن لم يكن جوابها فماذا كانت تقصد باخر كلماتها، لماذا اغلقت هاتفها، هل تبكي، ام أنني زدت من الضغط عليها"
جلس على مقعده مكملًا حديثه بضيق
"علينا أن نجتهد لننجح لا يمكننا الإكمال بهذا الشكل، أردت أن امحوا الذكريات السيئة من ذاكرة الجميع، النجاح هو السبيل الوحيد أمامنا، لأجل ابنتك، لاجل اسم عائلتنا"
توقعت حياة ان تجده ينتظرهم أمام باب منزلهم بأول الصباح بحجة شرائه حلويات لآيلا أو تجده أمام بوابة المدرسة بحجة رؤية وردته ولكنها لم تجده لا هنا ولا هناك، بدأت إجراءات الاستقالة وتوديع أصدقائها و وضع ابنتها امانة لديهم دون ان تخبرها حقيقة تركها للعمل في المدرسة، بعد أن فكرت بذهابها معها بالصباح وتأتيها بآخر اليوم لأخذها دون معرفتها بشيء حتى تعتاد على غيابها طوال اليوم الدراسي ومنه ستخبرها بعدها.
بهذا الوقت كان سراج جالسا بجانب فراش نازلي مطأطأ رأسه وهو يحدثها بهذا القرب
"لا أعرف هل سانجح بذلك أم لا، ولكني مضطر ومجبر عليه، اسم عائلتنا، ومستقبل آيلا ومن سيخلفها الجميع بحاجة لبداية جديدة"
رفع نظره نحوها
"نعم لا أعرف هل سانجح أم لا كما أنني لا أعرف لماذا أتي إليك حتى الآن، لماذا كلما قررت شيء أو اقدمت على اخر أسرعت بقدومي إليكِ واخبارك عنه"
اختنق بكلماته
" اتذكر طفولتنا، أنتِ من جعلنا نعتاد على فعل ذلك، نأتي إليكِ كي نحدثك عن اصدقائنا ومعلمينا و وظائفنا واحلامنا، لم أنسى كم كنتِ تدعميننا وتقوينا وتاخذين حقنا ممن يقترب منا بأذى"
رفع نظره مرة أخرى ليرى الدموع وهي تتساقط من عينيها قائلا
" لماذا يا أمي؟ لماذا فعلتِ هذا بنا؟ ألم تشفقي على ابنته؟ ألم تشفقي على ابنة الرجل الذي حماكِ وأواكِ و وضع حياته وعائلته أمانة لديكِ؟ كيف جمعتي بين الخير والشر؟ الحب والكره؟"
مسح دموعه وهو يقول
"لم اترك باب عذر الا وألتمسته لكِ حتى أصبح الجميع يشفق علي، يشفقون على عقلي معتقدين أنني أصدق تلك الاعذار، نعم التمس لكِ العذر وانا اعلم انكِ لا تستحقينه، افعلها وسأستمر بفعلها وبالاهتمام والزيارات الثابتة ما دام إحدنا على قيد الحياة، لأني وباختصار لم أعرف ام غيرك بهذه الحياة، لاني ومع الأسف لم اتلقى منك أذى من قبل"
تعالت أصوات أجهزة نبض القلب وقياس الضغط تنبأ عن خطر اصاب المريضة.
اسرع سراج بخوفه مناديا على الأطباء الذين تدخلوا بسرعة لتهدئة الحالة وإعادتها لوضعها المستقر.
خرج من المشفى ذاهبا لعمله وعلى وجهه أثر ما مضى به، جاءت إليه بمجرد معرفتها بوصوله طارقة الباب لتدخل بعدها قائلة
"من يسمعك تتحدث عن النجاح أمس لا يتوقع تأخرك اليوم"
اجابها بروحه المعذبة
"اعتذر منكِ كان خارج عن ارادتي"
جلست على المقعد المقابل للمكتب ناظرة له "هل ذهبت لزيارة أمك؟"
أومأ برأسه لتكمل
"من الجيد ذهابك كي تستمد منها القوة والنجاح"
حزن من كلماتها التي يعلم جيدا أنها لن تخرج منها الا بروح الشفقة والدعم فقط، سألته
"هل شربت قهوتك ام اطلب لك معي"
أجابها دون النظر لها
'' لا شكرا لا اريد الان"
حدثته بصوت تغير نبرته
"حسنا إذا لأذهب واحضرها لنفسي أشعر أنني بحاجة كبيرة لها، حتى أنني اشتريت الكريمة واللبن كي احضرها بهم"
رفع نظره عليها لتكمل هي
"إن غيرت رأيك واخبرتني أنك بحاجة لشرب قهوتي المميزة فساتنازل و احضر لك معي"
ابتسم وجهه لتكمل من جديد
"ام تنتظر وردتك لتطلب هي حليب بالشيكولاته وتتبادلوا الاكواب خفية من ورائي"
زاد وجهه فرح وتبسم لتتحرك بخجل
"حسنا اخذت جوابي سأحضر لك معي فنجان لا تنساه ابدا ولكن عليك أن لا تعتاد على ذلك"
وقبل أن تخرج طُرق الباب ومن ثم فُتح لتدخل فتاة ممشوقة القوام خمرية البشرة ذات شعر مموج مصبوغ بلون الشيكولاته اللامع، نظرت حياة لبياض طقم الفتاة الرسمي الذي رغم إغلاقه الكامل لم يمنع فتحة الصدر من الظهور بشكل ملفت قائلة بضيق امتلكها
"تفضلي ماذا تريدين؟"
ابتسمت الفتاة قائلة
"حياة هانم اهلا وسهلا بكِ، أنا عفرة النصري تم اختياري لأكون السكرتيرة الجديدة لسراج بيه"
نظرت حياة لسراج ثم نظرت لهيئة عفرة واهتمامها الكبير بمظهرها قائلة
"مبارك عملك الجديد، بالاذن منكم"
تحركت عفره بخطوات فرحة وشعر يتألق على اكتافها لتمد يدها نحو سراج قائلة
"شرفت بالعمل مع حضرتكم، أنت لا تعلم كم فرحت وسعدت لأجل ذلك، فالعمل بجانب شخص مثلك لا يقدر بثمن"
مد يده ليبادلها السلام وهو يلمح خيال حياة الثابتة بمكانها تراقبهم.
أكملت عفره حديثها
"هل تعلم أنني من اشد معجبينك، حتى أنني كنت كثيرة المشاركة ببرنامجك [الأمل سر الحياة]، من الان وصاعد سأعمل واتابع مواضيع برنامجك مباشرةً من قلب الحدث قبل الجميع"
ابتسم لها قائلا
"شكرا لكِ"
تحركت حياة لتخرج بضيق، حدثها سراج بسرعة
"انتظر قهوتي"
اجابته بغضب
"غيرت رأيي لن احضرها الآن" وخرجت مغلقة الباب بقوة خلفها.
نظر للسكرتيرة بتعجب واندهاش مبتسما بخجل
"من المؤكد أنها لم تقصد ذلك"
ردت عفره
"طبعا أعلم ذلك كما أنه يحدث حين يفلت من يدي الباب متفاجئة بقوة إغلاقه"
تحرك مستأذنا منها لدقائق قليلة وسيعود ليرتبوا المهام ويتفقوا على كل شيء
خرج وأغلق الباب ذاهبا اتجاه مكتب حياة ليرى ما بها.
طرق الباب و دخل مكتبها قائلا
"كيف ليس الآن هل ستحرمينني منها بعد أن علقتيني بها"
شاءت الأقدار أن يقطع صوته تحدث رجل دخل عليهم من الخلف
"اعتذر للتأخير ولكنِ رفضت أن أتي دون إحضار قهوة الصباح لكِ"
وضعها على مكتبها بالقرب من يدها ثم نظر لسراج مادا يده
"سراج بيه اهلا بك، أعرفك على نفسي انا زبير المسؤول عن أعمال حياة هانم من الان وصاعد تحدثنا واتفقنا بالصباح على كل شيء من حسن حظي العمل بشركتكم"
رفعت حياة فنجان قهوتها لتشرب منه القليل قائلة
"جميلة حقا كما اخبرتني. شكرا لكِ سلمت يداك"
يتبع ..
إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا.