رواية الليالي المظلمة
بقلم أمل محمد الكاشف
امتلأ القلب ونضح بألمه وحزنه حتى أفضى ما به، خرج يوسف من المكتب متوجه نحو مخرج الشركة تاركاً أعماله وكل شيء وراءه.
جلست سيلين مُنهارة لا تصدق ما سمعته ورأته مرددة "لم تكن شفقة"
راجعت نفسها
"كانت بأول الأمر كهذا ولكن.." غلبت الدموع صوتها ليصمتها
لم تنتهي الليلة حتى اخرج يوسف همه وحزنه بحديثه مع خالته
"انتِ من اجبرني على الطلاق. لو لم أطلقها ما كانت بحضن رجل اخر الان. وما كنت سأرى ابنتي بين يديه وأنا مربوط اليدين احترق دون ان يشعر بي أحد"
اخبرته فضيلة بإهتمامها الكبير بما وعدته به، حتى انها تراقب الوضع من قريب معاتبة عليه بقولها
"احاول تدبير أمر زرع مربية خاصة بابنتنا داخل منزلهم. لم ينجح معي الامر حتى الان ولكنِي لن اصمت حتى انجح بذلك"
ظلت فضيلة تحدثه حتى اقنعته أنهم سيعملون على استردادها بالقانون حتى لا تعيش الطفلة أزمة التنقل بينهما.
ووضحت له انها تلمس اهمالهم للطفلة وتركهم لها وإن استطاعوا إثبات الإهمال سيتمكنون من كسب قضية الوصاية. ولهذا ستحاول جاهدة زرع مربية بداخل منزلهم كي توثق الإهمال.
رد يوسف بيأس
"ماذا إن لم نستطع زرع أحد بينهم"
اجابته فضيله
"هم لا يعلمون مع من يلعبون. انتظر لترى أنت أيضا قدر خالتك. جمعت ملف كبير لعلاقات اصلان بيه الغير شرعيه والمتنوعة كل ليلة وأيضاً جمعت ملف لأمها بكل سهراتها وملابسها الخارجة. بالإضافة لصور هوليا مع عشيقها التي تنشرها كل يوم لتصبح هدايا لنا. جمعت كل شيء وسأكلف شخص بعيد عنا لينشر ويفضح تلك العائلة بالوسط وحينها سنكون سددنا هدفها لصالحنا واقتربنا من احقيتنا بالوصاية".
ارتاح يوسف لحديث خالته فلقد اتضح حقاً أنها كما قيل عنها قوية عنيدة نشطة لا تقبل الخسارة.
امتنعت سيلين عن تناول طعامها متخذة من فراشها مأوى لحزنها وتكرار حديثه المؤلم بعيونه التي أسقطت الدمع منها فور حديثه عن ابنته. لمست قهره وتمزق قلبه بابتسامته الحزينة وهو يحكي لها كيف رأى صغيرته بحضن رجل صغير بعد أن كان لا ينام قبل تقبيلها والتأكد من نومها، بكت وهي تتذكر حديثه "كنت أستيقظ بمنتصف الليل اكثر من مره لأذهب إليها واطمئن عليها، كنت من فرحتي بها لم اصدق انها ابنتي اضمها لحضني وانا اقبلها بقوة لأصدق أنني اصبحت اب".
تذكرت سيلين ابيها وكم كان حنوناً عليها مثلما يوسف مع ابنته. شعرت بالذنب الكبير كونها السبب في زيادة حزنه وتذكره لابنته.
ظلت على حالتها تتذكر كلامه معها وهو يحكي لها عن الشفقة وتأثره بهذا الشعور الذي لمسته بتعابير وجهه و دموعه الحارقة ولغة جسده وهو يحدثها عنه حتى نامت والدموع تتساقط من عينيها لا يعرف أتبكي لأجله أم ان القلب المكلوم فاض بما فيه فاصبح لا يتحمل جرح احد او حزن أمامه.
بصباح يوم جديد بشركة اورهان للفولاذ تفاجأ يوسف بدخول سيلين عليه المكتب دون كلام ولا استئذان .نظر لما تحمله بيدها ووضعته على الأريكة باستغراب. راقب توجهها لزاوية المكتب لتضع بجانبها طاولة صغيرة عادت لوضع ما أتت به عليها وبدأت برفع الأكياس ليتضح انها ماكنة لإعداد القهوة التركية.
ابتسم وجهه وهو يتحرك من مكانه ليغلق الباب أولا متحدثا بعدها
"يا لها من مفاجأة جميلة"
استقامت سيلين تاركة ما بيدها قائلة
"ستظل هنا من بعد الان"
رد عليها بوجهه المبتسم
"ممتاز حتى اكثر من ممتاز. ولكن لنتفق من الان. ستتحملين نتائج هذا القرار"
استغربت سيلين متسائلة
"كيف اتحمل نتائجه"
ليبتسم وجه يوسف مرة اخرى
"سيكلفكِ وجوده تحضيرك القهوة لي كلما أردت. يعني مثلا أنا الآن اشتم رائحتها و أشعر بطعمها بحلقي"
خبئت ابتسامتها متحدثة بخجل
"بشرط لا تطلب كثيرا حتى لا استرجعها مرة اخرى"
وبدون مقدمات بدأت بتحضير القهوة له. اقترب يوسف وامسك الاكواب من جانبها قائلا
"من أين علمتِ حبي واستمتاعي للشرب بالأكواب الورقية".
جاءتها الفرصة لتستغلها بقصف جبهته وهي تجيبه
"لا ليس لأجل حبك واستمتاعك ولكننا تعلمنا درسنا جيدا بعد ما رأينا علاقاتك بالاكواب الزجاجية"
ضحك يوسف عاليا حين تذكر ما مضى ليرد عليها قائلا
"ولكني اخبرتك سابقا هم من ينزلقون من يدي ليتحولوا لكسرات صغيرة"
اجابته متسائلة بوجه أنار ببهجته
"نعم اعلم ذلك وهم ايضا من يتساقطون وحدهم عند رؤيتك بالمطبخ"
رفع يده ليحسن شعره وهو يرفع رأسه وحاجبيه بفخر وثقه رادا عليها
"هل تتذكرين الفتيات وهم يتساقطون مغشي عليهم عندما يلوح لهم المغني من اعلى المسرح. وأنا شيء من هذا القبيل بيني وبينهم تتساقط الكؤوس عندما تتفاجأ بلمسي لهم"
ضحكت سيلين وهي تضع يدها على فمها
"لقد عجز لساني عن التحدث بعد هذا التشبيه البليغ. حتى أقول لنفسي كم اتضح انك متواضع وصاحب قلب كبير"
جمعتهم لحظات جميلة عنوانها "الجبر" يعتقدونها شفقة ولكنه جبر الخواطر.
أخذ يوسف فنجان القهوة منها وتحرك ليجلس على الأريكة الجانبية وبدأ يشتم رائحتها باستمتاع.
بهذه اللحظة اقتحمت غمزه عليهم المكتب وهي تنظر للقهوة بيد يوسف قائله
"من الواضح انني جئت لنصيبي"
ابتسمت سيلين مشيرة لماكينة القهوة
"سأحضر لكِ ايضا".
ردت عليها بسرعة
"شكرا لكِ فأنا بحاجة إليها"
فتحت غمزه الهاتف موجهة الحديث ليوسف
"سأريك بعض الصور الى حين انتهاء سيلين من تحضير القهوة"
وتحركت بحيويتها و ضحكتها وصوتها المرتفع لتقترب منه وضعت يدها على كتفه بكل أريحية حتى أنها التصقت به لتريه على الهاتف صور فساتين.
(لا اعرف ما الحاجة لأن تريه هذه الفساتين التي كانت بغض النظر عن انهم مرسومين زيادة علي الجسم او بمعنى اخر ملتصقين علي الجسم الا انهم جميعاً يتميزون بكونهم يكشفون أكثر مما يخفون)
تحدثت بصوتها الناعم الجميل
"من وجهة نظرك أياً فيهم يناسب لون بشرتي؟ هل الاحمر ام الازرق. ام تعتقد اني يجب ان اختار الاسود كي يكون أكثر هدوءً"
(مش عارفه ليه حسيت وهي بتتكلم أن طبقة صوتها شتويه 🤣🤣منك لله يا الي في بالي 🤣🤣 باقي عليها تستخدم التفخيم والتنعيم وتطلع بالنداء لتحصل على شهادة…..🤐🤐 سيبكم من العته بتاع الشتوي وتعالوا نكمل)
نظر يوسف لقربها منه وليديها على كتفه وبدأ يبتعد عنها وهو يقول
"جميعهم لا غبار عليهم ولكن عليكِ ان تحددي نوع المناسبة التي سترتديه بها حتى تستطيعي الاختيار المناسب"
غارت سيلين من قربهم وحديثهم حتى أصبحت تهتز بمكانها وتأكل شفايفها.
تحدثت غمزه وهي تنظر للصور قائلة
"اممممم انه حفل بسيط. خاص بعيد ميلاد صديقتنا"
نظرت سيلين نحو يوسف لتجده يبتسم ويجيب بكل اريحية قائلا
"لا اعتقد ان هذه الموديلات تناسب حفل صغير كما قلتي. من رأيي ارتدي ما يريحك و يجعلك تتحركين بسهولة أكثر"
وألتفت إلى سيلين قائلا
"أليس كذلك؟ "
بهذه اللحظة كانت سيلين قد اقتربت من غمزه لتعطيها قهوتها مستمعة له وهو يكمل لغمزه
"عليكِ ان تأخذي برأيها ايضا فهي صاحبة ذوق عالي واختيارات مميزه"
استغربت غمزة من طريقة إطرائه ونظراته المليئة بالأعجاب اتجاه سيلين
(بس بنتي اسم الله عليها شبه أخواتها ربنا يخليهم ليا🤣🤣🤣 لم تنتبه لهذه النظرات من انشغالها بصراعها الداخلي و غيرتها النارية🤣🤣احترس السيارة ترجع للخلف )
اجابته غمزه بسرعة
"ليس له اهميه الآن فلقد اقتنعت برأيك سأرتدي شيء بسيط واكثر اريحيه"
وقفت غمزه وشكرت سيلين على القهوة وبدأت بالخروج.
وقبل إغلاقها الباب تذكرت امر ما فاستدارت لتقول ليوسف
"هل ستذهب لاجتماع الجمعية مع أورهان بيه على خلفية انك شريكه الجديد. بالأصل نحن نذهب معه لندعم الجمعية"
استغرب يوسف مما تقول فهو لأول مرة يسمع بأمر الجمعية وهذا ما جعله يسأل
"انا لم افهم عليكِ، عن اي جمعيه تتحدثين؟"
اجابته غمزه "جمعية 'لأجل مستقبل أفضل' كيف اشرح لك. هي لتوعية الشباب والحفاظ عليهم من خطر التح*رش.. والاغت*صاب. حتى أن هناك نماذج يتم طرحها ودعمها معنويا وماديا لتبدأ حياتها من جديد"
صدموا من حديث غمزه دون الرد عليها، فهم يوسف سر اهتمام أورهان بسيلين استدار لينظر نحوها بصمت كبير وكأنه قرأ ما كُتب داخلها وترجمته عينيها.
حركا نظرهما نحو خروج غمزة من المكتب وهي تحدثهما عن كثرة الأعمال المطلوبة منها وضرورة انهائها قبل انتهاء اليوم.
خرجت مغلقة الباب خلفها تار الصمت والمفاجاة يسيطرون على المشهد من يرى عيونها الثابتة المصدومة بعقولهم يعلم جيدا ما يدور برأسها.
تأثرت سيلين بمعرفتها بأمر الجمعية
قائلة بصوت غير مسموع
"هل كان بمحض الشفقة؟ أم أنها حالة من حالات هذه الجمعية يهيأها ليعلن عنها دون أن تعلم"
كان وقع الحدث على يوسف أفضل حالا منها بعد أن سقطت القطع في مكانها الصحيح، لقد جاءه الرد على تساؤلاته بشكل مفاجئ ليفهم سبب اهتمام أورهان بها.
تحرك بمكانه وهو يهز رأسه قائلا
"طبيعي ومفسر لدواعي اهتمامه الكبير وحرصه الشديد ان لا يقترب منكِ احد او يزعجك و يؤذي مشاعرك"
نظرت بعيونها الدامعة الكبيرة وهي تهز رأسها بالنفي لا تستطيع تصديق ما يقوله
استمر يوسف بحديثه قائلا
"سأصدقك القول استغربت من هذه العلاقة التي بينكم لا اخفيكِ سراً فكان اهتمامه بكِ واخفاء بياناتك حتى تحذيره لي بأول يوم عمل انكِ مهمة جدا بالنسبة له ولا يمكنني الضغط عليكِ يؤكد ما علمنا به الان"
قطعت سيلين كلامه متحدثه بصوت يملأهُ الألم
"هل ظاهر علي لدرجة عندما تنظر إلي من بعيد تفهم أمري؟ هل الجميع هنا يعلم ما مررت به ويتعامل معي وفق هذا"
عجزت أقدامها المرتجفة على حملها أكثر من ذلك تحركت لتجلس والدموع تتساقط من عينيها. ليتحرك بحذر جالسا بعيدا عنها وهو يقول
"انظري إلي ليس من العيب أن يكون واضحا كما ليس من العيب ان نتلقى دعماً من احدهم فالإنسان بحاجة دائما لرفيق او سند او درع حماية يساعده على خوض حربه مع الحياة، و لكن العيب بنظري أن نستسلم لأعبائنا ومشاكلنا دون البحث عن حلول، نعم العيب والخطأ أن تستسلمي لقدركِ ولضعفكِ ولخوفكِ دون البحث عن حلول تساعدكِ للتخلص منها"
ابتلعت سيلين ريقها بصعوبة متحدثه بحزن دون النظر له
"انت لا تعرف قدر ما عايشته أنا. لا أحد يعلم حجم الألم الذي مررت به"
قاطعها يوسف قائلا
"ما حدث حدث وانتهى لا يمكنكِ التوقف عنده. لا يمكنكِ الرجوع له بكل مرة. عليكِ أن تتخطيه دون العودة له. عليكِ ان تكوني أقوى حتى تستطيعي مواجهة نفسك قبل مواجهة ما عايشتيه"
ردت عليه بدموع ألمها وقهرها
" الكلام سهل. أتعتقد انني لم احاول تخطي هذا الألم؟ هل تعتقد انني سعيدة بانهياري وضعفي وخوفي؟، لم انجح بكلامها لان من الصعب تخطيه بل من المستحيل ففي كل محاولة أجد نفسي عائدة لنقطة البداية بل ما قبل البداية"
تحدث ليرد عليها بصوت هادئ وحذر
"لعل ما تفعلينه ليس بكافي للنسيان. او انه يتوجب علينا البحث عن طرق اخرى تساعدكِ على تخطي هذا. كما اخبرتكِ من قبل انا اثق بالطب النفسي لقد قرأت كثيراً وشاركت بندوات وفعاليات مع أطباء مختصين. أنهم يبذلون جهد كبير لعلاج تلك المشاكل و يحققون نجاحا عاليا بهذا المجال ان أراد هذا الشخص العلاج حقاً. فرغبتك بالعلاج وتخطي مشكلتكِ هو المؤشر الإيجابي بطريقكِ للنجاح بهذا "
صمتت سيلين وهي تمسح دموعها بهدوء ثم وقفت بمكانها أخذت نفسا طويلا قائلة بعده بقوة "تمام لأذهب لطبيب نفسي كي أتخلص مما أنا به"
وقف يوسف وهو لا يصدق ما سمعه رد عليها وقال
"انا لا افهم الى اين ستذهبين حقا"
نظرت له مجيبة بقوة
"ألم تقل انني بحاجة لشخص يساعدني كي اتخطى مشكلتي. تمام اوافقك الرأي حتى انني سأبدأ بالبحث عن أحدهم كي أذهب إليه بأقرب وقت"
قاطعها يوسف وقال
"ولماذا تبحثين وانا موجود؟ حتى انني على صلة بأحدهم سأتصل واخذ موعدا لكِ"
هزت رأسها بالموافقة بدون كلام وكأنها مازالت مترددة. بل وكأنها استعجلت بقرارها.
بهذا الوقت دخل أورهان بيه عليهم المكتب موجه حديثه لها
"انتِ هنا وانا ابحث عنكِ. حتى هاتفكِ تركتيه خلفكِ بالمكتب"
وقع نظر اورهان على ركن القهوة اثناء حديثه ليستغرب الامر ضم حاجبيه بتعجب ثم نظر لهم ولقربهم وانسجامهم بالحديث.
تحدث يوسف له "صباح الخير لك"
ليرد أورهان عليه
"ولك ايضا صباح الخير يا بني"
ونظر لسيلين مرة اخرى قائلا
"اسرعي قليلا فهناك أعمال تأخرنا عليها انتظركِ بالمكتب"
وخرج وهو ينظر مرة اخرى نحو ركن القهوة. وهنا لم يستطع إكمال سيره وقف قبل ليستدير وينظر ليوسف قائلا
"اريد ملف خطوط الإنتاج كما اخبرتك. لا تتأخر بالأمر.."
أراد أن يسأل عن أمر ماكينة القهوة ولكنه لم يفعلها.
رد عليه يوسف قائلا
" تبقى القليل. لن ينتهي اليوم حتى يكون الملف بأكمله جاهز على مكتبك"
رد أورهان وهو يكمل خروجه قائلا
" ان شاء الله يا بني"
تحركت سيلين كي تذهب خلف اورهان، ليتحرك يوسف ويوقفها بكلامه قائلا
"تذكري أنه ساندكِ و حماكِ و وقف بجانبكِ في وقت كنتِ بأمس الحاجة للمساندة والمساعدة. هو حقا يخاف عليكِ ويعطيكِ قيمة كبيرة. لا تنسي هذا"
توجهت سيلين لمكتب اورهان لتبدأ عملها توقفت دقائق بل ثواني قبل دخولها المكتب
تنهدت مستجمعة قواها ودخلت ببطء.
وجدته يتحدث على الهاتف وهو يقول
"بالتأكيد سأحرص على ان اكون موجودا بالاجتماع اخر الاسبوع. فأنت تعلم لا أستطيع التأخر عن اجتماعات الجمعية مهما حدث"
نظر لسيلين و اشار لها بالجلوس أمامه وأكمل حديثه بالهاتف قائلا
"حسنا ولكن سنتحدث فيما بعد عن التفاصيل"
اغلق الهاتف وهو ينظر يقول لها
"ما هو جدول أعمالنا ليوم الاثنين القادم؟ "
ردت عليه بعد أن نظرت للدفتر بيدها قائلة
"اجتماع واحد فقط حتى الان. سيأتي عثمان بيه لإنهاء عقود التوريدات لشركته "
أومأ أورهان برأسه وقال
"جميل ولكنكِ سترسلين له رسالة بتأجيل موعد الاجتماع ليوم الثلاثاء لا تستقبلي أي مواعيد ليوم الاثنين القادم"
خرج منها سؤالها "ولماذا "
استغرب مما قالته ولكنه أجابها
"لدي أعمال هامة خارج الشركة ولا اعتقد قدومي للشركة بهذا اليوم"
من الجدير بالذكر حالة أورهان العصيبة بعد حضوره اجتماعات الجمعية فهو اكثر وقت يشعر به بالعجز لعدم قدرته على مساعدة ابنته الحبيبة. فبالرغم من النجاحات التي حققتها الجمعية على صعيد تقديم الدعم النفسي و المعنوي وحتى في بعض الأحيان المادي لضحايا الاع*تداء .و الاغت*صاب. إلا أنه بعد كل اجتماع يهرب للاختلاء بنفسه في بيت المزرعة بعيدا عن الجميع. ليشاهد صورا و فيديوهات مسجلة لابنته أحدهم باحتفالات العائلة و اخر بأعياد ميلادها وحتى حفلات تكريمها لمشاركاتها بالفعاليات المختلفة بالجامعة. كان يهرب إليهم ليعيش ذكرياته الجميلة مع ابنته وزوجته. لم تخلوا المشاهدة من البكاء على ما ذهب ورحل يحدث ابنته باكياً راجياً منها ان تسامحه لأنه لم يستطيع حمايتها. مع الاسف كان يحمل نفسه ذنب ليس له يد به كان يعاقب نفسه بعقاب أكبر من طاقته.
تحدثت سيلين بخوف وقلق قائلة
"هل ستحتاجني معك؟؟"
رد أورهان بالنفي السريع
"لا انه امر خاص وشخصي لن يكون هناك حاجة لوجودك"
مرت ساعات الصباح بشكل سريع انشغلت سيلين بالعمل وهي لا زالت تفكر بحديث يوسف لها حتى يتردد بأذنها
"عليكِ تكونِ قوية و تتخلصي من خوفك وذعرك وأن تثقي بنفسك. تليكِ ان تواجهي الماضي يكفيكِ هروب وضياع"
انتهى موعد العمل بالشركة وقبل خروج سيلين من مكتبها وجدت يوسف يطرق الباب ويدخل ليخبرها انه حجز لها عند طبيبة مميزة وانه واثق بها كثيرا تفاجأت و ارتبكت قائلة
"هل بهذه السرعة؟"
ليرد عليها قائلا
"أي سرعة هذه؟ حتى انني تأخرت قليلاً وانا اختار بين عدة أسماء متخصصة وبالاخير استقريت وحجزت موعد الاحد القادم يعني بعد غد"
لم تستطع سيلين اخفاء توترها وخوفها
ردت عليه بصوت متقطع قائلة
"أليس الأحد عطلة؟"
ليرد عليها بحذر
"هدئي من نفسكِ لا يتطلب الأمر كل هذا التوتر. انا اثق بها بالأصل اجتمعنا سويا بأكثر من ندوة ونشأت بيننا صلة جيدة. طلبت منها ان يكون الموعد بوقت غير مزدحم وهي مشكورة اختارت يوم العطلة كي تكوني انتِ فقط زائرتها الوحيدة بهذا اليوم. وايضا سيكون موعدنا الأول في منزلها بشكل ودي كي تكوني على راحتكِ اكثر"
ردت سيلين وهي ما زالت متوترة
"اين المكان وكيف ساذهب"
فاجأها برده
"وهل تعتقدين انني سأترككِ بيوم كهذا؟ ولكن عليكِ اولا ان تعطيني رقم هاتفكِ وعنوانكِ. ما هذا اشعر وكأنهم اصبحوا سرا قوميا لا يمكن لأحد معرفته غيره"
ابتسمت سيلين وقالت
"اعتذر لقد نسيت مرة اخرى اخبرتك انني سأرسل لك رسالة منه ونسيت "
ضحك يوسف وقال
"ولكنِّ لن اترككِ هذه المرة حتى أخذه "
انتهى اليوم وعاد الجميع لمنزله
لازالت سيلين غير مرتاحة ومتوترة تحدث نفسها
"كيف سأتحدث معها دون ان ابكي؟ ماذا إن انهرت مجددا ولم استطع مجابهة نفسي كالعادة؟"
حزنت وخافت وتقوقعت على فراشها حتى سمعت صوت رنين هاتفها يخبرها بقدوم رسالة جديدة لها، تحركت لتجلبه معتقدة أنها متعلقة بالعمل ،
فتحته لتنظر باستغراب اتتها رساله اخرى مكتوب بها
"ها هي جميلتي. اعتقد انني محق بحبي لها"
ابتسمت سيلين وهي تنظر لصورة لي لي الجميلة. فكرت قليلا ثم كتبت ردا على الرسالة
"هي أجمل مما توقعت اعتقد انها لا تشبهك"
ابتسم يوسف بحزن كاتباً لها..
"انتِ محقة هي جميلة كأمها. ولكنها تحمل قلبا جميلا كقلبي"
قرأت سيلين رسالته ليتسلل لقلبها بعض الغيرة من كلامه على جمال زوجته.إبتسمت وكتبت..
"ارى انك تواضعت كثيرا بوصفك لقلبك"
توالت الرسائل بالمزح الجميل المختلط بالشجن فكل منهما يحاول إدخال السرور على الآخر و التخفيف من وضعه.
وقد نجحوا بهذا فرغم انهم كانوا يبتسمون بحزن الا أن الأجواء كانت لطيفة الى حد كبير، أخبرها يوسف أن السيدة انيسة تبلغها السلام كثيرا وتريد رؤيتها كي تتعرف عليها.
ردت سيلين دون تفكير كاتبة…
"ولما لا؟ بعد حديثك المتكرر عنها تشوقت انا ايضا للتعرف عليها"
ليفاجئها يوسف كاتباً..
"إذا لنفعل هذا. سأتي غدا وأخذك بالصبح كي نتناول فطورنا سوياً ونقضي بعض الوقت بظلال اهتمام أنيسة وأحاديثها التي لا تنتهي"
رفضت سيلين متحججة انه بيوم العطلة وتحب ان تنام براحتها وان لا تستيقظ إلا بوقت متأخر ولكنه رفض واصر كثيرا عليها حتى انه لم يسمح لها بالاعتراض.
طلبت ان يكون اللقاء في مكان عام لحساسية ذهابها لمنزله، فهم سبب رفضها ليكتب
"ستأتي فاطمة جول ابنة السيدة أنيسة. كما سيأتي زوجها وأخيها وزجته ايضا ليتولوا بعض الأعمال اردتها بالحديقة، اصارحك كنت أنوي الهروب منهم ولكنها فرصة جيدة لتأتي وتتعرفي عليهم انهم اناس طيبون"
ارسل الرسالة ليلحقها برسالة أخرى
"كيف تظنين أنني سأدعوكِ لمنزلي دون أن يكون هذا الجمع معنا"
ارسل الرسالة وتحرك ليصعد غرفته كي يكمل مراسلاته معها. استلقى على فراشه وهو مستمتع بقراءة ما تكتبه
طال الحديث بينهم حين تخلله كيفية إدارة العمل وتصحيحه بعض المفاهيم الخاطئة بقسم تسجيل قوائم التوريدات، سألته عن كيفية ترتيب الخريطة الخوارزمية للقسم المالي والعودة لها دون جهد كبير، ليبدأ بشرح وافي ومفصل مرتب ابهرها واظهر لها كم هو قوي ومتمكن بعمله.
رغم أن التواصل كان عن طريق الكتابة إلا انهم شعروا بسعادة مختلفة معاً.
كما انها ارتاحت كثيرا بعد ان شعرت ان الكتابة افضل بكثير من الصوت او التحدث وجهاً لوجه، كي لا تضطر تخبئة تعابير وجهها المختلفة وابتسامتها الجميلة الممزوجة بالخجل.
من يرى اندماج يوسف بالحديث وضحكه وتحدثه بصوت عالي رغم أنه يكتب يعلم جيدا انه غير صادق بمصارحة نفسهُ بمشاعره اتجاهها. فهل يعقل أن يكون الاخ سعيدا وفرحاً بالتحدث مع اخته لهذه الدرجة.
مرت ليلة جميلة ظننت ببدايتها انها ستكون مخيفة ومقلقة لسيلين ولكنها بفضل الله ثم يوسف اصبحت ليلة جميلة هادئة، كما انها أثرت بالإيجاب عليه حين نام بوجه مبتسم يبحر بحلمه الجميل وهو مع سيلين ولي لي يركضون في حديقة منزله يضحكون ويلعبون، أخرج يوسف صوت قهقهة عالي اثناء نومه وهو مستمتع بضحكات ابنته في حضن سيلين مختبئه منه
بصباح جديد وقفت سيارة يوسف أمام البناية التي تمكث بها سيلين التي خرجت منها وهي تحمل بيدها أكثر من حقيبة بلاستيكية
نزل يوسف من سيارته واسرع نحوها ليحملهم عنها قائلا
"ما كل هذا؟ هل قرارتي الاستقرار بمنزلنا"
(ههههههه والله شكلنا هنجمع بنات الجروب ونيجي نلمكم 🤣 حاسه ان الامور بتخرج عن مسارها وهنتبهدل يا وديع🤣🤣)
ابتسمت سيلين بردها
"حضرت فطائر البريك وبعض المقبلات المفضلة لديك"
(وربنا لنيجي معاكم انا كان قلبي حاسس 🏃♂️🏃♂️)
فرح يوسف وابتسم وهو يرفعهم نحوه كي يشتم رائحتهم قائلا
"لا استطيع قول لماذا أتعبتِ نفسكِ. وانهُ كان عليكِ ان لا تفعلي لان رائحتهم لا تقاوم"
(ههههه انا عايزه من ده يا حزومنبل 🤣 انا بقول نجوزهم ونلم الدور عشان كده قلبي مش مرتاح لهم🤣)
وقفت سيلين أمام سيارته الشبابية الحديثة تبحث عن باب خلفي ولم تجد، نظرت نحو وجهه الضاحك وحديثه
"لا تجهدي نفسك ليس أمامك سواه"
تحركت بخجل وفتحت الباب الأمامي لتجلس به وهي تنظر للوراء باحثه عن المقاعد الخلفية، جلس هو بمكانه وبدأ بقيادة سيارته وهو يتحدث مازحا
"اقوم تأجيرها كي نوفي حق السولار"
ظل طوال الطريق يحايلها ان يوقف السيارة ليأخذ مما أعدت ليصبر نفسه حتى وصولهم فرائحتهم تملأ السيارة ولا يستطيع المقاومة ولكنها رفضت بخجل.
اخبرها عن حالة السيدة انيسة وكيفية استعدادها لاستقبالها وهو يضحك قائلا
"اتضح انها ليست وحدها التي استيقظت قبل الشروق لتعد كل هذا"
مازال يضحك وهو يكمل قائلا
"خرجت المستفيد من هذا اللقاء الشكر لله، علينا من الان وصاعد الأكثر من هذه اللقاءات المفيدة للصحة النفسية"
كان اليوم جميلا وممتعا استقبلت انيسة وابنائها سيلين بكل حب وترحيب شاكره لها على ما فعلته من أجل امينة قائلة
"سيكون دينا برقبتنا طوال العمر"
أعدت انيسة اطيب و اشهى فطور يمكن لسيلين تناوله، فاجأتهم بجمال ما صنعته من أجلهم لتزداد فرحة انيسة وإعجابها بها.
راقبت سيلين اجتماع أبناء انسية على مائدة الفطور وهم يتحدثون مع يوسف وكأنهم أخوة او أصدقاء وليس صاحب عمل.
شكرت أنيسه بفطائر سيلين قائلة لها
"صدق ابني بكل حرف قاله بحقك، كنت اعتقد انه يبالغ ولكنهُ حتى لم يعطيكِ حقكِ كاملاً ما هذا يا ابنتي جمال ومهارة وأخلاق وروح تدخل قلب كل من يراكِ"
شكرتها سيلين مثنية عليها جمال فطورها وما أعدته من اجلهم.
وبعد انتهاء الفطور جلسوا بالحديقة كي يشربوا الشاي بشكل جماعي. اندمج يوسف بتحدثه عن الأشجار وأماكن زراعتها. لم تتوقف انيسة عن الكلام حتى وصل حديثها عن لي لي وكيف كانت جميلة وتضحك لهم وتنام بأحضانهم.
تحمس يوسب كثيرا بالحديث وبدا هو أيضا يتحدث عن ابنتها حتى اتى باللوح الإلكتروني الخاص به وبدأ بفتح فيديوهات لي لي وهي صغيرة.
شاهدة سيلين فيديوهات اول نظرة واول ضحكة واول تحمم لابنته حتى كان يصورها عند ارتدائها كل جديد.
طار عقلها بجمال لي لي وهي صغيرة. كانت تشاهد معه الفيديوهات بانسجام كبير حتى أنهم لم يشعروا بتحرك انيسة وابنتها للداخل.
وقفت ابنه انسيه خلف ستائر الصالة سترق النظر نحوهم بالخارج وهي تقول لأمها
"استعدي لاستقبال عروسته الجديدة"
فرحت انيسة ودعت ربها ان تكون هذه الملاك من حظ ونصيب يوسف لتعوضه ما رأها بأيامه الصعبة.نظرت انسيه نحوهم بسعادة وفرحة كبيرة لفت انتباهها اندماج ابنتها معهم تغيرت ملامح وجهها
"ما بكِ ستأكليهم بعينك، هيا لنذهب للمطبخ"
أشار يوسف نحو ابنته داخل احدى الصور وهو يقول بحب كبير
"كيف كانت صغيرة انظري لشعرها كان لم ينبت بعد"
تحمس يوسف ليحكي لها عن الحائط الذي املأه بصور ابنته بالأعلى وتحرك قائلا
"تعالي معي لتري غرفتها، حتى يمكننا أن نزيد عليها أن رأيتِ بها نقص"
خجلت ان تذهب معه لولا قدوم انسيه التي لم تبعد اذنها وعيونهم عنهم لتجبرها على الصعود معهم لتريها كيف أعادة ترتيبها بعد ذهاب العمال المخصصين لوضع كل قطعة أثاث بالمكان المناسب لها، شكى يوسف ما فعلته انسيه بالغرفة لتتحدث الأخيرة مدافعه عن ذوقها في ترتيب القطع.
فرحت سيلين بحالتهم مستمتعه بمشاهدة صورة لي لي على الحائط والعابها وكل ما تحتاج إليه، لمست حب يوسف لابنته وشوقه الكبير لها عندما انتبهت لخصوصية الصور التي تم تزين الغرفة بها فجميعها له وهو حامل ابنته بأكثر من وضعيه كاللعب والتقبيل وغيرها ممن تبرز مدى حنان قلبه وعذابه ببعد حبيبته.
استمر اليوم بهذا الجمال حتى جاء موعد الطعام الغداء مستمتعين بأطيب الأطعمة من يد صاحبة القلب الكبير فليس الام من تلد فقط فرب أم حنونه مهتمة افضل من الألف ولدت أبنائها دون أن تهبهم الحب والحنان.
جاء وقت عودة سيلين لمنزلها حزنت السيدة انيسة لذهابها حتى قالت لها
"ان كان الامر بيدي لما سمحت لكِ بالذهاب والله لانكِ ادخلتِ على قلوبنا السرور والفرح الذي كنا قد نسيناه منذ زمن"
ضحك يوسف واشار للغرفة العلوية قائلا
"لا زال عرضي قائما. فهناك غرفة فارغة بجوار غرفة لي لي تنتظرك دائما".
نظرت السيدة أنيسة نحوهم بعيون ثعلبية فهي أكثر من يعلم ما وراء هذه النظرات البراقة والبسمة المبهجة المرسومة على وجوههم.
ودعت سيلين السيدة انيسة وابنتها وخرجت مجبره على الصعود بسيارة يوسف بعد ان أخبرها ببعد المسافة وعدم توفر وسائل مواصلات بكل دائم
"ستنتظرين ساعة او اكثر على الأغلب"
ظلت صامتها تستمع لحديثه عن ابنته الذي لم ينقطع دون ملل او انتباه منه لهذا، وصلا امام بناية منزلها نظرت له
"شكرا لك كان يوما مميزا حقا"
اوقفها قبل نزولها من السيارة ليخبرها بمجيئة غدا في تمام الساعة الواحدة ظهراً كي يصطحبها للموعد.
عادت سيلين و استدارت لتنظر له بعيون راجية
"هل يمكننا تأجيل الموعد. أشعر نفسي غير مستعدة"
هز رأسه رافضا تراجعها أو تأخيرها بالبدأ بهذه الخطوة التي يراها مهمة بهذه الفترة.
ورغم السعادة التي عايشتها بمنزل يوسف في وسط عائلي حرمت منه منذ زمن بعيد الا أنها عايشت ليلة مقلقة ظلت تتقلب بفراشها طوال الليل تفكر بموعد الغد …
من أين ستبدأ الكلام. كيف ستشرح لها همها دون أن تبكي وتنهار. هل تحكي لها عن امها وخالتها ام تكتفي بما حدث من زوج امها.
استمرت سيلين بهذا القلق والنوم المتقطع حتى اقترب موعد قدوم يوسف ليتسبب هذا في تأخيرها عليه.
وبعد جهاد مع النفس انتصرت على خوفها وتوترها ونزلت له ليتفاجأ هو بحالتها و وجهها، حاول ان لا يظهر خوفه عليها وانتباهه من حالة وجهها السيئ جدا.
قاد سيارته متحدث معها عن يوم أمس وكم غمرت السعادة منزلهم بوجودها. ولكنه لا يعلم أنها انفصلت عن دنياهم بدنيا اخرى لا يصل فيها صوته.
وقف يوسف بجانب مطعم صغير نظرت سيلين للمطعم ثم نظرت له نظرات تساؤل دون كلام
ليفتح باب سيارته وهو يقول لها
"اتصلت الدكتورة سيفدا بي واجلت الموعد للثالثة أمامنا وقت كافي كي نتناول طعامنا هيا بنا"
نظرت سيلين نحو المطعم لتجده محل شطائر الشاورما ليضحك يوسف قبل نزوله من السيارة ناظرا لعيونها التي تنظر نحو المطعم قائلا
"فعلت كما فعلت بأول الأمر. ولكن اتضح ان غمزة محقة بقدومنا إليه فهو حقا يتميز بشطائر الشاورما اللذيذة"
غار قلبها بدأت الغيرة تسيطر عليها تحركت لتنزل بهدوء مغلقة الباب بعدها
قائلة "لا أريد حقا لا اريد"
لم يستمع لها تحرك اتجاه المطعم مما اجبرها على السير بجواره وهو يحكي لها عن زيارته الأولى مع غمزة وكم اعجب بالمطعم حينها، يحاول ان يشتت تفكيرها كي تخرج من توترها دون ان يعلم نجاحه الساحق
ليس بالضحك والشاورما بل بانتقال مشاعرها من التوتر والخوف الى الغيرة والغيظ.
(احب اطمنكم انكم لسه ما شفتوا حاجة من ابداعات ابن أمينة الحيله بتاعت العيلة كلها🤣🤣🤣)
حتى وإن تم تأجيل الموعد و تأخره إلا انهُ حان الوقت لمواجهتها للماضي، ذهبا للعنوان ليتم استقبالهم من قبل الدكتورة سيفدا هانم بنفسها. وهي سيدة في وسط الخمسينات من عمرها ذات عينان تشعان ذكاءً كما أنها دقيقة الملاحظة فبمجرد رؤيتها
لسيلين فهمت سريعاً انها تمر بنوبة هلع. فلقد أصبح لون وجهها اصفر شاحبا تنظر نحوها بعيون متسعة خائفة. وضعت يدها على كتفي سيلين متحدثه بلطف و صوت هادئ
" تفضلي للداخل"
شعر يوسف بالخوف والقلق حيال لحظة انهيارها وانفجار ببكائها فجأة فهذا ما يرى اقترابه نظر للطبيبة محاولا تنبيهها بعينيه .
تداركت سيفدا الوضع متحدثه له وهي تثني على جمالها وكم هي شخص مختلف عن ما توقعته. فهي توقعت شخصا ضعيفا هزيلا لتتفاجأ بفتاة قوية ثابتة.
اصطحبتهم نحو غرفة استقبال الضيوف متحدثة ليوسف قائلة
"انتظرنا هنا حتى نتحدث انا وهي قليلا"
نظرت سيلين نحوه وكأنها تترجاه
"لا تتركني"
لم يعرف كيف يتصرف نظر للطبيبة ليجدها تشبك يدها بذراع سيلين متجه بها نحو مكتبها.
كانت تسير بجانب الطبيبة بخطوات متثاقله متخبطة بين الخوف و الخجل و ترقب ما سيحدث لها خلال جلسة العلاج.
تحدثت سيفدا فور جلوسها على المكتب "حسنا هيا لنبدأ"
وهنا قفزت سيلين من مكانها فزعة ابتسمت دكتورة سيفدا قائلة بود و وجه بشوش
"اعتذر منكِ. هل اخافتكِ"
لم ترد عليها سوى بحركة من رأسها تعبر عن النفي
لتبدأ الدكتورة حديثها
"فهمت عليكِ. ما رأيك بأن نجعل جلسة اليوم مجرد تعارف بيننا، حتى فلنفعل كالآتي لنجلس على الأريكة الجانبية و نتحدث بهدوء"
اومأت سيلين رأسها بالموافقة دون كلام
قامت سيفدا من على مقعد مكتبها وتحركت لتجلس على الأريكة وهي تشير لها بيدها كي تأتي هي ايضا بجانبها
تحركت سيلين وهي تهتز من توترها. وسط ترقب الدكتورة لتحركها وعيونها الخائفة.
وقفت سيفدا مرة اخرى بعد جلوس سيلين على الاريكة وتوجهت نحو المكتب ممسكة بعلبة دواء صغيرة ثم اخذت كأس الماء بيدها الأخرى واقتربت من سيلين وهي تعطيها الماء وقرص مهدئ قائلة
"سيفيدكِ كثيراً. ثقي بي"
أخذته وابتلعته لتشرب بعده الماء وهي تستمع للطبيبة تسألها
"بماذا نضيفك هل تشربين الشاي أم العصير؟"
شكرتها بصوتها الضعيف الخائف قائلة
"لا أريد الآن شكرا لكِ"
بدأت سيفدا الحديث مجددا
"حسنا لنتحدث قليلا إذا، اعرفكِ على نفسي انا سيفدا جيليك. عمري خمسة وخمسون سنة. متزوجة وأم لفتاتين و ولد جميعهم بعمر الشباب مثلك"
صمتت قليلا وهي تنظر نحو تشابك يديها واعتصرهم بقوة في بعضهم ثم نظرت لجلستها على طرف الأريكة وكأنها ستقع من عليها لتعود وتتحدث مرة اخرى قائلة
"شكرا لأنكِ وثقتي بي و اخترتني لكي اكون بجانبك ونحل معا أي شيء يضايقك. سأحاول أن اساعدكِ لتخطي مشكلتكِ. بأول الأمر علي أن اخبركِ بشيء مهم وهو انكِ شخص قوي جدا. فكونكِ علمتِ بحجم مشكلتكِ واتيتِ لتواجهي نفسكِ بها وتبحثِ عن مخرج لكِ منها فهذه الخطوة والقوة بتخطيها تعد مؤشرا جيدا لنجاحكِ بهذا الامر. حتى اقول لكِ من الان انتِ ستتخطي هذا الرعب والخوف بوقت قصير جداً. فمع الاسف هناك الكثير من الفتيات يدفنون انفسهم تحت هذا العبء ولا يستطيعون الاستمرار بحياتهم. يخافون من المواجهة والمحاولة. يكتمون حزنهم وخوفهم بقلوبهم حتى يقضي عليهم بالأخير. ولكن يا جميلتي علينا جميعا التمسك بالحياة والمحاربة لأجل الانتصار على أنفسنا ومن ظلمنا. الحياة مستمرة بالشكل الذي نريد أن نعيشه. فلو احببنا أنفسنا واحببنا حياتنا واردنا ان نرى الجوانب الجميلة بها فبالتأكيد سننجح. لو الجميع فعل مثلما فعلت انتِ وتحدى نفسه وتحدى خوفه وتحدث وأراد الخروج من تحت هذا العبء ما كانوا سيخسرون حياتهم وصفائهم وهذا ما اريده منكِ. سنركز معاً على الايجابيات و القوة والمثابرة للفوز بحياة جميلة مستقرة كما نحلم نحن وليس كما يحلمون هم. أما الذكريات السيئة التي تقف أمامنا كعائق لإكمال الحياة كلما اردنا سنتذكرها سويا لمرة واحدة فقط كي نستطيع اخرجها من داخلك. ونحن نحاول تحليلها والتخلص منها لتكون تجربة سابقة نتخطها ونكمل حياتنا بدونها"
استرسلت الطبيبة بحديثها حتى تأكدت من بدأ مفعول المهدئ الذي ظهر على هدوء ارتجاف جسدها. ليصبح التوتر والخوف داخليا دون اهتزاز او اعتصار للايدي ببعضهم.
وهنا اكملت سيفدا حديثها
"احب ان اسمع منكِ ما تريدين اخباري به. من الممكن أن تبدئي بالذكريات الجميلة او السيئة كما تريدين ارغب بشدة التعرف عليكِ وسماع صوتكِ الجميل"
لا زالت سيلين صامتة لا تعرف من أين ستبدأ الحديث نظرت لها الطبيبة وهي تعلم ما يدور داخلها من حيرة وشتات
لذلك طلبت منها كتابة ما بداخلها قائلة
"سأطلب منكِ شيئا يريحك أكثر من الكلام. ما رأيك ان تكتبي لي خمسة أشياء مما تحبينها. وخمس أشخاص من المقربين والمميزين لكِ. وايضا اريدك كتابة ما هو أفضل شيء حدث لكِ. وما هي احلامكِ التي استطاعت تحقيقها. اريد ان تكتبي كل الإيجابيات التي تريها بحياتك. وايضا اريد كتابة عكس كل ما سبق يعني بالمختصر اريد ان ارى الايجابيات والسلبيات بحياتك و سنتحدث عن شعوركِ وانتِ تكتبين هذه الصفات في لقاءنا القادم. هذا رقمي الشخصي إذا أحسستِ انكِ بحاجة لمن تتحدثين معه اتصلي بي فوراً".
اعطتها كارت فيه رقمها الخاص و كارت آخر بأرقام العيادة و السكرتيرة
توقعت سيفدا انها بهذا قد انهت اول جلسة بينهم ولكنها تفاجأت بسيلين ترفع يدها لتضعها على وجهها لتبدأ الدموع تتساقط من عيونها وهي تقول
"انتظرت شروق الشمس بخوف ورعب حتى خرج هو لعمله بالصباح. كان عقلي لا يستوعب تقربه مني ونظراته لي بهذا الشكل لأول مرة. لجأت اليها بخوف وجسد يرتعش لأحكي لها بصوت متقطع ما فعله بي. ولكنها لم تصدقني. صدقته هو ولم تصدقني"
اخذت سيلين نفسها بصعوبة وهي ترتجف لتكمل قائلة
"تجرأ بعدها ودخل غرفتي وهو يسحبني من ذراعي مستند بي على الحائط كي يقبلني بالغصب والقوة. كنت أحاول الصراخ دون ان أستطع من قبضة فمه".
سعلت سيلين بشكل متكرر وكأنها ستتقيء يظهر على وجهها حالة من الاشمئزاز والقرف، اكملت بصعوبة وسط سعالها قائلة
"كانت يداي مربوطتين خلفي بقوة. تمكن مني بسرعة لم أتوقعها. وكيف وأنا لم يخطر ببالي ما كان سيحدث معي"
هدأتها الدكتورة واحضرت لها الماء وهي تقول "هذا يكفي اليوم. لنكمل بالمرة المقبلة"
أكملت سيلين دون الإنصات لكلام الدكتورة
وفهي حقًا تريد الشفاء والتخلص من هذا الهم
تحدثت بصوتها المهزوم المتقطع من السعال المستمر
"هربت إليها وأنا مذعورة اقص عليها ما حدث. كنت اتوقع احتضانها لي. انتظرت أن تهدم الوسط لأجلي. ولكنِّ لم اتوقع ولو للحظة ان ردة فعل امي ستكون صفعة قوية تسقط على وجهي ليس مرة أو اثنان انما اكثر من مرة على وجهي و فمي وتحولت بعدها لضربات قوية على جسدي تريد بها اسكاتي بأي شكل، لم اتوقع يومها سماعي الاتهامات والالفاظ التي صدرت من امي بحقي. لم يكفيها هذا بل وقفت امامي تهددني ان لا اتحدث بهذا الأمر مجدداً ستعاقبني بأشد انواع العقاب الذي لم يخطر على عقل بشر"
لا زالت سيلين واضعه يدها على خديها مكان الصفعات باكية بصوت مرتجف متقطع بسبب أنفاسها التي تخرج بصعوبة متزاحمة مع سعلها.
نظرت للدكتورة بعيونها الباكية
"لم تصدقني لم تصدقني. صدقته ولم تصدقني"
صمتت سيلين وهي تتذكر تلك الليالي المظلمة بعد ان أتت جميعها أمام عينيها مرة واحدة لتلجم لسانها و تهز جسمها رغم اخذها للمهدئ، تحرك وجهها بالنفي والخوف وهي تنظر بعيون متسعة امامها وكأنها تراه فعلياً.
اقتربت سيفدا منها وهي تحاول تهدئتها لتأتيها المفاجأة الثانية حين صرخت سيلين بقوة لم تعهد عليها من قبل
"لا تلمسني. لا تقترب مني"
امسكتها الطبيبة كي لا تسقط ارضا لتجدها ترفع ارجلها لتضمهم على صدرها هي تلتصق بظهر الأريكة مدافعة عن نفسها بالصراخ وكأن الشبح هو من لمسها وليس الدكتورة.
وقفت سيفدا وتحركت سريعاً لتحضر لها حقن مهدئة. بهذا الوقت وبعد هذا الصراخ جاء يوسف للمكتب بعيون متسعة تبحث عنها ليتفاجأ بوضعها المزري. فكانت يدها على وجهها تختبئ وهي ملتصقه بالأريكة متقوقعة داخل نفسها وارجلها ارتفعت لصدرها.
ما زالت تصرخ وهي تنادي على ابيها كي يخلصها من هذا الشبح. مازالت تدافع عن نفسها "لا تلمسني ابتعد عني ابتعد عني. امي. امي. امي"
ولكننا امام مشهد تقشعر له الأبدان حين تتحول الام من مصدر الأمن والأمان والحماية من قسوة الاقدار، لامرأة تجردت من اسمى وارقى معاني الامومة بل تجردت من معاني الانسانية والرحمة. خرجت من كونها إنسانا إلى كونها وحشا يضغط عليها ليدمرها. أسوء مما دمره الوحش الحقيقي الدنيء.
يتبع ..
إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا.