رواية الليالي المظلمة
تقدمت عدة خطوات قطع الرجل أنفاسه بهم، تلعثمت أمينة بريقها فأصبحت تسعل بصوت مكتوم وكأن ضغطتها قد ارتفع.
كاد ان يخرج من خلف الاريكة وهو يستمع لصوتها القلق
"ما بكِ؟.."
سكبت لها المال وهمت لتشربها بيدها
وهي تستمع لصوت فتح الباب، أنهت امينة شرب الماء لتضع سيلين الكأس جانبا وتحركت لتنظر نحو باريش الذي دخل الغرفة باعين متسعة ينظر بارجائها وكأنه نسي شيء خلفه.
تحدثت بصوت منخفض
"هي بخير الحمدلله. سعلت قليلا أتمنى أن لا يكون قد أصابها البرد"
ادهشها بإجابته التي كانت مختلفة تماما عن حديثها
"متى اتيتِ. لا زال الوقت مبكر على عودتك، اعني انني كنت قادم لرؤيتها لا داعي لاستعجالك"
صمتت قليلا خجلة مما حدث معها بالخارج تحركت خطوات مقتربة من باب الغرفة
"لا شيء سأعود لأكمل بالغد. سأذهب لأبدل ملابسي وأصلي فرضي"
خرجت من الغرفة ليلتقط باريش أنفاسه ناظرا لامينة وهو يقول بصوت منخفض
"أعتقد أنها مرت على خير. أليس كذلك"
نظر حوله من جديد وخرج ليبحث عنه بالمنزل.
صعدت سيلين لمنزلها ابدلت ملابسها وتوضأت للصلاة فهي تصلي لأجل أن يحفظها الله من أي شر.
فهذه وصية خالتها لها…
"عندما تجدين نفسك وحيدة خائفة يقترب منك الخطر بهذه اللحظة ليس أمامك سوى الله ألتجئ له ليحفظك. كلما حفظتيه في نفسك والصلاة التي هي صلتك به سيحفظك ويفتح لكِ الأبواب وينجيكِ من كل شر"
من يراها وهي تصلي بدموع الوحدة والخوف والشتات يعلم قدر همها الكبير، أنهت صلاتها ورفعت يديها للسماء داعية
"ليس لي رب سواك، ليس لي أحد سواك ساعدني واحفظني من الشر. اللهم اشفي ما بقلبي وامحي ما بصدري من ضيق وخوف. امنحني القوة يا حبيبي يا الله"
امسكت مصحفها الذي يعلو مسند صغير بجانب سجادة الصلاة وضمته لصدرها وهي تكمل حديثها وشكواها لله العزيز الجبار. أنهت دعائها لتلتجئ بعدها لفراشها ومخبئها ممسكة دفترها لتحدثه بما يجول بعقلها وقلبها كاتبة داخله
"سأظل رماداً تحت آلامي، سأظل لغزاً أمام كل من يقترب مني"
تنهدت مغلقة الدفتر وهي تقول لنفسها
"هكذا افضل لي. علي ان أبقى لغزاً أمام الجميع كي لا..."
صمتت بحزنها رافعة الغطاء عليها بعيون ثابتة تتساقط منها الدموع الهادئة والصارخة من نار قلبها بصمت وألم عميق لا يعلمهُ سوى الله.
ساءت حالة يوسف كثيرا بعد مكالمة زوجته الاخيرة التي كانت بمثابة خنجر مسموم غرِز في قلبه المكلوم المجروح، لا زال باريش يحاول معه بكافة الطرق كي يهون عليه ما هو به ولكنه لم ينجح بذلك فرغم ما فعلته هوليا به من تخلي وخذلان وهروبها لأمريكا بابنته دون اخباره إلا أنه كان يلتمس لها الأعذار على أمل خروجه وإصلاح ما بينهما لأجل ان لا تعيش ابنته بدونه.
في أمريكا وبمنزل اصلان بيه
كانت صافية هانم أم هوليا تراجعها عن ما قالته ليوسف قائلة
"كالعادة غضبتِ زيادة واخرجتي كل ما بقلبك. كان عليكِ ان تصبري عدة شهور أخرى لعله يخرج من محبسه فبالأخير هو والد ابنتك وأيضا وأيضا…"
تساءلت هوليا "وأيضا ماذا..؟"
أسندت صافية ظهرها على مقعدها المائل الفخم قائلة بضيق
"انتِ السبب في غضبه وعصبيته. يعتقد انكِ السبب بما حدث معه، أعني قصة الأوراق وتحايل الرجال عليكِ حتى اخذوها منكِ وكأنكِ طفلة صغيرة. ولا تنسي أمواله التي اخذتِها قبل سفرك لا اعلم حتى الان لماذا فعلتِ هذا ونحن لا نحتاج للمال. واليوم تقفين أمام الجميع وتصرخين بأنها ثمن السنوات السابقة معه"
قاطعتها هوليا بصوت عالٍ
"ماذا تقولين؟ أمي انظري اليَّ واعيدي ما قلتيه"
تحركت لتقف من على المقعد مكملة بغضب
"على الاقل كوني انتِ بصفي. شرحت لكِ اكثر من مرة كيف تحايلوا علي و اخبروني انهم يريدون الأوراق لأجل مصلحة يوسف حتى اتصلت به لأكثر من مرة كي اسأله حتى أتتني منه رسالة كي اسلمهم الاوراق....
ماذا تريديني ان افعل من اين لي ان اعلم سيطرتهم على الهاتف واستخدامه لمصالحهم. من أنا كي أجابه أشخاص كهؤلاء"
ردت أمها قائلة بحاجب منتصب
"هذا بالنسبة للأوراق. وماذا عن الأموال ألم تخبرينا بنيتك في إعادتها له"
نظرت لأمها بقوة تحدثت بها
"وضعتهم في حساب ابنتي الخاص اعلم أنه لا حاجة لي بتلك القروش. ولكني احترق كلما تذكرت الايام والسنوات التي مرت وانا تحت سيطرته. ازداد اغتياظا كلما اتذكر سذاجتي بسماع كلامه تحت مسمى الحب"
تحدثت صافيه قائلة
"اتعجب من ركضه خلف ذلك المبلغ. اين ذهبت ثروة بيرقدار، وامينة نعم أين ذهبت ثروة أمينة هانم التي كانت تدور الدنيا حولها وهي جالسة على مقعدها وكأنها سلطانة زمانها"
صمتت صافية للحظة كانت تتذكر بهم وضع تلك المرأة التي بقيت مقعدة على كرسي متحرك لسنوات طويلة دون ان تخجل من وضعها وهي متألقة بالحفلات و الاجتماعات وتنضم للجمعيات الكبرى ليلمع اسمها بتركيا كلها…"
تحركت هوليا لتجلس بالمقعد المجاور لأمها من جديد وهي تستمع لحديثها
"ما زلت أُذكركِ انه زوجك و والد ابنتك ان اردتِ الطلاق فلا يجب ان يكون بهذا الشكل ولا بهذه الطريقة..."
غضبت هوليا من جديد قائلة
"عن أي زوج تتحدثين ؟ لقد كان خطئي من البداية. لا أعرف كيف تحملت تحكمه بي لسنوات. لا ترتدي هذا, و لا تخرجي مع هذه, و لا تضحكي أمام الناس ولا ولا ولا ولا. تحملته و قلت لنفسي انهُ يحبني ولكن كنت أكذب على نفسي. يكفي بهذا القدر".
ردت صافية عليها بابتسامة ساخرة
"من يسمعك وانتِ تتكلمين بغضب يعتقد أنكِ تزوجتِ رغماً عنكِ. ولم تقفي أمامي أنا واباكِ حتى تتزوجيه. أليس هو حب حياتك كما كنتِ ترددين ".
تحركت هوليا لتذهب لغرفتها وتنهي الحديث وهي تقول بعصبية
"اوووووف ألا تملي من تكرار نفس الكلام؟"
جاءت إليهم المربية وبيدها الصغيرة لتخبرهم انها لم تكف عن البكاء طوال اليوم مقترحة عليهم أن يعرضوا الطفلة على الطبيب فلربما تكون مريضة وهم لا يعلمون.
اقتربت هوليا من ابنتها وبدأت تكلمها وهي بيد المربية قائلة
"لي لي ابنتي الجميلة ما بكِ يا قلبي؟ لماذا كل هذا الصراخ حتى انا اسمع صراخك من الأعلى ألم تتعبي من كثرة بكائك يا أمي"
رفرفت الطفلة بيدها كي تلقي نفسها في حضن أمها التي ضحت مقتربة منها كي تحملها "هل اشتقتِ لي؟"
أخذتها هوليا من يد المربيةلتضحكها وتلاعبها. تحركت صافيه مقتربة من ابنتها وهي تحدث حفيدتها "لقد أصبحتِ نسخة من أمك بالصغر"
حركت هوليا يدها على رأس ابنتها لتلامس شعرها الذهبي الجميل بسعادة لم تكتمل حين تقيأت لي لي على امها بشكل سيء. وهنا صرخت هوليا بوجه ابنتها وألقتها بقوة في يد المربية غاضبة ساخطة عليها وكأنها شخص كبير يفهم ما يفعله بل وكأنها تقيأت بإرادتها.
ركضت هوليا على الدرج لتصعد غرفتها وهي تحدث امها
"بل شبيهة ابيها. لا تفهم بأي شيء ولا ينفع معها المعروف"
بهذه اللحظة وعلى غير العادة اشفقت صافية على حفيدتها اقتربت منها وهي تتحمل قيأها بصعوبة تحاول أن تهدئ بكائها دون فائدة فنظرات لي لي المعلقة على أمها وصراخها لم يعطي مجال لأحد بالتدخل.
أمرت صافيه المربية ان تذهب وتحممها حتى تستدعي الطبيب الخاص بها كي يأتي ويطمئنهم عليها.
تحركت المربية بالطفلة التي لا زالت تصرخ باكية تنظر نحو الدرج خلف امها.
نادت والدة هوليا على الخادم بقرف وتكبر كي ينظفون المكان.
ساء وضع يوسف وكأن السماء سقطت على الأرض وهو بمنتصفهم، من يرى وجهه الاحمر المتعرق و عيونه الدامعة شوقا لابنته يعلم مدى حزنه.
سبح بذكريات الماضي ليعيش مع ضحكات لي لي ذات الوجه الملائكي .
تألم قلبه عليها فهو أكثر من يعلم اهمال أمها لها توقع التهائها مع اصدقائها على الهاتف دون ان تنتبه لابنتها بجوارها
وياليته بهذا القدر فقط فمع الاسف حين جاء الطبيب لفحص الصغيرة تبين انها تعاني من زكام شديد ناتج عن تعرضها للهواء البارد او لربما عدم الاهتمام بملابسها ونظام التدفئة بالغرفة.
استمعت هوليا للطبيب وهي تنظر بغضب كبير نحو المربية انتظرت انتهاء الفحص قائلة
"لا تقلق سيحدث ما أمرت به سننتبه لمواعيد الدواء والمحافظة على صغيرتنا من الطقس البارد"
ابتسم الطبيب برده
"ممتاز أأمل ذلك. سأرسل لكم الادوية في غضون ساعة من الان اريد البدأ باعطائها منهم فور قدومهم"
أكدت هوليا على حدوث ذلك ليتحرك الطبيب طالبا الاذن منهم.
ذهبت صافية هانم خلف الطبيب لايصاله لباب المنزل.
وبغضب نظرت هوليا للمربية التي بدأت تتحدث بدموعها مبررة ما حدث دون انتباه
"اختنقت بمنتصف الليل. لم اعد اتحمل نظام التدفئة المتبع بالمنزل الحرارة المرتفعة تؤذيني وتجعلني اتحسس. كنت سأتحدث معكم بذلك كي اقلل مستواها ليس لاجلي فقط بل لأجل الصغيرة نعم حتى اني فتحت النافذة كي تهدئ لربما لشدة ارتفاع حرارة المنزل"
اجابتها بدون رحمة لدموعها
"لنأتي بمن يتحمل ويهتم بهذه الأجواء"
اتصلت بالشركة المسؤولة عنها كي تنهي عمل هذه المربية وإرسال مربية جديدة على وجه السرعة وكأن كل الذنب على تلك الغربية فقط هي من قصرت برعاية الطفلة المسكينة.
وعلى هذا المنوال جرت الأمور كلا يسبح بعالمه ايا كان درجة قبوله او رفضه او ثقله او حبه له.
مرت الليالي والايام والاسابيع اهتمت خلالهم سيلين بالبحث المكثف عن وظيفة تعينها على الحياة التي أجبرتها عيش حالة من الوحدة والانقطاع عن عائلتها.
لجأ باريش لآسيا كحل مؤقت في متابعة حالة السيدة امينة، طلب يوسف أن يوفر باريش مربية خاصة تكون بجانبها بكل الأوقات خوفا من تركها ليلا وحدها.
رد باريش عليه
"أنت محق بهذا وخاصة فترة الليل كما نعلم اخر تحاليل لم تكن مرضية وعلينا أن نحذر ونكثف اهتمامنا كما قال الطبيب. سأبحث بالأمر رغم أن وجود مربية أخرى ستحرمنا من أشياء أخرى كما أنني أخشى…"
صمت باريش ليتحدث يوسف
"لا داعي للبحث أعرض على تلك الفتاة مبالغ إضافية لكي تقبل. لماذا نبحث عن بديل وهو أمامنا الفتاة جيدة وأمينة ليس لها أحد كما أن أمي تحبها ماذا نريد اكثر من ذلك أعرض عليها ما يجبرها على الموافقة"
رد باريش بوجه مبتسم
"انت لا تعرفها انها لا تشبه النساء بطمعهم. خلوقه وخجولة تحب الخير ومساعدة الجميع دون مقابل. تحرص على صلاتها كما تحرص على حجابها و ملابسها الواسعة. حقا انها غريبة بعالمنا أنا لم أرى شفافية وصفاء وبساطة بالفكر والأحلام كما رأيت بها"
ابتسم يوسف وهو يتابع حديث صديقه الهيمان بإعجابه الكبير بجارته تركه يصف له لقائهم وخفض عينيها أثناء حديثهم و وضعها حواجز أخلاقية أمام الجميع لا يستطيع أحد تخطيها ولو بالمزاح.
انتبه باريش على نفسه ووجه صديقه ليقف عن تحدثه بعيون تشارك يوسف تبسمه.
اوما كبير عائلة بيرقدار رأسه متحدثا بابتسامة مختفية
"تشوقت للتعرف عليها.. ماذا كان اسمها؟ سيرين على ما اتذكر أليس كذلك"
ابتسم وجه باريش أكثر وهو يجيبه
''من أين أتيت بسيرين"
تعجب باريش متساءل
"ألم اذكر اسمها أمامك من قبل"
ابتسم يوسف غامزا
"لا عليك يحدث ذلك حين يكون العقل شاردا بكثرة الأعمال طبعا"
ضحك ساخرا من وضعه
"ذهب حقنا لنتحلل هنا دون مخرج"
ضحك باريش أيضا رغبة بإخراج صديقه من همه الذي يظهر بعينيه الضاحكة.
هدأ يوسف من قهقهته قائلا
"لتقنعها بطريقة تناسب حالتها ومعاييرها" تغيرت نبرته لتصبح اكثر جدية
"أمي بحاجة كبير لذلك. التحاليل غير مرضية أنت تعلم أنني سأتحمل أي شيء إلا أن أكون شاهد على تدهور حالتها بسببي دون دخل، الموت اسهل لدي مما.."
قاطعه باريش برده
"لا يوجد موت او خسارة سأعمل وابذل قصار جهدي لأجل ذلك. حتى لأخبرك بشيء لا داعي لتدخل احد غيرنا الوضع حساس فلنتولى انا وانت الأمر من بعد الان"
حققت هوليا حلمها بعد افتتاحها لمعرضها الكبير الذي شاركها به عدة أسماء مرموقة بمجالها الفني ازدهرت وتألقت تحت الأضواء بجمالها وضحكها وتدللها على الشخصيات الهامة.
لم يكن ذلك من فراغ فهي حقا موهوبة بتخصصها عرفها الجميع بتميزها وتفوقها أثناء دراستها بالجامعة، كما انها حازت على شهادات تقدير مميزة أثناء تخرجها مما جعلها الأولى على دفعتها مع مرتبة الشرف.
ورغم تميزها الا ان الجميع كان يعلم وقوف والدها بالمال والنفوذ العالية خلف تلك الأضواء لتزيد شهرتها ولمعانها، أصبحت هوليا النجم الصاعد بسماء عالمها حيث كانت تنجح وتزدهر كل ليلة عن سابقتها لتزداد ندما على العمر الذي امضته بزواجها من يوسف.
هذا النجاح جعلها تنقم على نفسها وتصفها بالغبية والحمقاء لانها سمعت صوت قلبها ووقفت أمام والديها لتتزوج من يوسف دون أن تصنع اسمها ونجاحها أولا.
تذكرت هوليا أحاديث والديها وهم يرفعونها للسماء بمدحهم لتميزها وجمالها وذكائها وموهبتها الكبيرة التي ستدفن خلف ستار الحب والزواج.
حملت طفلتها نتيجة قرارها الخاطئ كما كانت تعتقد، كبر الغرور وحب النفس بداخلها حتى ابتعدت عن ابنتها تاركة نفسها لحجج واهية بني من خلالها حواجز كثيرة بينهم حتى أصبح القلب صلبًا لا يشعر بالأمومة. كل ما تفكر وتهدف له ان لا يقف أحد أمام سعادتها ونجاحها المرموق كما تحلم.
(مع الأسف هناك الكثير ممن يفكرون من هذا منظور. يعتقدون ان الزواج قيود حديدية يكبلون بها، فالمتزوج لا يحق له النجاح والتفوق والازدهار. ينظرون من زاوية أحادية المنطق، يضعون أنفسهم بدائرة الاختيار بين النجاح والزواج. تربية الأولاد و الأنا الذاتية. بين الحقوق والواجبات، وهذا ما يجعل الاختيار فاشلا معهم بل ويجعلهم تعساء بالجهتين. يرون أنفسهم فوق الجميع يسعون دائما للمثالية الأنانية دون أن يشعروا بذلك. يمثلون دور التواضع والحب التواصل مع الجميع وهم عكس ذلك تماما…مع الأسف أصبحت تلك الظاهرة قاعدة لدى الكثير من الفتيات والمتزوجات وكأن الزواج وحش مخيف لا يجمع بين النجاح والاستقرار النفسي والحقوق والوجبات)
بهذه الآونة بدأت حالة السيدة أمينة تتدهور بسبب سوء حالتها الصحية ومشاكلها الناتجة عن جلطة بالقلب مع خلل بنسب الضغط والسكر. ومؤخرا أصيبت بخلل في وظائف الكلى و كسور بوظائف الكبد الناتج عن الحادث الذي تعرضت له قبل أقل من عام، وهذا ما جعلها تنام كثيراً بالصباح والليل على غير عادتها.
لاحظت سيلين ارتفاع حرارة أمينة وتغير لون وجهها، تحدثت معها منتظرة اي ردة فعل من عينيها او وجهها ولكنها تفاجأت بإغماض عينيها دون استجابة لها.
استدعت باريش سريعاً من عمله ليأتي و معه الطبيب الخاص بالحالة وبعد الفحص تبين انه كان انخفاض مقابل ارتفاع نسب السكر بالدم، بجانب اعراض نتجت عن زيادة خلل وظائف الكبد والكلى.
حاول الطبيب السيطرة على الوضع من خلال تركيب محلول طبي للمريضة واضعا به عدة أدوية تساعد بتنظيم النسب.
طلب باريش من الطبيب البقاء بجانب أمينة حتى تستقر حالتها اتفقا على ذلك ليجلس طوال الليل بالغرفة.
بالصباح عاد باريش من عمله الذي أجبره على البقاء طوال الليل في الخارج، توجه لمنزل أمينة ليطمئن عليها أخذه الطبيب لخارج الغرفة ليحدثه
"هناك شيئ غير مفهوم إما أنها لا تأكل بشكل جيد لهذا. واما أنها تناولت أطعمة ممنوعة بكميات كبيرة بأوقات غير منتظمة. انا لا ارشح هاتين الاحتمالين لان النسب التي أمامي تؤكد لي أن هناك قصور في تناول السيدة أمينة ادويتها بشكل منتظم، نشكر الله انها مرت على خير هذه المرة ولكن ان تكررت مرة اخرى ستكون العواقب كبيرة لأنها ما زالت لم تتعافى من آثار الحادث".
تعجب باريش مما سمعه
قائلا "لا تقلق من بعد الآن سأتابع دوائها بشكل شخصي أعدك لن يتكرر نفس الخطأ مرة أخرى"
وهنا اعترفت آسيا بخطئها أمام ضغط باريش عليها وأكدت نسيانها وعدم اهتمامها لمواعيد الدواء مؤكدة انه لم يحدث منها عن قصد فهي غير معتادة على هذه الأشياء.
تم تعديل مواعيد العلاج كي يجعلوها مناسبة لأوقات تواجدهم بالمنزل.
علم يوسف بيرقدار بتدهور حالة امه بسبب الإهمال وهنا لم يستطع احد السيطرة على صوته وهو يئن بالصراخ ليسمعه كل من في المكان..
"اخبرتك ان لا تبحث عن عمل، اعطها ما تريده. خصص لها مبلغ كبير شهرياً كي لا تتركها، اذا كانت هي سبيلنا الوحيد فافعل المستحيل لارغامها على ذلك"
وعده باريش أن يجد له حلا سريعا لذلك وان يعمل جاهداً من اجل القبض على من اجبروه بتحمل هذا الوضع ومحاسبتهم بشرط ان يهدأ اولاً"
وبيوم جديد بدأت سيلين رحلة بحثها عن عمل مناسب، أرهقت كثيرا بخروجها في الصباح لتقدم ملفها بأكثر من شركة وتعود بوقت مبكر بحيث لا يتعدى مكوثها خارج المنزل الساعة الثالثة مساءً من أجل رعاية أمينة دون مقابل رافضة التخلي عن حلمها الوظيفي وبناء حياة مستقلة مستقرة.
لم يكن امر عودتها بيدها هذه المرة حين تجمعت كل السبل لتأخيرها حتى وصلت الساعة للخامسة دون عودتها.
نظر باريش للساعة بيده متحدثا "غريبة ليس من عادتها التأخر لهذه الساعة، لا أعرف ماذا أفعل هل نذهب ونسجل تعارفكم ليوم آخر"
وأثناء حديثه سمع صوت الباب يُفتح وقف قائلا "النهاية"
وقف الآخر بقلق "أتمنى أن تتفهم الوضع الجديد دون رفض او تخلي"
حدثه باريش بصوت منخفض
"لا أستطيع إعطاءك وعد في ذلك كان عليك أن تفكر بذلك قبل إيصال سوالف شعرك بقرب رقبتك"
تفاجأت سيلين بوجود ذلك الرجل ذو الهيئة الغريبة بشعره الطويل العائد جميعه للخلف عن طريق مثبت خاص لامع. بجانب سوالف طويلة تصل لأسفل الأذن بشكل كبير غير مهذب وشارب طويل عريض كثيف. ملابسه غريبة لا يهتم بها وكأنه يتبع موضة من قديم الازل. قميصه مزخرف برسومات والوان مزعجة يظهر عليه الفقر أو الحالة المتعسرة. لوهلة عادت لخوفها كونها شعرت بانتسابه للاشخاص المنحرفين.
تحدث باريش سريعًا
"اعتذر لعدم اخبارك بوجود الضيف"
نظر بجانبه وهو يضع يده على كتف ذلك الرجل قائلا
"اعرفك على المعلم حسن ابن أخ السيدة أمينة، جاء من سفره وأراد رؤية عمته"
نظر حسن نحوها ليجد فتاة جميلة و بعيون واسعة ووجه شديد البياض يشبه القمر في وسط هذا السواد الحالك الطاغي على ملابسها تحدث بوجه المبتسم قائلا
"اعتقد انه ليس لقاءنا الاول"
وبدأ يقص على باريش اصطدامهم قبل شهرين أمام البناية
اتسعت عين باريش وهو يحذره أن لا ينسى نفسه.
نظرت سيلين نحو أمينة بصمت متأذية من شكل حسن وهيئته وطريقة سيره الغريبة وكأنه يسير بأكتافه فقط.
تحدث حسن من جديد ليوجه لها شكره بأدب وذوق عالي، هزت سيلين رأسها بهدوء واستغراب فصوته وطريقة كلامه لا تتماشى مع هيئته ووضعه
وكالعادة خجلها امام اي شخص يجعلها مخفضة الأعين و محمرة الوجنتين.
نظر باريش نحو حسن كي يحذره و يصمته فكلما تحدث بهذا الشكل كلما اقترب فضحه.
علمت سيلين بوضع انتقال المعلم حسن لمدينتهم وأنه سيناوب معهم في الاهتمام بعمته أمينة فترة تغيبهم بالصباح.
انتهى اللقاء السريع باستاذانها وصعودها للأعلى بعقل يفكر بمظهر وهيئة وصوت ذلك الغريب.
انهت صلاتها لتشرد مطولا وهي تنظر أمامها تتذكر الاصطدام وحالته المرتبكة.
وقفت وهي ترفع سجادة الصلاة لتضعها جانبا وتتوجه لفراشها بحالة غير مفهومة
كالهدوء الداخلي قبل الخارجي والشرود التام.
نامت سيلين على فراشها ورفعت غطائها فوقها و هي تسمع لصوت حسن بأذنها متسائلة كيف لهذا الصوت الجميل المليء بالحنان والشجن أن يكون لرجل كهيئة ذلك الرجل الغريب
ظل صوته بأذنها وهو يقول لها اعتقد انه ليس لقاءنا الاول كيف قالها وكيف كان يشرح لباريش اصطدامهم بطريقة ارستقراطية، فبرغم وجهه الغريب إلا أنه يمتلك عيون ضاحكة لها سحر مختلف
هذا ليس بغريب فأحياناً يكون المظهر مختلف عن ما بداخل الإنسان
ولكن الأغرب حقا هي الحالة التي دخلت بها سيلين من شرودها غير طبيعي مع تردد الصوت وتذكر الهيئة والعينين دون خوف او ذعر حتى انها نامت ليلتها دون ان تتذكر الوحش الذي يظلم عليها لياليها.
بهذا الوقت في قسم الشرطة كان باريش يرحب بصديقه الضابط نجدت
"اهلا بك بمدينتنا"
تبادلا أطراف الحديث عن عائلة كل منهم واوضاع البلد حتى تحدث نجدت
"جئت وأنا متحمس لمساعدتك واخذ علامتنا كاملة كالسابق"
تحدث باريش بجدية قائلا
"ليس الأمر كما تظن"
رد نجدت "أخبرني إذا. تعلم أنني لم أبلغ بشيء جميعهم تركوا هذا لك"
اجابه باريش
"نعم من الأفضل حدوث ذلك كي لا نفقد ما وصلنا له. سأحكي لك القضية باختصار كبير وبعدها سأعطيك الملفات لتنظر لها بنفسك ومن ثم نجلس لنتحاور لنصل لخطة محكمة"
اوما نجدت برأسه ليكمل باريش
"سأبدأ لك من لحظة تعرض عدة رجال أعمال لضغط كبير من قبل *منظمة* *مااافيا* الأعمال التجارية، الخطورة ليست فقط بقوة المنظمة بل في إدارتها التي تقع خارج البلاد وهدفها الكبير للتأثير على الدولة وانهيار اقتصادها. مع الاسف نجحوا بتحطيم وتدمير عدة رجال أعمال لهم اسم كبير بالدولة وهناك من اخبر الشرطة ليساعدوه ومن ضمن الذين لجأوا لنا صديق لي جاء وأخبرني بالضغوطات التي تعرض لها بحثنا وتأكدنا من خطورة الأمر. تم وضع خطة كبيرة توحي للمافيا نجاحهم للوصول لهدفهم. ببيع هؤلاء الأشخاص شركاتهم وتخليهم عن أعمالهم و دخل بعضهم السجون لتعثرهم مادياً حتى يطمئنوا ويسقطوا بأيدي الشرطة. ليس هذا وحسب فلقد وصل الحال لتهديد رجل أعمال بعائلته وروحه كي يقوم بأعمال مخالفة للقانون تضر البلد كالعبث بمواد الغذاء ومواد البناء والتقارير المخالفة وغيرها من أعمال تسقط اقتصاد أي مؤسسة. كما نشبت مشاجرة كبيرة بينه وبين كبيرهم وهذا عائد لطيش زوجته التي كانت تترك الأبواب مفتوحة مع الغير بسبب تحررها الزائد. هددوه بشخصه وعائلته ولم يكن تهديد للترهيب فقط فهناك محاولة اغتيال فاشلة أعلنت الشرطة بعدها عن وفاة والدته إثر الحادث وإنقاذ رجل الأعمال بصعوبة.
ومن هنا جاءت الخطة الاخرى وهي جعلهم يتوهمون أنه نفذ ما طلبوا منه وعند تسليمه لمواد البناء المشكوك بها تم إلقاء القبض على الطرفين من قبلنا وهروب الرأس المدبر مما اجبرنا على إبقاء رجل الأعمال أميري يوهان بالحجز لسلامة حياته حتى يتم ضبط باقي أفراد المافيا متورطون بأعمال أخرى علماً أنهم معروفون بأسمائهم وحركاتهم أمام الشرطة ولكن تبقى فقط إلقاء القبض عليهم وهم متلبسين بجرائمهم"
تحدث نجدت قائلا
"من الواضح أنها معقدة وغير سهلة كما اخبرونا"
أجاب باريش ليؤكد ما يقوله
"عن أي سهل تتحدث أنها قضية أمن دولة"
بيوم جديد عادت سيلين لمنزل أمينة بوجه فرح مبتهج وقلب يملأه الحماس.
دخلت المنزل مقتربة من أمينة وهي تضحك وتقول "واخيرا استجاب الله لي. على الاغلب وجدت عمل. وفقت بالمقابلة واخبروني انهم سيتواصلون معي مرة اخرى".
ابتسم وجه أمينة فرحا لما سمعته
لتقترب سيلين بفرحتها وتقبل رأسها مكملة
"اعتقد انه تم الأمر هذه المرة"
شعرت سيلين باختلاف حالة أمينة فعيونها اكثر حيوية و وجهها سعيد بل مشرق على غير عادتها
أكملت حديثها وهي تقول
"سأصعد لتبديل ملابسي سريعاً وأتي اليكِ كي تتناولي طعامك وتأخذي دوائك"
استدارت لتخرج من الغرفة وهي تكمل بحماس "لا أتأخر.."
لم تكمل كلامها حتى صرخت بصوت مرتفع
يتبع ..
إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا.