recent
جديدنا

أحكي يا شهرزاد الفصل الخامس والأربعين



رددت فاطمة الاعتذار بمرارتها التي ظهرت بنبرة صوتها وعينيها التي تجمعت الانهار بها اكثر من مرة دون أن تستمع لزوجها الذي سحبها لحضنه واضعا رأسها بصدره حاملها على هذه الوضعية صاعدًا بها للأعلى.


 تعلقت الأعين على حالة البدري وصعوده القوي لجناحه الخاصة، علا صوت بكائها الذي بدأ فور إدخالها في حضنه، انزلها أرضا بمجرد عبوره الساتر الكبير، اسرعت فاطمة نحو غرفتها مغلقة بابها عليها لتكمل بكائها الذي ارعد قلبه حزنا عليها.


طرق باب الغرفة وهو ينادي عليها بصوت منخفض يحثها على الفتح ليتحدثا ولكنها لم تستجب ولم تكف عن البكاء.


نزل الدرج من جديد حاملا غضبه وضيقه بصدره واقفًا أسفله مناديًا على سيد بصوت اهتزت له أرجاء السرايا.


خرج سيد من جناحه الخاص ملبيا نداء أخيه، كما اقترب محسن وجميلة مستمعين لحديث الكبير:

 " الحق بي انتظرك بالخارج".


 تحرك الكبير للخارج بكل قوته وغضبه بينما عاد سيد لجناحه بحجة أخذ هاتفه.


نظرت جميلة للأعلى بحزن ثم عادت تنظر لزوجها متحدثة بصوت منخفض:

 " قلبي ألمني عليها أشفقت على المخلوقة من يرى وجهها يعلم جيدا ظلمها، كيف ستمر ليلتها وخاصة أنها وحيدة بهذه البلد".

 

رد محسن بضيق:

 " لا تحزني انا اثق بالكبير، لا يمكنه أن يمرر ما حدث بسهولة. من الآن وصاعدًا ستجد ناهدة بوجهها من يعلمها الحياة يكفيها حقد".


تحدثت جميلة لزوجها:

 " إن لم اراها بعيني وهي تفسد طعام المسكينة ووضعها الكلور على الملابس الجديدة ما كنت صدقت انها بهذا السوء، حزنت ان ابنة عمي تفعل ما تفعله، جعل الله سيرتها بردا وسلاما علينا جميعا هذا لا يرضي الله أيًا كان هي امرأة مثلنا مثلها".


وقف محسن وهو ينظر نحو طبق الفاكهة الذي أُهدر حقه جراء ما حدث قائلا بغضب:

 " لا تحزني سأتدبر الأمر مع أخي، اذهبي لغرفتك لتنامي وانا سأذهب للخارج كي أرى ما سيحدث بينهم ".


خرج محسن و وصل لأخيه الكبير قبل سيد ليكون أول كلمات البدري:   

" أين أخاك".

 

رد محسن:

 " ذهب ليجلب هاتفه ولم يعد".


_" هل ذهب ليستأذن منها أم لتلقنه ما سيقوله أمامي".

 

تحدث محسن لأخيه:

" اعلم انه كان زائد عن الحد ولكن سيد كعادته".

 

قاطعه البدري بغضب:

" عادته ماذا؟، هل وصل بنا أن نقف وسط النساء لنفرض الأحكام المتسرعة ونصر على تنفيذها، أقول لنفسي ماذا كان سيفعل أن رفضت زوجتي الاعتذار".


رد محسن ليهدأ من أخيه:

" لن يفعل شيء أنت تعلم حاله، يتحدث ويغضب وبالاخير يصمت".


تحدث البدري بأعين إندلعت منها شرارة الغضب بكل قوته:

 " لا يحق لأحد أن يفرض عليّ او على زوجتي أمر وخاصة إن كان اعتذارًا". 


خفض محسن عينيه مجيبًا على أخاه:

" العفو منك يا اخي ولكنه كان واضح من الأول افتراء ابنة عمي على زوجتك، حتى اصبح واضح رؤى العين. لماذا لم تتحدث؟ لماذا صمت أمام ناهدة كل هذا الوقت؟" 


اجابه البدري بضيق:

" حتى يرى أخاك بعينه ما نراه، لأجل ما علمه لنا عرابي بيه الذي لم أراه شغل نفسه بأمور كهذه طوال حياته ، كي لا اسمح بروح الشر والوسوسة أن تندلع بيننا اقول لنفسي لعلها تتعظ لعلها تلين بحسن المعاملة لعلها تتغير".


رد محسن:

 " وكيف ستغير عادة غرست بها من طفولتها".


اوما البدري رأسه:

 " حين اعترضت ورفضت زواجهما لم يسمع كلامي احد، وقف بوجهي قائلا احبها واريدها وكلام فارغ كالطفل الذي ارتبط بلعبة ونحى عقله دون التفكير بخطورتها وتجارب الاخرين بها".


صمت محسن بصدر مختنق ليكمل البدري:

 " اتصل به واستعجله".


فتح محسن هاتفه واتصل بأخيه سيد، أجابته ناهدة قائلة:

 " ألمته رأسه ونام على نفسه بعد ان اخذ المسكن مباشرةً".


رد عليها: " ولكننا ننتظره بالخارج".


_" نعم أخبرني انه سيخرج ليسهر معكم بالخارج ولكني تفاجأت بنومه الذي أتاه دون موعد".


اغلق محسن الهاتف ليتحرك البدري بغضبه عائدا للسرايا، وقف أخوه أمامه وهو يستحلفه بالله ان يهدأ كي لا يخسر أخاه بالأخير النساء ستتصالح والنفوس ستهدئ.


- " أي نفوس ستهدأ فليكن رجلا ويخرج ليحدثنا او حتى يرد عليك بالهاتف والله ما يفعله عيب كبير، هل أصبحت أذن رجال العرابية ملك لنسائنا يفعلون بنا ما يشاؤون، اقسم أني سأدخل غرفته الآن وأريه جيدا كيف يستمع لأوامرها".

 

رد محسن على الكبير:

" ليس بجديد على سيد تعلم انه صوت عالي و هيئة مقتضبة بقلب طيب وصافي لا يستحق الأمر خسارته، لا يمكنك كسر أخيك أمام زوجته في حين رفض التحدث أمامها، وإن كان على زوجتك أنا سأصعد لأعتذر منها بصراحة جميلة حدثتني أكثر من مرة عن ظلم ناهدة لها، اعلم انها مظلومة حتى أنني لم أتوقع اعتذارها السريع أمام الجميع كان عليها أن تصمت حتى نتدخل نحن".

 

سأله البدري باستغراب:

" وهل كنت تظن أنني لم أفهم أنها مظلومة، كما قلت لك صمت كي لا أشعل النار واتركهم يتصالحون ويتحابون لاحافظ على رباطنا ومحبتنا نحن الأخوة".

 

خرج البدري من السرايا حاملا ضيقه بقلبه، ظل يقود سيارته للمجهول وهو يتذكر احاديثها معه ومحاولة إقناعه أنها غير مخطئة، تذكر عينيها وهي تنظر له لحظة الاعتذار الذي طعنته به.


أوقف سيارته وصدم المقود بيده قائلا:

" أنتِ زوجتي، زوجة الكبير ما كان عليكِ أن تعتذري لأحد حتى وان كنتِ مخطئة".


قاد سيارته من جديد عائدا للسرايا بضيقه وغضبه وسرعة خطواته التي كانت تقوده للدرج..


أسرعت جميلة نحوه فور رؤيته بهذه الحالة و وقفت أمامه قائلة:

" رضي الله عنك يا كبير وجبرك وسخر لك ما تحبه وترضاه، لا تحدثها الليلة وخاصة وأنت بهذه الحالة أنها وحيدة ببلدنا وليس لها احد سواك هنا، جميعنا نخطأ انتظر واعطي لنفسك فرصة للتفكير بحكمة نحن اعتدنا عليك أن ترى الأمور بعين عقلك لا اذنك، هناك أمور من الممكن أن تكون غفلت عنها، جميعنا مخطئين وناهدة او فاطمة ليسوا ملائكة ان أخطأت زوجتك فمن المؤكد أنه نتاج تراكمات بينهم". 


اغمض عينيه لوهلة فتحها بعدها وهو يتحدث بضيقه:

 " هذا ما عاهدناكِ عليه يا ابنة عمي لا تقلقي لن يحدث شيء اذهبي ونامي لا تتركي زوجك وحده ".

 

تحرك للأعلى وهو يحدث نفسه:

" ياليتك مثل أخيك تحدثنا سويا وافضينا ما في قلوبنا دون أن ندخل نسائنا بهذا، ها هي زوجته تثبت عدم تحدثه معها ان كنت أنت لكان التقرير الفوري وصل للحاجة فهمية وليست ابنتها فقط".


اقترب من باب غرفته وهو يسمي الله وبدأ فتحه ليجده لا زال مغلقا، طرق أكثر من مرة دون إجابة تحرك وجلس على أريكة الصالون غارقا بحزنه معاتبا على نفسه صمته والضغط عليها، كان يعاتب نفسه على تركه لها وكسرها من قبله فلماذا ترتدي وتتجهز وتهتم وهي لا ترغب بأن تكون زوجته مرة أخرى.


  زفر انفاسه الغاضبة ساخطا على نفسه وهو ينظر للأريكة:

" لقد استحقيتها وكأنك تحولت وقتها للوح ثلج".

 

استلقى على الأريكة واضعا ذراعه على جبهته:

" ظلمنا الثلج فإن كان مكاني يومها لكان انصهر وتحول لشعلة نار متوهجة"


 ارتخت ملامح وجهه المقتضب حين تذكر جمالها بالفستان الذي اسلبه روحه.


نام على حالته مستيقظا في منتصف الليل على صوت توته وهي تهدئ سلمى التي سقطت من على فراشها أثناء نومها، استقام وجلس على أريكته وهو ينظر لها خارجة من غرفة الاولاد متجهة لغرفتها تهز الطفلة وتحنو عليها 

 جاء ليحدثها قائلا:

 " علينا ان نتحدث أنتِ فهمتي الأمر …".

 

اوقفته بحركة كف يدها الذي رفع بوجهه:

" ليس وقته الآن اريد ان انام".


 وبقوة وحدة عادت لتستلقي على فراشها محتضنة الطفلة النائمة بين ذراعيها.


تحرك ونام بجانبها مدافعا عن حقه بمشاركتها ليس فقط الفراش بل الحياة بأكملها، استيقظ بالصباح على وقت متأخر نظر بجانبه ليجدها غارقة في نومها اسرع بتحركه وخروجه من الغرفة وهو يغلق الباب من خلفه كي لا يزعجها.


 تفاجأ الأولاد بأبيهم وهو يوقظهم ويحضر لهم سندوتشاتهم بغضب بعد ان اتعبوه من اختلاف آرائهم ومشاكلهم و تأخر ارتدائهم.


 تحدث فارس قائلا:

" أين الحليب الخاص بنا".


نظر إليه باندهاش:

 " هل نزل عليك الوحي الآن ألم تتذمر كل يوم وأنت تشربه، لا يوجد حليب اليوم هيا انزلوا للأسفل".

 

رد باهي: " لم يأتي الاتوبيس بعد".

 

تحدث البدري:

 " انزلوا انتظروه بالاسفل آلمني رأسي من تشاجركم وطلباتكم الكثيرة لا اعرف كيف تلحق عليكم كل يوم".


…….


على تمام الساعة الثامنة صباحا في القاهرة وبعد صراعها مع البرد وسرعة انهاء حمامها خرجت شهرزاد من تحت الماء لترتدي ملابسها القطنية الجميلة بشكل سريع عائدة بعدها لغرفتها متفاجئة بأميرها قد نام مكانها.


 ابتسم وجهها أكثر وتحركت لتمشط شعرها وتضع القليل من أحمر الشفاه، فكرت بما رأته أمس على اليوتيوب تحركت للمطبخ كي تحضر وصفة معجنات محشية بالجبن والزيتون الأسود والبطاطس المهروسة كما يحب هو.



انتهت من عجن مقاديرها الصغيرة وشكلت المعجنات كما كانت ترى بشاشة الهاتف أمامها وضعتهم بصينية فرن لتمسح أعلاهم بالزبدة ومن ثم وضعت حبة البركة وادخلتهم الفرن و من بعدها بدأت بعصر البرتقال الطازج لتكمل باقي الفطور الشهي وتذهب به لغرفتها تدندن بسعادتها.


وضعت الصينية جانبا ثم امسكت ريشة صغيرة خاصة بمشبك شعرها واقتربت من شريف لتضعها بأرنبة أنفه، حرك شريف يده ليحك أنفه مكملا نومه لتعود هي لوضعها من جديد بطرف أنفه، ليتحرك نحو الجهة الاخرى وهو يحك أنفه ايضا شعرت بالنصر والاقتصاص لما فعله بها وضعت يدها على بطنها المنتفخة وصعدت على طرف الفراش لتميل عليه بالجهة الاخرى وتضعها بانفه من جديد دون أن تتوقع الفخ الذي سقطت به.


صرخت ضاحكه هاربة منه وهي تريه ما حضرته لأجله، فرح شريف بالفطور الذي أشبه أحلامه حين زين بالوردة البيضاء الجميلة. 


أخذها بحضنه وهو يقبلها ويشكرها على ما أتعبت نفسها بتحضيره، أمسكت بطنها خوفا على طفلها، تحمس شريف أكثر وأراد شكرها بشكل خاص لولا تحدثها:

" الحمدلله لم يتبقى على محاضرتك الأولى سوى ساعة الا ربع تفطر وترتدي بشكل سريع لتصل بموعدك ".


 وضحكت ضحكة ماكرة:

 " حفظت درسي لا يمكنني أن اتحمم مرتين بنفس اليوم وبهذا الطقس".


ضحك قلبه وهو يفتح هاتفه ليريها رسالة استاذ نديم بتغيير مواعيد المحاضرات لتصبح محاضرته على تمام الثانية عشر من منتصف اليوم.


اخذت الهاتف لتنظر له قائلة:

 " ولماذا لم تخبرني وهل هذا عمل نعرفه من خلال رسائل هاتفية".


حزنت لرؤيتها موعد محاضرتها تحركت لتجلس بجانبه:

 " يالله كنت وعدت أمي أن أقضي اليوم معها، تعلم كم حزنت لعدم زيارتنا لها بهذا الاسبوع". 


فكر شريف قائلا:

 " هي محقة ولكن كما ترين ليس بيدنا شيء، ومع ذلك لنخرج من الجامعة لزيارتهم وتناول الطعام معهم".


سألته:

" والعمل متى سنذهب لأكمال ما تبقى علينا بمقر الدار". 


_" لا تشغلي نفسك لن يهرب من يوم واحد لا زال لدينا وقت كافي".

 


اخذت كوب عصير البرتقال لتعطيه له وقبل أخذه منها غيرت مجرى يدها وقربته منها لتشربه قبله قائلة: " رائع لتسلم يداي".


ابتسم لها وهو يأخذ الكوب الآخر شاربا منه:

 " صحة وعافية على قلبك يا قلبي".


نظر لبطنها واضعا يده عليها:

" صباح الخير يا أميري".


ردت شهرزاد:

 " انبهك اقتربت الصدمة فإن خرجت بنت ستحزن منك كثيرا".


ابتسم و مال ليقبل بطنها قائلا:

" حتى وان حرمتيني من معرفة نوعه أنا أشعر بطفلي وايضا أكدت زوجة خالي على ما اقوله".


_ " ادهشني ما قالته هل كانوا يتعرفون على جنس الولد من زيادة انتفاخ الوجه وثقل الحمل وألم الظهر الزائد".


أضاف شريف لحديثه:

 " وبتعرفون على جماله من وجه الإم ساء أم تفتح بآخر أيامها".

 

وبثقة ردت عليه وهي تمسك انفها المنتفخة:

" ازدت جمالا فوق جمالي لهذا انا متأكدة ان طفلي سيخرج جميلا أيا كان نوعه".


وجدها فرصة ليعرض عليها ما طلبته أمه منهم قائلا:

" بالأمس شعرت بضيق امي وصمتها على غير رضى".


_" ولكني لا اريد ان اقوم بهذه الفعاليات وايضا أنت تعلم أنني تمنيت عدم معرفة جنس المولود إلا بعد الولادة ".


شرب من كأس عصيره وهو يكمل فطوره قائلا:

" كما تحبين بكل الأحوال سأكون سعيد".

 

صمتت وهي تنظر لوجهه وتناوله طعامه.


…….


استيقظت توته من نومها على صوت طرق باب غرفتها من قبل فدوة وهي تقول لها من خلفه:

 " أمرتني ناهدة هانم ان اصعد لانظف المكان وامسحه".


نزلت من على الفراش وهي تنظر لموضع الطفلة التي استيقظت وخرجت قبلها قائلة:

 " تمام نظفي ما بالخارج واتركي الغرفة اخر شيء".

 

تحركت فاطمة مقتربة من الخزانة لترتدي ملابسها الرسمية واضعة على رأسها حجابها، رن هاتفها تحركت لتأخذه مجيبة عليه بصوت حزين: " السلام عليكم".



تحرك البدري بمكانه وهو يرد عليها:

 " وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، اتصلت لأطمئن عليكم هل انتم بخير".


_ " نعم بخير، إن كنت تسأل عن سلمى استيقظت للتو ولم أجدها بجانبي سأنزل لأراها بالأسفل بعد قليل".


فكر كيف يبدأ حديثه واعتذاره منها او حتى فتح أي مجال لاحاديث اخرى دون ان ينجح حين ألجمته نبرة صوتها الحزين وقولها:

 " إن سمحت لي اشعر أنني بحاجة للخروج والتجول كما أنني وعدت ماما فهمية ان اذهب لها من المحتمل ان امر عليها ايضا".


اجابها بسرعة:

 " سأتي لاخذك ونذهب للحاجة فهمية وبعدها نتجول بالسيارة حتى ان اردتي نتناول طعامنا بالخارج".


ردت بنبرة صوتها الهادئ الحزين الحاد:

 " شكرا لك اريد ان اذهب بمفردي".


_ " هل ستتركي سلمى خلفك، والله ان تركتيها أنتِ هي لن تتركك"

 قالها مازحا ليلين ما بينهم.



لتأتيه اجابتها بحدة قوية:

 " اعتذر منك انا بحاجة أن أخرج بمفردي ان لم يكن لديك مانع بهذا".


_ " أعلم أنني أحزنتك مني بل جميعنا احزنكِ ولكني…. 


قاطعته رافضة سماع ما يقول متسائلة:

 " هل تسمح لي أم لا؟".

 

رد بحزن عميق:

 " تمام كوني على راحتك يا فاطمة اذهبي حيثما اردتي المهم ان تكوني بخير ولا تبتعدي كثيرا كي لا يصيبك أذى ".


أجابته لتزيد حزنه:

" حسنا سأفعل شكرا لك".


اغلقت هاتفها مبتلعة ريقها وهي تتجهز لتبدأ سيرها الذي أشبه حالتها، رأتها جميلة تخرج من السرايا نادت عليها:

" فاطمة إلى أين تذهبين بهذا الوقت؟".


استدارت لتصدمها بحالة وجهها وعينيها مجيبة:

" لن اتأخر سلمى أمانة لديكم". 

وتحركت مكملة سيرها هاربة من السرايا وجميع من بها.


لا زال حديث أختها التي تذكرته طوال الليل يدوي بأذنها:

 " كيف ستتحملين حياة مختلفة عن حياتك، ومسؤوليات أكبر من طاقتك مع رجل كبير عائلته، رغم انه جيد الا انه لم يخفي قوته وحدته وتحكيمه عقله قبل قلبه ان كان يفكر بالقلب اصلا".


حدثت نفسها دون صوت:

 " لم أخطأ لقد فعلت الصواب كنت محقة باختياري ، هم سعداء بحياتهم الجديدة يشعرون بالحب والأمان هنا حتى سلمى وفارس ارتبطا بنا لقد كنت محقة".



لم تحملها اقدامها على الذهاب لفهمية وهي بهذه الحالة تحركت بعكس الاتجاه لتسير نحو المجهول بوجهها المكدر المقتضب بحزنها وانقسام فؤادها.


أوقفت سيارة أجرة لتصل بها لأكثر مكان يمكنه أن ينهيها ويبعثرها وهي بهذه الحالة المنتهية.


 اقتربت من قبر مدحت جالسة بجانبه قائلة بقوة وعيون أبت ان تبكي بزيارتها الأولى بعد زواجها، قائلة:

 " هم بخير، يضحكون ويلعبون كما تركتهم، باهي يحب مدرسته كثيرا ويستيقظ قبل معاده للذهاب لها اما هادي فهو كما هو لا يعبر كثيرا عن ما بداخله ولكني أرى سعادته بتلاصقه مع ابن عمه وخروجه الأول على المدرسة بالصف الثالث الابتدائي، لم اندم لأجل ما فعلته ان كنت انت مكاني لاخترت راحتهم وسعادتهم، لم اتجرأ على زيارتك ومواجهتك من قبل، اسمعك نعم اسمع ما تقوله لي ولكني تغيرت وسأتغير أكثر فمن يملكون القوة ليسوا أفضل مني ، سأتعلم كيف اسعد نفسي رغما عن الجميع سأتعلم أن لا أبكي ولا اترك احدا يكسرني".


رفعت يدها لتمسح اولى دمعاتها الحارقة رافضة لضعفها وهي تكمل:

 " نعم سأتعلم هذا أيضا لن أتراجع سأكمل مادمت على الطريق الصحيح لأولادي، سأكمل لأجل سعادتهم حتى وان دفنت وتناثرت تحت انقاض سعادتهم فأنا راضية يكفيني ان أراهم بحالة جيدة يكفي أن يكونوا أسوياء يكبرون في وسط عائلي قوي يستندون عليه وقت الحاجة".

 

وقفت لتكمل حديثها له دون النظر لقبره ولو لمرة واحدة:

 " جئت لأطمئنك عليهم وأخبرك بحالتهم، لا أعرف متى سأعود لزيارتك مرة اخرى، لا استطيع وعدك بشيء رحمك الله وغفر لك واحسن مثواك كما أحسنت لي دائما".

 

انهالت الدموع من عينيها بمجرد نطقها لآخر كلماتها اسرعت بابتعادها وخروجها من المقبرة دون النظر خلفها، فشلت بتمسكها بقوتها التي كانت تبحث عنها وتتمناها دون أن تجدها، سمعت صوت ينادي عليها باسمها ولكنها لم تصغي له أكملت دون رد عليه.


نظر سيد لزوجته وأمها قائلا:

" لم اتخيل انها هي".


شبكت ناهدة يدها بذراع زوجها لتسير به لداخل المقبرة قائلة بنار الفقد:

" أنت تحلم لقد تركتها غارقة بالأحلام الجميلة ان كانت هي لكانت وقفت وتحدثت لترينا كم هي وفيه للمرحوم، ولكن هذه المرأة أكملت دون أن تشعر بك".


ردت ميادة وهي تساند امها بسيرها:

" وانا ايضا تهيأت بوجهها لم يظهر بسبب الماسك الطبي والنظارة الشمسية ولكني شعرت كأخي سيد وكأنها هي".


وقبل أن يصلوا لقبر مدحت تحدث سيد معاتب على نفسه:

 " ياليتني لحقت بها ماذا ان كانت هي كيف ستعود وحدها".


ردت ناهدة بضيقى

 " كما جاءت يا سيد ستعود كما جاءت، لا تؤلم قلبي اكثر من ألمه وحرقته بهذا المكان".


 

تحدثت فهمية دون رضا:

" ما بكِ تتحدثين بهذا الشكل عن فاطمة إياك أن تكوني… 

قاطعتها ناهده بضيق قائلة:

 " لا تبدئي يا أمي وصاياك السبع وخاصة بهذا المكان يكفيني ما اشعره بقلبي".


نعم كانت ناهدة تتألم رغم إظهارها لقوتها وسيطرتها التي زادت عن الحد إلا أنها تتألم لمعرفتها حقيقة ما تفعله وما وصلت له من سوء غير راضية عنه، وقفت أمام القبر تحدث اخيها بسرها:

" هي من اجبرتني على هذا أنا لست سيئة أنت تعرفني، أولادك بعيناي من يقترب منهم افترسه بأنيابي، اما هي اقسم لك انها تتفنن بغضبي ومعارضتي".


……..


 فكرت شهرزاد بحديثها مع زوجها وما تمنته زيزي لأول حفيد لها حين كانت تقنعها قائلة:

 " افعليها بثاني مولود ولكنه حفيدي الأول الذي حلمنا به دوما لا تحرمينا من معرفة جنسه والتحضير لقدومه باللون الزهري أو اللبني وتزين غرفته وغرفة المشفى والمنزل".


اتصلت بأم زوجها لتطمئن على وضع أبيه الصحي، حزنت شهرزاد قائلة:

 " لا أعرف مما هو خائف إنها عملية بسيطة ستريحه وتحسن كثيرًا من حالته، سمعنا عن الكثير قام بها وتحسن بعدها".

 

_" انا احاول معه وناجي وعدني أن يأتي هو وفهيم صديقه اليوم ليتحدثوا هم ايضا معه".

 

تساءلت زيزي قبل أن ينهوا المكالمة:

 " كيف حال حفيدي التهينا بحالة جده ونسينا أمره".


فرحت شهرزاد قائلة:

 " انا بخير يا جدتي أرهق أمي كثيرا بلعبي وركضي بالداخل".


ضحكت زيزي بجوابها:

" اتركيه يفعل ما يريده يلعب ويركض كم اشتاق لحمله وتقبيله".


ردت شهرزاد:

 " ستجعلوني اغار من ابني".

 

ضحكت زيزي قائلة:

" ستغارين طبعا وجميعنا سنغار من هذا الصغير الذي سيأكل قلوبنا وعقولنا وعيوننا وروحنا".


سعدت شهرزاد بحالة زيزي، تحمست قائلة:

" هل لازال عرض الأمس قائما، فكرت و وجدت انه لا مانع لدي أن أحقق ما أتمناه بالطفل الثاني يعني فلذهب للطبيب وتعلمي جنسه كما اردتي ونقيم حفل معرفة جنس الطفل، ولكني أفكر كيف سيكون هل بالبالون أم بالماء".


ردت زيزي بفرحة كبيرة:

" اتركيها علي فلتبقى مفاجأة لكم اريد ان اخلد هذه اللحظات بمشاعر حقيقية ليصبح الفيديو ذكرى جميلة لحفيدي وهو يرى مفاجأة والديه به".


اجابتها شهرزاد وهي تحرك يدها على بطنها بفرح:

 " كما تريدين المهم لدي فرحتكم وسعادتكم".


تحدثت زيزي قائلة:

 " تذكرت لا تتعبي روحك باختيار الفستان أنا سأتولى الأمر سأختار واحدا من التصميمات الأخيرة الخاصة بي".

 

اومأت شهرزاد رأسها وقالت:

 " هل لي أن اختار العبارات المكتوبة عليه ".

 

ضحكت زيزي رافضة لهذا أيضا، قائلة:

" جميعهم بقلمك أيا كان ما سأختاره سيعجبك اكيد".


رضيت شهرزاد و واقفت على ما قالته أم زوجها راجية من الله ان يديم عليهم سعادتهم.


اغلقت هاتفها لتتصل بعدها بامها قائلة:

 " لقد هدرنا حقك يا اموول".


فرحت أمال بخبر قدوم ابنتها إليها، ردت شهرزاد قائلة:

 " لا تغلبي نفسك بتحضير الطعام الزائد سنأكل مما ستاكلوه ان استطعت ان ااكل".


وبخوف ردت أمها متسائلة:

 " و لماذا هل انتِ مريضة".


وضعت شهرزاد يدها على معدتها متحدثة:

 " ليس مرض ولكن معدتي تؤلمني اشعر بنار مشتعلة بها من بعد الفطور حتى أني أول مرة اشعر بالحرارة وكأن نار حقيقية اشتعلت بجسدي وصدري ومعدتي".


ضحكت أمال بجوابها:

 " و اخيرا تحدثتي مثل باقي النساء، الآن شعرت بحملك".


ابتسمت شهرزاد قائلة:

 " هل فرحتي بي اقول لكِ اتألم يا امول وأنتِ تفرحين بي".


ردت أمها:

" أتعجب من حملك أول مرة أرى حامل بأشهرها الأخيرة تبرد وترتجف من البرد، ولا تشعر بسخونة وألم الحموضة والنارية بالمعدة".

 

ابتسمت وهي ترد على امها:

" طفلتي حنونة كأمها لا تحب أن تضغط عليها".


قاطعتها أمال حين تذكرت ابنتها الاخرى قائلة:

 " هل اتصلت اليوم باختك، حاولت أن اكلمها أكثر من مرة ولم ترد علي".

 

ردت شهرزاد على امها:

" بصراحة لم اتصل كنت سأغلق معك واحدثها ولكن لم يتبقى سوى دقائق على دخولي المحاضرة سأكلمها عند خروجي هل بها شيء؟".


_" حفظها الله من كل شر اردت ان اطمئن عليها فقط " 

طمأنت امها بقولها:

 " من الممكن أن تكون نزلت للاسفل دون أخذ هاتفها معها كعادتها الجديدة".


تنهدت امها ودعت لابنتها بضيق صدرها الذي تشعر به.

……..


بخارج المقبرة كان من المتوقع جلوس فاطمة بزاوية غير مرئية لتكمل بكائها على راحتها عكس ما فعلت حين حرمت على نفسها البكاء واستمرت بقول:

  " انا بخير انا قوية".


اقتربت من مخبز حلويات ومعجنات واشترت منه ما يحبه جميع الأولاد كلا على حدا، اخرجت كعكتها وبدأت بتناولها وهي تسير بصمت مميت دون وجهة محددة.

 

جاءتها فكرة أن تذهب لصغارها، أسرعت بتنفيذها ليفرح أولادها بزيارتها لهم في المدرسة واعطائها المعجنات المحببة لديهم. 


سألوها عن سلمى تهربت واخبرتهم انها ستعود إليها على الفور تركتهم كي لا تعطلهم عن دروسهم وخرجت من المدرسة متجهة للسرايا، وعند وصولها وقفت أمام مدخلها الكبير تتأمله بضيق وحزن أثقل قلبها.


تحركت للجهة الأخرى نحو التربيعة الخشبية الكبيرة لتجلس أسفلها شاردة بالخضار الذي حولها.


حزن البدري وهو يستمع لأخيه سيد الذي تأخر عن العمل بحجة زيارة المقابر عوضا عن مواجهته لأخيه، فهناك هاجس يحدثه ويلوم عليه ما فعله وخاصة انه شعر بخطأ زوجته دون ان يتجرأ بالإفصاح عن هذا فاعتذار توته وحالتها كانت أكبر دليل على ظلمها:

  " والله يا اخي وكأنها فاطمة زوجتك".

 

وقف البدري وهو ينظر لساعة يده قائلا لأخيه على الهاتف:

 " سأغلق معك الآن كي لا أتأخر على الأولاد".


سأله سيد ليلطف من نبرة البدري الحادة معه:

 " ألن يعودوا بالاتوبيس لماذا ستذهب انت لأخذهم من المدرسة".


رد على أخيه على مضدد:

 " وعدتهم بهذا اليوم، وايضا لا يوجد لدي عمل لانهيه كل شيء يسير على ما يرام ام انك لك رأي اخر".


رد سيد بصوت مهزوز:

" لا طبعا وهل هناك رأي بعد كلمتك، قبلهم لي حتى أراهم عند عودتي".

 

تحدث البدري بحزم:

 " لا تتأخر سنجلس سويا الليلة دون مهرب علينا ان نتحدث ونضع النقاط بمواضعها".


ارتبك سيد وأغلق الهاتف مع أخيه قائلا:

 " اذهب أنت للاولاد الآن واهتم بهم طريق السلامة لا تحمل همنا".

 

اغلق البدري المكالمة مع أخيه متصلا بها ليسألها عن مكانها ولكنه تراجع وتردد خشية جوابها وتأكده من ذهابها للمقابر وخاصة بعد أن عارضت خروجهم سويا.


كان يسأل نفسه:

 " هل شكت له مني؟، هل احزنتها لهذه الدرجة؟، هل أخبرته حزنها وضغط اخته عليها؟".

 

فرحوا الأولاد بمجرد رؤيتهم لوالدهم، اخبروه على الفور بقدوم امهم إليهم قبل أكثر من ساعة واعطائهم المعجنات التي يحبونها.


 نظر البدري نحو باهي الذي كان لا زال يأكل نصيبه قارئًا اسم المخبز، وهنا اعتصر قلبه حزنا حين تأكد من ذهابها للمقابر..


عاد بهم للسرايا ليجد سلمى تستقبلهم فرحه بعودتهم، بحثت عيناه عن زوجته فلم يجدها سأل جميلة:

" هل فاطمة بالاعلى"

صدمته بعدم عودتها حتى الآن كما حكت له كيفية خروجها في الصباح بحالة غريبة.


سألها بقلق واهتمام كبير:

 " كيف حالة غريبة؟".

اقتربت جميلة منه قائلة بصوت منخفض:

" عيونها حمراء تسير ببطئ، والله أني حزنت عليها، أخي أنا لا دخل لي بما يفعلوه مع بعضهم ولكنها ليست سيئة كما تقول ناهدة، لا تحزن نفسك وتلقي روحك داخل مشاجرات لا اول ولا اخر لها، جميعنا بعقل صغير وعليكم ان تتحملونا حتى نهدأ ونعود لصوابنا، يكفي حبها لأولادك والله إنك لم ترى كيف تتحمل سلمى وتسايرها وتهتم بها وتضحكها بغيابك وكأنها ابنتها الحقيقية".


وقبل أن يرد البدري على جميلة سمع باهي من خارج السرايا ينادي على اخيه قائلا:

 " وجدت أمي انها تجلس هناك".


 اسرع فارس وهادي ليخرجا ركضا ومن خلفهم سلمى، عاد البدري ونظر لجميلة قائلا:

 " تسلمي يا اختي، ولكننا بخير لا يوجد شيء لا تقلقي".


تحرك ليخرج هو ايضا خلف أولاده لو كان الأمر بيده لركض نحوها كأطفاله، وبمجرد نزوله الدرج الخارجي للسرايا نظر نحوهم ليرى ابنته تلقي بنفسها داخل حضن توته رافضة لأي أحد من أخوتها أن يأخذ مكانها.


 اقترب البدري وهو يقول لأولاده:

 " من جديد يهدر حقنا من تحت رأس صغيرتنا العنيدة".


ضحك الاولاد على حديثه، نظر البدري حوله هاربا من النظر بوجهها قائلا:

 " ما رأيكم بأن نذهب لتناول طعامنا بالخارج اليوم، نشتري سندوتشات الهمبرجر والبيتزا التي تحبونها" طار الأولاد فرحا.

 

نظر الجميع لصمت فاطمة باستغراب فكان من المفترض اعتراضها لأجل دروسهم او تحضيرها هي الوجبات لهم بشكل صحي ومفيد ولكنهم وجدوها على صمتها توافقهم الرأي وتتحرك وسطهم لتصعد السيارة دون كلام.


وبعد صعود الجميع واغلاقهم لابواب السيارة تجرأ البدري لينظر لها قائلا:

 " هل تريدين الذهاب لمكان محدد أم نبحث ونحن وحظنا".


أجابته وهي تنظر للخضار أمامها:

 " كما تريد لا فرق لدي اسأل الاولاد".


قاد سيارته متجها نحو مطعم مشهور بالمدينة طلبوا طعامهم وجلسوا بركن عائلي ينتظرون دورهم.


تحدث الأولاد ليحكوا لوالديه عن يومهم واصدقائهم، وصلت طلبيتهم لتصفق سلمى بفرح أخذه خاضتها قبل الجميع، وضع البدري لفاطمة وجبتها أمامها قائلا:

" هيا ابدئي كي لا ينهوا خاصتهم و يقاسمونا بنصيبنا".


اومأت رأسها مستجيبة له لتتناول بدون شهية تأكل قطع صغيرة جدا كأنها لم تأكل انهى الجميع وجبتهم وهي بالكاد أنهت اقل من ربع ساندوتش البرجر الذي قسمته على الأولاد بآخر الأمر.


……..


 تكررت النوبة القلبية مع أمين وهو بغرفته وحده، وعن طريق الصدفة سمعت زيزي صوت سعاله ركضت عليه لترى وجهه احمر وعينيه متسعة لا يستطيع أخذ نفسه صرخت باسم زوجها واستنجدت بشريف ليأتي إليهم ويسعف أباه.


 تم طلب سيارة إسعاف لنقل أمين الذي بحالة سيئة للمشفى، تم الكشف عليه فور وصوله ليأمر الطبيب بإدخاله غرفة العمليات لعمل قسطرة وتركيب دعامات لما يحتاجه القلب.


فهذا ما أصابه بعد حادثة ابنه وحزنه الشديد عليه كان يخبرهم انه بخير وسيصبح بخير أكثر عند مجيء حفيده الذي سيكون بمثابة عشرون دعامة مفرحة بقلبه.


............


عادوا للسرايا والأطفال أمامهم يركضون بفرح نحو الأعلى كي يبدأوا دروسهم كما وعدوا امهم، قابلتهم ناهدة قائلة بقوة غريبة:

 " خير ما بكم وكأن العيد قد أتى قبل موعده". 


حكى لها الأولاد عن تناولهم الطعام والألعاب التي خرجت لهم كهدايا مع كل وجبة، ابتسمت ناهدة ابتسامة منقوصة وهي تنظر لفاطمة قائلة:

" فرحت لسعادتكم يارب دائما فرحين وسعداء". 


تحركت توته لتصعد خلف أولادها دون الرد عليها لتناديها ناهدة قائلة:

 " عند ذهابنا للمقبرة اليوم وهناك علق سيد على قول رأيت فاطمة زوجة اخي، وانا اقول له ليس هي الحمدلله أنكِ لستِ تلك المرأة التي كانت تخرج مكسورة من حزنها وذكرياتها ليسعدك الله ويبعد عنك الحزن والشر".


استمرت فاطمة بصعودها مع أولادها وإغلاق الحاجز الكبير خلفها دون الرد عليها، لتنظر ناهدة للبدري الذي بدأ يتحرك نحوها خطوات قليلة قائلة:

 " لا عليك انا لا احزن منها ردت ام لم ترد بالاخير هي …".


قاطعها البدري قائلا:

 " ما بكِ يا ناهدة إلى اين تريدين ان تصلي اخبريني؟، ما همك لاستطيع مساعدتك؟، ولا تقولي لي أنكِ ذكرتيها بالمقبرة واخيكِ ولمحتي بكلامك انها نسيت ماضيها خلاف تلك المرأة دون ان تقصدي، هل كل هذا لأنك وجدتي الاولاد عائدين بسعادة وفرحة، هل يحزنك ان نعيش بسلام، أليس أنتم من تمنى زواجي منها لسعادة وامان أبناء اخيكِ، هل ألمك وصولنا لما أردتم، وأين كيف تذكري زوجتي بزوجها الأول امامي دون ان…


اسرعت بمدافعتها عن نفسها قائلة:

 "ابن عمي كيف تفكر انني احزن لسعادتكم هل اصبحت مذنبة وسيئة أمامك الآن".

 

دمعت عينيها مكملة:

 " من المؤكد انها أملأت عقلك بكلامها وكرهها لي من غير شيء أمام الجميع تتبلى علي و تتهمني بما لا أفعله، الله عليم ما قالته لك في الخفاء".


وصلت جميلة للصالون وهي تقترب منهم بحذر ناظرة للبدري الذي تنهد قائلا:

 " هل انا صغير بنظرك كي تملي علي امرأة أيا ما كانت وتعبئ رأسي بما لا يصح، هل نسيتي يا ناهدة مع من تتحدثين ام صمتي بالدفاع عنها وتأملي بتغيرك ورجوعك عن ما تفعليه جعلك تعتقدين أنني أصدق ما تقوليه أو لا ألاحظ ما تثيري غضبها به، أحب أن أقول لكِ يا زوجة اخي و ابنة عمي واخت الغالي أنني لم أصمت إلا تأملا بالفطرة الطيبة التي داخلك، اقول ستغلب عليها بلحظة ما وستعيدها عن طريقها وستعتاد على وجودها ستتألف قلوبهم".

 

وفي اللحظة التي جاءت لتنطق به ناهدة مدافعة عن نفسها فاجئها بصوت صدم عكازه يصدم الأرض أثناء بدء حديثه القوي:

 " ليس لدي وقت لاضاعته بمهاترات النساء قيل وقال وفعل وفعلت، ولم أخوض معكِ حديث لاشرح لكِ ثبوت عمد ما تفعليه بها، فكما رأت افسادك لطعامها سمعت انا الكثير وبقيت صامتا، ولكن إلى هنا وكفى نعم يكفينا مشاكل العائلة والأعمال والتعامل مع العاملين والتوريدات والمحاصيل، هل سمعتي لدينا الكثير ولا طاقة لي بتحمل الاكثر بمكان يفترض أن أريح رأسي وعقلي به، جميعنا يعلم أنكم ضيوف مكرمين بهذا المكان ولا يمكن لأحد أن يضغط على الضيف لاستمرار بقائه، ان كنتي لا تستطيعين تحمل رؤية زوجة أخيكِ تعيش مع رجل آخر حياة مستقرة فلن اضغط عليكِ بالبقاء والاستمرار، لأن كما نعلم جميعا الضيف كما له حقوق عليه واجبات".


برزت عينايهما وهما يستمعان لآخر كلماته قبل تركه لهما والابتعاد عنهم ليصعد خلف عائلته، ظلا ينظران نحو صعوده متفاجأين بالتفاته لهم وأكمل حديثه:

 " ليرتاح داخلك يا بنت عمي هي تلك المرأة التي رأيتموها تخرج من المقبرة، هي من كُسرت وحزنت، هل فرحتي الآن؟، ها هي قد ذهبت وبكت وشكت لاخيكِ منا".


قطع حديثه الذي شعر أنه لا فائدة منه وأكمل صعوده لتتحدث جميلة:

 " هل ذهبت لزيارة مدحت!، نعم ولما لا فإن رأيت وجهها وهي تخرج من السرايا كيف كان حزين".


تركتهم ناهدة واسرعت بدخولها لغرفتها تبكي مرارة ما تشعر به فمن دون شيء كان ضميرها يعذبها.


بحث البدري عنها ليجدها تجلس بأرضية غرفة الأولاد وهي تجمعهم حول طاولة قصيرة الأرجل تراجع لهم واجباتهم ودروسهم لقرب الامتحانات.


نظر لملابسها التي لم تبدلها وصمتها بوجوده ليقول لأولاده:

 " لن اتنازل عن خروجكم من الأوائل ضعوا هذا بعقلكم".


وعده بما تمنى لينادي على سلمى قائلا:

 " تعالي أنتِ معي بالغرفة الاخرى ليركزوا أكثر بدراستهم".


رفضت الطفلة مقتربة من توته وهي ممسكة بألوانها.


حزن أكثر وهو يرى الطفلة تقبل زوجته وتربت على كتفها لتحنو عليها وتريها ما تقتنع انه رسما، قبلتها توته قائلة: 

" جميلة يا روحي هيا اكملي".

 

خرج من الغرفة وهو أكثر ضيقا تحرك ليعود لعمله هاربا من حزنها وصمتها ورفض عينيها النظر له سائلا نفسه:

 " هل كان زائد لهذه الدرجة؟".


لم تتوقع جميلة التي خرجت أمام البوابة الكبيرة لتتحدث مع امها براحة دون ان يسمعها احد ان ترى البدري خلفها بعد ان سمع كلامها وهي تقول لأمها:

 " اخ يا أمي قطعت قلبي بذهابها للمقبرة وشكواها لمدحت، اقسم أني تألمت لأجلها انظري لحالتها من بعد ان كانت مدللة وتتمنى بنات العائلة جميعا أن يعيشوا كما تعيش هي، أصبح الواحد منا يستعيذ من حزن ما تعيشه انطفئ نور وجهها وجمال ضحكتها، طبعا ليست ناهدة المشكلة الوحيدة فمن المستحيل أن يشبه البدري مدحت بحنانه وطيبته وقلبه الكبير".


  انزلت الهاتف وهي تنظر له بعيون واسعة وقلب خائف، تركها البدري دون كلام وصعد سيارته وهو أشد حزنا وضيقا مكررا نفس سؤاله: " هل كنت سيء لهذا الحد؟".


قاد سيارته التي اوصلته وأوقفته امام المقبرة وهو يتذكر كيف تركها دون الاهتمام لما ارتدت وتحدثت به معه، صدم المقود عدة صدمات حزينة نادما على ما فعله، قاد سيارته بعدها مبتعدا عن المكان دون أن يتجرأ على الدخول.


تأخر الوقت ليعود حاملا عتابه وضيقه من نفسه على كتفيه، كانت السرايا صامته بانوار خافته بعد أن التزم الجميع غرفه.


 صعد بصمت للأعلى متوجها لغرفته متوقعا رؤيته لها، دخل وابدل ملابسه ليذهب بعدها كي يطمئن على أولاده ويرى أين هي.


تفاجأ بنومها على فراش سلمى التي بحضنها وباهي يحتضنها من ظهرها، طالت نظراته على وجهها وملابسها التي تركها بها فحتى حجابها لم تخلعه عن رأسها.


نام على فراش باهي بجوارهم وهو يتذكر أول لقاء حقيقي بينهم في منزل والدها، كما تذكر أحاديثهم قبل الزواج وكم كانوا مستمتعين بأول أيامهم مع بعضهم حتى اصبحت عمود صلب بجدران عائلته.


عاد لينظر نحوهم وهو يتذكر كيف كانت ابنته عنيدة عصبية لا تتروض الا بصعوبة وكيف اصبحت لينة طبيعية كباقي الأطفال.


 ابتسم وجهه وهو يتذكر تهربهم من عقابها وضحكها برؤيتهم في هذه الحالة، كان تذكره هذا بمثابة عتاب كبير لقلبه وكأنه يلومه على فعل هذا بها.

 

نام بذهن مستيقظ يقلب ذكرياته وماضيه لم يلبث كثيرا حتى شعر بحركتها، فتح عينه بقدر غير واضح ليجدها تخرج من الغرفة بعد أن رفعت الغطاء على الأولاد.


ظل ينظر خلفها لدقائق قليلة تحرك بعدها ليخرج وراءها، وقبل أن تدخل غرفتها استدارت لتنظر نحوه حين شعرت بحركته خلفها.


علقت عينيهما على بعضهما اخفضتها هي مغيرة قبلتها نحو المطبخ كي لا تجتمع معه في غرفة واحدة.


لم تتوقع ذهابه خلفها وتحدثه:

 " من الجيد انكِ استيقظتي فأنا جائع و لم استطع النوم دون ان اكل".

 

_ " حسنا كما تريد سأحضر لك طعامك الآن".

 

وتحركت لتفتح البراد، اقترب منها قائلا:

" ألن تسأليني ماذا اريد ان اكل".

 

وبدون النظر له أجابته:

 " سأحضر ما تريد يكفي أن تقول لي".

 

تحدث وهو ينظر لها بوجه مبتسم على حذر:

 " مكرونة بالكبدة المحمرة".

 رفعت عينيها الحمراء المتعبة عليه ليكمل هو:

 " أو مكرونة بالبشاميل المزودة بالجبنة والزيتون والفلفل، أو اقول لكِ يمكنني أن اكتفي بسندوتشات البانية المقرمش مع السلطات، انتظري تذكرت ان كان هناك همبرجر جاهز من صنع يدك يكون أفضل كي انسى ما اكلته بالخارج ".


وبعد أن تجمعت الدموع بعينيها المعلقة على عينه المعتذرة منها أجابته لتفاجئه:

" اريد ان اذهب لأمي اشتقت إليها، قررت أن آخذ سلمى واسافر يومين واعود قبل امتحانات الاولاد طبعا ان لم يكن لديك مانع".

 

هربت عينه من عينها الحزينة مجيبا:

 " كما تريدين فلنذهب جميعا".


قاطعته لترد بسرعة:

 " لا سأذهب أنا فقط وسلمى ان سمحت لي باخذها وإن لم تسمح ساذهب وحدي".


مد يده ليحاوط خصرها قائلا:

" هل لهذه الدرجة أحزنتك؟".


 قالها بصوت منخفض وحنون ابتعدت عنه:

 " لا ليس لك دخل بهذا اشتقت لهم فقط".


عاد ليحتضنها ولكنها هربت عائدة لغرفة الاولاد مغلقة عليها بابها لتبكي بحرقة ونار دون ان تصدر صوت يوقظ الأولاد ويشعرهم بحزنها.


جلس بحزن على الاريكة امام باب الغرفة الذي توقع جلوسها وبكائها خلفه.


مرت عليهم ليلة اخرى حزينة استيقظ منها على الأولاد وهم يحدثوه بجلسته فتح عينه ليجدها تضع الفطور على الطاولة.


 استقام بجلسته متألما من تشنجات ظهره بنومه قائلا للأولاد:

" هيا ارتدوا ملابسكم كي لا تتأخروا".


تحرك وغسل وجهه لينضم للفطور مع أولاده، اقتربت منه لتصب له الشاي بكأسه الذي أمامه ومن ثم تضع له مقدار السكر الخاص به، تحدث قائلا: " لماذا وضعتي اربع معالق كان يكفي اثنان فقط ككل مرة".


نظرت للشاي ثم نظرت له متحدثه أخيرا بصوتها المتأثر بقلة حديثها وحزنها:

" هل أربعة؟، اعتذر لم انتبه توقعت اني وضعت اثنان فقط ككل يوم".

 

_" نعم وضعتي اثنان ولكنهم من يدك أصبحوا اربعة لهذا يكفي من بعد الآن معلقة واحدة لتزيديها أنتِ لاثنان وأربع وست".

 

رد هادي بتلقائية وبراءة الاطفال تناغمه:

" كان أبي يقول هذا ايضا ولكنه كان يشربه دون سكر لانه مريض ويكتفي بوضع اصبع أمي لتقلبه به كي يصبح طعمه أجمل من السكر، يمسك اصبعها لكي يضعه وتصرخ أمي ضاحكة".


رد باهي على أخيه:

 " أنت تكذب أمي كانت ترفض وضع اصبعها حتى لا تحترق".


رد هادي بغضب على أخيه:

" انا لا اكذب كان يقولها للمزاح ولكنك طفل صغير لا تفهم بهذا الكلام".


شكى باهي لأمه باكيا:

 " لا تجعليه يقول لي طفل انا لستَ بطفل صغير" 


اصمتت أولادها قائلة:

 " عيب اصمتوا وتحركوا لتذهبوا لمدارسكم هيا". 


تحدث فارس:

" من بعد الآن لن اشرب الحليب بالسكر وسأكتفي بسكر أمي فاطمة".


 قالها وهو يقترب منها ليحتضنها فكان الأولاد يشعرون بحالتها الحزينة متأثرين بها حتى وان حاولت ان تظهر قوية امامهم.


 قبلت فاطمة رأسه وهو بحضنها متحدثة:

" أتى الاتوبيس لا تجعلوه ينتظركم أكثر من ذلك".


اسرع الأولاد لينزلوا الدرج وهم يستمعون لوصايا امهم لهم بالحفاظ على بعضهم ولا يتشاجرون مع بعضهم في المدرسة.


عادت للداخل لتجده امامها ينزع من على رأسها حجابها ليحرر شعرها من اغلاقها عليه بشكل متعنت.


 صمتت مخفضة العينين ليمسك يدها متجها بها نحو غرفتهم، تحدثت:

 " اريد ان اجمع مكان الفطور".


_ " اتركيه ستستيقظ صغيرتك لتفطر منه".


 ادخلها واغلق الباب خلفهم بالمفتاح لتقف بمكانها كالمنفصل عن عالمه، رفع يده ليحنو على شعرها قائلا:

 " هل الاعتذار يرضي حزنك ويعيد ضحكتك لوجهك".


رفعت عينيها عليه قائلة:

" أنا لا أنتظر اعتذار من أحد".


_ " ولكنه وجب علي الاعتذار بعد ان …

 

قاطعته قاطمة:

" لا يوجد شيء يستدعي الاعتذار، إن كان هناك ما انتظره سيكون موافقتك على سفري وحدي او مع سلمى، اعتذر لترك أولادي لأجل دراستهم لا تقلق عمتهم ستهتم بهم بشكل جيد انا متأكدة من هذا". 

صدمها بإجابته:

  " وانا من سيهتم بي ويطعمني ويدللني إن حزنت".

 

تحدثت لترد بحدتها وقوتها المصطنعة:

" من فضلك لا داعي لهذا الكلام كلانا يعلم حقيقة ما نعيشه، تزوجنا لأجل الأولاد وسنبقى هكذا ما دمنا تحت سقف منزل واحد، أن رفضت ذهابي لأجل دراسة الاولاد فلن امانع بالأصل لم يتبقى سوى أسبوعين على الدراسة فلننتظرهم واخذهم معي ليزيلوا شوقهم لخالتهم وجديهم".


رد البدري متسائلا:

 " وفارس وسلمى ماذا عنهم هل ستتركيهم خلفك ليعودوا لوحدتهم".


من جديد نظرت له بعينها المتحجرة بالدمع قائلة:

" إن سمحت لي سأخذهم وان لم تسمح فلا يد لي بهذا".

 

اقترب منها وهو يفتح سحاب العباءة حتى اوصله للأسفل لينزعها من عليها، نظرت توته للبنطلون والبلوزة لترتبها وتنزل طرفها اسفل خصرها وهي تستمع له:

" وكأننا أصبحنا منقسمان مفترقان عن بعضنا البعض، أين ذهب عنادك وإصرارك على رأيك، اشتقت لمعارضتك لي حتى اقول لكِ اشتقت لعقابك".


ابتعدت عنه قائلة:

 " لا تقلق من بعد الآن سأفعل ما تقوله فقط كي لا أرهقك و أرهق نفسي بمهاترات لا فائدة منها".


 عاد ليقترب منها قائلا:

 " اممم هل علي ان أفرح أم أحزن الآن".

 

وباستمرار ابتعادها عنه بقدر اقترابه لها، تحدثت قائلة: " افعل ما تريد".


 مد يده ليسحبها من جديد ويجلسها بجانبه على الفراش اطاعته لتجلس مبتعدة، ابتسم وجهه قائلا: " انا لم اعتاد على كل هذه الطاعة".

 

أجابته بصوتها المختنق:

 " أعتذر إن كسرت قاعدتك ولكن من بعد الآن اطمئن لا يمكن لأحد أن يعارضك خصوصا إن كنت أنا".


_" أخطأتِ بالتعميم كان علي ان اقول لم اعتاد على كل هذه الطاعة منكِ، لأن التعميم سيظلم زوجتي الاولى فهي كانت صامتة طائعة من اول ليلة بل من أول لقاء، كثيرا ما شعرت انها اجبرت علي او تكرهني او تخاف مني ولكن اتضح ان هذه طباعها وما فرضه عليها والدها، حاولت كثيرا ان اتحدث معها لأخلق بيننا حلقة وصل تربطنا دون فائدة، استمر زواجنا لخمس سنوات بهذا الصمت وهذه الطاعة العمياء لي ولامي ولابي حسنا، سأفعل، سأتي، سأكل، ليس لها طلبات او اهتمامات، المكان نظيف، الملابس مرتبة بأماكنها، حتى وقتنا الخاص كان مبني على الطاعة ترتدي وتنتظر حتى انتهي لتتحرك ذاهبة للحمام دون أن تلتفت وراءها، هذا ما عايشته وهذا ما رضيت به واستسلمت له لأجل استمرارنا بحياتنا الهادئة، طرأت علينا عدة تغيرات من وفاة أبي و توليت أنا مسؤولية العائلة وغيرها، لم اشتكي كنت راضيا أعود لأجلس مع امي التي كانت كل دنياي وابني الذي أخذ طباع امه بالهدوء والصمت"..

 

نظر لها مكملا:

  " بعد وفاتها وحزني عليها للامانه فبالاخير نحن بشر وكان بيننا مودة ورحمة المرأة لم تؤذني بشيء عشرة خمس سنوات كاملة، ورغم هذا إلا أني تمردت على حياتي معها لتصبح الغرفة مختلفة تماما عن سابقتها ملابس بكل مكان، العاب اطفال أرضا، شاشة كبيرة مفتوحة بصوت عالي طوال الليل، كنت اتحجج أنه لأجل الأولاد ولكن بعدها اكتشفت انها كانت لأجل إرضاء الصوت الرافض للاستمرار بهذا الروتين القاتل، كنت أبحث عن ام لأولادي بجانب ونس لي شخص اتحدث معه، يشاركني همومي، يفهم علي، يتحرك قلبي وينبض كلما رآه".


تحدثت بحزنها المميت قائلة له دون رفع نظرها على عينيه:

 " وتم الامر حين رأيت مها وتعلقت بها، ولكن مع الأسف الشديد خرجت أنا أمامك بتوجيه من العائلة بوجوب زواجنا".


نظر لها بوجه خالط الحزن والفرح ملامحه:

 " نعم تم الامر عندما رأيتها وتعلقت عيني بعينها حين وجدتها تسقط فجأة بحضني ليرتعد قلبي لأول مرة في حياتي لأجلها، كانت لحظة اشبه بالحياة والموت، قبل سقوطها بحضني كان قلبي دون روح وهي من انعشته واشعرته بحلاوة ولذة جديدة للحياة لم يكن يستطعمها او يعلم عنها شيء من قبل".



اشتعلت النار بصدرها، وقفت لتتحرك مبتعدة عنه، متسائلة بضيق:

 " هل لهذه الدرجة احببتها!". 


نظر لها مطولا قائلا:

 " وأكثر من هذا ايضا، هل تعلمين أنني بقيت لأكثر من سنة وعدة أشهر ابحث عنها من تلك المرأة التي فعلت بي ذلك، من اي عائلة تكون، هل صاحبة مكان ام زائر جاء ليسرق قلبي ويختفي".


ساءت حالتها الداخلية أكثر محاولة أن تظهر قوية أمامه، انتظرت توقفه عن الكلام لتتحدث بقوة: " اعتذر منك لا يمكنني العيش مع رجل قلبه معلق بشخص آخر…. 


لم يعطها الفرصة باكمال حديثها حين أكمل:

" ظل صوتها الجميل الذي لم استمع مثله من قبل عالق بأذني وهي تقول لي انا بخير سأعود وحدي انا بخير، رفضت مساعدتي وبقيت اندم على تركي لها حتى رأيتها تخرج من قاعة النساء يوم حفل زفاف سيد، يومها أقسمت أنني احلم وانها خيال او ملاك يرتدي ابيضا نعم للحظة قلقت على نفسي من نفسي لتعود لي الحياة باقتراب السيارة التي استقلتها وتأكدي من حقيقة وجودها بنفس المنطقة". 


قاطعته قائلة بحدة:

" ما دمت تحبها وتعلقت بها لهذه الدرجة لماذا تزوجت بي ، لماذا هدمت حلمك وظلمتني معك".


وقف ليصبح مقابلها وهو يجيبها:

" فقدت الأمل بإيجادها اقترحوا علي فتاه تسمى مها من نفس تخصص جامعتي قريبة من العمر ارملة".


قاطعته من جديد:

 " لا ليست أرملة بل مطلقة".


ابتسم وجهه اكثر وهو يقترب منها:

 " حتى هي لم نستطع الحصول عليها بعد أن ضغطت العائلة علينا لنتزوج".


تحدثت بضيقها ونار صدرها قائلة:

 " لا اصدق ما اسمعه وكأنك أصبحت صغير لدرجة أن يغصبوا عليك شخص لا تريده".


أجاب عليها:

 " اخبرتك من قبل عن تخبطي ورفضي ولكن بالأخير حين فكرت بشكل عقلي وجدت أن هذا الزواج جيد لكلانا".


تحدثت فاطمة بحزنها الذي زاد كثيرا:

 " نعم لأجل الأولاد وراحتهم وبناء حياة مستقرة ولكن برأيك أي استقرار هذا و والدهم لا زال يبحث بداخله عن صاحبة ذلك الصوت الذهبي".


ابتسم وهو ينظر لها قائلا:

 " نعم ذهبي أنه كذلك واكثر من ذلك".

 

غضبت متحركة لتبتعد عنه متوجهة للباب، وقف أمامها ليكمل:

 " ذهبت إليكم منصدما باختك وقوتها اقسم انني بوقتها شعرت بخيبة أمل لم اشعر بها من قبل، فهل بعد كل هذه الأحلام سأتزوج بامرأة تشبه أمي ونساء أهل الصعيد الذين نسمع عن قوتهم وسيطرتهم بالأساطير القديمة".


دافعت عن اختها بقوة:

 " لو سمحت لا تتحدث عن اختي بهذا الشكل نعم هي جادة وأفضل مني بتقييم الأمور ولكنها صاحبة قلب جميل وطيب".


اجابها: " أصبحتي تعلمين قدرها لدي لا داعي لتفسير ما قلته حتى اني اوصيتك ان تخرجي ابنتي مثلها".

 

وبوجه غير مصدق لما يقوله اجابته:

  " شكرا لك والآن إن سمحت سأخرج لاطمئن على ابنتي".


قالتها دون ان تشعر ليكمل وهو يمسك يدها ليرفعها نحوه مقبلها قائلا بعينيه التي غرقت بعينها:

 " لم تصدق عيناي أني سأرى ضالتي في منزلكم حين مد الحج بغدادي يده وأشار نحوك ليعرفني عليكِ ويزيل اللغط الذي حدث، تسارعت ضربات قلبي وازدادت انفاسي لدرجة خفت ان يشعر بي أحد، اخترت الهرب من النظر إليكِ كي لا يفضح امري ان استمعت لصوت قلبي ودقيت ناقوس الفرح بتلك اللحظة".


وبصوت حيرتها وتساؤلها تحدثت فاطمة:

 " ماذا تقصد أنا لا أفهم؟".

 

اجابها بصوت عالي ضاحك:

 " هل اغلق عقلك اليوم، ما بكِ اقتربت لاقول أحببت البقرة المجنونة لأجلك وأنتِ تقولين لا أفهم". 


😂😂😂ربنا يخليلك البقرة المجنونة ههههههههه

كانت كلماته بمثابة اعتراف قوي لما يشعر به، ابتسمت فاطمة بخجل خفضت به عينيها مساعده عنه من جديد.


 ليقترب هو ناظرا داخل عينيها قائلا:

  " كنتي أنتِ من اول يوم، لقد جمعنا الله والقى محبتك بقلبي من أول لحظة رأيتك بها، انا لم اشعر بهذا الشعور قبل أن اراكِ، الارتباك والحماس والفرح معك، اقسم لكِ أنه من فرحتي كنت ابحث عن حجة لاتصل بكِ وإستمع لصوتك ومن بعد زواجنا اصبحت استغل أوقات الفراغ لاهرب إليكِ كي يرتاح قلبي ويسعد".


حضنها مغمضا عينيه وهو يغلق ذراعيه عليها ليشدد من حضنها محاولا أن يزيل به همه واحزانه وأتعابه قائلا بنبرة صوته الراجي:

" لا تصمتي وتحرميني من جمال صوتك، عارضي، وعاقبي، افعلي ما تريدين، لقد طلبت أن يكون جدالنا ومشاجراتنا بيننا فقط، ولكن ان كان هذا سيحزنك سأتراجع لتفعلي ما تريدين المهم أن لا تحرميني من ضحكتك واهتمامك بي، اقول لكِ فلتقرأ العائلة الفاتحة على هيبتي أمامك سأرضى كي أعيش سعيدا بجنتك".



تحدثت فاطمة باستنكار سريع:

 " لا يا بدر أنا لا أقبل أن أكون سببا بكسر هيبتك وصورتك الكبيرة امام عائلتك ولم اتعمد اعلاء صوتي أمام الجميع ولكنها تثير غضبي عمدا، تتفنن باقحامي في المشاكل حتى اصبحت شغلها الشاغل صدقني انا لا اتبلى عليها".


وبوجه سبح بذكرياته الجميلة ابتسم البدري قائلا: " ماذا قولتي، اعيدي ما قلتيه مرة اخرى".

 

استغربت من حالته ونبرة الحنين بصوته، لتسأله:

 " هل تقصد تتبلى علي و تقحمني بالمشاكل ألم تصدق حتى الآن بأنها تفعل هذا عن عمد و تربص بي".


وبنفس تسبيل عينيه ونبرته الغريبة عليها رد البدري ليسألها: " هل ناديتني ببدر؟".

 

خجلت منه قائلة:

 "انا لم اقصد خرجت مني على هذا النحو".


اخفض رأسه ليصبح قريبا منها وهو ياخذ نفسا عميقا يملأ صدره به، أخرجه بهدوء من بعدها قائلا براحة كبيرة:

 "هل تعلمين ان امي الحاجة فيروزة هي الوحيدة التي كانت تناديني بهذا الاسم".


ابتسم وجهها خجلا مجيبة عليه:

 " نعم اعلم هذا، قالها محسن امامي مرة وشعرت انه لائق عليك أكثر".

 

اومأ رأسه مؤكدا على ما قالته:

 " نعم انه كذلك لدرجة ستجعليني أُحرم عليكِ التحدث بغيره جميع ما يخرج من فمك مزين ببدر".


تحركت لتخرج من بين أجنحته متحججة بقول:

 " اريد ان اطمئن على سلمى".


عارضها بضيقه المدلل:

 " لا إله إلا الله علقتي عليها ما بها سلمى ان استيقظت سنسمع صوتها".

 

قرب رأسه ليقبلها اعلى رأسها قبلة لم تطل كما اراد حين طُرق الباب و وصل لهم صوت فدوة: " فاطمة هانم، فاطمة هانم".

 

ابتعدت عنه قائلة:

" جاءت مزينتك هيا اذهب إليها لتملأ عينك من جمالها الرباني وقهوتها المظبوطة".

 

 ضمها له من جديد:

 " لا اصدق هل تغيرين عليَّ وممن البنت الصغيرة فدوة".


طرق الباب من جديد ليعلو صوت البدري قائلا: " اتركينا الآن يا فدوه واهتمي باعمالك بالطابق السفلي، وإن احتجنا لكِ سنُبلغكِ".

 

نزلت فدوه ملبية حديث مولاها لتكتظ ناهدة وتشتعل النار بقلبها حين علمت بوجود البدري في السرايا وبالتحديد في غرفة نومه بهذا الوقت.


 

ردت توته بقوة وجدية:

 " لا ليست غيرة بل احترام لي، كان عليك أن لا تنظر لها و تغازلها امامي".


اندهش مما تقول مجيبًا عليها:

 " استغفر الله العظيم، وحدي الله عن أي غزل تتحدثين".


ردت توته بضيق:

 " لا إله إلا الله، أنت لا ترى نفسك عندما تراها أمامك كيف تتحول وتبدأ كلامك عن عيونها التي تشبه من؟ وسبحان من ابدع وأشياء من هذا القبيل".


لم يستمر الحديث عن فدوة كثيرا حين اعتذر عن تركه لها بتلك الليلة طلبا منها أن ترتدي ما سلب عقله واشعل نار الشوق داخل قضبان صدره.



رفضت بخجل مستمرة بعملية الهروب من حضنه كلما امسك بها مبرره أنها ارتدته لأجل شعورها بحرارة الطقس واعجابها بلونه ليس لشيء اخر.


وأمام حبه الصادق وشوقه الكبير لها وعدم نجاحه بأن يصبح طليق اللسان في عبارات الحب وتفسير ما يشعر به قربها إليه من جديد ليعتذر لها بطريقته الخاصة مترجيا إياها ان تبقى كما هي بقلبها الجميل واهتمامها به وبتفاصيل ما يحب.


 ترجاها أن تحدثه ولا تنقطع عنه، تعارضه وتعاقبه حتى يشعر بجمال الحياة الطبيعية التي كان يحلم بها معها.


وبوسط أحلامه وتحليقه بين السحاب وصل لمسامعه صوت ابنته وهي تطرق الباب:

 " توتي، توتي".


حذرها ان ترد عليها ابتسمت وهي تهم بردها ليصمتها هو بطريقته الخاصة التي يعلم معشر الرجال اصمات حلالهم بها.


 يأست الطفلة من عدم الإجابة ظنًا منها انها بالأسفل، تحركت باحثة عنها لتستقبلها ناهدة لكي تخبرها بوجود أبيها بالأعلى، ومن الخلف تحدثت جميلة للطفلة بضيق:

  " لا ليس بالأعلى سيأتون بعد قليل".


وانحنت لتحمل سلمى قائلة لها:

 " تعالي معي كي اغسل لكِ وجهك لتتناولي فطورك بعدها".


طلبت سلمى بصوتها الصغير: 

 " بيضة كورة ".


ضحكت جميلة قائلة:

" عيوني لتكون بيضة تشبه الكرة".

 

 تحدثت ناهدة من الخلف:

 " هل اصبحت انا السيئة الآن؟".

 

لم ترد جميلة عليها أكملت سيرها نحو الجهة المؤدية الى الحمام والمطبخ.


……



عاد أمين للمنزل بعد أن تم ادخاله للعمليات بها وإجراء اللازم له، كان يسير ببطئ قائلا لابنه:

" انا بخير اذهب لمنزلك لا داعي لبقائك".

 

رفض شريف وأصر على المبيت في منزل ابيه أول ايام العملية كي يطمئن عليه بشكل كافي حتى بعد طمأنة الأطباء له.


 أكدت شهرزاد على رأي زوجها واخبرتهم انها ستكمل فترة حملها لديهم، ضحك شريف قائلا لوالديه:

 "أرأيتم كم انا رفيق غير مسلي".


تحدث أباه ليخجلها و يجعلها تندم على ما قالته بدون تفكير:

 " من المؤكد انك لم ترحمها ذابت الفتاة وأرادت أن تهرب إلينا".

 

ضحك شريف وحده بعد أن تحركت زوجته مبتعدة عنهم متحججة بهاتفها، نظرت زيزي لزوجها قائلة:

" اخجلتها ما كان عليك قول هذا".


_ " اختلفتم بكل شيء و اجتمعتم على سوئي".

 

رد عليه امين بهدوء وتعب:

 " لست سيء استمتع بشبابك بالغد القريب ستندم على اضاعة هذه الأيام من بين يديك".

 

تحدث شريف متسائلا بضحك:

 " هل علينا ألا نستعجل بقدومه يعني بعد إجماعكم على ندمي افكر بإطالة مدة الحمل لثماني عشر شهرًا".

 

ردت زيزي بقلق:

 " حفظه الله واكرمنا بسلامته التامة، كلما حلمت بتلك اللحظة التي سأحمله بين يدي اشتاق اكثر له".

 

عادت شهرزاد وهي تستمع لأمين:

" ألم تستقروا على اسم حتى الآن".

 

وبسرعه وقبل الجميع رد شريف:

 " أمير أو أميرة".


ابتسمت شهرزاد بردها:

 " أو سلطان وسلطانة لقد أضاف خيارات جديدة رأفةً بنا".


تحدثت زيزي قائل:

" رأفةً بنا ام إنهاء لآخر امل لدينا".

 

رد شريف:

 " أمير شريف أو سلطان شريف ما اجملهم من ألقاب".


ضحكت شهرزاد قائلة:

 " قطز، أيبك، علاء الدين، أرطغرل".


وضع أمين يده على قلبه قائلا:

 " لا تفعلوا بي هذا اتركوني أموت موتة طبيعية".

 


حاول والديه من جديد ان يغيروا من رأيه ولكنه كان مُصر خاصة أنه اتفق مع زوجته بتركها اختيار الاسم الأول لما يحب ويتمنى.



وبوسط كلامهم الذي أصبح عن المصنع وكيفية إدارته بهذه الايام تفاجأوا بنوم أمين دون مقدمات ليخرجوا من الغرفة تاركينه ليرتاح بعد ان أكد شريف لأمه توليه أمر المصنع بجانب الجامعة.


لم تخرج زيزي معهم وبقيت بغرفتها كي تنام هي أيضا بعد ما رأته من ايام تالفة للأعصاب، ليذهبا الزوجين هم أيضا لغرفة شريف ليأخذا قسطا من الراحة.


صعد على فراشه اولا:

 " الحمد لله انه بالقدر الذي يتسعنا"



_" على عكس خاصتي".


_ " نشكر الله على وجود غرفة فاطمة والأولاد وإلا كنت أعلنت حرمانكِ من النوم هناك".

 

وبثقة ردت شهرزاد عليه:

" انتظر ليأتي أميرك وبعدها نرى ماذا ستفعل أخشى أن تطلب مني النوم هناك بحجة 

حب والدي للطفل".


 راجعها بضحك:

 " لا تقولي هذا من المؤكد أنني سأفعلها لأجل راحتك".


جلست على الفراش جانبه متألمة من ظهرها ثم نزلت للأسفل لتستلقي دون أن تفكر بمن مال عليها من الأعلى قليلا قائلا:

" نعم أنا مستعد لإكمال القصة هيا احكي ياشهرزاد".


اغمضت عيناها قائلة:

 " هيا نامي يا شهرزاد".


نزل ليستلقي بجانبها مجيبًا عليها:

 " يناسبني اكثر".


هددته بيدها المرفوعة بهاتفه ان لا يقترب منها كي لا يندم، ضحك من تعابير وجهها قائلا:

 " هل اتعبك أميري لهذا الحد".

 

وبصوتها المدلل الباكي ردت مناجية ربها:

" ان لم تكن بك علي غضب فلا أبالي".

 

دخل بحضنها بعد ان قبلها قائلا:

 " تمام سأنام دون صوت أو حركة كي تعلمي النعمة التي أنتِ بها".


ناما على هذه الحالة، لتمر عدة أيام هادئة سمعوا بعدها صوت ناهدة وهي تبكي قائلة:

 " ردي علي إفتحي عينيكِ، سامحيني انا لم ارد أحزانك، ردي علي حبا في الله ردي عليّ".



نزل البدري الدرج على صوتهم وهو يكمل ارتداء سترته مفزوعًا:

  " اين انتم ماذا جرى؟" .


علا صوت ناهده أكثر:

 " جميلة ردي عليّ".


ظهرت توته وهي تخرج من الساتر خلفه تغلق حجاب لباس الصلاة تنزل الدرج قائلة:

 " استر يا رب".


أقترب البدري منهم ليتفاجأ بوضع جميلة المغشي عليها وكلمات ناهدة الباكية:

 " أنا لم أفعل لها شيء، كنا نتحدث غضبت عليها ككل مرة".

 

اقتربت توته محاولة إعادة جميلة لوعيها دون استطاعة اتصل البدري بالإسعاف و بالطبيب المقرب منهم الذي أخبره أنه سيكون في استقبالهم عند وصولهم المشفى.


كانت العيون شاخصة خائفة وخاصة بعد تحدث توته قائلة:

" يدها كلوح الثلج، ليس يدها فقط و وجهها ايضا تغيرت حرارته".

 

جلست ناهدة أرضا تندب وتنوح:

 " انا من احزنها انا السبب ياليتني مت قبل أن أقاطعها، ياليتني مت قبل أن اتوعد لها ياليت قطع لساني قبل احزانها".

 

نظرت فاطمة للبدري بخوف فحالة جميلة لا تطمئن، وصلت الاسعاف وحملت جميلة ليسرعوا بها للخارج ومن خلفهم توته والبدري.


 

وصل محسن وهو يرى المسعفين يضعون زوجته بالداخل، تحدث ليصدم الكبير قائلا:

 " انها مريضة سكر ولم تأخذ له علاج حتى الآن".


اسرع المسعفين ليتدخلوا لإنقاذ المريضة تحدث البدري لتوته قائلا:

 " ابقي أنتِ هنا".


ثم أسرع ليصعدا السيارة:

  " سلم يارب سلم".


وبعد أن ابتعدوا عن المكان دخلت توته للسرايا متجه لغرفة جميلة باحثه عن ناهدة التي قطع صوتها من شدة انهيارها واتهامها لنفسها بأنها السبب في موت أختها وابنة عمها وصديقتها.


وبجسدها الذي كان يرتجف من الحدث الجلل جلست توته أرضا أخذه ناهدة في حضنها وهي تحنو على ظهرها:

 " لا تقولي هذا ستعود إلينا لا تخافي، سمعت محسن يخبر المسعفين انها مريضة سكر من الممكن ان يكون انخفض أو ارتفع وهذا ما أساء من وضعها".


مسحت ناهدة دموعها في أكمام ذراعيها وهي تسألها: " أي سكر جميلة ليست مريضة".


أعادت عليها ما سمعته من محسن لتعود ناهدة ببكائها: " انا السبب انا السبب".


رن هاتف جميلة لتسرع توته لتنظر له وتفتحه بمجرد رؤيتها اسم زوجها الذي قال لها:

 " الحمدلله جميلة استعادت وعيها لا تخافوا ولا تحزنوا من المحتمل أن يكون السكر السبب الأطباء يقومون بإجراء التحاليل والفحوصات ليعرفوا سبب ما حدث".


طمأنت ناهدة و اوقفتها من الأرض ثم أخذتها معها للصالون اجلستها على إحدى مقاعدة قائلة: "سأذهب لأرى سلمى أين اختفت وأعود إليكِ".

 

صعدت توته تنادي على الطفلة باحثة بعينيها حتى وجدتها مختبئة أسفل غطاء فراشهم اخرجتها و وضعتها بحضنها وهي تحدثها:

 " ما بكِ لا تخافي لم يحدث شيء تعالي لنبدل ملابسنا وننزل لزوجة عمك".

 

وبعد مرور ساعة على الأكثر وصلت البشارة بحمل جميلة، عادت ناهدة لبكائها وندبها حظها، حزنت توته على حالها، اخبرتها ما أخبرت به جميلة من قبل، قائلة:

 " إن كنتِ على عجل بتحقيق حلمك في الانجاب اذهبي للطبيب واختاري افضل ما يناسبك وقومي به حتى ترضي نفسك".


تحدثت ناهدة قائلة:

 " كانت لي صديقة عندها مشكلة بقناة فالوب ولم تنتظر من رابع شهر بعد زواجها ذهبت وقامت بعملية وانجبت توأم وبعدها بسنتين اكرمها الله بحمل طبيعي دون تدخل من أحد".


سعدت توته قائلة:

 " نعم سمعت الكثير من هذه القصص كنت اتابع دكتور يأتي بشكل أسبوعي على الفضائيات كان يروي قصص كثيرة كهذه".


ردت ناهدة عليها:

" سأقوم بها لن انتظر كما يقول سيد".


……….


 وسط شرفة منزل أمين المطلة على النيل وقفت شهرزاد وهي مرتدية فستان أبيض تل منفوخ وبجانبها شريف وهو بقميصه اللبني وبنطلون ابيض من وراءهم خلفية مزينة، يمسكون بيدهم بلون أسود كبير خرقه شريف بحماس. 


انفجر البالون وخرج من داخله تبر لامع باللون الأزرق، صرخ شريف وهو يقفز مكانه قفزة اقترب بعدها من زوجته ليقبلها من وجنتها بفرحة وسعادة كبيرة.


 فرح أولاد فاطمة أن خالتهم ستلد ولد يلعب معهم كما تمنوا، تحدثت توته للبدري:

 " سينتهون من امتحاناتهم بعد يومين سأخذهم جميعا وأنزل القاهرة".


استقام البدري بجلسته قائلا:

 " هل بهذه السرعة".


نظرت له باستغراب ليكمل:

 " ليس لدي مشكلة أتساءل فقط".


اومأت رأسها وهي تفكر لثواني قالت بعدها:

 " تعال انت ايضا معنا إن كانت ظروفك سامحة لك".


رد عليها بدون تفكير:

 " سأحاول تدبيرها ان كنتِ تريدين قدومي".


_" لا لم اقصد كن على راحتك كان الله بعونك".

 

رد البدري بسرعة: 

" كي أفي بوعدي لشريف وابيه ألم أصر على عدم قدومهم لأجل مرض الحاج أمين و وعدتهم بزيارة بعد انتهاء دراسة الأولاد".

 

ركض باهي ليختبئ بغرفته بعد ان كسر سن قلم أخيه الخشبي، تحركت توته لتهدئ من هادي كي لا يضرب أخاه، تحدث البدري قائلا لنفسه:

 "كأمها تماما نريد أن نتدلل عليكم وانتم تقلبون الحديث بثواني".


وبعد أسبوع تقريبا كان شريف يخرج من المحاضرة ذاهبا لمكتب استاذ نديم استقبلته شهرزاد وهي تجمع أغراضها لتتهيء لدخول محاضرتها.


تحدث شريف:

 " كان عليه أن يأتي تأخر الوقت، أن لم يؤكد علي مجيئه وطلبه ما كنت استغربت".

 

ردت شهرزاد وقالت:

 " نعم حتى أنه يعلم بتحضيري البيتزا المحببة له كي نأكلها سويا''.


فتح شريف هاتفه ليتصل من جديد قائلا:

 " اتصلت به قبل دخولي للمحاضرة و لم يرد علي ".


دخل عليهم استاذ جمال بوجه حزين قائلا:

 " هل سمعتم ما حدث".


نظرا له ليستمعا حديثه:

 " استاذ نديم أعطاكم عمره".


وبنبرة تفاجأهم رد شريف:

 " لا إله إلا الله، كيف حدث كان بخير ليلة أمس و وعدنا بالقدوم".


تحدث أستاذ جمال مجيبًا عليه:

 " كما نعلم وضعه الصحي بعد وفاة زوجته وحزنه الشديد عليها".


سألت شهرزاد بصوتها المختلط ببكائها وحزنها الشديد على استاذها:

 " من أين علمت الخبر من الممكن أن يكون".

 

قاطعها استاذ جمال:

 " مع الأسف الخبر مؤكد وهناك من تواصل مع ابنه ليبلغهم تعازينا به".


جلس شريف بجانب زوجته وهو يكرر ان لله وان اليه راجعون يحاول بها أن يستوعب الخبر الذي رجه, فنديم ليس استاذهم فقط بل كان في مقام أبيهم الروحي حتى أنه كان يشتاق لرؤية حفيده الصغير من شهرزاد. 


تغيب عن الجامعة بآخر أيام وأشهر ولكنهم لم يغيبوا عنه بالزيارات والاهتمامات وتحمل مكالماته الطويلة.


حزنت شهرزاد بشكل كبير فكان صوته ودعمه لها يزيدون من تذكرها وبكائها الذي ضرها كما حذرتها أمها لأجل الطفل. 


خرجت من الحمام وهي تضع يدها اسفل بطنها تتألم بصمت اقتربت امها منها بخوف:

" ما حالة وجهك هذه، ما بكِ".


ثم نظرت على يدها مكملة:

 " هل تتألمين؟".


ردت شهرزاد:

 " اسفل بطني يؤلمني سأتحسن بعد أن اتسطح على فراشي".


رن جرس الباب تحركت أمال لتفتح لشريف وبغدادي العائدين من صلاة المغرب، وصلت شهرزاد للغرفة مغمضة العينين تمسح وجهها بمنشفة صغيرة مستلقية على الفراش بعدها.


 اقترب منها ليحتضنها متسائلا عن حالها بوجه يضحك، ردت عليه بصوت متألم:

 " ابتعد واتركني بحالي، آآآه بطني تؤلمني يا شريف".


رد عليها ليخرجها من حالتها الحزينة كما كانت تردد أمها قائلا لها:

 " لا شيء خطير سيزول المهم أنكِ بجانبي"


ضمها إليه وهو يقبلها من وجنتها، صرخت بوجهه بنبرة لم تعلو كثيرا قائلة:

" حبا في الله اتركني وارفع يدك من على بطني ان رآنا والدي سنقع بوضع محرج".


حرك يده على بطنها قائلا بصوت حنون:

" لا يوجد بها شيء أنتِ تتوهمين".


_ " ارفع يدك سأموت من ألمي ابتعد عني ارجوك".

 

استوعب حالتها حين علم صدق ما تقوله رفع يده وهو يقترب منها ليضع رأسه بجانب كتفها ممسكا بيدها ليقبلها ويحتضنها:

 " قلبي والله أنكِ اصبحتي قلبي وروحي وعمري كله ، لا يمكنني بدونك اموت بدونك".

 

_" سأبكي أقسم أنني سأبكي الآن، أقول لك بطني تؤلمني وانت تتحدث عن الموت، هل طاقت نفسك لموتي، آآآه".


وتحركت لتذهب للحمام مجددا متالمة من بطنها: " آآآه ".


لحق بها متسائلا عن سبب تألمها وما يستطيع فعله لأجلها لتطلب منه ان يصمت ويتركها بألمها وحدها.


وقف امام باب الحمام ينتظر خروجها الذي طال، اقترب بسرعة فور ظهورها امامه ممسك يدها ليساعدها بسيرها البطيء، اجلسها على الفراش قائلا بضحك:

 " هل المحشي أثر عليكِ أم الكيك".

 

أتت إليهم امها وبيدها كمون مغلي قائلة:

 " اشربيه سيحسن من انتفاخات بطنك ويهدئ منها".


اخذ شريف كوب الأعشاب الدافئة من يد امال ليشرب منه رشفة قائلا بسخرية:

 " طعمه رائع سيعجبك".


وبصوتها المتعب و وجهها المبتسم تحدثت:

 " سيأتي لك يومك انتظر اقسم انني سأحتفل على شرف مرضك انتظر". 


ساعدها بنومها رافعًا عليها الغطاء، ناظرا للساعة التي لم تقترب من التاسعة مساءً.


استمر ألم بطنها و وضعها يدها على أماكن متفرقة مرة اسفل ظهرها و مرة معدتها ومرة اخيرة اسفل بطنها.


اتصلت زيزي بابنها صدفة وعندما علمت بالأمر قلقت واصرت عليه ان يأخذها للطبيب، رد شريف على امه:

 " انها ليست بخير، و لا زالت تعاند وترفض ذهابها للطبيب".


تحدثت شهرزاد من جانبه:

 " الاعشاب هدأت الالم قليلا". 


وبعد دقائق دخلت شهرزاد الحمام منصدمة بنزول قطرات دم منها، اسرعوا للذهاب للطبيب وفور وصولهم العيادة سقط ماء الطفل منها لتنذعر وتخاف أمسكت بيد شريف قائلة:

 " انه قادم سألد".


اقترب منها ليهدئها:

 " لا تخافي الآن او غدا سيأتي الطبيب طمأنك لا تقلقي".


تفاجأت شهرزاد بوصول توته للعيادة بكت والقت بنفسها في حضنها شاكية لها تخوفها وتألمها.


وقبل أن ترد توته لتهون عليها صرخت شهرزاد وهي تضغط على معصم شريف بقوة .


الى هنا وحسب ☺️


لا شك اننا على موعد مع توديع قصتنا المحبوبة إلينا، اسعدتوني بمحبتكم و دعمكم واعجابكم الكبير بالقصة التي لم تنجح إلا بمحبتنا و جمعتنا الجميلة ، هذا الحب الذي يلقي على كتفاي حمل ثقيل يجعلني أفكر كثيرا قبل فتح رواية جديدة أملي بها ان تنال اعجابكم كسابقيها.


استودعكم لله

author-img
أمل محمد الكاشف

تعليقات

تعليقان (2)
إرسال تعليق
  • غير معرف28 أكتوبر 2025 في 1:57 ص

    روعه تسلم ايدك حبيبتي

    حذف التعليق
    • غير معرف28 أكتوبر 2025 في 5:32 ص

      ما شاء الله و تبارك الرحمن فرحت كتيرا بعودتك بيننا والله كنت انتظر الوقت لكي نحضى بقراءة روائعك

      حذف التعليق
      google-playkhamsatmostaqltradent