رواية الليالي المظلمة
بقلم أمل محمد الكاشف
،،ستظل تتألم كونك تنتظر من كل شخص تحبه أن يحبك بنفس القدر. وأن يعاملك الجميع كما تعاملهم، ستظل تتألم حتى تنضج، وأن تنضج يعني ان تعي وتتقبل، تعي أنه ليس شرطاً أن يحبك كل شخص بنفس القدر الذي أحببته به (للكاتب . احمد توفيق)
تفاجأ يوسف بوضع سيلين المزري إقترب منها على حذر متحدث بصوت منخفض
"لا تخافي انا هنا"
لم يصلها صوته في ظل استمرارها بالاستنجاد بأبيها كي ينقذها من الوحش.
اقتربت دكتورة سيفدا لتحقنها بمهدئ أكثر قوة مما سبقه.
ابتعدت سيلين بقوة وهي تقول لها
"ابتعد عني لا تلمسني"
عجزت الطبيبة السيطرة عليها واعطائها الحقن.
ومن خوفه وعدم تحمله رؤيتها بهذه الحالة اقترب منها ليمسكها بقوة كي لا تتحرك متغاضيا عن زيادة صراخها و خوفها الذي قطع قلبه وهز وجدانه. وهنا جاءته صدمته الكبرى حين رأها ترتجف وتنتفض بين يديه غائبة بعدها عن وعيها تماما فور تملكه من تثبيتها.
استطاعت الدكتورة حقنها. مددها يوسف على الأريكة وهو يستمع لصوت سيفدا
"اعطني زجاجة العطر من أعلى المكتب"
تحرك مسرعًا لجلب العطر وعاد ليعطيه لها ووقف بعيدا عنهم وهو يراقب سرعة إسعاف سيفدا لمريضتها وهي تناديها بصوت منخفض.
لم تتعدى دقائق معدودة حتى استعادت سيلين وعيها، اتسعت عينيها من ذعرها جاءت لتعتدل على الاريكة لتسرع سيفدا بامساكها من ذراعها قائلة
"انتظري لا يمكنكِ الجلوس فجأة كي لا ينخفض ضغطك مجددا"
اقترب يوسف بحذر وجلس بجانب رأسها أرضا ليحدثها بصوت مختنق متألم
"أنا هنا. أنا بجانبك لا تخافي"
تسلل صوته الهادئ الحنون إليها لتبدأ دموعها بالتهاطل كالشلالات المنهمرة من اعلى سفح الجبل.
تأكدا من عودتها لوعيها و لرشدها حين تحدثت بصوتها الملغم بسوء ما هي به قائلة
"لقد قلت لك. أخبرتك أنني لا أستطيع. وإن أردت التخلص لا استطيع. كنت اعلم انني لن اتحمل"
اجابتها سيفدا بصوت ثابت و واثق بكلماته
"ومن قال هذا؟ بالعكس تماماً انتِ اقوى مما ظننت. هل تعتقدين ان خوفكِ وذعركِ ضعف منكِ؟ لا الأمر ليس كذلك فمن الطبيعي ان تخافي عند تذكركِ ما حدث ولهذا انتِ هنا لنتخلص معاً من هذا الذعر"
هدأت سيلين تماما بعد أن قام الدواء الإضافي بعمله سريعاً، لا زال يوسف بجانبها يردد قوله
"انا بجانبك لا تخافي ولا تبكي، انظري إلي ستتخطي كل هذا"
أرادت أن تتحرك طالبة العودة لمنزلها
حدثها من جديد
"حسنا كما تشائين ولكن عليكِ ان تهدئي
أولاً كي نستطيع الخروج. حتى لنفعل كالآتي اغلقي عينيكِ ثم خذي نفس طويل و عميق واخرجيه بهدوء"
استجابت سيلين له واغلقت عيونها مستنشقة نفسا طويلا عبئت به صدرها ومن ثم اخرجته ببطء.
تحدثت الدكتورة لها
"نعم هذا ممتاز اريدكِ ان تخرجي مخاوفكِ مع كل نفس يخرج منكِ. لا تفكري بالماضي تنفسي بهدوء و ببطئ فقط"
كررت سيلين ما تفعله لأكثر من مرة لتشعر بتحسن والقليل من الراحة حتى انها لم تعد تغلق عينيها تنظر للأعلى بسكون ودمعات متقطعة هادئة.
سألها يوسف "هل تحسنتي الآن؟"
تحركت كي تعتدل وتجلس على الأريكة مرة أخرى، جلبت سيفدا كأس ماء واعطته لها كي تشرب. عادت سيلين لبكائها وهي تشرب الماء، وقف يوسف متحدثًا من جديد
"لا تبكي ستكونين بخير تماسكي حتى نستطيع الذهاب"
بدأت حديثها وكأنها لم تستمع له قائلة
"انا لم اشعر بالحياة بعد وفاته. كنت احاول ان اجتهد وادرس وانجح حتى أحقق أمنيته و وصيته قبل وفاته. اجتهدت كثيراً حتى احصل على جامعتي التي حلم دوماً الالتحاق بها كي أصبح مهندسة. جاهدت واغمضت عيني عن أفعالها و تعاملها القاسي معي لأجل دراستي. كانت دوماً تهددني انها ستمنعني من اكمال دراستي. تفعلها عنوة بسبب غضبها على أبي بعد اكتشفاها كتابته لكل أملاكه بإسمي قبل وفاته. حتى أنه اوصاني ان لا اتصرف بهم ولا اتنازل عنهم لأي احد. كانت هذه الكلمات هي آخر كلمات قالها لي قبل وفاته. جعلته يصمت يومها كي لا يرهق نفسه اكثر فلقد زاد ألمه و قلت أنفاسه وهو يحدثني"
ظلت سيلين تروي بهدوء و دموع تتساقط ببطء من عيونها الحمراء عن أبيها وكيف كانت علاقتها القوية به وعن جمال أمها الفائق و غيرتها المستمرة منها دون سبب واضح والاكثر تغيرها بعد وفاة أبيها وغضبها الدائم عليها. وتكرار محاولاتها للارتباط من اكثر من رجل حتى انتهى المطاف بزواجها من هذا الندل.
ازداد بكائها وهي تحكي لهم
"لم ارتح له منذ البداية. كنت أخاف منه دائما رغم تعامله معي بإنسانية عالية بل وكان يدافع عني أمام أمي ويرغمها على الموافقة لإكمال دراستي و الاشتراك بأنشطة ورحلات الجامعة. ولكنه تغير بعد مرضها بالتهاب شديد و مزمن بالأعصاب حتى أصبحت لا تتحمل الكلام ولا الصوت العالي على أثره كما أصبحت تنام بكثرة بسبب الأدوية. حدث ذلك بعد مرور ثلاث سنوات من زواجها كنت حينها باخر عام دراسي بالجامعة حاولت ان ادبر نفسي باهتمامي بدروسي ونظافة وترتيب المنزل حتى جاءت علي أيام متواصلة دون نوم من أجل رعايتها ودراستي كي احقق حلم ابي الغالي"
رفعت يدها المرتجفة بصعوبة كي تكمل شُرب الماء. وقفت دكتورة سيفدا ونظرت لها قائلة
"يكفي إلى هذا الحد. سنكمل حديثنا بالجلسة المقبلة"
نظر يوسف للدكتورة متسائل بقلق
"هل هي بخير. أعني هل ستكون بخير"
اغمضت الدكتورة عينيها وهي تومأ برأسها لتطمئنه دون كلام.
ثم نظرت لسيلين مرة أخرى قائلة
"يمكنكِ الذهاب للحمام وغسل يدكِ و وجهكِ قبل ذهابكِ. سيحسن هذا منك كثيراً".
وأشارت لها نحو غرفة الحمام التي كانت خارج المكتب على جهة اليسار.
خرجت سيلين من المكتب لتقترب سيفدا من يوسف قائلة
"عليها أن تشعر دائما انها قوية وبخير لا يمكنك التحدث بخوف أمامها. لا تخف عليها سيغلبها النوم بعد قليل بالكاد ستذهب لمنزلها بصعوبة. وايضا سأصف لها مهدئ يساعدها على تخطي خوفها وذعرها ليلاً. فإن تخلصت من خوفها الليلي سيكون من السهل علينا مساعدتها للتخلص من ذعرها بالخارج"
زفر يوسف بغضبه متسائلا
"كيف لأم أن تفعل هذا بأبنتها"
ردت سيفدا بأسف قائلة
"لانك لم ترى ما نراه كل يوم بعيادتنا حتى أنني أرى أنها محظوظة أكثر من غيرها. فمن فعل بها هذا زوج امها وليس اباهز او عمها المسؤول عنها أو أخيها الذي يمثل لها السند والحماية بهذه الحياة. عافانا الله من شر النفوس الدنيئة"
همَ يوسف ليرد باستنكار دون أن يفعل ليلتزم الصمت وهو ينظر نحو عودة سيلين للغرفة مرة اخرى
ابتسمت سيفدا بوجهها البشوش قائلة
"ما شاء الله وكأن القمر اضيئ فجأة"
ليبتسم يوسف هو أيضا محاولا مسايرة الحديث والتخلص من التوتر السائد على المكان
"نعم هي كالقمر يضيء دنيا المحيطين بها"
نظرت سيفدا لوجه يوسف ثم تحركت لتأخذ من اعلى المكتب علبة دواء اعطتها لسيلين وهي تقول
"ستتناولين منها قرص واحد كل يوم قبل النوم بنصف ساعة. لنبدأ هذا من الغد فيكفينا ما تم أخذه اليوم"
اخذت سيلين العلبة ووضعتها بحقيبة يدها تحرك يوسف وهو يشكرالطبيبة على استقبالها وسعة صدرها لهم.
وقبل خروجهم فاجأتهم سيلين بطلبها
"اريد ان اذهب الى اجتماع الجمعية غداً "
نظر يوسف نحوها مصدوماً فآخر شيء كان يتوقعه ان تذهب لهذا الاجتماع.
توقفت سيارة يوسف اسفل بناية سيلين لينظر لها وهو يقول
"هل تستطيعين الصعود بمفردك"
أومأت برأسها مجيبة عليه
"أستطيع بمفردي لا تخف. اشعر بدوار خفيف ولكني استطيع الصعود بمفردي"
تحركت لتنزل من السيارة ليتحدث يوسف بقلق
"هل انتِ متأكدة من ذلك. يعني اما زلتي مصره على صعودك وحدك"
عادت سيلين و استدارت ببطء
"علي أن أواجه نفسي وحدي"
نزلت من السيارة ودخلت بنايتها وصعدت منزلها مغلقة عليها بابها، فتح يوسف هاتفه وبدأ يقود السيارة قائلا
"حمدلله على السلامة تصبحين على خير"
نامت سيلين بعد دخولها منزلها مباشرةحتى انها نامت بملابسها. اعتقدت انها سترتاح قليلا وبعدها تقوم لتبدل ملابسها وتصلي ولكنها لم تشعر بنفسها الا وهي سابحة بنومها عميق.
وصل يوسف منزله بحزن كبير توجه مباشرةً نحو غرفته وهو مختنق مما سمعه وعلمه ورآه من حالات الذعر التي تُصيبها ومناداتها لأبيها.
نادته أنيسة وهي ترحب به لتخبره انها ستحضر مائدة الطعام سريعاً
شكرها واخبرها انه ليس جائع الان فلقد تناول الشطائر بالخارج.
وأكمل صعوده نحو غرفته وهو يفتح هاتفه متصلا بصديقه باريش دون أن تأتيه اي اجابه. بدل ملابسه ليأتيه بعدها اتصال من باريش معتذرا منه لعدم استطاعته الرد حتى أنهى عملا هاماً.
وبحزن اخبره يوسف عن حالة سيلين المزرية دون الدخول بأي تفاصيل خاصة. طالبا منه المساعدة ليقتص لها من هذا المجرم الدنيء قائلا "أفعل أي شيء كي نستطيع معاقبته"
رد باريش عليه "لا يمكننا فعل هذا فنحن بدولة قانون ولا يمكن لأحد حبس أو إدانة شخص اخر دون دليل أو بلاغ من المتضرر"
غضب يوسف مخرج ثقل ما عايشه اليوم عليه
"كيف سنتركه يعيش حياته سعيداً بعدما اظلم حياتها، ماذا ان كان قد أظلم حياة أكثر من فتاة غيرها ماذا إن كان لا زال مستمرا بهذه الدناءة" .....
حزن باريش على الوضع قائلا
"دعنا نفكر بشيء يعطينا الحق بمعاقبته بشكل قانوني. مثلا ندخله بعراك يسجن على اثره ولو لوقت قصير وبعدها نسلط عليه رجال بالحجز يثيروا غضبه حتى يجعلوه يفقد عقله. يبدأ بضربهم وسحقهم وهنا سأتدخل وأزيد من فترة بقائه بالحبس، انتظر ليسقط بيدي كي اظلم عليه لياليه حتى يتمنى الموت ولن يجده"
لم يشفي او يراضي يوسف هذا القدر من العقاب ولكن صمت مستسلماً لما قاله باريش بالوقت الحالي
مرت الليلة بسلام لتمر بعدها الساعات الأولى من الصباح حتى جاء موعد اجتماع الجمعية.
وقف يوسف خارج مقر الجمعية وهو ينظر نحو سيلين راجياً منها أن تتراجع مكرر قوله
"لا زال الوقت مبكرا على هذه الخطوة عليكِ ان تتخلصي من ذعرك اولا ومن بعدها تخوضين هذه التجربة"
نظر حوله بتوتر وقلق ثم عاد ينظر نحوها ليجدها تنظر صوب باب مقر الجمعية وكأنها تنتظر قدوم أحدهم.
تحدث بنبرة قلقة معاتباً على نفسه
"ما كان علي أن أوافقك الرأي ، كيف خدعتيني وجعلتيني اصطحبك الى هنا لا اعرف"
هزت رأسها بقوة رافضة عودتها عن قرارها "كان علي أن أتي لمحاربة ضعفي، أسمع وأرى حالات اكثر مني ظلما لعلِي استطيع اخماد نار قلبي حين يهون علي ما أنا به"
استمع يوسف لها وهو غير مطمئن فرغم أنها تكرر ما قالته الدكتورة سيفدا الا انه لا زال قلق حيال اللحظة التي ستنفجر منهارة بين هذا الحشد الكبير، استسلم امام اصرارها على خوضها للتجربة مشترطا عليها أن تخرج فور شعورها بأي ضغط او سوء كي لا يفضح أمرها أمام موظفي الشركة وباقي المشاركين بالاجتماع
وافقت على شرطه و وعدته بفعل ما يقوله وبدأوا بالتحرك كي يدخلوا مقر الجمعية، وقفت جانبا تنظر نحو الحضور الكبير واسع المستوى.
سقطت عيون اورهان على سيلين لتتسع فجأة من صدمة رؤيتها بالمقر، لم يستطع اكمال حديثه مع الرجال استأذن منهم وذهب إليها مسرعاً معتقدا أن تكون قد أتت بدعوة من قبل يوسف لمرافقته دون علم منها باختصاص الجمعية وما ينتظرها بالاجتماع.
تقدم نحوهم متسائل بنبرة قوية
"ماذا تفعلين هنا؟"
استغربا من ردة فعله الواضحة وسؤاله دون مقدمات، تحدثت سيلين بردها الصادم له
قائلة
"اتسمح لي انا ايضا اريد مساندة ودعم من هم بأمس الحاجة إلينا جميعا"
ارتبك اورهان مما سمعه منها وأصبح لا يستطيع التحدث معها بوضوح ولا منعها من الحضور لذلك اضطر أن يصمت بقلق وخوف
جاءت فتاة تستأذن اورهان أن يتحرك معها كي يجلس بأول صف بجانب مؤسسي الجمعية والقائمين عليها لبدأ الاجتماع.
نظر لسيلين نظرة مليئة بالخوف والقلق والحنان كادت ان تضعف أمامها، تحرك مع الفتاة بحالته المختلطة هذه.
اختار يوسف أن يجلس بآخر صف قرب مخرج الجمعية احتساباً لأي طارئ كان ينتظره.
من الغريب تغيب غمزه وعدم ظهورها حتى الآن رغم حماسها الزائد للاجتماع.
وقفت مديرة الجمعية أيلول هانم خلف طاولة مزودة بميكروفونات لتكبير الصوت و بدأت حديثها بالترحيب بالسادة الحضور وشكر كل من ساهم في دعم الجمعية ماديا أو معنوياً…
"جميعنا يعلم اهمية هذه الاجتماعات التي تدعم وتتصدى بقوة لهذه الظاهرة البشعة التي ضربت مجتمعاتنا بقوة. تجمعنا هنا على قلب رجل واحد لنصيح بكل ما أوتينا من قوة 'لا للتحرش لا للتطفل لا لدناءة الأخلاق لا للوحوش المستذئبة'، لم تعد عقولنا ولا قلوبنا تحمل ما يصيب ضحايا *الت..حرش* *الج..نسي* من صعوبة في تجاوز أثر *الاع.تداء* *النف.سي* *والج.سدي*"
تنهدت أيلول هانم لتكمل بضيق
"تزداد صعوبة و وطأة الأثر النفسي على الضحايا عندما لم يجدوا دعماً كافياً للتغلب على ما حدث معه. ولهذا أتينا واجتمعنا كي ندعمهم و نقوي منهم وايضا لطرح مشاكلهم كي تكون عبرة وحذر لغيرهم من الفتيات ومساعدتهم لأجل العلاج والتخلص من هذا العبء الثقيل"
راقب يوسف حالة سيلين بحذر ودون ان يشعرها بذلك واضعا نفسه على أهبة الاستعداد لأي طارئ يصدر منها.
ليس يوسف فقط من كان يترقب ويعد نفسه لأي طارئ فكانت اعين اورهان تدور لتبحث عنها بهدوء بين الحاضرين حوله دون ان يراها بعد أن اختار يوسف مخبأ جيدا باخر القاعة بجانب عمود حجري عريض يحجز رؤيتهم من قبل الجميع.
اكملت مديرة الجمعية حديثها قائلة
"إلى جانب الكفاح اليومي للبقاء آمنين وبصحة جيدة. يضطر الناجون من الانتهاك *الج*نسي* مواجهة الحياة وأثقالها و مع الاسف العقول المريضة التي تنظر لهم على انهم ناقصين وليس من حقهم اكمال حياتهم كباقي البشر. فمن الممكن طبعا أن يكون أحد هؤلاء الضحايا من اقربائك او اصدقائك. حينها يجب عليك ان تدعمه وتقويه وتقف بجانبه لتخطي هذه المرحلة بأمان وهذا هو الهدف الرئيسي لجمعيتنا بل اجتماعاتنا التي تقام بشكل مستمر ومنتظم كي نصل لهدفنا وغايتنا وهي 'حياة بدون *انت*هاك* *ج*نسي* ،حياة بدون *وحوش* *بشرية* *دنيئة*"
صمتت ايلول هانم لتأخذ نفس طويل مكملة بعده
"لقد قطعنا طريق طويل لأجل الوصول لهدفنا وسنستمر حتى آخر نفس لنا. فلن ولن ولن نترك هؤلاء الوحوش لتشاركنا حياتنا".
علت اصوات تصفيق الحضور وخاصة سيلين التي أدمعت عينيها وهي تصفق دعما لما يقال.
انحنى يوسف قليلا نحوها وهو يقول
"يكفي بهذا القدر. لتكن تجربة صغيرة هذه المرة ونكمل بالاجتماعات القادمة. اعدكِ أننا سننضم إليهم مرة اخرى"
لم تستجب له واستمرت بالاجتماع تستمع لحديث المديرة التي لا زالت تتحدث..
"اليوم يا سادة سيكون اجتماعنا مختلف عن كل ما سبقوه حين نأتي بشخص قوي نجح بمقاومة الاعتداء وانتصر على نفسه ليقف امامنا ويقص تجربته المؤلمة وكيف صابر وحارب حتى تعالج وتخلص منها.
وباجتماعات اخرى نقدم هذه الحالات دون الافصاح عن اسمائهم او شخصهم وهذا يحدث بشكل اكبر فلا يملك الجميع هذه القوة لمجابهة مجتمع كامل نشأ وكبر على نبذ هذه الظاهرة البشعة. أما اليوم ستكون بطلتنا حاضرة بروحها غائبة بجسدها بعد ان غادرت عالمنا لتنتقل لعالم آخر لا يظلم به أحدا"
اتسعت اعين سيلين وهي تستمع لتلك الكلمات كما تفاجأ يوسف هو ايضا لقول أيلول هانم…..
"فهي الآن بجنة الخلد يجزيها ربها ثواب ما تحملت وصبرت. لن اطيل عليكم كثيراً
المجني عليها *ن. م* تم الاعتداء عليها من قبل من يفترض ان يكون سندها وصدر دفاعها الأول فهو و مع الاسف أخجل وانا مضطرة على تعريفه بهذا اللقب السامي "والدها" لأنه لا يستحق هذا اللقب، ليس هذا وحسب بل ومن المؤسف والمفجع والمحزن اكثر ان تكون الام هي الشاهدة الوحيدة على هذا الجرم. نعم اعلم ما يدور بعقلكم وأراه امامي باعينكم فقد فعلت مثلكم حين علمت ان هذه الدنيئة هي من كانت تجبر ابنتها على القيام بما لا تستطيع القيام هي به مع زوجها، بحجة ان لا يذهب ويتزوج من غيرها ومع قسوة القصة و قسوة ودناءة فاعليها وخاصة ان كانوا اقرب الناس لك بهذه الحياة، تم إجبار هذه الطفلة الشابة كي تشارك اباها فراشه ليس لمرة او اثنين او ثلاثة. و حقيقة ارتفاع بطن الفتاة وتأكد الأم من حمل ابنتها باحشائها اطفال لا نعرف مسماهم هل هما اخواتها ام ابناءها هو القسم الأصعب والابشع بالقصة"
بدأ جسدها يرتعش ضمت نفسها بديها محاولة تحمل هول القصة. وبخوف تحرك يوسف على مقعده مقتربا قليلا منها ليحثها بصوت ضعيف أن يخرجا بسرعة.
مازال حديث المديرة قائم وهي تأخذ نفساً طويلاً لتكمل قائلة
"ولكن الحقيقة أن الابشع والاصعب لم يأتي بعد، فلقد استفحش الظلم مداه واستوحش على قلب تلك الفتاة حين اتفقا والديها على اجراء عملية الاجهاض لابنتهم بأنفسهم في المنزل".
علت الأصوات المستنكرة لهذا العمل لترد عليهم أيلول هانم قائلة
"نعم، نعم يا سادة لا تذعروا فهذا ما حدث عندما كبرت بطنها وأصبحت عار وخزي عليهم. كانت نهايتها على يد ابيها السفاح الذي اعتقد أن مواقع النت والفيديوهات ستفيده بإجراء هذه العملية، اعد لها العدة دون ان يتوقع انتهاء حياتها في الدقائق الأولى من فقدهم السيطرة على النزف القوي، لن ادخل بتفاصيل القاء القبض عليهم والتحفظ على أدوات الجريمة واعترافهم بفعلتهم الشنعاء،ولكني أتساءل كم شخص لا زال يتعذب مثلها. كم شخص ينتظر منا انقاذه، كم شخص تحول ليله إلى عذاب و نار، بسبب من كنا ننتظر منهم حمايتنا. ننصدم حين نجد انفسنا نريد حمايتهم من أقرب الناس اليهم ودرعهم المتين اختنقت سيلين و زادت دموعها مما دفع يوسف للوقوف سريعا مشيرا لها نحو باب الخروج، ولكنها لم تستمع له ظلت شاردة بحديث المديرة و هي تبكي واضعة يدها على فمها. اقترب بحذر وخوف منحنيا عليها بهدوء وقلق "لقد وعدتني. لا يمكننا البقاء أكثر من ذلك"
فزعت من قربه حتى انه لم يكمل اخر كلماته، أخذت نفس طويلاً و اخرجته و هي مغمضة الأعين كما أوصتها الطبيبة بتكرارها عند شعورها بالذعر. تحركت لتخرج من المقر وهي تكرر عملية الشهيق والزفير بهدوء هاربة تشعر بثقل يزداد داخل صدرها لا تستطيع التنفس بسببه. ركضت فور خروجها لتعبر الطريق بدون ان تنتبه الى السيارات المسرعة لم تتوقف سيلين حتى وصلت إلى حديقة مجاورة لتقف هناك و تطوي جسدها واضعة يديها على ركبتيها و هي تتنفس بصعوبة بالغة حين كانت انفاسها كالنار تخرج ممتزجة بألم كبير.
ركض يوسف خلفها وهو يعتذر للسيارات على عبورها السريع الخطر دون انتباه واقترب منها ليقف امامها وهو ينظر بحزن على حالتها.
بدأت تتحدث له
"كيف لأب ان يفعل هذا بابنته. كيف لأب وأم أن يكونوا شهود على هذه الدناءة. كيف أجبروها بدون رحمة كيف"
تحركت سيلين لأقرب مقعد كي تجلس بعد أن عجزت عن الوقوف اكثر من ذلك.
تحرك يوسف وجلس بجانبها وهو ينظر للأمام بصمت متأثر بعمق ما سمعه بالداخل.
بدأ حديثه بهدوئه المعهود لها قائلا
"هل رايتي أنكِ لستِ الوحيدة التي تعرضت لمثل هذه الظروف، حتى انكِ لم تتعرضي لنصف ما تعرضت له تلك الفتاة"
صمت لوهلة مكملا بعدها
"رغم صعوبة ما حدث معكن وما نسمع به كل يوم الا أنني أرى بك قوة الإرادة بالنجاة وتخطي الأزمة. رغبتكم بالاستمرار بالحياة و مواجهة ما حدث لكم بكل شموخ طالبين العون و المساعدة من المختصين يعطيني دائم أملًا جديدا"
نظر لها مكمل حديثه قائلاً
"صدقيني سيأتي اليوم الذي ستتحرري به من كل هذه الأشباح التي تطاردك. وسيأتي اليوم الذي يتوقف الخوف فيه عن تملكك"
نظرت سيلين له بعيون دامعة
"متى سيأتي هذا اليوم"
وصمتت وهي تعتدل بجلستها وضعت يدها على صدرها وهي تنظر الى الافق بعيون دامعة "يأتي كل ليلة ليتسلل الى صدري ورقبتي يمتلكني حتى اختنق. يلاحقني بأحلامي ليحولها الى كوابيس . اشعر بعدها انني شارفت على الموت حتى في كوابيسي اعجز عن مقاومته و استسلم له هل تفهمني؟"
التفتت لتنظر بعيون حمراء ضعيفة دامعة منكسرة مكررة سؤالها
"هل تفهمني؟ اعيش تلك الليالي كل ليلة. كل ليلة احترق وأموت وأحيا من جديد. كل ليلة ينتصر علي ليبعثرني ويقضي علي"
ضم يوسف قبضة يده مشددا عليها وهو يضغط أسنانه على بعضها بشدة عاجز عن الرد على ما قالته تاهت الكلمات من قاموسه اللغوي فأصبح ينظر لها وهو لا يعرف بماذا يجيبها.
حرك رأسه لينظر حوله ليجد ان الحديقة خالية تماما من الناس والمارة مطمئن ان المكان مناسب لما فكر فيه ليقول لها
"تعالي معي"
وتحرك متقدما الى الامام، ظلت ثابتة بمكانها ولم تتحرك نظر لوجهها وعيونها الحمراء قائلا " ثقي بي"
تحركت خلفه على وجل و توتر وارهاق نفسي كبير، وجدته يقف بطرف الحديقة البعيد عن الشارع مختبئا بين الأشجار ليقول لها "نعم هنا جيد لما سنفعله والان اريد منكِ ان تفكري بأسوء لحظات مررتِ بها. اريد منكِ ان تغمضي عينك و انتِ تشعرين بانه سيتمكن منكِ الان. وبهذه اللحظة عليكِ ان تصرخي بأعلى صوت. اريد الاشجار جميعها ان تسمعك وانتِ تقولين له 'لن اسمح لك بأن تحطم حياتي. لن اسمح لك بكسري. اصرخي وقولي له انا حرة. انا قوية، انا لا اخاف منك"
نظرت له سيلين بخوف هزت راسها به رافضة فعل ما يريده منها، عاد ليحدثها "ثقي بي هذه الجلسات مفيدة جدا للتحسن لقد قرأت عنها وسمعتها بأكثر من ندوة لأكبر أخصائي في الطب النفسي. عليكِ ان تصرخي أمام نفسكِ بصوت عالي. عليكِ ان تخرجي هذا الالم من داخلكِ بمكان واسع. عليكِ ان تتحدي نفسكِ أمام نفسكِ"
علم يوسف من ملامح وجهها انها غير مستعدة ورافضة لهذا، فكر قليلا ليفاجئها بقول "أتعلمين أنني تأخرت بفعل هذا"
نظرت له وهي لا تفهم قصده بأنه تأخر، لتأتيها اجابتها سريعاً حين وجدته يغمض عينيه و هو صامت ساكن دون حركة لدقائق رافعا رأسه لأعلى ناظراً للسماء و ذراعيه ترتفع بهدوء لتصبح بامتداد اكتافه. تغيرت بها ملامح وجهها و هو يصرخ قائلا
"ستعود الي. ستعود الي" ارتفع صوته اعلى ليقول "سأجعلك تندمين. سأنتقم منكِ. سأنتقم سأنتقم هل تسمعين سأنتقم منكم سآخذ ابنتي"
قالها بصوت عال زافرا بكل ما في صدره ليصمت بعدها فاتح اجفانه لينظر لها ليجدها تنظر له كمجنون ابتسم و بصوت عالي قال
"هوووف ارتحت كثيراً. جربي انتِ ايضا لن تندمي صدقيني ستحسين براحة بعدها"
اغمضت سيلين عينيها بشدة لتستحضر اسوء لحظات عجزها ولكنها شعرت بالخوف فتحت اعينها بسرعة وهي مختنقة بخوفها.
سمعت يوسف وهو يشجعها على المحاولة مرة اخرى "في اللحظة التي تشعرين ان العجز قد تسلل لكِ استجمعي قوتكِ و تذكري انكِ لستِ وحيدة الان فهناك اورهان بيه و سيفدا هانم و انا بجانبك اصرخي بوجهه اريه قوتك"
اغلقت اعينها مرة اخرى بجسد بدأ يرتعش من خوفه ، شعر يوسف بسوء حالتها وخوفها فبدأ يضحك كي يخرجها من حالتها قائلا
"ولكني علمت سبب عدم قدرتكِ على فعل هذا"
فتحت عينيها وهي تنظر لضحكته قائلة
"وما السبب من وجهة نظرك. هل لأنني ضعيفة. أم لأنني... "
قاطعها متحدثًا بضحك
" الضعف والقوة لا يقاسان بهذا الشكل. ولكن الأمر مختلف عنهما فقد تبين لنا كم انتِ جائعة يظهر هذا من صوتك الضعيف الذي لا يخرج وأيضا حفظنا درسنا مسبقًا ألم تتذكري.. "
ابتسمت سيلين أخيراً حين تذكرت حالتهم بمنزل أمينة، ليضحك يوسف اكثر وهو يرغب بتهوين حزنها وخوفها قائلا لها بمزاح
"نعم جائعة ليس لهذا تفسير آخر لقد اخبرني قلبكِ بهذا"
( ياللهوي🙈 قلب مين حرام عليك البنت هتغرق اكثر ما هي غرقانه🙈 مش وقت غباوة الله يسترك)
خجلت سيلين واخفضت عينيها ليبدأ يوسف بالتحرك وهو يقول لها
"هيا بنا لنتناول سويًا سمكًا مميزًا فلا يوجد سمك افضل مما تحضره السيدة أنيسة انا لم اذق سمكا اطيب منه حتى الان. طبعا هذا لأننا لم نجرب تناول السمك من يدك"
( اقول ايه ابن أمينة لا فاهم ولا حافظ بيخبط في الحلل وبس🤦♀️البت غرقت ولا حد سمى عليها🤣)
خجلت اكثر من كلامه الذي كان يتسلل لداخلها يدغدغ قلبها رغم ما هي به.
استغربت مما قاله متسائلة
"هل سنذهب لمنزلك؟ "
استدار يوسف للخلف قليلا كي ينظر لها وهو يقول "لا بل سيأتي هو إلينا"
وضحك مكملا
"لديها خبر بقدومنا حتى انها أتت بابناء ابنتها كي يشاركونا طعامنا وبالطبع ستأتي امهم معهم، لا مهرب لكِ لقد فعلت كل شيء حتى لا ترفضي المجيء ولكن علينا ان نسرع قبل أن يطبق علينا عقابها".
تحرك ليكمل سيره تعرقلت احدى ارجله بحجر صغير اسفل تربة لينة مملوءة بماء السقاية. مال للأمام قليلا وهو يحاول تفادي الحجر وتعثره ليتفاجأ بسيلين تمسكه بقوة من ذراعه كي لا يسقط. فرح لجرأتها وهو ينظر لقربها ويديها التي على ذراعه قائلا
"هل خفتي علي"
ثبتت العيون قليلا لتنظر لبعضها البعض دون ان يطول الامر كثيراً حين خجلت سيلين من عيونه الباسمة وابتعدت عنه وهي تحمر من خجلها.
ضحك يوسف قائلا بثقة كبيرة
"لا تخافي انا لا اسقط بسهولة" وتحرك متباهيا ناظراً للأعلى، من حظه السيئ انه يسير جهة تربة طينية لزجة مبللة سحبت رجله واسقطته فجأة بلحظة تباهي منه.
(مايقع إلا الشاطر يا باشا🤣)
تفاجأت سيلين بسقوطه فهي لم تتوقع بل وشعرت للحظة انه كان يمثل سقوطه الأول عليها، غضب يوسف من حالته و بتلقائية مد يده نحوها كي تساعده بالنهوض، نظرت سيلين ليده الممدودة نحوها مطولا دون أي ردة فعل او حركة
ليقف وحده وهو يقول
"لقد وصلنا الرد سنعتمد على أنفسنا"
نظر لملابسه وهو غاضب على ما حدث.
لتظهر ابتسامة خفيفة على وجه سيلين جعلته يقول لها
"لا يمكنك فعل هذا. عيب لا يليق بكِ. يعني وقفت لساعات كي اضحككِ ولم انجح. والان انظري لحالتي وانتِ تضحكين"
لم تستطع سيلين اخفاء ضحكتها اكثر لتزيد منها وهي تقول
"ولكنك استحققت هذا. فلا يمكنك السير بهذه الاماكن كما فعلت رأسك مرفوعة بثقة عالية و.و.. "
واكملت ضحكها
مر الوقت بشكل جميل عكس ما كان متوقع لها، انضمت سيلين لمائدة العشاء في منزل يوسف وهي فرحة باهتمام وحنان السيدة أنيسة عليها وإصرارها على تناول اكثر واكثر من السمك قائلة
"اصبح وجهكِ اصفر بسبب اهمالكِ بطعامكِ"
نفت سيلين هذا الأمر وهي تقول لها
"لا بالعكس انا اهتم كثيرا بتناول طعامي. ولكن اعتقد انه من إرهاق العمل فقط"
تدخل يوسف وهو يرد عليها
"اي ارهاق بهذا السن عليكِ ان تعملي اكثر واكثر حتى انني ارى تقصيرا بعملك في الآونة الأخيرة".
نطرت أنيسة ليوسف باستغراب وهو يتحدث بشكل جاد ، جاءت لتحذره بعينيها لتجد سيلين ترد بخجل
"حسنا يوسف بيه سنأخذ ملاحظاتك بعين الاعتبار، سنزيد من طلبيات ورق العنب والفطائر"
ضحك الاثنان وسط صدمة أنيسة التي ظلت تراقب حديثهما ونظراتهما تجاه بعض وهما يتناولون الطعام.
أكمل يوسف حديثه ليسجل هدفا قويا بمرمى سيلين ألجم فمها به من ثقل كلماته حينما قال لأنيسة
"ولكنكِ تبالغين. أين هذا الوجه الأصفر الشاحب. انا لا يظهر أمامي سوى وجه احمر كالورد بموسم الربيع".
(لا إله إلا الله🙈 ما بلاش الكلام ده هتوقع البنت فوق ما هي واقعة🤣 وبعدها ترجع توجع راسنا وقلوبنا باختى)
ظلت انيسة تنظر ليوسف بصمت حتى ركلت ابنتها قدمها من اسفل الطاولة كي تغير تعابير المفاجئة التي ملأت وجهها.
خجلت سيلين كثيرا حتى اصبح وجهها بالفعل احمر كجمرة نار ملتهبة من خجلها.
انتهى العشاء الجميل حتى انتهت معه السهرة الجميلة وجاء موعد الرحيل. تفاجأت سيلين وانيسه بتذمر يوسف وعدم رغبته بالخروج من منزله مرة اخرى وهو يشير للأعلى
"ابقي الليلة بغرفة لي لي واعدك أنني سأجهز لكِ الغرفة المجاوره لنا لتبقي بها فلا داعي لذهابك وخاصة بهذه الساعة"
(ده بيستهبل يا نينه🤣🤣)
وبعيونها المتسعة نظرت انيسه للأعلى ثم نظرت ليوسف قائلة
"هل ستنام لدينا"
(هههههه هو انتي لسه شوفتي حاجة🤣)
امسكت نورسين بذراع أمها قائلة
"يا لجمال لذلك"
تحركت سيلين بخجل نحو باب المنزل ليتحرك يوسف خلفها بضحك وفرحة جعلت نورسين تقول لامها
"نعم عليكِ ان تحضري غرفة العروس لاستقبالها قريبا"
بالمزرعة كان الامر مختلفاً فهناك قلب حزين متأثر مكلوم نام على أريكته امام التلفاز وهو يشاهد فيديوهات ابنته ممسكا بصورها وضع احدهم على قلبه والباقية متناثرة على صدره.
مرت عدة ليالي ارتاحت كثيرا بعد انتظامها بتناول الدواء المهدئ ليلا لتنام بعده بعمق أكثر لا اقول انها تخلصت من خوفها الليلي ولكن اصبح الوضع اهدئ إلى حد كبير.
عكس يوسف الذي كان كل يوم يمر عليه بدون ابنته يزيد من عذابه عذاب. فاستمرار رؤيته لها على مواقع التواصل ينهكه داخليا.
شغل نفسه باهتمامه بالعمل في الشركة لينسى همه وايضا ليثبت نفسه بموقعه الجديد
ومع مرور الايام ايضا اصبحت غمزه تتقرب منه اكثر واكثر وتعدت مرحلة اعجابها به فكان كلامه الجميل وضحكه وذوقه العالي يعلق ويجذب من حوله له.
أصبحت تغتنم الفرص كي تجلس وتخرج معه لتناول الطعام، بخلاف القبلات الخفيفة على الخد مع حضن للترحيب به صباحاً وتوديعه بآخر اليوم، وبرغم أن يوسف لا يبادلها نفس الإعجاب والاحساس إلا أنه كان يستغل الامر كي يؤثر على هوليا التي ظهرت غيرتها من على بعد.
فكانت تصدر ردة فعل سريعا بعد نزول صورهم على حسابات غمزه الخاصة.
حتى آخر أيام كان يوسف قد اعجبه الامر فاصبح هو ايضا يهتم بتنزيل صورهم على صفحته الشخصية ليزداد الأمر توتراً لدى هوليا التي برغم انها حصلت على كل شيء إلا أنها كانت تتابع صفحاتهم بغيظ شديد.
ليس هوليا فقط من كانت يأكلها الغيظ من تقربهم فمع مرور الايام كانت سيلين هي أيضا لا تتحمل تقربهم وضحكهم وصورهم التي مُلئت بها صفحات يوسف الخاصة بجانب تجولهم الذي أصبح زائد بآخر فترة.
احترق قلبها كلما رأتهما بجانب بعضهما يتحدثان ويضحكان، حتى أنها علمت بمرافقته لغمزه بحفلات عيد ميلاد صديقتها و حفل خطوبة أحد أقاربها، بجانب ذهابه لتناول غداء عائلي مع اهلها.
قررت سيلين الابتعاد عنهم و والاهتمام بعملها فقط دون ان تستطيع فهو لا يقصر بذهابه اليومي لمكتبها وطلبه قهوته الخاصة منها، كان يزيد من حيرتها وهي تراه يحكي لها تجوله مع غمزه دون أي تحفظ
عاش يوسف هذه الفترة كمن يعيش حياتين منفصلتين تماما عن بعضهما في العمل هو رجل الأعمال الجاد المجتهد الذي يقضي أوقاته بإدارة المشاريع و الاتصالات و الاجتماعات المهمة.
وخارج العمل الشاب الأعزب المستمتع بوقته مع الأصدقاء ارضاءًا لفضيلة هانم التي شجعته كثيرا على علاقته بغمزة لإثارة غضب هوليا التي كسرت ثلاث هواتف إلى الآن بسبب صورهم.
ورغم ذلك كان يوسف متحفظ رافض أي تقرب زائد من قبل غمزه وخاصة بالشركة مؤكد عليها بكل مرة عدم الخلط بين العمل والحياة الشخصية.
وبيوم تجرأت غمزة تقربت منه لتدخل بحضنه أثناء حديثه مع احد الاصدقاء، تراجع للوراء رافضا ما فعلته لتحزن منه وتقول
"ولكننا خارج العمل الان"
اجابها بضيق صدره الذي شعر به في ذلك الوقت "دعينا نتعرف على بعض اكثر حتى لا يحزن أحدنا بنهاية الأمر"
و شرح لها أنه غير مستعد لبداية علاقة جديدة بعد تجربة زواجه وما حدث بها. كما أكد لها احتياجه الكبير للوقت حتى يستعيد ابنته و ينسى ما حدث بهذه التجربة الفاشلة.
توقع يوسف تفهمها لحديثه الذي كان يخرج من قلبه ولكنها كمن لا يسمع او يفهم ظلت تضغط عليه وتحاول التقرب منه في العمل وخصوصا امام سيلين حين لاحظت تغير ملامحها وغيرتها منهم. وايضا لرؤيتها وجه يوسف وفرحه عيونه وضحكه وهو يتحدث مع سيلين وهذا ما يزيد اشتعالها وغيرتها من منها بأغلب الاوقات. لذا فهي لا تضيع أي فرصة لإبعاد سيلين عنه سواء بتكرار زياراتها لمكتبه أو التحدث أمامها عن تجولهم واستمتاعهم.
بإحدى الايام قررت سيلين اعداد ملفوف ورق العنب ليوسف واورهان بعدما طلبوه منها أكثر من مرة، أعدته وذهبت باليوم التالي لشركة وهي فرحة وضعت نصيب اورهان وقدمته له بحب وفرح بإعجابه به.
تحركت لتاخذ نصيب يوسف من مكتبها متوجهة إليه وهي بقمة فرحها فهي تعلم جيدا كم هو يحب طعامها وخاصة ملفوف ورق العنب. من حماسها لم تطرق الباب دخلت فجأة بوجه مبتهج منصدمة بغمزه وهي خلف مقعد يوسف تحتضنه من الخلف ومع أن ظهر المقعد المرتفع كان فاصل بين غمزة ويوسف الا ان تقاربهم اغضبها، تغيرت ملامح وجهها و لم تستطع السيطرة على ردة فعلها.
تحرك يوسف ليقف مبتعدا عن يد غمزه قائلا لسيلين " تفضلي لما تقفين مكانك"
اقتربت دون النظر لأي منهما ووضعت الطبق على المكتب و هي تقول "عافية لكم لقد طلبه مني أورهان بيه واردت ان اضع لكم ايضا"
جاء يوسف ليتحدث ليشكرها وهو فرح بطعامها ولكنه لم يستطع بسبب خروجها السريع وإغلاق الباب خلفها بقوة لا ارادية.
استغرب من حالتها امسك الطبق ورفع ما عليه ليفرح بشدة. قرب الطبق لأنفه كي يشتم رائحته وبدأ يأكل منه على الفور حتى أنه نسي أمر غمزه التي لم تصدق حالته
قائلة داخلها
"هل هو عاشق وولهان لهذه الدرجة"
استمتع بطعمها منتبه على نظرات غمزه ليضحك معتذرا منها
"لم استطع مقاومته ولكن عليكِ الاسراع بتذوقه قبل ان اقضي عليه و انهيه بمفردي"
لم ترد عليه ظلت تراقب وجهه السعيد وطريقة تذوقه الطعام بمتعة عالية وحتى كلامه بالمدح عن طعامها بصمت كبير.
حزنت سيلين دون ان تعلم او ترى فرحته وإطراءه الجميل على طعامها. و تجاهله لغمزه فقط شاهدت تقاربهم وانسجامهم
كانت تهدئ من نفسها وهي تقول
"لماذا تحزنين عليه؟ ما هذه الحالة التي انتِ عليها؟ هو ليس بحسن هو ليس حسن"
اخرجت سيلين دفترها الخاص من حقيبتها وبدأت تكتب به عكس ما قالته…
"كيف تجرأت على وضع يدها على كتفه و الاقتراب منه هكذا. كيف يسمح لها ان تتقرب منه لهذا الحد"
وصل يوسف لمكتبها طرق الباب وهم ليدخل لولا صوت أورهان الذي كان يناديها.
تحرك نحوه مندمجا معه بالعمل، تعمد يوسف إيصال سيلين بهذا اليوم كي يتحدث معها بعد أن شعر بتغيرها وضيقها حاول ان يفهم ما بها ولكنها لم تجيبه ظلت صامتة لا تستطيع السيطرة على حزنها مما رأته من تقارب فمع انها ليست المرة الأولى ولكنها كانت القاضية.
توقف يوسف بسيارته امام الساحل استغربت سيلين ونظرت نحوه متسائلة "لماذا توقفنا هنا"
ليجيبها يوسف
"لن اترككِ حتى اعلم السبب وراء حزنك وغضبك لهذا الحد"
لا زالت تنكر انها غاضبة مؤكدة له انها مرهقة ومتعبة فقط
رد يوسف
"سأترككِ على راحتكِ ولن اضغط عليكِ اكثر. ولكن اعلمي انكِ ذات قيمة كبيرة لدي لا اعرف كيف اوصل هذا لكِ ولكن حقا دون مراوغة عندما اتذكر امي وابنتي تأتي انتِ معهم بنفس المرتبة. لهذا اقول لكِ انتِ ذات قيمة كبيرة لدي. فانا لا استطيع رؤية هذا الوجه حزين مثلما لا استطيع سماع أي خبر سيء عن امي او لي لي"
صمت يوسف وشرد قليلا عندما تذكر ابنته ناظرا للساحل من خلال زجاج السيارة الأمامي قائلا بحزن
"اشتقت لها كثيرا، ينغزني قلبي ويؤلمني كلما تذكرتها، أصبحت اتقرب ممن لا اريد التقرب منهم لأجلها"
ثم نظر لسيلين مكملا
"انتِ تعرفين كما قلت لكِ بالسابق غمزة الوحيدة التي تستطيع التأثير على هوليا و اغضابها بتقاربنا. فعلى الأقل استمتع بهذا الغضب إلى أن يأتي الوقت الذي أخذ فيه ابنتي لحضني"
شرح لها وضعه مع غمزه وعدم تحمله الوسط الذي ينضم إليه معها به لتذكره بماضي هوليا فهم يشبهون بعضهم باهتمامهم بالمظاهر و التباهي.
ابتسم بحزن واخذ نفسا طويلا ليصمت قليلا
ثم قال
"ولكنكِ مختلفة حقا انكِ تختلفين عنهم. لهذا سأسعى دوما للحفاظ عليكِ كي لا تصبحي مثلهم. سأكون بجانبكِ حتى تجدي من يستحقكِ ويقدركِ. لن أترككِ حتى اراكِ بفستانكِ الابيض كالملائكة. وبهذه اللحظة سأسلمكِ بيدي لمن يستحقك واوصيه عليكِ وانا أحذره بانه سيجدني امامه ان احزن هذه العيون الجميلة والوجه الطفولي. هذا وعدي لكِ اقسم انني لن اسمح لاحد ان يحزنك ابداً تذكري هذا دائماً"
وقعت كلماته على قلبها الصغير كالصاعقة فهو بتصرفاته وطريقة تعامله معها واهتمامه بها جعلها تتعلق وترتبط به أكثر ، ليأتي اليوم ليسقطها بهذه الكلمات لسابع ارض.
لم يكتفي يوسف بما قاله بل استمر بالحديث دون الانتباه الى وقع كلماته على سيلين قائلا
"امنيتي ان تحققي كل احلامك. عليكِ أن تصبحي قوية صامدة بهذه الحياة، عليكِ ان تواجهي اشباح الماضي والذكريات الأليمة وتتصدي لها بل تنتصري عليها. حينها ستستطيعين أن تقفي على أرجلك بقوة دون اهتزاز. حينها فقط تسطيعي ان تلتقي بشريك حياتك وتحبيه ويحبكِ. حينها ستنجبين أبناء أقوياء مثلك انتِ تستحقين هذا. حقاً بل تستحقين اكثر من هذا حتى اقول لكِ سيكون سعيد الحظ من يفوز بقلب ابيض جميل مثل قلبكِ. وايضا سيكون سعيد اكثر إن أتوا ابناءه بجمال امهم"
أوشكت على البكاء امامه دون ان يلاحظ هو ذلك تحمس باحلامه مكررا تسليمها لمن يستحقها ولمن يحبها وسيتزوجها بيده.
زادت رغبة سيلين بالبكاء عندما سمعت كلماته الاخيرة حين ضحك و نظر لها بعيون لامعة قائلا
"لن تنسيني حينها أليس كذلك. انظري لنتفق على شيء دعينا لا نفترق عن بعض مهما حدث. دعينا نُكبر أبنائنا بجانب بعضنا البعض حتى اقول لكِ سأتحمل طبع زوجكِ أيا كان وأنتِ ستتحملين زيف وغرور زوجتي المستقبلية. المهم ان لا نفترق ونبقى كعائلة جميلة متحابة"
لم تشعر سيلين بنفسها إلا وهي تبكي.
مسحت دموعها واستجمعت نفسها بسرعة أمامه، ليتحدث يوسف مرة أخرى بعيون دامعة بعد تأثره بحديثه قائلا
"أعتذر إن أثقلت عليكِ دون ان اشعر. ولكنِ اشعر بالراحة عندما اتحدث معكِ واخرج ما بقلبي. حقاً انتِ لكِ قدر كبير لدي. اعلم انكِ تملكين مشاعر رقيقة وإنني أُحملك هموما فوق همومك فلديكِ ما يكفيكِ ولكنِ حقاً ليس لدي سواكِ اتحدث معه بدون خجل او نقص"
(نكد ابن امينة نكد اتفضل يا باشا قول كل الي في نفسك 😭😭، والله أنا بقيت زي سيلين مش عارفة افرح ولا ابكي😭 ،افرح عشان هي بهذا القدر بقلبك أم احزن على هذا القلب الذي رأى بالحياة ما يكفيه ليعيش العمر كله بألم😭)
ظلت دموعها تتساقط منها لا تستطيع ايقافها، فكلما تحدث زاد من بكائها فياليته لم يشرح لها قدرها لديه
………
هل سيكون يوسف درع حماية دائم لسيلين؟
هل سيفي بقسمه لها ويسلمها لمن يستحق بيده كما وعدها؟
ام سيكون سبب في…..
يتبع ..
إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا.