الليالي المظلمة الجزء الثاني
بقلم امل محمد الكاشف
لا تحزن اذا جاءتك سهام الغدر من أقرب الناس لقلبك، فلربما يأتي اليوم الذي تحمد الله على غدره حين تجد من ينزع السهم وهو يحارب ليعيد لك الحياة.
لا ترحل متجافيًا وتعود متأملًا بوجود مكانك محفوظ كي لا تخض معركة كتب عليها الخسران….
ها هي الليالي المظلمة تتوالى من جديد لتزداد معها الضغوط النفسية إثر بقاء هوليا في إسطنبول ما يزيد عن ثلاث شهور تحارب لإعادة ثقة ابنتها بها.
لم تشفق على ألمهم محاولة أخذ ما تريد كالعادة، وبوسط موسم الامتحانات والدراسة اصرت على ابنتها أن تأتي بصحبتها كي يذهبا لحضور حفل ميلاد ابنة إحدى صديقاتها القدامى، سمحت سيلين لابنتها أن تذهب وهي توصيها بالعودة مبكرًا لأجل امتحان مهم بعد يومين من الآن.
ردت لي لي على أمها
"كما تعلمين اطلب منها ولكنها لا تصغي لي، عليكِ أن تخبريها أنتِ بنفسك كي لا تحزني مني"
اومأت سيلين رأسها بحزن
" انتِ محقة سأتحدث معها، انتبهي لنفسكِ واتركِ الباقي علي"
وقفت سيارة هوليا امام قصر الفولاذ لتخرج ابنتها مسرعة نحوها، نظرت لهاتفها دون الرد على المتصل قائلة لنفسها
"لستُ بحاجة لتوصيتك على ابنتي"
اغلقت صوته وهي تنظر لصعود ابنتها بجوارها، احتضنتها وقبلتها بشوق قائلة
"هيا بنا كي لا نتأخر على متعتنا"
غضبت سيلين على شعورها بتعمد هوليا عدم الرد عليها بل وغضبت أكثر لوصول الساعة
للرابعة فجراً ولي لي لم تعد لمنزلها.
ازداد قلقها وخوفها كلما اتصلت بابنتها وهوليا دون أن تحصل على رد، شعرت بضيق واختناق وكأن هناك خطب ما قد حدث معهم.
فاض صبرها و كثرة تفكيرها الذي قادها من سيء لأسوء، قررت الذهاب لغرفة اورهان وفضيلة كي توقظهم من نومهم وهي تبكي قائلة
"حدث مكروه، من المؤكد أنه حدث شيء لها، لا يمكنها تجاهل اتصالاتي، مستحيل حدوث هذا بشكل طبيعي"
مسح اورهان وجهه محاولًا الافاقة من نومه وهو يقول " سأتصل انا بها انتظري"
اخذتها فضيلة واجلستها على المقعد المجاور للفراش وهي تهدئها و تعتب على صمتها حتى هذا الوقت المتأخر.
اتصل أورهان على هوليا لتجيب عليه معتذرة على نسيانها اعلامهم ببقاء لي لي لديها هذه الليلة، غضب وصرخ عليها وهو يحذرها من أفعالها
عادت لتعتذر منه
"انت محق كان علي اعلامكم كما شددت ابنتي على هذا قبل نومها. ولكني انشغلت ببعض الأعمال ونسيت الأمر"
وبنفس غضبه شدد عليها أن تعيدها للقصر فور استيقاظها في الصباح وعدم تكرار ما فعلته وفقًا للاتفاق الذي عقدوه معها بسماح اخذها في أي وقت شرط أن لا تتأخر او تنام خارج القصر.
ردت هوليا بحدة وشدة قائلة
"ما بكم! هل نسيتم أنني أمها الحقيقية ولا يحق لكم التحكم بها، انا فقط من له الصلاحية بهذا، صمتي لا يعني انني راضية عن افعالكم و لكني أصمت لأجل ابنتي ولأجل ما قدمتموه لها حتى الان، وإلا كان طريق المحاكم أيسر وأسرع لي تعلمون جيدًا وقوف القانون بصفي فلا تجبروا صبري على النفاذ، والان علي ان اغلق الهاتف واعود لعملي"
صُدم اورهان وأغلق هاتفه بحزن كبير سيطر على نبرة صوته
" حدث ما توقعته، كشرت عن انيابها اخيرا حتى أصبحت تهدد بكل قوة"
بكت سيلين مرددة
" لن اسمح لها لن اتركها لها، لن اخذله في مماته، اتسمعون لن اتركها لها، لا يمكنني العيش بدونها، انا من اهتم وسهر وجاهد وحافظ عليها في حين ما تسمي نفسها أم تخذل وتلهو دون اعتبار لابنتها، هي ابنتي أنا وليست هي حتى وان لم أحملها في رحمي"
كانت تبكي بكلماتها الحارقة لفؤادها وهي لا تعلم بوجود تولاي بجانب الباب يستمع لها وهو يمسح دموعه الصغيرة الضعيفة، رغم انعزاله بعد وفاة والده وافراغه لغضبه و حزنه بدراسته كي يحقق حلم ابيه كي يصبح طيارًا كما اطلق والده عليه، الا انه كان يتابع حالة افراد عائلته بالخفاء دون المثول امامهم ضعفا من حجم صغره على مواجهة حزنهم.
درس بكل قوته كي يحقق حلم ابيه به وان لا يجعل احد يموت بسبب الطيران معتقدا أن فقدان والده سببه فشل في قيادة الطائرة وليس عطل فني كما اخبروه ولم يصدقهم.
انهت هوليا المحادثة و اغلقت هاتفها ليس لأجل عملها بل لأجل العودة للمكان الذي أشبه بنادي ليلي كي تكمل سهرتها بجانب ابنتها ومجموعة من الأصدقاء وابناءهم، سألتها لي لي فور عودتها بجانبها عن هاتفها وهل امها سيلين اتصلت بها أم لا.
اجبتها هوليا بوجهها المبتسم
"اخبرتكِ أنني حللت الامر، اخذت الأذن بدلًا عنكِ لا تقلقي وايضا هاتفكِ لازال بسيارتنا تاخذينه بنفسك عند خروجنا"
تدخل في حديثهم شاب يجلس مقابلهم لم يكمل الرابعة عشر من عمره
"هل هناك مشكلة استطيع مساعدتكم بها"
ضحكت هوليا وهي تنظر له قائلة
" لا ياروحي شكرا لك"
وقبلت ابنتها من رأسها غامزة لها
"هذه أمور بين الأم وابنتها لا يمكن اخراجها للعلن"
ابتسمت لي لي لها وهي لا زالت تستوحش المكان والضجيج وحياة السهرة والتجمعات التي لم تعتد عليها، تحركت لتذهب للحمام مستأذنة منهم، عرضت هوليا عليها ان تذهب معها ولكن رفضت
"لا داعي هذه المرة اصبحت أعلم مكانه جيدًا"
صعدت سيلين غرفتها بقلب مكلوم وقفت امام النافذة الكبيرة المطلة على الشرفة تنظر للخارج بضيق وقلق كأنها تشعر بأمر سيحدث لطفلتها وهي بمنزل أمها، لم يأتيها النوم ولم تترك النافذة وكأنها تنتظر عودتها التي لا أمل بها.
✿✿✿
تحركت لي لي وهي تنظر للطاولات والجموع التي ترى وجوههم الاخرى لأول مرة، لم تكن معتادة على هذه الأماكن و رؤية الرجال يشربون بجانب النساء، وهناك من يتخفون بالزوايا باوضاع غير لائقة. بخلاف وجودها بالخارج حتى هذا الوقت المتأخر.
(مع الأسف في سن المراهقة يصبح كل شيء ممنوع مرغوب والعقل لا يميز الصح من الخطأ خاصة إن كان هذا القلب الصغير يعاني من اضطرابات نفسية قوية عاصفة حينها يسير كالمنقاد دون تفكير أو أي تدابير، والاسوء ان يكون قدوته هو من يحرضه على هذا)
وبعد ان غسلت الصغيرة يدها و وجهها خرجت من الحمام لتعود بجانب والدتها، وجدت شاب صغير لم يتم العشرون عامًا يقف أمامها ليعرفها على نفسه بوجهه المبتسم قائلًا
"مرحبا. اعتقد أنني لم أراكِ بيننا من قبل"
تحركت دون الاهتمام لحديثه ليتحرك هو معرقل سيرها بيده الممدوه أمامها
"اعرفكِ بنفسي أنا كوزاي شديد"
توترت من اقترابه تراجعت خطوات لتغير مسرى سيرها لجهة اليسار دون اعتبار لحديثه، لم ييأس ضحك ثم اسرع وعاد ليقف بوجهها من جديد
"لا مهرب لكِ مني، اردت ان نتعرف فقط ومن ثم سأسمح لكِ بالذهاب ان اردتي"
نظرت له وهي غاضبة منه
"ما بك، لا اريد ان اتعرف وما شابه، اتركني وشأني"
وقف بمكانه يستمع لها وهو صامت دون رد فقط يبتسم بوجهها. لتتحرك بغضب اكثر كي تبتعد ولكنه من جديد لم يتركها وقف أمامها بنفس الصمت لتخرج غضبها عليه قائلة
"لا تعتقد انني ضعيفة سيبدر مني ما لا يعجبك و دون أن يرف لي جفن"
اقترب كوزاي وهو يرد
"حسنًا اعتذر عن صمتي، ولكنه خارج عن ارادتي فجمالكِ ابهرني وجعلني لا استطيع التحدث"
ردت لي لي وهي تبتعد عن خطواته التي بدأت تقترب منها قائلة
"استغفر الله ، ما هذا البلاء يا ربي"
شردت بعد تلفظها بهذه الكلمات، دمعت عينيها وهي تتذكر حديث والدها وتحفظه بنفس الكلمات عند غضبه وكأنه هو من كان يتحدث وليست هي.
اعتقد الشاب حالتها وهدوئها استجابة وضعف امام كلماته المعسولة.
دنا منها مكمل حديثه بقلب تجرأ على مد يده ملامس خصلات شعرها الذهبي متغزلًا به، دون ان يعلم موعد اقتراب لقائه مع أرض النادي حين وجد نفسه يُلف من يده ويتعرقل بقدمها ساقطا على وجهه و هي اعلاه تلوي يده للخلف واضعة ركبتها بمنتصف ظهره قائلة بصوت خرج من حنجرتها بغلظة
"انه مجرد *إنذار *فقط، سأكسرها لك ان فكرت ان تعيدها"
اسرع الجميع لتخليص كوزاي المتألم من يدها التي كادت أن تكسر يده من شدة التوائها خلف ظهره.
اسرعت هوليا بأعينها المتسعة ساحبة ابنتها من اعلى الشاب متفاجئة بما فعلته.
لم تستطع معاتبتها لأجل رؤيتها لوجهها الغاضب و عينها التي تشع نارًا وهي تقول لها "و سأعيدها أن فكر بتكرارها"
صرخ الشاب بغضب من الخلف مقتربا من جديد وهو يهددها ويتوعدها ان يحاسبها على ما فعلته به.
نظرت بكل قوة زافرة بكلماتها في وجهه
"ولما التواعد ان اردت ارني قوتك الآن"
همت هوليا كي تسحب ابنتها خارج النادي الليلي ولكنها لم تستطع، لسرعة الشاب في سحب لي لي نحوه بكل قوته حتى صدمت بصدره وعيناها تنظر لعينه بذعر.
صرخت هوليا بخوف
" لا تفعل، انها صغيرة" وقبل تدخل الناس مرة اخرى جاءته *ضربته *الاقوى و ردها *الاعنف *حين *لكمته* بوجهه لكمة تتجاوز حجم يدها وجسمها من شدتها ليس هذا وحسب بل سحبته للأمام لتلكمه اللكمة الأخرى بإحدى مفصل ركبتيه من الخلف لتسقطه ارضا مرة أخرى.
( رحم الله والدها الذي لم يقصر بتربيتها وتعليمها كيف تحافظ وتدافع عن نفسها)
انبهرت هوليا بابنتها ونعتتها بشبيهة البودي جاردات، أكثرت من ضحكها اثناء قيادتها للسيارة بشكل هستيري كلما تذكرتها وهي تلقي بالشاب على الارض.
اندمجت بضحكها دون ان تنتبه على ابنتها وشرودها و دموعها التي تزاحمت بأعينها حين تذكرت والدها وما كان حريصاً على تعليمه لها ومتابعتها بدوراتها الرياضية.
نظرت هوليا لابنتها اثناء قيادتها وهي تقول
"من الواضح انكِ حزنتي لأجل ضحكِ ولكني لم استطع التوقف عنه، فقد ظهر كم انكِ تشبهين الرجال"
تنقلت نظرات لي لي على والدتها و طريقة ضحكها وما ترتديه وهي تستمع لها ولنصائحها حين اخبرتها بأن الفتاهةالجميلة لا يمكنها رفع يدها على اي شاب، وانها عليها أن تتعلم كيف تتعامل مع الغير دون عنف، فكونه وضع يده على شعرها ليس آخر المطاف فكان من الممكن ان ترفض وتخبره بطريقة مهذبة انها لا تحب ذلك، أو تنادي احد رجال الامن ان طال الأمر وازداد سوءا وخاصة انها ليست وحدها كي تتصرف هذا التصرف الصارم والحاد.
صمتت لي لي وهي تحرك رأسها لتدير نظرها الذي اصبح سابح للنظر امامها بشرود مؤلم حزين، يدوي بإذنها رنين كلمات أبيها و تشديده عليها ان لا تسمح لأحد أن يتخطى حدوده معها، اختنقت اكثر وهي ترى صورته امامها وهو يحتضنها بفرح بعد فوزها بالنهائيات في اخر المسابقات الرياضية التي خاضتها قائلا
"ابنتي البطلة لن اخاف عليكِ من بعد الان"
اذرفت الدموع من عينيها وكأنها شلال نهر جاري حين تذكرته وهو يقبلها ويخبرها انها من الان وصاعدا تم تعيينها الحارس الخاص به.
اوقفت هوليا سيارتها
" هل احزنكِ حديثي لهذه الدرجة. اعتذر منكِ. اعلم انكِ بسبب ما نشأتي عليه من قوانين صارمة و مشددة جعلتك تفعلين هذا. ولكنه ليس باخر المطاف لا تحزني من نفسكِ حتى يمكننا الذهاب غدا لنفس المكان ونعتذر من الشاب، يبدو انه شخص جيد وسيتفهم الأمر حتى من الممكن ان تصبحا أصدقاء جيدين فيما بعد"
وضعت لي لي يديها على اذنها وهي تبكي طالبة من امها ان تعود للمنزل، اخبرتها هوليا أنهم اقتربوا من الفندق، انصدمت بصوت صراخ ابنتها الذي علا ببكائها وهي تقول
"اريد ان اذهب لمنزلي. اريد ان اذهب لمنزلي"
وأصبحت تنادي على امها
" امي. امي"
من الواضح ان لي لي ضغطت على نفسها كثيرًا حتى وصلت لهذه المرحلة من البكاء الهستيري والصراخ و طلبها العودة لمنزلها ولامها الروحانية.
لم تجد هوليا حل آخر سوى ان تخضع لطلبها و تذهب للقصر مع بداية شروق الشمس.
توقعت ان يطول انتظارها على باب القصر حتى يتم فتح الباب لها. عكس ما حدث حين تم فتح البوابات الكترونيًا فور رؤية لي لي داخل السيارة.
الامر المفاجئ سرعة نزول سيلين على الدرج كي تفتح الباب بقلبها الذي كان يحدثها ويؤكد لها قرب عودة ابنتها، بل وكان يحدثها عن ضيق واختناق صغيرتها.
فتحت الباب قبل ان يطرق مستقبلة بنتها بحضنها الدافئ مصدومة بحالتها و شدة بكائها وانهيارها.
جاء تولاي من الخلف وهو غاضب يتحدث بصوته الصغير الحاد موجه كلماته لهوليا
" ماذا فعلتِ بأختي. لماذا ابكيتها"
نظرت هوليا لحالتهم مدافعة عن نفسها
"ارادت ان تعود إليكم ولم تنتظر للصباح"
صمتت وعينيها تراقب ابنتها وهي تحتضن سيلين بكل قوة قائلة لها
"أمي اعيدي لي ابي. اريد ابي. ابي ابي ابــــي"
دمعت عينيها من شدة انهيار ابنتها بحضن غيرها ومناداتها لأبيها وسقوطها ارضًا وهي تتحرك بأيديها وأرجلها رافضة حقيقة وفاته.
استيقظ أورهان مسرعًا نحو الصوت ومن خلفه فضيلة منصدمين بحلوس سيلين امام الباب وبحضنها طفلتهم المهتزة بانهيارها وصراخها، كما استيقظ جميع الخدم و تجمع الأمن ليكونوا شهداء على انهيار تلك الطفلة بحضن امها واحتضان اخيها الصغير لها وهو يبكي عليها.
اقتربت فضيلة لتجلس بجانبهم ويدها تحنوا على ظهر لي لي وأخيها الذي يحتضنها لتهدئتهم.
لم يستطيعوا السيطرة على صوت بكائها وطلبها عودة أبيها الذي رج القصر وزلزل جدرانه.
لم تنهار العائلة بهذا الشكل من قبل فانهيار الأطفال زاد استياء الأمر تعكز اورهان بسيره خطوات حتى وصل لتولاي أخذه بحضنه مهونا عليه بكائه على اخته ليتفاجأ به هو ايضا يطلب أبيه ويرفض حقيقة موته وفقدانه.
" ابـي.. اريد ابـي.. ابي.."
كان المشهد أشبه بالتسونامي ضرب القصر لينسف ويعصف بهم من يراهم يعتقد أنهم تلقوا خبر وفاة يوسف الان، بل من يراهم يعتقد أنهم سيلحقون به من شدة تألمهم.
انهار اورهان واعتصر قلبه بكلمات تولاي الصغيرة و بكائه ومناداته لابيه وحال قلبه يقول
( إنه ابني الذي فتشت عنه في وجوه الآخرين دوما و صبرت ذاتي فيه و إليه، انه ابني الذي لم تلده ضلوعي ولم ترضعه بطوني، انه ابني الذي ضممته وخبأته بأعماق قلبي، أنه ابني وان لم تلده ضلوعي فهو إبني )
لازالت هوليا امام باب القصر تنظر نحوهم بحزن و خوف و ضيق فمن منا لم يتأثر بهذا المشهد المميت بحزنه، فإن كانت صخر للانت و حزنت من شدة الالم والقهر ونداء الابناء على والدهم بأصوات كادت أن ترعد بالسماء وترج الكون استجابة لقلوبهم الضعيفة الحزينة.
لم تستطع هوليا أن تقص لهم ما حدث بعد تدهور حالة ابنتها امامها صمتت وانسحبت.
علم نعمان بالإعصار الذي عصف القصر ومن به ليشتد ضيقًا و غضبًا على هوليا وسنان الذي اخبره بصعوبة تصفيتها بهذا الوقت مقترحًا ان يهددها مرة أخرى بشكل أكبر دون لفت الانتباه.
لتجد هوليا رسالة تصل لهاتفها محتواها
"من الواضح انكِ لا تفهمين بالكلام كالعالم والناس، احذري وابتعدي لا يمكنكِ أخذ ما تركتيه لسنوات، وإلا ستكونين اول من يبلغ زوجك السابق منا السلام"
ذعرت هوليا وعادت لقراءة الرسالة اكثر من مرة كي تفهم محتواها الغريب و لكنها ربطت كلمة زوجها السابق بالذي تركته منذ زمن لتتحدث ساخرة وهي تقول
"هل يعتقد سمو ملك عرش الفولاذ أنه بهذه الطريقة سيجعلني انسحب "
واخرجت ضحكة غريبة يعلوها الخوف قائلة
" لن اترك ابنتي لهم "
✿✿✿
بمنتصف النهار جلس أورهان مترأس اجتماع مهم مع زهير و بعض العاملين القائمين على مشروع فجر جديد بدولة النيجر، وبعد نقاش وحوارات طالت لأكثر من ساعتين انتهى الاجتماع باتخاذ عدة قرارات منها افتتاح المشروع والبدء به عن طريق ارسال عدة موظفين لإدارته هناك.
جاء القرار بناء على وصية يوسف بإكمال المشروع أيا كانت النتائج وعدم تراجعهم عن حلم بزغ ليفصح عن ولادة فجر جديد بهذه الدولة.
وصلت هوليا لشركة صناعة الفولاذ وبالتحديد لمكتب اورهان بيه لتخبرها السكرتيرة الخاصة انه باجتماع مهم ولا يمكنها الدخول الان، اصرت هوليا على ان لا تذهب دون مقابلته فرغم اخبارها من قبل السكرتيرة ان جدول اعماله مزدحم و ستأخذ لها موعد بيوم اخر إلا إنها رفضت قائلة
"اخبريه انني اريده بأمر هام، ولن اذهب اليوم دون مقابلته"
ضاق صدر اورهان عندما سمع اسمها ضغط على شفتيه بقوة حتى كاد ان يقطعهم من غضبه عليها وعلى ما وصلت له صغيرتهم من حال بسببها.
سمح لها بالدخول مع اعلامها بضيق الوقت و قصر المقابلة، ليتفاجأ بقوتها و وقوفها أمامه تتحدث عن رسالة تهديدية مصرحة بعدم خوفها وجديتها باخذ ابنتها كي تبقى بجانبها في أمريكا.
حاول اورهان تمالك اعصابه وفهم ما تقصده لتريه الرسالة المكتوبة على ورقة صغيرة، ابتسم وجهه بسخرية مجيبًا عليها
"اذهبي لتخلصي حساباتك بعيدًا عنا"
اخرجت هاتفها لتريه الرسالة النصية وهي تقول
"وماذا عن هذه، هل وجدت ان الاولى لم تنجح معي فأرسلت لي الاخرى بهذا الوضوح"
استغرب اورهان من الرسالة وخاصة انها بالفعل تخص ابنتها وتهديدها بالبعد او التصفية والذهاب الى حيث ذهب يوسف.
نظر لها مطولًا ثم عاد لينظر للرسالة حتى كادت ملامحه أن تُظهر فرحته وضحكه.
استغربت من حالته و عودته بظهره مستندًا على مقعد مكتبه وهو يضع رجل على رجل قائلا بكل ثقة
"لا اعلم بأي عقل صغير اعتقدتِ أن هذه الرسائل تخصنا، ليس لشيء إلا أنني لست بصغير كي اقوم بهذه الافعال. فإن اردت شيئًا افعله دون تهديد كما سأفعله قانونيًا لدرجة تفقدك عقلك من صدمتك به"
راقبت وجهه وجلسته المليئة بالثقة والرعب يدب ارجاء قلبها، سألته بصوت كاد ان يرتجف لولا إصرارها على اظهار قوتها
"انا لا افهمك، ان فرضنا انك لست صاحب هذه الرسالة فمن من الممكن أن يكون صاحبها، ولا تقل اميرة الفولاذ كي لا ازداد رعباً" وضحكت بسخرية.
لتنصدم برد أورهان عليها حين قال
" ولما لا" واستقام بجلسته ليستند على مكتبه بذراعيه المشبكة، متحدثًا من جديد امام صدمتها وصمتها قائلا
"سأعلمكِ شيئًا ليكن درس صغير مني بحياتك التي لا اتمنى ان تكون قصيرة، فلا أحد منا يريد هذا"
ردت هوليا بقوة وخوف
"هل تهددني وجهًا لوجه"
ضحك بقوة مخيفة حتى كاد صوت ضحكته يخرج من مكتبه، وهو يقف ليفتح خزينته ببصمة يده مخرجًا منها عدة لافتات صغيرة بنفس لون وخط الورقة التي وصلت لها.
اقتربت منه وهي تنظر للافتات وتسحبهم من يده لتنظر لهم وهي تقول
"نعم انتم، انتم من ارسلتم لي التهديدات انتم من يريد إخراجي من حياة ابنتي و حرمانها من امها"
رد عليها اورهان بقوه *ارعبتها* من جديد
" لن اكرر حديثي مرتين. ان اخبرتكِ أنني لست صاحب هذه الرسالة فلا يمكن ان اكون فأنا لن اكذب او ادخل بخداع لأجل شخص مثلكِ"
رفعت يدها باللافتات وهي تقول
"وماذا عن وجودهم معك، أم أنك تقول لقد تم *تهديدنا *نحن ايضا "
سحب اورهان الأوراق من يدها وهو يقرأ لها ما بهم واحدة تلو الاخرى
" ..ستنتهي ان لم تنهي امر الحادث
..ابنك لدينا حتى تذهب لتعتذر ممن أخطأت بحقه.
..هذا عقاب صغير لتعرف كيف تتحدث مع الاميرات.
..هل خفت من بقع *الدماء *داخل خزانتك، لا تقلق ستذهب او تزيد جميعها ولكن عليك أن تفكر الف مرة قبل معارضة الاميرات.
..كان هذا *عقاب *صغير كي تفكر أكثر من مرة قبل الوقوف امامها و التصدي لها"
لم يكمل أورهان باقي اللافتات حتى قالت هوليا
" هل يوسف من كتبهم؟ هل كان يدافع عن زوجته بهذه اللافتات *والتهديدات؟"
فتحت فمها وبرقت بعينيها وهي تقول
"ألا يزال على قيد الحياة، هل لعبت هذه اللعبة كي تنقذه من *السجن *أو *المسائلة القانونية"
وتحركت مكملة
"كيف تفعلون هذا بالأطفال! كيف تلعبون بعواطفهم و *تحطموهم *حزنا لأجل مصالحكم!"
أستهزئ اورهان بحديثها وهو يهز رأسه و يجلس على أريكته الخاصة فاتحًا ذراعيه عليها وهو يضع رجل على رجل بثقة و تباهي قائلا
"صاحب تلك اللافتات رجل يدعى بنعمان افاي *وحش *الظلام، مع الاسف من حظ ابنتي أن يكون ذلك *الوحش *اخاها الحقيقي بعد اثبات نسبها لعائلتها، ومنذ هذا اليوم و نحن نحاول مساعدة امثالك ممن يصلهم تلك اللافتات *التهديدية* منهم من استطعنا انقاذهم عندما لجؤوا لنا مثلك انتِ، ومنهم من تم اعادة اطفالهم لهم، و هناك من عادوا هم بذات انفسهم بعد *اختطافهم *او مصير محتم *بالقتل، كل هذا كان عن طريق السيدة إيفان افاي عمة ابنتنا، فابنتي ليس لها صلة مباشرة مع ذلك *المجرم *سوى انه قد عين نفسه حاميًا لها و لكل من تهتم لأمره"
تحركت هوليا والخوف يتملكها اكثر، جلست على مقعد بجانب الاريكة قائلة
"و ماذا يريد مني "
أومأ اورهان رأسه قائلا
"لم اكن اعلم انكِ غليظة الفهم لهذه الدرجة، الرجل يعصف و يصفي كل من جاء بطريق اخته، يصرخ بوجه الجميع معلنًا عن حمايته لها، لم يسمح لأحد الاقتراب منها بحق وبدون حق، لا يوجد لديه عقل او مفاهيم مختلفة يتحرك بمصطلحاته القليلة تصفية. *اختطاف* *تهديد* وجميعهم لا مزاح بهم"
ردت هوليا وقالت
" هل اشتكيت له مني، هل *حرضته *علي"
*غضب *أورهان مما سمعه متحدثًا بنبرة *غاضبة *معلنًا انتهاء زيارتها.
خرجت هوليا من مكتب اورهان *والرعب *يملأ قلبها وخاصة بعد معرفتها انه من *قتل *الوحش *ومن كانت تُدعى ام سيلين بالسابق، خرجت وهي تتحرك بصعوبة شديدة من تخبط ارجلها *رعبًا *و *ذعرًا .
جلس اورهان بوجه سعيد يحدث نفسه
"ليكن درعكِ الحامي بهذه الحياة القاسية"
استاءت حالة لي لي لتلتزم الصمت *المميت *بحزنها، مما جعل الجميع *متخوف *عليها، تم الاتصال بهوليا أكثر من مرة وسؤالها عن سبب وصولها لهذه الحالة ولكنها لم تخبرهم ظلت تقول لهم
" بكت كثيرا وطلبت الذهاب لمنزلها والباقي كما رأيتم أنتم"
ذهبت للقصر كي ترى ابنتها أكثر من مرة محاولة إخراجها من حالتها، دون جدوى فلا زالت لي لي صامتة مستلقية على فراشها تبكي فقط، تأخذها امها سيلين بين الحين والآخر في حضنها لتقرأ عليها آيات القرآن الكريم عند ازدياد *بكائها *كي تهدئ قلبها.
هادت هوليا متخذة عدة قرارات مع محاميها جوكهان حين اتفقا على ان تعلمهم بنيتها بأخذ ابنتها والسفر دون اعلام احد وخاصة نعمان بالامر، وان لم ينجح الامر ستاخذ طفلتها و تسافر بها دون معرفة أحد ومن هناك سيتولى جوكهان استرداد ثروة لي لي، معتقدة أنها بهذا الشكل ستتخلص من *التهديدات *والخوف.*
وبكل *قوة *وقفت امامهم لتخبرهم ضرورة عودتها لأمريكا بعد ان انتهت اجازتها وعليها العودة هي وابنتها لأجل عملها، و وعدتهم ان تأتي بها بين الحين والآخر كي لا يشتاقوا إليها، طلبت منهم ان يكون الامر بشكل *سري* دون إعلام أحد من الخارج كي لا *يسوء *وضع لي لي .
غضبت سيلين عليها
" اتسمع اذنك ما يخرج من فمكِ. هل *جن *عقلكِ. كيف ستأخذيها وهي بهذه الحالة. الطفلة لم تتحمل بقائها معكِ لليلة واحدة. ماذا إن مرضت ماذا ان انهارت من جديد. وايضا تريدينها بشكل *سري* كيف ستحافظين عليها بهذا *الجبن *والخوف*
ردت هوليا عليها بكل برود
" انا اعلم جيدا ما يصلح لحالة ابنتي. سأجعلها تخضع لعلاج نفسي عند أفضل أطباء فور عودتنا. وأيضا سأسجل لها بأكبر مدارس لتكمل مشوارها العلمي بتفوق وتميز كعادتها. وايضا سأجعلها تلتحق بأكبر دور لإعداد الموهبين بالفنون. لا تصعبوا الامر انتم تعلمون جيدا انني استطيع اخذها بالقانون. ولكني ما زلت أحرص على العلاقة الطيبة بيننا وما فعلتموه لها على مدار السنوات الماضية "
ردت سيلين قبل الجميع وهي تهز رأسها بالنفي قائلة
" لن اتخلى عن ابنتي لأحد. لا استطيع العيش بدون صغيرتي. لن اعطيها لكِ مادمتُ حية"
نظر اورهان نحو هوليا بحدة وشدة كالأسد الغاضب ليتحدث بقوة قائلا
" كم تريدين لأجل تركها "
صُدم الجميع ونظر له بأعين متسعة ليعيد هو سؤاله لها مرة اخرى
" كم تأخذين كي تتركيها تعيش حياتها بهدوء"
ابتلعت هوليا ريقها و وقفت مجيبة
" لا يوجد مال يجعلني اتركها. لا يمكنني السقوط بفخكم من جديد. لن اتركها سأخذها و اذهب. لا تراجع عن هذا هيئوا أنفسكم من الان. وايضا عليكم أن تمهدوا لها الأمر كي لا يتعب احد بهذه القضية "
وتحركت لتخرج من المنزل ليأتيها صوت اورهان القوي وهو يقول
" لازال عرضي قائم كم تريدين لتركها "
ابتسمت هوليا بهدوء ونظرت له قائلة
" لماذا انت قلق لهذه الدرجة، ماذا ستستفيد بذهابها او بقائها، ام انك تخاف على أسهم شركتك التي ستحملها وتطير بها "
تقدم اورهان بنفس القوة والصلابة والعيون الحادة للأمام قائلا
" انا عكسكِ تمامًا، لا اخاف من شيء حتى وان كان *الموت، *وايضا انتِ مخطئة بتفكيرك فما لا تعلمينه أن أسهم ابني بالشركة وكل ثروته كُتبت باسم زوجته قبل وفاته بأكثر من شهرين، يعني املاكي واسهمي بسلام لا تقلقي علي ولكني اعطيكِ فرصة حياتكِ من جديد لنعيد الزمن ولتخرجي انتِ الرابحة مرة أخرى. ستأخذين الأموال و تذهبين من حيث اتيتِ"
نظرت هوليا نحو ه بقوة ثم نظرت لأورهان قائلة
" هل تم *التزوير* استبحتم مال ابنتي. لن اسمح لكم سأرفع قضية واثبت *التزوير *فالقانون اعلى واكبر من ملك الفولاذ و *وحوشه *المظلمة *مثله".
خرجت من القصر مغلقة الباب خلفها بقوة.
نظرت فضيلة لأورهان وهي تقول بحزن
" ماذا فعلت انت؟ ماذا فعلت؟ لقد ازداد الامر سوءا الآن "
ابتسم اورهان بوجهه القوي وهو يقول
" الان اطمئن قلبي. تبقى القليل على طيرانها الابدي"
ردت سيلين وهي متخوفة من *فقدان *ابنتها الروحية لتقول
" لماذا فعلت هذا يا ابي كيف تخبرها بشيء ليس له اساس من الصحة، ماذا ان علمت أننا كذبنا عليها، ماذا ان زاد هذا من قوتها و اصرارها"
تنهد اورهان بحزن وهو ينظر لابنته بإشفاق قائلا" ومنذ متى كذبت يا ابنتي "
صمت بعد ان تغلب على صوته نبرة *الحزن *والبكاء، اقتربت سيلين من الأريكة كي تستند عليها وهي تستمع لفضيلة التي تحدثت عوضًا عن اورهان مصرحة لها
"بالاصل كتب ابني يوسف جميع أملاكه وثروته بإسمكِ قبل الحادث بأقل من شهرين كما و ضعكِ وصية على ابنته من بعده، ولكني لم أرغب بمعرفة هوليا لذلك كي لا يزداد عنادها"
اهتزت سيلين و رجفت يدها و خانها اتزانها لتسرع فضيلة بامساكها و اجلستها كي لا تسقط من شدة بكائها الصامت.
عادت لتعاتب نفسها و تؤنبها
" يا ليتني لم اتركه، ليتني *منعت *سفره"
بكت وهي تكرر كلمتها من جديد
" يا ليتني لم اتركك تسافر. ياليتني منعتك و وقفت امامك"
مرت ليالي جديدة رغم حزن سيلين الذي شق صدرها و ادمى قلبها، إلا أنها كانت تحاول جاهدة لاخراج صغيرتها من حالتها الحزينة لأجلها ولأجل أخيها الذي تأثر بها، لم يكن الامر بهذه السهولة وخاصة بوجود هوليا و اصرارها بالمحاربة لكسب ابنتها مما جعلها تضغط عليها اكثر و اكثر.
بدأت الأعمال بدولة النيجر كما أرادوا لها، ليمر شهر يتلوه الاخر وهم يعملون بمساعدة اهل المدينة السعداء بهذا العمل المثمر.
✿✿✿
ودعت هوليا رجلًا غريبًا يخرج من غرفتها بالفندق، ناظرة بعده للإرجاء المبعثرة خلفها وهي تقول
" اقترب الوقت سننجح بهذا ايضا و نطير انا وابنتي حيث الاستقرار و القوة"
لم تكن تعلم انها بضغطها على سيلين قد سرعت وعجلت من اللقاء المؤجل حين حاوطتها قافلة من السيارات الضخمة الكبيرة ليجبروها على الوقوف بمكان قريب من نادي ليلي مغلق.
ذعرت من عدد السيارات وكثرة الرجال الذين نزلوا بشكل متتالي منها مقتربين لسيارتها وهم يشيرون لها ان تنزل.
رفضت بخوف وذعر ليكشفوا عن أسلحتهم لها مما جعلها تفتح السيارة وتنزل لتقف *بخوف *و بأرجل ترتجف مما تراه.
قادها رجل بعد ان وضع *السلاح *بمنتصف ظهرها كي تسير معه نحو سيارة كبيرة فُتح بابها بمجرد ان اقترب منها.
ومن داخل هذه السيارة وبجلسته القوية نظر لها نعمان بوجهه المخيف واعينه التي تشع *نارًا *و تسكن *الخوف *في القلوب قائلا
"هذا يعني انكِ لم تفهمي بالكلام. حذرنا أكثر من مرة وجاء وقت حصاد الرقاب، ستصبحين عظة لكل من يعارض نعمان افاي بإسطنبول"
ارتجفت هوليا و ترجته ان يتركها على وعد ان تفعل ما يريد، صمت قليلا وهو يرعبها بعينه التي لم تسقط من عليها ليرد عليها بعدها قائلا
"إذا ستجمعين عدتك وترحلين دون عودة"
تحدثت هوليا بصوت مهزوز
" لا يمكن امر كهذا، لدي معرض خاص بنهاية هذا الاسبوع ، وايضا ابنتي علي ان اربح حضانة ابنتي، لا يمكنني تركها للأغراب لينهوا زهرة شبابها "
نزل نعمان من سيارته ليقترب الرجال منه وهم يشهرون اسلحتهم بكل الارجاء كي يحمونه من أي طارئ، تحركت هوليا نحوه خطوات قليلة لتجدهم يرفعون *اسلحتهم *بوجهها، صرخت ورفعت يدها قائلة
" لا تفعلوها.. "
تحدث نعمان مرة أخرى
" سأترككِ حتى انتهاء المعرض فلوحاتك الخاصة والجديدة التي بمنزلكم القديم تستحق هذه الفرصة، اعلم انها جهود متعددة تنسب جميعا لكِ ولكنني لم اعارضكِ او اهددكِ بفضح هذا السر و اظهاركِ بهذا الشكل، تخيلي معي ماذا سيحدث لاسم كبير ولامع مثلكِ اذا فضح امام العالم والناس بانه خسر روحه الفنية الخاصة وأصبح يستعين بفنانين صغار يأخذ مجهوداتهم ويحور بها لتصبح خاصة به يعلو ويعلو بالأفق بها، حتى تشير الايادي نحوه وهم يقولون كيف لها أن تخرج عشرات اللوحات الفنية سنويا بهذا التميز دون أن يشبهوا بعضهم "
نزلت دموعها " كيف عرفت هذا. ماذا تريد مني. أنا لم *أؤذيك، حتى ولم اقترب منك. كل ما بالأمر اردت ابنتي ألا يحق لي ان استعيدها لحضني "
رد نعمان ليقول
" نسيت ان اطمئن منكِ على جوكهان بيه ، هل هو بخير؟ فرحت كثيرا انه علم وتأكد من صحة أوراق الميراث. ولكن الطعن والتشهير وجعل ملكة الفولاذ تندم بعد سفرك هاربة بابنتك لم يفرحني كثيرًا، وكأنكِ وثقتي بنفسك أكثر من اللازم"
اتسعت اعين هوليا وهي تبتلع ريقها دون كلام، ليقترب منها اكثر واكثر بقوة
حاولت ان تتراجع خوفا منه ولكن *الأسلحة *التي غرزت احداها بمنتصف ظهرها والاخرى اسفل عنقها جعلتها تتشبث بمكانها ليكون لها لقاء قريب مع عيونه الغاضبة و وجهه المخيف حين تحدث بالقرب من وجهها حتى كاد ان يلتصق بقوة شره به
" ألم أقل لكِ إنكِ لا تفهمين بالكلام"
خرجت انفاسها الخائفة من فمها استعدادا للرد ولكنه لم يعطيها فرصة و اكمل ليقول "ستجلسين هادئة على مدار الاسبوع تبتعدين عن الصغيرة شيئاً فشيئا وبعد المعرض لا اريد رؤيتكِ بإسطنبول، سترحلين بهدوء كما كنتي ترحلين بالسابق، حتى دون مساومة أو قبول لعروض التنازل عن ابنتك"
تراجع نعمان للخلف وهو يشير لرجل بعينه، اقترب الرجل من هوليا وهو يعطيها مجموعة صور وUSB.
نظرت هوليا للصور لتتسع اعينها فكيف تم تصويرها وهي بهذا الوضع ، تحدث نعمان قائلا بنبرة تحذيرية
" لا يمكنكِ احتضان ابنتكِ و المحافظة عليها بهذه الحالة "
وتحرك خطوات ليعود لسيارته وهو بحالة غريبة حين تذكر الماضي والجرح الذي بداخله، فحياة هوليا الغير مستوية واستخدامها جسدها لنيل ما ترغب به ذكرهُ بألم الماضي الذي يتهرب منه لسنوات.
زأر بصوته المخيف لتنتفض هوليا بمكانها وتتساقط دموعها مرددة
"ليس كما فهمت سنتزوج نحن سنتزوج، كي تعيش ابنتي بوسط هادئ"
عاد و اقترب منها بخطوات سريعة لينقض على رقبتها وهو يسير بها ليضع ظهرها على احدى السيارات أمامه وهو يقول
" لا زلتي تكذبين، لا زلتي تبررين، كيف يمكنك أن تحافظي عليها وانتِ تبيعين نفسك لأجل الفوز بالمعرض، كيف تريدين لطفلتكِ أن ترى علاقاتكِ المشبوهة لأجل المتعة والشهرة "
كاد ان يعتصر رقبتها بيده وهو يصرخ عليها بغضب و عيون جحظت واقترب خروجها من قوتها، سحبه سنان مساعده الخاص ليفلتها من يده بعد ان تغير لون وجهها واقترب للأزرق.
سقطت هوليا ارضا بعد تخليصها من ايدي نعمان مغشيا عليها.
يتبع ..
إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها قيد النشر حصرية لمدونتنا.
إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها قيد النشر حصرية لمدونتنا.