recent
جديدنا

انها غيوم الحياة الفصل الرابع والعشرين

Wisso

                      "إنها غيوم الحياة"

                           بقلم أمل محمد الكاشف



رفع سراج حاجبه الأيسر وهو يقرب رأسه لكتفه قليلا قائلا بنبرة غيرة

"هل لذيذة حقًا!"

اومأت برأسها نكاية به ثم اخذت رشفة أخرى من فنجانها باستمتاع واطراء جديد "جميلة حقًا"

سعد زبير قائلا 

"سعدت كثيرا باعجاب حضرتكم بها" 

ثم نظر لسراج مكملا

"إن أعطيتني شرف تحضيرها ل…"

قاطعه سراج رافعا يده 

"أشكرك يا زبير لتكن بالمرة القادمة، لدي أعمال علي القيام بها لتكن هذه المرة من يد عفرة هانم وبالمرة المقبلة سنتذوق خاصتك"

نسيت نفسها لتتحدث دون تركيز

"انصحك ان تقبل عرض السيد زبير حتى لا تنصدم بعدم معرفتها بتخمير الشاي حتى…"

أخفى فرحته وابتسامته من شعوره بغيرتها التي فضحتها اعينها بها، نظر لزبير مجيبا 

"أمممم. ماذا سنفعل يا صديق هل سنعمل بدون قهوة وشاي ام انه وجب علي تعليمها"

ضحك زبير قائلا 

"لا تقلق لا يوجد تركي جاهل بتحضير هذه الأشياء فهي كالدم تجري بعروقنا"

وضع سراج يده على كتف زبير 

''نعم انت محق هيا دعونا لا نفقد وقت إضافي عملا موفقا لنا جميعا"

خرج من الغرفة وأغلق الباب خلفه ليزيدها ضيقا وغيرة، كانت تنظر وتتتبع خطواته من خلال الجدار الزجاجي حتى اختفى عن اعينها، انشغل كل منهما بشكل جدي بعد أن خصص لهما من يعلمهم نظام سير العمل والخطط المستقبلية وخريطة السوق وما يحتاجون إليه بالفترة القادمة والمستقبلية.

لم يريا بعضهما طوال اليوم حتى جاء موعد عودة أيلا من المدرسة.

تفاجأت حياة بالساعة تحركت وهي تقول للسيد وصفي ''كيف لم انتبه؟"

أخذت حقيبتها و وضعت بها الهاتف وبعض الأوراق ودفتر الملاحظات "اعتذر منك علي ان اخرج بسرعة تأخرت كثيرا على ابنتي"

هرولت بسيرها في الممر بين المكاتب حتى وصلت للمصعد الكهربائي لحسن حظها مجيئه سريعا لتدخل به، لمحها سراج بآخر لحظة من دخولها للمصعد وهو يستمع للسيد وصفي 

"تأخرت على اميرتنا الصغيرة هكذا قالت"

تحرك سراج خطوات قليلة ليقترب من الحائط الزجاجي الكبير ناظرا للأسفل وهو يتتبع سرعتها بالخروج واستقلالها لسيارتها وهو يدعو الله ان لا تصطدم بشيء، كرمش عينيه حين توقفت بسرعة قبل أن تصدم رجال الأمن بجانب البوابة، فتح وحده ليتأكد أنها خرجت للطريق دون خسائر، شكر ربه ناظرا للسيد وصفي شاكرة على جهوده معهم اليوم، وقبل أن يتركه ويذهب للمكتب تحدث الأخير مقترحا أن يخصصوا للاميرة آيلا سيارة خاصة تتولى ذهابها وايابها بمواعيد ثابتة، ابتسم سراج شاكرا له مرة أخرى 

 "سنرى ما يناسبنا لا تقلق شكرا لك" 

فتح هاتفه ليحدثها ولكنه تراجع خوفًا ان يشتت انتباهها في الطريق، عاد لمكتبه طالبا من عفرة أن تحضر له عدة ملفات لصفقات كان يجب إتمامها من جانب والدته وأخيه قبل سنتين من تاريخ اليوم. 

وبهذا الطلب انخرط بعمله وتدقيق الملفات السابقة وكتابة اسماء الشركات التي كانوا يعملون معهم بجانب عدد مرات العمل وحجم المبيعات ونوعها والربح والخسارة وكيفية إدارة كل صفقة عن الأخرى، سجل جميع ما سبق بجانب بعض ملاحظاته الخاصة، لم ينتبه هو أيضا لوصول الساعة للثامنة مساءً أغلق الملفات الكثيرة أمامه شاردا بقوله 

"كيف سأبدأ وانجح بتغيير مسار شركة كبيرة كهذه، بل وكيف سأديرها دون خبرة؟"

تحرك مهمومًا، حزينًا على ما أجبر عليه واضعًا الملفات بخزانة جديدة أوصى بها حديثًا مزودة بأمان عالي أراد بها أن يحافظ على معلومات عمله بعيدًا عن أي عيون متبقية بالشركة.

أغلق على الملفات ودفتر الملاحظات ليخرج بعدها من المكتب متأمل خلو المكان من الموظفين.

دخل المصعد وهو ينظر للهاتف متفقد رسائله، لم يجد منها أي تواصل اخرج رقمها ليتصل بها ولكنه تراجع على اخر لحظة كي لا يزعجها فلربما نامت بعد يومها الأول المزدحم بالشركة واعتنائها بابنتها بعده، كان على حق فهي فعليا نائمة بغرفتها محتضنة ابنتها داخلها دون أن تعتني باحاديث الأطباء عن الاعتماد على النفس وما شابه، فكان كل همها بهذه اللحظة أن تعوضها سنوات ابتعادها عنها وما عايشته في بعدها، بجانب فقدانها لابيها الذي سيترك بقلبها أثر وإن لم تشعر به الآن، من يرى احتضانهما لبعضهما وكيفية امتزاجهما يصدق ما قاله سراج عن تعرف قلبهما على بعضهما قبل عقولهم.

نعم امتزجا بشكل كبير جعل حياة تغض البصر عن مصارحتها بامومتها الحقيقية لها واكتفت بسرعة استعادة إثبات نسبها في نفوس الدولة بعد وفاة أركان، دون أن تسرع بأمر مصارحتها أنها أمها الحقيقية التي انجبتها وقصة فقدانها لها بصغرها.

وهذا ما قاله الطبيب وشدد على أهميته كي لا يحطم فؤاد الطفلة بهذا السن الصغير وتتشتت بين أمها السابقة والحالية وخاصة انها طفلة غير طبيعية واجهت الكثير من الصعوبات حتى انتهى بها المطاف لفقد والدها مصدر الأمن والحب والرعاية لها بهذه الحياة.

لم يتوقف حديث الطبيب لهذا الحد فقط بل طلب من أمها ان لا تخبرها عن سوء والدها وانه من حرمها منها لما لوالدها من باع كبير بقلبها وكونه سندها وحامي حماها وقدوتها، وإن سقط كل ذلك مرة واحدة ستقع الطفلة بعدة أمراض نفسية معقدة يتوجب وقت وجهد لإخراجها منها.

في صباح جديد ورد لسراج اتصال هاتفي من شركة الانتاج الخاصة ببرنامجه التلفزيوني تساومه على إكمال عمله بمقابل مادي أكبر من السابق بشرط أن يكون بشكل يومي، رفض رفض شديد لاستحالة قدرته على فعل ذلك بجانب عمله وبعد مفاوضات وتنازلات من الطرفين تم تحديد حلقة واحدة بعطلة نهاية الأسبوع.

مرت عدة أيام على عملهم بالشركة يذهبان بالصباح الباكر للشركة وهم متصالحين يبتسمان بوجوه بعضهم متبادلين السلام بصدر رحب، وبعد وقت ليس بكثير يختلف الوضع لتبدأ المشادات وغيرة كل منهما على الآخر دون أن يصرحا بذلك.

ذهب إليها ببداية يوم جديد دخل الغرفة وأغلق الباب جلس على المقعد ناظرا للخارج من زجاج الحائط قائلا 

"هل أعجبك الجدار الزجاجي؟"

هزت رأسها بالنفي

"مع الأسف لم يعجبني حتى افكر بتغيره او وضع ستار عليه"

رفض بشدة "لا يمكنك ذلك"

استغربت من نبرة صوته ورفضه بهذه القوة لتسأله عن السبب مندهشة بإجابته الصريحة "كي لا يختلي أحد بكِ، وايضا ما به الزجاج تري الجميع والجميع يراكِ"

أجابته بنبرة دهشتها

"وهذا أكثر ما يزعجني. لا أشعر بخصوصية وايضا كيف يختلي بي أحد انا لا افهم عليك"

لم يتردد للحظة بقوله "ألم يأتي لمكتبك الكثير من الموظفين بجانب زهير الذي اقترب من نقل مكتبه لغرفتك من كثرة بقائه كيف ستبقين معهم بغرفة مغلفة"

رفعت حاجبيها معقبة على حديثه

"فاجأتني ان سمعت هذا من شخص غيرك ما كنت تعجبت واندهشت بقدر سماعه منك، أين ذهبت الثقة بالنفس، والمرأة التي تعادل مائة رجل، وقبل كل ذلك ماذا تفعل انت أحلال عليك وحرام علي، كلما ذهبت لمكتبك أراها فوق رأسك وكأنها انتقلت فعليا لمكتبك"

ابتسم وجهه متسائلا

"هل ضايقك وضعنا لهذه الدرجة"

خجلت من ابتسامته وحالة وجهه لترتبك وتهرب من الحديث بقول

"وما دخلي انا بوضعكم. فلتفعلوا ما تريدون"

أتى السيد رامز يطلب من سراج ان ينظر لملف مهم يخص قسم الحسابات.

أوما برأسه "حسنا ألحق بي لنراه بمكتبي"

وتحرك مستأذنا منها تاركها خلفه وهي تردد قول "هل ضايقك وضعنا لهذه الدرجة" سألت حياة واجابت بنفس اللحظة "نعم ضايقني و لم يعجبني"

لم تتوقع عودته من جديد ليأخذ الهاتف من أعلى المكتب قائلا بعيون غامزة

"هل تحدثين نفسك. وما الذي لم يعجبك"

صمتت نافية ما يقوله بحركة رأسه ليخرج هو بعد أن قال "سأذهب لأرى عملي ومن ثم أعود لنرى ما لا يعجبك"

ظلت صامتة دون نفس حتى خرج وأغلق الباب، تابعت سيره بعينيها حتى تتأكد من ذهابه ليصدمها باستدارته والتلويح لها بيده قبل أن يخفي عن انظارها وكأنه متأكد من تعقبها له.

ازدادت خجلا حتى ارتفعت حرارتها وهي تنظر للعاملين بالخارج وكأن الجميع رأى وعلم وفهم ما حدث.

وفي منتصف النهار دخلت حياة غرفة مكتبه دون طرق الباب ناظرة لعفرة التي تتحدث بالجوار نظرة ضيق.

ابتسم سراج لرؤية وجهها 

"تفضلي هل تريدين شيء؟"

كادت ان ترد عليه بأنها لا تريد شيء منه، ولكنها لم تستطع فعلها لعدم الاحراج أمامه وأمام من كانت تنظر لها تنتظر حديثها حتى تكمل عملها وهي بكامل أناقتها وجمالها.

تحدث سراج أمام صمت حياة متسائلا

"هل هو أمر خاص" وهنا أتتها حجتها لتومأ رأسها بوجهها المتذمر من شدة غيرتها.

تحدثت عفرة بعد ان تركت الأوراق على المكتب قائلة 

"سأعود بعد انتهاء حديثكم"

وتحركت بكعبها العالي لتخرج متألقة بفستانها الجميل لتزداد حياة غيرة وضيق من صوت طقطقة الكعب وجمال السير الذي كان غير متعمد.

وقبل أن تغلق الباب من خلفها استدارت ونظرت لسراج متسائلة

 ''هل أحضر لك قهوتك"

نظر لحياة وهو يوافق على القهوة طالبا قطعة كيك سادة بجانبها.

ابتسمت عفرة قائلة 

"حسنا سأختارها لك من نفس النوع الذي اعجبك بالسابق"

ازدادت حياة ضيقًا واختناقًا حتى وصل بها الحال بقرب بكائها، يعتقد الجميع أن اختناقها وضيقها حتى تصل لمرحلة البكاء أمر مبالغ فيه، ولكن من يعلم ما مر به هذا القلب من ألم وخذلان وفقد و وحدة يعد أكبر من العالم الذي أصبحت تمتلكه حينها سيعلم جيدا سبب حالتها حين شعرت بفقد قوة مساندة لها نفسيا قبل أي شيء آخر.

اختنقت بحالتهما معتقدة انهما اقتربا كثيرا من بعضهما حتى أصبحت لا تسمع او تجيب على عفرة التي سألتها 

"هل احضر لكِ القهوة والكيك ايضا"

وهنا أسرع سراج بالإجابة نيابة عنها 

"لا شكرا لكِ هي لا تتناول شيء بمنتصف اليوم"

خرجت عفرة مغلقة الباب خلفها وهي تقول لنفسها

"اقسم ان الذي بينهم أكبر من علاقة عمل وقرابة، انظروا كيف اجاب عنها"

تحركت مبتعدة عن المكتب وهي تكمل حديثها مع نفسها

 "لا أعلم كيف لملاك مثله أن يتحمل شخص متقلب المزاج مثلها، أعان الله زبير على حالها"

تحرك سراج قبلتها وهو يؤكد على انها بها شيء غريب، وبمجرد اقتراب صوته الحنون منها وشعورها باهتمامه الكبير سقطت من عينيها دمعة خرجت رغم الصراع ومحاولات كثيرة في منعها.

حزن وقلق عليها متسائل 

"ما بك تحدثي أخبريني من احزنك لهذه الدرجة؟ هل اتصل والدك مجددا"

وهنا وجدت الحجة لتذرف باقي الدموع المجمعة بعينيها، أكمل حديثه الحنون لها

"اما آن وقت عودة الروح لقلبك؟ اقسم أنني لم أرى ندم واصرار على كسب رضاكِ أكثر مما رأيته بهم وخاصة أخيكِ، أليس الله غفور رحيم"

أومأت برأسها 

"نعم غفور رحيم ولكني أخشى أن أفتح بابي أمامهم من جديد كي لا أطعن بظهري، أخشى أن تدفع ابنتي ثمن هذه المسامحة"

اقترب اكثر وهو غارق بعينيها الملغمة بالغيوم

"كم مرة سأقولها لكِ؟ لن اسمح بأن يؤذيكِ أحد وانا بقربك. حتى وان كان والدك واخيكِ، لا تقلقي انا موجود لن اترككِ لهم ما دمت اتنفس"

رفعت عيونها الدامعة مخرجة أنفاسها الساخنة من صدرها المختنق ببركان خوفه

"وماذا ان جاء اليوم الذي لم أجد حتى أنت بجانبي"

مسح وجهه محاولًا أن يقلل من ضيقه حيال حزنها لأنه لا يستطيع رؤيتها بهذه الحالة.

ساد الصمت دقائق تحركت حياة مقتربة من النافذة مخرجة قامتها العلوية منها حين سمعت صوت طرق الباب كي لا يرى احد وجهها.

انتظر سراج ان تضع عفرة الكيك والقهوة على المكتب ثم شكرها منتظرًا خروجها.

أغلقت الباب وهي تترقب ما يحدث بينهما فكان وضعهما غريبا لها،  عاد سراج واقترب من حياة قائلا

 "لم أعلم أنني شخص ثقيل على حياتك للدرجة التي تجعلك تترقبين و تنتظرين ابتعادي عنها كل دقيقة ولحظة"

ردت بسرعة نافية ما يقوله 

"لا أنا لم أقصد ذلك"

نظر نحو النافذة قائلا بصوت تغيرت نبرته

"أخبرتك سابقا، بكل الأحوال لن تشعري بالأمان والاستقرار النفسي مادمتي تعيشين هذا الصراع الداخلي بين رغبتك بمسامحة والدك وخوفك من تكرار الماضي، وأكرر ايضا ان ابنتك ستنال نصيبها من هذا الصراع. فلا تنتظري ان تسامح والدها وتعيش بشكل سوي في المستقبل وهي ترى أمها بهذه الحالة"

اجابته 

"كيف تريد مني أن استأمنهم على حياتي وابنتي من جديد"

شرح لها ما يعنيه..

"ومن سيسمح بذلك. انا فقط اريد ان تنبع المسامحة التي تتلفظين من داخلك كي لا تعاتبين عليهم أو على نفسك، كي لا تتذكري ما حدث وتحزنين عليه، كي لا تكثري التفكير بمن المخطئ ومن الظالم وبأي درجة كل منهما، أريدها لأجل سلامك النفسي لأجلك أنتِ كي تستطيعي تخطي الماضي والابحار بالمستقبل بقلب قوي قادر على تحمل صعوبات الحياة، ان لم تكن صعوبات فستكون أعباء ومسؤوليات تحتاج منك قدرة احتمالية كبيرة، ان لم تتخلصي من الماضي المرير وقول يا ليت وماذا لو لم…."

مسحت دموعها ليتحرك بضيق عائدا لمكتبه جالسًا على مقعده مشيرًا لها ان تجلس هي أيضا، أخذ فنجان قهوته ليشرب منها وهو ينتظر اقترابها ليكملا حديثهما ولكنه تفاجأ بنظراتها القوية نحو القهوة والكيك التي تلتها تحركها نحو الباب لتخرج من المكتب  وهي تلتزم الصمت ولكنها كالعادة لم تستطع الخروج دون تعقيب، استدارت و نظرت مرة أخرى نحو قهوته والكيك الخاص به قائلة بدون رضا

"عافية لك، لا تنسى ان تنهيها بشكل كامل حتى لا يتبقى لديك سعة لغيرها" 

وخرجت مغلقة الباب خلفها، ليترك سراج قهوته ناظرا للكيك وهو يقول بحيرة كبيرة

"لا حول ولا قوة الا بالله، اقترب ذهابي معكم للعيادات النفسية كي اتعالج من حالاتك هذه، اقسم أنني تبقى القليل على فقد عقلي من وراءهم"

عادت لمكتبها بضيق وهي تجمع أغراضها بحقيبة يدها لتقول 

"تبقى القليل على رؤيتي لها وهي تطعمه بيدها، اليوم تختار له مما يُحب وغدا ستطعمه مما تُحب"

صمتت لوهلة تخيلت بها عفرة وهي تطعم سراج بفستانها الأخضر، غلى الدم بعروقها حين تذكرت ذلك الفستان الذي لم تجد به عيب إلا أنه فاق الجمال على صاحبته.

حدثت نفسها "من أين اشترته يا ترى"

تذكرت ما ذهبت لمكتبه بسببه، وضعت يدها على رأسها 

"آي كيف نسيت أن أخبره"

ثم نظرت للساعة مكملة 

"لا جدوى بعد الآن لنقيمه غدا بموعده وبعد العطلة نُحضر حفلة صغيرة بالمدرسة"

خرجت من المكتب وهي تفكر مع نفسها…

"هل اشتري الكيك جاهز أم أقوم بعمله صباح الغد"

جاءتها فكرة بأن تدعو أصدقاء آيلا في يوم العطلة ليشاركوها فرحتها واحتفالها بعيد ميلادها ولكن سرعان ما عادت عن فكرتها وهي تقول لنفسها…

"سيأتي القليل ويحرم الكثير منهم، ياليتني أعددت له من الأمس"

نظرت للساعة مرة أخرى متسائلة

"هل سأنجح  إن اكتفيت بالكيك والعصائر"

قررت ان تذهب وتشتري كيك عيد الميلاد والعصائر لتقوم باحتفال صغير في المدرسة بدون برامج وألعاب وعرائس راقصة كما حلمت قبل شهر.

خرجت بسرعة وصعدت سيارتها لتلاحق حلمها، علقت بزحمة سير أخرتها عن ابنتها غضبت على نفسها لوقوعها بنفس الخطأ لعدة مرات فما كان عليها أن تسلك هذا الطريق بهذا الوقت تحديدًا،  وبعد شرائها للكيك تذكرت أمر سراج ترددت باخباره كي لا تضغط عليه وتخرجه من عمله قبل موعده، صعدت سيارتها وهي تقول بحزن

"دعونا لا نثقل عليه أكثر من ذلك"

وصلت للمدرسة لتدخل وهي فرحة بتزين البوابة ببالونات زهرية، كانت تراقب الاحتفال بفناء المدرسة كي تتعرف على سبب أو صاحب الاحتفال دون أن تتوقع رؤيته بمنتصف الأولاد الفرحين حوله.

نظرت لابنتها الممسكة بالبالونات وعلى رأسها قبعة الاحتفال بعيون برقت من فرحتها وسعادتها، أسرعت باقترابها وهي ترد على زملائها بالعمل 

"شكرا لكم… سلمتم بارك الله لكم في ابنائكم"

اقتربت نجلاء لتحتضن صديقتها وتبارك لها فرحتها بجانب ابنتها، وضعت حياة الكعكة الكبيرة على طاولة الاحتفال ثم اقتربت من ابنتها لتحتضنها وتقبلها، أشارت لها آيلا نحو الأشخاص المرتدين ملابس شخصيات عالم سمسم المحبب لها.

نظرت حياة بخجل وحرج نحو سراج، استقامت بوقفتها منتظرة اقتراب خطواته وهي تستمع له

"كل عام وهي بخير العاقبة للمائة عام"

شكرته والدموع تملأ عينيها من جديد، أخفض عينيه هاربا من حالتها ناظرا نحو قالب الكيك الخاص بها ليقول 

"هل كنتِ ستحتفلين به وحدك"

ازدادت خجلا وحرجا منه متسائلة

"لماذا لم تخبرني بهذا؟"

اجابها بضيق ملأ صدره 

"كُنت أريد مفاجأتك، فبالاخير كنتِ ستأتين إليها، نعم وجب علي الاعتذار منكِ فأنا لم أكن أعلم برغبتك في الاحتفال بدوني"

أسرعت بدفعها عن نفسها

"لا لم أرغب بذلك أنا فقط…."

قاطع حديثهم اقتراب المدير وبدأ الحفل الجميل وفرحة الأولاد بالأجواء والحلوى.

لم تستطع التحدث معه لكثرة المتواجدين بمحيطهم وانشغاله باللعب مع وردته وسط الأولاد وإدخال السرور عليهم.

انتهى اليوم الجميل على موعد انتهاء اليوم المدرسي، شكرت آيلا عمها الذي نظر لعين وردته التي ملأت بنعساها وهديته الكبيرة بحضنها قائلا 

"أتمنى لكِ أيام كثيرة مليئة بالسعادة والهناء" 

انحنى ليقبلها مكملا

"هيا اصعدي للسيارة قبل أن تنامي بمكانك"

ضحكوا بشكل جماعي لينظر لأمها قائلا 

''هيا لا تتأخري عليها، سأذهب انا ايضا"

همَ ليتحرك قبلة سيارته، تحدثت له

"أنا لم أرغب بالاحتفال بدونك لقد فهمت بشكل خاطئ"

استدار نحوها بوجه تصنع الابتسامة

 "لا عليكِ انا لم أحزن هيا لا تتأخري عليها"

صعد سيارته وابتعد بقيادتها عنهم دون انتظار دخولها وبدأ قيادتها كما يفعل كل مرة وهذا ما أكد لها شعورها بحزنه منها.

نامت آيلا فور عودتهم من إرهاق يومها الجميل، أبدلت حياة ملابسها مرتدية بيجاما قطنية واقفة أمام المرآة تنظر نحوها وهي تغلق ازرارها، اخفضت رأسها لتنظر نحو البنطلون الواسع المكرمش قليلا وهي غير راضية عن حالتها، رفعت عينيها نحو شعرها المعقود خلف رأسها مادة فمها للأمام ضاغطة بعدها على شفتيها بين أسنانها متذكرة شعر عفرة الجميل المموج

رفعت ربطة الشعر وأطلقت العنان لشعرها مخرجة أداة الفرد من الدرج الجانبي وبدأت بفرده شيئا فشيئا حتى انتهت منه برضا كبير عن النتيجة، فبرغم أن شعرها ليس بسيء فهو ناعم وبه بعض التموجات البسيطة إلا أنها ارادته كشعر عفرة حتى فكرت بتغيير لونه وشراء الكريمات التي تضفي لمعان على مظهره.

تحركت لتخرج بنطلون جينز من خزانتها باحثة عن كنزة مناسبة، أخرجت الكثير دون رضا عنهم لتختار بالأخير واحدة من الصوف باللون الأحمر مطعمة بحبات الكرز، عادت للمرآة و وقفت أمامها مزينة وجهها بلمسات جمالية مضيفة على شفتيها حمرة بلون كنزتها التي لاقت كثيرا عليها.

خرجت من الغرفة لتحضر لنفسها شطيرة جبن بالطماطم لتأكلها بعد أن امتنعت عن تناول الحلويات بالحفل.

جلست على طاولة المطبخ ممسكة بهاتفها لتشاهد صور الحفل وهي تأكل، ابتسم وجهها وهي ترى ضحكة ابنتها بحضن عمها الفرح، أتت أمامها صور للحظات تقطيع الكيك بواسطة آيلا وعمها الذي كان يتعمد عدم تركها بمشاركته لحظاتها السعيدة، أعجبت بإحدى الصور التقطت و وردة تغطي وجه ايلا،  أرسلتها لسراج عبر برنامج الواتس اب كاتبة أسفلها 

"انظر للوردة التي احجبت وجهها. لقد أصبحت وردتك حقاً"

توقعت رؤيته للرسالة على الفور ككل مرة ولكنه كان منشغلا بتصفيف شعره وتقليل حجمه من قبل الحلاق الخاص به.. أنهى تصفيفه ثم أخذ حمام دافئ خرج بعده لتناول طعامه بالأسفل تاركا هاتفه بجيب ملابسه السابقة عن طريق السهو.

كل ذلك وهي تنتظر رؤيته للرسالة وجوابه عليها حتى تتاح لها الفرصة بتوضيح فهمه الخاطئ عن موقفها دون أن تنجح بذلك، نامت بجانب ابنتها بوجهها الحزين.

وبعد ان انهى طعامه عاد للغرفة باحثًا عن هاتفه بارجاء الغرفة حتى وجده بملابسه السابقة.

فتحه باحثا عن اتصال او رسالة منها كعادته ليبتسم وجهه لرؤية الصورة والرسالة التي لحقت بها.

فرح لمجيئ بتلك الوردة التي أتت أمام وجهها لتصبح حقا وردة بحضنه، ورغم فرحته بالصورة الا أن حزنه طغى  عليه.

بدل ملابسه وهو ينظر لشعره مدقق به وهو يحركه بيده ليتأكد من ضبط حلاقته،ثم تحرك ونام على الفراش بجسد متعب مرهق.

أشرقت شمس يوم عطلة جديد، تمنت حياة أن يأتي إليهم حامل الفطائر الساخنة ليفطر معهم بالحديقة.

عاتبت على نفسها فهي حقا مخطئة، تحدثت لابنتها قائلة 

"ما رأيك بأن نذهب لنتناول الفطور بقاعة الألعاب في فندق عمك"

فرحت آيلا وقفزت محتضنة أمها التي اخبرتها ان أمامهم عدة دقائق قليلة ليتجهزا بها قبل أن يضيعا موعد الفطور.

تحركت الصغيرة مسرعة جهة غرفتها بفرحة جعلت أمها تعيد النظر بقرارها الذي أخذته من وراء قلبها حين ظلمت مشاعرها تخوفا من خوض تجربة جديدة تشغلها عن ابنتها.. بجانب رغبتها الكبيرة بالوقوف على قدميها والنجاح بدون مساعدة من أحد، والأكثر من هذا وذاك رغبتها أن يكون طلبه نابع من قلبه لأجلها هي وليس لأجل تحمل مسؤولية ابنة أخيه.

وهذا ما لمسته مؤخرا بل وهذا ما جعلها تتراجع عن قرارها وان لم تصارح نفسها بهذا.

ذهبا للفندق متوجهين لقاعة الألعاب لتختار هي طاولتهم المحببة لها بعيدة عن الازدحام بجانب إطلالتها الرائعة من جهة الساحل.

التقطت صورة لابنتها وهي تلعب في حوض الكرات الملونة. 

أرسلتها لسراج كاتبة أسفلها

"وردتك تنتظرك كي تتناول فطورها معك، ان كنت متفرغ وأردت أن تشاركنا ستجدنا بمكانَنا المعتاد"

ظلت تترقب الرسالة منتظرة رؤيته لها دون جدوى، خجلت أن تتصل به لربما لم يرد فتح رسالتها متعمدًا.

أكلت عقلها من كثرة الترقب والتفكير بالكثير من الاحتمالات، أتتها آيلا راكضة تسألها عن عمها والفطور بعد أن جاع داخلها من كثرة اللعب.

طلبت حياة الفطور بعد أن قالت لابنتها

"لنفطر نحن أولا ومن ثم نرى ماذا سنفعل"

طلبت آيلا منها ان تتصل به تحكثت بحنان وحب 

 "يا عمري أنتِ هل تريدينه لهذه الدرجة" 

اومأت آيلا برأسها وهي تسمع تكملة حديث أمها بعد أن وضعت يدها على غرتها الجميلة 

"ولكن سيكون عيبا علينا أن ايقظناه من نومه لننتظر حتى يرى الرسالة وحده ويأتي إلينا"

وبصوتها الصغير وجملها القصيرة تحدثت  "وماذا لو لم يراها"

فرحت حياة بتحدث ابنتها أكثر من السابق فبرغم كثرة استخدامها للإشارة بيدها أو رأسها عن التحدث إلا أنها تحسنت بشكل ملموس في التعبير عن ما تريد وتشعر به بالكلمات القصيرة.

بهذه الاثناء وبطريق عودتهم لاسطنبول تحدث صادق لأبيه 

"ماذا إن لم تقبل طلبنا"

رد سالم 

"لا تقلق دعوت ربي كثيرا كي يساعدنا بذلك"

تحدث صادق بحزن 

"سأكون ممتنا لها ان قبلت حضور الزفاف، اما انتقالها لمدينتنا الصغيرة تاركة مستقبل ابنتها وارثها خلفها لم يكن منطقي ومنصف لها، أرجوك يا أبي تراجع عن هذا الطلب ولا تضغط عليها كي لا نخسرها. فالوضع غير مستقر بيننا من غير شيء"

اجابه أبيه

"فلتترك الإدارة لعم الطفلة وتأتي هي معنا، من الان وصاعد لن أتركها وحدها تواجه الضباع الضالة وأعود، ألم تسمع عن كم الحوادث اليومية باسطنبول"

استيقظ سراج من نومه ليأخذ هاتفه كي يرى الساعة، لفت انتباهه وصول رسالة ممن ملكت قلبه، ابتسم وجهه وابتهج وهو يسرع بقيامه وتبديل ملابسه للنزول للأسفل، حزنت ايلا منه قائلة

 "لماذا لم تستيقظ باكرًا"

قبلها من وجنتها وقال

 "انتظرت أن تأتي لايقاظي"

اجابته  ببراءة الأطفال 

"سيكون عيب علينا هكذا قالت أمي"

أكلها من بطنها ليضحكها بحضنه قائلا بعدها "اشبعت بطني الشكر لله"

اقتربت منه بيدها الصغير محاولة دغدغته من بطنه ليعود هو ويأكل بطنها من جديد، سحبته معها لتلعب وهو بجانبها.

أكثر من أحاديثه محاولا استدراج وردته لمشاركته باجابتها وهو أعلم بصحة ما يفعله معها.

طلبت منه الفشار والذهاب لمشاهدة فيلم كرتوني كالمرة السابقة

رفضت حياة وقالت

"لا يكفيكِ قسم الألعاب اليوم"

تحدث سراج 

"يمكنني أخذها والذهاب وحدنا أن كنتِ متعبة أو لديك خطط أخرى"

نظرت له بحرج 

"لا ليس كذلك ولكني لم أرد.."

قطعت حديثها ناظرة لابنتها ثم رفعت نظرها له مكملة

"من المؤكد أنك لديك خطط تريد القيام بها في عطلتك ونحن بكل مرة.."

صمت هذه المرة مستجيبا لها

"كما تريدين" 

ثم نظر لابنة أخيه قائلا

"لنؤجلها للعطلة المقبلة"

صمتت الصغيرة دون معارضة، وأمام صمتها تحرك عمها وقال

 "ولكننا لن نؤجل متعة تناولك للفشار قبل عودتك للمنزل ما رأيك"

اومات آيلا براسها مستجيبة لشراءه نظر هو لحياة مستأذنا منها ان يذهب لشراء الفشار من الخارج لأنه أفضل كثير مما يصنع بالفندق. 

لترد على استحياء

 "هل يمكنني المجيء معكم"

صمت متعجبا من حالتها التي أصبح لا يفهمها لتكمل هي 

"ولكن إن أردت الذهاب وحدكم"

رد بصوت منخفض مُلأ بضيقه 

"هل ترين أنني أريد ذلك، يعني برأيك هل أنا من يبتعد ويريد أن يقوم بكل شيء بدوني"

ابتلعت ريقها مجيبة بحرج وتوتر 

"لا لقد فهمت خطأ أنا لم أرد ذلك، حتى أتيت إليك بالمكتب كي نتحدث بهذا ولكنك كنت مشغول بالكيك الخاص بك"

نظر حوله واضعا يده على رأس آيلا المندمجة بمتابعتها للعب الأولاد حولهم متحدثا بضيق 

"هل علقتي بالكيك كلما حدثتك تعودين إليه هل رغبتي به لهذه الدرجة"

اجابته بوجه يشبه ابنتها 

"يكفي ان تحبه وترغب به انت"

حك لحيته أسفل أذنه عاجزا عن مسايرتها بحوار لم يفهم أوله عن آخره ليأتيها رده بسخرية 

"ومن لا يحبه حتى أنه أصبح المفضل بالنسبة لي، افكر ان اشتري كمية كبيرة واحتفظ بها خوفا من انتهائه"

ابتسمت أخيرا لتزيد من حيرته قائلا 

"لن تخدعيني بابتسامتك هذه المرة فأنا جاد بهذا القرار"

خفضت عينيها خجلا قائلة 

"اعتذر عن ما حدث بالأمس، أنا لم أنوي الاحتفال وحدي جئت إليك كي نتفق سويا وبعدها حدث ما حدث و وجدت الوقت تأخر وأنت منشغل بعملك"

قاطعها متسائلا

 "انتظري لحظة لنقف عند حدث ما حدث، اريد ان اعلم ما حدث ويحدث بكل مرة ويجعلك تغضبين وتخرجين دون أن أعلم بماذا جئتي وذهبتي"

تمنعت عن الإجابة ليصر هو على أخذ جوابه منها "لن اتركك حتى تخبريني"

خجلت أكثر محاولة الهرب منه ولكنه لم يسمح لها، تحدثت بعد ضغطه الكبير عليها 

"هل لا زلت حزين مني، صدقتني أليس كذلك، يعني ان كانت نيتي كما قلت انت فلماذا نحن، حقا أخجل دوما من تحملك عبئنا ومسؤوليتنا حتى انك نسيت نفسك وكل شيء لأجل رعايتنا والمحافظة على وردتك"

تنهد سراج من جديد ناظرا الى وردته وهو يتتبع لعبها بالبطة المتحركة قائمًا من مكانه ليقترب ويجلس على المقعد المجاور لحياة قائلا 

"اعتقد انها فرصة جيدة لنتحدث بدون ألغاز أو هروب، تقولين نسيت نفسك وتحملت عبئنا ومسؤوليتنا دون أن تقتربي بحديثك لطلبي الاخير، صمت وانتظرت مترقب إجابة طلبي التي لم تأتيني حتى الان…" 

صمت لوهلة تحدث بعدها وهو ينظر داخل عينيها

 "أخبرتك أنها الاخيرة، ان رفضتي طلبي هذه المرة لن أعود واضغط عليكِ به. سأحترم قرارك حتى وان كان بدون اسباب عكس ما سبقوه".

ردت عليه بعينيها الهاربة من عينه 

"ولكني لم ارفضك من قبل"

ضم حاجبيه منصتا لحديثها التي أكملته 

"أنا فقط كنت بحاجة للوقت، انت تعلم ما مررت به منذ أن وعيت على الدنيا وانا بمشاكل تتلوا مشاكل وصلت مؤخرا لمرحلة تمنيت بها أن أقاطع وانعزل العالم لا أرى أحد ولا انتمي لاحد، أردت أن أجد نفسي، حاولت أن أعطي نفسي وابنتي وقت كافي لنتعرف على بعضنا به، هل تفهمني أردت فقط أن أعيش حياة هادئة دون مشاكل او خوف او تحكمات او ضغوط. انا لم ارفضك لشخصك بل لوضعي، وقفت أمامك واخبرتك بقراري المعاكس لرغبتي فحين كنت بحاجة لدرع أمان اعتمد والجأ له بضعفي رفضت كي لا اظلمك معي انت لا زلت بمقتبل عمرك تستحق أن تبدأ حياة جديدة مع شخص ليس له ماضي أو أبناء…"

قاطعها بقوله 

"حلمي أن أكمل حياتي معكم، أخبرتك أن طلبي خالي من شعوري بالمسؤولية وتحملي الذنب والعبئ كما تقولين انتِ، لا أعرف كيف تصفين قربنا وما وصلنا إليه لعبئ وذنب"

مد بصره نحو وردته مكملا

"انظري لحالنا هل ما نشعر به الآن ذنب وعبئ"

ردت عليه بخجل

"ماذا إن ندمت مستقبلا ورغبت أن تتزوج بشابة…"

قاطعها مجيبا عليها بجرأة لم تنتظرها منه

"ألستِ بكر، ألم تخبريني سابقًا أنكِ لم تمري بأي علاقات وإن كانت من طرف واحد، ألم تخبري اخواتك أنكِ لم يمسسك بشر قط، حتى أخي لقد رأيت بنفسي ما حدث حين أراد أن يقترب منك"

لم تجيبه من شدة خجلها ليكمل

"اعتذر لما تحدثت به ولكنكِ من اجبرني على ذلك. بكل مرة تخبريني انني استحق ما هو افضل وبدون وبدون، اخبريني الان ما الفرق بينك وبين الفتيات"

ابتسم وجهه 

"ام انك تقولين ابحث عن الاكثر جمالا و.."

رفعت نظرها عليه بتعجب تحدثت به

"ولماذا تبحث انظر حولك لتجد الجمال الذي تريده وأكثر، حتى يمكنكم تناول الكيك المحبب سويا"

فهم همها أخيرا ليقول 

"امممم. تقولين لا تستعجل باختيارك وانتظر لاختار لك الأفضل حسنا لننتظر إذا ولكن اخبريني هل هناك اختيارات مختلفة عن صاحبة الكيك أم أنني مجبر عليها"

تحركت على مقعدها بضيق وحريق اشتعل بداخلها وخرج بكلماتها

"كما تريد الاختيار لك بكل الأحوال سأذهب لطلبها لك"

اجابها على حذر 

"وايضا ستأتين لطلبها، فرحت لهذا.. كم هو جميل"

نظرت له بنظراتها المشتعلة بنار الغيرة ليقول بوجهه الفرح

"صدق من قال لا يمكننا اللعب على أوتار النيران، كنت امزح معكِ فأنا لم أرى افضل او أجمل منكِ بنظري، سحرتيني من أول نظرة رغم غيومك فما بالك بعد أن انقشعت الغيوم وأشرقت الشمس لتضيء وجهك بعيني"

مال بجلسته ليقترب قليلا نحوها مكملاً "حياة أنتِ لا تعلمين كم عانيت وتعذبت يوم زواج أخي بكِ، اقسم أنني كنت احترق بكل لحظة وثانية تقضونها سويًا، كنت اقول لنفسي اصبحت أختي وأنا لم اتحمل رؤيتك بجانبه، لا أعرف ماذا أقول و افعل لاثبت لكِ انه لأجل قلبي وسعادتي والحياة التي تمنيت عيشها منذ أن رأيتك، هل تعلمين بل انا الذي يخشى أن يضغط عليكِ وإن تغيري قرارك شفقة على قلبي"

تلجما باحاديثهما التي دارت بقلوبهم دون أن تخرج ليسود من جديد الصمت لدقائق، رفع نظره على وردته ليقول 

"سأذهب لاشتري لها الفشار، هل ستبقين هنا حتى عودتنا أم ستنتظريها بمنزلك"

اجابته على استحياء

''حسنا أن رغبت بعيش مغامراتي التي لا تنتهي فلن احرمك من ذلك بشرط أن لا تعود وتندم على قرارك"

ابتهج وجهه وهو لا يصدق ما يسمعه بكلماتها الاخيرة….

"أوافق على طلبك بشرط أن تتحمل نوبتنا المتغيرة"

ضحك قائلا 

"اعتدت عليها لا تقلقي"

ابتسمت بقولها 

"تعلم إنك عملك ليس بسهل وتقبل أيضا"

اجابها بفرحته 

"لا لم أقبل وحسب بل وسأسرع بتحقيق حلمي، هيا اخبريني متى سنبدأ بمعاملة الزواج، اقترح ان ابدأ بها غدا ونحدد عطلة نهاية الأسبوع لحفل الزفاف، افكر ان نقيمه في المنتجع الخاص بي حتى نستمتع هناك بكل ما لذ وطاب من انواع الكيك"

غيرت ملامح وجهها لتمازحه بقولها 

"سحبت موافقتي"

و وقفت ليقف بعدها سريعا 

"امزح معك ، لماذا وقفتي؟  ما بكِ؟ أين ستذهبين؟"

تركته وذهبت بجانب ابنتها تنادي عليها لترتدي جاكيتها قائلة له 

"سنتركك لتستمتع بالكيك الخاص بك"

ضحك رفضًا أن يتركهما قبل أن يشتري الفشار لوردته، ذهبت معهما لتجد نفسها داخل قاعة السينما تحضر فيلم كارتون تلبية لطلب ابنتها الذي لم يرد من قبل عمها.

انتهى اليوم الجميل السعيد بعودة حياة لمنزلها متفاجئة بوالدها واخيها ينتظرونها أمام باب المنزل دون اتصال سابق، رحبت بهم واستقبلتهم 

"لماذا لم تخبروني بقدومكم حتى انتظركم"

رد الأب متسائلا بشدة 

"أين ومع من كنتِ لهذا الوقت؟"

نظر صادق لأبيه بقلق ثم نظر لأخته منتظرًا ردة فعلها الذي اتتهم

"اليوم عطلة آيلا خرجنا لنقضي اليوم بالخارج"

اجلستهم بالصالون وتحركت وهي تقول 

"سأحضر لكم الطعام من المؤكد أنكم لم تتناولوا شيء بالطريق"

تحدث صادق لها 

"لا تتعبي نفسك تناولنا سندوتشات جبن وسجق بالطريق"

نظرت حياة لوجه أبيها وعيونه التي لم تسقط عن عينيها مترقبة حديثها الذي بدأه

"لن أطيل عليكِ اتينا لنخبرك بقرب زواج صادق من أرملة شابة تزوجت عدة أشهر ومات زوجها بحادث ذهبنا وطلبنا يدها وقبل أهلها طلبنا، حددنا الزفاف يوم الخميس المقبل تهيئي ورتبي امورك وفق ذلك ستعودين معنا لحضور الزفاف ورؤية المكان الذي ستعيشِين به من بعد الان" 

  ردت بنبرة دهشتها 

"أين سأعيش" 

تحدث صادق ليلطف الوسط 

"يقلق ابي عليكِ وانتِ وحدك هنا، لهذا أراد أن تأتي لتبقي بجانبنا، حتى ابنتك حان الوقت لتتعرف وتعتاد علينا انظري كيف تنظر لنا كالغرباء"

لم تصدق جرأتهم بحديثهم وكأنهم لم يخطأوا بحقها وحق ابنتها قط بل وكأنهم عائلة مترابطة .

بنفس الوقت على بالفندق الخاص به كان هناك رجل ينتظر عودة سراج ليقف أمامه مفصحا عن هويته 

"مارت شيكار جيلار زادا شقيق والدتك"

تغيرت نظرات سراج وهو يتحدث بحدة وجدية "هل شقيقها؟ لم تخبرني أمي بوجود أشقاء لها"

اجابه بثقة كبيرة

"نعم أخبرتك أمك المزيفة بذلك، لهذا أتيت اليوم لأخبرك  بما لا تعرفه عن أمك الحقيقية"

يتبع ..

 ‎إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا.


انها غيوم الحياة الفصل الرابع والعشرين
Wisso

تعليقات

تعليقان (2)
إرسال تعليق
  • غير معرف28 ديسمبر 2024 في 12:01 ص

    تسلم ايدك حبيبتي

    حذف التعليق
    • Rim kalfaoui photo
      Rim kalfaoui29 ديسمبر 2024 في 11:06 م

      حلقة رائعة بلمسه سحرية لكل من سراج وعلاقته مع حياة ولكن الاب وصادق افتكروها دلوقتي وجاءوا كي يضغطون عليها عجبا

      حذف التعليق
      google-playkhamsatmostaqltradent