الليالي المظلمة الجزء الثاني
بقلم امل محمد الكاشف
من أصعب اللحظات التي تمر علينا تلك التي نودع فيها حبيبًا غاليًا بقلوب راضخة مستسلمة لحقيقة الموت، لا تتوقف العيون عن سكب وديانًا من دموع الحزن والألم. لا نستطيع أن نعيش الدنيا ولا أن نرحل خلفهم، كل ما بيدنا ان نحلم بعودتهم آملين ان يكون رحيلهم مجرد كابوس نستيقظ منه على حقيقة وجودهم بجانبنا ..
لا زال الجميع واقفين بأماكنهم مندهشين مما حدث. ينظرون نحو انهيار أميرة الفولاذ ومناداتها للغريب بهذا الصوت الراجي الصارخ.
اقتربت سيفدا هانم من سيلين كي تساعدها بالوقوف والعودة معها لغرفة المكتب.
متحدثة معها بصوت بكائها وتأثرها من ثقل المشهد " لماذا تركتموه يذهب، اقسم انه يوسف. أنه هو"
اقترب فراس من أورهان بيه وبيده كأس الماء أعطاه له وسط صمت مهيب، تحرك زهير خلف سيلين و هو بحالة منصدمة مما تأكد منه. لم يكن يلاحظ تحرك اورهان وخروجه من مركز الادارة لتتبع الغريب فإن انتبه لذهب معه كي يتأكد أكثر مما رآه قبل قليل.
…..
بغرفة المكتب اخذت سيفدا هانم كأس الماء من سيلين بعد أن شربت، نظر لها زهير قائلا " لا تقلقي ستكون بخير. تستطيعين الخروج الان، و لا تنسي امر ملف شحنات بذور المزروعات اريده على مكتبي قبل انتهاء دوام اليوم"
نظرت سيفدا لسيلين ثم نظرت لزهير قائلة
"هل اليوم!، ولكن هناك.. ".
قاطعها زهير بحزم قائلا
" تستطيعين انهائه ان بدأتي به من الآن"
تحركت سيفدا وهي مختنقة من الطريقة التي يحدثها بها زهير.
اجابته على مضض قائله
"امرك زهير بيه. ولكن لا ذنب لي إن خرج ناقصًا لأجل بعض المعلومات التي لم تصل لنا حتى الآن"
اسرع برده وهو ينظر لدموع سيلين التي فاضت من جديد
" حسنًا ارسليه بهذا القدر و عند وصول باقي المعلومات ستأتينِ بها"
خرجت سيفدا من المكتب وهي حزينة على وضع أميرة الفولاذ، تحرك زهير بعد خروجها مقتربًا من المكتب لأخذ أوراق المناديل وأعطاها لها وهو يمثل الحزن
"يكفي بهذا القدر رجاءً، هل انتِ مصرة على تدمير نفسكِ بنفسك، اخبرتكِ أكثر من مرة لا يمكنكِ فعل هذا. عليكِ ان تؤمني بحقيقة الموت كما ان كلنا راحلون من هذه الدنيا"
تحدثت بصوتها الباكي
" اقسم انه هو، لا يمكن لقلبي أن يخطأ بشعور كهذا، لا يمكن لتلك العيون و تلك الايدي بل الشعر وحتى النفس ان تكون لغيره"
ازداد بكائها
"انت لم ترى حسن، لم يراه غيري. لا يمكنك فهم ما أقوله. أنه حسن نعم انه هو "
اختنق صوتها ببكائها وهي تقول
"تعلق قلبي بقلبه الكبير من أول لقاء. كان هناك شيء غريب يخاطبني كلما نظرت لحالته الغريبة. كان جميع من حولي مندهشين مثلك تماماَ فكيف لشابة متعلمة مثقفة مثلي ان تتعلق بشخص مظهره لا يدين لعصرنا. و لكني كنت ارى به ما لم يروه هم. وكأنني لمست قلبه الكبير"
اقترب زهير منها بعد أن ملأ كأس الماء مرة أخرى وهو يقول
" اشربي، اهدئي ولا تتحدثي لنكمل بوقت لاحق، لا ترهقي نفسك أكثر من هذا"
لم تستمع له أكملت وهي تجهش بالدموع
" لا أحد يستطيع ربط حسن بيوسف ولكن قلبي استطاع فعلها بالماضي، حفظت صوته ونظراته وحركات جوارحه بقلبي، فكيف لي بعد كل هذه السنين أن اخطأ بحدسي، كيف تطلبون مني ان اكذب شعوري به،
لا ليس شعور فقط بل دلائل ملموسة. لقد سمعت صوته ينادي علي نعم تلفظ اسمي أصبحت متأكدة مما سمعت. هو يوسف لا يمكن أن يكون غيره"
اتسعت اعين زهير وهو ينظر نحوها متسائلاً
" هل تلفظ ذلك الغريب باسمك "
ابتلعت ريقها و مسحت دموعها التي لم تهدأ
" نعم كنت اعتقد اني أتهيأ. ولكن بعد ما حدث اليوم اقسم انه هو"
صمتت قليلًا بعيون ثابته متحدثه بعدها بصوت مرتجف
"ولكن. ما به! لماذا لم يتعرف علي! لماذا يهرب مني!"
رد عليها وهو أشد ضيقًا و تخوفًا من فقدانها " انتي تعلمين رأيي جيدًا في هذا الموضوع. وبرغم عدم تصديقي لما تقولين إلا أنني سأتولى اجراء تحليل الحمض النووي DNA له. ليس لشيء سوى لأؤكد لكي صحة كلامي ليس بهذا اليوم فقط بل صحته منذ وفاته"
اقترب منها بحنان ورفق و صوت يعزف نغمات الخوف والعطف والحب قائلا
" لا تتركي نفسكِ للأوهام، لا تتركي نفسكِ لهذا الطريق فتذهبي وتندثري ، انتِ لا تستحقين هذا. ابناءكِ بحاجة لكِ اقسم ان كان يوسف حيًا لغضب وحزن على ما تفعليه بنفسكِ، انظري لوجهكِ و حالتكِ كيف اصبحتي، أهذه اميرة الفولاذ! أهذه وجه القمر خاصتنا!"
نظرت له مترقبة حالته وهي تمسح دموعها
تحركت مبتعدة عنه وهي تحاول تهدئة انفاسها وضيق صدرها وحزنها على ما وصل به زوجها من حال.
تحدث زهير من جديد
" لن اكثر عليكِ بالحديث، سأفعلها لأجلك. سأبحث عنه حتى اجده و نجري هذا التحليل الذي ليس له داعي سوى اقناعكِ بحقيقة وفاته"
هزت سيلين رأسها وهي ترفض تصديق ما يقول. ازدادت أنفاسها ودموعها التي أصبحت كمجرى نهر فاض بما حوى..
حزن على حالتها لا يعرف ماذا يقول وماذا يفعل ليهدئها ويعيدها للحالة التي كانت عليها قبل رؤية الغريب. فبرغم أنه حاول طوال تلك السنوات التي مضت ان يحررها من حزنها، إلا انه بهذه اللحظة تمنى أن تعود لحزنها السابق الذي هو أهون كثيرا مما هي عليه الآن..
تحدث من جديد ليقول
"اريد ان أأخذ منكِ وعدًا كبيرًا بأن نعود لتركيا و ننسى أمر الغريب و... و.. "
صمت دون أن يكمل. فكان يريد ان يقول لها "وان تعطيني فرصة كي اخفف عنكِ حزنكِ واشارككِ اعباءكِ و مسؤولياتكِ، كان يريد أن يكرر طلبه السابق بأن تسمح له ان يكون درع وحمى لها ولأبنائها"
كانت كلماته على طرف لسانه كاد أن يتفوه بها لولا سوء حالتها وخوفه من ردة فعلها..
تحرك بخطوات هادئة حولها يهيئ نفسه لقولها ولكنه لم يستطع خيفةً من فقدانها و فقدان صبر أكثر من ثلاث سنوات من التقرب وتحمل رفضها له. بجانب تغيراتها النفسية و إحساسها بوجود زوجها حولها و بأحلامها.
………
تتبع اورهان الغريب وحدهُ دون أن يشعره بسيره خلفه، راقب سيره وخطواته التي اصبحت بطيئة كعجوز أهلكه سنه وعجزه، لم يستطع الغريب الهروب والاختفاء بعد أن تخالطت عليه الاتجاهات، ليصبح كالتائه يخترق الطرق الفرعية باحثًا عن مأوى يختفي به عن الأنظار.
لم يجد ما أراده بسهولة لاتباعه طريق مختلف عن الذي يتبعه بالمرات السابقة، جلس أسفل شجرة كبيرة بجانب مبنى قديم متهالك وهو يجاهد تلك الحالة التي أصبح عليها.
أكتشف أمر تتبع أورهان له. نظر نحوه بأعين تكرر صور كابوسها وصورة العجوز الذي أصبح أمامها من جديد، فتح عينيه جيدا محاول تصديق ومقاومة الأصوات الصاخبة والصور الكثيرة الغير واضح منها سوى صورة ذلك المسن.
اقترب اورهان منه بخطوات بطيئة. ليختنق ذلك الغريب أكثر وأكثر فكلما قلت المسافة بينهما كلما زاد اختناقه دون قدرته على الهرب أو التحرك.
و على ما يقرب من متر تقريبًا جلس اورهان جاثيًا على ركبتيه وهو ينظر ليوسف بأعين دامعة
" بني. يوسف. بني"
صمت وهو يراقبه ويدقق بملامحه متعجبًا من ذلك الجرح الكبير الذي يمتد من أعلى حاجبه إلى أسفل أذنه.
وقف الغريب محاولا الهروب من حالته السيئة قبل أي شيء. تعرقل بحركته حين سمع صوت اورهان وهو يقول له
"انتظر أنا لن اؤذيك جئت فقط لأساعدك"
اشار له بيده وهو لا يتوقع استجابته له بتلك السرعة، المثير بالأمر أن الغريب استجاب وجلس مستمعًا لما يقال لهُ من قبل هذا العجوز.
ليتأكد أورهان انه يفهمه نزلت دمعة من عيونه الحزينة وهو يقول له
"هل فهمت علي؟،هل انت تتحدث اللغة التركية"
انتظر اجابة منه ولكن من الواضح أن ذلك الغريب لديه مشكلة بالنطق لا احد يعلم سببها هل أثر تعرضه لحادث كبير، ام صمته من عدم تحدثه مع احد وظلمة لياليه طوال تلك السنوات التي تحتار بتصنيفها هل كانت مظلمة أم ظالمة.
تحدث اورهان مرة اخرى ليقول له
"أنت تفهم علي ولكنك لا تتحدث أهذا صحيح؟ "
من جديد لم يرد عليه فقط ينظر نحوه بترقب واجهاد شديد. ليكمل أورهان قائلا
"ان كنت تفهم علي ولا تستطيع الحديث أعطني أي إشارة بيدك، أغمض عينيك. إفعل أي شيء. يكفي أن تصدر منك اشارة واحدة"
وقف الغريب وهمَ بالتحرك لترك المكان ليقف أورهان سريعًا أمامه كي لا يفلته منه.
أصيب اورهان بتشنج في أحد بركبته بسبب وقوفه السريع المفاجئ، تألم مصدرًا صوتًا شبه عالي "آآآآه " كاد أن يسقط فسنه وتحركه السريع من جلسته الأرضية التي لم يعتد عليها جعلته بحالة سيئة .
لم يتوقع عودة الغريب وامساكة ليده قبل سقوطه، اقتربت الوجوه والعيون من بعضها البعض لتتسارع أنفاس الغريب وهو يستمع لصوت اورهان الحنون الذي يملؤه الحزن والبكاء المتخفي حين عاد ليقول
" بني. يوسف. أنت يوسف ".
اهتز الغريب بهذه الكلمات حتى ظهر اهتزاز جسده عليه حين اصدرت هذه الكلمات صدى كبير بداخله. رعد قلبه وزاد هذا من تخبطه.
اظلمت الرؤية أمامه لدرجة أنه أصبح يغلق عينيه ويفتحهما وهو يحرك رأسه محاولًا التحرر من هذا الإحساس، وضع اورهان يديه بحذر على كتفيه وهو يكرر قوله
" يوسف. بني "
انتفض الغريب بين يديه وهو لا يزال مغمض العينين من شدة تخبطه وما يحدث بداخله. وكأنه بدوامة كبيرة مظلمة لا يمكن الرؤيا بها.
تحدث اورهان من جديد ليقول
" أنت يوسف.. أنت إبني، ألا تعي ما أقوله؟ أتفهم علي؟"
فتح الغريب عينيه وهو يتنفس بقوة ناظرًا نحوه بأعين متسعة ووجه متعرق. حاول الهروب من بين يدي هذا العجوز الذي شدد قبضة يده على كتفه و خلف رقبته ممسكا بها بقوة وهو يكرر كلماته
"أنت تفهمني. لا يمكنني تكذيب شعوري، لماذا تريد الهرب؟ استمع الي. حاول أن تجيبني. وإن لم تكن إبني فأنا سأساعدك بكل الحالات، لا يمكنك البقاء بهذه الحالة فبأي عصر نعيش نحن؟"
لم ينهي حديثه حتى نجح الغريب الافلات منه والابتعاد عنه رغم محاولات اورهان بتثبيت يديه بقوة كي يمنعه.
نجح بالهروب الذي لم يكن سريعًا هذه المرة كسابقتها. فقد أصبح دون قوة، استسلم أورهان وتركه ليذهب دون اللحاق به.
عاد للمركز الإداري وهو بحالة أسوأ مما خرج منه، كان ينظر لتلك الخصلات المتبقية من شعر الغريب على يده وهو شارد يحركهم بين اصابعه قائلا لنفسه
" لا يمكن أن يكون حلمًا، لا يمكن أن يكون الشبه لهذا الحد صدفة، كما انه يفهمني ايعقل هذا!"
اقترب منه السيد عيسى بالممر ليتحدث معه ولكنه لم يشعر به وبقربه اكمل سيره لمكتبه ليدخله مغلق عليه بابه دون النظر لأحد.
اقتربت سيلين منه لتقول بسرعة ولهفة
" اتصلت بك لأجد هاتفك مغلق أين كنت؟، أم أنك تتبعته ؟ هل تحدثت معه ؟ هل تأكدت منه؟ ابي انه هو. اقسم لك انه هو "
اقترب زهير هو ايضا منهم متحدثًا لسيلين
" هل من جديد ماذا قلت لكِ ، اتركي هذا الأمر لي سأجده وسأقوم بتحليل الحمض النووي للتأكد من هويته كي أثبت لكم حقيقة ما أقوله "
نظر لحالة اورهان مكملًا
" اعطيها الحق فيما تشعر به وتفعله، ولكن رجاءً لا يمكنك فعل هذا على الأقل أمامها، عليكم ان تستعيدوا عقولكم و إلا سأكون مجبرًا على حجز تذاكر العودة لنا جميعًا دون انتظار موافقتكم، فلا تنتظروا مني خسارتكم بهذه البلد المشؤومة دون تدخل مني، ان لزم الأمر سأستدعي فضيلة هانم كي تنهي بنفسها هذا الأمر "
نظر اورهان لابنته بأعين دامعة ووجه أظهر سنًا اكبر من سنه ليقول
" انتِ محقة، انه هو. وكيف لا يكون هو! وكيف لشخص بسيط مثله أن يفهم علينا التركية!، اعينه، حركة يده، لون بشرته وإن جاء عليها الزمن واحرقتها شمسهم وارهقتها المتاعب فهي لا زالت مختلفة عن لون بشرتهم"
نظر زهير نحوهم بأعين خبيثة قائلا
" حسنًا سأحاول تصديق ما تقولون ، سأبحث عنه وأقوم بإجراء فحص الحمض النووي. ولكن حتى هذا الوقت علينا أن ننهي أعمالنا سريعًا ونتهيأ للعودة، ان اثبت لكم بالنتائج المثبتة ما اتأكد منه كما أنا متأكد من رؤيتي لكم الآن سنجمع حقائبنا ونعود دون رجعة"
رد اورهان عليه وهو يحرك أصابعه ليلامس خصلات شعر الغريب قائلا
" لا تجهد نفسك بالبحث. انا من سيقوم به حتى وإن لم يكن يوسف. سأساعده واحسن من وضعه واوفر له عمل يسترزق منه. إن لم يكن لأجله فسيكون لأجل مساعدته لابنتي وانقاذه لها فنحن لا ننسى المعروف"
سأله زهير عن كيفية اجراء التحليل دون إيجاده واقناعه.
تحدث أورهان وقال
" اتركها لي سأتصل واطلب توفير عينة سريعة من احد احفادي ومن ثم سأبلغك كيفية عملها. ولكن قبل كل ذلك علينا العودة لعملنا فهناك أعمال لا يمكننا تأجيلها. وأيضا أريد الملفات التي طلبتها منك اليوم"
اوما زهير برأسه وقال
" أنت محق لقد اخذ الامر اكثر من حجمه سأذهب الآن لانهي عملي ولنا حديث آخر عند عودتنا للفندق بخصوص التحليل، وإحضار العينة من تركيا " .
وعلى مضض اومأ اورهان له رأسه كرد عليه ، استأذن هو منهم وخرج من المكتب ليتحرك أورهان ويجلس على الأريكة الجانبية صامتًا شاردًا بلقائهم، اقتربت سيلين منه وجلست بجانبه وهي تقول
"ماذا سنفعل؟، عقلي لا يستوعب ما يحدث. اهو فعلا! وإن كان هو فلماذا لم يعد إلينا؟ لماذا هو بهذه الحالة؟ كيف لشخص مثله أن يعتاد ويفضل حياة كالتي هو بها؟ "
رد أورهان وهو ينظر لها
" علينا ان نهدأ كي نستطيع التفكير بهدوء فجميع ما سألتيه له إجابات متعددة ومقنعة فسقوط الطائرة ونجاته منها لم يكن أمر بسيط. ولكن قبل التحدث بهذا كله علينا التأكد من حقيقة هويته فمن الممكن أن تكون كل هذه تهيئات أصابتنا لأننا..."
قاطعته سيلين وهي تجزم له انها ليست تهيئات وأنها متأكدة من حدسها .
وبعد اقل من اربعة وعشرون ساعة وحين تأكدوا من وصول عينات تولاي و لي لي بسلام تم إرسال خصلات الشعر من قبل أورهان لأكبر مركز تحليل بالعاصمة، متمنيًا أن تكون النتيجة إيجابية كي يهدأ قلبه ويزول حزنه هو وعائلته، وهذا ما ألقى الخوف بقلب زهير فهو أيضا يشعر بما يشعرون به بل وأكثر منهم وكأنه تأكد من شخصه قبل ظهور النتائج..
اختفى الغريب بشكل تام خلال الأربع ليالي التي تبعت حادثة المركز الإداري لم تستطع سيلين النوم بهناء خلال تلك الليالي حتى أنها حرمت على نفسها فراشها وراحتها.
وصل نعمان للنيجر بعد أن تم مساعدته للخروج من تركيا عن طريق اسم مستعار ومزور وباستخدام أكثر من واسطة كبيرة داخل المطار.
لم يصدق ما سمعه من أحد رجاله الذين عينهم لأجل حماية أخته بعد محاولة قتلها، لم يقتنع بأول الأمر وقال بصوت منخفض مهمهمًا لنفسه
"ماذا تفعل هذه؟ هل جنت؟ ام فقدت عقلها ؟"
نظر لفهدان قائلا
" حدثني أكثر عن هذا الغريب ، ما قصته و ما وجه الشبه بينه وبين زوجها"
ذهل نعمان مما سمعه. رد وقال
"ومع هذا ليس من المنطقي ان نفكر بهذه الطريقة "
أكمل حديثه بعد لحظات صمت ليقول " ألا توجد أخبار عن عودتهم أما زالت مصرة على بقائها بهذه البلد "
رد فهدان عليه و قال
" مع الأسف ، ليس هناك نية بالعودة بعد موضوع ذلك الغريب. لقد زادت رغبتها بالبقاء دون موعد محدد "
وضع نعمان يده على وجهه وهو يحك لحيته قائلا
" حسنًا ولكن اولا علينا ايجاد من تطاول عليها وحاول انهاء امرها ، ليكون عبرة لأي شخص تسول له نفسه أن ينفذ أي تعليمات تتعلق بها. ومن ثم علينا ان نجد ذلك الغريب أثارني الفضول حياله"
رد فهدان ليقول
" امرك سيدي سنبدأ بالبحث عنه ولكني علمت أنه يوجد شخص آخر يبحث عنه حتى أنه وظف عدة أشخاص من وسطنا للبحث عنه بأجر كبير "
رد نعمان والفضول يثيره قائلا
" ومن هذا الشخص "
اجابه فهدان ليصدمه
" اسمه زهير بيه أحد العاملين بشركة اورهان والمركز الاداري للمشروع "
رد نعمان بضيق وغضب
"هل هذا الرجل من جديد، ولكن من الطبيعي أن يبحث عنه لأجلهم "
صدمه فهدان أكثر حين قال
" لا أعتقد هذا فهم يعملون بسرية عالية وأيضا هناك أوامر بالتحفظ عليه وإخفائه عند ايجاده "
وباهتمام رد نعمان متسائلًا
" تقول أنه يريد به سوء "
لم يعطه فهدان جوبًا صريحًا فحتى هو لا يعرف ما السبب حيال هذا فقد أبلغه بما سمعه في وسطهم المظلم فقط.
فكر نعمان قليلا ليقول بعدها
" بكل الأحوال لا يخرج من هذا الرجل الخير فأنا لا أتحمله بالأساس، دعنا لا نحكم عليه سريعًا ولكن إن كان هذا الغريب ذا قيمة كبيرة لهذه الدرجة فعلينا نحن أيضا تتبعه ومعرفة مكانه قبل الجميع. وأيضا علينا معرفة نتائج تلك التحاليل فور ظهورها قبل الجميع ايضًا"
رد فهدان قائلا
"امرك نعمان بيه هل تأمر بشيء آخر "
رد نعمان بقوة
" لا. يكفي أن تسرع فيما طلبته. ان وجدت ذلك الغريب اليوم سأكون ممنونًا منك. ولا داعي ان اخبرك بتوخي الحذر وعدم معرفة أحد بوجودي هنا كما أخبرك سنان " .
رد فهدان ليؤكد على كلامه قائلا
" طبعا طبعا ولكن السيد ايسفون يريد مقابلتك لتقديم مساعدته وواجب ضيافتك ببلدهم "
ابتسم نعمان وقال
" وهل لنا ان نستغني عن خدماته، حسنا تواصل معه وأخبره انني انتظره بأي وقت وايضا اخبره بمهامك واجعله يدعمك برجاله ومعارفه كي تستطيع انجازها بسرعة قبل الجميع"
…….
جلس زهير بغرفته في الفندق وهو يشرب رشفة من كأسه المركز غاضبًا على ما وصلوا إليه من حال فسوء حالة سيلين وعدم ظهور نتيجة التحاليل حتى الآن وأيضا عدم قدرة الرجال على ايجاد ذلك الغريب جعله أكثر ضيقًا وغضبًا، زاد بشربه كي ينسى وضعه وما يقال حول الغريب.
…..
بقصر الفولاذ وبحضن احفادها على فراشها كانت فضيلة تحكي لهم عن طفولة ابيهم و كم كان شخصًا هادئ مهذب يحب الجميع حتى أنها شبهته بتولاي كثيرا.
ردت ليلي وقالت
" أخبرني جدي انه يشبه أبي وأنا اشبه امي سيلين"
نظرت لها فضيلة لتتراجع الصغيرة بحديثها قائلة
" أعلم أنني اشبه امي هوليا بملامحي وحتى في الفنون وتسرعي ولكني اريد ان اشبه امي سيلين بباقي الامور"
احتضنتها جدتها بداخلها وهي تقول
" وكيف لا تشبهينها وهي أخذتكِ وأنتِ طفلة لا تعي لشيء بهذه الحياة، علمتكِ وكبرتكِ على يديها بحب واهتمام شديد، لم تفرق بينك وبين أخوكِ، حتى أننا في بعض الأحيان كنا نحثها ان تعطي تولاي قليًلا مما تعطيه لكِ. كانت ترد علينا بإن الإناث بحاجة للحنان والتوجيه أكثر من الذكور. كما تركت أمر أخيكِ لأبيكِ كي يصبح مثله فجميعنا كنا نحلم بهذا".
ردت لي لي بوجهها المبتسم لتقول
" اشتقت لها متى سيعودان "
شردت فضيلة بأيامهم السابقة وسعادتهم وهم يهتمون بصغارهم، تذكرت يوسف وأحلامه حيال ابنائه فكم كان يريدهم ذوي قيمة ومكانة علمية بالمجتمع، وكم كان يحثهم أن يكونوا مؤثرين بمحيطهم وليس متأثرين، كم حلم وتمنى تلك الأيام، دمعت عينها وهي تتذكر ما دار بينها وبين اورهان بمحادثتهم الاخيرة قبل عدة ساعات. حزنت لأجل وضع سيلين وتعلق اورهان بهذا الغريب.
ضاق صدرها وهي تنظر لأحفادها النائمين بحضنها قائلة لنفسها
" لم يستمعوا لي، ما كان علي ان اسمح بسفرهم لهذه البلد المشؤومة. لم يجلبوا لأنفسهم سوى الحزن والالم وفتح الجروح الدامية"
تنهدت وهي تقول بصوت مسموع
" أصبحت هذه البلد خطر علينا. يجب ان ننهي امرها ونقطع صلتنا بها ، يكفينا ما اصابنا من ورائها "
تحرك تولاي على صوتها بنومه. حركت يدها لتحنو على كتفه بحزن وضيق لم يعد غريب على هذه العائلة المكلومة.
فهذه الحالة اصبحت ملازمة لهم اكثر من روحهم.
لم تعطي فضيلة لنفسها فرصة للتفكير بأن الغريب هو يوسف، عارضتهم وغضبت عليهم خوفا من اصابتهم بالأسوأ.
حتى أنها أخذت منهم وعدًا قاطعًا بأن يعودا لتركيا فور انتهاء أمر هذا التحليل وعدم عودتهم لتلك البلد مرة أخرى.
……….
انشغلت فيروزة بوضع طفلها واستياء حالته بعد أن ارتفعت حرارته، أرادت التواصل مع زوجها عن طريق الاتصال بالرقم الذي تركه لها ولكن لسوء حظها انه كان مغلقًا.
نظرت للساعة لتزداد حيرة وقلقًا فكيف ستتصرف بهذا الوقت المتأخر..
حممت ابنها ووضع له الكمادات على رأسه أكثر من مرة. زاد الأمر احتقانًا وسوءً عندما ارتفعت الحرارة أكثر فأكثر حتى أصبح الطفل بعالم آخر لا يشعر بها، توترت و نظرت من نوافذ المنزل وهي تحدث نفسها
"كيف سأخرج وأنا لا أعلم أين سأذهب وكيف سأتصرف؟"
عادت لتنظر نحو علاجه مطولًا لتمسك بعدها الهاتف وتتصل بكل ما أوتيت من قوة بالمشفى مطالبة بإنقاذ الطفل الصغير ايًا كانت النتائج
سألتها احدى العاملات بالاستقبال عن عنوانها صمتت فيروزة قليلا لترد بعدها قائلة
" لا أعلم "
استغربت الفتاة من ردها حاولت مساعدتها معتقدة أنها ضيفة بالمنطقة ولكنها اندهشت أكثر حين أخبرتها أنها ليس لديها علم بشيء فقط طفلها مصاب بخلل ونقص في جهاز المناعة بالإضافة الى مشاكل في نقص عدد كرات الدم البيضاء والحمراء وهو يعاني حاليًا من ارتفاع شديد بالحرارة.
استعانت موظفة الاستقبال بالدكتور هازار لتخبره بالوضع وخاصة بعد بكاء فيروزة وطلبها للمساعدة
تدخل الطبيب وسألها عن هويتها وهوية الطفل كي يساعدهم عن طريق الشرطة بعد أن تعذر معرفة مكانهم بكافة الطرق.
أغلقت فيروزة المكالمة وهي منهارة تبكي بشدة لا تستطيع اعطاءهم التفاصيل وبنفس الوقت خائفة على ابنها ولكن مع تغير لون بشرة الصغير لتكون مائلة للزرقة اسرعت بمعاودة الاتصال بالمشفى مجددًا لتعطيهم كافة التفاصيل حتى أنها اخبرتهم بوجود المنزل بالقرب من القصر الأسود بأطراف المدينة .
كان د. هازار يتحدث معها وهو يحدث الشرطة على هاتفه ليتم معرفة المكان وتحديده بمجرد اعطائهم الاسم المتعارف على هذا القصر. بجانب اسم ابنها وكنيته ليربطوا سريعًا بينهم وبين نعمان افاي..
قرب طلوع الشمس وصلت سيارات الإسعاف للمكان وتم التعامل مع الطفل وهم بطريقهم للمشفى. فمع الاسف عند وصولهم لهم كان الطفل فعليًا بحالة سيئة حتى كاد أن يفارق الحياة جراء تشنجاته المتكررة وانقطاع انفاسه بهما .
نظر الدكتور هازار لفيروزة وهو متعجب من أمرها. كان يعتقد أنه سيجد امرأة ضعيفة هزيلة بسيطة ولكنه وجدها قوية تتحدث بسرعة لتخبرهم عن مرضه وما حدث معه قبل مجيئهم..
صعدت بنفس قوتها للسيارة الكبيرة دون اهتمام للشرطة التي كانت تتحدث معها قائلة " اتركيه معهم وانتِ ستأتين معنا "
تركتهم وصعدت للأعلى مغلقة باب سيارة الاسعاف امام الشرطة مهتمة بطفلها.
اهتم دكتور هازار بالطفل وعينيه على والدته التي أصبحت لغز غريب بالنسبة له، وصل الخبر لنعمان ليثور ويغضب على سنان الذي كلفه برعايتهم والاتصال به فور استنجادها بهِ.
فكانت فيروزة على علم ان الرقم الذي اتصلت به تُرك امانة لدى سنان كي يستطيع مساعدتها بأسرع ما يمكن..
أراد أن يعود ولكن عودته بهذه الحالة أكثر خطرًا، اوصاه ان ينتبه لهم وأن يشدد الحراسة على المستشفى حتى اصدر اوامر بأخذ الطفل وأمه بعد استقرار حالته واخراجهم من المشفى دون مضايقتهم من قبل الشرطة، ولكن لم يكن الامر بهذه السهولة فالطفل بالعناية المشددة وحالته غير مستقرة والشرطة بجانب زوجته تتحفظ عليها محترمه وضعها هي وطفلها..
رفضت فيروزة اعطاء اي معلومات او تفاصيل متعلقة بزوجها متمسكة بكلماتها التي حفظتهم وكررتهم لأكثر من مرة
"لا أعلم شيء لم أره منذ شهور، ليس لي صلة به سوى هذا الطفل فنحن منفصلون بشكل غير رسمي"
لم تقتنع الشرطة بحديثها ولكنهم تركوها لسوء حالتها وبكائها المستمر خوفًا على ابنها، اقتربت منها إحدى الممرضات لتعطيها كوب قهوة بجانبه قطعة من السميت وهي تنظر لها بأعين مشفقه على حالتها.
رفضت فيروزة أن تأخذ منها ولكنها غيرت رايها بعدما سمعتها تقول
" نعمان بيه يرسل لكِ السلام ستجدين الرسالة اسفل السميت"
أنهت شرب القهوة وأكل السميت رغم عدم استقبال معدتها لهم وتحركت بكيس السميت الورقي متجهة للحمام وهي تضغطه بيدها لإلقائه بالقمامة، وعند انفرادها بنفسها قرأت الورقة التي كتب عليها
" المكان محاصر أنتم بأمان عند تحسن حالة سليم سيتم نقلكم لمكان أكثر امنًا "
بكت فيروزة على حالتها و وضع طفلها، خرجت من الحمام لتجد الشرطي ينتظرها لم تعطيه اهمية أكملت سيرها وجلست بجانب غرفة طفلها .
……..
بالنيجر جاء فهدان ليخبر نعمان أنه تم إيجاد الغريب ولكن ليس بواسطتهم فرجال زهير المأجورين وجدوه قبلهم وتم التحفظ عليه بمكان مجهول منتظرين الأوامر..
قلق نعمان وامر فهدان ان يرسل احدهم ليتقرب منهم ويعرف مكانه قائلا
"علينا حمايته ووضعه تحت سيطرتنا حتى تظهر نتائج التحليل"
غضب نعمان من أمر زهير وما يفعله، وتحير من رغبته باخفاءه قبل النتيجة اتسعت اعينه وهو يقول لنفسه
" أم انه علم بهويته قبل الجميع "
غضب أكثر وهو يتكلم بصوت مسموع
" ولما لا! لقد قام بإجراء التحليل سابقًا والآن يريد اخفائه. ولكن لماذا؟ ما الفائدة من فعلته التي ستعود عليه جراء…؟"
غضب أكثر وصدم يده بيد مقعده مصدر أوامره
" أريد معرفة مكانه على الفور افعلوا ما تستطيعون غربلوا المكان أريده بأقرب وقت"
شعر نعمان بخبث زهير ونيته السيئة ورغبته في إخفاء زوج أخته فما يفعله ليس له تفسير آخر غير النوايا السيئة .
حاول أن يرى اخته وان يطمئن عليها بنفسه بعد انخفاض حاد بضغطها جراء قلة تناولها للطعام وذهابها للمستشفى.
تم إدخاله لغرفتها بالفندق عن طريق رجال الأمن لتتفاجأ به أمامها، جاءت لتقف من على مقعدها ولكنها لم تستطع من دوار رأسها اقترب منها وهو يقول
" اجلسي. لا تتحركي جئت لمساعدتك فقط"
ردت عليه
" لا أريد منك مساعدة أنا بخير يكفي أن تبتعد عني وعن عائلتي ".
اجابها قائلا
" أنتِ محقة بخوفكِ، ولكني حقًا لا أريد سوى مساعدتكِ والمحافظة عليكِ حتى عودتكِ لبلادنا سالمة "
ردت عليه بصوت اتعبه ألم الفراق
" أنا بخير، شكرا لك والآن يمكنك الخروج"
نظر نحوها بحزن كبير. رن هاتفه ليفتح بسرعة قائلا
" هل يوجد أخبار جديدة "
رد سنان
" مع الأسف الوضع أكثر سوءً، تعرض الطفل لنكسة جديدة الأطباء يحاولون الآن خفض وتصفير المناعة لديه ليستطيعوا التدخل السريع "
خاف نعمان عليه متسائل
" هل ننقله لمشفى آخر "
حذره سنان من أي تهور وخاصة أن حالة الطفل لا تسمح بهذا، أغلق الهاتف وهو أكثر حزنًا لتسأله سيلين بفضول
" من المريض"
نظر لها مطولًا مجيبًا بحزن كبير
" هو "
استغربت من رده، ليكمل قائلا
" سليم .."
ردت عليه باهتمام وخوف
" هل ابنك سليم مريض! ما به؟ ماذا أصابه؟"
اختنق نعمان وهو يجيبها
" لديه مرض خاص بالعائلة أعني مرض وراثي بالمناعة "
اومأت رأسها بحزن
" هذا ما يحدث عندما تخطو تلك الخطوات المخيفة بعالمك المظلم"
نظر لها دون رد لتكمل هي قائلة
" ما يجبرك على فعل هذا. إن كنت جيد كما تقول عمتي ايفان فلماذا تقوم بهذه الاعمال التي لم تحصد منها سوى السوء؟ "
لا زال صامتًا يستمع لها دون رفع عينيه لها. نهضت ببطئ واقتربت منه وهي تقول
" حتى خوفك وحفاظك علي كان دائمًا عن طريق التهديد والقتل وغيره. هل هذا ما تعلمه للتعبير عن حبك، انظر لحالتنا فبرغم وجود أمن للغرفة الا انك امامي الآن، الله عليم ماذا فعلت بهم وبماذا هددتهم حتى يسمحوا لك بالدخول "
جاء ليدافع عن نفسه لتقول هي مقاطعة ما كان سيقوله
"وها هو طفلك يجني ثمار سوءك هو يدفع ضريبة ظلمك للناس"
تحدث بضيق وصوت مختنق
" أنا لم أظلم أحدًا، جميعهم ظلموا أنفسهم أنا فقط آخذ حقي منهم، فقط اريح العالم من شرهم"
تحدثت بقوة
" لا أحد يطلب منك هذا، اهتم بنفسك واتركهم لرب الكون يقتص منهم، هناك قوانين وشرطة عليها فعل هذا" .
تحدث بقوة تعلو قوتها
" لا أحد يستطيع فعل ما أفعل انا "
ردت عليه بنفس نبرة غضبه قائلة
" أنت مخطئ ، تفكر بطريقة خاطئة، عليك ان تعيد حساباتك "
طُرق باب الغرفة ليسرع نعمان بدخول الحمام وإغلاقه عليه وهو يضع يده على سلاحه، دخل أورهان ليجدها واقفة امامه نظر لها وسألها عن حالتها لتقول له
" بخير أصبحت أفضل الآن ".
رد عليها
" ومع ذلك عليكِ أن ترتاحي طلبت لكِ الطعام، سيصل بعد قليل. عليكِ انهائه "
ردت سيلين عليه دون أن تعارضه قائلة
" حسنا كما تريد سأتناوله" .
استغرب حالتها تحدث وهو يراقبها بعينيه قائلا
" هل انتِ بخير حقاً ؟"
أجابته من جديد أنها بخير وستأكل جيدا لتكون بخير كما وعدته لم يجد اورهان امامه سوى تركها وهو يقول
" سأعود لأطمئن عليكِ مرة اخرى"
خرج واغلق الباب ليخرج نعمان من الحمام وهو يقول لها
" نعم عليكِ ان تأكلي جيدا لا يمكنكِ بهذه الحالة لأجل ابنائكِ ولأجل نتيجة التحليل التي تنتظرينها "
تحرك ليخرج وهو ينظر نحو الباب ليجدها تقول له
" لم نجده بحثنا عنه دون فائدة"
نزلت دموعها وهي تكمل
" كيف يعيش بهذه الأجواء ؟ كيف استطاع تحمل هذا ؟"
بكت أكثر وهي تقول
" كيف سأتحمل أنا ضياعه بدنيا ليست بدنياه"
نظر لها بأعين تشفق على حالتها تبقى القليل ليحتضنها أراد بهذه اللحظة أن يخبرها أن الغريب معه وأنه سيأتي به لها ولكنه لم يستطع التفوه بأمر غير متأكد منه..
رد عليها بصوت حزين على دموعها وحالتها قائلا
" سأجده وأحضره لكِ. لا تقلقي ولكن عليكِ ان تتوقعي عكس ما تقولينه فماذا إن لم يكن هو ؟"
تحركت لتجلس من جديد وهي أكثر بكاءً وحزنًا قائلة
" حتى أنت لا تصدقني، الجميع يعتقد انني اتخيل الجميع لا يصدقني"
اسرع بإجابته عليها
" لا ليس كذلك أنا فقط أخاف عليكِ من الصدمة ولكن لحين ميعاد ظهور النتيجة سأجده وأحافظ عليه ولن أضغط عليه أعدكِ ،أعدكِ بهذا ، لا يمكنني البقاء أكثر من هذا سأخرج بسرعة وساعود من جديد لابشرك بإيجاده"
تحرك ليخرج تاركًا رقم هاتفه بورقة صغيرة وضعها على طاولة جانبية، تحدثت من جديد لتقول له
" أتمنى ان تعود يومًا ما من هذا الطريق "
فتح الباب مراقبًا الممر ليشيروا له الأمن أن الطريق آمن ألتفت لها وقال
" هم من رجالي لم افعل لهم شيء لأجل عبوري، و أيضا هذا الطريق الذي تتحدثين عنه لا عودة لنا منه إلا بالموت"
وأغلق الباب خلفه.
