recent
جديدنا

الليالي المظلمة الفصل الخامس والعشرين

Wisso

 

       رواية الليالي المظلمة  

                             بقلم أمل محمد الكاشف



حاول يوسف أن يهدئ من هستيرية بكاء ام هوليا الذي حجب صوتها ليصبح غير مفهوم. 

سألها عن وضع هوليا الحالي، لتبلغه انها بحالة مستقرة الآن و لكنها لا تدري إذا ما كان وضعها سيتحسن ام سيسوء أكثر.

ابلغها يوسف بحزنه الكبير عليهم، فاجأته وهي تطلب منه أن يأتي بالصغيرة لأمها

 "تريد رؤية ابنتها لم تكف عن طلبها منذ عودتها لوعيها. أبلغنا الطبيب بأن الضغط النفسي يزيد من تدهور حالتها لهذا اتصلت بك كي تحضرها لها بأسرع وقت "  


رد يوسف بصوته الحزين

"سأرى ما استطيع فعله وسأعود لمحادثتك مرة اخرى" انهى مكالمته وهو يؤكد حديثه "انتظري مني الرد" 

تحرك وخرج من الغرفة متوجها لغرفة سيلين وقف بجانب فراشها وهو يعلم تمثيلها لنومها قائلًا "حدث امر مهم بخصوص هوليا علينا ان نتحدث بالخارج"

فتحت سيلين عيونها وتحركت من على فراشها ليسبقها هو للخارج جلس على احد المقاعد المجاورة للغرف، اتت هي ايضا لتجلس على المقعد المجاور له منصدمة بحديثه الذي بدأ به فور خروجها من الغرفة.

تحدثت بعيونها الحزينة لتقول 

"لا يحق لك التفكير بهذا الأمر، نحن امام حقيقة واحدة وانها ابنتها ويتوجب ذهابها لها والسماح بفعل ما يقرره الأطباء وإلا ستخسر حب ابنتك وتقديرها لك بالمستقبل حين تدرك الوضع وتعلم أنها خسرت امها لأنك لم تسمح…"  

قاطعها يوسف قائلا بضيق

"ماذا تقولين انتِ. هل أنا سيء لهذه الدرجة، من المؤكد أنني لن امانع انقاذ ابنتي لأمها" 


قرر يوسف ان تأخذ هوليا لي لي بجانبها لفترة مجددًا إلى حين إجراء العملية بأقرب وقت.


حاول اقناع سيلين ان تأتي معهم ولكنها رفضت لعدم تحملها لحظة تركها لي لي خلفها و العودة بمفردها.

كان يوسف أكثر حكمة من هوليا لم يترك ابنته مباشرًة ظل بجانبها حتى اعتادت على أمها من جديد ثم تركها وذهب للمنزل، عاد بأول ساعات الصباح وهو يحمل العابها المفضلة لديها والحلوى خوفًا على تأثرها من أجواء المشفى.

حزنت هوليا كثيرا عندما كانت تسمع وترى ابنتها وهي تأخذ هاتف ابيها وتضعه على أذنها قائلة "لين لين " 

إشارة منها لرغبتها بالتحدث معها.

 مما جعل يوسف يضطر للإتصال بسيلين كي تحدث الصغيرة وتهدئ منها.

رأت هوليا سعادة ابنتها ومدى تقصيرها وظلمها لها ظلت تراقب عيون لي لي الفرحة وهي تتحدث مع لين حتى نامت بحضن ابيها.

بهذه اللحظة دعت سيلين لهوليا بالسلامة وإتمام الشفاء واغلقت الهاتف وهي حزينة.

استمرت الأيام على هذا النهج لينتج عن غياب لي لي تقارب أكثر بين الزوجين 

وبعد كل تقارب كان يهرب منها مرددًا ما لا تستطيع سماعه لتقرر عدم سماحها بتقاربهم  فهي ليست مريضة بحاجة للعلاج.

 

ويا ليتها فعلت ما كانت تقرره، فعدم استطاعتها كسره ورفض عيونه المحبة جعلوها تخضع وتجبر على الصمت أمامه.


ليحدث نتاج ذلك تقارب بينهما لم يحدث من قبل  وكأنه فعليًا أراد أن يجعلها زوجته بهذه المرة التي لم تشبه سابقيها.

وقبل اتمام الامر تحرك منتفضًا للوراء مبتعدًا عنها بخطوات ثقيلة و بأنفاس متسارعة تعلو وتنخفض من حركة صدره، توقف للحظات متحدثًا دون أن يستدير لوجهتها قائلًا بحزن تغلب على صوته

 "اعتذر منكِ ان تماديت هذه المرة زيادة عن الحد"  

اخفض رأسه مكملًا بملامح تتألم بشدة 

"انا لم ارد حدوث هذا. تغلبت نفسي علي فأصبحت بلحظة أسيرًا لها. ولكنِ اعدكِ ان لا اكررها مرة أخرى، وان اكون اكثر سيطرة وضبط للنفس معك فلا يمكن للشخص أن يفعل ما فعلته أنا مع اخته" 

اكمل سيره وهو يحارب نفسه أمام رغبته الكبيرة بالركض إليها كي يلقي بنفسه في احضانها، توقف أكثر من مرة ليعود ولكنه بالأخير رفض نداء قلبه 

أراد  أن يطلب منها أن تكون له ان تصبح زوجته ولكنه لم يستطع ولم يتجرأ تحدث وهو مازال يعطيها ظهره مطأطأ الرأس قائلا آخر كلماته التي ألقت عكس ما بقلبه قبل خروجه من الغرفة

"الشكر لله لقد تم الأمر اصبحتِ بوضع جيد الان، لا حاجة لكِ للعلاج من بعد الان. اعدكِ بأن لا يحدث هذا الأمر بيننا مرة أخرى انا صادق بذلك اعدكِ بهذا" 

وخرج من الغرفة واغلق الباب خلفة ليضع رأسه على الباب قائلا لنفسه

"وكيف سأفعل هذا وقلبي تعلق بكِ كيف سأتحمل قربكِ مني دون لمسكِ" 

اعترف يوسف أخيرا بحبه الذي امتلكه وأصبح مرئي أمامه.

اما هي فأصبحت حالتها مشابهة لحالتها بأول لقائهم حين كانت تجلس على فراشها تنظر نحو الباب وهي تتراجع للخلف، لم تصدق سيلين ما فعله وقاله لها حركت يدها لترفع غطائها على جسدها حتى عنقها لتستتر به ودموعها الساكنة الحزينة تنهمر.

أسرع يوسف بارتداء ملابسه والخروج من المنزل كي يبدأ حربه الداخلية مع نفسه وهو يتحرك غاضبًا بجانب سيارته على الساحل. 

لا زالت النار مشتعلة بصدره لم يستطع مقاومة صورتها بخياله، صدم رأسه بسيارته أكثر من مرة وهو يقول لنفسه 

"كيف تركتها كيف ابتعدت عنها...." 

تحرك ليركل إطار سيارته بقوة وغضب وهو يقول لنفسه 

"ماذا قلت أنا؟ ماذا فعلت؟ بالوقت الذي يتوجب علي ان اطلبها لنفسي و ان اجعلها زوجتي. ذهبت وابتعدت لأقول ما قلته" 

 

عاد ليصدم رأسه وهو يقول 

"غبي غبي أنا غبي، أرادت أن تصبح زوجتي مستحيل الوصول لهذه الدرجة من أجل العلاج، هي ايضا تحبني رأيت ذلك بعينيها، رأيته بقربها سمعته بأنفاسها المتزايدة من تقاربنا هي ايضا تحبني" 


( وهل ينفع الندم الآن 😔😔😔) 


استيقظ يوسف بعد فوات الأوان  من حلمه الوهمي الذي اراد ان يبقى اسفله حتى كاد أن يدمر نفسيته، استيقظ واعترف بل قرر ان لا يتركها فهي زوجته وحبه وحياته.


صمت ليسكن قليلا وهو يفكر "ماذا ان طلبت الانفصال؟ ماذا ان اصبحت زوجة شخص آخر؟"

 طار عقله وازداد احمرار وجهه وغضبه  

ليهز رأسه بالنفي قائلا 

"هي زوجتي نعم هي زوجتي و لن تصبح زوجة أحد غيري"  

صعد سيارته ليقودها مرة أخرى بطريق العودة للمنزل متعجب من طول الطريق الذي قطعه زاد  من سرعة قيادته ليعود اليها ويرضيها معترفًا بحبه طالبًا منها ان تشاركه حياته ودنياه طول العمر، اراد ان يعترف لها بأن أفعاله جميعها كانت من اجل علاجه الروحي.

صدم يده على المقود أكثر من مرة  وهو يؤنب نفسه "كيف تركتها؟ كيف تراجعت بعد ان سمحت لي؟ يستحيل ان تتركني اتمادى لهذه المرحلة لأجل العلاج فقط، أين كان عقلي وانا ابتعد عنها" 

غضب على نفسه أكثر عند سماعه لكلماته الثقيلة وهي تتردد باذنه قائلا "كيف كسرتها بهذا الشكل"

توقفت سيارته اخيرا امام منزله نزل منها مسرعًا راكضًا إليها يبحث عنها بأرجاء المنزل ليسحبها لحضنه كعادته دون مقدمات معترفا لها بحبه الكبير لها.

لم يجدها تحرك بالمنزل وهو يقول لنفسه 

"أين ستذهب؟ اليوم عطلة من المؤكد انها جالسة بالحديقة المجاورة أو بالساحل القريب" 

وتحرك ليخرج كي يبحث عنها ويرضيها وقبل أن يفتح الباب وصلته رسالة نصية منها على هاتفه فتحها بسرعة لتتسع اعينه فجأة وهو يهز رأسه قائلا

 " لا. لا. انه حلم. نعم من المؤكد انه حلم" 


لا زال ينظر للرسالة وهو يتلفظ 

"ماذا فعلت أنا بماذا سقطنا وكأنه حلم"

فتح هاتفه سريعا ليتصل بها ظهرت رسالة صوتية مسجلة "الرقم  المطلوب غير متاح في الخدمة يرجى الاتصال بوقت لاحق"

عاد للداخل ليكمل بحثه عنها متأملًا أن يجدها امامه  غير مصدق انها تركته ورحلت لم يصدق ان حلمه الجميل انتهى حتى قبل أن يبدأ 

فتح رسالتها مرة أخرى ليتأكد مما قرأه كيف سيتحمل بعدها وعدم ردها على اتصالاته لفترة زمنية، كيف وهو من اعتاد على وجودها و روحها بجانبه 


صفن لدقائق وكأنه تذكر شيئًا صادمًا اتسعت عينيه وهو يقول

 "ماذا سأقول لصغيرتي بماذا سأفسر  لها غيابها ماذا سأفعل معها بدونها"


ازدادت حالته سوءًا جلس على مقعد الصالون وهو تحت تأثير الصدمة 


وصلت سيارة الأجرة لمجمع سكني حيث يقنط أورهان بمنزل خاص في إحدى طوابقه العالية، تواصل الأمن مع يافوز ليخبروه بوصول سيلين هانم للمكان اغلق هاتفه ونظر لأورهان النائم على أريكته المفضلة في غرفة التلفاز قائلا "جاءت سيلين هانم"

فرح اورهان واعتدل ناظرا نحو باب الغرفة منتظرًا دخولها عليه دون ان يتوقع رؤيته لوجهها بهذه الحالة 

تحدث يفوز بسرعة 

 " سيلين هانم هل انتِ بخير" 

اومات برأسها والدموع تتساقط من عينيها بمجرد رؤيتها لأبيها الروحي مقتربة بسرعة كبيرة ملقية بنفسها باحضانه تبكي بصوت عالي، ضمها وهو يغلق جناحيه عليها متسائلا "ما بكِ؟ ماذا حدث؟ لما كل هذه الدموع؟" 

نظر نحو باب الغرفة وهو يكمل أسئلته المتوالية  " أين زوجك هل صغيرتنا بخير"

ازدادت شهقات بكائها عند سماعها اسمه ليفهم علتها فتوقف عن أسئلته بعدها. 

وبعد وقت لا يستهان به جلست بجواره صامتة تمسح ما تبقى من دموعها وهي مخفضة النظر امام صدمة أورهان وحديثه القوي لها

 "لماذا فعلتي هذا بنفسكِ؟ كيف هانت عليكِ روحكِ؟ وهو كيف قبل بهذا؟ كيف طعنني بظهري وانا من استأمنته عليكِ" 

تحدثت مدافعة عن يوسف

 "كما اخبرتك لا ذنب له أنا من قرر وانا من أصر على مساعدته. وايضا حين نعتني بابنتك ووصيته علي كنا بمنتصف الطريق، أراد العودة أكثر من مرة لأجلي ولأجلك ايضا ولكنني اردت انا.... انا "


لم تستطع تكملة حديثها حين قاطعتها دموعها دون أن تخبره بارادتها عيش حلمها وحبها وفرحتها لاستيقاظها ونومها معه تحت سقف واحد. حتى وان كانت تعلم انهما لن يصبحا زوجين حقيقيين وأنه ينظر لها كأخت. فمجرد شعورها أن حلمها تحقق جعلها تنسى أي معايير اخرى.


صعد يوسف سيارته ودار بها في الأماكن القريبة متوقع جلوسها بأحدهم وهو يقول لفسه " ستعود بآخر اليوم، لا يمكنها الابتعاد عنا، لا يمكنها ترك لي لي، وكيف ستتركنا بعد كل هذا الحب بينهما"

بينما كان يحدث نفسه جاءته مكالمة من أورهان بيه فتح الهاتف سريعا ليجده يتحدث بصوت غير معتاد عليه وكأن قوته اختلطت بحزنه وعتابه قائلا له

 "علمت كل شيء منها. لم اتصل لأجل عتاب بناء على رغبتها ولاني علمت من ابنتي انها المسؤولة عما حدث ولكن الى هنا وحسب، عادت أمانتي لي من بعد الان" 


اسرع يوسف بالتحدث وهو مصدوم مما سمع قائلا 

"ماذا تعني انك علمت كل شيء، انتظر ليست كل الأمور كما علمت، دعني اشرح لك يعني كان كذلك بأول الأمر ولكنه تطور…"

قاطعه اورهان بقوله

"سنتحدث بوقتٍ لاحق. أردت اعلامك انها بجانبي لتطمئن عليها ان كنت قلق"


وبضيق رد يوسف سريعًا  قائلا 

"وكيف لا أقلق! بالأصل انا بسيارتي ادور باحثًا عنها بالمنطقة، أقسم لك أنني لم أرد احزانها انا فقط…"

قاطعه مرة اخرى وهو يريد انهاء المحادثة واكمالها بوقت  لاحق بعد أن عادت دموع سيلين  بمجرد سماعها لصوته ودفاعه عن نفسه

رفض يوسف إنهاء المحادثة قبل أن يتحدث مع زوجته حتى أنه اقترح أن يأتي إليهم ليتحدث معها وجها لوجه، قابل اورهان طلبه بالرفض مصرًا على انهاء حديثهم وعدم لقاءهم او حديثهم لفترة حتى يستوعب ما علم به فلم يتوقع بيوم ان يكون زواجهما اتفاقًا.


اغلق الهاتف وهو أكثر ضيقًا وحزنًا لشعوره  انه خدع وطعن من قبل يوسف حتى وان بررت سيلين له.

 

وبعد مرور وقت ليس بكثير كان اورهان بغرفته يعاتب فضيلة بحزن وقوة معتقدًا انها تعلم بالأمر من قبل يوسف دون معرفة سيلين بهذا،  اقسمت فضيلة  له بانها تفاجأت لما قاله كما تفاجأ هو.


رد بصوت معاتب 

" كيف فعل بي هذا. لقد وثقت به وأمنته عليها لقد وضعته بمثابة ابني" 


بالغرفة الاخرى استلقت سيلين على الفراش وهي تبكي بصوت منخفض واضعة يدها على فمها حتى لا يخرج صوتها للخارج، اهتزت ببكائها كلما تذكرت قربه منها. 


ظل يوسف يعتب على نفسه داخل غرفتها اقترب من الفراش بحزن كبير ، جلسه عليه من جهتها ممسك بالغطاء بقوة قبضة يده وغضبه على نفسه.

مرت ليلة حزينة على الجميع. ثقيلة على سيلين التي عادت لها كوابيسها لتتعذب داخلها وهي ترتجف وتهتز دون حركة وهذا عائد للمهدئ الذي تناولته قبل خروجها من منزله عصر اليوم.

وبصباح يوم جديد تجهز يوسف بوجه متفائل وعقل رتب ما سيقوله وما سيعترف لها به 


بعد أن قرر قلبه ان يذهب لهوليا كي يأخذ ابنته أغلى ما لديه ليسترجع بها أحب ما لديه .

انهارت كل امنياته حين وصلت إليه رسالة جديدة من سيلين صدمته بمحتواها وهو يقرأ داخلها "اتمنى لك حياة سعيدة مع من يختارها قلبك، سأسعد كثيرا ان حظيت لي لي  بوسط عائلي هادئ ومستقر تستحقه بقلبها الصغير الحنون لا تسمح لاحد ان يظلمها او يبكيها مجددًا ولذلك ساطلب منك ان تتحرى اختيار شريك حياتك هذه المرة. اعتذر لعدم وقوفي أمامك وطلبي  الانفصال بهدوء وهذا عائد لأمور خاصة بي، من المؤكد انه سيأتي هذا اليوم كما أتى من سبقه. وبالأخير اريد ان اشكرك على كل شيء عشته بتلك الشهور التي لم أشعر خلالها سوى بالسعادة والراحة والاطمئنان كما لم ولن اندم على قراري بالزواج لأجل استعادة ابنتك لحضنك فأنت تستحق ذلك وأكثر من ذلك،  اياك ان تعاتب نفسك أو تلومها فبالاخير هذا ما اتفقنا عليه، شكرا لأجل كل فرحة وضحكة ادخلتها علي، شكرا لانك جعلتني قادرة على بدأ حياتي من جديد بدون خوف او قلق، سلامي لصغيرتك سأشتاق إليها بل اشتقت لها من الآن،" 

اغلق يوسف الهاتف وجلس على المقعد القريب منه وهو ينظر بصمت وثبات للأمام.

لم يصدق ما قرأ فعقله لم يستوعب تركها له. لم يصدق حتى الآن أنها أسدلت الستار على النهاية بهذه السهولة وهذه السرعة دون كلام أو نقاش.

فتحت سيلين دفترها لتكتب به ما لم تستطع كتابته بالرسالة 

"سأشتاق اليكم كثيرا، بل أشتقت اليك ولضحكة عيونك. لا اريد تركك. لا اريد التنفس بعيدا عنك. لا اريد التخلي عنك" 


أغلقت دفترها وهي تستمع باذنها لحديث أورهان وتأنيبهُ لها عائدة لبكائها الخفي مجددا.

هذه الدموع جعلت من اورهان شعلة غضب يلوم عليها ما فعلته رافضا ان يسمع اي دفاع عنه كما أنه منعها من التفكير بالعودة مهما حدث و شدد عليها انها ابنته ولا يمكنه السماح لها بالعيش تحت هذا الزواج المتفق ابدا، غضب اكثر واكثر قائلا

 "أنتِ عزيزتي و كريمتي لا اعرف كيف هانت عليكِ روحك كي تقللي من شأنك لهذه…"


كان قاسيا وشديدا عليها تحدث بنبرة أب حقيقي يسن الأحكام والقوانين بقوة وشدة لتصديق شعورها بالنقص الذي اجبرها على الانفصال السريع قبل أن يتطور الوضع بينهم لزواج حقيقي.


استيقظ يوسف من صدمته على صدمة أقوى حين أتاه اتصال من فضيلة ليكمل على ما تبقى من روحه وهو يستمع لعتابها وتوبيخها له فكيف يخدعها بهذا الشكل بل وكيف يخدع الرجل الذي سانده ودعمه و آمن ابنته لديه. كيف استطاع ان يكون بوجهين لهذه الدرجة، كيف استطاع ان يمثل عليهم حبهم وقربهم، انهت فضيلة حديثها الثقيل على القلوب وهي تقول " يا حسرة عليك اخجل كلما تذكرت ما فعلته بها. كيف استغليت طيبتها وفطرتها وقلة خبرتها بالحياة لمصالحك"

وقبل أن يدافع عن نفسه اكملت فضيلة لتزيد صدمته قائلة  "حدثني أورهان بيه صباح اليوم من أجل الإسراع بإنهاء إجراءات الطلاق بأقرب واسرع وقت دون مشاكل أو اعتراض احتراما لاسمه وابنته التي لم تتردد لأجل مساعدتك على حسابها دون تفكير ". 


لم يرد يوسف على خالته من شدة وثقل ما وقع على رأسه ظل صامتًا بعيون متسعة و وجه حاد شديد الاحمرار تتقلب ملامحه لتجيب عوضًا عن لسانه

لا يختلف الأمر لدى سيلين التي اختنقت بطعامها من شدة حزنها لسماعها حديث 

اورهان وهو ينهي طعامه محاولًا إظهار تماسكه وقوته امامها.


وقف لتقف سيلين مستمعة لباقي حديثه

"تعلمين ان عدم وجودك بالشركة يحزنني ولكن علينا أن نتوخى الحذر لفترة كي أتأكد من وضع زوج والدتك هل كان صدفة ام انه يبحث عنك بمحيطنا"

 

تحرك مقتربا من الباب مكملًا "نلتقي عند عودتي. ان اردتِ شيء عليكِ ان تتصلي دون تردد"

ذهب يوسف للمشفى كي ياخذ ابنته كما اتفق مع هوليا التي طمأنته على وضعها و انها ستخضع لعدة تحاليل وفحوصات اضافية اليوم. 

 تمنى لها الشفاء واستأذن منها وهو محتضن ابنته ليخرج من المشفى 

و كعادتها الجديدة أصبحت تصفق و تتحرك بحضن ابيها بمجرد خروجها من المشفى وهي تردد اسم لين،حزن يوسف على حال ابنته  أكثر وحاول التهرب من اتصاله بسيلين كما كانت تطلب منه، لم يستطع التصدي لها بالشركة وهي تبحث عن لين وهذا ما زاد من حزن اورهان وبالوقت الذي اراد يوسف التحدث معه بهدوء لتوضيح الامر وجده يغضب عليه مما فعله و لما وصل له حال الصغيرة، كان يحمله كل الاخطاء وحده ولكن ليست الامور بهذه السهولة فجميع من كان بالشركة قد سمع صوته العالي وغضبه دون معرفة السبب، ساءت حالة أورهان حتى أصيب بنوبة قلبية خفيفة تم تخطيها لسرعة إعطائه دواءه من قبل يوسف.


صمت مجبرًا أمام سوء حالته ليتفاجأ بوصول خالته وانضمامها لصف اورهان حال رؤيتها لسوء حالته. 

طلب اورهان من يوسف عدم الاتصال بسيلين وعدم محاولته الذهاب إليها و انها من الآن وصاعدًا ستكون بجانبه، فلقد حجز لها شقة صغيرة بنفس الطابق خاصته ليصبحا بجانب بعضهما.

همَ يوسف ليتحدث رافضًا أن تبتعد عنه ولكنه تفاجأ بفضيلة تقف امامه و هي تقول له "يكفي بهذا القدر انتم استخففتم بعقولنا ولعبتم علينا، عيب والله عيب وتأتي الآن وتقف أمامنا وتقول زوجتي ولا اسمح لها بالابتعاد عني، نعتذر منك يوسف بيه كان عليك أن تتذكر هذا قبل وصولنا لهذه النقطة" 

غضب من حديثهم وعدم اعطائه فرصة التحدث و التفسير ليخرج من غرفة المكتب تحفظاً على وضع اورهان

وبمجرد فتح باب المكتب وجد لي لي قد جاءت تركض ومن خلفها المسؤولة عنها. 

تركته وركضت للداخل وهي تلقي بنفسها بحضن فضيلة ضاحكة.


اخذتها فضيلة بحضنها وهي جالسة على الاريكة لتبدأ لي لي بكلامها المتقطع قائلة 

" لين لين"

نظرت فضيلة بحدة نحو يوسف الذي كان ينظر لهم بحزن


انتقلت سيلين لمنزلها الجديد المكون من غرفة وصالون ومطبخ وحمام صغير يفي بالغرض. على عكس منزل أورهان الذي كان بمساحة كبيرة جدا مجهز بكافة الإمكانيات.

 تلقت سيلين اتصالا من فضيلة فكرت قليلا قبل الرد عليها فهي تعلم المكالمة التي دارت بين فضيلة واورهان بالأمس.

 استجمعت شجاعتها وردت عليها لتسمع صوت فضيلة يأتيها من بعيد وهي تقول لها

" انظري من يريد محادثتك"


فرحت كثيرا بصوت لي لي وهي تنادي عليها تركت فضيلة الصغيرة على الاريكة وهي تحدث سيلين وتضحك وتلعب معها 


واهتمت بتهدئة أورهان لأجل صحته  اندمجا بحديثهم وانسجامهم حتى انهما لم ينتبها الى نوم لي لي على صوت غناء سيلين التي أغلقت المحادثة بعدها.

حزنت فضيلة على وضع صغيرتهم تحركت و احتضنتها لتذهب وتضعها بفراشها الصغير الذي جلبته لها سيلين في مكتبها 

استأذنت من اورهان وخرجت من المكتب لتجد يوسف عائدًا ليطمئن على ابنته ويوقع اوراق هامة من اورهان 

اقترب سريعا فور رؤيتها ليحملها منها قائلا " كيف نامت بهذا الوقت" 

رفضت فضيلة اعطائها له وهي ترد عليه قائلة 

"كان عليك ان تعلم انها اكثر شخص سيدفع ضريبة ما فعلتما،ان كنت تريد ان تعلم كيف نامت فلتسألها ماذا قالت لها حتى سيطرت عليها وجعلتها تشعر بالسعادة و الاطمئنان لنجدها نائمة بعدها" 

حزن يوسف وظل ينظر خلف خالته التي تركته واكملت سيرها بغضب.


توالت عدة أيام بهذا المنوال الاشتياق والحزن والغضب والذكريات الجميلة والكوابيس.

حتى مر اسبوع قاسي على جميع الاطراف امتنعت سيلين عن تناول الطعام اتمثل تناوله أمام اورهان فقط كي لا تحزنه.

تنام بمنزلها اغلب الوقت دون طعام حتى ظهر هذا عليها بشكل واضح.


اما هو فكان بمنزله يحاول ان لا يقف ثابتًا كي يعوض ابنته عن غياب سيلين متحججًا انها ستأتي بعد قليل.

وبظل هذه الأيام الثقيلة تفاجأ يوسف باتصال أورهان به ليعلمه بصوت حزين غاضب منه انه يريد لي لي أن تأتي اليهم بمفردها لقضاء يومها بجانبهم.

تحدث كي يفتح الموضوع مرة اخرى ويطلب التحدث مع زوجته ولكن اورهان رفض ذلك وهو يؤنبه قائلا 

" لا يوجد كلام يقال بعد ما فعلته. كيف تنتظر مني تصديقك. ألم تعلم عاقبة ما فعلته، ألم تفكر بتلك الزهرة التي امنتك عليها، كيف استطعت تدميرها واعادتها لنقطة البداية مرة اخرى. كيف تفعل بها هذا وانت تعلم مشكلتها، حتى وان كانت صاحبة القرار فأمر كهذا كفيل ان يدمرها ويعصف بها، ولكنِ احييك بما وصلت له لقد فعلتها بجداره عالية حتى انا لم اكن اتوقع كل هذا العصف والتدمير، حققت نجاحا لم اتوقعه حتى اخذت علامة جديدة بعالم العصف والتدمير"


وبرغم كلام أورهان القاسي والقوي الا ان يوسف لم يهتم بكل ما قاله معتبر نفسه يستحق كل ما يقال متحدث بحزن متسائلا 

"هل هي حزينة لهذه الدرجة" 

قالها والدمع يكاد أن يفر من عينيه المتحجرة بالحزن والغضب. لم يتلقى اي رد من اورهان الغاضب عليه بشكل كبير فكلما رأى حالة ابنته المزرية اشتد غضبه وضيقه منه.

اغلق أورهان الهاتف وهو يخبره انه سيرسل له يافوز بعد ساعة من الان لأخذ لي لي منه إن لم يمانع بهذا 

رد يوسف بصوت ضعيف

 "استغفر الله. لتذهب طبعا انا لا استطيع الوقوف أمام سعادتهم" 

اغلق الهاتف وهو أكثر غضبا على نفسه وكأنه يعارك روحه غاضبا عليها متحدثا مع نفسه ليقول 

" لماذا أنت حزين و غاضب لهذه الدرجة. هذه الحقيقة. هو محق. كيف فعلت هذا بها كيف وافقت على هذا الاتفاق وهي. وهي"


صمت  ليخرج من غرفة صغيرته سريعًا مصطدم بغرفتها امامه، هرب سريعا للاسفل فهذا ما يفعله بعد ان اعتزل دخول غرفتها  لعدم استطاعته مجابهة ذكرياتهم بها.


وقف اسفل الدرج قائلا

"لم ارد احزانك. لم اتوقع بيوم ان اكون سببا به. انا فقط…" 


تحرك وهو مثقل بهمه وحزنه كي يبلغ انيسه ابلة ان تحضر لي لي كي تذهب لقضاء اليوم بمنزل سيلين، ردت انيسة بحزن كبير وهي تقول له

 "ألم يكفي كل هذا الفراق. كما قلت لك يابني كل الامور ستنتهي بالتفاهم اجلسا بمكان هادئ وتحدثا أي مشكلة لابد ولها حل. كن انت العاقل تنازل لأجل عودتها هي تستحق أن تتنازل لأجلها" ثم نظرت للصغيرة التي كانت تشاهد التلفاز باندماج قائلة 

" ان لم يكن لأجلكما فليكن لأجل صاحبة الشعر الذهبي"

اومأ يوسف رأسه 

" اعلم قدر سيلين لديكِ لنتركها على راحتها الآن ومن ثم نجلس ونتحدث"


اكملت انيسة قائلة

"أعلم أنك ستحكم قلبك بالأخير. بالأصل كنت ارى ما بقلبك يظهر بعيونك التي كانت تنظر لها. لا تستغني يابني بسهولة" 

رد يوسف عليها بصوت منخفض قائلا

" هل كان واضحاً لهذه الدرجة ". 

لتصدمه أنيسة قائلة 

" لقد رأيته بعينك من أول يوم جئت بها للمنزل كي اتعرف عليها. حينها تحديت نفسي قائلة لابنتي لن اكن انا ان لم تكوني صاحبة هذا المنزل بوقت قصير. وقد كان ما قلته فنظرتي واحساسي بك لم يخطأوا منذ كنت طفلا صغيرًا. أتتذكر هذا؟ "

ابتسم يوسف ابتسامة حزينة وهو يقول 

" نعم وكنت اخسر دائما امامك "

وصل يفوز واخذ لي لي وهو يسأل يوسف عن اي موعد يريد إعادتها إليه واخبره ان أورهان بيه ترك هذا الامر له كي يعيدها بالموعد الذي يرغب به

اجابه يوسف قائلا

"لن تذهب اليوم لوالدتها. لهذا ليس لدي مانع بالوقت. سأتركه لما تراه لين مناسبا"

✿✿✿

وبينما كانت سيلين نائمة بمنزلها كعادتها الاخيرة سمعت صوت جرس الباب تحركت من مكانها وهي هزيلة تفتح الباب بهدوء اعتقدت انها خدمة المجمع أتوا لترتيب وتنظيف المكان وما شابه 


فتحت الباب لتزهر ابتسامتها من جديد حتى كادت أن تبكي وهي تردد اسمها 

صرخت الطفلة ابتهاجًا 'لييين لييين" وألقت بنفسها عليها لتأخذها سيلين وتحتضنها بقوة وهي تقبلها عدة قبلات بأماكن مختلفة بوجهها ورأسها وعنقها حتى أصبحت تدغدغها ببطنها، لم تنتبه سيلين ليفوز الذي كاد ان يبكي من فرحتهم المحزنة.

تحرك وهو يقول لها 

" أوصاني أورهان بيه ان اعرف موعد عودة الصغيرة و لكن عندما سألت يوسف بيه ترك الأمر لما تريه أنتِ مناسب" 

شكرته كثيرا على جلبه لها واخبرته انها ستتصل به من اجل موعد العودة


مر يوم أكثر من رائع مليء باللعب والضحك انشغل يوسف خلاله بالعمل المكثف كي لا يفكر بهم ولكنه لم يستطع وخاصة عند تقرب غمزة منه وتذكره كيف كانت زوجته تغار و تتضايق منها 

احترم غيابها أكثر من وجودها فاصبح يصد غمزة بشكل صادم يتخلله غضبه على نفسه مما فعله بعائلته 

كان بكل مرة يستعيد ذكرياتهم وتقاربهم وكيف كان يختمها بلحظة تركه لها، ليغضب اكثر واكثر على نفسه فبرغم الذكريات الجميلة وتبسمه عند تذكرها إلا أنها كانت تنتهي جميعها بلحظة تركه لها.


فبكل لحظة يسترجعها يتأكد انها لم تكن من اجل العلاج، فعيونها وابتسامتها واهتمامها وقربها حتى حركة رأسها على صدره بأجمل اللحظات وخاصة وهما يرقصان رقصاتهم الساحرة على انغام موسيقى نبضات قلبيهما كل ذلك يؤكد انها ليست للعلاج.


ردد بحزن 

" كانت لأجلي كانت لأجلنا".

يتبع ..

 ‎إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا.


الليالي المظلمة الفصل الخامس والعشرين
Wisso

تعليقات

6 تعليقات
إرسال تعليق
  • غير معرف31 يناير 2025 في 10:27 م

    روعه تسلم ايدك حبيبتي

    حذف التعليق
    • Rim kalfaoui photo
      Rim kalfaoui2 فبراير 2025 في 2:43 ص

      ابن أمينة هيجلطني يوما ما قال اختي بعد كل احساس ولمسات وقبولات نرجع للعك تاني حرام عليك يا شيخ يوسف ههههه

      حذف التعليق
      • Amany Ahmed8 فبراير 2025 في 1:55 ص

        دلوقتي جاي تقول يايوسف كانت كل لحظاتك ليست للعلاج كانت لاجلنا
        قولت لك من قبل بكرة تندم ياجمييييل بصوت عادل امام فى مدرسة المشاغبين🤣🤣🤣🤣🤣

        حذف التعليق
        • Amany Ahmed8 فبراير 2025 في 1:57 ص

          كان موقف صعب جدا على سيلين طبعا طبعا واحساسها بأنها حالة مرضية وليست انسانة طبيعية وكل مرة يردها ويكسرها خلاص بايوسف كده خسرتها

          حذف التعليق
          • Amany Ahmed8 فبراير 2025 في 2:01 ص

            كان لازم الكل يقف ضدك ونطلع انت الخسران وانت سبب الخطأ فى حق سيلين مفيش اى شخص كبير عمرا وعاقل ومسؤول وكمان فى دور الأب إن يتقبل منك كل ده يايوسف وخاصة برهان بيك احساسة إن سيلين ابنتي جميل قوى قوى كله حنية ومشاعر العطف والابوة اكثر من رائع ولأن سيلين بنت متربية واحترمت دور الرهان بيك فلن تستطيع رد قراراتة

            حذف التعليق
            • Amany Ahmed8 فبراير 2025 في 2:02 ص

              الحلقة روعة سؤال يالولو فى شوية تغيير فى الحلقة حسيت بكده

              حذف التعليق
              google-playkhamsatmostaqltradent