رواية الليالي المظلمة
بقلم أمل محمد الكاشف
تملك خوفها المعهود منها لتتجمد بمكانها دون ان تتحرك، اختنقت بأنفاسها وكأنها تشعر بيده تمتد من جديد لتطبق على فمها وهو يشرع بفتح ملابسها في غرفتها بتلك الليالي المظلمة.
انتفض جسدها و ارتجفت من ذعرها، بهذه اللحظة شعرت بأيادي صغيرة تضغط على أرجلها لتحتضنها منهم
تسلل لاذنها صوت لي لي وهي تنادي عليها
" ليــيين" كان صوتها الباكي و هي تستنجد بها يهز داخلها
ابتسم الوحش ابتسامة شيطانية لإدراكه أنها ما زالت على وضعها وخوفها وذعرها
سقطت نظراته الدنيئة على صغيرتها، امسكتها سيلين ووضعتها خلفها لتخبئها من عيونه الرزيلة
بدأ يتحرك نحوها وهو يحدثها بخبث وعيون مستذئبة
" كيف استطعتي تركي والبعد عني يا جميلتي" ونظر للطفلة مكملًا
"أرى أنكِ تجاوزتني سريعًا"
تحركت للخلف بخطوات ثابتة كعيونها ليكمل هو حديثه فرحًا
"اصبحتي ملكي ولي من جديد. لا تقلقي هذه المرة لا يوجد ام نخشى استيقاظها فقط انا وانتِ بهذا المنزل الجميل "
ابتلعت ريقها خوفًا كما زاد صراخ الطفلة الذي لم يصل لاذنها بشكل كامل بعد ان انفصلت عن عالمها ككل مرة، باختلاف تخبئتها هذه المرة لصغيرتها خلفها خوفًا عليها.
تحدث مرة اخرى وهو يحاول ان يرى الطفلة من خلفها قائلا
"أهي ابنتكِ أم تزوجكِ لأجل الاعتناء بها "
وضحك مقترب اكثر تجاه الطفلة التي خلفها كي ينظر لها، كادت ان تنهار كليًا هذا ما يظهر على حالتها وصمتها.
وفور سمعها كلماته المملؤه بالإعجاب بذات الشعر الذهبي والعيون الملونة تحولت سيلين لشخص آخر
تغيرت ملامح وجهها للغضب بعيون أكثر حدة وقوة، كان من المتوقع صراخها او طلب النجدة ولكنها على غير المنتظر منها استدارت واسرعت بسيرها للضغط على زر معلق على الحائط عدة مرات بكل قوتها وغضبها وخوفها على طفلتها.
ليضج على اثر فعلتها صوت سرينة الانذار في المنزل والسكن، نظر الوحش حوله بعيون واسعة مليئة بالذعر مصدومًا بالصوت المفاجئ
اقترب ليعنفها وهو غاضب أغلقت ذراعيها على طفلتها بقوة لتحميها من قبحه
وهذا ما جعله يحاول اخذها منها كي يعاقبها على ما فعلته، صرخت ودافعت عن الطفلة حتى اصبحت تحتضنها بقوة وهي تصرخ بأعلى صوت مستنجدة بيوسف كي يساعدها.
فبرغم قوتها و برغم تمسكها بالصغيرة واحتضانها للحفاظ عليها منه و برغم من نجاحها بارتفاع صوتها أمامه طالبةً النجدة
إلا أنها كانت تمر بنوبة ذعر قوية هذا ما يظهر بانفصالها عن العالم ومناداتها على شخص غير موجود ليأتي وينقذها كما كانت تفعلها بالسابق حين تنادي على ابيها.
لم يلبث الوحش كثيرا فكان عليه الهروب السريع قبل وصول الأمن، لم يستطع أخذ الصغيرة كي يساوم عليها ولكنه تمكن من الهروب على اخر لحظات.
جاء الأمن ليتفاجأ بحالة سيلين وندائها على زوجها كي ينقذهم وايضا عدم تجاوبها معهم لفهم ما حدث و صراخ الطفلة الذي أصبح متواصلا بخوف وذعر.
تم إبلاغ أورهان بتهجم شخص على السيدة سيلين.
وهذا ما جعل يوسف الذي كان شاهدا على المكالمة أن يخرج من الشركة كالمجنون يطير ليصل لها بأسرع وقت. بفضل المسافة القريبة بين الشركة و التجمع السكني
استنفر المجمع السكني بكامل قوته ليعلموا كيف حدث ومن هذا الرجل وكيف تسلل لها.
وصل يوسف للمنزل وهو يبحث عنها بعيونه الواسعة الخائفة أسرع نحوها وهو يستمع لاستنجادها به، دقق النظر لهم كي يطمئن قلبه انهم بخير ولم يتأذوا.
حاول اخذ ابنته من بين يديها ولكنها لم تتركها له متمسكة بها تنادي عليه دون رؤيته كي ينقذهم.
ذهبت بنوبتها و انتهت من ذعرها فأصبحت لا تستجيب لأحد ولا تريد ترك الطفلة التي ما زالت تصرخ من خوفها وهي تنظر لأبيها مستنجدة به.
علا صوت ندائه عليها ليطمئنها
"انا بجانبك" دون نتيجة لم تستجيب له مما اضطره ان يحتضنهم بداخله وهم على نفس الوضع ليشعرهم سويًا بالأمان.
لم يستطع اعطائها المهدئ الخاص بها وهي بهذه الحالة وهذا ما جعله يستنجد بالدكتورة سيفدا التي جاءت على الفور وأعطتها حقن المهدئ بجرعة زيادة عن المعتاد لتؤثر بها سريعًا
عنف اورهان أمن المسكن وهددهم بفضاحهم ومحاسبتهم ان لم يستطيعوا الإمساك به ومعاقبته تم تجميع الفيديوهات من قبل غرفة المراقبة ليعلموا أنه تسلل للسكن عن طريق سيارة نقل المياه المحلاة للمجمع.
ومن ثم اعتدى على احد العاملين و انتحل شخصيته بشكل عشوائي غير مرتب. لدرجة انه لم يحسب حساب الكاميرات معتقدا انه سيهددها وستكون بين يديه من جديد. لم يتوقع قوتها التي ظهرت فجأة.
ظل يوسف طوال الليل بجانبها وهو محتضنها يهون عليها خوفها وذعرها حتى الصباح تحرك رأسها المدفونة داخل صدره تحاول الاحتماء داخله
استيقظ اورهان وذهب لغرفتهم طرق الباب. تحركت سيلين للخلف وقد بدى عليها التحسن تحرك يوسف هو ايضا ليفتح الباب مجيبًا "تفضل يا أبي"
تسمر أورهان لعدة ثواني بعد سماعة كلمة أبي تخرج من فم يوسف بتلقائية كبيرة، أخذ يوسف ابنته من بين يده وقبلها ليتحدث اورهان قائلا لسيلين
" كيف حالك الان هل تحسنتِ"
أومأ يوسف برأسه
" نعم اصبحت افضل من الأمس"
وقفت بجانب الفراش وهي تنظر نحوهم لترفرف لي لي بيديها كي تذهب لحضنها وهي تنادي على اسمها، اقتربت من يوسف واخذتها منه لتقبلها بقوة من رأسها وهي تضمها داخلها وكأنها تطمأنها " لا تخافي"
تحرك أورهان وهو يقول لهم
"هيا بنا لنتناول فطورنا كي لا أتأخر على الشركة..."
ونظر ليوسف مكملًا
" ابقى انت اليوم لا يوجد جديد في الشركة تستطيع متابعة الأمور عبر النت"
وبالفعل ظل يوسف يعمل طوال اليوم من المنزل ليحسن هذا من حالة زوجته التي شعرت باطمئنان أكثر بسبب وجوده بجانبها
ومن الحين للآخر كانت تنظر للصغيرة وهي تتذكر نظراته لها ومحاولة اخذها من بين يدها، تذكرت وجههُ و كلام اورهان
" حان الوقت معاقبته لا يمكننا تركه، فحريته اكبر خطأ بحق البشرية فاالله عليم كم شخص تأذى منه"
ظلت طوال اليوم تفكر بكلام اورهان بجدية
انتظرت المساء حتى عاد وتجمعوا حول مائدة العشاء لتفجر القنبلة بوجه الجميع وانا تريد فضح ومعاقبة زوج امها، لم ينتظر احد قرارها بهذا الوقت وخاصة زوجها الذي لم يصدق ما يسمعه فأخر شيء يمكن التفكير به هو قرارها بالتصدي للوحش ومواجهته ومحاسبته
استهان يوسف بحديثها أول الأمر ولكن بعد أن تأكد من جدية قرارها وقف ورفض بقوة
تحرك أورهان من بعده وسألها
" هل فكرتِ جيدِا؟ هل أنتِ متأكدة من قرارك؟"
غضب يوسف أكثر مجيبًا على أورهان
"لا يمكن حدوث ذلك، سيبقى الوضع كما هو عليه وانا ساحاسبه على ظهوره لدرجة تجعله يفكر ألف مرة قبل تكرارها"
وبهذه اللحظة تشابكت اراءهم المختلفة وأصبح كل منهما يحاول إقناع الآخر برأيه
وقف اورهان بصف القصاص لابنته وبقي يوسف في جبهة المضادة لهم بقوة غريبة.
لم يتوقع اورهان منه هذا الموقف كما حزنت سيلين وهي تنظر له نظرات مختلفة.
مرت رياح شديدة التوتر بالمنزل ليتهرب يوسف للنوم المبكر متحججًا بابنته تاركًا زوجته خلفه مصدومة من موقفه معتقدة انه يخجل مما حدث لها .
ظل اورهان بجانبها يشرح لها سهولة الامر وانها لن تستطيع الخروج من تحت وطأة ما مرت به الا بمعاقبته و ايقافه عن الاستمرار بجرمه وتخليص البشرية منه. وان الوقت المناسب قد جاء لإثبات سوئه لما يملكونه من فيديوهات مسجلة عبر كاميرات المراقبة وتخطيه أمن السكن و تهديدهم ومحاولة اخذ الطفلة منها كل هذه الأمور ستكون بصفها وتقوية جبهتها كثيرا ولذا من الضروري التصدي له اليوم قبل غد.
زاد حديث اورهان من قوة وإصرار وجدية سيلين مما جعلها تواجه يوسف بالصباح وتطلب منه أن يحاورها ويشرح لها سبب رفضها، تحجج بوجود عمل مهم في الشركة يجب عليه الإسراع بالخروج لأجل انهائه
مرت عدة أيام بتوتر وازدياد يوسف عصبية وغضب وهروب من التحدث مع سيلين او اورهان حتى انه نام بمنزله اليوم الأخير بحجة جلب ملابس ومستلزمات ضرورية وتأخر الوقت مما اضطره أن ينام هناك.
وعلى العكس تماما ازدادت سيلين اصرارا على قرارها وأصبحت تجلس بالساعات أمام الحاسوب لتقرأ عن هذا النوع من القضايا وأثرها الإيجابي والسلبيات على الضحايا
تم دعوتهم بهذا اليوم لاجتماع طارئ لجمعية *معاً لمستقبل أفضل*..
قررت سيلين الذهاب للاجتماع كي يكون اختبار أمام نفسها هل حقا اصبحت قوية لا تخاف أم ستعود الى وضعها الضعيف عند أول اصطدام
عارضها أورهان اكثر من يوسف هذه المرة قلقا من ضعفها وانهيارها وخوفها الذي من الممكن أن يسيطر عليها بأي وقت ليهدم الوسط و ينهي قرارها بالتصدي للوحش.
سمع يوسف حديث أورهان وهو يقول لزوجته
"اخشى ان تتأثري او يتسلل الخوف لقلبك وحينها لا يمكنكِ الصمود مرة اخرى"
ومن هنا قرر يوسف تشجيعها على الذهاب كي ترى بأم عينيها كم هو محق وكم السلبيات التي ستؤثر عليها جراء هذا القرار.
ذهب الجميع بحالة من التوتر والارتباك والقلق ليعود يوسف لعقله فور وصولهم لمقر الجمعية وهم يهمون بالدخول.
نظر لباب المقر ثم نظر لها بعيون نادمة خائفة مما ينتظرها بالداخل. وكيف لا يندم وهو من لا يتحمل حزنها وخوفها
جلسوا جميعا بأول صف بجانب اورهان ليزيد الأمر من توتر يوسف الذي ظل ينظر لمحيطه ويفكر كيف سيخرجها بهدوء وسرعة عند حدوث أمر عارض.
وبعد الترحيب والسلامات المتبادلة بين أعضاء الجمعية والضيوف جلس الجميع بإمكانه
لتصعد مديرة الجمعية لتلقي عليهم سبب الاجتماع العاجل بالبداية تحدثت عن الطفولة قائلة
" الطفولة هي أصدق وأجمل ما في الإنسانية، هي الصفحة البيضاء بقلوبنا، تلك القلوب البريئة الطاهرة النقية، ما زلنا نعشق تلك الفرحة التي ترسم ملامح وجوهنا حين يهدينا احدهم لعبه أو بالون، نتمنى دائما ان يعود بنا الزمان حيث كان اقصى امنياتنا شراء ملبوس العيد وحلوى السكر فحينها تبتهج حياتنا بالسعادة والفرح، فالأطفال كالملائكة يملكون قلوب طاهرة قلوب صادقة لا تعرف الكره والحقد والخيانة والغدر، نعم كبرنا ولكننا ما زلنا نعشق الطفولة ما زلنا نغمض اعيننا شوقا ان نعود لتلك اللحظات حتى وان كانت بالأحلام. ولكن تمادت الوحوش البشرية اكثر واكثر حتى وصل بهم الحال ان يجعلوا من طفلة صغيرة بريئة فريسة لهم. هي لا تعلم أن براءتها وكلامها الذي ما زال لا يُنطق كاملًا و جمالها الطفولي الذي يكمن بنعومة أناملها سيكونان ضريبة تدفع حياتها ثمنا لها، اعتذر للإطالة سأدخل بالموضوع. نحن هنا اليوم للتصدي لنوع جديد من الوحوش البشرية التي أصبحت وبشكل منتشر تستهدف أطفالنا لتعاقبهم على جمالهم وبراءتهم الطفولية.
ولهذا قررت الجمعية إعلان مسؤوليتها عن قضية الطفلة ( ا. ج) هذه الطفلة التي جذبها ابن عم امها بكلامه الجميل و اهدائه الحلوى والالعاب لها حتى اعتادت عليه ومن ثم اخذها كالذئب المستوحش ليس وحده بل هو وذئاب آخرين.. ليكللوها بالأربطة وبدأ كل منهما الاعتداء عليها بالدور ليقضون
قذارتهم و رذيلتهم المريضة بها وهي ملحفة الأعين برباط عريض، لا تفهم ماذا يحدث بها فقط امتلائها بالخوف والذعر والألم مما يفعلوه "
صمتت مديرة الجمعية بحزنها الذي خيم على جميع من بالقاعة، امسك يوسف بيد سيلين وهو يحثها على الخروج واكتفائها بهذا القدر، رفضت وجاهدت نفسها محاولةً منها ان تكون اكثر قوة وثبات وهذا ما جعله اكثر خوفًا من قرب انهيارها المفاجئ الذي لا يستطيع أحد التغلب عليها دون فضحها أمام الجميع.
أكملت مديرة الجمعية لتصدم الجميع عندما تغير صوتها ليغلبها صوت بكائها وهي تقول " لم يكتفوا بأخذ براءتها وعذريتها بالتوالي بل تمادوا بشرهم ليستأصلوا أعضاء جسدها بدم بارد دون أي تخدير"
تساقطت الدموع فارة من اعينها لتقول بصوت بالكاد يفهم من شدة اختناقها وبكاءها " اي ظلم هذا الذي عايشته طفلة صغيرة قبل مفارقتها للحياة اي خوف و اي ذعر واي الم لفتح بطنها واستئصال أعضائها وهي بين الحشائش مكبلة مغممة. من المسؤول عن ( ا. ج) هل الوحوش أم المجتمع الذي سمح للوحوش العيش بيننا. هل نعيب على وجود الوحوش بيننا و العيب بنا . هل نبكي و نطالب بأقصى العقوبة ونحن من تخلينا وظلمنا و تبرأنا من المجني عليه"
صعدت فتاة شابة بالمناديل لتهدئ من روع المديرة الذي لا يقل حالا عن وضع جميع من بالقاعة تأثرا بالواقعة المريبة.
ارتجفت سيلين من حزنها وبكائها رافضة الخروج ومصرة على الاستمرار بحالتها المزرية. ساءت حالة يوسف وخاصة عندما علم ان الضحية لم تكمل عامها الخامس.
تحدثت المديرة مرة اخرى بلسان أكثر حدة وقوة وغضب قائلة
" نحن الذين أعطينا للوحوش حقًا للعيش بيننا. نحن من اعطاهم حق التمادي بإيذاء ابنائنا. نحن بتسترنا عليهم و خوفنا من الفضيحة و إلقاء الذنب على الضحية أنها لم تحمي نفسها منهم جعلناهم اكثر قوة واكثر انتشارا بل وأكثر تفشي بجرمهم. ولكنني لم اصمت وسأحارب لأخذ حق (ا. ج) وكل (أ. ج) من الوحوش المستذئبين"
وقف الجميع وهم يصفقون لقرار المديرة بالمحاربة من أجل حق الطفلة وأعلنوا تضامنهم ومساندتهم للجمعية بمحاربة هؤلاء الوحوش حتى يلقون أشد العقوبات ليكونوا عبرة لكل من سولت له نفسه أن يكون وحش.
ظلت سيلين جالسة بمكانها تبكي بشدة لا تستطيع الوقوف بعد ان صعب على أرجلها حملها من شدة ذعرها وارتجافها
خبئها اورهان ويوسف عن عيون الحاضرين خوفا عليها كي لا يزداد الأمر سوءا
انتهت أجواء الاجتماع الحزين و رحل الجميع بعد أن أكدوا على دعمهم
طلب يوسف من سيلين أن يعودوا لمنزلهم ليجد أورهان يجيبه بقوة وخوف وخاصة ان الوحش ما زال هاربًا متخفيًا
اقتنع يوسف فهو يرى جيدا انها ليست بحال يمكنه المجازفة فيه أو التجربة
مرت ساعات على وصولهم للمجمع السكني ومحاولات يوسف بتهدئة زوجته التي كانت هذه المرة تبكي وترتجف دون انهيار ولا صراخ ولا مناداة، تجلس بعيون قوية ثابتة تتحدث مع اورهان لتؤكد إصرارها على معاقبة الوحش وعدم السماح له بأذية غيرها.
كررت نفس كلام مديرة الجمعية لدرجة انها اصبحت تلوم نفسها انها بصمتها كانت سببا بحدوث ما حدث مع (ا. ج)
ذعر يوسف و عارضها كثيرا ورفض تحملها هذا الذنب بل رفض القضية بشكل نهائي حتى انه طلب اغلاق الموضوع وعدم التحدث به مجددًا
وقفت سيلين بغضب و ارادة قوية على غير المعتاد لتقول له
" لا يمكنك فعل هذا. انت وعدتني ان تكون بجانبي دائما. وعدتني ان تحميني وتساندي بكل وقت. اين ذهبت هذه الوعود الان"
تراجع عن حدته امام غضبها وصوتها العالي حاول ان يهدئ كي لا يزيد الأمر سوء، تحرك ليسكب لنفسه الماء ليتفاجؤوا أنه من غضبه شرب الكأس كله على مرة واحدة وبعصبيه أكبر وضعه بقوة على الطاولة حتى كاد ان ينكسر ليخرج صوت عالي يُنبهه على ما فعل.
تحرك أورهان واقترب منه وهو يهدئه قائلا "عليك ان تفكر مرة اخرى لا يمكنكم اكمال حياتكم بسعادة وهو يحوم حولهم، عليكم معاقبته لتستطيعوا عيش حياة مستقرة آمنة لكم ولصغيرتكم"
هز يوسف رأسه بالرفض وهو يوجه حديثه لهم
"انا سأحاسبه بطريقتي الخاصه. انا من سيجعله يبتعد عنها. سأهدده و أسلط عليه من جعلوه يهرم بالحبس ولكن لا يمكنني الموافقة على فتح هذه القضية التي ستدمرها وتدمرنا دون نفع"
وقفت سيلين ويدها تمسح دموعها متسائلة بخيبة أمل كبيرة
"هل لهذه الدرجة تخجل مني؟"
صُدم زوجها مما سمعه هز رأسه بالنفي لتكمل هي قائلة
"لا تخف أنا لن اجبرك على شيء لا تريده. انت محق بقرارك كما يجب عليك المحافظة على اسمك و عائلتك ومنصبك و ابنتك. وانا لا اسمح لنفسي ان اكون عائقًا امام كل ذلك"
اغمض أورهان اعينه حزنًا على تراجعها. على عكس يوسف الذي ارتاح داخله عندما سمع كلامها معتقد تراجعها.
دون ان يعلما ما كان ينتظرهم حين اكملت حديثها قائلة
" إلى هنا وحسب. اشكرك على كل شيء، انت من دعمني ووقف بجانبي و ساندني نفسيا من اول يوم ايضا انت من عالجني من خوفي وذعري. لن اسمح بتحملك المزيد. جاء وقت الفراق. كلانا يعلم أنه كان سيأتي لا مفر فبحالتي هذه لا يمكنني بناء مستقبل هادئ معك، سأكون مترقبة دومًا متى سيظهر ومتى سأنهار ومتى ينكشف ويفتضح أمري. لقد تعبت من تحمل هذا الذنب الذي لا يد لي به"
تحدث يوسف بغضب قائلا
"أهذا قدري لديكِ. هل التنازل عني بكل مرة هو الطريق الأسهل والاقرب لكِ. هل سنستمر وانا انتظر متى ستتخلين عني لتنفيذ قراراتكِ "
تدخل اورهان لتهدئة الوضع بينهم بعد ان ارتفع صوتهم و تملكهم شيطانهم
بهذا الوقت رن جرس الباب ليتحرك يوسف لفتحه بغضب ليجد أمامه فردًا من أمن المجمع وخلفه عدد من رجال الشرطة، اومأ يوسف رأسه مجيبًا على سؤال الشرطة الذي أتاه فور فتح الباب
"هي بالداخل تفضلوا"
اقترب أورهان ورحب بالمأمور وأفراد الشرطة الذين معهم وادخلهم للداخل
تحدث المأمور
"لن اخذ من وقتكم الكثير اردت اعلامكم بنجاح القوات بالقاء القبض على المدعو سرحات ولهذا جئنا لأخذ أقوال السيدة سيلين اثر تعديه عليها"
اقتربت سيلين بقوة من المأمور وعيونها على يوسف قائلة "تفضل انا مستعدة لذلك "
سألها المأمور
"كما علمنا ان المدعى عليه انه زوج امك. و اتى إليكِ كي يصلح الخلاف الذي بينكم في الماضي كما قال. ولكنكِ بدأتِ بإخراج غضبكِ وتأثرتِ بنوبة أُصبتِ بها إثر وفاة ابيكِ. فعندما رأكِ بهذا الشكل أصابه الخوف على الصغيرة لهذا كان يريد أخذها منكِ وحمايتها. وطلب منا أن نعود للتأكد منكِ وانتِ ستؤيدين كلامه بعد أن هدأتِ من نوبتك. ولكن للعلم حتى وإن أعطيته الحق فلا يمكننا تجاوز امر تسلله للمجمع تحت أي مبرر حتى وان كان وصوله لكِ لأجل خير كما قال "
صُدم يوسف واورهان من حديث الوحش وتبريره الامر وايضا ارسال عدة رسائل تهديدية لها بطريقة مبطنة و مسالمة.
ولكن صدمتهم الاكبر كانت عند تحدث سيلين قائلة
"أنفي كل ما سبق ما عدى نوبة الذعر. نعم لقد اصبت بنوبة ذعر وفزع ولكن ليس بسبب طفولتي أو وفاة والدي. ولكنها بسببه هو قبل عدة سنوات".
اقترب يوسف منها وهو يحذرها بعينه ويده التي أمسكت ذراعها. أكملت دون الالتفات له قائلة للمأمور
"حدث هذا نتيجة اعتداء زوج امي علي لعدة مرات بعد تمكنه من الانفراد بي و ربط يداي برأس السرير واوقات بربط شعري بقوة بجانب يداي واغلاق فمي. حاولت الدفاع عن نفسي واللجوء لأمي وخالتي ولكن لم يصدقني احد منهم. بل على العكس اغلقت علي امي باب منزلنا وغرفتي ايضا بأغلب الاوقات كي لا يفضح أمرهم واستمر هذا الوضع حتى حررتني خالتي منهم"
وضع أورهان يده على وجهه ليمسحه من تعرقه فحتى وان كان داعما لها فواقع الأمر والإفصاح به ليس سهلًا.
ظل يوسف صامتا يستمع لها ولقوتها بطلب مقاضاته ومحاسبته، رحل المأمور طالبًا منهم التوجه غدًا إلى القسم كي يحرروا محضرًا رسميًا بما قالته ليتم التحري واخذ اقوال جميع الأطراف بشكل موسع.
تحرك يوسف بعد رحيل المأمور صامتًا نحو غرفة ابنته ليحملها على اكتافه وهي نائمة متوجهًا نحو باب المنزل ليخرج منه بصمت وحزن مغلقًا الباب خلفه.
ليبدأ الانهيار الحقيقي الفعلي بعد خروجه.
ولكن السؤال هنا هل سيلين محقة برأيها؟ هل محاسبة الوحش تستحق كل هذه التضحية؟
وهل ويوسف محق بموقفه و بمشاعره؟